Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخليفة المعز والقرامطة

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
العباسيين والقرامطة
الخليفة المعز والقرامطة

Hit Counter

*************************************************************************************************************

هذه الصفحة نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1 ص 6 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع لم نزيد أو ننقص منها وضعناها كما هى ولكننا وضعنا لكل مقطع عناوين للتسهيل على الدارس

*************************************************************************************************************

 

ونزل ( القرمطي ) على مصر أول ربيع الأول سنة إحدى وستين وثلاثمائة فقاتله جوهر على الخندق وهزمه فرحل إلى الأحساء‏.‏
وأنفذ جوهر جيشا نحو يافا فملكوها ورحل المحاصرون لها إلى دمشق ونزلوا بظاهرها فاختلف ظالم العقيلي وأبو الهيجا بسبب الخراج فكان كل منهما يريد أخذه للنفقة في رجاله وكان أبو الهيجا أثيرا عند القرمطي يولج إليه أموره ويستخلفه على تدبيره‏.‏
ورجع الحسن بن أحمد القرمطي من الأحساء فنزل الرملة ولقيه أبو الهيجا وظالم وبلغه ما جرى بينهما من الاختلاف فقبض على ظالم واعتقله مدة ثم خلى عنه‏.‏
وطرح القرمطي مراكب في البحر وشحنها بالمقاتلة وسيرها إلى تنيس وغيرها من سواحل مصر وجمع من قدر عليه من العرب وغيرهم وتأهب للمسير إلى مصر هذا بعد أن كان القرامطة أولا يمخرقون بالمهدي ويوهمون أنه صاحب المغرب وأن دعوتهم إليه ويراسلون الإمام المنصور إسماعيل بن محمد القائم بن عبيد الله المهدي ويخرجون إلى أكابر أصحابهم أنهم من أصحابه إلى أن افتضح كذبهم بمحاربة القائد جوهر لهم وقتله كثيرا منهم وكسره القبة التي كانت لهم‏.‏
فلما نزل المعز لدين الله القاهرة عند ما قدم من المغرب وقد تيقن أخبار القرامطة كتب إلى من عبد الله ووليه وخيرته وصفيه معد أبي تميم المعز لدين الله أمير المؤمنين وسلالة خيبر النبيين ونجل على أفضل الوصيين إلى الحسن بن أحمد‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم رسوم النطقاء ومذاهب الأئمة والأنبياء ومسالك الرسل والأوصياء السالف والآنف منا صلوات الله علينا وعلى آبائنا أولى الأيدي والأبصار في متقدم الدهور والأكوار وسالف الأزمان والأعصار عند قيامهم بأحكام الله وانتصابهم لأمر الله الابتداء بالإعذار والانتهاء بالإنذار قبل إنفاذ الأقدار في أهل الشقاق والأصار لتكون الحجة على من خالف وعصى والعقوبة على من باين وغوى حسب ما قال الله جل وعز‏:‏ ‏"‏ وما كُنَّا مُعَذِّبينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ‏"‏‏.‏
و ‏"‏ وإِنْ مِنْ أُمَّةِ إِلاَّ خَلاَ فيها نَذيرٌ ‏"‏‏.‏
وقوله سبحانه‏:‏ ‏"‏ قُلْ هَذِه سَبِيلي أَدْعُو إِلى اللّهِ عَلَى بَصِيرةٍ أَنا وَمَنْ اتَّبَعَني وسُبْحانَ اللّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكين ‏"‏‏.‏
‏"‏ فَإِنْ آمَنوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ به فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ في شِقَاق ‏"‏‏.‏
أما بعد أيها الناس فإنا نحمد الله بجميع محامده ونمجده بأحسن مماجده حمداً دائماً أبداً ومجداً عالياً سرمداً على سبوغ نعمائه وحسن بلائه ونبتغي إليه الوسيلة بالتوفيق والمعونة على طاعته والتسديد في نصرته ونستكفيه ممايلة الهوى والزيغ عن قصد الهدى ونستزيد منه إتمام الصلوات وإفاضات البركات وطيب التحيات على أوليائه الماضين وخلفائه التالين منا ومن آبائنا الراشدين المهديين المنتخبين الذين قضوا بالحق وكانوا به يعدلون‏.‏
أيها الناس‏:‏ ‏"‏ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ومَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا ‏"‏ ليذكر من يذكر وينذر من أبصر واعتبر‏.‏
أيها الناس‏:‏ إن الله جل وعز إذا أراد أمراً قضاه وإذا قضاه أمضاه وكان من قضائه فينا قبل التكوين أن خلقنا أشباحا وأبرزنا أرواحا بالقدرة مالكين وبالقدوة قادرين حين لاسماء مبنية ولا أرض مدحية ولا شمس تضيء ولا قمر يسري ولا كوكب يجري ولا ليل يجن ولا أفق يكن ولا لسان ينطق ولا جناح يخفق ولا ليل ولا نهار ولا فلك دوار ولا كوكب سيار‏.‏
فنحن أول الفكرة وآخر العمل بقدر مقدور وأمر في القدم مبرور فعند تكامل الأمر وصحة العزم وإنشاء الله جل وعز المنشآت وإبداء الأمهات من الهيولات طبعنا أنوارا وظلما وحركة وسكونا‏.‏
وكان من حكمه السابق في علمه ما ترون من فلك دوار وكوكب سيار وليل ونهار وما في الآفاق من آثار معجزات وأقدار باهرات وما في الأقطار من الآثار وما في النفوس من الأجناس والصور والأنواع من كثيف ولطيف وموجود ومعدوم وظاهر وباطن ومحسوس وملموس ودان وشاسع وهابط وطالع‏.‏
كل ذلك لنا ومن أجلنا دلالةً علينا وإشارةً إلينا يهدي به الله من كان له لب سجيح ورأى صحيح قد سبقت له منا الحسنى فدان بالمعنى‏.‏
ثم إنه جل وعلا أبرز من مكنون العلم ومخزون الحكم آدم وحوا أبوين ذكرا وأنثى سببا لإنشاء البشرية ودلالة لإظهار القدرة القوية وزاوج بينهما فتوالدا الأولاد وتكاثرت الأعداد ونحن ننتقل في الأصلاب الزكية والأرحام الطاهرة المرضية كلما ضمنا صلب ورحم أظهر منا قدرة وعلم وهلم جرا إلى آخر الجد الأول والأب الأفضل سيد المرسلين وإمام النبيين أحمد ومحمد صلوات الله عليه وعلى آله في كل ناد ومشهد فحسن آلاؤه وبان غناؤه وأباد المشركين وقصم الظالمين وأظهر الحق واستعمل الصدق وظهر بالأحدية ودان بالصمدية فعندها سقطت الأصنام وانعقد الإسلام وانتشر الإيمان وبطل السحر والقربان وهبرت الأوثان وأتى بالقرآن شاهدا بالحق والبرهان فيه خبر ما كان وما يكون إلى يوم الوقت المعلوم منبئا عن كتب تقدمت في صحف قد تنزلت تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة ونورا وسراجا منيرا‏.‏
وكل ذلك دلالات لنا ومقدمات بين أيدينا وأسباب لإظهار أمرنا هدايات وآيات وشهادات وسعادات قدسيات إلاهيات أزليات كائنات منشآت مبدئات معيدات فما من ناطق نطق ولا نبي بعث ولا وصي ظهر إلا وقد أشار إلينا ولوح بنا ودل علينا في كتابه وخطابه ومنار أعلامه ومرموز كلامه فيما هو موجود غير معدوم وظاهر وباطن يعمله من سمع الندا وشاهد ورأى من الملأ الأعلى فمن أغفل منكم أو نسى أو ضل أو غوى فلينظر في الكتب الأولى والصحف المنزلة وليتأمل آي القرآن وما فيه من البيان وليسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم فقد أمر الله عز وجل بالسؤال فقال‏:‏ ‏"‏ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ‏"‏‏.‏
وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُم يَحْذَرُونَ ‏"‏‏.‏
ألا تسمعون قول الله حيث يقول‏:‏ ‏"‏ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏"‏ وقوله تقدست أسماؤه‏:‏ ‏"‏ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏
وقوله له العزة‏:‏ ‏"‏ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فيه كَبُرَ على المُشْرِكينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ‏"‏‏.‏
ومما دل به علينا وأنبأ به عنا قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ كَمِشْكَاةٍ فيها مصْبَاحٌ المِصْبَاحُ في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُها يُضِىءُ وَلَوْلَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ على نُورٍ يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَىُءٍ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏
وقوله في تفضيل الجد الفاضل والأب الكامل محمد صلى الله عليه وعليه السلام إعلاما بجليل قدرنا وعلو أمرنا‏:‏ ‏"‏ وَلقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ‏"‏‏.‏
هذا مع ما أشار ولوح وأبان وأوضح في السر والإعلان من كل مثل مضروب وآية وخبر وإشارة ودلالة حيث يقول‏:‏ ‏"‏ وتِلْكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنَّاس ومَا يَعْقِلُها إِلاَّ الْعَالِمُونَ ‏"‏‏.‏
وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ إِنَّ في خَلْقِ السّموّاتِ والأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْل والنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ ‏"‏‏.‏
وقوله جل وعز‏:‏ ‏"‏ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا في الآفَاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيْن لَهُمْ أنَّهُ الْحَقُّ ‏"‏‏.‏
فإن اعتبر معتبر وقام وتدبر ما في الأرض وما في الأقطار والآثار وما في النفس من الصور المختلفات والأعضاء المؤتلفات والآيات والعلامات والاتفاقات والاختراعات والأجناس والأنواع وما في كون الإبداع من الصور البشرية والآثار العلوية وما يشهد به حروف المعجم والحساب المقوم وما جمعته الفرائض والسنن وما جمعته السنون من فصل وشهر ويوم وتصنيف القرآن من تحزيبه وأسباعه ومعانيه وأرباعه وموضع الشرائع المتقدمة والسنن المحكمة وما جمعته كلمة الإخلاص في تقاطيعها وحروفها وفصولها وما في الأرض من إقليم وجزيرة وبر وبحر وسهل وجبل وطول وعرض وفوق وتحت إلى ما اتفق عليه في جميع الحروف من أسماء المدبرات السبعة النطقا والأوصيا والخلفا وما صدرت به الشرائع من فرض وسنة وحدوثة وما في الحساب من أحاد وأفراد وأزواج وأعداد تثاليثه وترابيعه واثنى عشريته وتسابيعه وأبواب العشرات والمئين والألوف وكيف تجتمع وتشتمل على ما اجتمع عليه ما تقدم من شاهد عدل وقول صدق وحكمة حكيم وترتيب عليم‏.‏
فلا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والأمثال العلى‏.‏
‏"‏ وإِنْ تعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوها ‏"‏‏.‏
‏"‏ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏
‏"‏ وَلَوْ أَنَّ مَا في الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفدَتْ كَلِمَاتُ اللّهِ ‏"‏‏.‏
وليعلم من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أنا كلمات الله الأزليات وأسماؤه التامات وأنواره الشعشعانيات وأعلامه النيرات ومصابيحه البينات وبدائعه المنشآت وآياته الباهرات وأقداره النافذات لا يخرج منا أمر ولا يخلو منا عصر‏.‏
وإنا لكما قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَينَ مَا كَانُوا ثَمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏
فاستشعروا النظر فقد نقر في الناقور وفار التنور وأتى النذير بين يدي عذاب شديد فمن شاء فلينظر ومن شاء فليتدبر وما على الرسول إلا البلاغ المبين‏.‏
وكتابنا هذا من فسطاط مصر وقد جئناها على قدر مقدور ووقت مذكور فلا نرفع قدماً ولا نضع قدماً إلا بعلم موضوع وحكم مجموع وأجل معلوم وأمر قد سبق وقضاء قد تحقق‏.‏
فلما دخلنا وقد قدر المرجفون من أهلها أن الرجفة تنالهم والصعقة تحل بهم تبادروا وتعادوا شاردين وجلوا عن الأهل والحريم والأولاد والرسوم وإنا لنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فلم أكشف لهم خبرا ولا قصصت لهم أثرا ولكني أمرت بالنداء وأذنت بالأمان لكل باد وحاضر ومنافق ومشاقق وعاص ومارق ومعاند ومسابق ومن أظهر صفحته وأبدى لي سوءته فاجتمع الموافق والمخالف والباين والمنافق فقابلت الولي بالإحسان والمسيء بالغفران حتى رجع الناد والشارد وتساوى الفريقان واتفق الجمعان وانبسط القطوب وزال الشحوب جريا على العادة بالإحسان والصفح والامتنان والرأفة والغفران فتكاثرت الخيرات وانتشرت البركات‏.‏
كل ذلك بقدرة ربانية وأمرة برهانية فأقمت الحدود بالبينة والشهود في العرب والعبيد والخاص والعام والبادي والحاضر بأحكام الله عز وجل وآدابه وحقه وصوابه فالولي آمن جذلن والعدو خائف وجل‏.‏
فأما أنت الغادر الخائن الناكث البائن عن هدى آبائه وأجداده المنسلخ عن دين أسلافه وأنداده والموقد لنار الفتنة والخارج عن الجماعة والسنة فلم أغفل أمرك ولا خفي عني خبرك ولا استتر دوني أثرك وإني منى لبمنظر ومسمع كما قال الله جل وعز‏:‏ ‏"‏ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ‏"‏ ‏"‏ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّك بَغِيَّا ‏"‏‏.‏
فعرفنا على أي رأي أصلت وأي طريق سلكت‏:‏ أما كان لك بجدك أبي سعيد أسوة وبعمل أما نظرت في كتبهم وأخبارهم ولا قرأت وصاياهم وأشارهم أكنت غائبا عن ديارهم وما كان من آثارهم ألم تعلم أنهم كانوا عبادا لنا أولى بأس شديد وعزم سديد وأمر رشيد وفعل حميد يفيض إليهم موادنا وينشر عليهم بركاتنا حتى ظهروا على الأعمال ودان لهم كل أمير ووال ولقبوا بالسادة فسادوا منحةً منا واسما من أسمائنا فعلت أسماؤهم واستعلت هممهم واشتد عزمهم فسارت إليهم وفود الآفاق وامتدت نحوهم الأحداق وخضعت لهيبتهم الأعناق وخيف منهم الفساد والعناد وأن يكونوا لبني العباس أضداد فعبئت الديوش وسار إليهم كل خميس بالرجال المنتجبة والعدد المهذبة والعساكر الموكبة فلم يلقهم جيش إلا كسروه ولا رئيس إلا أسروه ولا عسكر إلا كسروه وألحاظنا ترمقهم ونصرنا يلحقهم كما قال الله جل وعز‏:‏ ‏"‏ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنْيا ‏"‏ ‏"‏ وإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ ‏"‏ وإن حزبنا لهم المنصورون‏.‏
فلم يزل ذلك دأبهم وعين الله ترمقهم إلى أن اختار لهم ما اختاروه من نقلهم من دار الفناء إلى دار البقاء ومن نعيم يزول إلى نعيم لا يزول فعاشوا محمودين وانتقلوا مفقودين إلى روح ومع هذا فما من جزيرة في الأرض ولا إقليم إلا ولنا فيه حجج ودعاة يدعون إلينا ويدلون علينا ويأخذون بيعتنا ويذكرون رجعتنا وينشرون علمنا وينذرون بأسنا ويبشرون بأيامنا بتصاريف اللغات واختلاف الألسن وفي كل جزيرة وإقليم رجال منهم يفقهون وعنهم يأخذون وهو قول الله عز وجل‏.‏
‏"‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسْولٍ إِلاَّ بلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ‏"‏‏.‏وأنت عارف بذلك‏.‏
فيأيها الناكث الحانث ما الذي أرداك وصدك أشيء شككت فيه أم أمر استربت به أم كنت خليا من الحكمة وخارجاً عن الكلمة فأزلك وصدك وعن السبيل ردك إن هي إلا فتنة لكم ومتاع إلى حين‏.‏
وأيم لله لقد كان الأعلى لجدك والأرفع لقدرك والأفضل لمجدك والأوسع لوفدك والأنضر لعودك والأحسن لعذرك الكشف عن أحوال سلفك وإن خفيت عليك والقفو لآثارهم وإن عميت لديك لتجري على سننهم وتدخل في زمرهم وتسلك في مذهبهم أخذاً بأمورهم في وقتهم وزيهم في عصرهم فتكون خلفاً قفا سلفاً بجد وعزم مؤتلف وأمر غير مختلف‏.‏
لكن غلب الران على قلبك والصدى على لبك فأزالك عن الهدى وأزاغك عن البصيرة ‏"‏ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوَنَ غَيَّا ‏"‏‏.‏
ثم لم تقنع في انتكاسك وترديتك في ارتكاسك وارتباكك وانعكاسك من خلافك الآباء ومشيك القهقرى والنكوص على الأعقاب والتسمي بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان وعصيانك مولاك وجحدك ولاك حتى انقلبت على الأدبار وتحملت عظيم الأوزار لتقيم دعوةً قد درست ودولة قد طمست إنك لمن الغاوين وإنك لفي ضلال مبين‏.‏
أم تريد أن ترد القرون السالفة والأشخاص الغابرة أما قرأت كتاب السفر وما فيه من نص وخبر فأين يذهبون إن هي إلا حياتكم الدنيا تموتون وتظنون أنكم لستم بمبعوثين ‏"‏ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسيرٌ ‏"‏‏.‏
أما علمت أن المطيع آخر ولد العباس وآخر المترايس في الناس أما تراهم ‏"‏ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِّنْ بَاقِيَة ‏"‏ ختم والله الحساب وطوى الكتاب وعاد الأمر إلى أهله والزمان إلى أوله وأزفت ا ‏{‏ لآزفة ووقعت الواقعة وقرعت القارعة وطلعت الشمس من مغربها والآية من وطنها وجيء بالملائكة والنبيين وخسر هنالك المبطلون هنالك الولاية لله الحق ينصر الله من يشاء ‏"‏ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ ‏"‏‏.‏
فقد ضل عملك وخاب سعيك وطلع نحسك وغاب سعدك حين آثرت الحياة الدنيا على الآخرة ومال بك الهوى فأزالك عن الهدى فإن تكفر أنت ومن في الأرض جميعا فإن الله هو الغنى الحميد‏.‏
ثم لم يكفك ذلك مع بلائك وطول شقائك حتى جمعت أرجاسك وأنجاسك وحشدت أوباشك وأقلاسك وسرت قاصدا إلى دمشق وبها جعفر بن فلاح في فئة قليلة من كتامة وزويلة فتلته وقتلتهم جرأة على الله وردا لأمره واستبحت أموالهم وسبيت نساءهم وليس بينك وبينهم ترة ولا ثأر ولا حقد ولا أضرار فعل بني الأصفر والترك والخزر ثم سرت أمامك ولم ترجع وأقمت على كفرك ولم تقلع حتى أتيت الرملة وفيها سعادة بن حيان في زمرة قليلة وفرقة يسيرة فاعتزل عنك إلى يافا مستكفيا شرك وتاركا حربك فلم تزل ماكثا على نكثك باكرا وصابحا وغاديا ورائحا تقعد لهم بكل مقعد وتأخذ عليهم بكل مرصد وتقعدهم بكل مقصد كأنهم ترك وروم وخزر لا ينهك عن سفك الدماء دين ولا يردعك عهد ولا يقين قد استوعب من الردي حيزومك وانقسم على الشقاء خرطومك‏.‏
أما كان لك مذكر وفي بعض أفعالك مزدجر أو ما كان لك في كتاب الله عز وجل معتبر حيث يقول‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداُ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ‏"‏ فحسبك بها فعلة تلقاك يوم ورودك وحشرك حين لا مناص ولا لك من الله خلاص ولم تستقبلها وكيف تستقبلها وأنى لك مقيلها هيهات هيهات هلك الضالون وخسر هنالك المبطلون وقل النصير وزال العشير ومن بعد ذلك تماديك في غيك ومقامك في بغيك عداوة الله ولأوليائه وكفرا لهم وطغيانا وعمى وبهتانا‏.‏
أتراك تحسب أنك مخلد أم لأمر الله راد أم ‏"‏ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ‏"‏‏.‏
هيهات لا خلود لمذكور ولا مرد لمقدور ولا طافىء لنور ولا مقر لمولود ولا قرار لموعود لقد خاب منك الأمل وحان لك الأجل فإن شئت فاستعد للتوبة بابا وللنقلة جلبابا فقد بلغ الكتاب أجله والوالي أمله وقد رفع الله قبضته عن أفواه حكمته ونطق من كان بالأمس صامتا ونهض من كان هناك خائفا ونحن أشباح فوق الأمر والنفس دون العقل وأرواح في القدس نسبة ذاتية وآيات لدنية نسمع ونرى ‏"‏ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتابُ وَلاَ الإِيمانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ‏"‏ ‏"‏ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ‏"‏‏.‏
ونحن معرضون ثلاث خصال والرابعة أردى لك وأشقى لبالك وما أحسبك تحصل إلا عليها فاختر‏:‏ إما قدت نفسك لجعفر بن فلاح وأتباعك بأنفس المستشهدين معه بدمشق والرملة من رجاله ورجال سعادة بن حيان ورد جميع ما كان لهم من رجال وكراع ومتاع إلى آخر حبة من عقال ناقة وخطام بعير وهي أسله ما يرد عليك ‏.‏
وإما أن تردهم أحياء في صورهم وأعيانهم وأموالهم وأحوالهم ولا سبيل لك إلى ذلك ولا اقتدار ‏.‏
وإما سرت ومن معك بغير زمام ولا أمان فأحكم فيك وفيهم بما حكمت وأجريك على إحدى ثلاث‏:‏ إما قصاص وإما منا بعد وإما فدى فعسى أن يكون تمحيصا لذنوبك وإقالة لعشرتك‏.‏
وإن أبيت إلا فعل اللعين‏:‏ ‏"‏ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إلى يَوْمِ الدِّينِ ‏"‏‏.‏
أخرج منها فما يكون لك أن تتكبر فيها وقيل اخسئوا فيها ولا تكلمون فما أنت إلا كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار فلا سماء تظلك ولا أرض تقلك ولا ليل يجنك ولا نهار يكنك ولا علم يسترك ولا فئة تنصرك قد تقطعت بكم الأسباب وأعجزكم الذهاب فأنتم كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إلَى هَؤُلاَءِ ‏"‏‏.‏
فلا ملجأ لكم من الله يومئذ ولا منجى منه وحنود الله في طلبك قافية لا تزال ذو أحقاد وثوار أهجاد ورجال أنجاد فلا تجد في السماء مصعدا ولا في الأرض مقعدا ولا في البر ولا في البحر منهجا ولا في الجبال مسلكاً ولا إلى الهواء سلما ولا إلى مخلوق ملتجا‏.‏
حينئذ يفارقك أصحابك ويتخلى عنك أحبابك ويخذلك أترابك فتبقى وحيداً فريداً وخائفاً طريداً وهائماً شريداً قد ألجمك العرق وكظك القلق وأسلمتك ذنوبك وازدراك خزيك ‏"‏ كَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ ‏"‏ ‏"‏ هَذَا يَوْمَ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنَ لَهُمْ فَيَعْتّذِرُونَ ‏"‏ ‏"‏ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ‏"‏‏.‏
واعلم أنا لسنا بممهليك ولا مهمليك إلا ريثما يرد كتابك ونقف على فحوى خطابك فانظر لنفسك يا شقي ليومك ومعادك قبل انغلاق باب التوبة وحلول وقت النوبة حينئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً‏.‏
وإن كنت على ثقة من أمرك ومهل في أمر عصرك وعمرك فاستقر بمركزك وأربع على ضلعك فلينالنك ما نال من كان قبلك من عاد وثمود ‏"‏ وأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعِ كُلٌّ كّذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ‏"‏ فلنأتينكم بجنود لا قبل لكم بها ولنخرجنكم منها أذلةً وأنتم صاغرون بأولى بأس شديد وعزم سديد أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين بقلوب نقية وأرواح تقية ونفوس أبية يقدمهم النصر ويشملهم الظفر تمدهم ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‏.‏
فما أنت وقومك إلا كمناخ نعم أو كمراح غنم فإما نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون وأنت في القفص مصفودا ونتوفنيك فإلينا مرجعهم فعندها تخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ‏"‏ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَولَّى ‏"‏ ‏"‏ كأَنهم يوم يَرَوْنَ ما يُوعدُونَ لم يَلبثوا إلا ساعةَ من نهارٍ بلاغٌ فهل يُهْلَكُ إِلا القومُ الفاسقون ‏"‏‏.‏
فليتدبر من كان ذا تدبر وليتفكر من كان ذا تفكر وليحذر يوم القيامة من الحسرة والندامة ‏"‏ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يحَسْرَتَي عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللّهِ ‏"‏ ويا حسرتنا على ما فرطنا ويا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل هيهات غلبت عليكم شقاوتكم وكنتم قوماً بوراً‏.‏
والسلام على من اتبع الهدى وسلم من عواقب الردى وانتمى إلى الملأ الأعلى وحسبنا الله الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا النبي الأمى والطيبين من عترته وسلم تسليماً‏.‏
فأجاب الحسن بن الأعصم بما نصه‏:‏ من الحسن بن أحمد القرمطي الأعصم‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلينا كتابك الذي كثر تفصيله وقل تحصيله ونحن سائرون على إثره والسلام وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏
وسار الحسن بن أحمد القرمطي بعد ذلك إلى مصر فنزل بعسكره بلبيس وبعث إلى الصعيد بعبد الله بن عبيد الله أخي الشريف مسلم وانبثت سراياه في أرض مصر فتأهب المعز وعرض عساكره في ثالث رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وأمر بتفرقة السلاح على الرجال ووسع عليهم في الأرزاق وسير معهم الأشراف والعرب‏.‏
وسير معهم المعز ابنه الأمير عبد الله فسار بمظلته وبين يديه الرجال والسلاح والكراع والبنود وصناديق الأموال والخلع وسير معه أولاده وجميع أهله وجمعاً من جند المصريين خلا الشريف مسلم فإنه أعفاه من ذلك‏.‏
وانبسطت سرية القرمطي في نواحي أسفل الأرض فأنفذ المعز عبده ريان الصقلبي في أربعة ولثمان خلون منه قدمت سرية القرامطة إلى الخندق فبرز إليهم المغاربة فهزموهم ثم كروا على المغاربة فقتلوا منهم جماعةً وأسروا وفر إليهم علي بن محمد الخازن فالتحق بالقرامطة‏.‏
وورد الخبر بأن عبد الله بن عبيد الله أخا مسلم أوغل في الصعيد وقتل واستخرج الأموال وأسرف في قتل المغاربة وأسرهم ثم كر راجعاً إلى خميم‏.‏
ولست عشرة خلت منه جمع المعز أولاد الإخشيدية وغيرهم من الجند واعتقلهم‏.‏
وفي سلخه طيف بتسعة من القرامطة على الإبل بالبرانس ومعهم ثلاث رؤوس وفيه سار عسكر المعز مع ابنه عبد الله فنزل جب عميرة ونزلت عسكر القرمطي نصفين‏:‏ نصف مع النعمان أخي الحسن بن أحمد الأعصم مواجهة لعبد الله بن المعز ونصف مع الحسن بسطح الجب‏.‏
فبعث عبد الله العساكر فأحاطت بالحسن بن أحمد وعسكر وزحف إلى النعمان فقاتله فانهزم وقتل مع أصحابه وواقع الآخرون الحسن حتى كاد أن يؤخذ فإنهم أحاطوا به وصار في وسطهم فاغتنم فرجة مضى على وجهه ونهب سواده وأخذت قبته وأسر رجاله وأخذ من عسكره وعسكر أخيه خلق كثير وأخذ جماعة ممن كان مع المصريين‏.‏
ووصل الكتاب مع الطائر إلى عبد الله بن عبيد الله أخي مسلم بهزيمة القرامطة وهو بالصعيد فعدى إلى الجانب الشرقي لينقلب إلى الشام فبلغه مسير عساكر المعز فعاد إلى الجانب الغربي‏.‏
وورد كتاب الطائر إلى المعز من الأمير عبد الله ابنه أن عبد الله أخا مسلم قد أخذ فأرسل المعز إلى أخيه أبي جعفر مسلم يخبره فخلع على البشير‏.‏
وكانت في البرية سرية للمعز قد أخذوا الطريق على عبد الله أخي مسلم فوقع في أيديهم في الليل رجل بدوي فقال‏:‏ أنا عبد الله أخو مسلم فجاء إلى الأمير عبد الله فكتب إلى الطائر يأخذ عبد الله فلما جيء بالبدوي من الغد إلى الأمير عبد الله وهو في معسكره وكان في مجلسه عبد الله بن الشويخ فقال للأمير عبد الله‏:‏ ما هذا عمي عبد الله‏.‏ فبطل القول‏.‏
وكان خبر هذا البدوي أنه كان مع عبد الله أخي مسلم بالصعيد وعبر معه يريد الشام فأراد أن يسقي دوابه فقال له البدوي‏:‏ ما نأمن أن يكون على الماء طلب فدعني أتقدمك فإن لم أجد أحداً جئتك وإن أبطأت عليك فاعلم أني أخذت‏.‏
فلما وافى البدوي البئر أخذ فقال لهم‏:‏ أنا عبد الله أخو مسلم ليشغلهم عن طلبه فلما أبطأ البدوي على عبد الله علم أن الطلب قد أخذوه فكر راجعاً وعاد إلى الجانب الغربي وركب البحر إلى عينونا ومضى إلى الحجاز‏.‏
وكان هاروق على عسكر للمعز فرأى أصحابه عبد الله فأفلت منهم على فرس دهماء عربية بعد ما حط قبته وقطعها بسيفه فظفر هاروق بنوقه ووصل عبد الله إلى المدينة النبوية وجلس يتحدث في المسجد فقبل له‏:‏ إن الكتب قد سبقتك وبذل فيك مال عظيم‏.‏
فنهض لوقته وتوجه إلى الأحساء فاستنهض القرامطة فلم يكن فيهم نهضة فوبخهم لما رأى من عجزهم وقال‏:‏ أروني ما عندكم من القوة التي تقاومون بها صاحب مصر‏.‏
فأوقفوه على ما عندهم من المال والسلاح والكراع فاستقله وقال‏:‏ بهذا تقاومون صاحب مصر والشامات والمغرب‏.‏
وانصرف عنهم إلى العراق فأتبعوه برجل يقال إنه من بني سنبر فسمه في لبن بموضع يقال له النصيرية على ميلين من البصرة فقام مائتي مجلس في ليلة ومات بموضعه فغسل وكفن وأدخل وورد الخبر بذلك إلى المعز فأخبر الناس بموته وموت المطيع فإن ابنه سمه أيضا كما سمت القرامطة عبد الله أخا مسلم‏.‏
وأما أخبار القرامطة ففي كتب المؤرخين من المشارقة المتعصبين على الدولة الفاطمية أن سبب انهزام الحسن بن أحمد القرمطي من عساكر المعز أن العرب لما أنكت بمسير سراياها أرض مصر رأى المعز أن يفل عساكر القرامطة وجموعهم بمخادعة حسان بن الجارح الطائي أمير العرب ببلاد الشام وكان قدم مع القرمطي في جمع عظيم قوى به عسكر القرمطي فبعث المعز إلى ابن الجارح وبذل له مائة ألف دينا على أن يفل عسكر القرمطي فأجاب إلى ذلك وأن المعز استكثر المال فعمل دنانير من نحاس وطلاها بالذهب وجعلها في أكياس ووضع على رأس كل كيس منها دنانير يسيرة من الذهب ليغطي ما تحتها وشدت الأكياس وحملت إلى ثقة من ثقات ابن الجراح بعد ما كانوا استوثقوا منه وعاهدوه أنه لا يغدر بهم فلما وصل إليه المال تقدم إلى كبراء أصحابه بأن يتبعوه إذا تواقف العسكران وقامت الحرب فلما اشتد القتال ولي ابن الجراح منهزما واتبعه أصحابه وكان في جمع كبير فلما رآه القرمطي وقد انهزم تحير فكان جهده أن قاتل بمن معه حتى تخلص وكانوا قد أحاطوا به من كل جانب فخشى على نفسه وانهزم واتبعوه ودخلوا عسكره فظفروا منه بنحو ولما كان لخمس بقين من شعبان أنفذ المعز أبا محمود إبراهيم بن جعفر إلى الشام خلف القرمطي في عسكر يقال مبلغه عشرون ألفا فظفر في طريقه بجماعة من أصحاب القرمطي فبعث بهم إلى مصر‏.‏
وسار الحسن بن أحمد القرمطي فنزل أذرعات وأنفذ أبا الهيجا في طائفة إلى دمشق‏.‏
وبعث المعز إلى ظالم بن موهوب العقيلي لما بلغه ما وقع بينه وبين القرمطي فاستماله ليكون عوناً على القرمطي فسار يريد بعلبك فوافاه الخبر بهزيمة القرمطي ونزول أبي الهيجا دمشق فسار القرمطي ودخل البرية يريد بلده وفي نيته العود‏.‏
وكان للحسن بن أحمد القرمطي هذا شعر فمنه في أصحاب المعز لدين الله‏:‏ زعمت رجال الغرب أنّى هبتها فدمى إذاً ما بينهم مطلول يا مصر إن لم أسق أرضك من دمٍ يروى ثراك فلا سقاك النيل ولما كان في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة ورد إسحق وجعفر الهجريان من القرامطة فملكا الكوفة وخطبا لشرف الدولة فانزعج الناس لذلك لما في النفوس من هيبتهم وبأسهم وكان من الهيبة ما أن عضد الدولة بن بويه وبختيار أقطعاهم الكثير وكان لهم ببغداد نائب يعرف بأبي بكر بن ساهويه يتحكم تحكم الوزراء فقبض عليه صمصام الدولة بن عضد الدولة فلما ورد القرامطة الكوفة كتب إليهما صمصام الدولة يتلطفهما ويسألهما عن سبب حركتهما فذكرا أن قبض نائبهم هو السبب في قصدهم البلاد وبثا أصحابهما فجبوا المال فأرسل صمصام الدولة العساكر ومعهم العرب فعبروا الفرات إليه وقاتلوه وأسروا فانجلت الوقائع بينهم وبين العساكر عن هزيمة القرامطة وقتل مقدمتهم في جماعة وأسر عدة ونهب سوادهم فرحل من بقي منهم من الكوفة وتبعهم العساكر إلى القادسية فلم يدركوهم وزال من حينئذ بأسهم‏.‏
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة جمع شخص يعرف بالأصفر من بني المنفق جمعا كثيرا وكان بينه وبين جمع من القرامطة وقعة شديدة قتل في مقدم القرامطة وانهزم أصحابه وقد قتل منهم وأسر كثير فسار الأصفر إلى الأحساء وقد تحصن منه القرامطة بها فعدى إلى القطيف وأخذ ما كان فيها من مال وعبيد ومواشي وسار بها إلى البصرة‏.

This site was last updated 09/29/08