Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

العرب والأرواح والجن والشياطين

  هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
علم الكهانة  والخرافات والعادات الوثنية
الطيرة
الجن وأساطير العرب

Hit Counter

 

  جارى العمل فى هذه الصفحة

*******************************************************************************************************

الجزء التالى للمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل الرابع والثمانون - تسخير عالم الارواح - ص 820 - 830 نقلنا هذه الصفحة بدون تغيير ولكننا وضعنا لكل فقرة عنوان

*******************************************************************************************************

 


للعالم الخفي، وأقصد به عالم الأرواح وكل ما لا تراه العين ويدركه الحس من قوى طيبة أو خبيثة، أثر خطير في عقائد أهل الجاهلية، وفي عقائد الشعوب القديمة، وفي أنفس كثير من الناس حتى اليوم، إذ يشغل ذلك العالم في الواقع جزءاً خطيراً من الدين ومن حياة الناس عامة.. فهناك صلوات وشعائر وأدعية مكتوبة وغير مكتوبة تتلى وتقال وتقرأ للسيطرة على ذلك العالم، وللانتفاع منه، ولتسخيره في سبيل خير الإنسان ومصلحته، ولتجنب أذى النوع الخبيث منه. واذا تأملنا هذه الاعتقادات، عند الجاهليين، وجدنا انها قد كونت الجزء الأكبر من عقيدتهم وديانتهم، وانها والذبائح من الأصول التي ارتكزت عليها ديانات العرب قبل الإسلام.
والواقع ان الاعتقاد بالأرواح يشغل جزّءاً كبيراً من فناء الدين عند الجاهليين، وإن بدا لنا انه شيء لا علاقة له بالدين. فنحن حين البحث في موضوع العقيدة والدين عند أهل الجاهلية، لا نتحدث بالطبع عن العقيدة والدين بالنسبة إلى معتقداتنا وبالنسبة الى تفكير الإنسان في القرن العشرين، وانما نتحدث عن رأي أناس عاشوا قبل الإسلام، وعن جماعة أدركت الإسلام: كانت الأرواح في نظرها أكثر اثراً في حياة الفرد من أثر الالهة فيه. فتقرب وتوسل اليها أكثر من تقربه وتوسله إلى الهته التي كان يرى ان بيدها مفتاح سعادته وشقائه. وآية ذلك كثرة الكلمات والمصطلحات الجاهلية المتعلقة بها، وما ورد في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي والأخبار من أثر الجن في نفوس القوم، حتى تصوروهم آلهة وشركاء للأرباب في ادارة دفة هذا الكون.
هذا، ونحن إن ذكرنا الأرواح، فإننا لا نقصد المعنى المفهوم منها في رأينا، بل نقصد هذا المعنى وشيئاً آخر أعم وأوسع منه،معنى يشمل ايضاً بعض الأحجار والأشجار والآبار والكهوف وأمثال ذلك من أشياء تصور أهل الجاهلية أنها تكمن فيها قوة خارقة تستطيع التأثير في حياة الناس، فتقربوا اليها بالزيارات والقرابين وبالتضرع والتوسل والأدعية لقدسيتها ولتلك القدرة العجيبة التي فيها، فهي من حيث النفع أو الضرر كالأرواح: لوجود قوى خارقة غير منظورة فيها، هي من الأرواح، فتقرب اليها الإنسان لذلك، لغرض الاستفادة منها أو دفع أذاها وطبيعة الأرواح، طبيعة غير مرئية ولا منظورة، هي لطيفة خفيفة مستورة.

عقيدة العرب الوثنيين فى الجن والشياطين التى أنتقلت إلى الإسلام
إنما يجوز لبعضها الظهور في صورة أشباح، والتجسم على هيأة الأجساد. ثم انها على طبيعتين: شريرة وخيرة، خبيثة وصالحة. من الطبيعة الأولى الشياطين وبعض أنواع الجن، ومن الطبيعة الثانية الملائكة والشطر الثاني من الجن. وأثر الخبيث من الأرواح أوضح وأكثر في عقلية أهل الجاهلية من أثر الفريق الصالح. وهو شيء منطقي مفهوم، فالإنسان إلى الشر أقرب منه إلى الخير، ذلك اْن من طبع الخير عدم إلحاق الأذى بالغير، فلا يخشى منه. أما الشرْير، ففي طبعه إلحاق الضرر والأذى بكل واحد، وفي كل لحظة يراها، لذلك التفتت اليه الأنظار حذراً منه، وخشية من مكره، وتقرّبت وتوددت اليه، لا حباً، ولا تقرباً اليه لأنه جدير به، بل انما تملّقاً وتزلفاً لإبعاد شره، وأمن جانبه على نمط ما يفعله الناس تجاه الأقوياء من الأشرار حيث يتقربو ن اليهم أو يبتعدون عنهم طمعاً ورهبة تمشية لأمور معاشهم، لا حباً لهم واخلاصاًَ لاستحقاقهم ذلك الحب والاخلاص.

الجن والحن , الكلاب السود التى أمر بقتلها محمد لأن جبريل لا ياتيه فى وجوده
وقد ذكر "الجاحظ" ان الأعراب تجعل الخوافي والمستجنّات جنسين يقولون جن " وحن". وقصد ب "الخوافي" الأرواح.، لأنها لا ترى. وذكر غيره ان "الحن"، حي من الجن، كانوا قبل آدم، يقال منهم الكلاب السود البهم، يقال كلب حني أو سفلة الجن وضعفاؤهم او كلابهم ومنه حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، الكلاب من الحن، وهي ضعيفة الجن، فإن كان عندكم طعام فالقوا لهن، فإن لهن أنفساً، أي تصيب بأعينها". وذكر ان "الحن" خلق بين الجن والانس.
وذكر "الجاحظ" أيضاً أن بعض الناس يضم الجنّ على قسمين، فيقول: هم جنّ و "حن.".ويجعل "الجن" أضعفها. وقد ذهب بعض أهل الأخبار إلى أن "الحن"، هم كلاب الجن و سفلتهم، وشر أنواع الجن. ويجعلون الجن فوق الحن.

لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان له
ويقال للجنّ الجان، و "الجنة" كذلك. و "الجان" اسم جمع للجن على رأي بعض علماء اللغة. وقد ورد في مقابل "الإنس" في القرآن الكريم، ) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان له(، وصيره اسم أبي الجن بعض العلماء، أي في مقابل ادم أبي البشر. وقد ذهب بعض المستشرقين الى ان كلمة "الجن" من الكلمات المعربة، وذهب بعض آخر الى انها عربية. وأرى انها من الكلمات السامية القديمة، لأن الايمان بالجن من العقائد القديمة المعروفة عند قدماء الساميين وعند غير الساميين كذلك. والجن قوم مستترون، وكلمة "جنون" من هذا الأصل، ومن معاني أصل الكلمة الاستتار.

أصل كلمة "الجن"
ولم يتوصل الباحثون حتى الان إلى رأي ثابت في أصل كلمة "الجن". فمنهم من رأى أنهم اسم صنم من أصنام العرب القديمة، ومنهم من رأى أنها من اصل اباه، وخرقوا له بين وبنات، و تخرصوا لله كذباً، فافتعلوا له بنين وبنات جهلا وكذبا. وورد ان الله تزوج الجن، وان الملائكة هم بناته من هذا الزواج. "قال كبار قريش: الملائكة بنات الله. فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم ? قالوا: بنات سراة الجن".

من العرب كان يعبد الجن
ويفهم من القرآن الكريم أيضاً ان من العرب من كان يعبد الجن: )قالوا: سبحانك، أنت ولينا من دونه، بل.كانوا يعبدون الجن، اكثرهم بهم مؤمنون (. وذكر "ابن الكلبي" ان "بني مليح" من خزاعة رهط طلحة الطلحات، كانوا ممن تعبد الجن من الجاهليين. ويزعمون ان الجن تتراءى لهمْ. وفيهم نزلت: )إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم(. وذكر ان قبائل من العرب عبدت الجن، أو صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن. ويقولون هم بنات الله، فاًنزل الله.: )أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة. أيهم اقرب. و يرجون رحمته و يخافون عذابه. إن عذاب ربك كان محذوراً(. وليس لدى المفسرين أو أهل الأخبار علم واضح عن كيفية اعتقاد بعض العرب بألوهية الجن وبمصاهرتها للالهة أو الإلَه. وما ورد عن ذلك في القرآن، مجمل. والظاهر أن ذاكرة الأخباريين لم تتمكن من حفظ تفاصيل هذه العقيدة والعقائد المماثلة الأخرى، ولا بد وأن تكون لها اسطورة قديمة، يظهر أنها ماتت قبل الإسلام، أو أن المسلمين تركوا روايتها لمعارضتها للاسلام ولأنها كانت في نظرهم خرافة تتعلق باًصنام، فلم يروا الاهتمام بها، وتركوها، ولولا ورود ذكرها مقتضباً في القرآن، فلربما صرنا في جهل تام باًمر تلك العبادة.
ويرى "نولدكه" أن الجاهليين لم يتعبدوا للجن، ولم يتخذوها آلهة على نحو ما نفهم من معنىْ الآلهة، وأن "عبد الجن"، وإن دل على التعبد للجن إلا ان هذه التسمية لا تدل حتماً على عبادة للجن.

الجن تتألف من عشائر وقبائل
وتتألف الجن من عشائر وقبائل، تربط بينها رابطة القربى وصلة الرحم. وهي كعشائر وقبائل جزيرة للعرب، تتقابل فيما بينها، ويغزو بعضها بعضاً. ولها أسماء ذكر بعضاً منها أهل الأخبار، كما أن لها ملوكاً وحكاماً وسادات قبائل. فهي في حياتهْا تحيا على شكل نظام حياة الجاهليين. واذا اعتدى معتد على جان انتقمت قبيلته كلها من المعتدي أو المعتدين. وبين قبائل الجن عصبية شديدة، كعصبية القبيلة عند الجاهليين، وهي تراعي حرمة الجوار، وتحفظ الذمم والعقود وتعقد الأحلاف. فنحن إذن أمام حياة.جاهلية مستترة غير منظورة، هي حياة جن جاهلبين، ومن الجن "بنو غزوان" "بنو عزوان".
وقد تتقاتل طوائف من الجن، فيثير قتالها عواصف الغبار، ولذلك فسر الجاهليون حدوث العواصف وللزوابع بفعل الجن. ونجد هذه الفكرة فكرة إحداث الجن للرياح والعواصف في المزامير من أسفار التوراه.

الجن فيهم الحضر والمتنقلة
وهم مثل البشر، فيهم الحضر، أهل القرار، وفيهم المتنقلة وهم أعراب الجن، وفيهم من يسير بالنهار، وفيهم من يسير بالليل، وهم "سراة الجن"، و "السراهّ". قال الشاعر: اتوا ناري فقلت منون قـالـوا: سراة الجن، قلت: عموا ظلاماْ
سادة ورؤساء وعظماء الجن منهم: الشنقناق والشيصبان

وللجن كما للانس سادة ورؤساء وعظماء، نذكر منهم: الشنقناق والشيصبان.
وقد ذكر الأول في شعر "بشار بن برد" وفي شعر لأبي النجم، وفي شعر حسان بت ثابت. و "دحرش" أبو.قبيلة من الجن.
عقد العرب أحلافاً ومعاهدات مع الجن

وعقد الجاهليون أحلافاً مع الجن على التعاون والتعاضد، فقد ذكر ان قوماً من العرب، كانوا قد تحالفوا مع قوم من الجن من "بني مالك بن أقيش".

قصص الجن مع الإنسان

 ويذكر الرواة قصصاً عن الجن مع الإنسان. يذكرون أن "تأبط شراً" رفع كبشا تحت إبطه، وأخذه معه إلى الحي، فصار يبول عليه في الطريق، حتى إذا قرب من مكانه، ثقل عليه، فرمى به، فإذا هو الغول. ويذكرون أن ابن امرأة من الجن أراد الحج في الجاهلية، فخافت عليه أمه من سفهاء قريش، ولكنه ألحّ عليها بان تسمح له بالذهاب. فلما أكمل الطواف، وصار ببعض دور بني سهم، عرض له شاب منهم فقتله، فثارت غبرة شديدة بمكة، ومات من بني سهم خلق كثير قتلهم الجنّ انتقاماً منهم لمقتل الجان، فنهضت بنو سهم وحلفاؤها ومواليها وعبيدها، فتركوا الجبال والشعاب بالثنيّة، فما تركوا حيّة ولا عقرباً ولا عظاية ولا خنفساء ولا شيئاً من الهوام يدب على وجه الأرض إلا قتلوه، حتى ضجت الجن، فصاح صائحهم من على أبي قبيس يطلب وساطة قريش بينهم وبين بني سهم الذين قتلوا منهم أضعاف ما قتله الجن من بني سهم، فتوسطت قريش، وانهي النزاع، وتغلب بنو سهم على الجن.
والجن مثل البشر، يعتدون كذلك، ولا يردعهم من اعتدائهم إلا القوة.
هذا رجل من "بني سهم" يقص علينا في الإسلام انه كان ب "تبالة" يراجع نخلاً له، وبين يديه جارية له، فصرعت، فادرك ان الجن هم الذين صرعوها، فوقف عليها قائلاً: يا معشر الجن ! أنا رجل من بني سهم،وقد علمتم ما كان بيننا وبينكم في الجاهلية من الحرب وما صرنا اليه من الصلح والعهد والميثاق ان لا يغدر بعضنا ببعض، ولا يعود إلى مكروه صاحبه، فإن وفيتم وفينا، وإن غدرتم عدنا إلى ما تعرفون. فخافت الجن من هذا التهديد، وأفاقت الجارية، ولم يصبها بعد ذلك مكروه. وذهب الجاهليون إلى جواز قتل الجن للانسان. وقد بقى هذا الاعتقاد في الإسلام. فلما قتل "سعد بن عبادة بن دليم"، زعم ان الجن قتلته. ولما قتل المغني المعروف "الغريض"، وهو من الموالي، وكان نشأ خياطاً ثم أخذ الغناء بمكة. عن "ابن سريج"،زعم أن الجن نهته أن يغني لحنه الذي يقول فيه: تشرب لون الرازقـي بـياضـه أو الزعفران خالط المسك رادعه
فلما لم ينته قتلته الجن في ذلك خنقاً وزعم أن الجن خنقت "حرب بن أمية"، وقالت الجن في ذلك شعراً.
وقتلت "مرداس بن أبي عامر"، أبا "عباس بن مرداس"، واستهوت "سنان بن حارثة"، ليستفخلوه، فمات فيهم. واستهووا "طالب بن أبي طالب"، فلم يعثر أهله له على أثر، واستهووا "عمرو بن عدي" اللَّخمي الملك، ثم ردّ وه على خاله "جذيمة بن الأبرش"، بعد سنين وسنين. واستهووا "عمارة ابن الوليد بن المغيرة"، ونفخوا في أحليله، فصار مع الوحش.

 الجن تتصادق مع الإنسان وتتّباغض معه، وقد تقتله
ويروي أهل الأخبار ان الجن تتصادق مع الإنسان وتتّباغض معه، وقد تقتله، ورووا في ذلك قصصاً، وذكروا أنها قد تتألم لوفاة رجل طيب أو شهير مجوب. وقد تعطف على المحتاجين والمعوزين. وفي جملة ما قالوه عن الجن ان "أبا هالة" كان قد خرج في الجاهلية في عير لقريش يريد الشام، فنزل وادياً يقال له: "عز"، وانتبه آخر الليل فاذَا شيخ قائم على صخرة، وهو ينشد شعراً في رثاء عبد الله بنُ جدعان، وكان ذلك الشيخ جان من الجن. وقد ذكر أهل الأخبار محاورة من الشعر قالوا انها جرت بين "أبي هالة"، وبين ذلك الشيخ الجني الذي عين وقت وفاة عبد الله بن جدعان وثبته بالضبط فكان كما قال.

الحب بين الجن والإنس
وقد يقع الحب بين الجن والإنس. فقد ذكر ان الجنية قّد تتيع الرجل تحبه، ويقال لها: تابعة. ومن ذلك قولهم معه تابعة، أي من الجن. والتابعة جنية تتبع الإنسان كما يكون للمرأة تابع من الجن، يتبع المرأة يحبها. وقد يعشقّ الجني امرأة ويتصادق معها. هذا "منظور" الجني، عشق امرأة اسمها "حبةّ"، وتصادق معها، فكانت "جمة" تتطبب بما يعلمها منظور.

الجن يسرق الأطفال والرجال والنساء
وقد يسرق الجن الأطفال والرجال والنساء، وللاخباربين قصص يروونه في ذلك. وينسب فقدان الأشخاص في البوادي إلى الجن في الغالب. غير انها قد تنفع الناس أيضاً، لأن من الجن من هو طيب النفس، مفيد ناقع، ولاسيما اذا تقرب اليها الإنسان وأحسن اليها. رأى الشاعر عبيد بن الأبرص حية،فسقاها.
فلما ضل جمل له وتاه، نادى هاتف بصوت مسموع سمعه عبيد بن الأبرص مشيراً إلى الموضع الذي ذهب الجمل اليه. فذهب عبيد إلى المكان،وجاء بجمله. وكان هذا الهاتف هو صوت الحية التي هي جان من الجن.

قد يتصاهر الإنسان مع الجن
وقد يتصاهر الإنسان مع الجن، فقْد كان لعمرو بن يربوع بن حنظلة التميمي زوج من الجن: ولكنها لم تبق معه، بل اختفت بعد ذلك عند ظهور البرقْ. ونسبت بعض الأسر والقبائل مثل "بني مالك"، و "بني شيصيان"، و"بني يربوع بن حنظلة" وعرفوا ببني السعلاة إلى الجن. ونسب بعض الأخباريين نسب بلقيس وذي القرنين إلى الجن. وذكر أيضا أن زوج "عمرو بن يربوع التميمي" كانت سعلاة، اقامت مع زوجها في "بني تميم": فلما رأت برقاً يلمع من شق بلاد السعالى، حنت وطارت اليهم، فقال شاعرهم: رأى برقاً فأوضع فوق.بكر فلا بك ما أسأل وما أغاما
وفي ذلك قال "علباء بن أرقم".: يا قاتل الله بني الـسـعـلاة عمرو بن يربوع شرار الناتِ
وقد تعرض "الجاحظ" لموضوع زواج الانس بالجن وبالعكس، أي زواج الجن يالانس. وتعرض لقول من قال إن "بلقيس" كانت من امرأة جنيّة. وذكر آراء الناس في هذا الزواج المختلط، الذي شك في امكان انجاب نسل منه. وقال: "وقد يكون هذا الذي نسمعه من اليمانية والقحطانية، ونقرؤه في كتب السيرة، قص به القصاص، وسمروا به عند الملوك. وقد كان لأهل اليمن قصص وأساطير، بدليل ما نلاحظه من أن معظم رواة القصص القديم كانوا من أهل اليمن في صدر الإسلام. ويظهر أنهم حذقوا به وتفوقوا به على بقية العرب الذين نسميهم العدنانيين بسبب دخول كثير منهم في اليهودية وفي النصرانية وشرائهم الكتب،وفيها قصص من قصص أهل الكتاب والأساطير القديمة، فمزجوه مع ما كان لهم من قصص وثني قديم.
وقد أطلق "الجاحظ" على قول الناس بزواج الانس بالجن وبالعكس "الزواج المركب"، وأشار إلى قول الشاعر علباء بن أرقم: يا قاتَلَ اللهُ بني السـعـلاة عمراً وقابوسا شرار النات
انه الدليل على ان السعلاة تلد الناس. هذا سوى ما قالوا في الشق وواق واق ودوال باي وفي الناس والنسناس.
وذكر أيضاً ان أعراب بني مرة تزعم ان الجن استهوت سناناً بن أبي حارثة المري، وهو والد هرم بن سنان، لتستفحله إذ كان منجباً، وكان سنان قد هام على وجهه.


وقد وجه الإنسان جميع مواهبه منذ أقدم ايامه لتسخير عالم الأرواح، وجعله في خدمته وتحت تصرفه، أو لتحويله بحسب رغباته، وتجنب ضرره وأذاه. قام بذلك رجال الدين خاصة، ورجال الدين بحكم اتصالهم بالآلهة وبالعالم غير المنظور، هم خلفاء الالهة على وجه الأرض، وألسنة الأرواح الناطقة بين الناس. فكانوا. حكاماً ورجال دين وسحرة وأطباء وعلماء، كما قام بذلك المنجمون والسحرة والكهان وغيرهم ممن تكهن وتحدث عن الغيب، وأظهر ان في قدرته التأثير على حياة الإنسان ونفعه وضره بالاستعانة بعالم الأرواح وبما عنده من قدرات خارقة في امكانها اختراق حجب الأسرار والتحكم في العالم الخفي لتحويله إلى صالح انسان أو الى الاضرار به.
وليس الجاهليون بدعاً في هذه الأمور،بل كان غيرهم من الشعوب كالعبرانيين والبابليين والاغريق والرومان والمصريين والهنود وكل الشعوب الأخرى تعتقد بذلك. ولها رجال ادعوا العلم.
وقد كان الجاهليون يعلقون الحلي والجلاجل على "اللديغ"، يفعلون ذلك لاعتقادهم انه يفيق بذلك، فلا ينام. ولو نام، سرى السم في جسمه، فمات. وذهب بعضهم إلى ان تعليق الحلي على اللديغ يبرئه من ألمه. أما إذا علق الرصاص عليه، أو حلي به، فانه يموت.


وتقوم الجن بأعمالها بشكل غير منظور في الغالب، لانها أرواح. وهي قد تحذر الإنسان أو ترشد إلى شيء يريده بصوت جهوري مسموع، يقال له: الهاتف، دون أن يرى الشخص أو الأشخاص صاحب ذلك الصوت. وهي تنبىء عن المستقبل كما تتحدث عن الماضي. وقد ذكر "الجاحظ" أن الأعراب وأشباه الأعراب لا يتحاشون من الإيمان بالهاتف، بل يتعجبون ممن ردّ ذلك. ثم قال: "قالوا:ولنقل الجن الأخبار علمَ الناس بوفاة الملوك، والأمور المهمة، كما تسامعوا بموت المنصور بالبصرة وفي اليوم الذي توفي فيه بقرب مكة. وهذا الباب أيضاً كثير.
والجن وان كانت من الأرواح، أي أنها غير منظورة، إلاّ أن في استطاعتها أن تتجسم متى شاءت. فتظهر على هيئة جسم من الأجسام. إذ أن للجن قدرة على التشكل بالشكل الذي تريده، تظهر في مورة حيوان أو في صورة إنسان أو غير ذلك. ومن هنا نجد قصص مصاهرة الإنسان للجن، وظهور نسل وأسر من هذا الزواج. وفي استطاعتها أيضاً تغيير الشكل الذي ظهرت به بشكل آخر حيث تشاء. كما ورد ذلك في قصة الشاعر "تأبط شراً" والكبش الذي حمله، بينما هو جني. ومن هنا تختلف طبيعتها عن طبيعة ألبشر والحيوان.
وقد تمثل الجن في صور حيوانات مشعرة، أي ذات شعر كثيف. فالجن عند الشعوب السامية ذات شعر كثيف، لذلك قيل لها "سعريم" "Sa'irim" في العبرانية. وهي تختار الأماكن الموحشة المقفرة في الظلام، مثل رهبان اليل "ليليت" "Lilith"، وتذهب مع الحيوانات ااتي تنفر من الإنسان مثل النعامة. وفي الأساطير الجاهلية ان البقر اذا أوردت "فلم ترد، ضربوا الثور ليقتحم الماء، فتقتحم البقر بعده، ويقولون إن الجن تصدّ البقر عن الماء، وان الشيطان يركب قرني الثور. وقد ذكرت هذه الأسطورة في أشعار جاهلية، يظهر من نقدها ودراستها انها من آثار العقائد الجاهلية في الجن. وقد اتخذت مثلاً لمن ينزل عليه مكروه في سبيل إخافة غيره، فيكون بذلك كبش الفداء. واعتقادهم ان الشيطان يريكب قرني الثور، هو الذي جعلهم يتصورون ان الثور يتقدم البقر في شرب الماء ذلك لأن الشيطان ركب قرنيه، فلا يخشى الثور اذن من الجن، والشيطان أخبث أنواع الجن وأذكاها. فتخافه الجن، وتفسح المجال للبقر في ورود الماء. أما ضرب الثور لتوجيهه إلى الماء، فلاجل ان الشيطان ركب قرنية، فبضربه وبتقدمه يتقدم الشيطان نحو الماء فتخافه الجن وتفزع منه، وتسمح للبقر بورود الماء، ولهذا ضرب، ليستفيد بذلك غيره.
وأهم مواطن الجن في نظر الجاهليين، هي المواضع الموحشة، والأماكن المقفرة التي لا تطرق إلا نادراً والمحلات التي لا.تلائم الصحة، والمقابر والاماكن المظلمة والمهجورة. ففي مثل هذه المواطن تنزل الجن، وتفضل الاقامة بها، وسبب ذلك، هو أن الإنسان يخشى هذه المواضع، ويحس بشيء من الخوف والوحشة من الدخول اليها، فقد يتعرض فيها إلى التهلكة، فاوحى هذا الاحساس اليه أنها "مسكونة"، وأن سكانها هم الجن. وأنهم قد يتعرضون له بسوء إن لم يعرف كيف،يسلك سلوكاً طيباً معها،ولذلك صار يتحاشى ولوج هذه المواضع، لا سيما في الليالي المظلمة، واذا دخلها مضطراً، تخيل الأشباح والأرواح وهي تلعب به كيف تشاء، وتحوم حوله. ومن هنا ظهر عنصر القصص المروي عن مواطن الجن.
وسكنت الجن المواضع المظلمة والفجوات العميقة فيها وباطن الأرض، ولذلك قيل لها: ساكنو الأرض. كما سكنت المقابر. والمقابر هي من المواضع الرئيسية المهمة المأهولة بالجن، ولذلك يخشى كثير من الناس ارتيادها ليلاٌ. وهي لا بد أن تكون على هذه الصفة، فهي مواطن الموتى، وأرواح الموتى تطوف على القبور، والموت نفسه شيء مخيف، والجن أنفسها أرواح مخيفة، فهل يوجد موضع أنسب من هذا الوضع لسكن الجن ? وتزعم الأعراب أن الجن سكنت "وبار". وحمتها من كل من أرادها ؛ وهي بلاد من أخصب بلاد العرب، وأكثرها شجراً، وأطيبها ثمراً واكثرها حباً وعنباً. فإن دنا إنسان من تلك البلاد متعمداً أو غالطاً، حثوا في وجهه التراب. فإن أبى الرجوع خبلوه، وربما قتلوه. فليس في تلك البلاد إلا الجن، والإبل الحوشية.
وقد زعم ان "يبرين" من مواطن الجن. وكانت في الأصل مواضع عاد. فلما هلكت، سكنتها قبائل الجن. وقد روى أهل الأخبار قصصاً عنها وعن اتصالها بالانسان. وزعم بعض منهم ان "النسناس"، هم قوم من الجن.
وقد ورد مثل هذه الاقوال عن مواضع أخرى كانت عامرة آهلة،ثم أقفرت، مثل الحجر موضع ديار ثمود، مما يدل على ان من اعتقادات العرب قبل الإسلام هو ان المواضع التي تصيبها الكوارث تكون بعد هلاك أصحابها مواطن للجن. وفي مثل هذه الأساطير عند العبرانيين وعند غيرهم من الشعوب.
وأشير في شعر "لبيد" إلى "جن البدي". قيل: "والبدي: البادية، أو موضع بعينه" وقيل واد لبني عامر. وأشار "النابغة" إلى "جنة البقار". وذكر ان البقار واد، أو رملهْ، أو جبل، سكنته الجن، فنسبت اليه. وأشير إلى "جنة عبقر" في شعر "زهير" و "لبيد" و "حاتم". وعبقر أرض بالبادية كثيرة الجن، وذكر بعضعهم انها باليمن، قال لبيد: ومن فاد من اخوانهم وبنيهم كهول وشبان كجنة عبقر
وقال بعض العلماء: عبقر قرية يسكَنها الجن فيما زعموا، فكلما رأوا شيئا ًفانقاً غريباً مما يصعب عمله ويدق أو شيئاً عظيماً في نفسه نسبوه اليها. ولهذا قالوا: للعبقري للسيد الكامل من كل شيء، وللذكي الممتاز.
والمواضع المذكورة هي المواضع المفضلة المختارة لسكنى الجن. غير أن مواطن الجن غير محدودة ولا معينة، إنها تسكن كل موضع ومكان، حتى بيوت الناس لا تخلو منها، بل حتى البحار والسماء لا تخلو منها كذلك، فدولتها إذن على هذا الوصف اوسع من دولة الإنسان. وعلى من سكنت الجن بيته الا يمسها بأذى ولا يلحقها اْي سوء، وأن يقوم بترضيتها بالبخور وبما شاكل ذلك مما تحبه الجن، وإلا أساءت اليه، وجعلت بيته مؤذياً شؤماً، لا يرى من يسكن فيه أي خير.
وكان الرجل في الجاهلية إذا اطرّف داراً ذبح فيها ذبيحة، يتقي بها اذى الجن، لاعتقادهم ان في كل دار جنّا يقيمون بها فلترضيتهم وللتقرب اليهم، يذبحون ذبيحة عرفت عندهم ب "ذبائح الجن" ولا تزال عادة الناس ذبح ذبيحة عند الابتداء ببناء دار، وعند الانتقال اليها. وكانوا أيضاً يذبحون ذبيحة عند استخراجهم عيناً، أو شرائهم داراً، أو بنيانهم بنياناً، مخافة أن تصيبهم الجن، فأضيفت الذبائح اليهم لذلك. وقد نهى النبي عن ذبائح الجن.
وكان في اعتقادهم ان الأماكن المذكورة مليئة بالجن، لذلك كانوا يستجيرون برجال من الجن في اسفارهم، اذا نزلوا منازلهم، يقولون: نعوذ بأعز أهل هذا المكان، أو اني أعوذ بكبير هذا الوادي. والى ذلك أشير في القرآن الكريم:)وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً(. روي، عن "حجاج بن علاط السلمي"، انه قدم مكة في ركب فأجنهم الليل بواد مخوف موحش، فقال له الركب: قم خذ لنفسك أماناً ولأصحابك، فجعل يطوف بالركب ويقول: أعيذ نفسي وأعيذ صحبي من كل جني بهذا النقـب
حتى أأوب سالماً وركبي
فوصل وركبه سالماً إلى مكة دون أن يمسه أو أن يمس من كان معه من الركب أحد بسوء.
وروي أن الرجل منهم كان إذا ركب مفازة وخاف على نفسه من طوارق الليل عمد الى واد ذي شجر فأناخ راحلته في قرارته وهي القاع المستديرة وعقلها وخطّ عليها خطاً ثم قال: أعوذ بصاحب هذا الوادي. وربما قال بعظيم هذا الوادي. قال أحدهم: العزاف بأنه موضع يسمع به عزيف الجن.
وقد موًن القصص الاسرائيلي أهل الجاهلية بشيء مما كان ينقصهم من أساطير الجن، وتوسع وزاد هذا القصص في الإسلام، حتى تولد منه هذا الذي نجده مدوناً عن أخبار الجن في المؤلفات الاسلامية.
وتخبر الجن الإنسان حوادث تقع في مواضع بعيدة، وهو لا يعلم عنها شيئاً. فلما هبط "نباش بن زرارة بن وقدان"، زوج "خديجة بنت خويلد" قبل النبي، وادياً يقال له "عز"، انتبه في آخر الليل، فاذا شيخ قائم على صخرة، وهو يقول: ألا هلك السيّال غيث بني فـهـر وذو العز والباع القديم وذو الفخر
فقال له نباش: ألا أيها الناعي أخا الجود والفخر من المرء تنعاه لنا من بني فهر
وبقيا يقولان الأبيات، حتى أخبره الشيخ بوفاة "عبد االّه بن جدعان" في وقتَ حدده وظبطه له. فلما وصل مكة، علم بوفاته على نحو ما أخبره به ذلك الشيخ. وهو جني من الجن، ينظم الشعر، وقد رثى "ابن جدعان".
ونجد في شعر الشعراء الجاهليين أمثال "أمية بن أبي الصلت" و "الأعشى" إشارات إلى الجن. وهم من أقل الجاهلية الذين كان لهم اتصال بأهل الكتاب وبكتبهم، وقد زعم أن بعضاً منهم كان قد قرأ تلك الكتب ووقف على العبرانية أو السريانية. ولهذا ورد في شعرهم شيء من قصصهم أهل الكتاب. وفي جملة ما ذكرته من اشاراتهم الى الجن. وتراهم يربطون بينها وبين "سليمان" 0 أخذوا ذلك ولا شك من الأساطير العبرانية، التي صيرت ألجن في خدمة "سليمان". فنجد الأعشى يقول: وسخر من جن الملائك تسعة قيامهاً لديه يعملون محاربـا
قصد بذلك "سليمان" ونجد ان في.جملة ما نسب عمله إلى جن سليمان بعض المواضع مثل تدمر وقصر غمدان.
وقال النابغة الذبياني: إلا سليمان إذ قـال الإلـه لـه قم في البرية فاحددها عن الفند
وخَيسِّ الجن إنـي قـد أذنـت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
فمن عصاك فعاقبه مـعـاقـبة تنهىْ الظلوم ولاتقعدعلى ضمد
وفي هذا الشعر إن صح آنه من نظم النابغة حقاً، دلالة على تأثر الشاعر بالأسطورة اليهودية عن "تامار"، وعن جن سليمان.
ونسبوا السيوف المأثورة إلى جن وشياطن "سليمان". ونسبوا اليه واليهم أشياء عديدة أخرى. وقد ادعى اناس من الجاهليبن انهم كانوا يرون الغيلان والجن، ويسمعون عزيف الجان، أي صوت الجن. وقد بالغ الأعراب في ذلك، وأغربوا في قصص الجان، لما كانوا يتوهمونه من ظهور الأشباح لهم في تجوالهم بالفيافي المقفرة الخالية، فتصوروه جناً وغولاَ وسعالى، وبالغوا في ذلك أيضاً، لما وجدوه في أهل الحضر ولا سيما في الإسلام من ميل إلى سماع قصص الجان والسعالى والغول. وقالوا انهم ربما نزلوا بجمع كثير، ورأوا خياماً، وقباباً، وناساً، ثم اذا بهم يفقدونهم من ساعتهم، وذلك لأنهم من الجنْ.
ونسبوا إلى الجن إحداث كَثير من الأمور غير الطبيعية،مثل الأمراض والأوبئة والصرع والاستهواء والجنون خاصة. فالجنون هو تلبس الجن بالانسان ودخولهم جسمه. لذلك ربطوا بين الجن والجنون. ويرى "نولدكه" ان فكرة أن الجنون من عمل الجن، عقيدة قديمة وجدت عند غير العرب كذلك. فقد كان الايرانيون يطلقون على المجنوتْ لفظة "ديوانه" "Devana"، أي الذي به "ديو" "Dev " من الأصل "ديوه، Daiva"، ومعناها "Demon " أي جان. ومن هذه الفكرة دخلت في العهد الجديد من الكتاب المقدس. ومن الفارسية دخلت "ديوان" "Daiwan " في الإرمية بينما دخلت إلى الفارسية كلمة "شدها" ""Shedha" من أصل "شدهان "Shedhanٍ" الإرمي واستعملت في مقابل "Deo" أي جان. و "شيسده" "Shedh" في الإرمية الجان.
وهم يزعمون أن الجن اذا عشقت انساناً صرعته، ويكون ذلك على طريق العشق والهوى، وشهوة النكاح. وأن الشيطان يعشق المراة، وان نظرته اليها من طر يق العجب بها أشد عليها منُ حمى أيام، وان عين الجان أشد من عين ا لانسان.
والعرب تزعم أن الطاعون من الجن، ويسمون الطاعون رماح الجن. قال الأسدي للحارث الملك الغساني: لعمرك ما خشيت على ابي رماح بني مقيّدة الحمـار
ولكني خشيت علـى أبـي رماح الجن أو إياك حار
وللجنّ حوار مع الإنس وكلام تجده منثوراً كما نجده منظومأَ فى شعر ينسب إلى اأشعراء الجاهليين. ويرويَ الأخباريون شعراً ينسب إلى "جذعّ بن سنان" ورد فيه وصف ملاقاته الجن. ومحاورته معها ودعوته إياها إلى الطعام وامتناعها عن الأكل، كما رووا شعراً لغيره يصف ملاقاة بين الجن وبين أصحاب هذا الشعر. وهو قصص لم يبخل على ألجن فأعطاها شعراً من هذا الشعر الجاهلي الفصيح وقد سخر "الخيتعور" أحد "بني الشيصبان" من الجن من الأشعار التي جمعها "المرزباني" "المتوفى سنة 384"، من شعر الشعراء الجن، فما هذا ا إلذي جمعه إلا قطعة من شعرهم، وهل يعرف البشر من النظم كما يعرف الجن.
وانما للبشر خمسة عشر جنساً من الموزون، قل ما يعدوها القائلون، وإن للجن آلاف الأوزان ما سمع بها إلإنس.
طعام الجن
وطعام الجن مثل طعام الإنسان، وهم يشاركونه أكله، في بعض الأحيان.
" رووا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، انه سأل المفقود الذي استهوته الجن: ما كان طعامهم قال. الفول. قال: فما كان شرابهم قال: الجدف. ورووا ان طعامهم الرمة وما لم يذكر اسم الله عليه. وقد جاء قوم من الجن إلى نار شمر بن الحارث الضبي، فدعاهم إلى الطعام بقوله: أتوا ناري فقلت منـون قـالـوا سراة الجن قلت عموا ظـلامـا
فقلت إلى الطعام فقال منهم زعيم. نحسـد الإنـس الـطـعـامـا
والحوشي من الإبل هي التي قد ضربت فيها فحول إبل الجن. فالحوشية من نسل ابل الجن. ويقال انها منسوبة إلى "الحوش" بلاد الجن من وراء رمل يبرين، لا يمر بها أحد من الناس، وقيل هم من بلاد الجن. وقيل الحوشية إبل الجن، أو منسوبة إلى الحوش وهي فحول جن، تزعم العرب انها ضربت في نعم "بني مهرة بن حيدان" فنتجت النجائب المهرية من للك الفحول الوحشية، فنسبت اليها، فهي لا يكاد يدركها التعب.
الحية
والحية من أكثر الحيوانات وروداً في القصص الذي يرويه الأخباريون عن الجن. وقد جعلوها فصيلة مهمة من فصائلها، ونوعاً بارزاً من أنواعها. قال بعض العلماء: الجان، حية بيضاء، وقال بعض آخر: الجان حبة، أو ضرب من الحيات. ولما قام "حرب بن أمية" جد معاوية بن أبي سفيان مع "مرداس ابن أبط عمرو" باصلاح "القرية"، وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لايرام، فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت وعلا لهيبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كبير، ثم ظهرت منها حيات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها، فما لبث أن مات الرجلان، أماتهما الجن على ما يزعمه رواة هذا الخبر. ولعلهما ماتا بعضة حية من تلك الحيات التي كانت ساكنة بين تلك الأعشاب وقد هاجتها تلك النيران. ومثل هذه المواضع تكون موئلاً للحيات والحشرات، فابتدعت مخيلة القصاصين هذه القصة عن فزع الجن وطيرانها في صورة ثعابين بيض. ويعلل "نولدكه" وفاتهما بفعل الاختناق من الغاز الذي تصاعد من الاحتراق.
وذكروا أن الحيّة لا تموت حتف أنفها، وإنما تموت بعرض يعرض لها. وانها تصبر على الجوع حتى ضرب بها المثل في ذلك. وانها اذا هرمت صغرت في بدنها. ولم تشته الطعام. وانها تنطق وتسمع. وقد أورد أهل الأخبار شعراً في ذلك، ذكروا أنه للنابغة. ومذهب النابغة في الحيات مذهب أمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد وغيرهما من الشعراء الذين تأثروا برأي أهل الكتب فيما جاء عن الحية في العهدين وفي كتب الشروح والتفاسير والقصص الاسرائيلي القديم.
ولم تنفرد مخيلة الجاهليين وحدها باختراع اسطورة ان الحيات هي من الجن، وانها جنس منها، فان غير العرب من الساميين مثلَ العبرانيينَ كانوا يقولون أيضاً بهذا القول. وكذلك قال بهذه الأسطورة غير السامين، مما يدل على انه من الأساطير القديمة جداً التي انتشرت عند البشر، بسبب ما قاسوه في ايام بداوتهم من هذا الحيوان. ونجد قصة الحية في سفر التكوين. وهي في هذا السفر أشد الحيوانات حيلة، فهي التي خدعت حواء خدعتها الشهيرة، وسببت طردها وطرد زوجها آدم من الجنة إلى الأرض.
ولعقيدنهم هذه في "الحية"، كانوا اذا وجدوا حية. ميتة كفنوها ودفنوها، فعلوا ذلك في الإسلام أيضاً جاء انه بينما كان "عمر بن عبد العزيز" بمشي في أرض فلاة، فاذا حية ميتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها. وورد انه كان جمع من أصحاب رسول الله يمشون فوقع لهم اعصار، ثم جاء اعصار أعظم منه، ثم انقشع، فاذا حية قتيل، فعمد رجل منا. إلى ردائه وكفّن الحية ببعضه ودفنها. فلما جنّ الليل اذا امرأتان تساءلان أيكم دفن عمرو بن جابر فقلنا ما ندري ما عمرو بن جابر فقالتا إن كنتم ابتّغيتم الأجر، فقد وجدتموه. إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين منهم. فقتل عمرو، وهو الحية التي رأيتم".
وفي الحديث: انه نهى عن قتل الجنان. هي الحيات التي تكون في البيوت،واحدها جان،وهو الدقيق الخفيف. والجان الشيطان أيضاً، وورد فيَ الحديث: ذكر الحيات، فقال: من خشي خبثهن وشرهن واربهن، فليس منا. أي من توقى قتلهن خشية شرّهن فليس ذلك من سنتنا. وكانت الجاهلية تقول انها تؤذي قاتلها أو تصيبه بخبل.
وذكر العلماء أن "اللاهة" الحية، أو الحية العظيمة. وأن "اللات"، الصنم المعروف أصله "لاهة" كأنه سمي بها. وان اسم الجلالة منها. وفي الأساطير إلجاهلية ما يفيد تعبد الجاهليين للحية، وفي هذا التفسير ما يؤيد هذا الرأي.
ويقال للحية: "بنت طبق". و "بنات طبق" الحيات، والحية "أم طبق" وبنت طبق. وهي "الدواهي" ومن أساطيرهم أن بنت طبق سلحفاته تبيض تسعاً.وتسعين بيضة كلها سلاحف، وتبيض بيضة تنقف عن حية. والحيات شياطين، وللعرب شجر يطلقون عليه "الصوم" " كريه المنظر جداً، يقال لثمره "رؤوس الشياطين" اي الحيات، وليس له ورق.
الغول
وقصص الغول هي من أشهر القصص الجاهلي إلمذكور عن الجن، ومع خطر الغول وشراسته في رأي الجاهلين، ورد في قصصهم تزوج رجال من الإنس منهم. وورد ان الشاعر "تأبط شراً" تعرض بغيلة. فلما امتنعت عليه، جللها بالسيف فقتلها..وهم يروون ان من الممكن قتل الغول بضربة سيف. أما اذا ضربت مرة ثانية، فانها تعيش ولو من ألف ضربة. وهكذا ترى قصصهم يروي تغلب الإنسان على الغيلة في بعض الأحيان. وأكثر قصصم عن الغول منسوب الى "تأبط شراً". وللقب الذي يحمله هذا ا!شاعر أو حمل عليه دخل، ولا شك، في ظهور هذا القصص.
ويرى علماء اللغة أن من معاني "الغول." التلون، وإلظهور بصور مختلفة، والاغتيال. ويرون أن الغول أنثى وأما ذكرها فسمى. "قطرباً". ولصفة التلون والظهور بصور مختلفة سموا الغول "حيتموراً"، وهو كل شيء لا يدوم على حالة واحدة، ويضمحل كألسراب. وذكر في وصف غدرها بالإنسان أنها اذا أرادت أن تضل إنساناً وقدت له ناراً، فقصدها، فتدنوا منه، وتتمثل له في صور مختلفة، فتّهلكه روعاً، وان خلقتها خلقة إنسان، ورجلاها رجلا حمارْ.
وذكروا ان الغول هو لسم لكل شيء من الجن يعرض للسفار، ويتلون في ضروب الصور والثياب، ذكراً كان أو أنثى، وقد قال "كعب بن زهير" الشاعر الصحابي، الذي مدح الرسول، في وصف تلون الغول: فما تدوم على حالً تكون بها كما تلوّن في أثوابها الغول
وفي تلوّن الغول يقول "عباس بن مرداس ألسلمي":
أصابت العامَِ رعلاً غول قومهم وسط اابيوت ولون الغول ألوان
فالغول تتحول في أي صورة شاءت، وتتمثل في صور مختلفة، إلا رجليها، فلا بد من ان تكونا رجلي حمار.
وذكر ان "الغول" "السعلاة"، وهما مترادفان، وذكر ان الغيلان جنس من الجن والشياطن، والعرب تسمي الحية الغول. وقيل ان "أنياب أغوال" الواردة في شعر لأمرىء القيس، الحيات، وقيل الشياطين.
وإلى الشاعر "لحبيد بن أبوب" شاعر "بني العنبر"، يعود قسط كببر من القصص الوارد عن "الغول" و "السعلاة". فقد كان يخبر في شعره انه يرافق الغول والسعلاة، ويبايت الذئاب والأفاعي، ويؤاكل الظباء والوحش. وقد أورد أهل الأخبار شيئاً من شعره في هذا البابْ. وذكر بعض علماء اللغة، ان الغول الذكر من الجن، والسعلاة الأنثى. والغول ساحرة الجن، وتقول إن الغول يتراءى في الفلاة للناس فتضلهم عن الطريق.
واما "السعالي"، وواحدتها السعلاة، فذكر أنها سَحرة الجن، وقيل: إن الغيلان جنس منها، وان الغيلان هي إناث الشياطين، وأنها - أي السعالي - أخبث الغيلان، وأكثر وجودها في الغياض، وانها إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما يلعب القط بالفأر،وان الذئب يأكل السعلاة. وذكر ان "السعلاة" اسم الواحدة من نساء الجن إذا لم تتغول لتفتن السفّار. وهم إذا رأوا المرأة حديدة الطرف والذهن، سريعة الحركة مممشوقة ممحصة، قالوا: سعلاة. وقال ا لأعشى: ورجالً قتلى بجنبي أريك ونساء كانهن السعالـى
وذكر أن في الجن سحرة كسحرة الانس لهم تلبيس وتخييل، وهم السعالى. وهم أقدر من الغيلان في هذا الباب.
الشيطان
والشيطان هو "Satan" في الانكليزية، و "Diabolos" في الإغريقية. ويرجع علماء اللغة كلمة "الشيطان" إلى أصل "شطن"، ويقولون إن من معاني هذه الكلمة الخبث، ولما كان الشيطان خبيثًا قيل له "شيطان" ومعنى ذلك ان.فكرة خبث الشيطان كانت معروفة لصاحبها قبل التسمية. فلما بحث عن لفظة مناسبة لها، اختاروا هذه الكلمة الني تدل على الخبث. وهو تعليل من تلك التعليلات المعروفة المألوفة الني كان يرجع اليها علماء اللغة كلما أعياهم الوصول إلى أصول ا لأشياء.
و "الشيطان" "ساطان" "سطن" في العبرانية، ومعناه: عدو ومشتك. في هذه اللغة. ومن هذه اللغة جاءت لفظة "Satan" في الانكليزية.
وذكر "الطبري": والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء" ثم قال: "وانما سمي المتمرد من كل شيء شيطاناً لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله وبعده من الخير. وقد قيل انه أخذ من قول القائل شطنت داري من دارك، يريد بذلك بعدت. ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان: نأت بسعادً عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهـين
والنوى الوجه. للذي نوته وقصدته، والشطون البعيد. فكأن الشيطان على هذا التأويل شطن. وما يدل على ذلك كذلك، قول أمية بن أبي الصلت: أيما شاطن عصاه عـكـاه ثم يلقى في السجن والاْكبال
ولم ترد لفظة "الشيطان" في شعر الشعراء الجاهليين، خلا شعر "أمية بن أبي الصلت" و "عدي بن زيد العبادي". والأول شاعر وقف،على ما يظهر من شعره، على شيء من اليهوذية والنصرانية. وأما الثاني، فهو نصراني، لذلك يجوز لنا ان نرجع علمهما. بالشيطان إلى ما جاء في اليهودية والنصرانية عنه، ولذلك نستطيع ان نقول ان هذه اللفظة جاءت العربَ عن طريق أهل الكتاب.
وذكر علماء اللغة، أن "الأزب" اسم من أسماء الشياطين، وذكروا أن "الأزب" شيطان اسمه أزب العقبة، وقيل هو حية وأن من أسماء الشيطان: "الحُباب". ويقع على الحية أيضاً، لأن الحية يقال لها شيطان، وفي حديث: "الحباب شيطان"وذكروا أن من أسماء الشيطان "الطاغوت".
ومن الشياطين، شيطان اسمه "زوبعة"، وقيل هو رئيس للجن. ومنه سمي الإعصار زوبعة، ويقال أم زوبعة وأبو زوبعة وهو الذي يثر الاغبار، حين يدور على نفسهه، ثم برتّفع في السماء ساطعاً كأنه عمود.
وأما ما ورد في القصص عن الشياطين عند الجاهليين، فهو يختلف عما جاء عن الشيطان في الكتب اليهودية والنصرانية، مما يدل على أن منبعه منبع آخر، وان "الشيطان" عند الجاهليين، هو غير الشيطان المعروف عند اليهود والنصارى، الذي دخل إلى العرب قبيل الإسلام وفي الإسلام.
ومن القصص المذكورة، استمد بعض الجاهليين قصصهم عن ذكاء الشيطان وعن حيله. ومن هذا القصص ولا شك استعمل الناس مصطلح "تشيطن" و "الشيطنة" بمعنى الذكاء والحيلة، لما رسخ في ذهنهم من ذلك القصص عن ذكاء الشيطان وسعة حيله وتلاعبه بأذكى البشر. وهو في التوراة ذو طبع شرير، وزعيم العصاة لأوامر الله يضل الناس بهم سبيل الخطيئة ولذلك تعوذوا منه.
ومن القصص المذكور استمد أيضاً حكماء اللغة ما ذكروه من ان كلمة،الشطن تعني الحية، فقي ذلك القصص ظهور ألشيطان على صورة حية خدعت ابوينا ادم وحواء في الجنة. وتمثل هذا القصص في الأدبين العبراني والنصراني. وسبب ذلك هو ما علق بأذهان العبرانيين من مكر الحيات ودهائها وخبثها وميلها إلى الشر، وما علق بذهنهم عن هذه الصورة في الشيطان. والحية هي عند أكثر المستشرقين رمز يشير إلى الثورة والعصيان والشر. وهذه الفكرة هي من اسطورة شرقية قديمة على سقوط البشرية في الشر، وتمثل في سقوط آدم وحواء وطردهما لذلك من الجنة، وفي تعاليم زرادشت من ان الشرير ظهر في هيأة حية، وأخذ يعلم الناس الشر.
وزعم ان "شيطان الحماطة" الحية. وورد "شيطان حماط". ولعل ذلك بسبب لجوء الحيات إلى الحماط، والحماطة شجرة شبيهة بالتين، وهي أحب الشجر إلى الحيات، إذ تألفها كَثيراًْ. وفي هذا المعنى ورد في قول الشاعر: تلاعبُ مثنى حضرمي كأنـه تعمج شيطان بذي خروع قفر
والتعمج التلوي. والمراد هنا تلوي شيطان بمكان قفر نبت فيه الخروع. وقصد بالشيطان الحية.
وقد وصف الشيطان بالقبح، فإذا أريد تعنيف شخص وتقبيحه، قيل له: يا وجه الشيطان وما هو إلا شيطان، يريدون بذلك القبح، وذلك على سبيل تمثيل قبحه بقبح الشيطان. وقيل: الشيطان حية ذو عرف قبيح الخلقة.
وقيل إنه كان حية زعم أنها تأتي حول البيت، فلا يطوف أحد. ولما شرعوا ببناء الكعبة في أيام شباب الرسول،جاء طير فالتقط الحية. ولقبح وجه الشيطان، قالوا للذي به لقوة أو شتر، إذا سبّ: يا لطيم الشيطان. وقالوا للمتكبر الضخم: ظل الشيطان. وكانوا إذا،أرادوا ضرب مثل بقبح انسان قالوا: لهو أقبح من الشيطان. وقالوا لشجرة تكون ببلاد اليمن،لها مظهر كريه "رؤوس الشياطين"4. وبهذا المعنى فسرت "رؤوس الشياطن" في الاية: )إنها شجرة تخرج من أصل الجحيم: طلعها كانه رؤوس الشياطين(، يقول تعالى ذكره كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم في قبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قبحها، وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء، قال: كأنه شيطان، فذلك أحد الأقوال. والثاني أن يكون مثل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطاناً. وهي حية له عرف فيما ذكر، قبيح الوجه والمنظر، وإياه عنى الراجز، يقوله: عنجرد تّحلف حين أحـلـف كمثل شيطان الحماط أعرف
ويروي عجيز: والثالث ان يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين، ذكر انه قبيح الرأس. ويظهر ان العرب في الجاهلية، كانوا يطلقون رؤوس الشياطين" على شجر كريه المنظر جداً، قال علماء اللغة: "والصوم: شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جداً، يقال لثمره رؤوس الشياطين، يعني بالشياطشن الحيات، ووليس له ورق وقد جمع هذا التفسير بين الشياطن والقبح. وبمثل الصورة اليَ رسمها الناس في مخيلتهم للشياطين.
وكانت الشعراء تزعم ان الشياطين تلقي على أفواهها الشعر، وتلقنها اياه رتعينها عليه، وتدعي ان لكل فحل منهم شيطاناً يقول الشعر على لسانه فمن كان شيطانه أمرد كان شعره أجود. وبلغ من تحقيقهم وتصديقهم بهذا ان ذكروا لهم اسماء شياطينهم، فقالوا: إن اسم شيطان الأعشى مسحل، وللأعشى أشعار فيه، يمدحه ويثتي عليه، لأنه يعاونه ويساعده في نظم الشعر فيلقيه عليه إلقاءً. وقد زعم "حسان بن ثابت" ان شيطانه الذي يلهمه الشعر هو من "بني شيصبان" من فصائل الجن. وقد انتقلت هذه العقيدة في إلهام الشعر للشعراء إلى المسلمين كذلك. وقد دعا "جرير" شيطانه الذي يلقي عليه الشعر "ابليس الأباليس".
ويكنى عن الشيطان بالشيخ النجدي. وقد أشير اليه مراراٌ في كتب السير والأخبار. أشير اليه في بنيان الكعبة، حين حكموا رسول الله في أمر الركن من يرفعه، فحضر في زي شيخ نجدي بين الحاضرين، وصاح: يا معشر قريش أرضيتم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذوي أسنانكم، وحضر اجتماع "دار الندوة". وأيد قرارهم في قتله. وذكَر علماء الأخبار، أنه عرف بالشيخ النجدي، لأنه تمثل نجدياً، وقيل لأن نجداً يطلع منها "قرن الشيطان" ورووا أحاديث تذكر ذلك، وتذكر أن الفتن تخرج من المشرق، والمشرق نجد بالنسبة لأهل الحجاز.
و "قرن الشيطان"، ناحية رأسه، ومنه الحديث: تطلع الشمس بين قرني الشيطان، فإذا طلعت قارنها، وإذا ارتفعت فارقها. وفي الأساطير أن للشيطان قرنين.
وكان الكهان يستعينون بالشياطين في الإخبار عن المغيبات،يذكرون أن الشياطين يسترقون السمع من السماء، يخبرونهم عن أنباء الأرض. وكان للكاهن "صاف ابن صياد شيطان يلقي اليه. ما خفي من أخبار الأرض، وذكر أن النجوم تقذف الشياطين،وأن الجاهليين.كانوا يرون ذلك، وهو موجود في أشعار القدماء من الجاهلية، منهم عوف بن الجزع،.وأوس بن حجر، وبشر بن أبي خازم وكلهم جاهلي، وقد وصفو الرمي بالنجوم.
و "إبليس" من هذه الأفكار التي نفذت إلى العرب عن طريق أهل الكتاب، والعلماء على ان الكلمة معربة، وهي كذلك. فأصلها "ديابولس"، Diabolos، وهي كلمة يونانية استعملت في مقابل لفظة "شيطان". وقد أطلقت لفظة "أباليس" في مقابل "شياطين". وقد ورد ان من أسماء ابليس "قترة"، وان اللفظة علم للشيطان. ومن المجاز أبو قترة: ابليس. وفي الحدبث نعوذ بالله من الأعميين ومن قترة وما ولد. الأعميين الحريق والسيل، قترة من أسماء ابليس، وكنيته: أبو قترة. وقترة حية صغيرة، لا ينجو سميمها، ولعل بين التسميتين صلة.
شق
ومن الجن جنس صورة الواحد منهم على نصف صورة الإنسان، واسمه "شق"، واسمه شق وانه كثيرا ما يعرض للرجل المسافر اذا كان وحده، فربما هلك فزعاً، وربما أهلكه ضربا وقتلاً. ورووا في ذلك قصصاً. منه ما زعموه من ان "علقمة ابن صفوان بن أمية بن محرث الكناني" جدى "مروان بن الحكم"، خرج في الجاهلية، وهو يريد مالاً له بمكة، وهو على حمار، وعليه إزار ورداء، ومعه مقِرعة، في ليلة اضحيانة، حتى انتهى إلى موضع يقال "" "حائط حزمان"، فاذا هو بشقّ له يد ورجل، وعين، ومعه سيف، وهو يقول: علقم إني مـقـتـول وإن لحمي مأكـول
أضربهم بالهـذلـول ضرب غلام شملول
رحب الذراع بهلول
فقال علقمة: ياشقها ما لي ولك اغمدفي مُنصلك
تقتل من لا يقتلك
فقال شق: عبييت لك عبيت لـك كماّ أتيح مقـتـلـك
فاصبرلما قد حم لك
فضر ب كل واحد منهما صاحبه، فخرّا ميتين.
الهاتف والرئي
ويؤمن الأعراب بالهاتف،ويتعبجبون ممن يرد ذلك. وهم يزعمون أنهم يسمعون الهاتف يخبرهم ببعض الخبر، فيكون صحيحاً. ومن ذلك حديث "الأعشى بن نبّاش بن زرارة الأسدي"، أنه سمع هاتفاً يقول: لقد هلك الفياض غيثُ بني فـهـر وذو الباع والمجد الرفيع وذو الفخر
.فقال مجيبا له: ألا أيها الناعي أخا الجود والندى من المرء ننعاه لنا من بني فهر
فقال: نعيت ابن جدعان بن عمرو أخا الندى وذا الحسب القدموس والحسب القهر
وزعموا أن لنقل الجن الأخبار، علم بوفاة الملوك وأصحاب النباهة والجاه، وأمثال ذلك من الأمور الخطيرة.
وتتردد في الأخبار كلمة "هاتف" و "الهاتف"، بمعنى صوت صادر من مصدر غير مرئي،وردت في مواضع عديدة من القصص الجاهلي، ووردت بعدها الجمل التي قالها الهاتف لمن وجه خطابه اليه. وهي تكهن واخبار، ءن أمر وقع وحدث، أو لتحذير من القيام بعمل ما، أو بإرشاد إلى عمل أو جهة أو ما.شابه ذلك من.الأمور. وقد تستعملء بمعنى "الرئي" الذي يهتف للكاهن، أو الصوت الذي يزعم أنه يخرج من جوف الصنم.
الرئي
وكاانوا يقولون،إذا ألف الجني انساناً وتعطف عليه، وخبّره بعض الأخبار وجد حسّه ورأى خياله، فاذا كان عندهم كذلك قالوا: مع فلان رئي من الجن، يخبره بما وقع ويقع وعن الأسرار. وممن يقولون ذلك فيه: عمرو بن لحي بن قمعة،والمأمور الحارثي، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وهم من الرؤساء السادة، وقد كان لكل كاهن وعرّاف رئي يخبر صاحبه بما يسأل عنه. وذكر انه قد كان مسيلمة يدعي ان معه رئي في أول زمانه، ولذلك قال الشاعر حين وصفه: بِبَيضة قارورٍ وراية شادنٍ وخلة جني وتوصيل طائر
الملائكة
والملائكة هم روحانيون. أي من أرواح في نظر أهل الجاهلية. ويدل ورود الملائكة في مواضع عديدة من القران الكريم ومن الآيات التي تشير الى مجادلة المشركين ومحادثتهم للرسول في الملائكة، ان فكرة الملائكة كانت معروفة شائعة بينهم، وأن بعض العرب كانوا يعبدونها، كما يظهر ذلك من الآية: ) ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ? قالوا: سبحانك آنت ولينا من دونهم، بل كانوا يعبدون الجن، اكثرهم بهم مؤمنون". غير أن المفسرين، لم يشيروا إلى أولئك الذين تعبدوا للملائكة، ولم يذكروا أسماءهم، مع أنهم ذكروا اسم من تعبد للجن،بل يظهر من تفسيرهم للاية المذكورة، أنها وردت على سبيل الاستفهام " كقوله عز وجلّ لعيسى: أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دوز الله، قال النحاس: فالمعنى أن الملائكة صلوات اللّه عليهم اذا كذبتهم كان في ذلك تبكيت لهم، فهو استفهام توبيخ للعابدين". ولكنهم أشاروا في مواضع أخرى إلى ان مشركي قريش كانوا يقولون: الملائكة بنات اللّه،وكانوا يعبدونها. ويقولون ان امهاتهن بنات سروات الجن، يحسيون انهم خلقوا مما خلق منه ابليس.
وقد أشير في القرآن الكريم، إلى ان من الجاهليين من زعم ان الملائكة بنات الله. وتحدث المفسرون في تفسير ذلك، غير انهم خلطوا في الغالب بين الملائكة والجن. ولم يأتوا بشيء يذكر عن رأي أهل الجاهلية في الملائكة. وما ذكروه هم عن الملائكة، هو اسلامي، يرجع في سنده الى أهل الكتاب،ولأ سيما القصص الاسرائيلي، ولهذا فهو مما لا يمكن ان يقال عنه انه يعبر عن رأي الجاهليين. ويظهر ان الجاهليين لم يكونوا يعرفون شيئاًعن الملائكة، لأن الاعتقاد بالملائكهة من عقيدة اإديانة اليهودية ثم النصرانية، وهم لا يعرفون الكتاب، إلا من كان منهم على دين اليهودية أو النصرانية، أو كان من الحنفاء أو على على اتصال بأهل الكتاب، كأمية بن أبي الصلت وأمثاله.
وقد أشير الى الملائك،أي "الملائكة" في شعر ينسب إلى "أمية بن أبي الصلت"، هو: وكاًن برِقعَ، والملائك حوله سدرٌ تواكله القوائم أجـرد
وورد "ملأك" في شعر رجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك، قيل هو النعمان. وقيل هو لأبي وجزة يمدح به عبدالله بن الزبير: فلست لإنسي، ولكنِ لمـلأك تنزل من جو السماء يصوب
وقد زعم أن الملائكة تصافح الناس وتناجيهم. زعم ذلك حتى في الإسلام.
ذكر "ابن دريد" ان "عمران بن الحُصين بن عُبيد بن خلف"، وهو من الصحابة، وعرف ب "أبي نجيد"، " كانت تصافحه الملائكة وتناجيه لداء كان به، فاكتوى، فذهب عنه ذلك. وذهب ما كان يسمع ويرى".
السحر
والسحر من اهم الوسائل التي لجأ اليها البشر وأقدمها منذ أعتق أيامه فى التأثير على الأرواح، وقد جعله جزءاً من الدين، لذلك كان من اختصاص رجال الدين يقومون به في المعابد قيامهم بالشعائر.
واذ كان معظم الناس في الزمن الحاضر يفرقون بين الدين والسحر، ويعدّ ون السحر شيئاً بعيداً عن الدين، بل هو ضد الدين،.فإن قدماء البشر لم يكونوا ينظرون اليه هذه النظرة، كانوا ينظرون اليه كما قلت على انه جزء مهم من الدين، بل هو أهم جزء فيه وأعظمه، بل ما زلنا نجد ديانات القبائل البدائية تعدّ السحر جزءاً من الدين. وهو كذلك في كل دين بدائي.
وعمل الساحر هو السحر، والسحر في عرف بعض علماء اللغة الإسلاميين هو "عمل يقرب فيه إلى الشيطان". وقد فسّر بعض العلماء كلمة "الجِبْت" في القرآن الكريم بمعنى السحر، كما ذكر أنها تعني الساحر والكاهن والصنم وكل ما عبد من دون الله. وفسر "الطاغوت" بمعنى الشيطان.
وقد وردت كلمة "السحر" و "سحر" و "الساحر" و "الساحرون" و "السحرة" و "مسحوراً" و "مسحورون" في مواضع عديدة من القرآن الكريم، ويدل ورودها فيه بهذه الكثرة على مبلغ اثر السحر في عقلية الجاهليين. وقد اتهم أهل مكة الرسول أنه ساحر، حينما أخبرهم بنزول الوحى عليه. وقالوا انه يستمد وحيه من الشياطين.
وقد جمع البخاري بين الكهانة والسحر بأن قدّم الكهانة على السحر، لأن مرجع الاثنين شيء واحد هو الشياطين.
وقد حملت تلك المواضع من القرآن الكريم المفسربن على جمع ما علق بأذهان الناس عن السحر. أما كتب الحديث ففيها مادة مفيدة وردت ضمناً عن عقيدة اهل الجاهلية به. كما وردت في أخبار اهل الأخبار إشارات اليه، تجمل جميعها ان الاعتقاد بالسحر بين الجاهليين كان شائعاً معروفاً، وان ممارسيه في جزيرة العرب كانوا عرباً ويهوداً، وانهم كانوا يرون ان أصوله في بابل وعند يهود.
وقد كان أكثر السحرة في الجاهلية من يهود. يقصدهم الجاهليون من أنحاء بعيدة، لاعتقادهم بسعة علمهم وباختصاصهمم فيه. وكان اليهود، يسندون علمهم إلى بابل،ولهذا نجد الأحاديث والأخبار العربية ترجع علم السحر إلى بابل واليهود.
والفرق بين الكهانة والسحر ان الكهانة تنبؤ، فسند الكاهن هو كلامه الذي يذكره للناس. أما السحر، فانه عمل في الأكثر، للتأثير في الأرواح، كي تقوم بأداء ما يطلب منها. ولا يمكن صنع سحر ما لم يقترن بعمل. ويصحب هذاالعمل كلام مفهوم أو غير مفهوم، واشارات، يدعي الساحر انه انما يقوم به وبالاشارات لتسخير الأرواح، وان ما يفعله مفهوم عند جنوده، وهم الجن و الشياطين.
وفن مثل هذا مغر جداً، فمن من الناس من لا يريد تسخير القوى الخفية لخيره ولصالحه، وإلحاق الأذية بأعدائه ومبغضيه. ولذلك كان للسحر والسحرة اثر خطير في التأريخ، بالرغم من مقاومة بعض الأديان له. فما يقوم به السحرة من أعمال وخفة، وما لشخصيات بعض السحرة من تاثير نفسي كبير، تجعل من الصعب على بعض الناس ان يكذّ بوا أقوالهم وأفعالهم، ولذلك يتأثرون بهم، ويأخذون بما يقولونه لهم، حتى تكون للساحر مكانة كبيرة في نفس ذلك الشخص.
وللسحر أغراض عديدة، وقد استخدم في معالجة أمور كثيرة، حتى ادارة الملك والقضاء على الأعداء،للسحر رللسحرة فيها صولات وجولات. ومن الطبيعي أن يكون للحب المكانة البارزة فيه، حتى ليكاد يتخصص بهذا الجانب من حياة الإنسان. ولما كانت العادة أن يتزوج الرجل من جملة نساء صار السحر من أهم الوسائل التي استعانت بها الزوجات للتأثير في قاب الرجل، ولكسب المكانة الأولى عنده، وللتفريق بين الرجل وبين بقية أزواجه. ومصداق ذلك ما ورد في القرآن الكريم عن السحرة في هذه الاية: )ولكن الشياطين كفروا، يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلّمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة، فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه (. فالتفريق بين المرء وزوجه، كان ولا يزال من أهم أعمال السحرة. ونجد في الحديث تقريعاً ولوماً للسحرة لاستخدامهم السحر في هذا الغرض الفاسد.
والساحر في معالجة الحب على طريقين.: اشعال جذوة نار الحب في قلب من يقصد إثآرته عنده، أو اطفاء نارها وإخمادها واماتتها في قلب المسحور. ولكل من الطريقين قواعد وأحكام وأصول يجب تطبيقها بعناية، وإلا بطل فعل السحر.
أما إشعال نيران الحب، فيكون بطرق متعددة يتبعها الساحر، فقد يستعين بالنباتات. والأعشاب، يستخرج أدوية منها يقدمها إلى المرأة لتُوجر الرجل اياها سراً. وقد يستعين بالجمر يقرأ عليه، ثم يرمى في الممرات التي يمر الرجل،أو الشخص المراد سحره منها. وقد يدفن السحر في موضع كمقبرة أو محل آخر ليؤثر من ذلك الموضع على المسحور. وقد يستعين بالخرز يسحر عليها، فتحبب المرأة إلى زوجها، وتسمى "التوِْلة".
وكما يستعمل السحر لاشعال نيران الحب في القلب، كذلك يستعمل لايقاد البغض والكراهية في النفوس. فقي استطاعة الساحر بما عنده من جنود مجندة ان يلقي البغضاء والكراهية والحقد في نفس أي شخص يود انساناً آخر، فينقلب مبغضاً حاقداً كارهاً لمن كان يحبه ويعشقه. ومجال هذا الباب واسع جداً للنساء خاصة.
وفي استطاعة الساحر مداواة العاشق وإماتة عشقه بوصفة يعطيها اليه تقضي على حبه الجامح قضاءً تاماً يسمونها "السلوانة" و "السلوان". وما هذه الوصفة إلا مادة ذات سحر عجيب يغتسل بها الإنسان أو يشربها، فتطفيء في الحال أو بعد أمد كل نيران الحب مؤججة في قلب العاشق.والسلوانة هي شيء من تراب قبر، أو خرزة تسحق ويشرب ماؤها ؛ فيورث شاربها سلوة. وتكون الخرزة شفافة، تدفن في الرمل فتسود، ثم تستخرج لسحقها وشربها، وقد يكتفى بصب ماء المطر على تلك الخرزة لسقي العاشق ذلك الماء الذي يسمونه "السلوان"، ليشفى من العشق. ولا بد أن يكون لاختيار الماء وتراب القبر أو مسحوق الخرزة في معالجة العشق، سبب يمكن تفسيره باًنه لغسل قلب المحب،وإماتة الحب فيه.
ومن أهم الأعمال التي يعالجها السحرة، اخراج الجن من المجانين فالجنون هو من عمل الجن. تحل الجنة بالإنسان فتأخذ عقله. ومن هنا قبل لهذا المرض "جنة" و "جنون". ومن واجب الساحر اخراج الجن من هؤلاء المرضى، وهو عمل يقوم به الساحر حتى اليوم،ويكون ذلك بضرب المريض بالعصا لإخراج الجنة منه. أو بسقيه بعض الأشربة السحرية، أو بتدليك جسمه وغسله،وبإدخاله محلاً مظلماً هادئاً يحرق فيه البخور، وبتعليق بعض العزائم والحجب وما شاكل ذلك لإبعاد الجن عن المجنون وإعادة عقله اليه.
ويداوي الساحر أمراضاً عديدة أخرى، بل كل أنواع الأمراض، وما المرض في نظر القدماء إلا أرواح شريرة حات في الأجساد أو بجزء منها، فألحقت بها الأمراض. ولن يشفى الجسد أو الجزء المصاب منه إلا بطرد تلك الأرواح. وطرد الأرواح من أعمال السحر. والساحر هو سلف من أسلاف الأطباء. وكلمة "طبيب" العربية هي من هذا الأصل. فالطب في اللغة السحر، و "المطبوب" هو المسحور، والطابّ هو الساحر يستخدم طبه في الشفاء. وقد أدخلت كتب الحديث السحر في "كتاب الطب". فالساحر هو طبيب يعالج أشياء عديدة، ثم تخصص الأطباء بالطب، غير ان الأطباء ظلوا يمارسون حتى في أوروبة السحر في معالجة مرضاهم مدة طويلة، إلى ان تطور العلم، وظهر البحث الحديث.
ويقوم أكثر مداواة المرضى بواسطة السحر بالنفث على المريض أو في فمه وبامساك الرأس أو الجزء المريض، لقراءة شيء عليه يضمن شفاءه، أو بتدليك ذلك الجزء منه. وقد يعطى حجباً وتمائم تشفي المريض من مرضه. والنفث في الفم من العادات الجاهلية القديمة، يقوم به الكاهن والساحر والأب في بعض الأحيان، لاعتقادهم ان ذلك سيلهم الطفل فيعلمه العلم والحكمة والذكاء وبمنحه الصحة الجيدة.
ومن طرق السحر عند الجاهليين، النفثُ في العُقد، وقد دلتّ عليه هذه الآية الكريمة: )ومن شر النفّاثات في العقد (. ويكون ذلك بعقد عقد والنفث عليها. ويذكر المفسرون في سبب نزول هذه الاية أن "لبيد بن أعصم اليهودي" سحر الرسول، ودس ذلك السحر في بئر "لبني زريق" تسمى "بئر ذروان" "بئر ذي أروان"، وأنه وضع ذلك السحر في جف طلعة تحت راعوفة، أي في قشر الطلع وتحت حجر في أسفل البئر. فلما استخرج السحر،وجدوه مشاطة رأس وأسنان مشطه،وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. ويقوم بهذا السحر الرجال والنساء. غير أن المفسربن وأهل الأخبار واللغة حينما يذكرون هذا النوع من السحر يذكرون أن النساء النفاثات هن اللواتي كنّ يقمن بذلك، أخذوا رأيهم هذا من الاية المذكورة التي تشير الى بنات لبيد وكنّ ساحرات،والاشارة في هذه الآية عن حادث معين، ولم يقصد بها الاطلاق.
والنفث في العقد، وعقد سبع عقد توضع فيها مادة السحر، من طرق السحر القديمة المعروفة عند العبرانيين والآشوريين وغيرهم. وقد عثر في الكتابات المسمارية على تعليمات في كيفية اتقاء شر الأرواح الخبيثة وأرواح الأموات الشريرة التي تسحر الناس، فكان مما جاء فيها عقد سبع عقد ووضع مادة سحرية فصلت في تلك التعليمات لاتقاء شر سحر تلك الأرواح.
ويذكر المفسرون وأهل الحديث ان الرسول لما سحره "لبيد بن الأعصم" من "بني زريق"، كان "يخيل اليه انه كان يفعل شيئاً وما فعله " حتى علم بسحر "لبيد"، فلما استخلصه من البئر، ذهب أثر ذلك السحر عنه.
وقد كان السحرة اليهود يقرأون شيئاً ويهمهمون عند عقدهم كل عقدة من هذه العقد، ويقال لذلك Ghabar. ومن هؤلاء اقتبس السحرة العرب طريقهم في النفث على العقد.
والمواد التي يستعين بها الساحر لعمل السحر عديدة. أوراق بعض النباتات والملح والبخور والدماء والعظام وقرون الحيوانات يدفنها أو يحرقها أو يذيبها في الماء. وفي كل سحر لا بد أن يشفع الساحر سحره بطقوس أو بحركات خاصة، وبتمتمة تلقي في الروع ان الساحر يقول شيئاً ويخاطب أشخاصاً هم الجن والتمتمة هي في الغالب كلام غير مفهوم عند الناس، ولكنه عند الساحر وجنوده الجن والشياطين كلام واضح بليغ.
ويعمد السحرة إلى الصور والرموز في سحرهم، ومنهم من كانوا لا يعرفون الكتابة ولا القراءة فيرمزون إلى من يريدون سحره، أو إلحاق الأذى به، أو يصورونه. وقد يشيرون بالصور والرموز إلى الجن والشياطن. وهم في الغالب يدفنون تلك الصور والرموز في المقابر، لأنها من أنسب الأماكن للسحر. وقد عثر على عدد من هذه الاشارات والصور السحرية. ومنها ما هو مكتوب بكتابات لها صور بالسحر.
إبطال أثر القوى الخفية
وقد حمل اعتقاد الجاهليين بوجود قوى خفية تؤثر في الإنسان، أهل الجاهلية على العمل على التغلب على تلك القوى أو الحد منها وايقاف فعلها وذلك بابتداعه طرقاً عديدة لذلك، مثل استعماله "النفرات" أو السحر، أو "الرقي"، أو التمائم، والتعاويذ وما شابه ذلك من أمور.
و "النفرة" شيء يعلق على الصبى لخوف النظرة. و "التنفير" الطرق التي يستعملها الإنسان لتنفير القوى الخفية وابعادها عنه. وطريقتهم في ذلك شبيهة بطرقهم في تنفير الثقلاء وغير المرغوب فيهم من الناس وابعادهم، وذلك باتخاذ كل ما ينفر ويقزز، لتعاف تلك الأرواح المواضع التي اختارتها والأشخاص الذين نزلت بساحتهم وحلت في أجسامهم، ومنها طريقة "التنجيس". وطريقتهم في ذلك تعليق الأقذار من خرق المحيض وعظام الموتى وأمثال ذلك على الصبي ومن يُخاف عليه عيون الجن،لاعتقادهم ان الجن سوف تبتعد عن هؤلاء وتهرب منهم. ويقال للمعوذ "المُنجسِّ"، وللشخص الذي عوّذ له "المُنجَّس". والتنجيس يشفي إلا من العشق.
واتخذ الجاهليون طرقاً عدة للتخلص من الجن، ولا سيما من الخطفة والنظرة،أي من خطف الجن للاطفال ومن حسدها لهم. فهداهم تفكيرهم إلى تعليق بعض الأشياء على الصبي، مثل سنّ ثعلب، أو سن هرة، وتقطير شيء من السوائل في عينيه عند الولادة لتنفير الجن منه. و تسمى هذه الأمور المنفرة للجن النفرات.
ومن النفرات التحايل على الجن بتغيير الأسماء، بتغريبها، كأن يسمى الصبي بأسماء بعض الحيوانات الصغيرة أو الأشياء التافهة الحقيرة، وبذلك تنفر الجن منه، فلا تقترب منه، ولا تمسه بسوء. "قال أعرابي لما ولدت قيل لأبي نفر عنه، فسماني قنفذاً وكناني أبا العدّاء".
التحصن من الجن
والاستعاذة بالجن تفيد أيضاً في نظر الجاهليين في حماية الشخص من أذاهم. فإذا استعيذ بعظيم الجن، استجاب العظيم نداء المستعيذ. فكان المسافرون إذا خافوا من طوارق الليل، عمدوا إلى وادٍ ذي شجر، فأناخوا رواحلهم،وعقلوها وخطوّا عليها خطاً ثم نادوا: نعوذ بعظيم هذا الوادي، أو نعوذ بصاحب هذا الوادي. فيستجيب عندئذ عظيم الوادي لنداء المستعيذ، فلا يسمح لأحد أن لحق به أذى.. وقد أشير إلى ذلك في القرآن: "وأنه كان رجاك من الإنسر يعوذون برجال من الجن، فزادوهم رهقاً". وذكر ان العرب كانوا إذا صاروا في تيه من الأرض، وتوسطوا بلاد الحوش، خاَفوا عبث الجنان والسعاف والغيلان والشباطين، فيقوم أحدهم فيرفع صوته: إنا عائذون بسيد هذا الوادي فلا يؤذيهم أحد، وتصير لهم بذلك خفارة.
ذبائح الجن
ولارضاء الجن واسكانها، وتجنب أذاها، قام الجاهليون بتقديم الذبائح لها. فاذا أراد انسان السكن في بيت جديد، أو استخراج الماء من بئر احتفرها أو من عين ماء، أو ما شاكل ذلك وخاف من وجود الجن فيها ذبح ذبيحة، يرضى بها الجن، فلا تتحرش عندئذ به ولا تصيبه بأذى،لأنه قد تقرب بالذبيحة اليها وبين فا انه صديق لها، فيعيش عندئذ. قرير العين في بيته الجديد، لابمس عماره بسوء. ويقال لهذه الذيائح: "ذبائح الجن". وقد نهى الإسلام عن ذبائح الجن. ورد انهم "كانوا اذا اشتروا دارأَ أو استخرجوا عيناً أو بنوا بنياناً، ذبحوا ذبيحة مخافة ان تصيبهم الجن، فأضيفت الذبائح اليهم لذلك. و "النّشُرة" سلاح مفيد جداً لحل عقد الرجل عن مباشرة أهله. وقد كانت مشهورة في أيام الرسول. وقد اباح العلماء "النشرة العربية التي لا تضر إِذا وطئت، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عصاه، فيأخذ عن يمينه وشماله من كل، ثم يذيبه ويقرأ فيه، ثم يغتسل به". ويدل نعت هذه النشرة بالنشرة لعربية على وجود نشرات غير عربية، وهي النشرات الني كان يعملها اليهود. وقد كانوا يستعملون الأدعية العبرانية، لذلك نهى الإسلام عن استعمال تلك النشرات.
و "النُشرة" في تعريف علماء اللغة: رقية يعالج بها المجنون والمريض ومن كان يظن أن به مساً من الجن. وإذا نشر المسفوع كان كأنما أنشط من عقال، أي يذهب عنه سريعاً. وفي الحديث أنه سئل عن النشرة، فقال هي من عمل الشيطان. وقد أدخلها بعضهم في السحر، و "العوذة" ويقال لها "المعاذة" و "المعاذات"، تستعمل في التعويذ م الفزع والجنون. وتبعث تسميتها على الظن بأنها من المصطلحات الاسلامية، وانها أخذت تسميتها من المعوذتين. غير ان ورودها في مواضع عديدة من الحديث، واستعمالها في القرآن الكريم للتعبير عن فكرة معينة معلومة، يدلان على انها من المصطلحات التي كانت معروفة بين أهل "يثرب" حتى إن بعض الصحابة ذكروا انها نزلت للتعويذ. ومعنى "أعوذ" أعتصم و التجىء، فلا يستبعد ان يكون أهل يثرب على الأقل قد تعلموا ذلك من اليهود الذين كانوا يقرأون بعض التعاويذ من التوراة لحمإية أنفسهم من شر الأمراض.
و تستعمل "الرقية" في مداواة الآفات، مثل الحمى والصرع والنظرة ولدغات العقارب والحيات وأمثال ذلك، وتكون بقراءة شيء على المريض أو على موضع اامرض ثم النفث عليه، أو بحمل شيء مكتوب. وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها في الإسلام، وفي بعضه النهي عنها. وقد ذكر الحديث ان الإسلام نهى عن الرقية التي تكون بلسان غير عربي، ويدل هذا على ان الجاهليين كانوا يذهبون إلى أهل الكتاب ولا سيما اليهود منهم، فيرقونهم بالعبرانية أو السريانية، ولذلك نهوا عنه. وقد عرضت بعض أنواع الرقية التي كان يستعملها أهل الجاهلية على الرسول لأخذ رأيه فيها، فأباحها لهم، وأباح لهم كل رقية ليس فيها شيء من ألفاظ الجاهلية.
وقد حفظت الكتب لنا أنموذجات فى بعض الرقى منها هذه الرقية التي استعملت في اشعال نيران الحب: "هوا به هوا به، اابرق والسحابة، أخذته بمركن. فحبه تمكن. أخذته بإبره، فلا يزل في عبره، جلبته بإشفى، فقبه لا يهدأ. جلبته بمبرد، فقلبه لا يبرد. فهذه ا الرقية تلهب قلب الرجل وتهيجه، وتجعله كأنه في إجانة غسل الثياب. يعمل على وفق ارادة المرأة التي استعملت تلك الرقية.
أما إذا سئمت المرأة زوجها، وأرادت الابتعاد عنه، وطرده عنها، فسبيلها في ذلك رقية تبعد الرجل، وتنفره منهما، وذلك بأن تقول: بأفول القمر، وظل الشجر، شمال تشمله، ودبور تدبره، ونكباء تنكبه، شيك فلا انتقش. فاذا أتمت ذلك، رمت في أثره بحصاة ونواة وروثة وبعرة. ثم تقول: حصاة حصت أثره، ونواة نأت داره، وروثة راثت خبره، لفعته ببعرة.
و "العزائم" الرقيّ، أو ضروب منها. يقال عزم الراقي، كأنه أقسم على الداء، وعزم الحوًاء، إذا استخرج الحية. كأنه يقسم عليها. والعزيمة من الرقي التي يعزم بها على الجن والأرواح. ومن اعتقادات الأعراب أن الجن لا تجيب صاحب العزيمة، حتى يكون المعزّم مشاكلاً لها في الطباع. وأن للمعزمين جنوداً من الشياطين والجن تتبع أوامرهم وتطيعهم وتخدمهم وتتصرف بين أمرهم ونهيهم.
ومن ضروب الرقية، ما يدعيه الحوّ اء من اخراج الحية من جحرها، بعزيمة يقوم بها،تجبرها على الخروج منه. وقد قالت بذلك الشعراء في الجاهلية والاسلام. وكانوا يؤمنون بذلك ويصدقون به. وقد أشير في شعر لأمية بن أبي الصلت، إلى اخراج الحية من جحرها. وقد تحدث "الجاحظ" عن ذلك، وعلل سبب خروجها وجاء بأبيات شعر في ذلك، وتحدث عن تمويه الحواء والراقيْ.
و "التمائم" ومفردها "التميمة"، هي عوذة على هيأة قلادة من سيور تضم خرزاً، وقد تكون من خرزة واحدة تستعمل للصبيان والنساء في الغالب اتقاء النفس والعين. فاذا كبر الطفل، انتزعت التميمة منه. وقيل: التمائم "خرزات كان الأعراب يعلقونها على أولادهم يتقون بها النفس والعين بزعمهم، فأبطله الإسلام". وذكر ان التميمة خرزة رقطاء تنظم في السير ثم يعقد في العنق. وكانوا يعتقدون انها تمام الدواء والشفاء. وقد أشير اليها في الشعر الجاهلي. وكانوا يستعملونها بكثرة، يتعوذون بها، لذلك عدها بعض الصحابة من الشرك، لأنهم جعلوها واقية من المقادير والموت وأرادوا دقع ذلك بها، وطلبوا دفع الذفى من غير الله.
وللخرز عند الجاهلين وعند الأعراب حتى اليوم، أهمية كبيرة في السر، وفي دفع أذى الأرواح والعين، وفي النفع والحب، وأمثال ذلك. ولما كانت الخرز فصائل وأنواعاً، فقد خصوا كل فصيلة باسم معين، وجعلوا لكل قسم وصنف أثراً خاصاً يمتاز به عن بقية الأصناف الأخرى. فالتولة مثلاً الخرزة التي تحبب المرأة إلى زوجها، و "العقرة" "خرزة العقر" خرزة تشدها المراة على حقويها لئلا تلد. يزعم الأعراب انها إذا علقت على حقو المرأة لم تحمل إذا وطئت. وقيل العكس: العقرة خرزة تعلق على العاقر لتلد. و "الينجلب" خرزة للتأخيذ، تفيد في رجوع الرجل بعد الفرار وفي اكتساب عطفه بعد وقوع بغضه. وكانوا يقولون أقوالاً في ذلك مثل: "أخذته بالينجلب، فلا يرم ولا يغب، ولا يزل عند الطنب، و "وأعيذه بالينجلب، ان يقم وان يغب". فهم يربطون الرجل بهذه الخرزة. فيجعلونه لا يفارق بيته وأهله.
و "الخَصُمة"، وهي خرزة للدخول على السلطان والخصومة تجعل تحت الخاتم أو في زر القميص أو في حمائل السيف. و "العطفة" هي خرزة تجلب العطف لصاحبها. و "السلوانة" خرزة تسحق ويشرب ماؤها، فيورث شاربه سلوة. وقيل: خرزة للتاخيذ، يؤخذ بها النساء الرجال، وقيل خرزة للبغض بعد المحبة، وقيل خرزة شفافة تدفن في الرمل، فتسود فيبحث عنها ويسقاها الإنسان فتسليه، أو يسقاه العاشق فيسليه عن المرأة. وقيل خرزة كانوا يقولون: اذا صب عليها ماء المطر، فشربه العاشق سلا.أو هو ان يؤخذ تراب قبر ميت: فيجعل في ماء فيسقى العاشق، فيموت حبه، أو هو دواء يسقاه فيفرحه. و "القرزحلة"، وهي خرزة من خرز الضرائر.
وكانوا يرقون بالخرز. فلخرزة "الهنمة"، رقية خاصة، هي: "أخذته بالهنمة، بالليل زوج وبالنهار أمة، وللقبلة و "الدردبيس"، وهي خرزة مؤثرة ذات قوة فعالة، يتحبب بها النساء إلى أزواجهن،تؤخذ من القبور العادية، أي القبور الجاهلية القديمة، رقية خاصة، هي: "أخذته بالدردبيس تدرّ العرق اليبيس، وتذر الجديد كالدريش". وقيل الدردبيس خرزة سوداء، كأن سوادها لون الكبد، اذا رفعتها واستشففتها رأيتهاا تشف مثل العنبة الحمراء للحب، تتحبب بها المرأة إلى زوجها، توجد في قبور عاد.
ومن خرزهم: "كرار"، خرزة تؤخذ بها نساء الأعراب. وقيل خرزة تؤخذ بها النساء والرجال. ورقيتها: "يا كرار كرّ يه، يا همرة اهمريه، ان أقبل فسريه، وان أدبر فضريه، من فرجه الى فيه". ومنها "الهمرة"، خرزة للتأخيذ. وهي خرزة الحب، يستعطف بها الرجال، ورقيتها: "يا همرة اهمريه، ويا غمرة اغمريه، ان أقبل فسرّ يه، وإن أدبر فضريه، من استه إلى فيه، وماله وبنيه، ومثلها "الهصرة"، خرزة للتأخيذ.
ومن الخرز المعروفة: "ااكحلة"، خرزة من خرزات العرب للتأخيذ، تؤخذ بها النساء الرجال. أو هي خرزة سوداء تجعل على الصببان للعين والنفس من الجن والإنس، فيها لونان بياض وسواد.
اصابة العين
كان للجاهلين رأي وعقيدة في العين وفي أثرها في الحياة، فهم يعتقدون بأثر العين وإصابتها. ولخطر هذه الإصابة وأهميتها، تفننوا في ابتداع وسائل الوقاية منها، وحماية أنفسهم من أثرها. وقد زعموا أن عيون بعض الناس تصيب، وانها ان أصابت شيئاً أهلكته، فان "ألعين" لا تنتج الا شراً، وهي لا تكاد تكون في خير مطلقاً. ولذلك تجنببوا "العائن" وابتعدوا عنه. و "العائن" و "المعيان" و "العيون" هو من تصيب عيونه. فكان أحدهم اذا ما اتصل بإنسان، وصادف أن نظر ذلك الإنسان إلى شيء أعجبه، أو رأى شيئاً لفت نظره، ثم صادف إن وقع مكروه لمن نظر اليه، أو إلى ما كان قد رآه "العائن"، نسب ذلك المكروه اليه، ورميِ باصبة العين، وقد يحدث من ذلك الرجل مثل ما حدث له مع من وقع المكروه عليه، فيرمى عندئذ بإصابة معين، وينبذه الناس خوفاً من اصابتهم بعينه. فيقال ان فلاناً لعيون: اذا.كان يستشرف للناس ليصيبهم بعين. ويقال لعيون انه لنفوس، وما أنفسه وقد أصابته نفس أو عين. ولا تقتصر ألاصابة بالعين على اصابة عيون الإنسان،فقد تصيب عيون الحيوان كذلك. وهناك حيوانات عديدة لها قدرة على الاصابة بعينيها مثل الحيات والثعلب والطاووس. وأكثر الحيوانات التي تكون لعيونها بريق أو لمعان خاص، هي من هذا القبيل. وقد حمل هذا الاعتقاد بعض الناس على التخوف من تلك الحيوانات والابتعاد عنها، بل بلغ الخوف ببعضهم ان امتنعوا من ذكر اسم أمثال تلك الحيوأنات أوُ تهجي حروف أسمائها خشية العين. والكلاب من الحيوانات التي تصيب بعونها. ورد عن "ابن عباس" قوله: الكلاب من الجن، فان غشيكم عند طعام، فالقوا لهن فان لهن أنفساً أي أعيناً. ولخوفهم من اصابة عيون الحيوان كرهوا ألأكل بين يديها. فكانوا إما ان يشغلوها عن النظر اليهم بشيء يرمونه لها لتأكله، ولو بعظم وإما ان يطردوها، فيتخلصوا من اصابتهم بعيونها.
ويعبر عن العين التي تصيب المعين" ب "النفس". يقال نفسته بنفس، أي أصبته بعين، وأصابت فلاناً نفس، أي عين. وفي الحديث "انه نهى عن الرقية إلا في النَّملة والحُسَة والنفس، أي العين". و "النافس" العائن، والمنفوس المعيون. و "النفوس: العيون الحسود المتعين لأموال الناس ليصيبها، وما أنفسه، أي ما أشد عينه.
و "السفعة" العين. ورجل مسفوع، أي معيون أصابته سفعة، أي عين. ويقال به سفعة من الشيطان، أي مس،كأنه أخذ بناصيته. و يعبر عنها ب "النظرة" كذلك. وقيل: النظرة الإصابة بالعين والسفعة العين. و "النظرة" الغشية أو الطائف من الجن، وقد نظر،فهو منظور، أصابته غشية أو عين. وفي الحديث أن النبى، صلى الله عليه وسلم، رأى جارية، فقال: ان بها نظرة، فاسترقوا لها. قيل معناه: ان بها اصابة عين من نظر الجن اليها وكذلك بها سفعة. وقد يخصصون "النظرة" بإصابة عين الجن.
وللحاسد نفس على المحسود. وقد يصل نفس الحاسد إلى حد الإهلاك. والعائن ربما لا يتعمد الأذى، انما عينه هي التي تصيب بمجرد المقابلة أو وقوع النظرة على الشيء، ولذلك كان أذاه عند المقابلة ووقوع عين العائن على المعيون.أما الحاسد، فإنه يصيب في النية وفي الحضور، لأن عينه تنفذ وتصل إلى المحسود، وان كان غاضباً عن الحاسد، ولخطر الحسد وشدة أذاه، اتخذت الوسائل الخاصة بمقاومةعيون الحسود.
ولحماية النفس من العين، استعملت الخرز والتعاويذ والرقي. ومن إلخرز التي استخدمت في حماية الأطفال من اصابة العين، "الكحلة"، وهي خرزة سوداء تجعل على الصبيان لدفع العين عنهم. و "القبلة"، وهي خرزة بيضاء تجعل في عنق الفرس من العين.
و "الودعة"، تفيد في دفع أذى العين عن الإنسان. وذكر انها مما يقذفه البحر، وهي تتتفاوت في الصغر والكبر، وهي خرزة تثقب وتتخذ منها القلائد" وللحماية من العين.
 

This site was last updated 05/14/08