الخليفة الظافر بالله أبو منصور على مصر - الخليفة رقم 153 فى سلسلة خلفاء المسلمين الذين حكموا مصر وأيضا الخليفة رقم 9 فى سلسلة خلفاء الأسرة الفاطمية الشيعية الذين غحتلوا مصر
****************************************************************************************
الجزء التالى من مرجع عن الخلفاء الذين حكموا مصر وهى تحت إستعمار الأسرة الفاطمية الشيعية الإسلامية - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
****************************************************************************************
الخليفة الظافر بالله أبو منصور على مصر سنة 544
الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد ابن الأمير محمد ابن الخليفة المستنصر معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد التاسع من خلفاء مصر من بني عبيد والثاني عشر منهم ممن ولي من أجداده خلفاء المغرب.
بويع بالخلافة بعد موت أبيه الحافظ في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وهو ابن سبع عشرة سنة وأشهر لأن مولده في يوم الأحد منتصف شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة. وأمه أم ولد تدعى ست الوفاء وقيل: ست المنى.
قال العلامة شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قز أوغلي سبط ابن الجوزي في تاريخه مرآة الزمان - بعد أن سماه يوسف والصواب ما قلناه أنه إسماعيل - قال: وكانت أيامه مضطربة لحداثة سنه واشتغاله باللهو وكان عباس الصنهاجي لما قتل ابن سلار وزر له واستولى عليه. وكان له ولد اسمه نصر فأطمع نفسه في الأمر وأراد قتل أبيه ودس إليه سمًا ليقتله.
فعلم أبوه واحترز وأراد أن يقبض عليه فما قدر ومنعه مؤيد الدولة أسامة بن منقذ وقبح عليه ذلك وقال: إن فعلت هذا لم يبق لك أحد ويفر الناس عنك. فشرع أبوه يلاطفه يعني الوزير عباس يلاطف ابنه نصرًا وقال له: عوض ما تقتلني اقتل الظافر.
وكان نصر ينادم الظافر ويعاشره وكان الظافر يثق به وينزل في الليل إلى داره متخفيًا. فنزل ليلة إلى داره وكانت بالسيوفيين داخل القاهرة ومعه خادم له فشربا ونام الظافر فقام نصر فقتله ورمى به في بئر.
فلما أصبح عباس يعني الوزير أبا نصر المذكور جاء إلى باب القصر يطلب الظافر فقال له خادم القصر: ابنك يعرف أين هو ومن قتله. فقال عباس: ما لابني فيه علم.
وأحضر أخوي الظافر وابن أخيه فقتلهم صبرًا بين يديه وأحضر أعيان الدولة وقال: إن الظافر ركب البارحة في مركب فانقلبت به فغرق. ثم أخرج عيسى ولد الظافر. فتفرقوا عن عباس وابنه وثار الجند والعبيد وأهل القاهرة وطلبوا بثأر الظافر من عباس وابنه نصر. فأخذ عباس وابنه نصر ما قدرا عليه من المال والجواهر وهربا إلى الشام.
فبلغ الفرنج فخرجوا إليهما وقتلوا عباسًا وأسروا ابنه نصرًا وقتل نصر في السنة الآتية انتهى.
وقال القاضي شمس الذين أحمد بن خلكان: بويع يوم مات أبوه بوصية أبيه وكان أصغر أولاد أبيه سنًا. كان كثير اللهو واللعب والتفرد بالجواري واستماع المغاني. وكان يأنس بنصر بن عباس. فاستدعاه إلى دار أبيه ليلًا سرًا بحيث لا يعلم به أحد وتلك الدار في المدرسة الحنفية السيوفية الآن فقتله بها وأخفى أمره. قال: وقصته مشهورة وذلك في نصف المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وكان من أحسن الناس صورة. والجامع الظافري الذي بالقاهرة داخل باب زويلة منسوب إليه وهو الذي عمره وأوقف عليه شيئًا كثيرًا. انتهى كلام ابن خلكان.
قلت: والجامع الظافري هو المعروف الآن بجامع الفاكهانيين على الشارع الأعظم بالقرب من حارة الديلم.
وقال ابن القلانسي: إن الظافر إنما قتله أخواه يوسف وجبريل وابن عمهما صالح بن الحسن. قلت: وهذا القول يؤيده قول ما نقله أبو المظفر من أن عباسًا قتل أخوي الظافر وابن عمه صبرًا أعني لما بلغه قتلهم للظافر قتلهم به غير أن جمهور المؤرخين اتفقوا على أن قاتل الظافر نصر بن عباس المقدم ذكره. قال: وكان الظافر قد ركن إليهم يعني أخويه وابن عمه وأنس بهم في وقت مسراته فاتفقوا عليه واغتالوه وذلك في يوم الخميس سلخ صفر. وحضر العادل عباس الوزير وابنه ناصر الدين وجماعة من الأمراء والمقدمين للسلام على الرسم. فقيل لهم: إن أمير المؤمنين ملتاث الجسم. فطلبوا الدخول إليه فمنعوا فألحوا في الدخول بسبب العيادة فلم يمكنوا. فهجموا ودخلوا القصر وانكشف أمره فقتلوا الثلاثة وأقاموا ولده عيسى وهو ابن ثلاث سنين ولقبوه بالفائز بنصر الله وبايعوه وعباس الوزير إليه تدبير الأمور.
ثم ورد الخبر بأن طلائع بن رزيك فارس المسلمين قد امتعض من ذلك وجمع وحشد وقصد القاهرة وكان من أكابر الأمراء.
وعلم عباس أنه لا طاقة له به فجمع أمراءه وأسبابه وأهله وخرج من القاهرة. فلما قرب من عسقلان وغزة خرج عليه جماعة من خيالة الفرنج فاغتر بكثرة من معه فلما حمل عليهم قتل أكثر أصحابه وانهزموا فانهزم هو وابنه الصغير وأسر ابنه الكبير الذي قتل ابن سلار مع ولمه وحرمه وماله وكراعه وصار الجميع للفرنج ومن هرب مات من الجوع والعطش. ووصل طلائع بن رزيك إلى القاهرة فوضع السيف فيمن بقي من أصحاب عباس وجلس في منصب الوزارة. انتهى كلام ابن القلانسي.
وما نقله غالبه مخالف لغيره من المؤرخين.
وقيل غير ذلك: إن خدام القصر كتبوا إلى طلائع بن رزيك وهو والي قوص وأسوان والصعيد يخبرونه بقتل الظافر ويستنجدونه على عباس وابنه نصر. وكتب إليه فيمن كتب القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحباب قصيدته الدالية التي أولها: الطويل دمعي عن نظم القريض غوادي وشف فؤادي شجوه المتمادي وأرق عيني والعيون هواجع هموم أقضت مضجعي ووسادي بمصرع أبناء الوصي وعترة الن - - بي وآل الذاريات وصاد فأين بنو رزيك عنهم ونصرهم وما لهم من منعة وذياد أولئك أنصار الهدى وبنو الردى وسم العدا من حاضرين وباد تدارك من الإيمان قبل دثوره حشاشة نفس آذنت بنفاد وقد كاد أن يطفي تألق نوره على الحق عاد من بقية عاد فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم ومصرعهم لم تكتحل برقاد وهي طويلة كلها على هذا المنوال في معنى النجدة. وقد نقلتها من خط عقد لا يقرأ إلا بجهد.
فلفا بلغ ذلك طلائع بن رزيك جمع ودخل القاهرة في تاسع شهر ربيع الأول وجلس في دست الوزارة وتلقب بالملك الصالح وهو صاحب الجامع خارج بابي زويلة وأخرج جسد الظافر من البئر التي كان رمي فيها بعد قتله وجعله في تابوت ومشى بين يديه حافيًا مكشوف الرأس وفعل الناس كذلك وكثر الضجيج والبكاء والعويل في ذلك اليوم.
وقال بعضهم وأوضح الأمر وقوله: إن الظافر كان قد أحب نصر بن عباس حبًا شديدًا وبقي لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا. فقدم مؤيد الدولة أسامة بن منقذ من الشام فقال لعباس الوزير يومًا: كيف تصبر على ما أسمع من قبيح القول! قال عباس: وما يقولون قال يقولون: إن الظافر بنى على ابنك نصر. فغضب عباس من ذلك وأمر ابنه نصرًا فدعا الظافر لبيته فوثب عليه وقتله. وساق نحوًا مما سقناه من قول أبي المظفر وابن خلكان. وانتهى كلامه.
وقال صاحب كتاب المقلتين في أخبار الدولتين: ولما تم أمر الظافر ركب بزي الخلافة وعاد إلى وخبر ابني الأنصاري أنهما كانا من جملة الكتاب وتوصلا إلى الحافظ فاستخدمهما في ديوان الجيش قصدًا لتمييزهما وهما غير قانعين بذلك لما يعلمانه من إقبال الحافظ عليهما فوثبا على الساعة من رؤساء الدولة مثل الأجل الموفق أبي الحجاج يوسف كاتب دست الخليفة ومشورته ومن يليه مثل القاضي المرتضى المحنك والخطيري البواب فتجرا على المذكورين وغيرهم من الأمراء مع قلة دربة. فتتبع القوم عوراتهم والخليفة الحافظ لا يزداد فيهما إلا رغبة. ووقع لهما أمور. قبيحة والقوم يبلغون الخليفة خبرهم شيئًا بعد شيء وهو لا يلتفت إلى قولهم. ولا زال ابنا الأنصاري حتى صار الأكبر شريك الأجل الموفق في ديوان المكاتبات ولكن خصص الموفق بالإنشاء جميعه. ولما تولى ابن الأنصاري نصف الديوان نعت بالقاضي الأجل سناء الملك بعد أن وصاه الخليفة الحافظ أن يقنع مع الموفق بالرتبة ويدع المباشرة ويخدم الموفق. وصبر الأجل الموفق على ذلك مراعاة لخاطر الخليفة. وأما ابن الأنصاري الصغير فإنه تجند فتأمر في يوم وخلع عليه بالطوق وما يلزم الأمرية وصار أمير طوائف الأجناد. فقال الناس: هو الأمير الطاري ابن الأنصاري. وبينما هم في ذلك مرض الخليفة الحافظ ومات وآلت الخلافة لولده الظافر هذا. فنرجع لما كنا عليه من أمر الظافر مع ولدي الأنصاري المذكورين.
فركب الخليفة الظافر بعد العشاء الآخرة في الشمع بالقصر ووقف على باب الملك بالإيوان المجاور للشباك وأحضر ابني الأنصاري واستدعى متولي الستر وهو صاحب العذاب وأحضرت آلات العقوبة فضرب الأكبر بحضوره بالسياط إلى أن قارب الهلاك وثنى بأخيه كذلك وأمر بإخراجهما وقطع أيديهما وسل ألسنتهما من قفيهما وصلبا على بابي زويلة الأول والثاني زمانًا.
وأقام الظافر ابن مصال المغربي وزيرًا مدة شهرين.
فخرج عليه ابن سلار وكان واليًا على البحيرة والإسكندرية ولم يرض بوزارة ابن مصال المذكور وتابعة عباس وكان واليًا على الغربية وهو ولد زوجته.
فلما بلغ الوزير ابن مصال ذلك خرج إلى الصعيد لكونه لم يطق لقاء ابن سلار ومن معه على غير موافقة من الخليفة الظافر.
ودخل ابن سلار إلى القاهرة وزيرًا فما طابت به نفس الخليفة الظافر بالله فباشر الأمور مباشرة بجد. وأقام الظافر خليفة إلى أوائل سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولم يصف بين الخليفة والوزير عيش قط وجرت بينهما أمور وثبت عند ابن سلار كراهة الخليفة فيه فاحترز على نفسه منه وأقام كذلك أربع سنين وبعض الخامسة حتى قتله نصر بن عباس اغتيالًا في داره.
وذكر أن ذلك بموافقة الخليفة الظافر على ذلك لأن هذا نصرًا كان قد اختلط بالخليفة اختلاطًا دائمًا أدى إلى حسد أكثر أهل الدولة له على ذلك.
وخشي عباس على نفسه من ولده نصر المذكور لما تم منه في حق ابن سلار فرمى بينه وبين الخليفة بموهمات قبيحة حتى قتل نصر الخليفة أيضًا. ودفنه في داره التي بالسيوفيين وقتل أستاذين معه. ولما عدم الخليفة استخلف ولده وهو أبو القاسم عيسى ونعت بالفائز بنصر الله وكان عمره يومئذ خمس سنين. أخرجه الوزير عباس من عند جدته أم أبيه الخليفة يوم قتل عميه يوسف وجبريل ابني الحافظ - وهما مظلومان - بتهمة أنهما قتلا أخاهما الخليفة الظافر حسدًا على الرتبة لينالاها بعده. وليس الأمر كذلك بل عباس الوزير وولده نصر قتلاه. فرآهما الخليفة هذا الصغير مقتولين فتفزع واضطرب وغشي عليه ولازمه ذلك وكثر به. قلت: وقول هذا عندي في قتل الخليفة الظافر أثبت الأقاويل.
وبكلامه أيضًا يعرف جميع ما ذكرناه في أمره من أقوال المؤزخين فإنه ساق أمره على جليته من غير إدخال شيء معه وأما تفصيل أمر عباس الوزير وابنه نصر فإن عباسًا كان رجلًا من بني تميم ملوك الغرب ودخل عباس القاهرة فاجتمع بالخليفة فأكرمه وأنعم عليه بأشياء ثم خلع عليه بالوزارة على العادة ولقبه فباشر عباس الوزارة وخدم الأمور وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد لينسيهم العادل ابن سلار.
واستمر ابنه نصر على مخالطة الخليفة الظافر حتى اشتغل الظافر عن كل أحد بابن عباس المذكور وأبوه عباس يكره خلطته بالخليفة. وانتهى الخليفة معه إلى أن يخرج من قصره لزيارة ابن عباس بداره التي بالسيوفيين بحيث لا يعلم عباس بذلك.
فلما علم استوحش من الخليفة لجرأة ابنه وتوهم أنه ربما يحمله الخليفة على قتله. فقال عباس لابنه سرًا: قد أكثرت من ملازمة الخليفة حتى تحدث الناس في حقك معه بما أزعج باطني وربما يتناقل الناس ذلك ويصل إلى أعدائنا منه ما لا يزول ففهم ابنه نصر عنه وأخذته حدة الشباب فقال نصر لأبيه: أيرضيك قتله. فقال أزل التهمة عنك كيف شئت.
فخرج الخليفة ليلة إلى نصر بن عباس على عادته فقتله بالجماعة الذين قتل بهم الوزير ابن س
لار وقتل أيضًا أستاذين كانا مع الخليفة الظافر وطمرهم في بئر هناك. وأصبح عباس فبايع عيسى بن الظافر ولقبه الفائز على ما يأتي ذكره في أول ترجمة الفائز.
ولما تم لعباس ما قصه من قتل الخليفة ولولية ولده الخلافة كثرت الأقاويل ووقع الناس على الخبر الصحيح بالحدس فاستوحش الناس قتل هؤلاء الأئمة. وكان طلائع بن رزيك واليًا على الأشمونين والبهنسا فتحرك حاشدًا على عباس ولبس السواد وحمل شعور النساء حرم الخليفة على الرماح.
فتخلخل أمر عباس وتفرق الناس عنه وصار الناس تسمعه المكروه في الطرقات من كل فج حتى إنه رمي من طاق ببعض الشوارع وهو جائز بهاون نحاس وفي يوم آخر بقدر مملوءة ماء حارًا فقال العباس: ما بقي بعد هذا شيء. فصار يدبر كيف يخرج وأين يسلك. فأشار عليه بعض أصحابه بتحريق القاهرة قبل خروجه منها فلم يفعل وقال: يكفي ما جرى.
فلما قرب طلائع بن رزيك إلى القاهرة خرج عباس وابنه ومعهما كل ما يملكانه طالبًا للشرق. فحال الفرنج بينه وبين طريقه فقاتل حتى قتل وأسر ولده نصر وفاز الفرنج بما كان معه وذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وأما ولده نصر فنذكر أمره وقتله في أول ترجمة الفائز بأوسع من هذا إن شاء الله تعالى.
وكانت قتلة الخليفة الظافر هذا في سلخ المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة على قول من رجح ذلك وله اثنتان وعشرون سنة وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام.
وتولى الخلافة بعده ولده الفائز عيسى.
.السنة الأولى من خلافة الظافر بالله أبي منصور إسماعيل على مصر وهي سنة خمس وأربعين وخمسمائة.
المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول 43 / 167 : وفي شهر رجب سنة خمس وأربعين وخمسمائة نزل الفرنج على الفرما في جمع كبير وأحرقوها ونهبوا أهلها وآخر أمرها أنّ الوزير شاور خرَّبها لما خرج منها متوليها ملهم أخو الضرغام في سنة فاستمرّت خرابًا لم تعمر بعد ذلك وكان بالفرما والبقارة والورادة عرب من جذام يقال لهم: القاطع وهو جري بن عوف بن مالك بن شنوءة بن بديل بن جشم بن جذام منهم: عبد العزيز بن الوزير بن صابي بن مالك بن عامر بن عدي بن حرش بن بقر بن نصر بن القاطع مات في صفر سنة خمس ومائتين وللسرويّ والجرويّ هنا أخبار كثيرة نبهنا عليها في كتاب عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وأربع وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا.
السنة الثانية من خلافة الظافر وهي سنة ست وأربعين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الثالثة من خلافة الظافر أبي منصور على مصر وهي سنة سبع وأربعين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع أصابع.
السنة الرابعة من خلافة الظافر أبي منصور على مصر وهي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست أصابع.
*********************************
مقتل الخليفة الظافر
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 101 من 167 ) : " مقتل الخليفة الظافر وكان من خبر الظافر أ ه لما مات الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر في ليلة الخميس لخمسٍ خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بويع ابنه أبو المنصور إسماعيل ولقب بالظافر محمد بن مصال فلم يرض الأمير المظفر عليّ بن السلار والي الإسكندرية والبحيرة يومئذٍ بوزارة ابن مصال وحشد وسار إلى القاهرة ففرّ ابن مصال واستقرّ ابن السلار في الوزارة وتلقَّب بالعادل فجهز العساكر لمحاربة ابن مصال فحاربته وقتل فقوي واستوحش منه الظافر وخاف منه ابن السلار واحترز منه على نفسه وجعل له رجالًا يمشون في ركابه بالزرد والخود وعددهم ستمائة رجل بالنوبة ونقل جلوس الظافر من القاعة إلى الإيوان في البراح والسعة حتى إذا دخل للخدمة يكون أصحاب الزرد معه ثم تأكدت النفرة بينهما فقبض على صبيان الخاص وقتل أكثرهم وفرّق باقيهم وكانوا خمسمائة رجل وما زال الأمر على ذلك إلى أن قتله ربيبه عباس بن تميم بيد ولده نصر واستقرّ بعده في وزارة الظافر وكان بين ناصر الدين نصر بن عباس الوزير وبين الظافر مودّة أكيدة ومخالطة بحيث كان الظافر يشتغل به عن كل أحد ويخرج من قصره إلى دار نصر بن عباس التي هي اليوم المدرسة السيوفية فخاف عباس من جرأة ابنه وخشي أن يحمله الظافر على قتله فيقتله كما قتل الوزير علي بن السلار زوج جدّته أمّ عباس فنهاه عن ذلك وأحلف في تأنيبه وأفرط في لومه لأنّ الأمراء كانوا مستوحشين من عباس وكارهين منه تقريبه أسامة بن منقد لما علموه من أنه هو الذي حسَّنّ لعباس قتل ابن السلار كما هو مذكور في خبره وهمّوا بقتله تحدّثوا مع الخليفة الظافر في ذلك فبلغ أسامة ما هم عليه وكان غريبًا من الدولة فأخذ يغري الوزير عباس بن تميم بابنه نصر ويبالغ في تقبيح مخالطته للظافر إلى أنْ قال لي مرة: كيف تصبر على ما يقول الناس في حق ولدك من أنّ الخليفة يفعل به ما يُفعل بالنساء فأثَر ذلك في قلب عباس واتفق أنّ الظافر أنعم بمدينة قليوب على نصر بن عباس فأثَّر ذلك في قلب عباس واتفق أنّ الظافر أنعم بمدينة قليوب على نصر بن عباس فلما حضر إلى أبيه وأعلمه بذلك وأسامة حاضر فقال له: يا ناصر الدين ما هي بمهرك غالية يعرّض له بالفحش فأخذ عباس من ذلك ما أخذه وتحدّث مع أسامة لثقته به في كيفية الخلاص من هذا فأشار عليه بقتل الظافر إذا جاء إلى دار نصر على عادته في الليل فأمره بمفاوضة ابنه نصر في ذلك فاغتنمها أسامة ومازال بنصر يشنع عليه ويحرّضه على قتل الظافر حتى وعده بذلك.
فلما كان ليلة الخميس آخر المحرّم من سنة تسع وأربعين وخمسمائة خرج الظافر من قصره متنكرًا ومعه خادمان كما هي عادته ومشى إلى جار نصر بن عباس فإذا به قد أعدّ له قومًا فعندما صار في داخل داره وثبوا عليه وقبّلوه هو وأحد الخادمين وتوارى عنهم الخادم الآخر ولحق بعد ذلك بالقصر.
ثم دفنوا الظافر والخادم تحت الأرض في الموضع الذي فيه الآن المسجد كان سنَّهُ يوم قتل إحدى وعشرين سنة وتسعة أشهر ونصف منها في الخلافة بعد أبيه أربع سنين وثمانية أشهر تنقص خمسة أيام وكان محكومًا عليه في خلافته.
وفي أيامه ملك الفرنج مدينة عسقلان وظهر الوهن في الدولة وكان كثير اللهو واللعب وهو الذي أنشأ الجامع المعروف بجامع الفاكهيين.
وبلغ أهل القصر ما عمله نصر بن عباس من قتل الظافر فكاتبوا طلائع بن رزبك وكان على الأشمونين وبعثوا إليه بشعور النساء يستصرخون به على عباس وابنه فقدم بالجموع وفرّ عباس وأسامة ونصر ودخل طلائع وعليه ثياب سود وأعلامه وبنوده كلها سود وشعور النساء التي أرسلت إليه من القصر على الرماح فكان فألًا عجيبًا فإنه بعد خمس عشرة سنة دخلت أعلام بني العباس السود من بغداد إلى القاهرة لما مات العاضد واستبد صلاح الدين بملك ديار مصر وكان أوّل ما بدأ به طلائع أن مضى ماشيًا إلى دار نصر وأخرج الظافر والخادم وغسلهما وكفنهما وحمل الظافر في تابوت مغشّى ومشى طلائع حافيًا والناس كلهم حتى وصلوا إلى القصر فصلّى عليه ابنه الخليفة الفائز ودفن في تربة القصر.
******************************************************************************
الوزير عباس بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الثالث ( 106 من 167 ) : "دار عباس: هذه الدار كانت في درب شمس الدولة عرفت بالوزير عباس بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس أصله من المغرب وترقى في الخدم حتى ولي الغربية ولقد بالأمير ركن الإسلام وكانت أمّه تحت الأمير المظفر عليّ بن السلار والي البحيراء والإسكندرية فلمارحل عليّ بن السلار إلى القاهرة وأزال الوزير نجم الدين سليمان بن مصال من الوزارة واستقرّ مكانه في وزارة الخليفة الظافر بأمر الله وتلقب العادل قدّمه لمحاربة ابن مصال فلم ينل غرضًا فخرج إليه عباس حتى ظفر به وولى ناصر الدين نصير بن عباس ولاية مصر بشفاعة جدّته أمّ عباس فاختص به الخليفة الظافر واشتغل به عمن سواه وكان جريًا مقدامًا فخرج إليه أبو عباس بالعسكر لحفظ عسقلان من الفرنج ومعه من الأمراء ملهم والضرغام وأسامة بن منقذ وكان أسامة خصيصًا بعباس فلما نزلوا بلبيس تذاكر عباس وأسامة مصر وطيبها وما هم خارجون إليه من مقاساة السفر ولقاء العدوّ فتأوّه عباس أسفًا على مفارقة لذّاته بمصر وأخذ يشرب على العادل بن السلار فقال له أسامة: لو أردت كنت أنت سلطان مصر.
فقال: كيف لي بذلك قال: هذا ولدك ناصر الدين بينه وبين الخليفة مودّة عظيمة فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع زوج أمّك فإنه يُحبك ويكرهه فإذا أجابك فاقتله وصر في منزلته فأعجب عباس ذلك وجهز ابنه لتقرير ما أشار به أسامة فسار إلى القاهرة ودخلها على حين غفلة من العادل واجتمع بالخليفة وفاوضه فيما تقرّر فأجابه إليه ونزل إلى دار جدّته وكان من قتله للعادل عليّ بن سلار ما كان فماج الناس وسرح الطائر من القصر إلى عباس وهو على بلبيس في الانتظار فقام من فوره ودخل القاهرة سحر يوم الأحد ثاني عشر المحرّم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فوجد عدّة من الأتراك قد نفروا وخرجوا يدًا واحدة إلى الشام فصار إلى القصر وخلع عليه خلع الوزارة فباشر الأمور وضبط الأحوال وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد وازدادت مخالطة ولده للخليفة فخاف أن يقتله كما قتل ابن السلار فما زال به حتى قتل الخليفة الظافر كما تقدّم ذكره وصار إلى القصر على العادة فلما جلس في مقطع الوزارة سأل الاجتماع على الخليفة فدخل الزمام إلى 6 ور الحرم فلم يجد الخليفة فلما عاد إليه أحضر أخوي الظافر واتهمهما بقتله وقتلهما قدّامه واستدعى بولد الظافر عيسى ولقبه بالفائز بنصر الله وكثرت النياحة على الظافر وبحث أهل القصر على كيفية قتله فكتبوا إلى طلائع بن رزبك وهو والي الأشمونين يستدعونه فحشد وسار فاضطرب عباس وكثرت مناكدة أهل القاهرة له حتى أنّه مرّ يومًا فَرُمي من طاقة تشرف على شارع بقدر مملوء طعامًا حارًّا فعوّل على الفرار وخرج ومعه ابنه وأسامة بن منقذ وجميع ما لهم من أتباع ومال وسلاح ودخل طلائع إلى القاهرة واستقرّ في وزارة الخليفة الفائز فسير أهل القصر إلى الفرنج البريد بطلب عباس فخرجوا إليه وكانت بينهم وبينه وقعة فرّ فيها أسامة في جماعة إلى الشام فظفر به الفرنج وقتلوه وأخذوا ابنه في قفص من حديد وجهزوه إلى القاهرة وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وخمسمائة فلما وصل ابنه إلى القصر قُتل وصُلب على باب زويلة وأحرق بعد ذلك ثم عرفت هذه الدار بعد ذلك بدار تقيّ الدين صاحب حماه ثم خربت وكر مكانها فصار يعرف بحكر صاحب حماه وبني فيه عدّة دور وموضعها الآن بداخل درب شمس الدولة بالقرب من حمّام عباس التي تعرف اليوم بحمام الكويك.
*******************************************************************************
الوزير طلائع بن رزيك
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الرابع ( 145 من 167 ) : "طلائع بن رزيك: أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين قدم في أوّل أمره إلى زيارة مشهد الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بأرض النجف من العراق في جماعة من الفقراء وكان من الشيعة الإمامية وإمام مشهد علي رضي الله عنه يومئذ السيد ابن معصوم فزار طلائع وأصحابه وباتوا هنالك فرأى ابن معصوم في منامه عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه وهو يقول له: قد ورد عليك الليلة أربعون فقيرًا من جملتهم رجل يقال له طلائع بن رزيك من كبر محبينا قل له اذهب فقد وليناك مصر. فلما أصبح أمر أن ينادي: من فيكم طلائع بن رزيك فليقم إلى السيد ابن معصوم.
فجاء طلائع وسلم عليه فقصّ عليه ما رأى فسار حينئذ إلى مصر وترقى في الخدم حتى ولي منية بني خصيب فلما قَتَلَ نصر بن عباس الخليفة الظافر بعث نساء القصر إلى طلائع يستغثن به في الأخذ بثار الظافر وجعلن في طي الكتب شعور النساء فجمع طلائع عندما وردت عليه الكتب الناس وسار يريد القاهرة لمحاربة الوزير عباس فعندما قرب من البلد فرّ عباس ودخل طلائع إلى القاهرة فخلع عليه خلع الوزارة ونُعت بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين فباشر البلاد أحسن مباشرة واستبد بالأمر لصغر سن الخليفة الفائز بنصر اللّه إلى أن مات فأقام من بعده عبد الله بن محمد ولقبه بالعاضد لدين الله وبايع له وكان صغيرًا لم يبلغ الحلم فقويت حرمة طلائع وازداد تمكنه من الدولة فثقل على أهل القصر لكثرة تضييقه عليهم واستبداد بالأمر دونهم فوقف له رجال بدهاليز القصر وضربوه حتى سقط على الأرض على وجهه وحُمل جريحًا لا يعي إلى داره فمات يوم الإثنين تاسع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة وكان شجاعًا كريمًا جوادًا فاضلًا محبًا لأهل الأدب جيد الشعر رجل وقته فضلًا وعقلًا وسياسة وتدبيرًا وكان مهابًا في شكله عظيمًا في سطوته وجمع أموالًا عظيمة وكان محافظًا على الصلوات فرائضها ونوافلها شديد المغالات في التشيع صنف كتابًا سماه الإعتماد في الردّ على أهل العناد جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمن إمامة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه والكلام على الأحاديث الواردة في ذلك وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كلّ فن فمنه في اعتقاده: يا أمةً سلكَتْ ضلالًا بينًا حتى استوى إقرارها وجحودها ملتم إلى أنّ المعاصي لم يكن إلا بتقدير إلا له وجودها لو صح ذا كان الإله بزعمكُم مَنَعَ الشريعَة أنْ تُقامَ حدودها حاشًا وكلاّ أنّ يكونَ إلهنا ينهى عن الفحشاء ثم يريدها وله قصيدة سماها الجوهرية في الردّ على القدرية وجدّد الجامع الذي بالقرافة الكبرى ووقف ناحية بلقس على أن يكون ثلثاها على الأشراف من بني حسن وبني حسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وسبع قراريط منها على أشراف المدينة النبوية وجعل فيها قيراطًا على بني معصوم إمام مشهد عليّ رضي الله عنه ولما ولى الوزارة مال على المستخدمين بالدولة وعلى الأمراء وأظهر مذهب الإمامية وهو مخالف لمذهب القوم وباع ولايات الأعمال للأمراء بأسعار مقرّرة وجعل مدة كلّ متولى ستة أشهر فتضرّر الناس من كثرة تردّد الولاة على البلاد وتعبوا من ذلك وكان له مجلس في الليل يحضره أهل العلم ويدوّنون شعره ولم يترك مدّة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البرّ والبحر وكان يُخرج البعوث في كل سنة مرارًا وكان يحمل في كلّ عام إلى أهل الحرمين مكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها والأقلام والمداد وآلات النساء ويَحمل كلّ سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملًا كبيرة وكان أهل العلم يغدون إليه من سائر البلاد فلا يخيب أمل قاصد منهم.
ولما كان في الليلة التي قُتِل صبيحتها قال: في هذه الليلة ضُرِبَ في مثلها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأمر بقربة ممتلئة فاغتسل وصلّى على رأي الإمامية مائة وعشرين ركعة أحيا بها ليله وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته عن رأسه وتشوّشت فقعد في دهليز دار الوزارة وأمر بإحضار ابن الضيف وكان يتعمم للخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل فلما أخذ في إصلاح العمامة قال رجل للصالح: نعيذ باللّه مولانا ويكفيه هذا الذي جرى أمرًا يتطير منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل فقال: الطيرة من الشيطان ليس إلى تأخير الركوب سبيل وركب فكان من ضَرْبِهِ ما كان وعاد محمولًا فمات منها كما تقدّم.