(ش3 ف26) قال المعترض الغير مؤمن: اختلف الإنجيليون الأربعة في إنكار بطرس عدة اختلافات,
ورد في إنجيل متى 26: 69-75 أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار، فجاءت إليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي, فأنكر قدام الجميع قائلاً: لست أدري ما تقولين, ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى، فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري, فأنكر أيضاً بقَسَم: إني لستُ أعرف الرجل, وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: حقاً أنت أيضاً منهم، فإن لغتك تظهرك, فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف الرجل, وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ,
وورد في مرقس 14: 66-72 وبينما كان بطرس في الدار أسفل، جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة, فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري, فأنكر قائلاً: لست أدري ولا أفهم ما تقولين, وخرج خارجاً إلى الدهليز فصاح الديك، فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين: إن هذا منهم، فأنكر أيضاً, وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً، ولغتك تشبه لغتهم, فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه, وصاح الديك ثانية، فتذكر بطرس القول الذي قاله يسوع: إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ,
وورد في لوقا 22: 54-61 وأما بطرس فتبعه من بعيد, ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معاً، جلس بطرس بينهم، فرأته جارية جالسة عند النار، فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه، فأنكره قائلاً: لست أعرفه يا امرأة, وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم, فقال بطرس: يا إنسان! لست أنا, ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً: بالحق إن هذا أيضاً كان معه، لأنه جليلي أيضاً, فقال بطرس يا إنسان! لست أعرف ما تقول، وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك، فالتفت الرب ونظر إلى بطرس، فتذكر بطرس كلام الرب: كيف قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ,
وورد في يوحنا 18: 16 و17 أما بطرس فكان واقفاً خارجاً، فخرج التلميذ الآخرالذي كان معروفاً عند رئيس الكهنة وكلم البوَّابة فأدخل بطرس, فقالت الجارية البوَّابة لبطرس: ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟ قال ذاك: لست أنا , وفي آية 25 وسمعان بطرس كان يصطلي، فقالوا له:ألست أنت أيضاً من تلاميذه؟ فأنكر ذاك وقال: لست أنا , فقال واحد من عبيد رئيس الكهنة: أما رأيتُك أنا معه في البستان؟ فأنكر بطرس أيضاً, وللوقت صاح الديك ,
وهذه الاختلافات هي:
(1) يُفهم من رواية متى ومرقس أن جاريتين والرجال القيام كلَّموا بطرس، أما لوقا فقال إنهم جارية ورجلان,
(2) كان بطرس وقت سؤال الجارية في ساحة الدار حسب رواية متى، وفي وسط الدار على رواية لوقا، وأسفل الدار على رواية مرقس، وداخل الدار على رواية يوحنا,
(3) اختلفوا في الأسئلة الموجَّهة لبطرس,
(4) كان صياح الديك بعد إنكار بطرس ثلاث مرات على رواية متى ولوقا ويوحنا، وكان صياحه مرة بعد إنكار بطرس الأول، ومرة أخرى بعد إنكاره مرتين، على رواية مرقس,
(5) قال متى ولوقا إن المسيح قال: قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات , وقال مرقس إنه قال: قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات ,
(6) جواب بطرس للجارية حسب رواية متى لست أدري ما تقولين وعلى رواية يوحنا أجاب بالسلب فقط، وعلى رواية مرقس لست أدري ما تقولين وعلى رواية لوقا لست أعرف يا امرأة ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) اتفق الإنجيليون على عدد مرات إنكار بطرس لسيده، وأجمعوا على أن إنكاره كان قبل أن يصيح الديك, وتمت بذلك نبوة المسيح أن بطرس سينكره ثلاث مرات، وقبل صياح الديك,
لقد قال المسيح (له المجد) العبارتين: قال إن بطرس سينكره قبل أن يصيح ديك، وإنه ينكره قبل أن يصيح الديك مرتين, وذكر متى إحدى العبارتين، وذكر مرقس العبارة الأخرى, ومما يجدر ذكره أن لوقا ويوحنا أوردا قول المسيح بنفس الصيغة الواردة في متى, وقبل الجزم بأن أحد البشيرين يناقض البقية يجب أن نأتي بالدليل على أن المسيح لم يقل هذه العبارة إلا مرة واحدة، وإلا فلا تناقض,
فيصح أن نتصور ما يأتي: أنذر المسيح بطرس أنه قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات, ولما كان بطرس سريع التأثر ثار لما سمع هذا، وكأنه يقول: هل أنا أنكر سيدي؟ إن هذا مُحال! ولو اضطُررت أن أموت لا أنكرك , وعندئذ كرر المسيح الإنذار، وأضاف تفصيلاً آخر بقوله: يا بطرس، قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات, ويترجح جداً أنه قد تُبودلت عبارات كثيرة بين بطرس وسيده بصدد هذه النقطة الخطيرة, ولا شك أن المسيح قال لبطرس نفس العبارة الواردة في متى ولوقا ويوحنا، والعبارة الواردة في مرقس أيضاً,
ولنورد حلاً آخر، وهو أن متى ولوقا ويوحنا أوردوا إعلان المسيح لبطرس أنه سينكره بصيغة عامة، أما مرقس (فكما هي عادته) أورد العبارة بالتدقيق, وكما نراه في روايات أخرى يورد تفصيلات دقيقة لا نراها في بقية البشائر، هكذا أيضاً أورد في هذه القضية لفظة دقيقة لم يوردها غيره, وعلاوة على هذا يجب أن نتذكر أن بشارة مرقس (كما يفيد التقليد) كُتبت تحت إشراف بطرس, ولذا نرى فيها أسلوب بطرس ولهجته، وإذ ذاك لا نستغرب عندما نجد أن العبارة المقولة لبطرس واردة في هذه البشارة بدقة أكثر من سواها,
(2) اقتصر لوقا البشير على ذكر المرة التي أنكر فيها بطرس سيده صراحة وبشدة، لأنها كانت أهم من المرة الأولى, وهذا لا ينافي أن جاريتين سألتاه مرتين, أما متى ومرقس فذكرا الحالتين, وعليه فلا اختلاف، فإن الاختلاف لا يتحققإلا إذا نفى الواحد ما أثبته الآخر, وهنا اقتصر لوقا على ذكر الأهم، وأما الآخرون فذكروا كل شيء بالتفصيل,
(3) قال لوقا إن رجلين سألاه عن نسبته إلى سيده، وقال متى ومرقس إن الرجال سألوه، فعبارتهما تتضمن أن رجلين سألاه نيابةً عن باقي الجمهور، فلا نتصوَّر أن الجمهور سألوا بطرس مرة واحدة,
(4) قال متى: إنه كان خارجاً في الدار، وقال مرقس: في الدار أسفل، وقال لوقا: في وسط الدار، وقال يوحنا: إنه كان واقفاً عند الباب خارجاً، فخرج التلميذ وكلَّم البوَّابة فأدخل بطرس (آية 16), فلا يوجد اختلاف, بطرس كان حسب قول متى خارجاً في الدار، أي ليس في الدار الفوقاني الذي كان فيه المسيح والمجلس, ومما يدل على أنه كان في صحن الدار قول متى إنه لما ضايق اليهود بطرس خرج إلى الدهليز ، فهذا يدل على أنه كان في الدار, ولم يقل البشير إن بطرس كان خارج الدار، بل خارجاً في الدار أي خارجاً عن المخادع, وبما أنه كان في المحل التحتاني (أي صحن الدار) فيصح أن يُطلق عليه أسفل الدار, ولايخفى أن معنى صحن الدار هو أسفله، وهو لا ينافي أنه كان جالساً في وسطه يستدفيء على النار, وقصد الرسل أنه لم يكن في الدور المرتفع الفوقاني الذي كان فيه المجلس، بل كان في مكان الخدم، وهو الصحيح,
(5) من تأمل الأسئلة الموجَّهة لبطرس وجدها واحدة، ففي متى قالت الجارية: وأنت كنت مع يسوع الجليلي , ثم قالت أخرى: وهذا كان مع يسوع الناصري , وقال القيام (أي الحراس): أنت أيضاً منهم فإن لغتك تظهرك , هذه هي رواية متى,
أما مرقس فذكر أن الجارية قالت: أنت كنت مع يسوع الناصري , ثم رأته ثانية وقالت للحاضرين: إن هذا منهم , وقال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم , وقس على ذلك ماورد في إنجيل لوقا ويوحنا، فإنه لا يختلف عن ذلك في شيء ما,
(6) أنكر بطرس المسيح ثلاث مرات قبل صياح الديك، غير أن بعضهم ذكر أن الديك صاح مرتين واقتصر البعض الآخر على ذكر صياح الديك مرة، وسبب ذلك هو أن الديوك تصيح مرتين، مرة عند قدوم الصبح ومرة عند طلوع النهار, وبما أنه يندر من يسمع صياحه أول مرة، ضرب بعض البشيرين عنه صفحاً, والمهم هو الصياح الثاني وقد ذكره جميع البشيرين، وهذا لاينافي أنه صاح قبلها,
(7) إجابات بطرس واضحة متشابهة لا فرق بينها, وبما أن كثيرين من الخدم والحاضرين أخذوا يعنفونه ويضايقونه، فزع وتلعثم في الكلام، وهو يبرئ نفسه بأساليب متنوعة في الوضوح والخفاء، فتارة ينكر، وأخرى يحلف ليتخلّص من ظلم اليهود, وكان ينتقل من مكان لآخر ليواري نفسه ويتخلص من مأزقه,
(8) وهكذا يتضح عدم وجود اختلاف في أقوال البشيرين، فكل واحد منهم ذكر أقوال الوحي الإلهي بحسب روحه ونَفَسه، فإن الوحي لا يبتلع شخصية الإنسان, فالله يوحي للنبي أو الرسول المعاني والأحكام، ويكون في يد الله بمنزلة القلم في يد الكاتب، فتُحفظ شخصيته، ويظهر في كتابته ما اختص به من القوى العقلية وطرق الفكر والتصوّر, وهذا هو سبب تنوّع طرق تعبير الأنبياء, وكلامنا هنا هو عن الأنبياء أو الرسل بصيغة الجمع, أما إذا اختلف رسول أو نبي في أقواله وعباراته، فهذا هو الذي يُؤاخذ عليه، لأنه ناقض نفسه
****************
المعلومات التالية منقولة من موقع الدكتور العلامة غالى المشهور بإسم هولى بايبل نشرها فى : 2011-06-04 بعنوان قصة إنكار بطرس للمسيح وقال هذا مجهود رائع قام به اخي الحبيب صوت الله الذي تعلمت
الإنكار الأول لبطرس:
من خلال هذا الجدول البسيط نستنتج الأتي :
1- أن البشيرين الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا اتفقوا تماماً فيما راووه بخصوص إنكار بطرس الأول , فالقديس متى والقديس مرقس والقديس لوقا أخبرونا أن الذي سأل بطرس السؤال الأول كان الجارية التي تعمل عند رئيس الكهنة والقديس يوحنا أتفق أيضاً معهم ووضح لنا أن هذه الجارية كانت تعمل على البوابة .
2- أيضاً البشيرين اتفقوا في تحديد زمن إنكار بطرس الأول وإن كان القديس متى لم يذكره فالبشيرين الثلاثة الآخرين ذكروه ووضحوه لنا فأخبرنا القديس لوقا إن إنكار بطرس الأول تم عندما كان يستدفئ وأيد هذا الكلام القديس يوحنا وأيد القديس مرقس هذا الكلام ووضح أكثر عندما أخبرنا أن بطرس كان يستدفئ مع الخدام .
3- أيضاً البشيرين الأربعة اتفقوا في المكان الذي تم فيه الإنكار الأول مع اختلاف صياغة كل كاتب في التعبير عن المكان (اختلاف في الصيغة وليس في المكان ) فالقديس مرقس أخبرنا أن بطرس كان يستدفئ مع الخدام ((أسفل دار رئيس الكهنة)) ومن هذا نفهم أن دار رئيس الكهنة كانت مكونة من أكثر من طابق وهذا يؤيده الكتاب المقدس في أن المساكن في عهد المسيح كانت تتكون من أكثر من طابق والدليل .
** وحيثما يدخل فقولا لرب البيت: إن المعلم يقول: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟ فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة. هناك أعدا لنا((مر14: 14-15)).
** وحدث في تلك الأيام أنها مرضت وماتت فغسلوها ووضعوها في علية.وإذ كانت لده قريبة من يافا وسمع التلاميذ أن بطرس فيها أرسلوا رجلين يطلبان إليه أن لا يتوانى عن أن يجتاز إليهم. فقام بطرس وجاء معهما. فلما وصل صعدوا به إلى العلية فوقفت لديه جميع الأرامل يبكين ويرين أقمصة وثيابا مما كانت تعمل غزالة وهي معهن ((اع9: 37-39)).
** في دمشق والي الحارث الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد أن يمسكني، فتدليت من طاقة في زنبيل من السور، ونجوت من يديه ((2كور11: 32)).
إذاً عندما يخبرنا القديس مرقس أن بطرس كان يستدفىء أسفل دار رئيس الكهنة يقصد الطابق الأرضى وعندما أخبرنا القديس لوقا أن بطرس كان يستدفىء فى ((وسط دار رئيس الكهنة)) هذا لا يناقض كلام القديس مرقس بل يتفق معه تماماً فالقديس لوقا يقصد بقوله ((وسط الدار)) ساحة المنزل التى تقع أسفل الدار , ويوضح لنا هذا الأمر القديس متى عندما يخبرنا أن بطرس فى إنكاره الأول كان يستدفىء (خارجاً فى الدار) لاحظ ياعزيزى جيداً ماذا يقول القديس متى يقول ((خارجاً)) وفى نفس الوقت يقول ((فى الدار)) , نعم فبطرس كان خارجاً فى ساحة المنزل (قاعة المنزل الخارجية) يصطلى ولكنه فى نفس الوقت داخل الدار أى الدار الكبرى و هذا يؤيد تماماً ويتفق مع كلاً من كلام القديسان مرقس ولوقا وأخيراً يتفق معهم القديس يوحنا ويخبرنا أن هذا المكان كان يصطلى فيه خدام وعبيد رئيس الكهنة .
4- أيضاً البشيرين الأربعة أتفقوا تماماً فى السؤال الذى وُجه لبطرس فى إنكاره الأول وكل بشير صاغ السؤال بإسلوبه الخاص ولو دققنا النظر فى كلام البشيرين الأربعة سنجد إنه نفس الكلام ولكن بصيغة تختلف عن الأخرى أى أن الإختلاف فى الصيغة وليس فى جوهر السؤال , فالسؤال عند متى (( وأنت كنت مع يسوع الجليلى)) هو هو نفس السؤال عند مرقس بصيغة أخرى (( وأنت كنت مع يسوع الناصرى )) هو هو نفس السؤال عند لوقا بصيغة أخرى ((وهذا كان معه)) هوهو نفس السؤال عند يوحنا بصيغة أخرى (( ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان)) فكما نرى جوهر السؤال واحد وكل بشير صاغه بطريقته وإسلوبه الخاص .
5- أيضاً البشيرين الأربعة أتفقوا فى رد القديس بطرس على السؤال الذى وجُه له من الجارية ولم نجد بشير قال أن بطرس أنكر وبشير آخر ناقضه وقال إنه أعترف ولم ينكر , هذا غير وارد بالمرة فى كلام البشيرين الأربعة فكلهم أخبرونا أن بطرس أنكر معرفته بالمسيح عندما سألته الجارية وكل بشير أورد إنكار بطرس بطريقته وإسلوبه , فجواب بطرس عند متى ((لست أدرى ما تقولين)) هو هو نفس الجواب عند مرقس بصيغة أخرى ((لست أفهم ولا أدرى ما تقولين)) هوهو نفس الجواب عند لوقا بصيغة أخرى ((لست أعرفه)) هو هو نفس الجواب عند يوحنا بصيغة أخرى (( لست أنا)) .
فهل يجرؤ إنسان أن يقول أن هناك تناقض أو إختلاف أو تضاد فى هذا الكلام ؟
أليس كلام جميع البشيرين واحد مصاغاً بأكثر من شكل ؟
******************
الإنكار الثانى لبطرس:
من خلال هذا الجدول البسيط نستنتج الأتى :
1- يخبرنا القديس متى أن فى إنكار بطرس الثانى الذى سأل بطرس هو نفس الجارية التى سألته السؤال الأول ويتفق معه أيضاً القديس مرقس ولكننا نجد القديس لوقا يخبرنا غير ذلك فالسائل عند لوقا لم يكن نفس الجارية بل كان رجلاً وهنا يظهر وللوهلة الأولى إنه فعلاً يوجد تناقض فمتى ومرقس يقولان جارية بينما لوقا يقول رجل ولكن يحل لنا هذه المشكلة القديس يوحنا عندما يخبرنا أن الذى قام بسؤال بطرس الثانى كان مجموعة من الناس وهنا تتضح لنا الصورة ويُحل الإشكال ونفهم أن مجموعة الناس الذين سألوا بطرس كان من ضمنهم الجارية المذكورة فى متى ومرقس وأيضاً الرجل المذكور فى لوقا ويزداد يقين كل مسيحى حقاً أن الأناجيل المقدسة تُكمل بعضها بعضاً بنظام وحي إلهى لا يُمكن أن يُخطىء .
ونفهم السياق بمعني ان موضوع بطرس بدا ينتشر فالاول تعرفت عليه الجاريه فقط في الانكار الاول ثم بدا مجموعه من الناس ومنهم رجل بدا يتعرف عليه وهو مع الجاريه يؤكدون انه كان مع المسيح فبشير يقول جاريه صحيح وبشير يقول رجل صحيح ويوحنا البشير الذي يقول مجموعه صحيح ويؤكد السابقين ايضا
2- أيضاً البشيرين الأربعة أتفقوا تماماً فى تحديد زمان الإنكار الثانى لبطرس ولم نجد بشير قال شىء وبشير آخر قال عكسه حتى نحكم بالتناقض بل نجدهم يكملون بعضهم البعض حتى تظهر الصورة كاملة لنا , فالقديس لوقا أخبرنا أن الإنكار الثانى لبطرس تم بعد الإنكار الأول بزمن قليل عندما خرج إلى الدهليز كما أخبرانا القديسان متى ومرقس , وكان يصطلى كما أخبرنا القديس يوحنا , وهكذا تتضح لنا جميع تفاصيل إنكار بطرس الثانى بإتفاق تام بين الأناجيل .
3- أيضاً لم نجد أى تناقض بين البشيريين فى تحديد المكان الذى تم فيه الإنكار الثانى فالقديس لوقا لم يذكره أما القديسان متى ومرقس أخبرانا بالمكان وهو الدهليز ((والدهليز هو مساحة الأرض الفارغة بين البوابة والدار)) , والقديس يوحنا حدد البقعة التى تم فيها الإنكار الثانى وقال عند باب دار رئيس الكهنة ((يقصد البوابة)) وبالطبع باب دار رئيس الكهنة كان فى الدهليز وهكذا يكون القديس يوحنا متفق تماماً مع القديسان متى ومرقس .
ويصطلي في الدهليز لان الفكر في هذا الزمان كان يشعل نيران في عدة براميل ويجتمع كل مجموعه من بضعة افراد يتدفون حول احدهم
وبطرس غير مكانه ولكنه لا يريد ان يغادر الدار لانه يريد ان يعرف ماذا سيحدث لسيده الرب يسوع المسيح
4- أيضاً البشيريين الأربعة أتفقوا فى السؤال الثانى الذى وُجه لبطرس وكل بشير صاغه بطريقته الخاصة فالقديس متى أخبرنا أن الجارية بعدما سألت بطرس السؤال الأول وأنكر ((قالت للذين هناك و هذا كان مع يسوع الناصري)) ويؤيده فى هذا القديس مرقس إذ قال أن الجارية بعد إنكار بطرس الأول ((أبتدأت تقول للحاضرين إن هذا منهم)) ويوضح لنا القديس لوقا أن الجارية بعدما أخبرت الحاضرين بأمر بطرس سأله رجل منهم وقال له ((وأنت منهم)) ثم فى النهاية يجمل لنا القديس يوحنا الأمر ويقول أن الحاضرين بما فيهم الجارية و الرجل سألوا بطرس (( ألست أنت أيضاً من تلاميذه )) .
فكما ترى أيها المعترض الكريم البشائر الأربعة تكمل بعضها بعضاً بشكل عجيب والفضل فى ذلك يرجع للروح القدس الذى أرشد الآباء القديسين لكتابة هذه الأمور لتتضح لنا الحقيقة .
5- أيضاً البشيريين الأربعة أتفقوا تمام الإتفاق فى رد بطرس على السؤال الثانى الذى وُجه له وكل بشير كلمنا عن جانب معين فى رد بطرس متفقاً مع البشيريين الثلاثة الآخريين دون تناقض أو إختلاف , فالقديس مرقس أقتصر رد بطرس فى الإنكار الثانى عندما سمع الجارية تُخبر الحاضرين بأمره وقال ((فأنكر أيضاً )) والقديس متى أورد لنا رد بطرس بالكامل عندما سمع الجارية تٌخبر الحاضرين بأمره فقال ((فأنكر ايضا بقسم اني لست اعرف الرجل)) ونفهم من هذا أن القديس مرقس أورد رد بطرس ملخصاً والقديس متى أورده مفصلاً , أما القديس لوقا أخبرنا برد بطرس لسؤال وُجه له مباشرة من رجل كان ضمن الحاضرين الذين أخبرتهم الجارية عن أمره فذهب لبطرس شخصياً وقال له ((وأنت منهم)) فرد عليه بطرس وقال ((يا إنسان لست أنا)) , و القديس يوحنا أتفق مع غيره من البشيريين وأورد رد بطرس الإجمالى لجميع الحاضرين بقوله ((لست أنا)) .
فجميع هذه الأقوال كلها متفقة مع بعضها ولا يوجد فيها أى تناقض أو إختلاف.
*******************
الإنكار الثالث لبطرس:

ملحوظة هامة :
من خلال هذا الجدول البسيط نستنتج الأتى :
1- يخبرانا القديسان متى ومرقس أن الذى قام بسؤال بطرس فى إنكاره الثالث كانوا القيام أو الحاضرين ويوضح لنا القديس لوقا أن الذى بادر بالكلام منهم وسأل بطرس شخص آخر غير الشخص الذى سأله فى الإنكار الثانى , ثم يحدد لنا القديس يوحنا هوية هذا الشخص ويخبرنا إنه كان عبد لرئيس الكهنة وكان نسيب ملخس الذى كان أيضاً عبد لرئيس الكهنة و قام بطرس بقطع أذنه فى البستان ساعة القبض على السيد المسيح .
2- أيضاً البشيريين أتفقوا فى تحديد زمن الإنكار الثالث لبطرس فالقديس يوحنا لم يذكر الزمن , بينما القديسان متى ومرقس يخبرانا أنه حدث بعد الإنكار الثانى بقليل ,ويحدد لنا القديس لوقا هذا الزمن القليل ويخبرنا إنه كان حوالى ساعة واحدة .
3- أما بالنسبة للمكان الذى تم فيه الإنكار الثالث لبطرس فلم يذكره أى بشير صراحة ولكن من سياق الكلام فى بشارة معلمنا لوقا أستطعنا أن نحدد المكان بسهولة إذ يقول النص أن بعد إنكار بطرس الثالث وصياح الديك (( فالتفت الرب ونظر إلى بطرس ، فتذكر بطرس كلام الرب ، كيف قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات)) لوقا 22: 61 .
فهذا النص صريح وواضح ونفهم منه أن إنكار بطرس الثالث تم بعد رجوع بطرس من الدهليز ودخوله منزل رئيس الكهنة مرة أخرى ومشاهدته لمحاكمة المسيح .
4- أيضاً البشيريين الأربعة أتفقوا فى صيغة السؤال الذى وُجه لبطرس فى إنكاره الثالث فالقديسان متى ومرقس أوردوا لنا مُجمل كلام الحاضرين فأخبرنا القديس متى أن الحاضرين سألوا بطرس ((حقا انت ايضا منهم فان لغتك تظهرك )) وأيده فى هذا الكلام القديس مرقس بصيغة أخرى إذ قال أن الحاضرين قالوا ((حقا انت منهم لانك جليلي ايضا و لغتك تشبه لغتهم)) , أما القديس لوقا فركز على شخص معين كان ضمن الحاضرين فأورد لنا أن هذا الشخص أيد كلام الحاضرين بقوله ((بالحق ان هذا ايضا كان معه لانه جليلي ايضا )) ووضح القديس يوحنا أن هذا الشخص بعدما أكد كلام الحاضرين وجه سؤال مباشر لبطرس وهو (( أما رأيتك أنا معه فى البستان)) وفى هذه اللحظة ومع كثرة الإتهامات التى وُجهت لبطرس على المستوى الجماعى والمستوى الفردى وظن بطرس أن هذه المرة سيُقبض عليه لا محالة لأن الشهود هذه المرة بينهم شخص رآه فى البستان رؤى العين حينئذ ومن شدة الخوف أبتدأ بطرس يلعن ويحلف إنه لا يعرف المسيح وفى تلك اللحظة صاح الديك فنظر الرب لبطرس فتذكر بطرس كلام الرب إنه قبل أن يصيح الديك سينكره ثلاث مرات فخرج خارجاً وبكى بكاءاً مراً.
5- أيضاً البشيرين الأربعة أتفقوا على رد بطرس فى الإنكار الثالث فكل بشير تكلم عن جانب معين فى إتفاق تام مع البشيريين الثلاثة الآخريين فبالنسبة للقديس لوقا أورد لنا رد بطرس على سؤال مباشر مُركز يحتاج لإجابة مباشرة مركزة فالسؤال كان فيه إتهام لبطرس إنه كان مع يسوع فرد بطرس وقال للعبد الذى سأله (( ياإنسان لست أدرى ما تقول)) , حينئذ أبتدأ جميع الحاضرون ينهالوا على بطرس بالإتهامات فوجد من يتهمه بأنه منهم (من أتباع المسيح)) ووجد من يتهمه بأنه جليلى مثله ووجد من يتهمه إنه يتكلم بنفس لغته ولما كانت كل هذه الإتهامات خطيرة ولكي ينجو بحياته من هذا الموقف أبتدأ يلعن ويحلف إنه لا يعرف المسيح وهذا ما أورداه لنا القديسان متى ومرقس فيقول القديس مرقس أن رد بطرس هو ((فابتدا يلعن و يحلف اني لا اعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه)) ويؤيده القديس متى ويضيف أن فى هذه اللحظة صاح الديك ((فابتدا حينئذ يلعن و يحلف اني لا اعرف الرجل و للوقت صاح الديك)) , أما القديس يوحنا فأورد لنا مضمون الموقف كله من أوله إلى أخره وقال (( فأنكر بطرس أيضا )).