Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أوغسطس قيصر
أربع أباطرة من 68  - 69م
الأمبراطور دوماتيانوس
مصر ولأمبراطور فسباسيانوس
هيكل أونياس اليهودى
الأمبراطور كلوديوس
ثورة اليهود بالأسكندرية
تيتوس قيصر 79- 81م
دوميتان قيصر ٨١–٩٦م
تاريخ اليهود 63 ق.م - 135 ب.م
Untitled 7932
Untitled 7933
نيرون الطاغية

 


ولكن لم تكُف مناوأة كليوباترا ضد هيرودس، فأثارت العرب (دولة النباطيين جنوب وجنوب شرق اليهودية) لمحاربة هيرودس، وقد استطاع هيرودس بصعوبة وحرب مريرة أن ينتصر على العرب. وعند عودته ووصوله أُورشليم منتصراً جاءه خبر هزيمة مارك أنطوني أمام أوكتافيوس (الذي تسمَّى فيما بعد باسم أغسطس قيصر) في موقعة أكتيوم سنة 31 ق.م، ودَعا أوكتافيوس بصفته إمبراطور العالم كله هيرودس لكي يمثل أمامه. ومرَّة أخرى يضطر هيرودس أن يأخذ الحذر من ألكسندرا ومريمن فحبسهما في قلعة تحت حراسة مشدَّدة 12 ) وذهب لمقابلة  أوكتافيوس فى روما  اتصلت بأبيها هركانوس وتعاهدت مع ملك العرب مالخوس للقيام بدور ضد هيرودس، ولكن هيرودس اكتشف المؤامرة قبل ذهابه لمقابلة أوكتافيوس فتخلَّص  من هركانوس وقتله(13
استطاع هيرودس بشجاعته وصراحته ومهارته السياسية أن يجتذب أنظار  أوكتافيوس ويكسب ودَّه وتأييده، فثبَّته على مملكة يهوذا ورجع منتصراً(14
ونزل أوكتافيوس خلف أنطوني وكليوباترا، واقتحم الإسكندرية سنة 30 ق.م، وحينئذ انتحر مارك أنطوني حالما سمع بخبر انتحار كليوباترا، وكان هذا خداعاً منها لكي تتخلَّص من مارك أنطوني وتلتفت لأوكتافيوس لتضمَّه إليها. ولكن لم يقابلها أوكتافيوس إلاَّ كعدو مهزوم، وجعلها تسير خلف موكبه مما دعاها إلى  الانتحار هي الأخرى(15
(12) Josephus, Antiq. XV, VI, 5.
(13) Josephus, Antiq. XV, VI, 2-3.
(14) Josephus, Antiq. XV, VI, 7, Bell. Jud. I, XX, 2-3.
(15) E. R. Bevan, The Ptolemaic Dynasty, p. 380 f.

وعاد موت كليوباترا بالخير على هيرودس، فقد ضمَّ إليه كل أملاكها في الأراضى المقدسة ، فاستولى على كل مدن الساحل: غزة ويافا والقلاع المحيطة ومنطقة جدارا والسامرة( 16). وقد ضمها أوكتافيوس يرودس عند مقابلته له في مصر بمناسبة تهنئته  بالنصرة على مصر.
وبلغت حدود مملكة يهوذا في عصر هيرودس في تلك الآونة نفس الاتساع الذي بلغته أيام اسكندر حنَّاؤس، وهو أقصى اتساعها.
وبرجوع هيرودس إلى أُورشليم وجد المؤامرات محاكة ضدَّه بواسطة مريمن وألكسندرا، فاضطر لمحاكمتهما بتهمة الخيانة وقتلهما(17)سنة 25 ق.م.


الصداقة بين هيرودس وأغسطس قيصر:
توطَّدت أواصر الصداقة بين أُغسطس قيصر (أوكتافيوس بعد أن صار إمبراطوراً سنة 29 ق.م) وبين هيرودس، وازدادت بالأكثر لمَّا قدَّم هيرودس معونة عسكرية للجيش الروماني في حربه ضد النباطيين المستوطنين على ضفة البحر الأحمر الشرقية(18 )، وكانت مكافأة أغسطس يرودس كبيرة في الواقع، إذ أضاف إلى مملكة اليهودية إقليم تراخونيتس وإقليم باتانيا، بالإضافة إلى بلاد أورانتس (المسمَّاه قديماً أرض باشان). ومن مظاهر الود الكثيرة أن سمح قيصر لولدي هيرودس أن يتعلَّما في روما ويقيما في قصر قيصر.
كل ذلك لم يعفِ هيرودس من بغضة اليهود والحقد عليه، وقد حاول بالقوة أن يأخذ من اليهود عهد الولاء لنفسه ولقيصر ولكنه فشل في ذلك،
(16) Josephus, Antiq. XV, VII, 3, Bell. Jud. I, XX, 3.
(17) Josephus, Antiq. XV, VII, 4-8.
(18) Josephus, Antiq. XV, IX, 2, Dio Cassius, L iii, 29.
- 284 -
خريطة توضِّح الولايات المختلفة في أرض فلسطين في أيام المسيح

ويذكر يوسيفوس أنه لم يحاول أن يجبر الأسينيين على هذا العهد لأنه كان يوقِّرهم
.(19)
وكان أغغسطس قيصر شديد الإغحاب بهيرودس ، وقام فعلاً بزيارته في سوريا سنة 20 ق.م، وقد منح هيرودس في هذه الأثناء مدناً كثيرة وأقامه والياً على سوريا نفسها مع المسئولين الرومان فيها، وعيَّن أخا هيرودس فيروراس  Pheroras  رئيس ربع على إقليم بيريه باليهودية (20)   كما توطَّدت أواصر الودّ أيضاً بين هيرودس وأغريباس مساعد قيصر الأول في إدارة شئون الامبراطورية كلها، وقام بزيارة هيرودس في اليهودية سنة 15 ق.م، وقد استقبله هيرودس استقبالاً ملوكياً حافلاً، وقد رحب به الشعب عندما أبدى إحرتاما لعبادتهم وقدم لهم ذبائح للهيكل 
وقد أعطى هيرودس حفيده لقب “أغريباس” تيمناً وتكريماً للوالي الروماني أغريباس.


اهتمام هيرودس بفن العمارة:
وقد اهتم هيرودس بفن العمارة، وأول عنايته كانت في إقليم السامرة الذي دعاه سبسطية  (21) وكلمة سيباستوس  Sebastos هي الترجمة اليونانية للكلمة اللاتينية أوغسطس Augustus  وتعني “العظيم” وهو لقب أوكتافيوس، وبنى مدينة السامرة. 
وبنى مرفأً ذا قلعة محصَّنة على البحر الأبيض وأسماه “قيصرية” وهى المعروفة الآن بإسم "قيصرية قلسطينيا" وإنجيليا " قيصرية التى على البحر " للتفرقة بينها وبين مدينة أخرى تسمى "قيصرية فيلبى أو قيلبس" على اسم أوكتافيوس أيضاً، وبنى قلعة “أنطونيا” في الشمال الغربي للهيكل لتطل عليه،
(19) Josephus, Antiq. XV, VIII, 3, & XIV, IX, 2.
(20) Josephus, Antiq. XV, X, 3.
(21 ) هذا الاسم غير إقليم سبسطية الذي يُنسب إليه الأربعون شهيد اً، وهم جنود من فرقة الرعد في جيش ليسينيوس  Licinius 
سنة 320 م، والذين ماتوا غرقاً في بحيرة ماء مثلَّج. فالأخير  موجود ببلاد أرمينيا الصغرى .(Oxf. Dict)

 




على اسم مارك أنطوني، وبنى لنفسه قصراً كبيراً على السور الغربي للهيكل.
الصورة الجانبية : نموذج لأُورشليم القديمة يظهر فيه هيكل هيرودس الكبير
الذي بناه في القرن الأول قبل الميلاد ودمَّره الرومان سنة 70 م
وقد بدأ بعمارة الهيكل نفسه سنة 19 ق.م وأفرغ فيه كثير اً من اهتمامه وجهده.
وبنى أيضاً مدن أنتيباتريس شمال شرق يافا (وهي مذكورة في سفر الأعمال 31:23 ) وفازيليس في وادي الأُردن شمال أريحا تكريماً لاسم أبيه وأخيه، وأصلح بناء مدينة أنثيدون على الساحل شمال غزة ودعاها أغريبون تكريماً لصديقه أغريبا الروماني، وبنى حصون وقلاع هيرودس وألكسندريون وهيركانيا واختص قلعتي  ماكيروس وماسادا بقصور ملكية فيهما(22)
والذي يهمنا من جهة النبوات أنه اهتم جداً ببناء سوق كبير للمدينة
(أُورشليم) وأسوار ضخمة  وشوارع خارجها وداخلها وحمَّامات، وهذا يذكره
دانيال النبي في نبواته في الأصحاح التاسع بوضوح:
(22) Josephus, Antiq. XVI, V, 2, Bell. Jud. vii, VIII, 4.
- 288 -
"فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أُورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً، ويعود ويُبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة ( دا 25:9 ) ولعل أهم أعماله بالنسبة لليهود والتمهيد لمجئ ابرب بغته إلى هيكله هو إعادة بناء الهيكل ضعف حجمه الأول  ، وتزيينه بالرخام الكورنثي والحجارة الثمينة. وقد بدأه سنة 19 ق.م وتمت العمليات الكبرى سنة 9 ق.م، ولكن عمليات البناء الصغرى والتجميل ظلت مستمرة حتى أيام المسيح. لذلك نسمع اليهود يقولون للمسيح « في ستٍّ وأربعين سنة بنُيَ هذا لهيكل »  (يو 20:2 ).  :
لذلك نستطيع أن نقول إن هذا الحديث دار حوالي سنة 27 م. وهذا يلقي ضوءاً أمام تعيين ميلاد المسيح تقريباً بين سنة 4و 6 ق.م، إذ لا يمكن أن يكون الميلاد قبل سنة 6 ق.م، وإلاَّ يكون عمر المسيح وقت هذا الحديث أكثر من 33 سنة، وكذلك لا يمكن أن يكون بعد 4 ق.م، لأن في هذه السنة مات هيرودس، ومعروف أن المسيح وُلِدَ في أثناء حياة هيرودس.


السنين الأخيرة لهيرودس:
بدأت المؤامرات بين أبناء هيرودس للنزاع على الميراث والسلطان مبكِّراً في حياة هيرودس وقد كانت عائلة هيرودس منقسمة على ذاتها
ﻰﻫﻨﻧﻤﻣﻠﻛﻘﻗﻋﺴﺪﺖﺔﺎﺋﲑوسذدةا، تا بين المكابيين (فرع زوجته مريمن) والأدوميين (فرع زوجته دوريس). وقد وشى الاثنان في حق بعضهما
م ﲟ 􀄔 بتهمة القيام ؤامرات عنيفة لقتل هيرودس نفسه، مما اضطر هيرودس لرفع شأ
إلى قيصر بصفتهم جميعاً رعايا روما، فأمر حاكمتهم. فحوكم اسكندر
وأرسطوبولس ولدا مريمن في بيروت سنة 7 ق.م وأُعدما في سبسطية (إقليم السامرة) (23 ). أمَّا أنتيباتر المتزعِّم حركة الوشاية ضد اسكندر وأرسطوبولس، فلم يكف هو الآخر مدَّة ثلاث سنين عن مؤامراته ضد أبيه، الذي اكتشف محاولة وضع السم له في الطعام، فأمر والي سوريا كينتيلوس فاروس
حاكمته، فحوكم في سوريا  Quintillius Varus  وأُعدم هناك.
وقد بدأ الإعياء والمرض العصبي يهد كيان هيرودس، وكان يشكو في أيامه الأخيرة من الفزع والرعب وظهور مناظر وحوش مفترسة تفزعه في الأحلام، وكان قد بلغ حوالي السبعين من عمره، وأخيراً مات سنة 4 ق.م.

جماعة الغيوريين
وفي هذه الأثناء قامت جماعة دُعيت بجماعة الغيورين، وموطنهم الجليل، بزعامة يهوذا الجليلي ابن حزقياس (24)
2وقد اتفقوا في اتجاههم الديني ناحية عدم  الاعتراف بقيصر كملك لهم إذ اعتبروا ذلك خيانة لله وخطية، منادين بأن الله هو وحده ملك لإسرائيل. وقد اتفقوا في ذلك تقريباً مع شيعة الفريسيين في البدء،ولكن انشقوا نهائيا عن الفريسيين لمَّا عدَّل الفريسيون مذهبهم معتبرين أن سيادة  روما أمرٌ واقع بسبب خطاياهم كتأديب من الله عليهم أن يحتملوه، إلى أن يرفعه الله نفسه. أمَّا الغيورون فقد اعتبروا أنفسهم يمثلون إرادة الله الخيرة، وعليهم أن يكونوا أصحاب المبادرة لتنفيذ مشيئة الله التى يؤمنون بها عندما يقتنعون بصحتها   وظهر هذا الخلاف في البدء واضحاً عند التطبيق، إذ رفض الغيورون دفع الجزية لقيصر، في حين أن الفريسيين أذعنوا وخضعوا وبادروا بدفع الجزية.
(23) Josephus, Antiq. XVI, XI, 2-7, Bell. Jud. I, XXVII, 2-6.
(24) Josephus, Antiq. XV, VIII, 2, & XIV, IX, 2, & XIV, 9,2, Bell. Jud.
II, IV, 1, & I, X, 5.
- 290 -
وقد تفاقمت الأمور جداً فيما بعد عندما انحاز جزء كبير من الشعب للغيورين، وانتهت بالقبض عليهم ومحاكمتهم وتشتيتهم. ولكن بقي يهوذا الجليلي ينفث روح المقاومة في الشعب ويستعد لفرصة أخرى ليقوم بثورة مسلَّحة علنية.
- 291 -
يوسف الأول † 35 ق.م
(سالومة الأولى)
أنتيباتر الثاني † 43 ق.م
(كيبروس الأولى)
فازائيل الأول † 40 ق.م
هيرودس الكبير † 4 ق.م
يوسف الثاني † 38 ق.م
فيروراس † 5 ق.م

ل)
باتر الرابع
وس الثالثة)
(دوريس الأدومية)
أنتيباتر الثالث
4.ق.م †
(كليوباترا
من أُورشليم)
فيلبُّس
34 ب.م †
(سالومة الثانية)
(ملثاك السامرية)
هيرودس أنتيباس
39 ب.م †
(ابنة أريتاس)
(هيروديا)
أرخيلاوس
6 ب.م †
(مريمن الرابعة)
(جلافيرا)
(مريمن الثانية)
هيرودس فيلبُّس
(هيروديا)
سالومة الثانية
(فيلبُّس)
(مريمن الأُولى المكابية) † 29 ق.م
كيبروس
الثالثة
(أنتيباتر
الرابع)
سالامبسيو
(فازائيل
الثاني)
أرسطوبولس
الرابع
7 ق.م †
(برنيكي
الأولى)
اسكندر
7 ق.م †
(جلافيرا)
هيروديا
1. هيرودس فيلبس) )
2. هيرودس أنتيباس) )
أغريباس الأول
44 ب.م †
(كيبروس الثانية)
هيرودس خالكيس
(برنيكي الثانية)
دروسلا
1. عزيز ملك حمص) )
2. فيلكس الوالي) )
برنيكي الثانية
1. هيرودس خالكيس) )
2. بوليمون) )
أغريباس الثاني
† قبل 93 ب.م
(
قوسين
Josephus, Antiq., XIV, VII, 3;
Bell. Jud., I, VIII, 9
E. Schürer
فازائيل الثاني
(سالامبسيو)
كيبروس الثانية
(أغريباس الأول)
عائلة هيرودس
أنتيباتر الأول
- 290 -
ثالثاً: خلفاء هيرودس حتى الحرب اليهودية (4 ق.م - 66 ب.م)
عائلة هيرودس:
لكي نستطيع أن نتتبع ظروف الحكم في اليهودية وما حواليها بعد موت هيرودس، يلزمنا أن نتعرَّف بصفة إجمالية وسريعة على عائلة هيرودس وتسلسل أبنائه وأنسابهم :
 الرأس: رأس العائلة الأول هو أنتيباس جد هيرودس الكبير، الذي كان والياً على أدومية بواسطة اسكندر حناؤس(1)
الجيل الأول: كان لأنتيباس ولدان، أنتيباتر والد هيرودس الكبير ويوسف عم هيرودس الذي حاكمه هيرودس الكبير لخيانته في الأمانةالسياسية والزوجية.
وقد حكم أنتيباتر أدومية بعد أبيه وتزوج كيبروس وهي من عائلة عربية شريفة من النباطيين ذات أصل عرقي يهودي(2) ، وإنما كانت  محسوبة أدومية من بيت الملوك. وقد خلَّف منها أنتيبا تر أربعة أبناء ذكور وابنة
واحدة، وهم كالآتي: فازائيل ، هيرودس الكبير، يوسف، فيروراس وسالومة (التي تزوجت عمها يوسف).
(1) Josephus, Antiq. XIV, I, 3, Bell. Jud. I, VI, 2.
(2) Schlatter, op. cit., p. 222.


الجيل الثاني: وزوج هيرودس الكبير عشر زوجات، منهن ثمانٍ فقط خلَّفنله  أولاداً وهن: دوريس، مريمن الأُولى، مريمن الثانية، مالثاك، كليوبا ترا، بالاس،
فيدرا، هلبيس. وكانت خلفتهن كالآتي(3)
1 - من دوريس وكانت أدومية من عائلة هيرودس نفسه ، خلَّف أنتيباتر ابنه البكر وقد أُعدم سنة 4 ق.م.
2 - من مريمن الأُولى وكانت يهودية مكابية (حشمونية) بنت ألكسندرا الابنة الوحيدة لهركانوس الثاني، وخلَّف منها اسكندر وأرسطوبولس، وقد
أُعدما سنة 7 ق.م، وابنتين سالامبسيو وكيبروس.
3 - من مريمن الثانية ابنة سمعان رئيس الكهنة خلَّف منها ابناً واحداً هيرودس وكان لقبه فيلبُّس.
4 - من مالثاك وكانت سامرية خلَّف منها أرشيلاوس وأنتيباس، وابنة واحدة أولمبياس
5 - كليوباترا من أُورشليم وخلَّف منها هيرودس الآخر وفيلبُّس.
6 - من بالاس خلَّف فازائيل.
7 - من فيدرا خلَّف روكسانا.
8 - من هلبيس خلَّف سالومة.


الجيل الثالث: وسنذكر منهم الذين لعبوا أدواراً هامة في اريخ اليهودية:
أولاد أرسطوبولس: الذي كان قد أُعدم بتهمة خيانته لأبيه  هيرودس وكان ابناً لمريمن المكابية. أرسطوبولس هذا زوَّج برنيكي ابنة سالومة (أخت
هيرودس الكبير) أي زوج ابنة عمته . وأهم أولادهما هم: ﻪ ﺗ
(3) Josephus, Antiq. XVIII, V, 4, XVII, I, 3.

هيرودس خالكيس، أغريباس الأول (المذكور في أع 1:12 )، وهيروديا المعروفة (التي سببت في قتل يوحنا المعمدان).
وهيروديا تزوجت أولاً هيرودس الملقَّب فيلبُّس عمها (ابن مريمن الثانية) وخلَّفا
سالومة التي تزوَّجت فيلبُّس (ابن هيرودس وكليوبا ترا). ولكي نتتبع نسب
أرسطوبولس وسلسل : أغريباس الأول زوج كيبروس التي جدها فازائي أخ هيرودس الكبير وخلَّفا أربعة أولاد: أغريباس الثاني وبرنيكي (المذكورين في أع .( 23:25 ) ومريمن ودوروسلاّ (المذكورة في أع 24:24
وبعد ذلك تتعقد الأسرة جداً وتكرر الأسماء مما صعَّب على المؤرِّخين حصر  التسلس ، وسنكتفي بذكر سلسلة نسب كل رئيس في مكان .
1 - أرشيلاؤس والي على اليهودية والسامرة وأدومية ( 4ق.م - 6م):
أوصى هيرودس قبل وفاته أن يخلِف ابنه أرشيلاؤس الذي من مالثاك الزوجة السامرية وذلك في حكم اليهودية على أن يكون لقب رئيس ربع.
كما أوصى أن يُعطى أنتيباس، أخو أرشيلاؤس من نفس الزوجة الحكم على
الجليل وبيريه وأورانتيس وبانياس، على أن يكون لقب أيضاً رئيس ربع.
كما أوصى أن تُمنح أخت سالومة (زوجة يوسف عمها) الحكم على المدن الآتية يمنيا وأشدود وفازائيلس، وذلك بعد موافقة وصريح قيصر، لأن المعروف في القانون الروماني أن الملوك والرؤساء التابعين لقيصر ليس لهم الحق في وريث ألقابهم وحكوماتهم  لأبنائهم. لذلك كان على أرشيلاؤس أن يقوم برحلة إلى روما لتسلُّم مهام وظيفت وألقابه
ولكن ما أن مات هيرودس حتى انفجر بركان غضب اليهود وحقدهم على هيرودس وعلى روما، وصبُّوا هذا الحقد على أرشيلاؤس، وقد تزعَم



الحركة جماعة من الفريسيين وأخرى من الغيورين المتطرفين غير المتعقلين ضد قيصر وضد الحكم الروماني كل وضد ورثة هيرودس الأدوميين، وهدَّدوا أرشيلاؤس وأثاروا الشعب  كله، الذي بدأ ثورته  فقامت مذبحة مات فيها ثلاثة آلاف من اليهود في أُورشليم قرب عيد الفصح. وبعد أن هدأت الحالة ظاهرياً،
رح أرشيلاؤس إلى روما بعد أن أوصى فيلبُّس (ابن هيرودس من كليوبا ترا) للإشراف على شئون البلاد، ولحقه في روما أنتيباس ثم فيلبُّس نفسه
وبينما هؤلاء يربون وزيع البلاد أمام أغسطس قيصر، قدم من اليهودية وفد  يطالب قيصر بإلغاء الملكية عن اليهودية ويجعلها تحت حكم روما المباشر.
وبعد الفحص قرَّر قيصر الآتي:
1 - تعيين أرشيلاؤس على اليهودية والسامرة وأدومية بلقب “والي”(4)
2 - تعيين أنتيباس رئيس ربع على الجليل وبيرية وعلى مناطق شرق الأُردن التي يسكنها يهود.
3 - تعيين فيلبُّس رئيس ربع على المناطق الشمالية وتشمل باتانيا   وتراخونيتس وأورانتيس(5)
وقد اهتموا جميعاً بحكم البلاد وبفن العمارة حاذين حذو أبيهم، وبالأخص أرشيلاؤس الذي اهتم بتكميل بناء الهيكل وتزيينة  (6)   وعمارة قصور أريحا ومدها بمجرى من الماء لري نخيلها وأشجارها في وادي أريحا الشمالي، وبنى
.(Josephus, Antiq. XVIII, IV, 3) ( 4) كان يلقَّب بالملك تجاوزاً (مت 22:2 )
(5) Josephus, Antiq. XVII, XI, 4, Bell. Jud. II, VI, 3.
(6) Schlatter, op. cit., 268.
-
مدينة أرشيلائيس واهتم أيضاً بحدائقها.
ولكن للأسف كان أرشيلاؤس أقل أبناء هيرودس حكمة وسياسة، وقد استمر في الحكم عشر سنوات، ولكن دون أن يفوز بأي ثقة من شعبهلأن كان قصير النظر غير متجاوب مع اليهود في أي شيء، وقد أثار شعور اليهود:
أولاً: بأن طلَّق امرأ ته مريمن وتزوَّج جلافيرا أرملة أخيه اسكندر التي كانت قد خلفت من إسكندر ثلاث بنين وبهذا  يكون زواج منها ضد شريعة الآباء(7)
ثانياً: تصدى مرتين لرئيس الكهنة وعزل اثنين منهم من رئاسة الكهنوت.
ثالثاً: اضطهد وأساء معاملة اليهود بدون أسباب واضحة، وذلك ضد توجيهات قيصر نفسه . وهذا كله اضطر اليهود أن يقدِّموا شكوى شديدة لقيصر يطلبون فيها عزل أرشيلاؤس، وفعلاً استجاب لهم قيصر ونفاه في فيينا بإقليم الغال بعد أن جرَّده من جميع أمواله ، وكانت مدة حكمه عشر سنوات ( 4 ق.م- 6م)، ودخلت اليهودية تحت إدارة   حكَّام رومانيين مباشرة(8)


2 - فيلبُّس رئيس ربع على باتانيا وتراخونيتس وأورانتيس مناطق الشمال ( 4ق.م - 34 م):
(وهو غير هيرودس فيلبُّس الذي كان قد تزوَّج هيروديا أولاً).
حكم هذه المناطق مدة 37 سنة، ولكن حكمه لم يكن له  أي صدى خارج مملكته
7) يلاحظ إهتمام اليهود كان متزايدا بهذا الأمر، إذ كان يُحذر على اليهود زواج أرملة  الأخ إذا كان منها أولاد)
.(Josephus, Antiq. XVIII, XIII,  ( 4
(8) Dio Cassius LV, 27. Josephus, Antiq. XVII, XIII, 2,5.

البلاد إلاَّ أن كان صديقاً لروما مخلصاً وأميناً في حم المسئولية في إدارة شئون حكمه
 ، وقد بنى مدينة بانياس على منابع الأُردن وأطلق عليها قيصرية، ورفع من شأن مدينة بيت صيدا بالعمائر والإصلاحات حتى صارت مدينة كبرى.
ويذكر عن التاريخ أن لم يغادر قط دائرة بلاده، وكان يتجوَّل فيها دائماً مع نخبة من أصدقائه الأمناء، وكان يسير ومعه كرسي القضاء يتسمَّع شكاوي المظلومين، وأي شكوى تقدم له كان يأمر بأن يُقام كرسي القضاء في الحال ويجلس يحكم بلا إبطاء، ليرد حق المظلوم ويقتص من الظالم(9). ومات سنة 34 م  ولم يخلف له ولداً، فانضمَّت مؤقتاً الأراضي التي كان يحكمها إلى ولاية سوريا، على أن تصرف الضرائب المدفوعة من هذه البلاد لصالح هذه البلاد نفسها (10)، إلى أن سلَّمها أغريباس الأول بن أرسطوبولس بن هيرودس الكبير.


3 - هيرودس أنتيباس رئيس ربع على الجليل
وبيريه ومناطق شرق الأُردن ( 4ق.م - 39 م):
أكفأ الحكَّام الثلاثة الذين خلفوا هيرودس وأكثرهم ذكاءً ومكراً. لم يذكر التاريخ عن حكم كثيراً إلاَّ أن بنى مدينة طبرية لتكون عاصمة الجليل وذلك سنة 26 م(11). واختار لها أجم وأخصب بقعة في الجليل على بحيرة جنيسارت “طبرية” في الضفة الغربية قريباً من قرية عمواس المشهورة بحماماتها  الدافئة، وذلك تكريماً لطيباريوس قيصر الذي كانت تربطه به أواصر المودة والتقدير، التي كان يعتز بها   أنتيباس جداً فوق كل شيء. وقد بنى في طبرية قصوراً عظيمة وعديدة ومنازل كثيرة، وشجَّع السكنى في المدن سواء من علية القوم
(9) Josephus, Antiq. XVIII, IV, 6.
(10) Josephus, Antiq. Ibid.
(11) Josephus, Antiq. XVIII, II, 3.
- 296 -


أو من الفقراء المعدمين، الذين سهَّ لهم السكنى مجاناً وأعالهم من أمواله كعمل من أعمال الخير الكثيرة التى إضطلع بها (12). 
وقد أساء إلى شعور اليهود الوطني بزواجه ابنة ملك العرب أريتاس، مما سبب في قيام  حرب شديدة بين هيرودس أنتيباس وأريتاس، وهُزم فيها أنتيباس. وزاد إساءة لشعورهم الديني بتطليقه لهذه الزوجة رغبة في الزواج بامرأة أخيه وهو حي، مما حدا بيوحنا المعمدان أن يواجهه بهذا الخطأ موبِّخاً لتعديه شرائع الناموس.
ويُلاحظ  هنا أن الكتاب المقدَّس يذكر أنه تزوج  هيروديا امرأة أخيه . كما يذكر الكتاب أن أسمه هيرودس. ولتوضيح هذه الوقائع التاريخية نقول إن اسم الرسمي كان أنتيباس، ولكن كان يُدعى بلقب العام وهو هيرودس، أي أن اسم كان “هيرودس أنتيباس”، وهو ابن هيرودس الكبير من زوجته مالثاك السامرية، وهو غير أخي هيرودس الذي ولده هيرودس الكبير من زوجت مريمن الثانية الملقَّب فيلبُّس. والمعروف أن هيرودس فيلبُّس بن هيرودس الكبير هو الذي كانت هيروديا في ذمت كزوجة(13) وقد اغتصبها “هيرودس أنتيباس” لنفسه ينما كان زوجها “هيرودس فيلبُّس”
(12) Ibid.
(13) Josephus, Antiq. XVIII, V, 1.

- 297 -


ومنعاً للالتباس يلزمنا أن نقول إن كان يوجد فيلبُّس آخر اسمه الرسمي “فيلبُّس” وهو الذي ولده هيرودس الكبير من زوجته المدعوة “كليوباترا الأُورشليمية”، وهو الذي تولَّى رئاسة ربع على الأقاليم الشمالية، وهذا لم يكن له علاﻗﺔ بهيروديا نفسها وإنما زوج فيما بعد ابنتها سالومة التي كانت قد خلفتها من هيرودس فيلبُّس أخيه ، وهي البنت التي رقصت رقصتها المعروفة المذكورة في الإنجيل والتي كان ثمنها رأس يوحنا المعمدان(14)
والمعروف من الأناجيل ومن ملابسات الحقائق التاريخية أن يوحنا المعمدان كان يمثل رأي غالبية الشعب اليهودي في إبداء سخطه على هيرودس أنتيباس بسبب تحدِّيه للناموس ومشاعر الأُمة كلها. وقد سارع هيرودس أنتيباس بقتل يوحنا المعمدان خوفاً من حدوث أي شغب أو ثورة ضدَّه، الأمر الذي كان يحرص عليه كل الحرص إرضاءً لأسياده الرومان. وقد ضحَّى هيرودس أنتيباس بتقديره وإعزازه الشديد ليوحنا المعمدان للحفاظ على تقدير القيصر وإعزازه له (15)، وقد ذكر يوسيفوس مقدار احترام هيرودس ليوحنا المعمدان. كما ذكر  يوسيفوس أن إنهزام  هيرودس أنتيباس في حرب مع أريتاس ملك العرب وتحطيم  جيشه جاء نتيجة مباشرة لقتل يوحنا المعمدان(16)
وكذلك أيضاً انتهى نصيب هيرودس أنتيباس قاتل يوحنا المعمدان نهاية محزنة  سوداء، فقد أشارت عليه  هيروديا أن يذهب إلى روما طمعاً في ازدياد أراضيه وطموحاً في الحصول على لقب الملوكية، وكل ذلك غيرة من أغريباس
.( 29 )، (لو 19:3 - 12 )، (مر 14:6 - 14 ) انظر: (مت 1:14 )
(15) Josephus, Antiq. XVIII, V, 2.
(16) Josephus, Antiq. Ibid, XVIII, VIII, 2, E. Schürer, op. cit., I, p. 350.
- 298 -


الأول أخي هيروديا نفسها، الذي عيَّن والياً على اليهودية وأخذ كل مظاهر الملوكية وكرامتها بسبب صداقته وزمالة شباب مع غايس كاليجولا الإمبراطور.ولكن لسوء حظ هيرودس أنتيباس أن بمجرَّد أن وصل  إلى روما سبقت وشاية في حقه من أغريباس الأول نفسه أهذ بها الإمبراطور كاليجولا وحكم على هيرودس بالنفي المؤبَّد إلى مدينة ليون بإقليم الغال (فرنسا). وجرَّده من جميع أمواله وأراضيه ، وأُضيفت إلى نصيب أغريباس الأول. ولمَّا علم الإمبراطور أن هيروديا هي أخت أغريباس صديقه أراد أن يختفظ لها بأموالها الخاصة ولكنها رفضت، فأغضبت الإمبراطور وأمر بتجريدها من كل أموالها وأملاكها وضمَّها إلى أغريباس الأول، وزاد على ذلك بأن نفاها مؤبَّداً مع زوجها في ليون. وانتهى حكم هيرودس في بداية حكم كاليجولا وبالتحديد في سنة 39 م، علماً بأن هو هيرودس الذي استجوب المسيح حسب طلب بيلاطس، وأهان المسيح وأمر بجلده.
 

 

اليهودية تحت إدارة الولاة الرومان مباشرة (  6- 41م )
بنفي أرشيلاؤس (سنة 6م) وبناء على الشكوى التي قُدِّمت من الوفد اليهودي الذي كان عددهم خمسين، بالإضافة إلى الضغط الذي أبداه اليهود المستوطنين في روما وقتئذ وكان يبلغ عددهم في لك المدة ما يقرب من ثمانية آلاف، تحررت اليهودية من الحكم الملكي المحلي ودخلت تحت الحكم المباشر لروما  كانت تبع الإدارة المركزية في سوريا، إلا ولاتها الرومان كان لهم  شيء كثير من الاستقلال في الحكم وصريف الأمور. أمَّا في الأمور العامة التي تخص شئون الامبراطورية وأوامر الإمبراطور العامة فكان الوالي في سوريا هو المتصرِّف العام، وهذا يظهر في عملية الإحصاء العام الثاني الضريبي الذي أمر به  أغسطس قيصر واضطلع بهذه  بذه المهمة في الشرق كيرينيوس والي
299 -

سوريا لثانى مرة لأن المرة الأولى قام بها  أيام ولادة المسيح.

الاكتتاب الأول (لو 1:2- 3)  كان إحصاءً عاماً ( 4 ق.م). -
الاكتتاب الثاني (أع 37:5 ) كان إحصاءً ضريبياً ( 7م).
ونجد أن الاكتتاب الثاني اضطلع ب كيرينيوس والي سوريا مع أن اليهودية  كانت تحت إدارة الوالي الروماني كوبونيوس ( 6 - 9م)
كذلك يذكر التاريخ أن كيرينيوس بعد أن جرَّد أرشيلاؤس من أمواله وأملاكه   ، خلع يوعازا رئيس الكهنة وأقام حنَّان رئيساً للكهنة، ولقب حنَّان رئيسا للكهنة ولقبة حنان بن شيث.


  حكم كوبونيوس الوالي الروماني ( 6 - 9م):
كان أول والي روماني يحكم اليهودية مباشرة، وقد قام في بداية حكمه بمساعدة كيرينيوس في عملية الإحصاء العام لحصر الضريبة. وقد شعر اليهود بثقل هذا الإجراء وخصوصاً جماعة الغيورين واعتبروها إذلالاً رسمياً لحرية اليهودي، وجعلتهم يحسون جميعاً أنهم تحت الجزية  وبالتالي جعلتهم يحسُّون بمرارة العبودية. ولولا حكمة رئيس الكهنة يوعازا لأنتشرت الثورة فى اليهودية التى بها  إقليم شرق الأُردن المتحمِّس بقيادة يهوذا الجليلي الذي من مدينة جمالا، والذي سبق وأن قاد ثورة سابقاً (انظر صفحة 288 هامش 24 ). وقد انضم إلي في هذه المرَّة صادوق الفرِّيسي المتعصِّب أيضاً وأزاغا عدداً وفيراً وراءهما، وسبَّبا اضطراباً ورعباً كثيراً في البلاد(17 )
بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب (الثاني) وأزاغ وراءه شعباً غفيراً، فذاك أيضاً هلك وجميع الذين انقادوا إلي شتَّتوا(أع 37:5 )
(17) Josephus, Antiq. XVIII, I, 1, Bell. Jud. vii, VIII, 1.
- 300 -


وقد انتهى كيرينيوس من الإحصاء الضريبي العام في سنة 7م(18)
ويُلاحظ أن قيادة يهوذا الجليلي لثورتين متحمستين بدون سبب معقول وبدون ردع من المسئولين، بل وانضمام الفريسيين له في هذه المرَّة الأخيرة احتجاجاً على الإحصاء العام، وهو عمل مشروع، مهَّد هذا كل لروح التذمّر بين الشعب  الأمر الذى مهد لقيام الثورة الكبرى التى قام بها اليهود ضد الرومان سنة
 70 م، والتي راح ضحيتها ألوف اليهود، حيث دُمِّرت أُورشليم وأُحرق الهيكل وسُبي الشعب وفقد تاريخه


متابعة الولاة الرومانيين للحكم: وبعد رجوع كوبونيوس إلى روما خلف في حكم اليهودية ماركوس أمبيبولس واستمر في الحكم من سنة 9 = 12م (19)  ومن بعده أيضاً ولَّى أنيوس روفوس من سنة 12 - 15م  ، وهذان لم يكن لهما ذكر فى تاريخ اليهود
وفي مدَّة تولِّي هذا القائد مات أغسطس قيصر 14 م بعد أن حكم العالم سبعة وخمسين سنة وستَّة أشهر ويومين ( 44 ق.م - 14 م)، أمَّا حيا فكانت 77 سنة  وتولَّى من بعده ابن زوجت جوليا واسم طيباريوس قيصر (ثالث إمبراطور على روما)، وهو الذي أرسل القائد فاليريوس جراتس سنة 15- 26م (20)  ليحكم اليهودية. ويذكر يوسيفوس هذا القائد أن يده كانت ثقيلة على اليهود وكان جائراً مستبداً في معاملته لليهود. وقد ظهر ذلك في عرض لوظيفة رئيس
الكهنة، فقد خلع حنَّان وعيَّن بدلاً من اسماعيل بن فابي، ولكن ﻞ ﻪ
(18) Josephus, Antiq. XVIII, I, 1.
(19) Josephus, Antiq. XVIII, II, 2.
(20) Josephus, Antiq. XVIII, II, 2, E. Schürer, op. cit., I, 322.
- 301 -


بعد مدة يسيرة خلع هو الآخر وعيَّن بدلاً منه أليعازر، وكان أليعازر بن حنَّان 
رئيس الكهنة السابق، ولم يتركه فيها سنة واحدة حتى خلع وعيَّن بدلاً من سمعان بن كاميثوس، وبعد سنة واحدة عزلة أيضاً وعيَّن بدلاً منه يوسف قيافا، كل ذلك فى أقل من حدى عشرة سنة ( 15 - 26م)   غادر بعدها اليهودية إلى روما، وتعين بيلاطس البنطي (بونتيوس بيلاطس) بدلاً منه  (21)


اليهودية تحت حكم بيلاطس البنطي ( 26 - 36 م):
(وُجِدت أثناء حفريات عُملت في سنة 1961 م بمدينة قيصرية لوحة حجرية ،تحمل “بونتيوس بيلاطس مع اسم طيباريوس قيصر”) (22)  وبيلاطس خامس حاكم روماني على اليهودية، عينه طيباريوس قيصر سنة 26 م، وهذا يوافق بدء خدمة السيد المسيح تماماً. وطبعاً ليس هذا مصادفة.
 وتولَّى بيلاطس البنطي الحكم في اليهودية من سنة 26 - 36 م. وبناءً على تعديل في حكم مجلس الشيوخ الروماني الصادر في سنة 21 م الذي بمقتضاه يصرح لحكام الأقاليم أن يصحبوا زوجاتهم معهم (23) أخذ بيلاطس زوجته وأقامت في أُورشليم (مت 19:27 ). وقد بدأ بيلاطس حكم بتحدِّي اليهود بأن نقل مركز قيادة الجيش من قيصرية إلى أُورشليم، وأحضر تمثال قيصر وشعار الامبراطورية النسر الذهبي ذا المنكبين العريضين ونصبهما ليلاً في مداخل أُورشليم،  مما أثار حفيظة اليهود وجعلهم يتوجَّهون إليه في مقر قيادته في قيصرية وينازعونه علناً في هذا الأمر، وقد هدَّدهم بيلاطس بالموت. ولكن أمام إصرارهم وشجاعتهم ستة أيام وهم وقوف لدى البلاط الروماني في قيصرية مقدمين حياتهم للموت بدون خوف أو تردُّد، جعل بيلاطس يرفع التماثل  والشعارات من أُورشليم وينصبها في قيصرية مرَّة أخرى(24)
 وقد ذكر هذه الحادثة المؤرخ يوسابيوس القيصري نقلاً عن فيلو اليهودي(25) ولما حاول بيلاطس مد مجرى ماء جديد إلى مدينة أُورشليم من على بُعد 25 ميلاً لتحسين أحوال المدينة، تصدى له اليهود لأن أراد أن يستخدم أموال الهيكل  فى ذلك، وكان موسم من مواسم الأعياد الكبرى حيث كان يتجمَّع اليهود ويقدِّمون ذبائحهم، وقد تزعَّم المقاومة جماعة من الجليليين لأنهم كانوا أكثر اليهود تعصبا  وأشدهم استعداداً للثورة، مما جع بيلاطس يأمر جنوده بأن يعمل فيهم السيوف فذبح منهم خلقاً عظيماً واختلطت دماؤهم بذبائحهم كما يصف الإنجيل  (لو 13: 1- 4) (26)، وكما يصف يوسيفوس (27) 
وقد حدث أن قتل في هذه المذبحة كثيرٌ من أتباع ورعايا  هيرودس أنتيباس رئيس ربع الجليل مما جع الحقد والضغينة والعداوة تزداد بين بيلاطس وهيرودس، والتي أراد بيلاطس أن يتلافاها في المرَّة الأخرى التي تعرَّض لها عندما قدَّموا إلي المسيح لمحاكمته عندما قدموا إليه المسيح لمحاكمته وصلبه وعلم أن من الجليل  فأرسل إلى هيرودس (لو 6:23 - 12) (28)
في هذه الأثناء ظهر المسيح، وقد وصفهيوسيفوس المؤرخ  اليهودى هكذا: [كان رجلاً حكيماً، إن جاز أن ندعوه مجرَّد رجل  ، لأن كان يصنع المعجزات، وكان معلِّماً مقبولاً لدى الذين يُسرُّون بالحق. وقد اجتذب إليه كثيراً من اليهود ومن الأمميين. وقد كان “مسيحاً” و قد حكم عليه بيلاطس بالصلب بإيعاز من رؤسائنا، لكن الذين أحبوه لم ينسوه لأنه ظهر لهم حيا الأمور وبعشرة آلاف أمور عجيبة أخرى تخصه . وجماعة المسيحيين الذين تسمُّوا باسمه لا يزالون إلى هذا اليوم.] (29)
أمَّا بخصوص حادثة صلب بيلاطس للمسيح فيذكرها المؤرِّخ تاسيتوس الوثني بإختصار(30)
(21) Josephus, Antiq. XVIII, II, 2.
(22) E. Schürer, op. cit., p. 358. n. 22.
(23) Tacitus, Annales, iii, 33-34.
- 302 -


(24) Josephus, Antiq. XVIII, III, 1.
(25) Philo, Legatio ad Gaium, ch. 38.
26 ) يُعتقد أن برج سلوام سقط نتيجة لمرور القناة بجواره. )
(27) Josephus, Antiq. XVIII, III, 2.
(28) Nodius, De Vita et Gestis Herodium, ccxlix
- 303 -



وفي هذه الأثناء قامت مشاغبات وأعمال غير شريفة من بعض اليهود القاطنين في روما، مما اضطر طيباريوس قيصر إلى نفي أربعة آلاف يهودي من  روما إلى جزيرة سردينيا وشرَّد الباقين خارج البلاد(31)
وقد انتهت أيام حكم بيلاطس البنطي في اليهودية ( 36 م) على أثر شكوى تقدم بها  السامريون إلى ميثلوس والي سوريا العام ضد بيلاطس، لأن استخدم ضدهم العنف وذبح الشعب الأعزل بينما كان متجمِّعاً في جبل جرزيم (المقدَّس بالنسبة للسامريين) وهم يبحثون عن تابوت العهد والأواني التي يُقال أن عُزّي رئيس الكهنة خبأها في هذا الجب بأمر الرب ( 1أي 6:6 ).

وقد غادر بيلاطس البنطي اليهودية إلى روما لمقابلة طيباريوس قيصر ليعطي تقريرا قريراً عن السبب في هذه الشكوى، وقد أقيل من منصب وذلك بعد أن حكم  اليهودية عشر سنوات(32) وبينما بيلاطس في طريق إلى روما مات  طيباريوس قيصر سنة 37 م في شهر مارس.
(29) Josephus, Antiq. XVIII, III, 3.
(30) Tacitus, Annales, XV, 44.
(31) Josephus, Antiq. XVIII, III, 5.
(32) Josephus, Antiq. XVIII, IV, 2.
- 304 -

وقد عيَّن بدلاً منه لحكم اليهودية مارسيللوس سنة 36 م ولم يبق في الحكم إلاَّ مدة قصيرة، لأن في السنة التالية عيَّن الإمبراطور كاليجولا حاكماً آخر عوضاً عنه هو ماروللوس (33) الذي صار والياً على اليهودية إلى أن تحوَّل الحكم فيها عن
من ولاية رومانية إلى مملكة تابعة للحكم الروماني، وذلك بتولِّي الملك أغريباس الأول عليها من سنة 41 م إلى سنة 44 م. ومن بعده عادت اليهودية مرَّة أخرى تحت حكم الولاة الرومان.


 4 - أغريباس الأول ويُدعى “هيرودس الملك” ( 37،40،41 - 44 م): -
أغريباس يخلف فيلبُّس كرئيس ربع على المناطق الشمالية باتانيا وتراخونيتس
وأورانتيس ( 37 م)
وتضاف إليه فيما بعد الأراضي التي كان يحكمها هيرودس أنتيباس في الجليل وبيريه ومناطق شرق الأُردن ( 40 م).
هيرودس أغريباس الأول هو ابن أرسطوبولس ابن هيرودس الكبير، وأُمه هي برنيكي بنت سالومة أخت هيرودس الكبير، وقد تزوَّج بكيبرس بنت عمه فزائيل  ابن فزائيل أخي هيرودس الكبير.
تربَّى أغريباس في روما تحت رعاية أُمه هناك، إذ أرسله جده هيرودس الكبير إلى هناك وهو ابن ست سنوات، فنشأ صديق الأمراء الذين اعتلوا فيما بعد عرش روما، ومن هنا انفتح أمام الطريق إلى الحكم بالرغم من ظروفه السيئة.وقد لعبت أُمه برنيكي دوراً كبيراً في حياته بسبب صداقتها لزوجات
(33) Josephus, Antiq. XVIII, XVIII, VI, 10.
- 305 -


الأباطرة في روما، وبالأخص أنطونيا أرملة ابن أغسطس قيصر، وأنقذ ته من الموت عدة مرَّات. وقصة أغريباس في ذلك المضمار طويلة وكلها مغامرات(34). وبموت أمه وصلت به الحالة في بادئ الأمر إلى الاستدانة وحياة الفقر والتشرُّد، واشتغل فى وظيفة حقيرة فى بلدة طبرية عند هيرودس أنتيباس ولكنه أصطدم بهيرودس فترك عمله وكاد ينتحر بسبب كثرة الديون التى عليه ونزل مع زوجته سرا إلى الإسكندرية واستدان من صديقه اسكندر ألابارك أخي فيلو اليهودي الفيلسوف مئتيْ ألف دراخمة، فاستطاع أن يسافر إلى روما(35)
وتودد إلى طيباريوس قيصر الذي ألقاه في السجن بسبب ديونه التي على خزانة الدولة، وقد توسطت أنطونيا أرملة ابن أغسطس قيصر لأنها
 كانت صديقة لأمه ودفعت كا ديومه ، فعفا عنه طيباريوس قيصر وأطلق سراحه . فتصادق في القصر مع غايس المدعو كاليجولا أحد أحفاد طيباريوس قيصر الذي صارإمبراطوراً فيما بعد (36 ). وقد سمعه سائق عربة الامبراطور يتحدَّ ث مع كاليجولا عن تمنياته  بموت طيباريوس حتى يصير كاليجولا إمبراطوراً. فبلَّغ الحديث إلى طيباروس قيصر، فنزل أغريباس ضيفاً على السجن مرَّة أخرى، وظل مسجوناً ستة أشهر حتى مات طيباريوس قيصر ( 37 م). وقُدِّم غايس كاليجولا إمبراطوراً بصفت الابن الوحيد الوريث لعائلة يوليوس قيصر. وفي الحال فك قيود أغريباس وأهداه سلسلة من الذهب بوزن سلسلة الحديد التي كان مقيدا بها 
(34) Rostovtzelf, Hist. of Ancient World, ii, 213.
(35) Josephus, Antiq. XVIII, VI, 3.
(36) Josephus, Antiq. XVIII, VI, 5.

- 306 -


وأعطاه لقب ملك على الأراضي التي كان يحكمها فيلبُّس عمه وليسانيوس أيضا  (لو 1:3 )، والتي بلغت إلى أقصى الشمال حتى حدود لبنان(37)
ولكن أغريباس تباطأ مدة سنة كاملة قضاها في روما مستمتعاً بصداقة كاليجولا، وفي ذهاب إلى اليهودية، عرَّج على الإسكندرية، وقد بالغ اليهود المقيمون هناك في الاحتفاء بقدوم واستقبال كملك بعد أن وافاهم سابقا كشحَّات، مما أثار حفيظة اليونانيين والإسكندرانيين، فقامت اضطرابات خطيرة هناك، وعند وصوله إلى اليهودية لاستلام مملكته هناك اندهش اليهود من الأمر، حتى أن أخته هيروديا زوجة “فيلبُّس وهيرودس أنتيباس” كانت أول منْ لعب الحقد والحسد في قلبها، فسعت في الحال لطلب لقب ملك لزوجها أيضاً، إذ لم يكن سوى رئيس ربع، مما أدى كما سبق وشرحنا إلى تجريدهما ونفيهما معاً هي وزوجها هيرودس إلى ليون بفرنسا في أواخر سنة 39 م (انظر صفحة 298 ) وقد ضمَّ كاليجولا الأراضي التي كان هيرودس يحكمها إلى مُلك أغريباس ( 40 م).
وفي أواخر عام 40 م، توجهه أغريباس الأول إلى روما، ومن هناك ظ يراقب الأحداث في اليهودية، لأن كاليجولا صمَّم أن يقام له مذبح للعبادة باسمه في “يمنيا” على سواحل فلسطين، فامتنع اليهود بطبيعة الحال، مما أثار غضب كاليجولا وأمر أن يقام ل تمثال في هيكا أُورشليم، وأصدر أوامره إلى بترونيوس والي سوريا مما أحرج بترونيوس لعلم باستحالة الأمر إلاَّ إذا رغب أن يكون هناك ثورة ومذبحة. وفعلاً إذ شعر اليهود بالأوامر حذَّروا بترونيوس علانية مما حدا به للكتابة إلى الإمبراطور كاليجولا، وهناك تدخل أغريباس إذ كان حاضراً في اللحظة التي وصل فيها مكتوب بترونيوس، ولم يتم مشتهى كاليجولا لأن في هذه الأثناء اغتيل سنة 41 م(38)
(37) Josephus, Antiq. XVIII, VI, 10, XIX, V, 1.
- 307 -

هيرودس أغريباس الأول مَلِكٌ على اليهودية أيضاً ( 41 م):
بعد موت غايس كاليجولا اتجهت أنظار أغريباس نحو كلوديوس باحتمال تنصيبه إمبراطوراً، فتودد إليه وقدَّم له بعض المعونات والمشورات النافعة (39 ) أدَّت فعلاً إلى قبوله إمبراطوراً خلفاً لكاليجولا، ولم يتأخر كلوديوس قيصر من رد الجميل لأغريباس إذ ثبَّته على حدود مملكته التي منحها له كاليجولا، وأضاف إليه إقليم اليهود بأجمع وإقليم السامرة أيضاً، وكانا فيما قبل تحت حكم الولاة الرومانيين مباشرة بهذا حدود مملكة أغريباس قد بلغت في اتساعها إلى  نفْس حدود مملكة هيرودس الكبير بالإضافة إلى أراضي أقصى الشمال(40)
وبرجوع أغريباس إلى اليهودية بدأ في الحال في تحسين العلاقات ببينه وبين شعبه بواسطة الفريسيين بصفتهم أصحاب النفوذ الديني الأول والمسئولين عن توجيه  سياسة الشعب وعواطفه ، فقدَّم للهيكل بصفة هدية اعترافاً بفضل رحمة الله عليه السلسلة الذهبية التى أهداها له كاليجولا عوضا السلسلة الحديد التى كان مقيدا بها فى السجن قد علَّقها فوق الخزانة العامة (41). وابتدأ يدقِّق في ا تباع الناموس والخضوع لكافة متطلبا العملية من تطهيرات وتقديم الذبائح اليومية التي لم يتأخر يوماً واحداً عن قديمها في الهيك في الميعاد (42)، حتى أن اليهود كرَّموه واعتبروه سلي المكابيين
(38) Josephus, Antiq. XVIII, VIII, 8-9, Philo, Legatio ad Gaium, ch.
35-48).
(39) Josephus, Antiq. XIX, IV, 1-2.
(40) Josephus, Antiq. XIX, V, 1.
(41) Josephus, Antiq. XIX, VI, 1.
(42) Ibid.
- 308 -


(الحشمونيين) لأن جدَّ ته هي مريمن المكابية أم أرسطوبولس.
وقد بدأ بتقوية أسوار أُورشليم وعليتها بدرجة فائقة جداً مما أثار شكوك والي سوريا وأتصل بكلوديوس قيصر سرا والذى أمر فى الحال بمنع إستمرار غريباس في تقوية أسوار أورشليم (43). وقد أقام عمائر فخمة في مدينة بيروت وأنشأ فيها مسارح وقاعات وحمَّامات، وزيَّنها وكلَّفها تكاليف باهظة جداً وذلك شغفاً منه بفنون العمارة والتقدُّم (44). وكان ملوك كثيرون من البلاد القريبة والبعيدة يأ تون عنده في اليهودية ويقضون معه أياماً برفقت وذلك لشهرﺗه وحكمته وا تزانه (45).
ومغالاة منه في استرضاء شعبه ، بدأ في اضطهاد المسيحيين الأوائل الذين كانت خدمتهم متركزة في اليهودية نفسها، كما يقرر سفر الأعمال الأصحاح الثاني عشر:
وفي ذلك الوقت مدَّ هيرودس الملك (أغريباس الأول) يديه ليسيئ إلى أناس في الكنيسة فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف، وإذ رأى أن ذلك يرضي اليهود عاد فقبض على بطرس أيضاً، وكانت أيام الفطير، ولمَّا أمسكه وضعه في السجن مسلِّماً إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه ناوياً أن يقدَّم بعد الفصح إلى الشعب  (أع 12 : 1- 4)  وواضح أن عداوة اليهود للمسيحيين بدأت زداد بشدة من بعد حادثة كرنيليوس الروماني قائد المائة الذي كان في الكتيبة الإيطالية، التي كانت
(43) Josephus, Antiq. XIX, VII, 2.
(44) Josephus, Antiq. XIX, VII, 5.
(45) Josephus, Antiq. XIX, VII, VIII, 1.
- 309 -


ضمن القيادة العامة لوحدات الجيش الروماني المرابطة في قيصرية تحت إمرة
أغريباس الملك. أمَّا ق. بطرس فدخل في بيت كرنيليوس في قيصرية وعمَّده هو وكل بيته
، مما أثار حفيظة ليس اليهود فقط بل واليهود المتنصرين أيضاً ولما صعد بطرس إلى أُورشليم خاصم الذين من أهل الختان قائلين إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة وأكلت معهم  (أع 11 : 2و 3)
وقد حكم هيرودس أغريباس مدَّة قليلة لأن مات سنة 44 م، إذ حكم ثلاث سنين فقط على اليهودية، وقد صكَّ نقوداً باسمه على صنفين، صنف بدون صورة للتداول في أُورشليم، وصنف مصكوك عليه صورته وصورة كلوديوس للتداول في كافة الأنحاء كلها.
وكانت نهاية الملك هيرودس أغريباس الأول، كما يصفها المؤرِّخ يوسيفوس، طبق الأص لماَّ جاء في وصف سفر الأعمال ( 12 : 21- 23) يقول يوسيفوس: [ أنه فى نهاية ثلاث سنين   من حكمه على اليهودية أقام أغريباس حفلاً عظيماً في قيصرية تكريماً لكلوديوس قيصر، وقد حضر إليه جمعٌ غفيرٌ من علية القوم من كافة البلاد والأنحاء. وفي اليوم الثاني من العيد لبس أغريباس حلته الملوكية التي من الفضة الخالصة والمرصَّعة بكافة الزينات الرائعة. وأتى في الصباح والشمس تسطع على الحلة وعكس أضواءها على الجو، فأصاب الناس شيءٌ من الإعجاب مع الخوف والهلع، وهتفوا له : “هذا إله ” واستعطفوه باحتساب أنه يفوق طبيعة الناس المائتة! ولكن الملك لم يُبدِ أي اعتراض أو ندم على هذه الكلمات التي تحمل معنى التملُّق والكفر. وفي الحال أحسَّ بألم شديد في إمعائه ، والتفت إلى أصحابه قائلاً : " أنتم تقولون إني إله وإني لا أموت، وها أنا الآن ﻪ ﻪ ﺗ » :
- 310 -


أموت مغضوباً عليَّ من العناية الإلهية بسبب كلمات الكذب والنفاق التي
وصفتمونى بها ولكن عليَّ أن أتحمَّل ك ما يضع عليَّ الله بحسب ما  يرضيه ، لأني لم أشق في حياتي بل عشت في البذخ والترف" وإشتد عليه الألم وحملوه إلى قصره وشاع بين الشعب أن سيموت بعد قليل ، فلبس الشعب رجالاً ونساء وأطفالاً المسوح وجلسوا على التراب يبكون
ويتوسلون حسب الشريعة حتى ينجِّيه الله ويشفيه ، وكان يُسمع البكاء والنحيب في ك مكان، ولكن بعد خمسة أيام مات.] (46)
وقد عاش هيرودس أغريباس 54 سنة، ومات سنة 44 م بعد أن حكم على البلاد سبع سنين، أربع سنين تحت حكم غايس كاليجولا، وثلاث سنين تحت  حكم كلوديوس قيصر.
وكان دخل السنوي من كافة البلاد ما يساوي اثنين وأربعين ألف وخمسمائة  جنيه استرليني، ويقدَّر بثلاثة أرباع الدخل السنوي لهيرودس الكبير جدِّه، علماً بأن كان أكثر رفقاً في الضرائب من هيرودس الكبير، بل وأكثر عطفاً وإصلاحاً(47)
وقد ترك ابناً واحداً دعاه أغريباس أيضاً وبنتين، الأُولى برنيكي التي وُلدت سنة 28 م والمذكورة في (أع 12:25 )، ودروسلا المولودة سنة 38 م وهي الزوجة الثالثة للوالي فيلكس المذكور في (أع 24:24) (48)
(46) Josephus, Antiq. XIX, VIII, 2.
(47) Ibid.
(48) F. O. Busch, The Five Herods.
- 311 -


 5 - أغريباس الثاني ( 48 - 93 م) على المناطق الشمالية: -
لماَّ مات أغريباس الأول (سنة 44 م) كان ابنه الوحيد أغريباس الثاني ما يزال حدثاً ابن سبع عشرة سنة فقط. وكان في روما يتعلَّم تحت رعاية الإمبراطور كلوديوس قيصر (49) الذي أراد تعيينه ملكاً على اليهود عوض أبيه ، ولكن حسب مشورة الحكماء عيَّن والياً رومانياً مؤقتاً وبقي أغريباس الثاني في روما حتى سنة 48 م، وحينئذ أرسلوه ليتولَّى الحكم على ولاية “خالقي” التي هي لبنان، وكانت تحت حكم هيرودس المدعو “خالقي” أحد أبناء أرسطوبولس أي عم أغريباس الثاني، وكانت ولاية غير مرموقة! ... وأخيراً في سنة 50 م عيَّنوه حاكماً على رئاسة ربع فيلبُّس وهي المناطق الشمالية وأضافوا إليه بتانيا وتراخونيتس وأبيليّه  التي كانت ضمن رئاسة ربع ليسانيوس (50). هذا في أيام الإمبراطور كلوديوس، ولكن في أيام حكم الإمبراطور نيرون أضافوا إليه أجزاء أخرى من  الجليل وبيريه وأربع عشرة قرية أخرى(51)
وزيادة في التقرُّب إلى مراضاة اليهود أعطوا لأغريباس الثاني السلطة لعزل وتعيين رئيس الكهنة وحرَّاس الهيكل ، والإشراف على خزانة الهيكل ، وضمناً الإشراف الكلي على الخدمة داخل الهيكل . وكانت الملابس الكهنوية قد وقعت منذ مدة طويلة تحت يد الحامية الرومانية لما استولوا على قلعة أنطونيا ووجدوها مخبأة فيها، وظلت بعد ذلك تحت يد الحكَّام الرومانيين يسلمونها لرئيس الكهنة  في كب مناسبة ثم يستردوها بكشف بعد الخدمة. وكان

(49) Josephus, Antiq. XIX, IX, 2.
(50) Josephus, Antiq. XX, VII, 1.
(51) Josephus, Antiq. XX, VIII, 4, Bell. Jud. II, XIII, 2.
- 312 -


فيتليوس حاكم سوريا قد سلَّمها للهيكل سنة 36 م. وفي زمان أغريباس الثاني حكم كلوديوس قيصر أن سُلَّم لليهود مرَّة واحدة بلاكشوف لتكون تحت إشرافهم الدائم (52)، وذلك حينما أراد الوالي الروماني كاسبيوس فادوس في أيام أغريباس الثاني الاستيلاء عليها من جديد. ولكن تولِّى أغريباس الثاني هذه السلطة والإشراف على هذه الأمور أنشأ مجالات مستمرة للاحتكاكات، وذلك بسبب عدم دراية أغريباس بدقائق الناموس التي لم يكن يدركها إلاَّ الفريسيون المتفرغون للنقد وإثارة أحقاد الشعب على أتفه حركة تبدو لهم غير منسجمة مع تقاليدهم، مما سبب في ازدياد روح التحفز والحقد والتذمر المستمر بين اليهود والحكام الرومانيين والأمميين على وجه العموم. وبالرغم من إشراف أغريباس على أُورشليم والهيكل إلاَّ أنه لم يكنله أتصال مباشر مع اليهود ورؤساء الفريسيين، لأن عاصمة أغريباس الثاني التي كان مقيماً فيها لم تكن أُورشليم بل قيصرية فيلبُّس الواقعة على منابع الأُردن الشمالية، وهي غير قيصرية التي على البحر مركز الجيش الروماني.
ولكن كان لأغريباس الثاني قصرٌ متاخمٌ لسور االهيكل يقيم ففيه أثناء وجوده في أُورشليم، وبالأخص أيام الأعياد وخدمة المناسبات الدينية، وقد رفع البناء في القصر حتى أصبح قادراً أن يشرف على الحركة والخدمة داخل الهيكل ، مما أثار عجرفة الكهنة الذين تضافروا وبنوا سوراً مرتفعا داخلياً يفصل الهيكل عن قصر أغريباس، مما أثار حفيظة أغريباس، فا تصل بوالي اليهودية الروماني دوركيوس فستوس المذكور في سفر الأعمال ( 27:24 ) ليهدمه ويزيله . فلم يرضخ كهنة  اليهود بلأوفدوا لجنة منهم للشكاية لدى الإمبراطور
(52) Josephus, Antiq. XX, I, 2.
- 313 -


 نيرون (امبراطور ذلك الزمان الذي كان يقصده ق. بولس حينما قال لفستوس « إلى قيصر أنا رافع دعوايوتوسطت بوبيا زوجة نيرون اليهودية الأصل فأمر بترك السور وعدم هدمه . وهكذا ظلت العلاقات متورة بين أغريباس اليهود(
.(53)
والمعروف عن أغريباس الثاني أن كان ذا أخلاق منحلة، فقد كانت ل علاقة غير شريفة بامرأة عمه هيرودس خالقي التي كانت في نفس الوقت أخت (برنيكي) ( والتي كان يعيش معها كزوجة، ولكن سفر الأعمال في الأصحاحين ( 25 و 26)
 لم يشأ أبداً أن يذكر أن يذكر أنها كانت زوجة لعلم الكاتب بأنها كانت علاقة آثمة  
ويذكر سفر الأعمال أن أغريباس وبرنيكي انحدرا من قيصرية فيلبُّس (عاصمة مقاطعته التي كان يترأَّس عليها) إلى قيصرية التي على الساحل مركز إقامة الحاكم الروماني فستوس ليسلما  عليه ، إذ كان استلم حديثاً رئاسته على اليهودية (أع 24: 27 & 25: 13)  وكان بولس الرسول في ذلك الوقت مقيَّداً ومسجوناً في قيصرية ومقاماً عليه دعاوي وشكاوي من اليهود.
ويُلاحظ أن الاعتراض الوحيد الذي قدمه فستوس الروماني على بولس أثناء احتجاجه كان لمَّا ذكر المسيح أنه عتيد أن يكون نوراً للأمميين، فاعتبرها فستوس بذكاء ومبادرة أنها تمس الإمبراطور ببصفته إلهاً، فاحتجّ! (اع 26: 23- 24)


عودة اليهودية تحت حكم الولاة الرومان ( 44 - 66 م): -
بعد موت هيرودس أغريباس الأول سنة 44 عادت اليهودية مرَّة أخرى
(53) Josephus, Antiq. XX, VIII, 11.

المدلول الروحي لتاريخ شعب

 

This site was last updated 08/25/17