مقالة بعنوان من " ينصف مواطنا من السلطة السيادية؟" بقلم يوسف سيدهم جريدة وطنى 4/2/2007م السنة 49 العدد 2354
مظلمة غريبة جاءتني من شاب اسمه جوزيف بطرس حنين من مواليد مدينة ملوي بالمنيا يقول فيها: بعد أن حصلت علي ليسانس الآداب من جامعة المنيا, مايو عام 2003, تقدمت للالتحاق بالخدمة العسكرية وكان لي الشرف أن التحقت بسلاح القوات الجوية, حيث أمضيت عاما كاملا تعلمت فيه الكثير ونلت إعجاب كل من تعاملت معهم من الرتب العسكرية نظرا لالتزامي وانضباطي حتي أنهيت الخدمة بالجيش بدرجة أخلاق قدوة حسنة في 2005/3/1.
بعد خروجي من الجيش اتجهت إلي الحياة العملية حيث عملت مرافقا للمجموعات السياحية بشركة سياحة, وهناك تقدمت وتمتعت بإعجاب رؤسائي وزملائي نظرا لتميزي في العمل وحسن سلوكي ثم في سبتمبر الماضي عام 2006 أتيحت لي فرصة السفر للخارج للعمل في دولة أجنبية في مجال السياحة فبدأت في استخراج الأوراق المطلوبة للسفر, وكان من بينها الحصول علي تصريح للسفر للخارج من الإدارة المختصة بذلك بالقوات المسلحة باعتباري أديت الخدمة العسكرية, فذهبت إلي مكتب التعبئة في بلدي ملوي لاستخراج التصريح حيث أعطوني خطابا أذهب به إلي مكتب التعبئة بمحافظة المنيا ليقرر أنه ليس علي أمر استدعاء منذ تاريخ إنهاء خدمتي في الجيش.
ذهبت إلي مكتب تعبئة المنيا حيث فحصوا أوراقي وفوجئت برفضهم إعطائي تصريح السفر, بل صعقت لأنهم اتهموني بأنني متهرب من تلبية أمر استدعاء صدر لي للالتحاق بالجيش في الفترة من 6 إلي 2006/6/20, الأمر الذي لم أعرف عنه شيئا قبل ذهابي إليهم وأخذت أؤكد لهم أنني لم أتسلم أمر الاستدعاء بدليل أن مكتب تعبئة ملوي لا يعلم عنه شيئا هو الآخر ولذلك قام بتمرير الخطاب الذي قدمته لهم والذي يفيد بعدم استدعائي.. كل ذلك دون جدوي ودون أدني محاولة للاستماع إلي من المسئولين بمكتب تعبئة المنيا, وشعرت بالحيرة والظلم في البداية ولكن ذلك تحول إلي فزع وخوف بعد ذلك, لأني اكتشفت أن ما يدعيه مكتب تعبئة المنيا غير قابل للتشكيك ولا يقع عليه عبء إثبات ذلك, وأن علي أن أنصاع للتبعات المترتبة علي عدم تلبيتي للاستدعاء.. وتلك التبعات عرفتها من مكتب تعبئة ملوي الذي عدت إليه متظلما فأكدوا لي مجددا أنهم لا يعلمون شيئا عن الاستدعاء المزعوم وأن دفاترهم تخلو من ذلك, وعندما سألتهم عن الحل قالوا لي أمرا غريبا جدا: إنه ليس أمامي سبيل للاعتراض سوي أن أوقع علي نموذج لديهم أقر فيه بأن الاستدعاء المزعوم تم إرساله إلي منزلي في ملوي غير أني كنت في حينه أعمل كبائع متجول بين محافظات مصر فلم أتسلمه ولم يمكن الاستدلال علي عنواني!!! كما أكدوا لي أن ذلك الإقرار سوف تترتب عليه قضية عسكرية لا مغبة أو خطورة من جرائها سوي توقيع غرامة مالية بسيطة أقوم بسدادها وبعدها مباشرة يتم استخراج تصريح السفر لي.
لم أجد أمامي أي محرج من المشكلة التي حاقت بي بلا ذنب فعلته سوي اتباع ما نصحوني به, خاصة بعدما استشرت بعض السادة الضباط من مختلف الرتب العسكرية وتطابق رأيهم مع ما سمعته في مكتب تعبئة ملوي, فوقعت علي النموذج وبعدها أرسلوني إلي النيابة العسكرية بأسيوط وهناك كانت الصاعقة الثانية التي عصفت بي: فقد صدر الحكم بتوقيع غرامة مادية مبلغ مائتي جنيه - وهذا ما كنت أتوقعه - لكن بالإضافة إلي ذلك تم الحكم علي بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ.
قمت بسداد الغرامة وسألت الرتب العسكرية بالمحكمة علاوة علي بعض المحامين هناك عن مدي خطورة حكم الحبس مع إيقاف التنفيذ فقالوا جميعا: إن هذا يعني أنه في حالة صدور قرار آخر باستدعائي للجيش وعدم قيامي بتلبية الاستدعاء سيتم تطبيق هذا الحكم أي أقوم بتنفيذ الحبس لمدة سنة, أما ما كنت أريده أصلا من ذهابي للتعبئة من تصريح بالسفر فهذا صدر لكن بعد فوات الموعد المحدد وضياع فرصة السفر مني.
وشعرت بأنه تم الإيقاع بي عندما أقنعوني بالتوقيع علي النموذج الذي اعترفت بموجبه بأني تسملت الاستدعاء علي خلاف الحقيقة والواقع, كما شعرت بمنتهي خيبة الأمل لضياع فرصة السفر مني, وأخيرا أصبحت أعيش مرعوبا مهددا من احتمال تكرار ما حدث واتهامي في أي وقت بتخلفي عن تلبية استدعاء لم أتسلمه.. وأتساءل ألا توجد إجراءات وأوراق رسمية تثبت علي بالاستدعاء قبل اتهامي بالتخلف عن تلبيته؟.. ولماذا لا يؤخذ بإقرار مكتب تعبئة ملوي بأنه لم يتسلم أي استدعاء رسمي أصلا؟.. وماذا أفعل وعملي الحالي خارج ملوي وخارج محافظة المنيا, هل أعود كل أسبوع في إجازتي لأتحقق من مكتب تعبئة ملوي إذا كان هناك استدعاء لي من عدمه؟!!.
انتهت مظلمة الشاب جوزيف, ولست ألومه علي انصياعه بتوقيع الإقرار بذنبه, فأي غريق سوف يتعلق بأي طوق نجاة يقذف له.. والآن أرفع مظلمته إلي المسئولين بالقوات المسلحة لعلهم يعرفون من القنوات الإجرائية ما يمكن أن يتولي تبرئته وإعادة الطمأنينة إليه, كما أطرح مشكلته لأنها ليست مشكلته وحده, فقطعا هناك الكثيرون من ضحايا المؤسسات الرسمية والسيادية الذين أصابتهم الصواعق ووقع عليهم القصاص لمجرد أن تلك المؤسسات مصدقة سلفا.. فهل من إنقاذ من هذا المصير؟
ماذا يفعل المواطن عندما يفاجأ باتهام موجه له وهو برئ منه؟..إذا كان الاتهام موجها من مواطن آخر أو من مؤسسة خاصة أو من جهة غير تابعة للدولة يظل الأمر محصورا في إطار الخصومة العادية حيث يكون علي الجهة التي تتهم المواطن بتقديم الأدلة الدامغة التي تدينه وإلا أصبح اتهامها باطلا ولا تترتب عليه أية إدانة للمواطن. أما إذا كان الاتهام موجها من جهة تابعة للدولة - وخاصة إذا كانت جهة سيادية - فإن ما يجري للمواطن يكون مفزعا, فالاتهام لا يناقش وما تقوله تلك الجهة السيادية يكون مصدقا دون حاجة لتقديم أدلة, بل في معظم الأحيان لا يعرف المواطن وسيلة للطعن في الاتهام أو كيفية إثبات براءته أو الإفلات من العقاب.