Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

 طبيعة الله إله الإسلام

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الله المتكبر
الله العليم
Untitled 3342
الله يأكل ويشرب
طبيعة الله إله الإسلام
Untitled 6834

 

الله ليس إله المسيحية واليهودية

طبيعة الله إله الإسلام

.. الدكتورة وفاء سلطان



إبراهيم جركس
الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 20:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



طبيعة الإله في الإسلام... الدكتورة وفاء سلطان
أحد فصول كتابها الرائع ((الإله الذي يكره))
ترجمة: إبراهيم جركس
--------------------
قبل أن نشرع في كشف الغطاء عن طبيعة المارد الحقيقية، علينا أن ندرس الحاجة التي تخلقه في الأساس، علينا أن نستشكف، حتى وإن بشكل مختصر، الظروف البيئية المحيطة التي ساهمت في نشأته. فعندما نمعن النظر في الظروف الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية للعرب ما قبل الإسلام، والتي مهّدت الطريق لظهوره، عندها فقط يمكننا فهم الطبيعة الحقيقية للإله في الإسلام.
كان الناس في تلك الحقبة ملفوفين بالخوف، الخوف من المجهول. فطبيعة الحياة الصحراوية القاحلة، التي جعلت من توقّع أي خطوة مستقبلية أمر شبه مستحيل، جعلت الناس يخافون الذي تخبّئه لهم اللحظة القادمة. من بين جنيع المشاعر والأحاسيس البشرية، فإنّ الخوف من المجهول من أقواها على الإطلاق، وأكثرها تدميراً للملكات العقلية والقدرات الفكرية. فهؤلاء الذين يجرّبون هذا الشعور المدمّر والقوي يشعرون بحاجة ملحّة وضرورية للأمان، وأنّهم غير قادرون على العيش في لحظة الحاضر، لأنّهم خائفون جداً من مواجهة المجهول الذي يخافونه.
في الصحراء العربية لم يكن الناس يشعرون بالأمان والراحة والاطمئنان خلال يومهم. وكان الغزو هو الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، وكانت القوة هي القانون الذي يحكم وسائل العيش هذه. ولذلك، كانت القبائل القوية تغير على القبائل الضعيفة وتغزوها وتسلبها.
كان العرب مشهورون بحصيلتهم اللغوية ومخزونهم اللفظي وقدرتهم في العبير عن أنفسهم. وأي قارئ أو مطّلع على الشعر والأدب العربيين لتلك الفترة، واللذان تولّدا ضمن ذلك الجو المشحون بالخوف من المجهول سيدرك مدى عمق ذلك الخوف وتأثيره المدمّر على إنتاج أبناء تلك الحقبة وإبداعهم. جلّ ما كانوا يبرعون فيه هو مدح شجاعتهم والمفاخرة بجرأتهم. لكنّ هذا المديح والافتخار لم يكونا أكثر من مجرّد آلية دفاعية سيكولوجية من ذلك النوع من الآليات التي تتطوّر في اللاوعي وتتغلّب على الخوف الذي كان يسيطر على العقل الواعي. عندما يكون الإنسان خوّافاً فإنّه يشحذ سيفه، لذا فإنّ سيوف العرب كانت ذات أهمية كبرى بالنسبة لهم، وكانوا يحرصون عليها، ويشحذونها ويدارونها بشكل جيد، كما أنّها كانت وفيرة جداً، وفيرة في كلا العالمين: واقعهم ومخيّلتهم، لدرجة أنّها باتت تسيطر على كافة نواحي حياتهم.
نشأ الإسلام ونما في قلب هذه البيئة المشحونة بالخوف. لقد ظهر كردّة فعل طبيعية تجاه الحاجة السيكولوجية الكامنة في نفوس سكان الصحراء العرب _الحاجة للبحث عن قوّة عظمى أعظم وأقوى من ذلك الخوف الذي أصبحوا أسرى له. لذلك قاموا باختلاق مارد ألهمتهم إيّاه مخيلتهم المليئة بالخوف، مارد أكبر من جميع مخاوفهم وأعظم منها، ويمتلك القوة اللازمة لتمكينهم من مواجهة مصادر مخاوفهم.
لقد اسبغوا على هذا المارد قوّة وسلطة مطلقتين وسمحوا له باستخدامهما للتغلّب على جميع مصادر مخاوفهم. لقدّ خلقوا هذا المارد، ثمّ سمحوا له بأن يخلقهم. نشؤوا وهم يتشبّهون به، ثمّ اتّحدوا معه حتى اندمجوا فيه. ولحماية ماردهم وصونه، أحاطوه بسياج حديدي متين وهدّدوا بحزّ رقبة كل من تسوّل له نفسه الاقتراب منه. ولم يتمكّن أحد من الاقتراب منه منذ ذلك الوقت، إذ أنّ الثمن كان "الموت".
يبدو أنّ المردة كان لهم حضور دائم في كل قصّة سمعتها خلال فترة نشأتي. أتذكّر جيداً عندما كنّا صغاراً وكنّا نتجمّع حول جدّتي كل مساء، كانت غالباً ما تروي لنا حكاية عن الفتاة الصغيرة والجميلة التي عاشت لوحدها في كهف بالصحراء حيث كان يزورها مارد مساء كل يوم، وكان يخاطبها من خارج مدخل الكهف: ((أعطِني يدكِ لأمصّ دمها وإلا كسرتها!)). وكانت الفتاة الصغيرة تمدّ له يدها خارج الكهف حتى يمصّ المارد الدم من يدها ويشبع، ثمّ يتركها بحالها حتى مساء اليوم التالي.
منذ اللحظة التي أفلت فيها من بين مخالب مارد قريتي، ولطالما سألت نفسي: لماذا كانت جدّتي مولعةً بتلك الحكاية لدرجة أنّها كانت تبدو بلا نهاية، فالمارد يعود في كل مساء ليتغذّى على دم الفتاة. أعتقد أنّ المارد كان يمثّل الحياة التي عاشتها جدّتي مع جدّي... أيمكن أن تكون تلك الفتاة الصغيرة تمثيلاً رمزياً لجدّتي في لاوعيها؟
لازلت أتذكّر الرعب الذي تملّكني عندما سمعت القصّة لأول مرة. وفي محاولة للسيطرة على خوفي والتغلّب عليه، كنت أتخيّل والدي، أيضاً، مارداً ضخماً قادراً على حمايتي، وكان من المهم بالنسبة إليّ أن أتصوّره أقوى من المارد الذي في حكاية جدّتي، ومن أجل ضمان أنّه سيكون قادراً على حمايتي ورعايتي كان عليه أن يدخل غرفتي ويأخذ يدي ويمصّ الدم منها. في عقلي الواعي واللاواعي كنت قد خلقت مارداً آخر، أكبر من المارد الذي أخافني وأفزعني في قصّة جدّتي، وكل ذلك فقط لكي أضمن سلامتي.
لم يستطع سكّان الصحراء من العرب التكيّف مع مخاوفهم إلا من خلال اللجوء إلى إلى هذه الآلية الدفاعية السيكولوجية التي لجأت إليها أنا... استمرّوا في خلق مارد أكبر واقوى من مخاوفهم، وقادر على قهر كل مصدر للخوف.

 


********************************************************************************
لقد أضفى سكّان الصحراء العربية على إلههم الجديد 99 اسماً، أو صفة. وكل صفة حميدة قاموا باستعارتها من كتب الديانات التي سبقت الإسلام، وذلك تأسيساً لسلطته الإلهية، في حين أنّ الصفات الأخرى كانوا قد أسبغوها عليه لتمييزه وتفريقه عن غيره من الآلهة الأخرى. إنّ صفاته الشريرة والسيئة لا نجدها في الآلهة الأخرى، في حين أنّ الصفات الحميدة تتشابه كثيراً مع تلك التي كانت مضفاةً على جميع الآلهة التي سبقته.
"الضار" إحدى الصفات التي أطلقها المسلمون على إلههم. هل من المعقول أنّ إلهاً يسبب الضرر والأذى؟... لكن هذه الصفة يضفيها المسلمون على إلههم ويفاخرون بها، تماماً كما يفاخرون في وصفهم إيّاه بـ "الرحمن"، "الرحيم"، "الصبور"، "الشكور". أمّا الصفات مثل "المهيمن"، "الجبّار"، "المذلّ"، "القهّار"، "المميت"، "الأعلى"، "المنتقم"، جميع هذه الصفت أضفاها المسلمون على ماردهم ودمجوها فيه في محاولة منهم للاتحاد مع مثلهم الأعلى.
كلّما دخلت في نقاش مع أحد المسلمين المطّلعين حول شرعية وأخلاقية هذه الأسماء الحسنى، لم أسمع منهم سوى الصراخ والصياح اللذين من شأنهما تحويل النقاش إلى شجار وجدال عقيم وعبثي. إنّهم غير قادرين على مواجهة سلبية هذه الأسماء إلا عن طريق محاولة بائسة ويائسة لتبريرها، لكنهم عندما يفعلون ذلك، فإنّهم يزيدون الأمور سوءاً. إنّ المسلمون يبرّرون إلصاق صفة "الضار" بإلهمم بالزعم أنّهم يعتقدون بضرورة هذه الصفة وتواجدها في الإله لزرع الخوف في قلوب الناس ومنعهم من عصيان الله وأوامره. إنّهم يقولون: ((عندما يؤمن الإنسان بقدرة الله على إنزال الضرر وإلحاق الأذى، فإنّه سيمتنع عن ارتكاب المعاصي وانتهاك حرمات الله وحدوده، وذلك ليتجنّب غضب الله وضرره))-
حاولت في إحدى المرات تاسيس أرضية مشتركة حول هذه النقطة بالذات مع قارئة مسلمة من لندن، خرّيجة من جامعة أوكسفورد، حيث أجريت معها محادثة طويلة وبين أخذٍ ورد عن طريق البريد الإلكتروني. كتبت لي قائلةً في إحدى الرسائل: ((هل تنكرين أنّ الله قادر على إلحاق الأذى وإنزال الضرر؟ أليس في مقدوره تدمير الكون إن شاء.)). قم تابعت قائلةً: ((ما الخطأ في امتلاك هذه القوة التدميرية؟ أليس ذلك ضروري لمنع البشر من تخطّي حدود الله وعصيان أوامره؟))
أجبتها قائلةً: ((الأب لديه القدرة لإيذاء ولده ومعاقبته عندما يعصيه ويتمرّد عليه، لكن هل يفعل ذلك؟ هل هذا أفضل أسلوب لتربية أولادنا وتعليمهم ألا يتجاوزوا الحدود التي رسمناها لهم؟))
فأجابت خرّيجة الأوكسفورد: ((لا مجال للمقارنة هنا! أمّا الفرق بين قدرة الله وقدرة البشر أكبر بكثير من الفرق بين قدرة الوالد وولده))
أجبتها: ((لكن أليس من المفروض أن تتجاوز حكمة الله ورحمته وعطفه، حكمة الأب البشري ورحمته وعطفه؟))
إلا أنّ المحادثة قد تحوّلت إلى جدل عقيم وغير مثمر في النهاية حيث لم يعد يسعني سوى قراءة الصراخ والصياح والهياج في رسائلها، وشتائم وسباب خرّيجة الأوكسفورد هذه عندما أرسلت إليّ واصفةً إيّاي بالكافرة الضالّة والمرتدّة، وأستحقّ الموت.
******************************************
عندما تعلّم ولداً هذه الصفات وتخبره بأنّ الله منتقم، جبّار، ضار، ومذلّ، وفي نفس الوقت تقول له أنّه رحيم، وعطوف، فما الذي تفعله بهذا الولد عندئذٍ؟ لقد ساهمتَ في خلق شخص منتقم، مستبدّ، متجبّر، لكنه رحيم أيضاً، لكن ما الثمن؟... الثمن هو انّ الناس يرون إلههم كمثل أعلى لهم، ويسعون بكل جهدهم بوعي ولاوعي للاندماج به والاتحاد معه. فعندما نقنعهم بأنّ إلههم انتقامي فإنّنا نبرّر لهم ليصبحوا هم بدورهم انتقاميين أيضاً. هناك توق كبير في الطبيعة البشرية للاتحاد مع مثلها الأعلى، إذن ماذا تعتقدون أنّه سيحدث عندما يكون ذلك الكثل الأعلى هو الله نفسه؟
يصبح النقاش مع المسلمين أكثر تعقيداً عندما يحاولون إقناعك بأنّ إلههم رحيم، وعطوف، وصبور. سألت مرةً طبيباً مسلماً متخصّص في مجال الطب النفسي: ((كيف تستطيع إقناع ولدك أنّ الله رحيم ومنتقم في آنٍ معاً؟... أليس تعليم هذا النمط من الدروس الدينية للأولاد ينطوي على تناقض من شأنه أن يحدث شرخاً وانقساماً في شخصية الولد... ويجعله يشعر أكثر بالضياع والحيرة والارتباك؟))
أجابني قائلاً: ((كلا، أنا أعلّمه بأنّ الله رحيم على المؤمنين وشديد على الكفار. لا أرى ايّ تناقض في ذلك))
سألته مجدّداً: ((كيف تعلّم ولدك كيفية التمييز بين المؤمن والكافر حتى يعرف كيف سيتعامل مع الآخرين؟))
قال: ((المؤمن هو الذي يؤمن بالله ونبيّه واليوم والآخر وهكذا))
فسألته: ((إذن عندما يخطف ابنك طائرة مدنية مليئة بالركاب، ويطير بها نحو برج، ويقتل حوالي ثلاثة ىلاف كافر [وفي سبيل الله وباسمه] هل سيكون بذلك قد ارتكب عملاً يتجاوز حدود ما قد يفعله غلهه ومثله الأعلى؟ هل هذه هي الطريقة الأفضل للتمييز بين المؤمنين والكفار؟))
انتهى النقاش على الفور بصيحات وصراخ تحوّلا سريعاً إلى جدال عقيم ولم ينتج عنه أي فائدة سوى اتهامي بالكفر والزندقة والاتداد والتعاطف مع أعداء الله ورسوله.
عندما يعيش الإنسان في بيئة يحكمها المجهول ويجد صعوبة بالغة في توقّع ما سيحدث خلال اللحظة التالية، عندئذٍ يكون ذلك الإنسان محاطاً بالخوف الذي سينتج عنه لاحقاً عجز في الفعل والسلوك. وقد ولد الإسلام في قلب هذه البيئة كاستجابة لهذا الخوف. في حين أنّ الناس في تلك البيئة كانوا يخافون من المجهول، حارب الإسلام ضدّ اي محاولة لاستكشاف أي شيء مجهول وحظره تماماً. لقد عالج الإسلام المشكلة عن طريق تجاهل مصدر الخوف وتجنّب التعامل معه، وليس عن طريق الاستعداد له وتوقّعه.
المسلم إنسان خائف ومرعوب، والطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها التعامل مع خوفه ومصدر رعبه هي في أن يبتعد عن سببه [ولا ننسى المثل العربي الشائع: إبعِد عن الشر وغنّيلو]. أي شيء يشعره بالارتياب والشك يخاف منه، واي شيء يخاف منه، يتجنّبه. إنّ تعليمه وتربيته جعلا منه إنساناً يشتبه في كل شيء غير مألوف بالنسبة له، ونفس هذه التربية قد حرمته من قدرته على استكشاف الحقيقة حول الأمور التي يشتبه بها.
كلن المصدر الأساسي للخوف في البيئة التي نشأ فيها الإسلام هو المجهول. وفي حين أنّ كل شيء جديد هو _بالتعريف_ شكل من أشكال المجهول، رفض الإسلام الاقتراب من أي شيء جديد وانسحب إلى عالمه الخاص وكل شيء مألوف فيه. إنّ الإسلام، بتعاليمه، هو نمط في التفكير، طريقة في الحياة، وما زال أسيراً داخل سجن لم تفتح أبوابه منذ أكثر من اربعة عشر قرناً. إنه يشبه رجلاً عاش في كوخ بقلب الغابة. فالكوخ هو الإسلام، والغابة هي المجهول. ولتجنّب هذا الخوف من المجهول قام الرجل بإغلاق وسدّ جميع المداخل والمخارج في الكوخ، وهو يرفض الخروج إلى الغابة. يتعامل المسلمون مع بقية العالم من حولهم بنفس الطريقة التي يتعامل بها الرجل الذي يعيش في الكوخ. إنّه خائف ومرعوب من العالم المحيط به. وتربيته لم تحثّه أو تدفعه لتزويد نفسه بالمهارات الضرورية لمواجهة قلقه وهواجسه واستكشاف أعماق ذلك العالم. على العكس تماماً، لقد علّمته تربيته الخوف من محيطه، وأقنعته بعدم وضع ثقته بوسطه، وحذّرته من المخاطر والشرور التي يضمرها له ذلك العالم.
*******************************************
إنّ العلاقة بين الإسلام وأتباعه تقف في جهة، وباقي العالم المتمثّل بالأديان الأخرى، في جهةٍ ثانية، مازالت علاقة قائمة على الخوف ويملآوها الشك والريبة وعدم الثقة. مازالت هذه العلاقة _إلى حدٍ ما_ تمثّل وتعكس العلاقة بين البدوي الصحراوي وبيئته الصحراوية. إنّها علاقة قائمة على الخوف وانعدام الثقة. ولا توجد علاقة تقوم على الخوف وعدم الثقة يمكن اعتبارها علاقة سليمة أو صحية، ولا يمكن ضمان حقوق الطرفين فيها.
ولحماية نفسه من العالم الخارجي وتأثيراته التي تهدّد وجوده وكيانه، جعل الإسلام نفسه منيعاً ضدّ مؤثّرات ذلك العالم. لقد احاط أتباعه بحاجز منيع وسجنهم في الداخل. لقد كافح ضدّ أيّ عملية تجديد، مشتبهاً بتناسبها وملائمتها وشرعيتها. إنّ علاقته بالعالم الذي أحاط به قد تمّ تقييمها من قبله من خلال العدائية بدلاً من التبادل والأخذ والردّ والتفاعل. لم يحدث اي تغيّر ملحوظ داخل الإسلام منذ اللحظة التي جاء فيها إلى الوجود. والتغيّرات الوحيدة التي حدثت في الإسلام قد دخلت إليه من خارج حدود السلطة والمرجعية التي عمل العالم الإسلامي بفرضها على نفسه.
في بدايات الستينات، قامت إحدى العائلات المسيحية التي تقطن حيّنا بشراء تلفزيون. مازلت أذكر الطريقة التي تحدّث عنهم سكّان الحي من خلالها، لقد اتّهموا ربّ العائلة بالانحلال الأخلاقي، وكيف حاولوا الضغط على العائلة لترك الحي، خوفاً على مصلحو وأخلاق أولادهم ومراهقيهم. كان انتشار التلفزيون في الحي بطيئاً جداً، لكنّه كان محتوماً في النهاية. اليوم، لا أعتقد أنّ هناك برنامج عربي أو إسلامي لا يستلذّ شيخ سعودي بمشاهدته. كما أنّ صحون الفضائيات التي تبثّ مختلف البرامج من جميع أصقاع العالم قد اجتاحت قلعة الإسلام التي بناها حول نفسه وغزتها في النهاية. أمّا الإنترنت فلم يواجه تلك الصعوبات التي واجهها التلفزيون، كما أنّ غزوه كان أكثر سرعةً وسلاسة وأشدّ تأثيراً. ولذلك فقد أدرك أولئك المهتمّون في تغيير العالم الإسلامي أنّ بإمكانهم استخدام هذه الةسيلة لإحداث ذلك الانهيار غير المتوقع للجدار المنيع الذي يحيط بالإسلام خلال أقل من عقدٍ من الزمن.
خلال أي علاقة تربط بين المسلم وغير المسلم ستلاحظ أنّ المسلم يحافظ على موقفه الدفاعي _سواء بشكل طواعي أو عن ضرورة_ ومستعدّ دوماً للصدام مع ما تخبّئه له هذه العلاقة من مجهول. المسلم يفترض موقفه الدفاعي بسبب خوفه من الآخر وشكّه وارتيابه حول نوايا ذلك الآخر ومقاصده. مثل هكذا علاقة، بغضّ النظر عن عمقها أو متانتها، لن تصل أبداً إلى المرحلة التي يمكن فيها للمسلم أن يثق بالآخر ويحبّه.
سيوافق المسلم على تأسيس مثل هذه العلاقة في حالتين فقط: للترويج لمصالحه وأهدافه وغاياته أو لإلحاق الضرر بأهداف وغايات الآخر. وعندما تفرض هذه العلاقة نفسها على المسلم فإنّه سيبدي قدرة هائلة لتمويه مشاعره وإخفاءها. كنت أدخل في جدالات ومشادات كلامية مع بعض أصدقائي من المسلمين المغتربين هنا، وخصوصاً حول مواقفهم تجاه الأمريكيين أو الثقافة الأمريكية، أو كنت أجد نفسي متفاجئة حول آرائهم المخيفة، والتي تضمر ازدراءً واضحاً واستياءً كافيين ليس فقط لتدمير برجي التجارة العالميين، بل امريكا كلّها. لكن لو حدث وأن اقترب أحد أصدقائي من الأمريكيين، وأنا كنت بصحبة ذلك الشخص المستاء _فخلال أقل من ثانية واحدة ستراه يتحوّل إلى شخص أمريكي أكثر من أبراهام لينكولن بنفسه.
كنت أقود سيارتي من لا جولا في سان دييغو إلى ريفرسايد بصحبة صديقتي العراقية "أمل" التي عاشت في هذا البلد فترة لا تقل عن ثلاث سنوات. هربت هي وعائلتها من بطش صدّام حسين وقمعه للشيعة في جنون العراق ولجؤوا لى السعودية، لكنّ المملكة رفضت استقبالهم. فغادروا غلى أمريكا بعد أن وافقت السفارة الأمريكية على طلب الهجرة.
عند مدخل طريق جانبي ونحن في طريقنا إلى منزلها قابلنا مشردّاً كان يقف على قارعة الطريق يتوسّل المارّة من أجل بعض النقود. نظرت صديقتي العراقية إليّ وقالت بشكل ساخر: ((أنظري إلى ذلك الشحّاذ... هذه هي أمريكا التي تحبّينها!))
أجبتها: ((عزيزتي، هل تعتقدين فعلاً أنّ هذا كل ما تملكه أمريكا لتقدّمه إلى العالم؟))
لم تكن هذه نقطة الخلاف الوحيدة مع أمل حول مواقفنا تجاه أمريكا وثقافتها. لقد دخلنا مرة في نقاش لم ينتهي إلا في اللحظة التي بلغنا فيها باب منزلها. ودّعتها وغادرت وأنا أهزّ رأسي، غير موافقة على كل الكلام الذي قالته لي خلال نقاشي معها. سبق لي أن زرت العديد من البلدان الرائعة لكنني لم يسبق أن رأيت مناظر طبيعية على امتداد الطريق أجمل من تلك التي رأيتها على الطريق التي تربط ما بين لاجولا وريفرسايد بولاية كاليفورنيا، من ناحية جمال المناظر الطبيعية المحيطة والتخطيط والتنظيم العاليين. لكن عندما نظرت صديقتي أمل خارج نافذة السيارة إلى تلك الجنة التي تحيط بنا، لم ترى سوى ذلك المتسوّل على قارعة الطريق يمثّل أمريكا.
كانت أمل تخدع الآخرين، ولطالما تمنّيت أن يتمكّن الأمريكيون الطيّون من رؤية ما أراه قبل فوات الأوان. كانت أمل موظّفة في شركة أمريكية مشهورة. في إحدى المرات، وخلال إحدى الحفلات التي دُعيتُ إليها، قابلت رئيسة القسم الذي تعمل فيه أمل، امرأة أمريكية مثقفة ومصقولة بدرجة عالية. وخلال محادثتنا الطويلة تطرّقنا لموضوع الهجرة والصعوبات التي يواجهها المهاجرون عندما ينتقلون إلى موطن جديد، وتفاجئت كثيراً عندما سمعتها تقول: ((ما أحبّه بشأن أمل هو حبّها لهذا البلد، واحترامها وتقديرها الكبيرين للقيم الأمريكية، وامتنانها لما قدّمه هذا البلد لها ولعائلتها)).
هززت رأسي موافقة، في حين أنّ هناك صوت صامت يهمس في داخلي ويقول: ((أيّها الأمريكيون المساكين!... لو تعرفون رأي أمل الحقيقي بالولايات المتحدة! ستدركون عندئذٍ أنّكم تحفرون قبوركم بأيديكم أيها السذّج!))
*************************************
إنّ خوف المسلمين من العالم الخارجي يعكس إلى حدٍ معيّن خوف البدوي من البيئة الصحراوية التي كانت تحيط به. لقد كان _ومازال كذلك_ خوفاً من المجهول. ومن أجل التغلّب على الصحراء والمجهول خلق لنفسه مارداً أكبر من مخاوفه على أمل أن يكون مارده قادراً على حمايته منها، وليمنحه درجة من الطمأنينة والأمان كان بأمسّ الحاجة إليهما، لكنه عندما خلق مارده كان كل ما يفعله في الحقيقة هو استبدال خوفه الأول بمصدر آخر للخوف أكبر منه.
كافة الآيات القرآنية التي تصف الجنة تصوّرها على أنّها تحتوي أنهاراً تجري فيها. فالصحراء كانت فقيرة جداً بمياهها، كما أنّ الموت عطشاً كان من أكبر الأخطار التي يخبّئها المجهول. إنّ الوعد بأنّها لاتنضب كان بمثابة رسالة تبعث على الشعور بالاطمئنان والأمان والرفاهية بالنسبة للبدوي المثقل بالخوف من الموت عطشاً. الصحراء فثرة بمحاصيلها، ولا تنتج سوى القليل، ولاتكاد تقدّم شيئاً يذكر من الطعام أو الغذاء، في حين أنّ الإسلام وعد أتباعه بجنّاتٍ من النخيل، الأعناب، وغيرها من الفواكه الأخرى. علاوةً على ذلك، نلاحظ أنّ الفواكه والطعام لايتمّ التركيز عليهما مثلما يتمّ التركيز على الأنهار، لأنّ الخوف من الموت جوعاً لم يكن بشدّة الخوف من الموت عطشاً. الجنّة في الإسلام ترتدي لباس الحاجة الموجودة. لقد ظهرت على شكل أنهار وفاكهة لتمنح شعوراً بالأمان والاطمئنان للبدوي الذي يخاف من الموت جوعاً وعطشاً.
الغزو، الذي تحدّثت عنه سابقاً، كان يشكّل مصدراً رئيسياً آخر للخوف من الموت والانقراض، لكن في نفس الوقت كان الغزو هو الطريقة الوحيدة للبقاء. لقد حاربت القبائل بعضها الآخر في سعيها الحثيث وراء الماء والطعام. فالبدوي لم يدق طعم الأمان والاستقرار للحظة خلال حياته كلها. كتب التاريخ العربي مليئة بمشاهد الغزوات وكيف أنّ القبائل كانت تسعى لإثارة الخلافات تبرّر من خلالها قيامها بالاعتداء على بعضها الآخر. لذا فالغزو كان مصدر كل من الخوف والمان في آنٍ معاً. كل قبيلة كانت تخاف من أن تتغير عليها قبيلة أخرى وكانت تشعر بالأمان عندما تواتيها فرصة سانحة للإغارة على غيرها من القبائل.
إنّ تعرّضك للغزو يعني زيادة الفقر والحرمان بالنسبة للضحية، في حين أنّ الغزو بالنسبة لأولئك القائمين به يعني مصدراً للغنائم والجوائز. ثمّ جاء الإسلام وحاول شرعنة عمليات الغزو والسلب، مبرراً إياه لرسوله وأتباعه، ومحرّماً إيّاه على غيرهم. افتح أي كتاب عن النبي محمد باللغة العربية وأوّل شيء ستقع عليه عيناك هو غزوات النبي وسراياه، كل غزوة أو سرية من سراياه لها اسم وتمّ وصفها بشكل مفصّل ودقيق. والقارئ المدرك والمطّلع سيفهم وبسهولة أنّ الهدف الأساسي من وراء هذه الغزوات كان النهب واقتسام الغنائم.
حاول الإسلام تبرير هذه الغزوات باعتبار أنّها جهاد في سبيل الله. ومع ذلك، لم يخفي ذلك الهدف الأساسي منها وهو: السبي والاغتنام. حتى أنّ القرآن يذكر الغنائم أكثر من مرّة. إنّه لا يحرّمها: بل على العكس تماماً، إنّه يبيح للنبي أخذ خمسها و _ولكي لا يمتعض المسلمون من حجم حصّته منها_ يضاف اسم الله إلى جانب الرسول، وقد نزلت الآية على النحو الآتي: {واعلموا إنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} [الأنفال: 41]
يقول القرطبي في سياق تفسيره لهذه الآية {واعلموا إنّما غنمتم من شيء}: ((واعلم أنّ الاتفاق حاصل على أنّ المراد بقوله تعالى "غنمتم من شيء" مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر... فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوّهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمّى غنيمة... وأنّ الغنيمة لرسول الله صلعم، وليست مقسومة بين القائمين... أنّ ذلك للنبي يضعها حيث يشاء))
لم يكن محمد يرغب بأنّ يفتح أي باباً للجدال والنقاش بينه وبين أتباعه فيما يتعلّق بمسألة اقتسام الغنائم، واقترح أن يتمّ اقتسامها بخمسة طرق، هو والله يأخذان الخمس لنفسيهما. لو أنّ محمداً قد لفترح بأنّه سيأخذ الخمس لوحده لجازف بافتعال احتجاج واسع ضدّ قسمته: كيف يمكن لشخص واحد أن يأخذ خمس الغنائم لنفسه ويترك أربعة أخماس لأتباعه الذين يبلغون الآلاف. لكنه عندما قال ((لله خمسه وللرسول))، حُلّت المشكلة، ووجد الآخرون صعوبة بالغة في الاعتراض على الأمر. إذا كان الله الأعلى والأكبر قد وافق على مشاركة حصّته من الخمس مع النبي، فما الداعي لعدم رضى البقية _مهما بلغت أعدادهم_ عن باقي الأخماس الأربعة؟
مرةً أخرى، نجد أنّ غريزة البقاء تلعب دوراً حاسماً في نعاليم الإسلام وقواعده، والتي ظهرت ضمن بيئة تسودها ظلال المجهول حيث فرض االخوف من الموت جوعاً وعطشاً تهديداً دائماً على سكانها. هناك قول ىخر لمحمد في سياق هذا الموضوع: ((من قتل قتيلاً فله سلبه))، ومعنى هذا الحديث هو أنّ المسلم عندما يقتل غير مسلم، فإنّ له الحقّ بأن يستولي على ممتلكاته. لقد سبّب هذا الحديث جدلاً واسعاً واختلافاً كبيراً في الرأي بين أوساط العلماء المسلمين. فقد تساءل البعض حول الكيفية التي يأخذ فيها القاتل الغنيمة في حين أنّ الآية القرآنية تأمر باقتسامها إلى خمسة أجزاء.
في محاولة لإيجاد تسوية بين وجهات النظر المختلفة، اقترح البعض أنّ الغنيمة إذا كانت صغيرة، فإنّها كانت تعود للقاتل، أمّا إذا كانت كبيرة، أو أنّ هناك الكثير منها، فإنّها كانت تقسم إلى خمسة أقسام. وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ الصراع من أجل البقاء كان مستعراً.
هنا في أمريكا، حين ترتكب جريمة، فأول شيء يبحث عنه المحققون هو الدافع وراء ارتكابك للجريمة. فإن وجدوا أنّ محفظة النقود الخاصة بالضحية ما زالت في ثياب الضحية، وإذا كان كل شيء في منزله حيث يجب أن يكون، دون أن يمسّ شيء أو يسرق شيء، عندها سيقول المحققون: ((مبدئياً، لم يكن الدافع وراء الجريمة هو السرقة، لابد أنّ هناك دوافع أخرى)). لكن عندما يجدون نقصاً في ممتلكاته، عندها يتّخذ المحقّقون لأنفسهم منحى آخر، حيث أنّ الدافع وراء الجريمة مختلف هذه المرة، ويصبح بإمكانهم الافتراض بأنّ السرقة هي الدافع الأساسي وراء عملية القتل.
في الوقت الذي يبرّر فيه المسلمون غزوات نبيّهم عن طريق القول أنّها كانت في سبيل الدفاع عن النفس، لا أعتقد أنّه بإمكانهم نبرير السرقة والغنائم التي كان يجنيها نبيّهم وأتباعه كنتيجة لهذه الغزوات. فإذا هاجمك أحدٌ ما فجأة من مكان مظلم وحاول قتلك، لكنك تدبّرت قتله بدلاً من أن يقتلك، فبإمكانك في هذه الحالة تبرير قتلك له كدفاع عن النفس. لكن إذا قمت بسرقة محفظة نقوده وكل ما بحوزته بعد أن قتلته، فهل ستكون قادراً على تبرير ذلك بقولك: ((قمت بسرقة محفظته دفاعاً عن نفسي))؟ فإذا كنت تقول الحقيقة عندما قلت بأنك قتلته دفاعاً عن النفس، فهل ستكون قادراً على قول الحقيقة عندما تقول أنّك سرقت محفظته ونقوده دفاعاً عن النفس، بعد أن قتلته؟
الغزوات التي قام بها محمد خلال فترة حياته تحتلّ الجزء الأكبر من سيرته. ورد في الجزء الثاني من سيرة ابن هشام النبوية أنّ محمداً قام بسبعٍ وعشرين غزوة خلال حياته، مع أنّ بعض المؤرّخين المسلمين يعتقدون أنّها كانت أكثر من ذلك. أنا لست معنيّة هنا بالموافقة على الأخبار والروايات التاريخية لهذه الغزوات. لكن أي شخص لديه فرصة للقراءة عنها من البداية وحتى النهاية سيقتنع بسهولة أنّ هناك سببين فقط لا ثالث لهما لهذه الغزوات. الأول والأهم هو الاغتنام والسبي. أمّا الثاني فيتبع الأول بالضرورة، وهو غلحاق الضرر والأذى بالقبيلة ضحية هذه الغزوات هنا.
عندما ينصب السارق فخاً للضحية فإنّه سيكون متأكّداً، خلال عملية السرقة، من ضمان أنّ الضحية لن تتمكّن من مقاومته. إنّ الخوف من الموت جوعاً وعطشاً كان هو الدافع الرئيسي وراء الغزوات، أمّا إلحاق الضرر والأذى فكان هدفاً آخر، وقد تمّ القيام بذلك لضمان أن يتمّ حرمان العدوّ من قدرته على المقاومة والصمود. لقد شرّع الإسلام هذه العملية، حلّلها، وبرّرها بمرسوم من المارد الذي أسّسه من أجل التغلّب على خوفه من البيئة التي تهدّد بقاءه ووجوده وكيانه.
بالنسبة غليّ، إنّ فهم أعمق لحقيقة فكر المسلمين وسلوكهم واستيعابهما لا يمكن إلا من خلال تحقيق فهم عميق لفلسفة الغزو هذه والتي تجذّرت عميقاً في عقل المسلم. كان البدو يخافون من الغزو من جهة، واعتمدوا عليه كوسيلة للبقاء من جهةٍ أخرى. ثمّ جاء الإسلام وشرّعه. وما زال المسلمون وهم في القرن الحاجي والعشرين يخافون من غزو الآخرين لهم ويعيشون كل لحظة من حياتهم وهم يستعدّون لغزو أحدٍ ىخر. إنّ فلسفة الغزو تحكم حياتهم وتسيطر عليها، سلوكهم، علاقاتهم، وقراراتهم.
******************************************************
عندما هاجرت إلى أمريكا اكتشفت على الفور أنّ السكّان المحليين لم يكونوا مهرة في الغزو، بينما المسلمين المغتربين لم يتخلّوا عن عاداتهم القديمة, بعد أن مضى على بقائي في الولايات المتحدة عدّة أسابيع فقط، اصطحبتني جارتي الالعربية إلى السوبر ماركت سعياً منها لتعريفي على المنطقة التي سكنت فيها. ذهبنا إلى سوق فونز، وما أن أصبحنا هناك حتى بدأت جارتي بفتح كل علبة أو كيس، ثمّ بدأت بعمل ثقوب في أغطية الحليب الكرتونية، الجيل، والكريما. ثمّ ثقبت عدداً من أكياس رقائق الباطاطس ورزم المناديل الورقية، وعلب السباغيتي.
صرخت فيها مستنكرة ما تقوم به: ((دينا، ما الذي تفعلينه؟))
((لعنة الله عليهم، لقد سرقوا أرضنا!))
((وهل تقومين بذلك كمحاولة لاسترجاعها؟))
((أنا أريد أن أؤذيهم! ما زلتِ جديدةً هنا. ألا تعلمين أنّ مالك المتجر يهودي؟))
حدث ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاماً عندما كنت ما أزال وافدة جديدة إلى هذا البلد. لكنني اليوم مقتنعة تماماً وأكثر من قبل أنّ االزمن لايستطيع تغيير هذه العقلية، وأنّه كلما كان المسلم أكثر عجزاً عن التكيّف مع بيئته، كان يشعر بحاجة أكبر للخروج إلى الغزو. إنّه مقتنع بأنّه قد جاء إلى هذا البلد لنهبه وتخريبه وهدمه.
تقدّم بلدية القرية التي نسكن فيها كل منزل ثلاثة أوعية للقمامة: واحدة منها من أجل القمامة غير القابلة للتكرير، وأخرى للزجاج، والورق والمخلّفات المعدنية القابلة للتكرير، والثالثة لمخلّفات الحدائق. وقد دُعِيت في إحدى الأيام إلى حفلة غداء في منزل صديقة مسلمة. وعندما انتهت الحفلة بدأنا بتنظيف الطاولة وبدأت هي بجمع المخلّفات ورميها في سلّة القمامة. سألتها وأنا متفاجئة: ((ألا توزّعين القمامة كل منها في سلّتها الخاصّة؟!)) أجابتني بعصبية: ((لعنهم الله! هل تتوقعين مني مساعدتهم في الحفاظ على بيئتهم؟ هل تعرفين ما الذي فعلوه خلال حربيّ الخليج الأولى والثانية؟ لقد سمّموا بيئة بلدي ولوّثوها بمخلّفاتهم؟. هل سمعتي بالعاهرات الإسرائيليات الحاملات لفيروس الإيدز اللواتي يتمّ إراسلهنّ إلى نصر والأردن لنشر المرض هناك؟))
وفي محاولة مني لإغلاق هذه الأسطوانة المشروخة التي تعبت من سماعها، قلت لها: ((نعم، سمعت))
صديقتي تعرف أنّها ستعيش حياتها كلها في هذا البلد، هي تعرف أنّه سيكون موطن أولادها وأحفادها وأحفاد أحفادها. ومع ذلك يبدو أنّها لاتهتمّ ولاتبالي ولو قليلاً بوضع بيئة موطنهم الجديد، فهي لم تأتي إلى هنا إلا لتخريب هذا البلد وإلحاق الأذى والضرر بأعدائها. إنّ فكرة أو فلسفة الغزو تجذّرت عميقاً داخل عقلها وكانت عاملاً مساعداً في هجرتها إلى هذا البلد. إنّها تعتبر الرفاهية والرخاء اللذان تعيشهما في هذا البلد بمثابة غنيمة حصلت عليها، أمّا بالنسبة لي، فهي ليست أكثر من مجرّد مسلمة أخرى تحاول إلحاق الأذى بالآخرين
*************************************************
المسلمون يلبسون غزواً، يأكلون غزواً، يتحدّثون غزواً، ويقودون سياراتهم كالغزاة. ولرؤية حقيقة ما أقوله على أرض الواقع ما عليك سوى ملاحظة مسلم يخطب على المنبر بعد صلاة الجمعة في أي مسجد بأيّ مكان من العالم. لاتحتاج لأن تفهم اللغة التي يخطب بها: ما عليك سوى أن تنصت لصراخه وتراقب إشاراته وحركاته لتصبح مطّلعاً على فنّ الغزو. لقد وُلِدتُ ونشأت في بلدة صغيرة كانت تتضمّن أربعة مساجد _مسجد في كل ربع منها_ حيث كانت الصلوات العامة تقام أيام الجمعة.
خلال يوم الجمعة كانت تتوقف جميع النشاطات في البلدة. كان الرجال ينسحبون إلى المساجد في حين أنّ النساء كُنَّ يبقين في المنازل مع أطفالهنّ ويتنصّتن على الطقوس من شرفات المنازل ونوافذها. لم يكن هناك أيّ انسجام أو وفاق بين أصوات المآذن في المساجد. كل إمام جامع كان يؤذّن بشكل مزعج وكانت أصوات المآذن تصيبنا بالصمم. كان منزلنا على مقربة من أحد المساجد، قريب جداً لدرجة أنّك كنت تشعر أنّ المأذنة كانت معك في غرفة النوم. كانت عائلتنا _مثل الكثير من العوائل الأخرى غيرنا_ عليها أن تتأقلم مع هذا التلوّث الصوتي المزعج.
عندما أنظر إلى الوراء وأتذكّر تلك الأيام، أعرف أني بدأت _في سنٍ مبكرة جداً_ أرفض أن أسمح لأي إنسان أن يغزو عالمي ويتطفّل عليه من دون موافقتي. كان صوت المؤذّن يقتحم غرفة نومي في الساعة الخامسة صباحاً وكنت أناضل _حتى وأنا في هذه السّنّ المبكّرة_ كيف ينبغي عليّ أن أردّ . ما هو سبب هياجي من هذا الغزو الصباحي المزعج.

This site was last updated 11/12/13