Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الاخوان فى ملفات البوليس السياسى (٣-٣)

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس ستجد تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
التاريخ الاسود للاخوان المسلمين2
التاريخ الاسود للاخوان المسلمين3
Untitled 5967
Untitled 5968
Untitled 6325
Untitled 6326
مذبحة رفح وأخونة مصر
فى ملفات البوليس السياسى1
فى ملفات البوليس السياسى2
فى ملفات البوليس السياسى3
Untitled 6356
Untitled 6357
Untitled 6358
Untitled 6359
Untitled 6360

 

الاخوان فى ملفات البوليس السياسى (٣-٣)
المصرى اليوم كتب شريف عارف ٨/ ١/ ٢٠١٣
[ البنا بين شباب الجوالة بأحد معسكراتهم فى حلوان منتصف الأربعينيات]
على مدى عقود طويلة من تاريخ مصر، روج الإخوان المسلمون لفكرة «الكفاح المسلح»، وأنهم استطاعوا أن يسطروا صفحات مضيئة فى عمليات القتال ضد أعداء الأمة.. فى الداخل والخارج!
ولكن الواقع بالوثائق- وبشهادات قادة الإخوان أنفسهم- يثبت أن مثل هذا الترويج هو مجرد «أوهام» صنعتها المنابر والمنشورات والقصص الخيالية.
كل «أوهام الكفاح المسلح» تحولت إلى حقائق فى عقول الإخوان فقط - خاصة الشباب - حتى إنهم اضطروا لتصديقها فى النهاية، من كثرة الأساطير التى نسجت حولها، فى الوقت الذى كان هناك شبه إجماع بين المؤرخين والمعاصرين لتاريخ الإخوان على أن العمليات التى قامت بها الجماعة - سواء أعضاء التنظيم الخاص أو الشباب- خلال فترة الأربعينيات كانت عمليات غير منظمة أفقدت الإخوان الكثير من رصيدهم لدى الجماهير!
فى هذه الحلقات تنفرد «المصرى اليوم» بالكشف عن أربع وثائق خطيرة - تُنشر لأول مرة - حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين ببريطانيا وأجهزة مخابراتها وسفارتها بالقاهرة خلال فترة حرب فلسطين، وتلقى «شعب الإخوان» أوامر لتنفيذ عمليات تخريبية فى مصر، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار خلال فترة الحرب.
تأتى أهمية الوثائق - التى تكشف عنها «المصرى اليوم» - فى أن جميعها يدور خلال عام «الجدل الإخوانى»، وهو عام ١٩٤٨ الذى شهد اتهاماً للإخوان المسلمين بالهجوم على أملاك اليهود المصريين، واغتيال الخازندار، وحرب فلسطين، إضافة إلى تصاعد التوتر مع الدولة إلى ذروته باغتيال رمز الدولة ورئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى نهاية العام نفسه.
هذه الوثائق تفتح باباً جديداً من الجدل حول علاقة الجماعة بالغرب، وشكوك أجهزة الأمن المصرية فى تحركات المرشد العام للجماعة الشيخ حسن البنا نفسه.. ولكنها - بالطبع - لن تنهى هذا الجدل..!
فى الوقت الذى كانت فيه جماعة الإخوان المسلمين «تهادن» رأس السلطة المتمثل فى الملك فاروق عام ١٩٤٨، كان «النقراشى» ورجاله على الجانب الآخر يرصدون تحركات عناصر الإخوان فى محاولة لكشف أسرار التنظيم الخاص للجماعة، والذى كان يقوم بتنفيذ غالبية العمليات تحت مسمى «الكفاح المسلح»!
«المصرى اليوم» تنفرد اليوم بالكشف عن وثيقة نادرة تنشر لأول مرة، تثبت أن البوليس السياسى قد وضع المرشد العام للجماعة، الشيخ حسن البنا، «تحت المراقبة» أثناء حرب فلسطين!
الوثيقة عبارة عن تقرير صادر من ضابط الاتصال بقسم البوليس السياسى بمحافظة الإسماعيلية ونصها كالتالى:
«حضرة صاحب العزة/ المدير العام لإدارة عموم الأمن العام
بناء على تكليفى من قبل سعادتكم بمراقبة الشيخ حسن البنا عند حضوره لمدينة الإسماعيلية يوم ٢٠ الجارى وملاحظة اتصاله بضابط المخابرات ليز..
أتشرف بأن أبلغ عزتكم أن الميجر ليز قد نقل من القطر المصرى فى شهر أكتوبر سنة ١٩٤٧، وعين بالسفارة البريطانية بباريس. وقد عين مكانه الميجر سمرز، وقد عينّا كونستابل لمراقبة مكتب هذا الضابط من صباح اليوم المذكور حتى الساعة السادسة مساء، فلم يحضر إليه أحد. وقد راقبت هذا الميجر بنفسى هو وضابط المخابرات من الساعة السابعة مساء حتى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل حيث دعوتهما إلى تناول العشاء معى بالنادى الفرنساوى بالإسماعيلية، وقد ساعدنى فى هذه المراقبة رئيس مكتب القسم السياسى بالإسماعيلية، حيث عين كونستابلين لمراقبة الأماكن والمنازل التى قد يتردد عليها الشيخ حسن البنا عند حضوره لمدينة الإسماعيلية يوم ٢٠ الجارى من الصباح حتى الساعة الحادية عشرة مساء إلا أنه لم يحضر إطلاقا إلى الإسماعيلية، ولم يلاحظ على الميجر سمرز ما يدعو إلى الريبة.
وبهذه المناسبة أتشرف بإبلاغ سعادتكم أننا لاحظنا أن منطقة الإسماعيلية أصبحت ذات أهمية خطيرة نظراً لتركز القوات البريطانية فيها، ووجود جاليات أجنبية كبيرة ووقوعها على الطريق الرئيسى من وإلى فلسطين. وأن القسم المخصوص المكلف بمراقبة النشاط السياسى والطائفى بهذه المنطقة أصبح مرهقاً بكثرة العمل وعدم توافر القوات اللازمة ووسائل المواصلات. وأرى توفير الوسائل اللازمة له من وسائل الانتقال وتزويده بالعدد اللازم من الكونستابلات والعساكر حتى يتمكن من القيام بالمهمة الموكلة إليه على الوجه الأكمل.
وتفضلوا عزتكم بقبول فائق الاحترام،،،،
ضابط الاتصال
(صاغ): شريف العبد
الإسماعيلية ٢٢ مايو ١٩٤٨»

لكن من هو الصاغ «شريف العبد» ضابط الاتصال؟
من الوثيقة يتضح أنه ضابط الاتصال المكلف بنقل المعلومات من مكتب القلم السياسى «البوليس السياسى» إلى إدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، وقد ظل يقوم بهذه المهمة لسنوات طويلة، حيث ورد اسمه بنفس الصفة بعد هذا التاريخ بنحو أربع سنوات، ولكن بعد أن تقلد رتبه بكباشى «مقدم»، وأصبح مسؤولاً عن مهمة الاتصال بوزير الداخلية فؤاد سراج الدين «باشا» أثناء حصار القوات البريطانية لقسم شرطة الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢.
ورغم أن الوثيقة لم تحمل اتهاماً مباشراً للشيخ «البنا» بعمالته للمخابرات البريطانية، فإنها أوردت الكثير من الشكوك والجدل، خاصة التوقيت الحساس لها وهو «٢٠ مايو»، أى بعد تحرك القوات المصرية إلى فلسطين بنحو خمسة أيام!.. ولكنها تشير إلى أن «المرشد» كان فى دائرة الشك الأمنية أو «تحت المراقبة»، حيث يشير التكليف إلى مراقبة اتصاله بالضابط «ليز». ووفقاً للرد «فقد نقل الضابط الإنجليزى من القطر المصرى منذ عام ١٩٤٧»، مما يعنى أن الشكوك كانت قائمة قبل هذا التاريخ بشهور.. وربما سنوات!
لكن تظل «الفقرة الأخيرة» من التقرير تحمل مزيداً من الغموض وتوسع دائرة الجدل، خاصة عندما أشار «العبد» إلى أن منطقة الإسماعيلية أصبحت خطيرة نظراً لتمركز القوات البريطانية بها، وأن القسم المخصوص «البوليس السياسى» أصبح «مرهقاً» بكثرة العمل وعدم توافر القوات اللازمة ووسائل المواصلات!
عودة الانفجارات
بعد أقل من شهرين من هذا التاريخ، واعتباراً من شهر يوليو عام ١٩٤٨ عادت الانفجارات من جديد لتهز شوارع وميادين القاهرة، والطائفة المستهدفة- بالطبع- كانت اليهود. فقد انفجرت شحنة من الديناميت فى محل شيكوريل بوسط القاهرة، تبعها انفجاران فى محلى بنزايون وحايتنو فى الشهر التالى.
وأمام هذه الانفجارات التى أشارت أصابع الاتهام فيها إلى الإخوان، أعد عبدالرحمن عمار، وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأمن، مذكرة حول جماعة الإخوان المسلمين قال فيها «إن الجماعة ترمى إلى الوصول إلى الحكم بالقوة والإرهاب، وإنها اتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ أهدافها، فدربت شباباً من أعضائها أطلقت عليهم اسم «الجوالة»، وأنشأت لهم مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية وأخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها وساعدها على ذلك ظروف حرب فلسطين.
المذكرة استعرضت الحوادث التى قامت بها الجماعة بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديداً بالغ الخطر، وأنه بات من الضرورى اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التى تروع أمن البلاد.
الحل هو «الحل»!
وأمام تصاعد حدة التوتر بين النقراشى وجماعة الإخوان أحس «البنا» أن النقراشى يتجه إلى إصدار قرار بحل الجماعة، فأسرع برفع رسالة إلى الملك فى يوم ٤ ديسمبر ١٩٤٨ يكيل فيها الاتهامات للنقراشى.
قال «البنا» فى رسالته: يا صاحب الجلالة...
لقد حرمنا ثمرات جهادنا فى فلسطين أو كدنا ليس لضعف فى جيشنا أو تخاذل فى شعبنا أو نقص فى عددنا أو جهل، ولكن لتحكم السياسة المترددة فى الحرب الصارمة وتدخل رئيس الحكومة فى شؤون القتال وتردده فى مواجهة المواقف بما تقتضية، إلى جانب العوامل الأخرى التى لابد لنا فيها ولكن كان فى وسع الحازم اللبق والقوى الفطن أن ينتفع بها ويستفيد منها.
يا صاحب الجلالة..
إن الإخوان المسلمين باسم شعب وادى النيل كله يلوذون بعرشكم وهو خير ملاذ، ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ، ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلى نهج الصواب أو بإعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها، ولجلالتكم الرأى الأعلى، والله نسأل أن يتم عليكم نعمة التأييد والتوفيق.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المخلص حسن البنا
«المرشد العام للإخوان المسلمين».
ولم تشفع هذه الرسالة فى إرجاء قرار الحل، فقد سبق السيف العزل وصدر القرار بعد أيام وتحديداً فى ٨ ديسمبر من العام نفسه. وبعد قرار الحل بنحو عشرين يوماً، وفى يوم ٢٨ ديسمبر كان محمود فهمى النقراشى يتجه إلى المصعد الذى يوصله إلى مكتبه بوزارة الداخلية، عندما أطلق عليه طالب يرتدى ملابس ضباط البوليس ثلاث رصاصات فى ظهره.
سقط النقراشى لافظاً أنفاسه الأخيرة، والمثير أن التحقيقات الأولية أشارت الى أن البوليس السياسى كان قد طلب اعتقال هذا الطالب «عبدالحميد أحمد حسين» ضمن من تقرر اعتقالهم من شباب الإخوان، إلا أن النقراشى باشا- نفسه- رفض، على حد شهادة عبدالرحمن الرافعى، لأن والد الطالب كان موظفاً بوزارة الداخلية، ومات فقيراً فقرر النقراشى تعليم ابنه بالمجان.. وفى النهاية كان هو القاتل!
عودة الوفد
فى يناير عام ١٩٥٠ عاد حزب الوفد مرة أخرى إلى الحكم، بعد سنوات من الإقصاء. ورغم العداء «التاريخى» بين الحزب والجماعة فإن النحاس باشا أصدر قراراً بإلغاء حل الجماعة. وعلى أثر ذلك اجتمع أعضاء جماعة الإخوان لاختيار خليفة للشيخ حسن البنا الذى اغتيل فى ١٢ فبراير عام ١٩٤٩.
وتقول جريدة اللواء الجديد «إن مزراحى باشا محامى الخاصة الملكية كان له دور فى تحسين العلاقات بين الملك والإخوان، وإن الصحف البريطانية أظهرت ترحيباً شديداً بتعيين المستشار حسن الهضيبى مرشداً عاماً للإخوان».
وكان الملك يؤيد انتخاب الهضيبى مرشداً عاماً، فهو متزوج من شقيقة مراد حسن، ناظر الخاصة الملكية. كما أنه وطيد الصلة ببعض العائلات الكبيرة الثرية المقربة من الملك، إذ تربطه بها علاقات عائلية وشخصية. وقد أرسل الملك إلى الهضيبى إحدى السيارات الملكية ليحضر فيها لمقابلته بصحبة بعض قادة الجماعة.
وتكررت لقاءات المرشد العام مع الملك، حتى أنه صرح بعد أحدها بأنها «زيارات نبيلة لملك نبيل»!
وعندما خرجت المظاهرات فى مصر كلها تهتف ضد الملك وحافظ عفيفى، عقب تعيينه رئيساً للديوان الملكى، شنت مجلة «الدعوة» التى كان يصدرها صالح عشماوى هجوماً حاداً على رئيس الديوان الجديد، فقام عبدالحكيم عابدين، سكرتير الجماعة، بإصدار بيان يقرر فيه «إن مجلة الدعوة لا تصدر عن المركز العام للإخوان المسلمين، ولا تنطق بلسانه، ولا تمثل سياسته، وإنها صحيفة شخصية تعبر عن آراء صاحبها..»!
معركة القناة
لم يحاول المرشد الجديد الاصطدام بالوفد كأكبر الأحزاب الموجودة فى مصر- آنذاك- ولكن الصدام الحقيقى ظهرت بوادره مع إلغاء مصطفى النحاس «باشا» معاهدة ١٩٣٦ فى ٨ أكتوبر ١٩٥١، واتجاه الوفد إلى إعلان «الكفاح المسلح» فى منطقة القناة.
الغريب.. كانت تصريحات المرشد العام لجريدة «الجمهور المصرى» بعد أيام قليلة من إلغاء المعاهدة، وتحديداً فى ١٥ أكتوبر ١٩٥١ قائلاً لمحرر الجريدة بقوله: «أتظن أن أعمال العنف تخرج الإنجليز من البلاد، إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان، من تربية الشعب وإعداده وذلك هو الطريق لإخراج الإنجليز».
وبعد أيام قليلة من هذا الحديث خطب المرشد العام حسن الهضيبى فى شباب الإخوان قائلاً: «اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن الكريم...»!
كلمات المرشد الجديد أثارت الكاتب خالد محمد خالد، فكتب فى روزاليوسف فى يوم ٣٠ أكتوبر ١٩٥١ تحت عنوان «أبشر بطول سلامة يا جورج» قائلاً: «الإخوان المسلمون كانوا أملاً من آمالنا، لم يتحركوا، ولم يقذفوا فى سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام فى عشرة آلاف شاب قال لهم: اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن الكريم.. وسمعت مصر المسكينة هذا التوجيه، فدقت صدرها بيدها وصاحت: آه يا كبدى».
ويتساءل خالد محمد خالد «أفى مثل هذه الأيام يدعى الشباب للعكوف على تلاوة القرآن الكريم، ومرشد الإخوان يعلم أو لا يعلم أن رسول الله وخيار أصحابه معه تركوا صلاتى الظهر والعصر من أجل معركة، ويعلم- أو يجب أن يعلم- أن رسول الله نظر إلى أصحابه فى سفره فإذا بعضهم راقد وقد أعياه الصوم، وبعضهم مفطر قام ينصب الخيام فابتسم إليهم ابتسامة حانية راضية وقال: ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله. فلقد وجد الوطن فى التاريخ قبل أن يوجد الدين وكل ولاء للدين لا يسبقه ولاء الوطن فهو ولاء زائف ليس من روح الله... والوطن وعاء الدين وسناده، ولن تجد ديننا عزيزاً مهيباً إلا إذا كان فى وطن عزيز مصيب، وإذا لم تبادروا إلى طرد الإنجليز فلن تجدوا المصاحف التى تتلون فيها كلام ربكم.. أتسألون لماذا؟ لأن الإنجليز سيجمعونها ويتمخطون فيها كما حدث فى ثورة فلسطين سنة ١٩٣٧، وإذا حسبتمونى مبالغاً، فراجعوا الكتاب المصور الذى أصدره المركز العام عن تلك الثورات لتروا صورة الضباط الإنجليز وهم يدوسون المصاحف ويتمخطون فى أوراقها.. إن فى مصر قوى شعبية تستطيع رغم ظروفها أن تردم القناة بجثث الإنجليز، ولكن هذه القوى محتكرة، تحتكرها الهيئات والجماعات لصالح من؟ وإلى متى؟».
وبعد أيام يدخل إحسان عبدالقدوس فى معركة «الكفاح المسلح» وموقف الإخوان منها، فيكتب فى روزاليوسف ٢٧ نوفمبر ١٩٥١ تحت عنوان: «الإخوان... إلى أين ... وكيف؟» ينعى عدم مشاركتهم فى معركة القناة ويقول: «إن هذه أيام الامتحان الأول للإخوان عقب محنتهم فإما أن يكونوا أقوياء بإيمانهم وإما فقدتهم مصر».
وفى نفس العدد تشير المجلة إلى مقابلة ملكية بين الهضيبى والملك وتقول إنها «كانت مفاجأة سارة كريمة، ويعتبر الهضيبى أول رجل من رجال الإخوان يتشرف بالمقابلة الملكية، وتعلق المجلة بأن المقابلة قد أثارت اهتمام كثير من الدوائر، والمعروف أن الهضيبى يعتبر أن العدو الأول دائماً هو الشيوعية».
الإسلام بديل الديمقراطية!
فى نهاية أكتوبر من عام ١٩٥١، بدأت معركة الفدائيين تشتعل فى منطقة القناة، وقادت «كتائب التحرير»، التى شكلتها القوى الوطنية المصرية، أضخم حركة مقاومة ضد المحتل يتم فيها استخدام السلاح بدعم من حكومة «الوفد».
وسط هذا الزخم خرج المرشد العام للإخوان المسلمين بأول حوار يدلى به إلى وكالة «أسوشيتد برس»، ونقلت مجلة آخر ساعة فى عددها الصادر فى ٢٤ أكتوبر الحوار بالكامل الذى يتضمن نقاطاً ساخنة تستحق التوقف أمامها .. خاصة الحديث حول «الكفاح المسلح» و«الاسلام والديمقراطية».
سألت الوكالة المرشد العام: ألغت مصر معاهدتها مع بريطانيا، ورفضت المقترحات التى تقدمت بها الدول الغربية. فماذا سيكون موقف الإخوان المسلمين من روسيا والشيوعية إذا نشبت الحرب بين معسكرى الغرب والشرق؟
فأجاب: الشرق شرقكم والغرب غربكم، فمالنا وهذا القتال الذى تسببه المنافسة على استعمارنا وانتهاب خيرات بلادنا. وروسيا كدولة ليس بيننا وبينها ما يستوجب حرباً، وإنما تأتى الحرب إلى بلادنا بسبب الاستعمار وبقاء الإنجليز فى مصر، فإذا غادرت إنجلترا مصر فلا نستطيع أن نفترض أن روسيا ستهاجمنا، وأما إذا بقيت إنجلترا فى مصر فإنها تكون عدونا الأول، وأما روسيا كفكرة شيوعية فإن الإسلام يغنينا عنها كما يغنينا عن الديكتاتورية والديمقراطية، فإنه يجمع أفضل ما فى الثلاث ولو أنكم اهتممتم بالإسلام ودرستموه لتبينتم ذلك وأدركتم أنه يعالج النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى.
س- قالت بعض الصحف أن الإخوان المسلمين يقومون الآن بتنظيم كتائب من المتطوعين الذى حاربوا فى فلسطين، فهل هذا صحيح؟ وما مدى هذه التنظيمات؟
ج- نحن لم نعلن شيئاً من ذلك، فلا محل للإجابة عن باقى السؤال.
رغم تأكيد «المرشد» على أن الإسلام يغنى عن «الديمقراطية»، وهو قول يحتاج إلى مزيد من التفسير، فإن مجمل الحوار يشير إلى أن الإخوان لم تكن لهم «كتائب» حتى هذا التاريخ فى منطقة القناة.
ومع حلول شهر نوفمبر من عام ١٩٥١ بدأت «كتائب التحرير» تنظم صفوفها، ولم يكن بينها أى من عناصر «الإخوان»، وأفردت مجلة «آخر ساعة» صفحاتها لموضوعات خاصة عن الفدائيين فى منطقة القناة، ومن هذه الموضوعات زيارة الفريق عزيز المصرى «باشا» إلى مقر تدريب الكتائب الذى لم تحدد موقعه بالضبط.
خنجر يصنع المعجزات
وتحت عنوان «عزيز المصرى يقول لكتائب التحرير: سلاحكم ظلام الليل وبريق الخناجر!» كتبت المجلة تقول : «فى مكان ما وسط الأشجار جلس البكباشى جلال ندا- البطل المتقاعد من أبطال حرب فلسطين- والمشرف على إدارة معسكر الكتائب يستقبل وفود المتطوعين من الشباب.
وترصد «آخر ساعة» نصائح الفريق عزيز المصرى لشباب «كتائب التحرير» بقوله: «أنا لا أريد الأيادى التى تضرب فى الهواء، والرؤوس التى تنظر إلى السماء.. ولكنى أريد منكم أن تستخدموا العقل والمنطق.. حرب العصابات، حرب التفكير وسرعة البديهة!! والجيوش الإنجليزية والفرنسية جيوش منظمة مدربة تجيد السير على نغمات الموسيقى (وهنا أخذ الفريق عزيز باشا يقلد مشيتهم) ولكن هذه الجيوش تفشل أمام خطط العقل... وتستخدم قوتها ضد الشعوب العزلاء.. فتطلق الرصاص على الآمنين».
والتفت الفريق عزيز المصرى إلى البكباشى جلال ندا قائلاً: «أريد منك أن تعلمهم الاعتماد على ضربة الخنجر. فالفدائى الذى يطلق رصاصة على معسكر يوقظ ألف جندى، ولهذا يجب عليه أن يستخدم خنجره فى جوف الظلام الصامت، فيذبح الحارس ويسلبه سلاحه ثم يزحف إلى داخل المعسكر. ليضع حمولته من المتفجرات، لتقذف بالمعسكر فى الهواء.. إنه لم يطلق رصاصة واحدة، ولكن خنجره صنع المعجزات».
مجلس القيادة
تحت هذا العنوان أشارت «آخر ساعة» إلى مجلس قيادة الكتائب.. ولكن من هم أعضاء قيادة «كتائب التحرير»؟ الإجابة يقدمها الدكتور فطين فريد فى دراسته «إلغاء المعاهدة .. والكفاح المسلح» قائلاً: كان مجلس قيادة الكتائب برئاسة عزيز المصرى ويتكون من: وجيه أباظة، وحسن عزت قائد الأسراب، وعبدالحميد صادق، وعطية صابر محمد، وعبدالرحمن أباظة المحامين، وتوفيق الملط المدرس، وجمال عزام العمدة ومدحت عاصم الموسيقى، وأحمد أبوالفتح الصحفى الوفدى، وإحسان عبدالقدوس الصحفى، وأصدرت الكتائب بياناً جمعت على أساسه تبرعات بلغت نحو ٣٢ ألف جنيه فى أيام قليلة.
كثير من التساؤلات دار حول عدم وجود «الإخوان» فى «كتائب التحرير» رغم إعلانهم عن «الكفاح المسلح» ضد الإنجليز.
هذه التساؤلات طرحتها مجلة «آخر ساعة» فى عددها الصادر فى ١٨ يناير ١٩٥٢ عندما وجهت هذه التساؤلات للشيخ أحمد حسن الباقورى، الذى كان حتى هذا التاريخ أحد أبرز قادة الجماعة.
سألته المجلة: أعلن الإخوان المسلمون عدم اشتراكهم فى حركة كتائب التحرير، ما لم تؤمن الحكومة موقفهم من هذه الحركة.. ثم عرف بعد ذلك أن شباباً من الإخوان المسلمين قد استشهدوا فى معركة التحرير.. فهل عدل الإخوان عن رأيهم؟.. على أى أسس جديدة؟!
فأجاب: الناس فى مثل هذا الموقف فريقان.. فريق يصدر عن الواجب المحتوم الذى لا مناص من أدائه، وفريق يصدر عن العاطفة المشبوبة التى لا انفكاك من سلطانها.. وكلا الفريقين فى مقاييس الإسلام مقدور مشكور...
ومبلغ علمى أن الإخوان حين أعلنوا عدم اشتراكهم فى حركة (كتائب التحرير) إلا فى الحدود التى رسمها الأستاذ المرشد كانوا ينظرون إلى الأمر من جهة أنه واجب وطنى له من الناحية الجماعية أسبابه ونتائجه.
وهم حينما اشترك منهم من اشترك، واستشهد من شهدائهم الأبرار من استشهد، إنما ينظرون إلى الأمر من ناحية العاطفة الغالية والإحساس العميق بالحاجة إلى راحة الضمير وثواب الله فى قتال هؤلاء الإنجليز المقعدين.
وفى النهاية- وللأمانة التاريخية- لا يمكن القول بأن الإخوان قد غابوا نهائياً عن « الكفاح المسلح» فى منطقة القناة، ولكن هناك عملية واحدة رئيسية قام بها الإخوان وهى نسف القطار المحمل بالجنود البريطانيين وأسلحتهم وذخائرهم يوم ١٢ يناير عام ١٩٥٢، وهى العملية التى نفذها عبدالرحمن البنان، أحد أعضاء الجماعة.

This site was last updated 01/09/13