Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

رحل عن سماء صحافة مصر جبرائيل تقلا باشا صاحب الأهرام

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
مجلة الهلال
رحيل صاحب الأهرام

Hit Counter

 

 

‏ يوم السادس من يوليو سنة‏1943‏ هو أحد الأيام العلامة في تاريخ الأهرام‏,‏ فقد رحل عن سماء مصر جبرائيل تقلا باشا صاحب الأهرام إثر أزمة قلبية ألمت به غير متجاوز الثالثة والخمسين من عمره‏.‏
وجبرائيل تقلا يمثل مرحلة مهمة في تاريخ الأهرام سبقتها مرحلتان‏:‏
الأولي‏:‏ عندما تحمل مسئولية مسيرة الأهرام منذ‏1879‏ الأخوان سليم وبشارة تقلا‏,‏ فقد استطاعا ترسيخ وجود الصحيفة الوليدة وتجاوز بعض الأزمات مع النظام السياسي‏,‏ وأن يطورا الصحيفة‏,‏ ولعب الدور الأهم في ذلك بشارة تقلا‏.‏
الثانية‏:‏ أنه في‏18‏ أغسطس سنة‏1892‏ رحل عن دنيانا سليم تقلا لينفرد بإدارة الأهرام شقيقه بشارة فكان صاحب الفضل في وضع أغلب التقاليد التي سارت عليها الجريدة بعد ذلك‏,‏ والتي حولتها من طابع الملكية الفردية الذي ساد أغلب الصحف الصادرة في ذلك العصر‏,‏ إلي الطابع المؤسسي الذي تميزت به حتي يومنا هذا والذي منحها عمرا مديدا‏!‏
غير أنه في‏15‏ يونيو سنة‏1901‏ وافت بشارة تقلا المنية تاركا زوجته وابنه الصغير جبرائيل الذي كان قد تجاوز العاشرة من عمره‏,‏ فتحملت الزوجة أعباء إدارة الجريدة وتربية الابن ساعدها في ذلك عدد من الكتاب والمحررين الممتازين الذين كان لهم الفضل في مسيرة الأهرام من أمثال داود بركات الذي ترأس تحرير الأهرام منذ‏1899‏ وحتي رحيله سنة‏1933‏ من أمثال خليل مطران ويوسف بستاني وشبلي شميل وآخرين‏.‏
والحديث عن مرحلة جبرائيل تقلا وما قدمه للأهرام‏,‏ يستدعي التعرف علي السيرة الذاتية له‏,‏ يقول الياس زاخورة في كتابه السوريون في مصر أنه ولد بالقاهرة سنة‏1890,‏ ولما ترعرع دخل مدرسة الآباء اليسوعيين بالقاهرة‏,‏ ثم تلقي دروسه العالية في باريس ونال دبلوم الاقتصاد السياسي وليسانس الحقوق سنة‏1912‏ وقد أتقن جبرائيل عدة لغات‏:‏ الفرنسية‏,‏ الإنجليزية‏,‏ الإيطالية بخلاف اللغة العربية‏.‏
ولما عاد إلي مصر سنة‏1912‏ قيد اسمه في جدول المحامين ثم ترك المحاماة‏,‏ وفي سنة‏1919‏ انتخب نقيبا للمحامين‏.‏ وفي عامي‏1942,1939‏ فاز بالتزكية لعضوية مجلس النواب عن دائرة نكلا بمديرية الجيزة‏.‏
وعن دوره في تطوير الأهرام يقول الدكتور وليم الميري في مقال له بالأهرام نشر في‏7‏ فبراير‏1995‏ أن جبرائيل تقلا باشر عمله الصحفي سنة‏1912,‏ وعندما تولي إدارة الجريدة فتح صفحة جديدة في تاريخ الصحافة المصرية‏,‏ فقد عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة صادقة للصحف الكبري في باريس ولندن وأراد أن يرتفع بجريدته الي هذا المستوي‏,‏ فخصص عشرات الآلاف من الجنيهات لشراء أحدث آلات الطباعة وجمع الحروف وحفر الأكلشيهات وإصدار الصفحات المصورة‏
وتوسع جبرائيل تقلا في الأخبار الخارجية‏,‏ وكان شديد الاهتمام بها‏.‏ ومن أجل هذا أدخل البرقيات الخاصة في جريدته عندما اتفق في صيف سنة‏1913‏ مع جريدة الديلي تلجراف اللندية علي أن ينشر الأهرام برقياتها الخارجية وفتح اعتمادات لا حد لها للاتفاق مع وكالات الأنباء لترسل برقياتها الخاصة إلي الأهرام‏,‏ وتوسع في إنشاء مكاتب للأهرام في الخارج وإرسال المراسلين‏..‏ ولم يكن اهتمام جبرائيل تقلا بالأخبار الخارجية إلا مظهرا من مظاهر اهتمامه بالخبر باعتباره حجر الزاوية في العمل الصحفي‏
وجبرائيل تقلا هو‏,‏ بهذه المثابة‏,‏ رأس المدرسة الصحفية الحديثة في مصر التي جعلت الخبر وما يتصل به من مواد صحفية هو أساس العمل الصحفي أولا وأخيرا وهو القائل الصحافة هي الخبر‏.‏ لذلك اهتم جبرائيل تقلا‏,‏ بالأحاديث الصحفية‏,‏ وكان ينافس محرريه في الحصول علي الأحاديث المهمة‏.‏
وفي سنة‏1928‏ بدأت الأهرام تنشر تحقيقاتها الصحفية خارج مصر عن الأحداث في الشرق والغرب وكانت التحقيقات ترسل بالطائرة وتنشر فور وصولها‏.‏
كذلك عمل جبرائيل تقلا عن تطوير جريدته من الناحية الفنية‏,‏ وكان يحرص علي حضور معظم المؤتمرات والمعارض الصحفية الدولية ليقتبس منها ما يراه نافعا لجريدته وزاد من صفحات الجريدة حتي وصلت إلي ست عشرة صفحة ابتداء من سنة‏1931.‏ وفي أول يناير سنه‏1932‏ أصدر الأهرام مصورا في صفحتيه الأولي والأخيرة‏,‏ وأصدر الأعداد الخاصة مثل عدد الأهرام الزراعي وعدد الأهرام الصناعي‏.‏ وفي سنة‏1942‏ نقل الصور بواسطة الراديو‏.‏
احتل خبر الوفاة والجنازة وردود الأفعال الصفحات الأولي من اليومين الأولين ومعظم صفحات الجريدة حتي‏11‏ يوليو‏,‏ فقد تصدر مشهد الجنازة صدر الصفحة الأولي من عدد يوم الخميس‏8‏ يوليو حيث أوردت الأهرام كيف أنه قبل أن تحين الساعة الخامسة من مساء يوم الأربعاء‏7‏ يوليو أخذت أفواج من عظماء الدولة وأعلام طبقاتها المختلفة تفد إلي كاتدرائية الروم الكاثوليك في الفجالة حيث تقام الصلاة علي الفقيد‏,‏ ويبدأ تشييع الجنازة‏

وعلي الرغم من سعة الكاتدرائية فقد ضاقت علي رحبها بالألوف المؤلفة التي وفدت إليها واضطر كثيرون إلي الانتظار في فنائها‏..‏ كما كانت الجماهير تفد إلي الكاتدرائية أفواجا كذلك كانت أكاليل الورد الغالية تحمل تباعا حتي غص بها فناء الكاتدرائية‏..‏ وقبيل الساعة السادسة بدأت مراسم الصلاة علي الفقيد‏..‏ وعقب انتهاء الصلاة تقبلت السيدة الفاضلة أرملة الفقيد ونجله وكريمته العزاء من كبار المعزين وفي مقدمتهم مندوب حضرة صاحب الجلالة الملك ومندوب صاحبة الجلالة الملكة نازلي وممثلو حضرات أصحاب السمو الأمراء‏
ورفعة رئيس الحكومة ورئيسا مجلس النواب والشيوخ وحضرات الوزراء وغيرهم من الكبراء والعظماء‏..‏ ثم أخذ موكب الجنازة في سيره‏,‏ يتقدمه راكبو الدراجات من رجال المرور فسعاة الأهرام وعمالها فرجال البوليس ثم رجال حرس البرلمان يحفون من حول جثمان الفقيد وقد حمله أبناء أسرة الأهرام علي أعناقهم وأبوا أن تحمله حاملة الموتي ويلي الجثمان المشيعون من كبار رجال الدولة وهم الذين قدموا واجب العزاء من قبل لأسرة الفقيد‏..‏ ولما بلغت الجنازة ميدان الأوبرا تقبل نجل الفقيد ورئيس تحرير الأهرام عزاء المشيعين مقدرين نبل شعورهم نحو الراحل الكريم‏,‏ ثم حمل الجثمان علي المركبة الجنائزية وأخذ الموكب سيره في رتل متصل من السيارات والمركبات الي المدافن حيث وري الثري والذي عنده تنتهي رحلة كل حي‏..

توفيق دياب ومحمود عزمي فقالا إنه خلق لينهض بالصحافة العربية ـ وكل ميسر لما خلق له ـ فكان إمام المجددين في الفن الصحفي وضعا وموضوعا ومظهرا ومخبرا‏....‏ وكان احرص أصحاب الصحف علي زميل عامله وعاشره واشترك في بناء الأهرام‏,‏ ولم يوضع حصاة صغيرة لتقوية هيكلها المتين‏,‏ ولايعرف مساهما في الأهرام ـ من هيئة التحرير أو الأخبار أو هيئة العمال ـ إلا بعثت قيمة عبقرية تقلا وكرم سجاياه وسمو إنسانيته احساسا عميقا بأنه شريك في تلك المنشأة الكبري‏,‏ فإذا حال العجز بين أحد منهم وبين متابعة العمل تفقده جبرائيل تقلا وأجري عليه من المعاش مايكفيه‏.‏ فإذا كان الحائل هو الموت أسبغ رحمته وإنسانيته علي عيال العامل الراحل سنوات‏.‏
رثـــاء
أما كامل الشناوي فرثاه بكلمات معبرة قائلا مجدك الباقي علي الزمن‏,‏ ترمز إليه الأهرام كل صباح ـ بنك النافذ إلي هذه البيوت الكثيرة التي أقفل الفقر أبوابها وفتحها نداك‏....‏ وإلي تلك العيون التي أسال الدهر دموعها‏,‏ فمحسها كفاك‏...‏ وإلي هؤلاء الذين اشتغلوا معك فعرفوا فيك تقلا الزميل‏,‏ وتقلا الصديق‏,‏ وتقلا المحرر‏,‏ وتقلا العامل‏,‏ ولم يعرفوا تقلا صاحب العمل‏.‏

وفي كلمات معبرة دقيقة قال مصطفي أمين‏...‏ ياصديقي العزيز‏!‏ نم مطمئنا فقد كنت تقول أنك تريد أن تعيش لتري الأهرام قويا نظيفا‏...‏ وليس سلاحا في يد الحكومات بل يكون سلاحا يشهره الوطن في وجه أعداء الوطن‏....‏

وإنني أري الأهرام كذلك وسيبقي كذلك وسنبقي نحن نمضي في نشر رسالتك وتنفيذ وصيتك‏.‏ لم يمت صاحب الأهرام فإن أمثاله من الرجال العظام لايمكن أن يموتوا فسيبقي اسمه وسيبقي ذكره مابقيت في مصر صحافة‏...‏ ومابقي في الشرق أهرام‏.‏

أما صحف ذلك الزمان مثل المصري والمقطم والدستور والبلاغ والوفد المصري والبصير ومصر والمصور والجورنال ديجيبت‏,‏ البروجرية إجبسيان والإجبشيان جازيت والبورص إجبسيان والإجبشيان ميل‏,‏ لاباتري‏,‏ فقد فاضت واستفاضت في ذكر مناقب الفقيد وأياديه البيضاء علي الصحافة بشكل عام وعلي الأهرام بشكل خاص وننقل هنا بعضا مما قالته المصري مات جبريل تقلا أثبت مايكون في ميدان الصحافة وأروع مايكون جهادا في سبيل تقدمها وازدهارها وأكرم مايكون بذلا من أجلها‏.‏

أرايت إذن إلي الأهرام كيف زلزت أركانها‏,‏ واهتزت جنباتها‏,‏ إذ فجعت في عميدها وعمودها وهي ـ والحزن يحيط بها في خطبها ـ لاتقف في الميدان وحدها‏,‏ فالصحف كلها بل والأمة بأسرها شاطرها حزنها وتشترك معها في حدادها وسوادها‏...‏

قضي جبرائيل تقلا باشا وذهبت روحه إلي بارئها‏,‏ راضي النفس‏,‏ مؤدي الواجب‏,‏ رافعا علم الصحافة في يمينه مع رافعيه عاملا علي إرشاد الرأي العام مع مرشديه‏,‏ متوجا رأسه بتاج الصحافة الذي يزين الرؤوس والذي هو خير وشاح تحمله رفات علي صدرها بل خير إكليل يذهب معها إلي قبرها‏.‏

ونحت الإجيبسيان ميل منحي آخر عندما أشارت إلي أن الصحافة المصرية مدينة له ولوالده بشارة تقلا باشا من قبله بدين كبير‏,‏ فقد رفع الفقيد مستوي الصحافة العربية وهو أول من استعمل حروف الانتراتيبالعربية‏.‏ وكان فوق ذلك مضرب الأمثال بين أصحاب العمل فكان لايضن بمال في المجيء بكل جديد أو تنفيذ فكرة مستحدثة إذا اقتنع بأنها توصله إلي نتائج أفضل‏.‏

هذا بالإضافة إلي عشرات المرثيات ورسائل التعازي من شخصيات مهمة ومغمورة ومن أهل دائرته في نكلا ومن كافة أنحاء مصر ومن هيئات مؤسسات صحفية وغير صحفية هذا بالإضافة إلي التبرعات علي روح الفقيد‏.‏

إضافة إلي ماسبق فقد تباري الشعراء من كل أنحاء مصر يقدمون ماجادت بها قريحتهم الشعرية مثل علي الجارم وعلي الجندي وأحمد محرم والعوضي الوكيل وعلي محمود طه ومحمد مصطفي حمام ومحمد الاسمر وغيرهم‏,‏ ومن قصيدة علي الجندي نقتطف تلك الأبيات‏:‏

وينهي علي الجارم قصيدته نهاية رائعة فيقول‏:‏ ولم يقتصر الأمر علي داخل مصر‏,‏ فعلي المستوي العربي انهالت علي الأهرام وأسرة جبرائيل رسائل التعازي من بعض صحفيي العراق وفلسطين ومن نقيب محامي حلب ووزير خارجية سوريا‏,‏ أما في لبنان فأبرق مراسل الأهرام في بيروت أن بعض الشخصيات اللبنانية البارزة تعمل علي تأليف لجنة من الأدباء لإقامة حفل تأبين للمغفور له جبرائيل تقلا باشا صاحب الأهرام‏....‏

أما علي المستوي العالمي فقد كتبت صحيفة الأفريكان وورلد في لندن مقالا أثنت فيه علي الأعمال العظيمة التي قام بها الفقيد وخصت بالذكر الاهتمام الخاص الذي وجهته الأهرام إلي الشئون الخارجية‏.‏

أما المستر هرليهي مدير شركة روتر فقال في برقية تعزيته ـ التي وزعت علي كافة أنحاء العالم ـ إن تقلا باشا كان فتي في يوم مات أبوه‏,‏ وأصبح محرر الأهرام وصاحبها‏,‏ وقد درس تقلا باشا الأساليب الصحفية الحديثة‏...‏ فجعل من الأهرام أعظم جريدة في الشرق الأوسط‏.‏ وهكذا زود جريدته بالآلات الحديثة‏,‏ وبالصور‏,‏ وجعل بها مراسلين خصوصيين في الخارج‏,‏ واختصها بأنباء خاصة من وكالات الأنباء‏,‏ وهي مظاهر لم تكن معروفة عند الصحف العربية من قبل‏ وكانت جريدة الأهرام توزع أيام السلم بواسطة الطائرات في الشرق الأوسط‏.‏

أما في الولايات المتحدة فقد أثنت كل من جريدتي نيويورك تيمس و واشنطن بوست علي مواهب فقيد الصحافة المصرية والصحافة الشرقية قائلة‏,‏ إن نفوذ جريدة الأهرام ليس مقصورا علي مصر بل يتجاوزها إلي جميع أنحاء العالم‏.‏ ولقد ساهم هذا الرجل العظيم بأوفر نصيب في سبيل تقوية روابط الصداقة بين مصر والولايات المتحدة‏.‏
***********************************

عن الأهرام 7/8/2008م السنة 132 العدد 44439 عن مقالة بعنوان [ ديوان الحياة المعاصرة - ‏رحيل صـاحب الأهرام ]

 

This site was last updated 02/27/09