Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

كلمة فارقليط لشيخ الإسلام ابن القيم الجوزية

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
مقارنة بين المسيح ومحمد
هل المسيح مثل آدم؟
صلب المسيح فى القرآن
رسول يأتى أسمه أحمد
كلمة فارقليط لابن القيم الجوزية

 

شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية » هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
فصـل نصوص خاصة بكلمة فارقليط
وفي إنجيل يوحنا : الفار قليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ولكنه مما يسمع به ، ويكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب.
وفي موضع آخر : إني سائل له أن يبعث إليكم فار قليطا أخر يكون معكم إلى الأبد وهو يعلمكم كل شئ.
وفي موضع آخر : ابن البشر ذاهب والفار قليط من بعده يجئ لكم بالأسرار ويفسر لكم كل شئ وهو يشهد لي كما شهدت له فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل .
قال أبو محمد بن قتيبة : وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة وإنما اختلفت لن من نقلها عن المسيح صلى الله عليه وسلم في الإنجيل من الحواريين عدة والفار قليط بلغتهم لفظ من ألفاظ الحمد ، إما أ،مد أو محمد أو محمود أو حامد أو نحو ذلك ، وهو في الإنجيل الحبشي : برنعطيس.
وفي موضع آخر : إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطاً آخر يثبت معكم إلى الأبد ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لنهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاماً إني سآتيكم عن قريب.
وفي موضع آخر : ومن يحبني نحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي وعنده يتحد المنزل ، كلمتكم بهذا لأني لسب عندكم مقيماً ، والفار قليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شئ ، وهو يذكركم كل ما قلته لكم ، استودعتكم سلامي ، لا تقلق قلوبكم ولا تجزع فإني منطلق وعائد إليكم ، لو كنت تحبوني كنتم تفرحون ، فإن ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون.
وفي موضع آخر : إذا جاء الفار قليط الذي أبي يرسله روح الحق الذي أبي يشهد لي ، قلت لكم حتى إذا كان تؤمنون ولا تشكون فيه.
وفي موضع آخر : إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون عمله ، لكن إذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب.
قال يوحنا : قال المسيح : إن أركون العالم سيأتي وليس له في شئ.
قال متى قال المسيح : ألم تروا أن الحجر الذي أخره البناؤون صار أساً للزاوية من عند الله ، كان هذا وهو عيب في أعيننا ، ومن أجل ذلك أقول لكم أن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تعطي ثماره ، ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ ، وكل من سقط هو عليه يمحقه.
(في معنى كلمة الفار قليط) وقد اختلف في الفار قليط في لغتهم فذكروا فيه أقوالاً ترجع إلى ثلاثة: أحدها أنه الحامد والحماد أو الحمد كما تقدم ، ورججت طائفة هذا القول ، وقال الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم أنه الحمد .
والدليل عليه قول يوشع: من عمل حسنة يكون له فار قليط جيد.
أي حمد جيد.
والقول الثاني : وعليه أكثر النصارى أنه المخلص والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، قالوا وهذه كلمة سريانية ومعناها المخلص ، قالوا : وهو بالسريانية فاروق فجعل (فارق) ، قالوا و(ليط) كلمة تزاد ، ومعناها كمعنى قول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو .
قالوا : فكذلك معنى (ليط) في السريانية.
وقالت طائفة أخرى من النصارى : معناه بالسريانية المعزي قالوا وكذلك هو في اللسان اليوناني .
ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم يكن لغته سريانية لا يونانيةبل عبرانية ، وأجيب عن هذا بأنه يتكلم بالعبرانية ، والإنجيل إنما نزل باللغة العبرانية وترجم عنه بلغة السريانية والرومية واليونانية وغيرهما، وأكثر النصارى على أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أنه قال : إنما أتيت لأخلص العالم والنصارى يقولون ي صلاتهم : لقد ولدت لنا مخلصاً.
ولما لم يمكن النصارى إنكار هذه النصوص حرفوها أنواعاً من التحريف ، فمنهم من قال : هو روح نزلت عل الحواريين ، ومنهم من قال : هو السن نارية نزلت من السماء على التلاميذ ففعلوا بها الآيات والعجائب ، ومنهم من يزعم أنه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب بأربعين يوماً وكونه قام من قبره ، ومنهم من قال لا يعرف ما المراد بهذا الفار قليط ولا يتحقق لنا معناه.
ومن تأمل ألفاظ الإنجيل وسياقها علم أن تفسيره بالروح باطل ، وأبطل منه تفسيره بالألسن النارية ، وابطل منهما تفسيره بالمسيح ، فإن روح القدس ما زالت تنزل على الأنبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات وقد قال تعالى : لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت لما كان يهجو المشركين : اللهم أيده بروح القدس .
وقال : إن روح القدس معك ما زلت تنافح عن نبيه .
وإذا كان كذلك ولم يسم أحد هذه الروح فار قليطاً علم أن الفار قليط أمر غير هذا.
وأيضاً فمثل هذه الروح لا زالت يؤيد بها الأنبياء والصالحون وما بشر به المسيح ووعد به أمر عظيم يأتي بعده أعظم من هذا.
وأيضاً فإنه وصف الفار قليط بصفات لا تناسب هذا الروح وإنما تناب رجلاً يأتي بعده نظيراً له ، فإنه قال : إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطاً آخر يثبت معكم إل الأبد فقوله فار قليطاً آخر دل على أنه ثان لأول كان قبله ، وأنه لم يكن معهم في حية المسيح وإنما يكون بعد ذهابه وتوليه عنهم.
وأيضاً فإنه قال : يثبت معكم إلى البد وهذا إنما يكون لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته بقاء شرعه وأمره ، والفار قليط الأول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى البد ، وهذا يبين أن الثاني صاحب شرع لا ينسخ بل يبقى إلى الأبد بخلاف الأول ، وهذا إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً فإنه أخبر أن هذا الفار قليط الذي أخبر به ويشه له ويعلمهم كل شئ وأنه يذكر لهم كل ما قال المسيح وأنه يوبخ العالم على خطيئته فقال : والقار قليط الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شئ وهو يذكركم كل ما قلت لكم ، وقال إذا جاء الفار قليط الذي أبي يرسله هو يشهد أني قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنون به ، ولا تشكوا فيه ، وقال أن خيراً لكم أن أنطلق إلى أبي ، إن لم أذهب لم يأتكم الفار قليط ، فإذا انطلقت أرسلته إليكم ، فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، فإنه لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوم لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذ جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده نفسه بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب.
فهذه الصفات والنعوت التي تلقوها عن المسيح لا تنطبق على أمر معنوي في قلب بعض الناس لا يراه أحد ولا يسمع كلامه .
ونما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلامه ، فيشهد للمسيح ، ويعلمهم كل شئ ، ويذكرهم بكل ما قال لهم المسيح ، ويوبخ العالم على الخطيئة ، ويرشد الناس إلى جميع الحق ، ولا ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبرهم بكل ما يأتي ، ويعرفهم جميع ما لرب العالمين وهذا لا يكون ملكاً لا يراه أحد ولا يكون هدى وعلماً في قلب بعض الناس.
ولا يكون إلا إنساناً عظيم القدر يخاطب بما أخبر به المسيح ، وهذا لا يكون إلا بشراً رسولاً ، بل يكون أعظم من المسيح ، فإن المسيح أخبر أنه يقدر على ما لا يقدر عليه المسيح ، ويعلم ما لا يعلمه المسيح ، ويخبر بكل ما يأتي وبما يستحق الرب حيث قال : إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله ولكنكم لا تستطيعون حمله ، ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إل جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب.
فلا يستريب عاقل أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن الإخبار عن الله بما هو متصف به من الصفات وعن ملائكته وعن ملكوته وعما أعده في الجنة لأوليائه وفي النار لأعدائه أمر لا تحتمل عقول أكثر الناس معرفته على التفصيل .
قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله.
وقال بان مسعود : ما من رجل يحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم.
وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى: الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن قال : ما يؤمنك أن لو أخبرتك بها لكفرت .
يعني لو اخبرتك بتفسيرها لكفرت بها وكفرك بها تكذيب بها.
فقال لهم المسيح : إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله وهو الصادق المصدوق في هذا ، ولهذا ليس في الإنجيل من صفات اله تعالى وصفات ملكوته وصفات اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، مع أن موسى صلى الله عليه وسلم كان قد سهل الأمر للمسيح ، ومع هذا فقد قال لهم المسيح: إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله.

ثم قال : ولكن إذا جاء روح الحق فذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، وإنه يخبركم بكل ما يأتي ، وبجميع ما للرب فدل هذا على أن الفار قليط هو الذي يفعل هذا دون المسيح وكذلك كان فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أرشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين وأتم به النعمة ، ولهذا كان خاتم الأنبياء فإنه لم يبق نبي يأتي بعده غيره ، وأخبر محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما يأتي من أشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن الأعمال ، والجنة وأنواع نعيمها ، والنار وأنواع عذابها، ولهذا كان في القرآن تفصيل أمر الآخرة وذكر الجنة والنار وما يأتي أمور كثيرة لا توجد لا في التوراة ولا في الإنجيل ، وذلك تصديق قول المسيح أنه يخبر بكل ما يأتي ، وذلك يتضمن صدق المسيح وصدق محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا معنى قوله تعالى : إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون * بل جاء بالحق وصدق المرسلين .
أي : مجيئه تصديق للرسل قلبه ، فإنهم أخبروا بمجيئه فجاء كما أخبروا به ، فتضمن مجيئه تصديقهم ، ثم شهد هو بصدقهم فصدقهم بقوله ومجيئه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله بين يدي الساعة كما قال : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمر وجهه واشتد غضبه ، وقال : أنا النذير العريان .
فأخبر من الأمور التي تأتي في المستقبل بما لم يأت به نبي من الأنبياء كما نعته به المسيح حيث قال : أنه يخبركم بكل ما يأتي ولا يوجد مثل هذا أصلاً عن أحد من الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أن يوجد عن شئ نزل على قلب بعض الحواريين.
وأيضاً فإنه قال : ويعرفكم جميع ما للرب فبين أنه يعرف الناس جميع ما لله، وذلك يتناول ما لله من الأسماء والصفات وما له من الحقوق وما يجب من الإيمان به وملائكة وكتبه ورسله بحيث يكون يأتي به جامعاً لما يستحقه الرب، وهذا لم يأت به غير محمد-صلى الله عليه وسلم- فإنه تضمن ما جاء به من الكتاب والحكمة.
وأيضاً فإن المسيح قال: إذا جاء الفارقليط الذي يرسله أبي فهو يشهد لي، قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به، فأخبر أنه أشهد له، وهذه صفة نبي بشر به المسيح ويشهد للمسيح، كما قال تعالى: وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد .
وأخبر أنه يوبخ العالم على الخطيئة، وهذا يستحيل حمله على معنى يوم بقلب الحواريين فإنهم آمنوا به وشهدوا له قبل ذهابه فكيف يقول إذا جاء فإنه يشهد لي ويوصيهم بالإيمان به ؟ أفترى الحواريين لم يكونوا مؤمنين بالمسيح فهذا من أعظم جهل النصارى وضلالهم.
وأيضاً فإنه لم يوجد أحد وبخ جميع العالم على الخطيئة إلا محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنه أنذر جميع العالم من أصناف الناس ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان ولم يقتصر على مجرد الأمر والنهي بل وبخهم وفزعهم وتهددهم.
وأيضاً فإنه أخبر أنه ليس ينطلق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع.
وهذا إخبار بأن كل ما يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئاً تعلمه من الناس أو عرفه باستنباط، وهذه خاصة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأما المسيح فكان عنده علم بما جاء به موسى قبله يشاركه به أهل الكتاب تلقاه عمن قبله، ثم جاءه وحي خاص من الله فوق ما كان عنده، قال تعالى: ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل فأخبر سبحانه أنه يعلمه التوراة التي تعلمها بنو إسرائيل، وزاده تعليم الإنجيل الذي اختص به، والكتاب الذي هو الكتابة ومحمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعلم قبل الوحي شيئاً ألبتة، كما قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان .
وقال تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ، فلم يكن -صلى الله عليه وسلم- ينطق من تلقاء نفسه بل إنما كان ينطق بالوحي كما قال تعالى: وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى أي ما نطقه إلا وحي يوحى، وهذا مطابق لقول المسيح أنه لا يتكلم من تلقاء نفسه بل إنما يتكلم بما يوحى إليه، الله تعالى أمره أن يبلغ ما أنزل إليه، وضمن له العصمة في تبليغ رسالاته، فلهذا أرشد الناس إلى جميع الحق وألقى للناس ما لم يكن غيره من الأنبياء إلقاه خوفاً أن يقتله قومه، وقد أخبر المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده، وأنهم لا يطيقون حمله وهم معترفون بأنه كان يخاف منهم إذا أخبرهم بحقائق الأمور، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أيده الله سبحانه تأييداً لم يؤيده لغيره، فعصمه من الناس حتى لم يخف من شيء يقوله، وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤته غيره، وأيد أمته تأييداً أطاقت به حمل ما ألقاه إليهم، فلم يكونوا كأهل التوراة الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، ولا كأهل الإنجيل الذين قال لهم المسيح: إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكن لا تستطيعون حمله .
ولا ريب أن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل عقولاً وأعظم إيماناً وأتم تصديقاً وجهاداً، ولهذا كانت علومهم وأعمالهم القلبية وإيمانهم أعظم، وكانت العبادات البدنية لغيرهم أعظم.
وأيضاً فإنه أخبر عن الفارقليط أنه سيشهد له، وأنه يعلمهم كل شيء، وأنه يذكرهم كل ما قال المسيح، ومعلوم أن هذه الشهادة لا تكون إلا إذا شهد له شهادة يسمعها الناس لا تكون هذه الشهادة في قلب طائفة قليلة، ولم يشهد أحد للمسيح شهادة سمعها عامة الناس إلا محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع شهادته له عامة أهل الأرض، وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افترته عليه اليهود وما غلت فيه النصارى، فهو الذي شهد له بالحق.
ولهذا لما سمع النجاشي من الصحابة ما شهد به محمد -صلى الله عليه وسلم- للمسيح قال لهم: ما زاد عيسى على ما قلتم هذا العود.
وجعل الله أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-: شهداء على الناس شهدوا عليهم بما علموا من الحق، إذ كانوا وسطاً عدولاً لا يشهدون بباطل، فإن الشاهد لا يكون إلا عدلاً، بخلاف من جار في شهادته فزاد على الحق أو نقص منه كشهادة اليهود للنصارى في المسيح.
وأيضاً فإن معنى الفارقليط إن كان هو الحامد أو الحماد أو المحمود أو الحمد، فهذا الوصف ظاهر في محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنه وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، وهو صاحب لواء الحمد، والحمد مفتاح خطبته ومفتاح صلاته، ولما كان حماداً سمى بمثل وصفه فهو محمد على وزن: مكرم ومعظم ومقدس، وهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره ويستحق ذلك، فلما كان حماداً لله كان محمداً، وفي شعر حسان :-
أغــر عليه للنبـوة خـاتم من الله ميمون يلوح ويشهــد
وضم الإله إسم النبي إلى إسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشـق له من إسمـه ليجـله فذو العرش محمود وهذا محمـد
وأما أحمد فهو أفعل التفضيل، أي هو أحمد من غيره أي أحق بأن يكون محموداً أكثر من غيره، يقال: هذا أحمد من هذا، أي هذا أحق بأن يحمده من هذا، فيكون تفضيل على غيره في كونه محموداً.
فلفظ محمد يقتضي زيادة في الكمية، ولفظ أحمد يقتضي زيادة في الكيفية.
ومن الناس من يقول: معناه أنه أكثر حمداً لله من غيره وعلى هذا فيكون بمعنى الحامد والحماد، وعلى الأول بمعنى المحمود.
وأن كان الفارقليط بمعنى الحمد فهو تسمية بالمصدر مبالغة في كثرة الحمد، كما يقال: رجل عدل ورضى ونظائر ذلك، وبهذا يظهر سر ما أخبر به القرآن عن المسيح من قوله: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) فإن هذا هو معنى الفارقليط كما تقدم.
وفي التوراة ما ترجمته بالعربية: وأما في إسماعيل فقد قلبت دعاك ها أنا قد باركت فيه وأثمره وأكبره بماد ماد هكذا هذه اللفظة بماد ماد، وقد اختلف فيها علماء أهل الكتاب فطائفة يقولون معناها (جداً جداً) أي (كثيراً كثيراً) فإن كان هذا معناها فهو بشارة بمن عظم من بنيه كثيراً كثيراً، ومعلوم أنه لم يعظم من بنيه أكثر مما عظم من محمد-صلى الله عليه وسلم-.
وقالت طائفة أخرى: بل هي صريح إسم (محمد)، قالوا ويدل عليه أن ألفاظ العبرانية قريبة من ألفاظ العربية فهي أقرب اللغات إلى العربية، فإنهم يقولون لإسماعيل شماعيل وسمعتك شمعتين، وإياه أوثو، وقدسك قد شيخا، وأنت أنا وإسرائيل، فتأمل قوله في التوراة قدس لي خل بخور خل ريخم بني سرائيل باذام ويبيمالي، معناه: قدس لي كل بكر كل أول مولود رحم في بني إسرائيل من إنسان إلى بهيمة لي .
وتأمل قوله: نابي أقيم لاهيم تقارب أخيهم كانوا أخا ايلاؤه شماعون فإن معناه: نبياً أقيم لهم من وسط إخوتهم مثلك به يؤمنون وكذلك قوله: أنتم عابر تم بعيولي اجيخيم بنوا عيصاه ، معناه : أنتم عابرون في تخم اخوتكم بني العيص.
ونظائر ذلك أكثر من أن تذكر ، فإذا أخذت لفظة بماد ماد وجدتها أقرب شئ إلى لفظة محمد ، وإذا أردت تحقيق ذلك فطابق بين ألفاظ العبرية ، وكذلك يقولون : اصبوع أو لوهم هوم ، أي أصبع الله كتب له بها التوراة ، ويدل على ذلك أداة الباء في قوله : بماد ماد ، ولا يقال أعظمه بجداً جداً بخلاف أعظمه بمحمد .
وكذلك فإن عظم به وازداد شرفاً إلى شرفه ، بل تعظيمه ، بمحمد ابنه صلى الله عليه وسلم فوق تعظيم كل والد بولده العظيم القدر ، فالله سبحانه كبره بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى التقديرين فالنص من أظهر البشارات به ، أما على هذا التفسير فظاهر جداً ، وأما على التفسير الأول فإنما كبر اسماعيل وعظم على اسحاق جداً جداً بابنه محمد صلى الله عليه وسلم .
فإذا طابقت بين معنى الفار قليط ومعنى بمود مود - التي تكتب بماد ماد - معنى محمد ، وأحمد ونظرت إلى خصال الحمد التي فيه تسمية أمته بالحمادين وافتتاح كتابه بالحمد وافتتاح الصلاة بالحمد ، وكثرة خصال الحمد التي فيه وفي أمته وفي دينه وفي كتابه ، وعرفت ما خلص به العالم من أنواع الشرك والكفر والخطايا والبدع ، والقول على الله بلا علم ، وما أعز الله به الحق وأهله ، وقمع به الباطل وحزبه ، تيقنت أنه الفار قليط بالاعتبارات كلها.
فمن هذا الذي هو روح الحق الذي لا يتكلم إلا بما يوحى إليه ؟! ومن هو العاقب للمسيح ، والشاهد لما جاء به والمصدق له بمجيئه ؟! ومن ذا الذي أخبرنا بالحوادث في الأزمنة المستقبلة كخروج وظهور الدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج يأجوج ومأجوج ونزول المسيح بن مرييم ، وظهور النار التي تحشر الناس وأضعاف أضعاف ذلك من الغيوب التي قبل يوم القيامة ، والغيوب الواقعة من الصراط والميزان والحساب وأخذ الكتب بالأيمان والشائل ، وتفاصيل ما في الجنة والنار ما لم يذكر في التوراة و الإنجيل غير محمد صلى الله عليه وسلم؟!.
ومن الذي وبخ العالم على الخطايا سواه ؟! ومن الذي عرف الأمة ينبغي لله حق التعريف غيره ؟! ومن الذي تكلم في هذا الباب بما لم يطق أكثر العالم أن يقبلوه غيره حتى عجزت عنه عقول كثير ممن صدقه وآمن به فساموه أواع التحريف والتأويل لعجز عقولهم عن حمله كما قال أخوه المسيح صلوات الله عليهما وسلامه؟! ومن الذي أرسل إلى جميع الخلق بالحق قولاً وعملاً واعتقاداً في معرفة الله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وقضائه وقدره وغيره؟! ومن هو أركون العالم الذي أتى بعد المسيح غيره؟ وأركون العالم هو عظيم العالم وكبير العالم وتأمل قول المسيح في هذه البشارة التي لا نيكرونها : إن أركون العالم سيأتي وليس لي من الأمر شئ كيف ؟ وهي شاهدة بنبوة المسيح ونبوة محمد معاً فإنه لما جاء صار الأمر له دون المسيح .
فوجب على العالم كلهم طاعته والانقياد لأمره وصار الأمر له حقيقة.
ولم يبق بأيدي النصارى إلا دين باطله أضعاف أضعاف حقه ، وحقه منسوخ بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فطابق قول المسيح قول أخيه محمد صلى الله عليه وسلم : ينزل فيكم ابن مريك حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً فيحكم بكتاب ربكم وقوله في اللفظ الآخر : يأتيكم بكتاب ربكم ، فطابق قول الرسولين الكريمين وبشر الأول بالثاني وصدق الثاني بالأول.
وتأمل قوله في البشارة الأخرى : ألم تر إلى الحجر الذي أخره البناؤون صار أساً للزاوية؟ كيف تجده مطابقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأتمها إلا موضع لبنة منها ، فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها ، ويقولون هلا وضعت تلك اللبنة ؟ فكنت أن تلك اللبنة .
وتأمل قول المسيح في هذه البشارة : إن ذلك عجيب في أعيننا وتأمل قوله فيها : إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى كيف تجده مطابقاً لقوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وقوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون .
وتأمل قوله في الفار قليط المبشر به : يفشي لكم الأسرار ، ويفسر لكم كل شئ ، فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل وكيف تجده مطابقا للواقع من كل وجه وقوله تعال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ، ولقوله تعالى : ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
وإذا تأملت التوراة و الإنجيل والكتب وتأملت القرآن وجدته كالتفصيل لمجملها والتأويل لأمثالها والشرح لرموزها، وهذا حقيقة قول المسيح : أجيئكم بالأمثال ويجيئكم بالتأويل ، ويفسر لكم كل شئ ، وإذا تأملت قوله : وكل شئ عده الله لكم به وتفاصيل ما أخبر به من الجنة والنار والثواب والعقاب تيقنت صدق الرسولين الكريمين ، ومطابقة الإخبار المفصلة عن محمد صلى الله عليه وسلم للخبر المجمل من أخيه المسيح.
وتأمل قوله في الفار قليط : وهو يشهد لي كما شهدت له كيف تجده منطبقاً على محمد بن عبد الله، وكيف تجده شاهاً بصدق الرسولين ، وكيف تجده صريحاً في رجل يأتي عبد المسيح يشهد له بأ،ه عبد الله ورسوله كما شهد له المسيح؟! فلقد إذن المسيح بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهما أذاناً لم يؤذنه نبي قبله ، وأعلن بتكبير ربه أني تكون له صاحبة أو ولد؟ ثم رفع صوته بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلهاً واحداً أ،داً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ثم أعلن بشهادة أن محمداً عبده ورسوله الشاهد له بنبوته المؤيد بروح الحق الذي لا يقول من تلقاء نفسه بل يتكلم بما يوحى إليه ويعلمهم كل شئ ويخبرهم ما أعد الله لهم ، ثم رفع صوته بحي على الفرح باتباعه والايمان به وتصديقه وأنه ليس له من الأمر معه شئ ، وختم التأذين بأن ملكوت الله سؤخذ ممن كذبه ويدفع إلى اتباعه والمؤمنين به ، فهلك من هلك عن بينة وعاش من عاش عن بينة فاستجاب أتباع المسيح حقاً لهذا التأذين ، وأباه الكافرون ، والجاحدون، فقال تعالى : إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون .
وهذه بشارة بأن المسلمين لا يزالون فوق النصارى إلى يوم القيامة فإن المسلمين هم أتباع المرسلين في الحقيقة وأتباع جميع الأنبياء لا أعداؤه ، وأعداؤه عبادالصليب الذين رضوا أن يكون إلهاً مصفوعاً مصلوباً مقتولاً ولم يرضوا أن يكون الصليب نبياً عبداً لله وجيهاً عنده مقراً لديه ، فهؤلاء أعداؤه حقاً والمسلمون أتباعه حقاً.
والمقصود أن بشارة المسيح بالنبي صلى الله عليه وسلم فوق كل بشارة لما كان أقرب الأنبياء إليه وأولاهم به وليس بينه وبينه نبي.
وتأمل قول المسيح : إن أركون العالم سيأتي وأركون العالم هو سيد العالم وعظيمه.
ومن الذي ساد العالم وأطاعه العالم بعد المسيح غير النبي صلى الله عليه وسلم؟! وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما أول أمرك قال: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى.
وطابق بين هذا وبين هذه البشارات التي ذكرها المسيح ، فمن الذي ساد العالم باطناً وظاهراً وانقادت له القلوب والأجساد وأطيع في السر والعلانية في محياه وبعد مماته في جميع الأعصار ، وأفضل الأقاليم والأمصار ، وسارت دعوته مسير الشمس ، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار ، وخرت لمجيئه الأمم على الأذقان ، وبطلت به عبادة الأوثان ، وقامت به دعوة الرحمن ، واضمحلت به دعوة الشيطان ، وأذل الكافرين والجاحدين ، وأعز المؤمنين وجاء بالحق وصدق المرسلين ، حتى أعلن بالتوحيد على رؤوس الأشهاد وعبد الله وحده لا شريك له في كل حاضر وباد ، وامتلأت به الأرض تحميداً وتكبيراً لله وتهليلاً وتسبيحاً ، واكتست به بعد الظلم والظلام عدلاً ونوراً؟ وطابق بين قول المسيح : إن أركون العالم سيأتيكم وقول أخيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، آدم فمن دونه تحت لواثي ، وأنا خطيب الأنبياء إذا وفدوا وإمامهم إذا جمعوا ومبشرهم إذا أيسوا ، لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي.
وفي قول المسيح في هذه البشارة وليس لي من الأمر شئ إشارة إلى التوحيد وأن الأمر كله لله ، فتضمنت هذه البشارة أصلى الدين : إثباتب التوحيد ، وإثبات النبوة .
وهذا الذي قاله المسيح مطابق لما جاء به أخوه محمد بن عبد الل عن ربه من قوله له : ليس لك من الأمر شيء فمن تأمل حال الرسولين الكريمين ودعوتهما وجدهما متوافقين متطابقين حذو القذة ، وأنه لا يمكن التصديق بأحدهما مع التكذيب بالآخر البتة ، وأن المكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد تكذيباً للمسيح الذي هو المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله ، وإن آمن بمسيح لا حقيقة له ولا وجود وهو أبطل الباطل ، وقد قال يوحنا في رسالته الأولى :أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح ، لكن ميزوا الأرواح التي من عند الله من غيرها واعلموا أن كل روح تؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء وكان جسدانياً فهي من عند الله وكل روح لا تؤمن بأن المسيح قد جاء وكان جسدانياً فليست من عند الله بل من المسيح الكذاب الذي هو الآن في العالم.

This site was last updated 03/05/12