كتبت ألباحثة التاريخية / إنجي متري فى حريدة وطنى (1) عرفت مصر إنشاء الحمامات مع بداية الحقبة الإسلامية أنشئ في مدينة الفسطاط 1170 حماما باعتبارها مركزا للحكم طوال فترة عصور حكم الخلفاء الراشدين وقلت إلي 80 حماما في عهد الفاطميين.
وكما كانت الحمامات من أماكن للترفيه إلي أماكن للقتل والانتقام بجانب أعمال السلب والنهب والبطش والضرب ولعل من أشهر قصص القتل حينما تآمرت شجرة الدر ضد زوجها عز الدين أيبك فقتل في حمام الخشبية بسبب غيرتها عليه وخوفها من تسلط زوجته الأولي
واشتهرت الحمامات في تلك الحقبة بالدقة في البناء المعماري والبراعة في الأداء من حيث التقسيمات والتصميمات والتنظيمات.
وكتب المقريزي عن أحوال الحمامات موضحا أنها كانت دليلا قويا علي نظافة الأبدان وصحة الأجسام وسلامة العقول لدي أهالي القاهرة,فالحمام لم يكن فقط مكان للاغتسال بل كان بمثابة محفلا لتبادل الأحاديث والحوارات عن أحوال البلاد وإقامة الحفلات واختيار الأزواج والزوجات.فلم يكن لعمل الخاطبة وجود إلا برؤية الفتيات والنساء داخل الحمامات من ثم تذهب مسرعة لمن يرغب في الاقتران بالنساء من الرجال وفي نفس الوقت كانوا الرجال يذهبون إلي الحمامات للتزين والانتعاش خاصة في ليلة الزفاف أو في المناسبات السعيدة ليكون محل إعجاب زوجته.
وكانت النساء من طبقة الأغنياء تفضل دائما أخذ الحمام ليوم ليكون قاصرا عليهن فقط دون دخول سيدات غريبات عليهن أو بينهن لعدم إطلاع أحد علي أسرار العائلة مع أن الحمامات مكان للتسلية إلا أنها أيضا مكان للمبارزة والتنافس بين النساء في إظهار مفاتن الجسد من جمال وجاذبية بالإضافة إلي التباهي بما لديهن من مصاغ وحلي وملابس فاخرة فهي دليل علي محبة أزواجهن لهن.
الحمامات الخاصة والحمامات الشعبية وحمامت للرجال والنساء أو تقسيم فترات الحمام
ومع ازدهار الحياة الاقتصادية في مصر انقسم الشعب إلي طبقات فقيرة وأخري غنية وانتهت مشاركة الأغنياء للفقراء في الحمامات وقاموا بإنشاء حمامات خاصة لهم في قصورهم.
وتعد الحمامات العامة أو الشعبية التي أصبحت ملكا للفقراء والعامة من الأماكن الاجتماعية التي ضمت عددا كبيرا من أصحاب الحرف ,فكانت وظيفة الحمامي تتمثل في الإشراف علي شئون الزبائن داخل الحمام والمحافظة علي الآداب العامة وتقاليد الاحتشام
ومنع أرباب الأمراض المعدية كالبرصاء والمجزومين من دخول الحمام بالإضافة إلي أن الحمامي يعطي المستحم قبقاب خشبي حينما ينزع عنه الحذاء ويقوم بحفظ الملابس .
كما كان يساعد الحمامي في أعماله داخل الحمام البلان أو المزين أو الحلاق وذلك من أجل النظافة الشخصية للرجال.
ومع تناقص أعداد الحمامات المستمر ,كان من الضروري أن يصبح الحمام الواحد مشتركا بين الرجال والنساء وقسمت الأوقات فيه إلي فترتين هما فترة ما قبل الظهر وتكون للرجال وفترة بعد الظهر للنساء.
وعندما يكون الحمام مقتصرا علي استقبال النساء يعلق منديل أو قطعة قماش من الكتان أو فوطة مطرزة عند مدخله فلا يطأ الرجال عتبته.
ويحتوي الحمام علي ثلاثة أقسام هي البراني والوسطاني والجواني فالقسم البرانيعبارة عن ساحة مسقوفة بعقود تتلاقي فيها وتصطف في جوانبها النوافذ الملونة وفي وسطها بحيرة وجدرانها مزينة بالنقوش والرسوم والسجاد والمرايا المكتوب عليها عبارات الترحيب وفي هذا القسم من الحمام يخلع المستحم ثيابه ويرتديها بعد أن ينتهي من استحمامه كما أنه كان مكانا للأحاديث والمسامرة أما القسم الوسطاني ففيه مصاطب علي اليمين واليسار يستريح عليها المستحم بعد أن يخرج من حمامه,لايستخدم هذا المكان إلا في فصل الصيف فقط,وبالنسبة للجزء الأخير الجواني فهو القسم الداخلي وفيه توجد الأجران التي تتدفق إليها المياه الحارة والباردة حسب حاجة المستحم لها وفي هذا المكان توجد الحجرات الداخلية للحمام مغطاه بقباب بفتحات صغيرة دائرية من الزجاج تسمح بدخول الضوء.
وقد اشتهرت الحمامات الشعبية بوجود ساقية يحركها ثور قوي لرفع المياه من البئر إلي المرجل,وعرفت الحجرات في الحمامات باسم الليوانات وذكرت بعض الكتب أن متوسط عدد رواد الحمام بلغ في اليوم الواحد ما بين 50ــ60 شخصا.
ولم يتبق من الحمامات المعبرة عن تلك العصور إلا القليل التي لازالت تستخدمها النساء إلي الآن في الأحياء الشعبية للاستحمام فيها في ليلة العرس,ومن أشهر هذه الحمامات حمام الدرب الأحمر ,حمام بابا بالسيدة زينب وحمام السيدة عائشة بمصر القديمة ولكن صدر قرار بغلقها بسبب مرض إنفلونزا الطيور.
====================
المراجع
(1) جريدة وطنى الأحد 2/ 7/ 2006 م
(2) كتاب عامة القاهرة في عصر سلاطين المماليك - للدكتور علاء طه رزق.
(3) كتاب عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم للمؤرخ الإنجليزي إدوارد وليم لاين
(4) كتاب طوائف الحرف في مصر - للدكتور عبد السلام عبد الحليم عامر