جارى العمل فى هذه الصفحة
الجزء التالى من كتاب السيرة النبوية - تأليف: عبد الملك بن هشام المعافري - الجزء الرابع - 83 / 116
ما نزل من القرآن في حديث الإفك
قالت : فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك ، فقال تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ، لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ، وذلك حسَّان بن ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا .
قال ابن هشام : ويقال : وذلك عبدالله بن أبي وأصحابه .
قال ابن هشام : والذي تولى كبره عبدالله بن أبي ، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في هذا الحديث قبل هذا . ثم قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) : أي فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ، ثم قال : ( إذ تلقَّونه بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ، وتحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم ) .
أبو بكر يمتنع عن الإنفاق على مسطح ورجوعه عن ذلك
فلما نزل هذا في عائشة ، وفيمن قال لها ما قال ، قال أبو بكر ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ، وأدخل علينا ؛ قالت : فأنزل الله في ذلك ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم ) .
تفسير ابن هشام لبعض ألفاظ القرآن
قال ابن هشام : يقال : كِبرْه وكُبرْه في الرواية ، وأما في القرآن فكِبره بالكسر .
قال ابن هشام : ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم ) ولا يألُ أولوا الفضل منكم .
قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :
ألا رب خصم فيك ألوى رددتُه * نصيح على تَعْذاله غير مؤتل
وهذا البيت في قصيدة له ؛ ويقال : ولا يأتلِ أولوا الفضل : ولا يحلف أولوا الفضل ، وهو قول الحسن بن أبي الحسن البصري ، فيما بلغنا عنه .
وفي كتاب الله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم ) وهو من الألية ، والألية : اليمين . قال حسَّان بن ثابت :
آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني أليَّة بر غير إفناد
وهذا البيت في أبيات له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . فمعنى : أن يؤتوا في هذا المذهب : أن لا يؤتوا ، وفي كتاب الله عز وجل : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) يريد : أن لا تضلوا ؛ ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض ) يريد أن لا تقع على الأرض ، وقال ابن مفرغ الحميري :
لا ذعرتُ السوام في وضح الصبـ * ــح مغيرا ولا دُعيت يزيدا
يوم أُعطى مخافة الموت ضيما * والمنايا يرصُدْنني أن أحيدا
يريد : أن لا أحيد ؛ وهذان البيتان في أبيات له .
قال ابن إسحاق : قالت : فقال أبو بكر : بلى والله ، إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .
صفوان يحاول قتل حسَّان
قال ابن إسحاق : ثم إن صفوان بن المعطَّل اعترض حسَّان بن ثابت بالسيف ، حين بلغه ما كان يقول فيه ، وقد كان حسَّان قال شعرا مع ذلك يعرّض بابن المعطل فيه ، وبمن أسلم من العرب من مضر ، فقال :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا * وابن الفُريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه * أو كان منتشبا في بُرْثن الأسد
ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه * من دية فيه يُعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح شامية * فيغطَئِلُّ ويرمي العِبر بالزبد
يوما بأغلب مني حين تبصرني * مِلْغَيْظ أفري كفري العارض البرد
أما قريش فإني لن أسالمهم * حتى يُنيبوا من الغيَّات للرشد
ويتركوا اللات والعزى بمعزلة * ويسجدوا كلهم للواحد الصمد
ويشهدوا أن ما قال الرسول لهم * حق ويوفوا بعهد الله والوُكُدِ
فاعترضه صفوان بن المعطل ، فضربه بالسيف ، ثم قال - كما حدثني يعقوب بن عتبة - :
تلقَّ ذُباب السيف عني فإنني * غلام إذا هُوجيت لست بشاعر
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل ، حين ضرب حسَّان ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث ابن الخزرج ؛ فلقيه عبدالله بن رواحة ، فقال : ما هذا ؟ قال : أما أعجبك ضرب حسَّان بالسيف ! والله ما أراه إلا قد قتله ؛ قال له عبدالله بن رواحة : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت ؟ قال : لا والله ؛ قال : لقد اجترأت ، أطلق الرجل ، فأطلقه ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا ذلك له ، فدعا حسَّان وصفوان بن المعطل ؛ فقال ابن المعطل : يا رسول الله ، آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب ، فضربته ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسَّان : أحسن يا حسَّان ، أَتشوَّهتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام ، ثم قال : أحسن يا حسَّان في الذي أصابك ؛ قال : هي لك يا رسول الله .
قال ابن هشام : ويقال : أبعد أن هداكم الله للإسلام .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بيرحاء ، وهي قصر بني حُديلة اليوم بالمدينة ، وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسَّان في ضربته ، وأعطاه سيرين ، أمة قبطية ، فولدت له عبدالرحمن ابن حسَّان ، قالت : وكانت عائشة تقول : لقد سئل عن ابن المعطل ، فوجدوه رجلا حصورا ، ما يأتي النساء ، ثم قتل بعد ذلك شهيدا .