وطنى 15/7/2007م عن مقالة بعنوان " قراءة في رواية أدماتيوس الألماسي لسلوي بكر " بقلم الكاتب ماجد كامل
مع نهاية عام 2006 حرجت علينا الروائية المبدعة سلوي بكر برواية جديدة عنوانها أدماتيوس الألماسي التي تتناول العصر الذهي لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية وهو عصر العلامة أوريجانوس علي وجه التحديد, ولقد اشتهرت الروائية سلوي بكر بالعديد من الروايات التاريخية التي تتناول الحقب المصرية المختلفة, لعل من أشهرها رواية البشموري بجزءيها الأول والثاني, أما عن الروائية سلوي بكر نفسها فهي روائية مصرية معروفة ولدت في مدينة القاهرة ودرست إدارة الأعمال بجامعة عين شمس, كما درست النقد المسرحي بمعهد الفنون المسرحية, صدرت لها عدة مجموعات قصصية نذكر منها زينات في جنازة الرئيس وإيقاعات متعاكسة وعن الروح التي سرقت تدريجيا ومن أشهر روايتها المنشورة العربة الذهبية لا تصعد إلي السماء ووصف البلبل وليل نهار وكانت هذه الرواية التي نحن بصددها الآن هي آخر أعمالها المنشورة, وقد سبق أن ترجمت أعمالها إلي الكثير من اللغات الأجنبية نذكر منها الألمانية والإنجليزية والهولندية والفرنسية..... إلخ.
أما العلامة أوريجانوس نفسه موضوع الرواية, فهو واحد من أشهر وأهم معلمي المسيحية الكبار في الستة قرون الأولي وأكثرهم إثارة للجدل في نفس الوقت, ولد عام 185 بمدينة الإسكندرية من أبوين مسيحيين تقيين, استشهد والده خلال فترة الاضطهاد الذي أثاره سبتميوس ساويرس علي الكنيسة وكان عمر أوريجانوس وقتئذ 16 عاما وتحكي عنه كتب التاريخ أنه أراد أن يذهب مع والده لنوال إكليل الشهادة لولا أن والدته منعته بالقوة حتي أنها اضطرت إلي إخفاء ملابسه عنه, بعد وفاة والده أصبح هو العائل الوحيد للأسرة فقام بإعطاء دروس خصوصية لبعض الأسر الميسورة ولقد ذاع صيته كثيرا حتي أصبح مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وعمره حوالي 19 عاما, وخوفا علي نفسه من عثرة الفتيات في المدرسة قام بإخصاء نفسه مما أثار عليه غضب البابا وقتئذ وهو البابا ديمتريوس الأول البطريرك الـ 12 في سلسلة تواريخ بطاركة الإسكندرية وهو الذي اشتهر بلقب ديمتريوس الكرام, وهو واضع حساب الأبقطي الذي علي أساسه تقوم الكنيسة بحساب موعد عيد القيامة المجيد فهرب إلي قيصرية فلسطين, فقام البابا ديمتريوس بحرمه في مجمع مكاني عقد بمدينة الإسكندرية, وذلك كان عام 232 بسبب عدة أخطاء لاهوتية وشخصية -سوف نأتي علي ذكرها فيما بعد- مما اضطره إلي الاستقرار في قيصرية فلسطين, وأسس هناك مدرسة ومكتبة لاهوتية كبري وصفت بأنها مهمة وشاملة وفيها تتلمذ سواء علي فكر العلامة أوريجانوس أو علي مدرسته ومكتبته الكثير من آباء الكنيسة العظام نذكر منهم القديس باسيليوس الكبير واضع القداس الباسيلي الذي تصلي به كنيستنا القبطية الأرثوذكسية - القديس غريغوريوس أسقف نيصص - القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات) واضع القداس الغريغوري الذي تصلي به كنيستنا القبطية في الأعياد السيدية - القديس غريغوريوس الصانع العجائب - القديس يوحنا ذهبي الفم.....الخ.
مواهب متعددة
ولقد اشتهر بكثرة تأليف الكتب حتي قال عنه أحد آباء الكنيسة العظام لم يوجد العقل البشري الذي يستطيع أن يستوعب كل ما كتبه أوريجانوس, وقال عنه القديس جيروم رغم أنه كان من أشد خصومه أن القارئ مهما كان مولعا بالمطالعة لا يستطيع أن يتصفح جميع الكتب التي صنفها أوريجانوس وذلك لكثرتها ولقد قيل عنه إنه كتب أكثر من ستة آلاف كتاب ومن أشهر كتبه المحفوظة حاليا كتاب المبادئ وكتاب الرد علي كلسوس وهو فيلسوف وثني قام بالهجوم علي المسيحية فاهتم العلامة أوريجانوس بالرد عليه في هذا الكتاب وله كتاب في الحث علي الاستشهاد والحث علي الصلاة كما اهتم بترجمة الكتاب المقدس في ستة أعمدة فيما عرف بالهكسابلا أو السداسيات ثم أضاف إليها ثلاث ترجمات أخري فيما عرف بالتساعيات ومن هنا فهو يعتبر مؤسس علم الدراسة المقارنة للكتاب المقدسComparative Study Of The Bible, ولقد تعرض لاضطهاد شديد في عهد الإمبراطور داكيوس وتحمل فيه كل أنواع العذابات, ثم أفرج عنه وتوفي بعدها بقليل ربما بتأثير العذابات الشديدة وكان ذلك عام 254م عن عمر يناهز حوالي 69 عاما تقريبا. وعلي الرغم من المكانة العالية لأوريجانوس فإن الكنيسة لا تعتبره قديسا وإنما تعطيه لقب العلامة فقط, وهذا يرجع إلي سقوطه في عدة أخطاء لاهوتية وشخصية نذكر منها: إيمانه بإمكانية خلاص الشيطان - الوجود السابق للنفس البشرية Pre - Exsitence Of The Soul وهو هنا متأثر بالفيلسوف اليوناني أفلاطون - إيمانه بمبدأ إمكانية عودة الروح إلي الجسد مرة أخري Re - Incarnation - علم بأن النفس البشرية للسيد المسيح اتحدت بلاهوته قبل التجسد من العذراء مريم أما عن الأخطاء الشخصية فأشهرها أنه قام بإخصاء نفسه كما قبل الرسامة الكهنوتية من أسقف غير أسقفه, والحق أن أوريجانوس كان مدركا لبعض هذه الأخطاء حتي أنه كتب متأسفا علي نفسه ذات مرة أيها البرج العالي, كيف سقطت إلي الحضيض, وأنت أيتها الشجرة المثمرة, كيف يبست, أيها النور المتقد كيف انطفأت, أيها الينبوع الجاري, كيف نضبت, ويلي فإني كنت مشتملا علي مواهب ونعم كثيرة قد عريت منها جميعا, فرقوا لحالي يا أحبائي فإني قد اتحدت مع الشيطان, وأشفقوا علي يا أصدقائي فإني رذلت وطرحت من أمام وجه الله, أغثني أيها الروح القدس وهب لي من لدنك نعمة لأتوب, رب اظهر لي رحمتك لخروفك التائه الذليل من الذئب المفترس ونجني من غمه, واقبلني أيضا في فرح إلهي واجعلني أهلا لملكوته بواسطة خالص صلوات الكنيسة عني,
استلهام التراث
وعودة مرة أخري إلي رواية سلوي بكر الممتعة, فلقد كانت كما عودتنا دائما في معظم روياتها وخصوصا رائعتها الشهيرة البشموري ج 1 وج2 مطلعة اطلاعا جيدا علي التراث المصري القديم سواء الفرعوني أو اليوناني الروماني أو المسيحي الأرثوذكسي أو البدع والهرطقات الغنوسية مما جعلنا نشر أننا بصدد دراسة تاريخية ولاهوتية وليست مجرد رواية خيالية. ومع ذلك لم تسلم الرواية من بعض الأخطاء التاريخية نذكر منها:
1- عنوان الرواية أدماتيوس الألماسي وصحة الاسم أدامنتيوس Adamantius ومعناها الماس باللغة اليونانية وذلك رمز وكناية إلي امتياز وسمو أفكار أوريجانوس من جهة, كما يفيد المعني الاصطلاحي للاسم لا يغلب وذلك رمز وكناية إلي قوة حجته التي لا تغلب حيث إن الماس من المعادن غير القابلة للكسر راجع يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - ترجمة القمص مرقس داود ص 304.
2- في صفحة 93 من الرواية ذكرت أن القديس بنتينوس أضاف ستة حروف يونانية إلي اللغة القبطية, والصحيح أنها سبعة حروف ديموطيقية المرحلة الثالثة من تطور اللغة المصرية القديمة وهي شاي - خاي - فاي - هوري - جنجا - تشيما - تي.
3- في صفحتي 228 و229 من الرواية تذكر حادثة هدم معبد السرابيوم وتذكر أنه أثناء هدم المعبد تم قتل الفيلسوفة الوثنية هيباتشيا والثابت تاريخيا أن هدم معبد السرابيوم قد تم عام 391, أما مقتل الفيلسوفة هيباتشيا فقد تم عام 414 أي بعدم هدم المعبد بـ 23 سنة.
ولكن كل هذه الأخطاء لا تقلل من القيمة الفنية العالية التي في الرواية والتي جعلتنا نعيش معها في أعماق القرنين الثاني والثالث الميلاديين بمدينة الإسكندرية ونستنشق عبق الفكر المصري القديم.. فتحية خالصة إلي الروائية المبدعة سلوي بكر ونطلب منها المزيد من الإبداعات الجميلة التي تسبر غور التراث المصري القديم وتكشف عن كنوزه المختفية.
=====================================================================