Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الغزاة الروم والعرب المسلمين وسياسة عزل الأقباط المسيحيين فى بلادهم

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
ستين عاما من العزلة
الأقباط المسلمين عبيد للعرب
حرف ومهن الأقباط وأعمالهم
المقريزى وصفات الأقباط
Untitled 5520
Untitled 5521

فيما يلى ما أورده كتاب صدر في القاهرة عام 1999م، بعنوان‏:‏ هوامش الفتح العربي لمصر، حكايات الدخول كتبته الباحثة سناء المصري - طبعة إشعاع للنشر

************************************************************************************************************************

معازل فى كل مكان

بجوار القاعدة العريضة للشعب القاطن أرض مصر لحظة الفتح / الغزو العربى ، كانت هناك جماعات من الروم والجيش واليهود والفرس ، بخلاف العرب القادمين على صهوات الجياد ليقيموا فيها إلى الأبد

وكان لكل جماعة مكان محدد تعيش فيه ، ولا يحق لها النزوح منه إلى مكان آخر إلا بتصريح رسمى ، كما كان لكل منهم لغته وزية وسحنته (شكله) العامة الدالة على مكانته الإجتماعية من النظرة الأولى ... ولذلك يمكن الحديث عن جزر منعزلة وسط لامحيط القبطى الواسع فى ذلك الحين ... وقد فرق المقريزى فى كتاب  المواعظ والإعتبار بوصف الخطط والآثار ) بين انواع الناس القاطنين أرض مصر بقوله : ( أعلم أن أرض مصر لما دخلها المسلمون كانت وأجمعها مشحونة بالنصارى ، وهم على قسمين متباينين فى أجناسهم وعقائدهم :

 أحدهم أهل الدولة وكلهم من روم من جند صاحب القسطنطينية ملك الروم ، ورأيهم وديانتهم وأجمعهم ديانة الملكية ، وكان عددهم يزيد على ثلثمائة ألف رومى .

والقسم ألاخر عامة أهل مصر ويقال القبط ، وأنسابهم مختلطة لا يكاد يتميز القبطى من الحبشى من النوبى من ألإسرائيلى الأصل من غيره وكلهم يعاقبة (تعليق من الموقع : أخطأ المقريزى الأقباط ليسو يعاقبة) ومنهم كتاب المملكة - ومنهم التجار والباعة ومنهم الأساقفة والقسس ونحوهم ، ومنهم مهنته الفلاحة والزرع ، ومنهم أهل الخدمة والمهنة ، وبينهم وبين الملكية أهل الدولة من العداوة ما يمنع مناكحتهم ويرحب قتل بعضهم بعضا ويبلغ عددهم عشرات آلاف كثيرة جداً فهم فى الحقيقة أهل مصر وأعلاها ) [  المقريزى :  كتاب  المواعظ والإعتبار بوصف الخطط والآثار الجزء الثانى ص 492 باب " ذكر دخول النصارى من قبط مصر فى طاعة المسلمين وآدائهم الجزية وإتخاذهم ذمة لهم وما كان فى ذلك من الحوادث والأنباء ] 

عزل الأقباط فى وطنهم أثناء الإستعمار الرومانى الوثنى والروم البيزنطى (الهلينى / اليونانى)

والمقريزى يمد خطاً فاصلاً أفقياً بين الروم الحكام وبقية الأجناس المختلطة ، الذين ينضمون جميعاً تحت راية القبط ، فالقبطية فى هذا الوقت تعنى الجنسية المصرية ، أو الشعب الواقع تحت حكم الروم فى أرض مصر ، وقد حاول الروم (البيزنطيين) إقامة خطوط فاصلة بينهم وبين هذه الفئات الكثيرة ، فأقاموا مدناً على الطراز الإغريقى بشوارع عمودية متسعه وبها حمامات والكابيتول والجمانيزيوم والمعابد والقصور ذات ألعمدة الرخامية ، وباقى نمط العمارة ألإغريقى المميز ، وجعلوا سكانها من ذوى الدماء الإغريقية ، مع السماح للقلة من ألغنياء المصريين بالسكن فيها كما فى مدينة : بطلمية ونقراطيس واكسيد نخوس - البهنسا - وأنطونيوبوليس  - هيرمولوليس - وغيرهم من المدن الإغريقية ، وبمرو الزمن حدث الإختلاط بين الروم وأغنياء المصريين وخصوصاً بعد السماح للروم من الواج بالمصريات ، وكانت اللغة اليونانية لسان أهل هذه المدن ووسيلة ممارستهم لطقوس الحياة الثقافية فى : المسرح والشعر والفلسفة ومختلف علوم العصر ، كما كانت اللغة الرسمية للبلاد ولادواوين ومختلف شئون الحكم ، أما الكثرة الغالبة من ألقبط  - اهل البلاد ألصليين - فكانوا يستقرون فى القرى المنتشرة فى أنحاء مصر ، وعددها - كما جاء فى القاموس الجغرافى للبلاد المصرية لمحمد رمزى - حوالى 2395 قرية منها 1439 قرية فى الوجه البحرى و 956 فى الوجه القبلى .

وسكن هذه القرى من القبط  الزارعين للأرض والعاملين بالحرف المختلفة والمتحدثين باللسان القبطى فى نسق حضارى قبطى مختلف الملامح تماماً عن الحضارة اإغريقية التى يندرك تحتها سلالة الحكام البيزنطيين ، وبعض القباط كانوا يسكنون المدن المختلفة الممتدة من لاشمال للجنوب ، وينضمون تحت تنظيم الطوائف الحرفية فى العمل : التجارة ، والعمارة صناعة النسيج ، الخزف والمعادن والسفن ومعاصر الزيوت والنبيذ والمطاحن والورق والبناء والنحت والزجاج والخشب وغيرها من أنواع الحرف القبطية المتقدمة) وقد لجأ عدد كبير من الأقباط للكنيسة تحت ظروف مختلفة فكان منهم الرهبان والقسس وألاباء خصوصا فى فترات الشدة العظمى ، أو الإضطهاد الكبير الذى أوقعة الحكام البيزنطيين أصحاب العقيدة الدينية المختلفة عن عقيدة كنيسة الإسكندرية ...

ويحكى أنه خرج لعمرو بن العاص من صحراء وادى هبيب (وادى النطرون) سبعين ألف راهب (1) يلبس بعضهم السواد ويسترسل آخرون بثياب رثة ويطلقون اللحى ويتكأ كبيرهم على عصا بعد أن أجهدتهم حياة الرهبنة فى الديور البعيدة ، وأنه تحدث معهم عبر الترجمة وأعطاهم الأمان ...

وليس من المعقول أن يجتمع سبعون ألف راهب دفعة واحدة فى الصحراء وربما خرجوا إليه على دفعات حسب أماكن تجمعتهم التى تقابلة ، والعدد عموماً يدل على ضخامة العدد الذين لجأوا إلى الصحراء بأعداد متزايدة منذ القرن الثالث الميلادى فرارا من إضطهاد الحكام وقسوتهم فاسسوا بذلك نظام الرهبنة ذى السمة المصرية الخالصة من الديانة المسيحية ، والتى أخذها عنهم مسيحو العالم فيما بعد ، وقد بث هؤلاء الأقباط الفارين الحياة فى الصحراء البعيدة ، ومناطق الواحات المتفرقة ، فاصبحت مناطق جذب لمزيد من الأقباط دون أن يعودوا إلى حياتهم ألأولى مرة أخرى.

وقد بلغت أعداد الرهبان فى القرن الرابع الميلادى حوالى المليون راهب وراهبة ، وزادت مع إضطهاد الروم فى القرن السادس الميلادى (2) ، ولم يكن نظام الرهبنة خاص بالرجال فقط  بل وجدت فيه النساء القبطيات خلاصاً لهن من ضيق الحياة المحيطة ، وفراراً من شتى أنواع الإضطهاد . 

ويروى الأنبا شنودة الأخميمى فى كتاب تاريخ الرهبنة الديرية فى مصر وىثارها ألإنسانية على العالم ، أنه عندما كثرت أعداد العذارى الراغبات فى ممارسة الحياة النسكية ، أقام ألأنبا شنودة دير للنساء ، وجعله تحت رئاسته ووصل عدد الراهبات فيه إلى ألف وثلثمائة راهبة ، كما بلغ عدد الراهبات فى ديرين من ألأديرة الباخومية 400 راهبة كن يجتمعن كل مساء للتعليم ، بخلاف النسوة العلمانيات اللاتى كن يأتيين بعض الوقت لتلقى علوم الدين ثم يعدن إلى حياتهن السابقة .

وفى العموم - كانت هناك أديرة للرهبان من الرجال وأخرى للراهبات من النساء - وكانت هذه الأديرة مراكز للعلم والمعرفة ، وكان  معرفة القراءة والكتابة شرط أساسيا للقبول فى الدير ، فأقبل الرهبان على العلم والتعليم تحت رعاية الكنيسة صاحبة إمتياز الإعفاء من دفع المال سواء أكان جزية أو خراج أو أتاوة .. ألخ ومالكة الضياع الواسعة والأراضى الزراعية التى يقوم بعض صغار الرهبان بزرعها ، بالإضافة إلى عملهم فى حرفة النجارة والحدادة والخزف والنسيج وصناعة الورق ، وقد أنتجت الكنيسة فى ذلك الوقت سبعة أصناف من ورق البردى ، كما إزدهرت تحت رعايتها فنون الزخرفة والنحت والرسم والموسيقى وعلوم الطب واليمياء والحساب وعمارة الأديرة التى كانت تبنى كقلاع كبيرة (حصون لحماية الرهبان من غزو البربر والبدو الذين كانوا يجتاحون وادى النيل من الصحراء) تحيط بها الأسوار العالية ، وفى فترات غارات الجنود على الأديرة كان الرهبان يهربون إلى أماكن أبعد فى الصحراء ويسكنون القلالى المنفردة (فخارج دير نهيا وبجواره توجد قلالى كثيرة تابعة للآباء الرهبان الذين جاءوا من دير أنبا مقار زمن بطريركية الأنبا بنيامين) ويصف أحد الرهبان الزائرين من أورشليم دير أنبا مقار بقوله : (كان الدير عبارة عن قلعة يحيط بها ألف قلاية ) [ الأب متى المسكين : دير القديس أنبا مقار ، الرهبنة فى عصر القديس الأنبا مقار ، الطبعة الثانية 1984م ص 397]

وبخلاف معازل الأديرة التى يفر إليها القبط  ، أو يذهبون إليها بمحض إختيارهم ، فينقطعون فيها عن الحياة العادية ويدخلون فى سلك الرهبنة ، كانت القرى والمدن تشبه المعازل هى الأخرى ، حيث يربط الفرد بموطنه الطبيعى سجل الجزية والخراج فيجب عليه الوفاء بكل إلتزاماته ، وإلا تعرض لعقوبة السجن والتعذيب والغرامة المالية ، وإذا أراد الإنتقال من قرية إلى أخرى فلا يسمح له بحرية الحركة والتنقل إلا بإذن وتصريح من مندوب الحاكم أو من ينوب عنه فى المنطقة ، على أن يتعهد بشهادة الضامنين أن يقوم بالوفاء بجميع إلتزاماته المالية (جزية وخراج وأتاوة) وبين الفترة والأخرى كان المسئولون يعلنون أن من يرغب فى نقل مسئولياته المالية تجاح الحكم ، عليه أن يذهب إلى حامى المكان المطلوب الإنتقال إليه ، ويطلب منه نقل مسئولياته المالية والحصول منه على تصريح بذلك ، كان مسئولو المرور أو المشرفون على المرورو فى المقاطعات يخطرون المسئولين عن هؤلاء المتسللين إلى مدنهم دون تصريح رسمى ، وغالباً ما كانت سلطات الأقاليم تسارع بإعادتهم أو عمل تصريح جديد لهم إذا أثبتوا خلوهم من المستحقات المالية مثل الجزية والخراج

ونجد فى خطاب (من موظف كبير إلى مسئول عن أقامة الأجانب أو المرور فى الباجاركية بسبب وجود أفراد من الفيوم وأشمون وقوص مقيمين كوم شقوة  ) أوامر واضحة بشأن هؤلاء المتسللين : ( فإذا تسلمت رسالتى فإرسل إلى الأجانب بعناية ... أرسلهم مع أسماء آبائهم وقراهم  وألأراضى التى أخذوها من الباجاركية وإرسل بأبنائهم وزوجاتهم معهم والأموال التى أخذوها ) [زبيدة عطا : الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى ص 110]

والفرد فى ظل هذا النظام المتشدد كانت حريته شكلية ، لأن أغلال الجزية والخراج وغيرها كانت تكبل قدمية بأشد من القيود الأخرى ، وعملية الفرار كانت أشبه بالمستحيلة فى ظل تقسيم البلاد إلى (مراكز  Pagi تقابل مراكز النظام القديم  Topa  ويتولى كل قسم موظف يسمى  Phaepasitas ويخضع لموظف آخر يسمى Exactor إختصاصاته مالية وأصبح اللقب فيما بعد الجابى - وفى عهد ليو 457 / 474  ظهرت الباجاركيات Pagrckia وهى تطابق الإقليم القديم وتشمل كل ما يحيط بالمدينة من القرى وما يتبعها من الأرض - فالمدينة وما يحيط بها تعتبر وحدة إدارية تخضع للباجارك الذى يخضع للوالى    الذى يخضع للدوق حاكم الإقليم) [زبيدة عطا : الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى ص 37]            

والباجارك الذى يشرف على القرى المحيطة لديه جيش وجنود عسكريين وجيش آخر من الموظفين منهم ( الجباة والمراقبين والكتاب والمساعدين والبحارة الذين ينقلون الخراج)[زبيدة عطا : الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى]

ويعمل كل هذا الجيش على مراقبة الفلاح والأرض والإنتاج ويستقطع هؤلاء الجباة لأنفسهم الأموال والمحاصيل العينية كلما سمحت الفرصة على طول سلم الوظائف التصاعدى حتى تصل الأموال المطلوبة إلأى الخزانة الرئيسية محملة بدماء الفلاحين .

وألإمبراطور جستنيان بنفسه يعترف فى مرسومه رقم 13 بأن أموال مصر تستنزف عند الجباية ، وفى العموم كان تحصيل الضرائب فى مصر معقداً ومحكماً ، حيث لكل قرية (نقابة من الملاك تعد مسئولة قانوناً عن تدوين الحساب الذى يعرف بإسم    ويجرى إعداد قوائم بالضرائب التى أداها كل فرد مع ذكر أسمه ومقدارها ويرسلها مسئول الخزانة بعد ذلك إلى مكتب الوالى) [زبيدة عطا : الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى ص 46]ولم يكن أمام الفلاح القبطى سوى المثول لهذا النظام الضريبى الصارم الذى يربطه  ربطا لا فكاك منه بالأرض والقرية ويحد من حريته فى أفنتقال ، وحينما لجأ بعضهم إلى بعض الحكام العسكريين ليستجيروا بهم ، أصدر ألإمبراطور قسطنطينوس مرسوماً سنة 395 م شديد اللهجة يقول فيه : ( كل من بلغت فيه الجرأة اضم هؤلاء الأشخاص إليه بوعد الحماية ومنعهم من آداء ما عليهم من الأعباء المالية العامة سيضطر لدفع ألأعباء التى على الفلاح من مجموع الفلاحين الذين هجروا قراهم وسيطلب إليه الدافع من دخله الشخصى ، وكان من دخل تحت حمايتهم وجب رفع هذه الحماية عنه) [زبيدة عطا : الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى ص 33]فلم يكن أمام الفلاح القبطى فى ظل هذا الوضع إلا الإمتثال لمعزل القرية ، أو الإنتقال لقرية أخرى (معزل آخر) وفى رقبته سجل ضرائبة لا يسقط عنه سوى بالموت ، أو الفرار إلى الرهبنة.

أما المدن فكات لها قيود أخرى ، وينظم الحياة فيها نظام الطوائف والحرف ومسئولى ألأسواق والقائمين على منح تصاريح مزاولة التجارة ومسئولى البريد ومحطات الدواب والمشرفين عليها ، وكانت كل طائفة مغلقة على نفسها ، وتخضع لترتيبات إشرافية وضريبة محددة ، وليس من المسموح لأخذ بمزاولة المهنة إلا إذا كان عضو فى الطائفة ، أما الجدد فيخضعون لتدريب (يستمر من سنة إلى خمس سنوات على يد أسطوات المهنة )                  

عزل الأقباط فى وطنهم أثناء الإستعمار العربى الإسلامى لمصر

وبعد الفتح العربى وسيطرة العرب على مقاليد الحكم فى مصر ، تمسك عمرو بن العاص بنظام تقسيم البلاد والعباد الموروث عن الأمم السابقة التى إستعمرت مصر من رومان وروم كما هو ، فجمع مقدمى القبط وأقرهم على جباية الروم ويقول فى رسالة إلى الخليفة إنه فتح / غزا مدينة (يقصد الإسكندرية) بها أربعين ألف يهودى عليهم جزية - بالطبع لم يكن هذا عدد اليهود القاطنين فى مصر - ربما تركزت هذه النسبة العالية من اليهود فى ألإسكندرية نظراً لإشتغالهم بالتجارة والصيرفة وغيرها من ألأعمال ، بالإضافة إلى أنه كان بمصر عدد كبير من اليهود لا يعمل بتجارة ألموال ، وإنما برعوا فى طوائف حرفيه أخرى ، بنسب أقل ، وكانوا يعيشون فى تجمعلت تخصهم وأبقى العرب نظام الدواوين كما هو مع إحلال القبط محل الروم الراحلين ، وإختفظوا بالتقسيم الإدارى للأقاليم والمدن والقرى ، كما حافظوا على أسماء القرى المصرية كما هى ، أو حرفوها قليلاً ليفهمها العربى المختلف اللسان ، وذلك على عكس الروم الذين حاولوا أن يضعوا للقرى والمدن المصرية أسماء يونانية ، وظل إستخدامها قاصراً عليهم فقط ، أما الجمهور القبطى فقد ظل متمسكاً بالأسماء المصرية القديمة (لمزيد من التفاصيل راجع محمد رمزى - القاموس الجغرافى للبلاد المصرية )

كما حافظ العرب على طرق جباية الضرائب ، بل وعلى أنواعها من الضرائب العينية التى تجمع فى الأهراء أو المخازن الحكومية لمؤونة الجند ، وكان المكان الذى يباشر فيه أصحاب المكس مهام منصبة يسمى أم دنين - مكان حديقة ألأزبكية الآن - وكان هناك مركز تجارى للغلال يعرف بإسم ميدان القمح أو ميدان الغلة ، وكانت حمولات القمح الآتية من كل قرى مصر تفرغ فى الميناء النيلى الذى كان يشغل كل ساحل المكس حتى القنطرة .      

وبالإضافة إلى الضرائب العينية ، كانت هناك أخرى نقدية عن المحاصيل الأخرى ، وخراج ألأراضى وقانون الضيافة ثلاثة أيام للعرب الحالين بالقرى ، وقوانين ضيافة السلطان (الخليفة ) مع إضافة بند تكاليف كسوة الجند والجزية المدفوعة على الرؤوس وغيرها ، وقد حافظ عمرو بن العاص على الخطوط الفاصلة بين جماعات الناس فبنى مدينة الفسطاط لتكون مدينة عربية الطابع وقسمها إلى خطوط (شوارع) وأسكن كل قبيلة خطة ، وأسكن الروم المتعاونين معه خطة الحمراوات ، وأسكن الفرس الآتيين معه من الشام خطة أخرى .

وحتى فى نظام المرابعة الذى اقره عمرو نلحظ التقسيم الواضح بتخصيص مكان لكل قبيلة يخرج إليه الجنود مع خيولهم دون إصطحاب زوجاتهم وأولادهم ، مع نهاية فصل الشتاء وبداية الربيع ، ويستمرون فى مرابعهم حتى قدوم الصيف ، وفى خطبة عمرو إلى جنودة يحثهم على الذهاب إلى المرابع ثم العودة إلى الفسطاط يقول لهم : (  فاحمدوا الله معاشر المسلمين على ما أولاكم، فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم؛ فإذا يبس العود وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمش اللبن، وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحي على فسطاطكم، على بركة الله تعالى وعونه ولا يقدمنّ أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله، وأستحفظ الله عليكم. ) (3) [إبن تغرى بردى : النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ص 74]

وتلك الخطبة يحث عمرو بن العاص جنودة على التمتع يخيرات الريف ثم هجره بعد إجدابه : ( فكلوا من لبنه وخيره وخرافه وصيده وإرتعوا خيلكم وسمنوها وصونوها وأكرموها فإنها جنتكم من عدوكم وبها مغانمكم وحمل أثقالكم )  [إبن تغرى بردى : النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ]

وتمسكت الأرستقراطية العربية فى البداية بعزلتها عن بقية الملل والطوائف كنوع من أنواع الترفع والتعالى على الشعب المصرى الزارع للأرض والقائم بأمر الحرف المختلفة ، وإحتفظوا لأنفسهم بمهام الحرب والحكم والسياسة لأن العرب كما يقول أبن حبيب : " تعيش من سيوفها ورماحها وقد كان (عمر بن الخطاب ينهى العرب عن الزرع كى لا يزلوا ويشتغلوا به عن الجهاد) حتى أن بن الحطاب عاقب رجلاً عربياً أراد أن يزرع ، وطلب من عمرو بن العاص أن يرسله إلى المدينة بسرعة ليقيم عليه العقاب المناسب .

ولزمن طويل ظلت العزلة بين العرب والقبط قائمة فيما يشبه الإنفصال الإجتماعى ، ويمكن أن نسمى التماس بينهما فى الفترة الأولى تماس السطح والقاع ، أو تماس الحاكم والمحكوم وما ينطوى عليه من عسف جانب وخضوع الآخر ، دون أن يمتص أحدهما الآخر أو يحويه تحت جناحه لأكثر من ثلاثة قرون .

وقد بالغ بعض الولاة فى التمسك بالتقسيم الإدارى فى البلاد ، ووضع قيود صارمة على نظام الجباية ، حتى أننا نجد فى بردية عربية أوامر صارمة موجهه من أحد الجباة إلى آخر مسئول عن ضرائب مدينة أنصنا فيقول بلهجة شديدة : (إستحضر لنا من مدينة أنصنا بقطر الطحان ، ومر العمال بإحضاره - وكان بقطر هذا قد تأخر فى دفع ضرائبه - وإستحضر إلينا أسرته أجمعين وإستحضر أباه وأبنه وإستعجل إحضاره - إن شاء الله) [زبيدة عطا : الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى ص 128] 

كما بالغ بعض الولاة فى فرض المزيد من الضرائب ومن ثم القيود التى تربط الفلاحين القبط بالأرض والقرية أكثر فأكثر ، ونصوص التصاريح الموجودة فى أوراق البردى العربية تدل على القاعدة العامة ، وعدم السماح بحرية الإنتقال من مكان لآخر ، وقد لاحظ أدولف جروهمان ذلك ، وعلق عليه قائلاً : ( المواطنون الذين رحلوا إلى مكان آخر ليقيموا فيه ردحاً من الزمن لم يكونوا على ما يظهر ملزمين فقط بأن يحصلوا على تصريح خاص من المدن التى كانوا يقيمون فيها ، بل كانوا ملزمين أيضاً بإفادة الموظفين المحليين بمقر إقامتهم الجديد ... ويرجح أن ألإيصالات تحول من مكان إلى مكان أو من القرية أو البلدة التى كان الشخص تابعاً لها للدلالة على أنه قام بأداء الجزية والخراج وغيرها من ألموال المفروضة عليه لتدوينها فى السجل الخاص فى محل إقامته ) [أدولف جروهمان : أوراق البردي العربي ] 

وفى زمن قرة بن شريك زادت وطأة الضرائب على الفلاحين على حد غير مسبوق وكان ( الناس يهربون ونسائهم من مكان لمكان ) ولكنهم لم يجدوا مجتمعاً آخر يمكن أن يقبلهم (فى يحتويهم موضع) وبدأت إجراءات قرة ورجاله لمنع الهروب تصبح أشد قسوة من إجراءات إنتزاع الضرائب ، وأخذ والى سخا على سبيل المثال ( يجمع الذين يهربون من موضع ويردهم ويربطهم ويعاقبهم ويعيد كل منهم إلى موضعه ) وأصدر قرة أوامر بأن (لا يأوى أحد غريباً فى البيع ولا الفنادق ولا فى السواحل)  وطلب من الرهبان أن يعيدوا أى شخص يريد الدخول فى سلك الرهبنة ، ووصل به الأمر إلى وضع علامات تمييز قاسية على جسد الرهبان بأن :( أحصى الرهبان ووسمهم كل واحد منهم بحلقة حديد فى يده اليسرى ليعرف بها ، ووسم كل واحد بإسم بيعته وديره بغير صليب بتاريخ مملكة الإسلام ) [ساويروس أبن المقفع]

( وإذا ظهروا بهارب أو غير موسوم قدموه للأمير فيأمر بقطع أحد أعضاءه ويبقى أعرج ولم يكن يحصى عدد من شوه به على هذه القضية وحلق لحى كثير وقتل جماعة وقلع أعين جماعة بغير رحمة وكان متولى الخراج هذا أسامة بن زيد التنوخى - يتشدد فى إعطاء تصاريح الخروج للناس ، ويقرر ضريبة على إصدار التصاريح مقدارها عشرة دنانير ، ويشدد على الشرطة والجيش والحراس بأن من لا يجدوا سجله معه  يؤخذ كل ما معه وينهب وطبقوا حتى على مراكب التجار والبحارة الذين فيها فمنهم من يقتله ومنهم من يصلبه ومنهم من يقطع يديه ورجليه حتى إنقطع الطريق ولم يبق من يسافر) [ساويروس بن المقفع]

زربما لا ننسى حادثة فساد الكروم ، وخوف الجميع من نقله وشرائه حتى بدرهم واحد ، بسبب عدم حصول التجار على تصاريح النقل وإنتظارهم حوالى شهرين لإصدار التصاريح ، ففسد المحصول ولم يحصلوا على سجل الإفراج .  

تمييز الأقباط المسيحيين واليهود بإجبارهم بلبس زى (ملابس) مختلفة عن المسلمين

 وبخلاف تحديد مواطن الإقامة ، وحظر أفنتقال من مكان إلى آخر إلا بالتصاريح الرسمية ... تعددت مظاهر العزل الإجبارى بين الناس ، ومنها عزلة الملبس والهيئة بفرض أنماط معينة من الثياب على أصحاب كل دين ، فإحتكر العرب زياً معيناً لا يلبسه به سواهم يميزهم عن أهل البلاد وفرضوا على ألأقباط زى ، وعلى اليهود زى آخر

وداخل صفوف الأقباط إختلف زى الرهبان المصنوع من الخيش عن زى رجال الكنيسة عن زى الفلاحين عن زى ساكنىالمراكز والمدن .

وكان يمكن تمييز الدين والملة والوضع الإجتماعى بسهولة من النظرة ألولى لعابرى الطريق ، أو للمتعاملين فى ألسواق والحمامات العامة .

وذكر الباشا : ( تخصصت مصانع معينة فى صنع ملابس السادة بخلاف تلك التى تصنع ملابس العامة ، وقد أطلق عليها طراز الخاصة وطراز العامة) [د/ حسن الباشا : فن التصوير فى مصر الإسلامية]

وقد ذكر القلقشندى فى الشروط المفروضة على أهل الذمة (أن لا يركبوا الحمير بأن يجعل الراكب رجليه فى جانب واحد وأن ينزلوا المسلمين صدر الطريق والتمييز عن المسلمين فى اللباس) ولا يركبن يهودى ولا نصرانى على سرج ، وليركبن على إكاف ولا تركبن إمرأة نسائهم على رحالة وليكن ركوبها على إكاف) [القلقشندى - صبح ألأعشى فى صناعة الإنشا]    

كما أكد القرشى فى كتاب (معالم القرية فى أحكام الحسبة ) ضرورة أن تشد المرأة الزنار تحت الآزار كالرجل ويكون فى عنقها خاتم معها الحمام ويكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض لتتميز به عن غيرها ) (القرشى : معالم القرية فى أحكام الحسبة]

وقد ظلت هذه الذهنية العنصرية بالعرب سمة غالبة على تاريخ الحكم العربى فى مصر ، وإن تخللتها فترات تمتع فيها أعيان القبط وأغنياء اليهود بإمتيازات المسلمين فى الملبس ، وظل اللون ألبيض حكراً على العرب وألزرق قيداً على القبط .

ويرى بعض الباحثين أن قيود الملبس لم تطبق فى البداية بشدة ، بسبب وجود فوارق طبيعية فى المظهر بين ملبوس العرب الآتيين من الصحراء وملبوس أهل البلاد ، وأن هذه القيود فرضت بصرامة فيما بعد.

وقد كان عمر بن الحطاب شديد التعصب للسيادة العربية وألإسلامية فأخرج أهل الذمة من المدينة ، وتمنى أن يخرجهم من الجزيرة العربية كلها وتكون البلاد (لا يجتمع فى المدينة دينان) ووضع اسس قوانيين السيادة العربية ، إلا أن تطبيقها لم يكن على درجة واحدة من الشدة ... فلم يكن عمرو بن العاص يتمسك بها وهو صاحب الأفق السياسى الأوسع بتطبيق تلك القواعد الشكلية بقدر ما كان يهتم بأمر ترسيخ السيطرة السياسية على مصر ... أما من تلاه من الولاة فلم يتحلوا بإتساع أفقه ، وبالغ الكثير منهم فى فرض المزيد من الحدود العنصرية والتشدد فى تطبيقها كلما تقدم الزمن . 

اللغة عامل للعزل أيضاً

وبخلاف معازل المكان والمظهر ، كان اللغة حائلاً دون التفاهم بين أجناس الغزاة الوافدة وألأجناس المقيمة من السكان أهل البلاد الأصليين خصوصاً فى سنين المواجهة الأولى .

فكانت هناك اليونانية لغة الروم الذين كانوا مستعمرين بمصر قبل العرب المسلمين والقبطية بلهجاتها المختلفة لغة الشعب القبطى فى القرى والمدن والكنيسة القبطية - إلى جانب لغات بعض الجماعات القاطنة بمصر : كالحبشية ، والعبرية والفارسية ، ثم اللغة العربية القادمة مع جحافل جيوش العرب لغزو مصر وإستيطانها .

وقد صحب عمرو بن العاص وجيشة فى رحلته من اورشليم إلى مصر عدد كبير من الأدلاء والتراجمة من الفرس واليوانانيين ( موالى الذين قاموا بأعمال الإتصال الأولى ، ورغم كثرة هذه اللغات  إلا أن المواجهة الأساسية فى اللحظات الأولى للفتح / الغزو العربى كانت بين اللغتين الوافدتين إستعمار مصر : اليونانية (لغة الروم المستعمرين لمصر ) والعربية (لغة العرب المسلمين الذين يسعون إحتلال مصر والإحلال محل الروم فى إستعمارها) ... وخلال سنوات القتال الثلاث دار الكثير من المباحثات بين قادة الجيش العربى وجيش الروم البيزنطيين عبر الترجمة .

أما تلك ألإحتكاكات والتماسات اللغوية التى كانت تحدث بين العرب والشعب القبطى فى المدن والكنائس والأديرة ، فكان بعضها يدور باليونانية ، خصوصاً وأن أعيان مصر ورهبانها كانوا يجيدون اليونانية بإعتبارها لغة البلاد الرسمية (ولغة الإنجيل) وبعض المواجهات كانت تدور باللغة القبطية ... وتذكر بعض كتب التاريخ أن أبا رافع القبطى الذى كان يقوم بزراعة أرض العالية فى يثرب ويخدم ماريا القبطية ، ولسانه القبطى كان أحد وسائل التفاهم مع أهل مصر ، ورغم ذلك ظلت المشكلة الكبرى التى تواجه العرب فى قرى الغربية للبلاد يجتاحونها بحروبهم على طول الطريق للإسكندرية ، هى جهل كل طرف بلغة الآخر .. مما ساعد على زيادة الخوف والفرار من أمام هؤلاء الأغراب الغازيين للبلاد.

وتقهقرت اللغة اليونانية مع عتاد الفرسان الروم الراحلين إلى القسطنطينية ، وظلت اللغة القبطية لغة الصراع الدائر بين العرب المسلمين الغزاة والشعب المصرى القبطى حتى صدر قرار تعريب الدواوين عام 87 هـ

وفى السنوات الأولى زاد إهتمام بعض الأقباط بتعلم اللغة العربية وخصوصاً العاملين بدواوين المحاسبة حرصاً على وظائفهم وموقعهم كهمزة وصل بين القيادة العربية وشتى القرى القبطية ، ولذلك فإننا نلاحظ أن تعريب الدواوين كان يخص المركز بالأساس ، أما (موازين القرى فقد ظلت تتعامل بالقبطية حتى زمن متأخر جداً .

ويبدوا أن غموض اللغة القبطية بالنسبة للعرب ، وعدم فهمهم لها فى العموم ، وممارسة الأقباط لشتى الطقوس فى حياتهم اليومية ، جعل العرب يقلقون من حالة الإبهام المسيطرة عليهم ، ولذا كانوا يلجأون إلى كل وسائل الترجمة المتاحة لنزع ستار الإبهام المستغلق بينهم وبين الشعب الآخر .

ويذكر ساويروس أبن المقفع أن ألإبن ألأكبر للوالى (عبد العزيز بن مروان) ويدعى الإصبغ كان كثير الشك فى نوايا الأقباط ودائم التوجس من ممارسة طقوسهم الدينية ، وسائر شعائر حياتهم باللغو القبطية ، فقرب شماساً يعرف اللغة العربية ويدعى بنيامين (فسر له الإنجيل بالعربى ، وكتب الكيميا وكان يبحث عن الكتب لتقرأ عليه ,  وكذلك الأرطستيكيات كان يقراها لينظر هل يشتمون فيها المسلمين أم لا ) [  ساويروس أبن المقفع -تاريخ البطاركة - المجلد ألأول ، ص 139 وذلك فى زمن عبد العزيز بن مروان (65 هـ - 85 هـ ]

مما يعنى ان هذا الشماس قد أجاد اللغة العربية حتى إستطاع ترجمة الإنجيل وكتب الكميا ومختلف الكتب الأخرى للأصبغ (للحمص) المتوجس شراً من ألأقباط ، وبعد تلك الحادثة بسنة واحدة جاء قرار التعريب الفوقى للدواوين على يد " عبدالله بن يربوع الغزارى " من أهل حمص.

وفى الوقت الذى كانت هذه الفئات العليا من القبط تقبل على تعلم لغة الفاتح / الغازى لإستمرار المحافظة على مصالحها ، كانت قاعدة الشعب القبطى معفاة من هذه الحاجة إمتثالاً  للأمر الواقع فى القرى المغلقة والمجهدة.

أما أسرى القبط من الرجال والنساء الذين سباهم عمرو بن العاص ووزعهم كجوار وعبيد على قادة جيشة ورجالة المقربين فقد إضطرهم ظروف العبودية إلى القيام بدور مزدوج حيث علموا ألقربين منهم الكثير من المفردات القبطية ، كما إضطروا إلى تعلم ,غتقان اللغة العربية لغة السادة المالكين لأجسادهم ... مثل عبدالله بن عبد الرحمن وهو أحد الذين سباهم العرب فى قرية بلهيب ، وقد أصبح عريف الموالى أو رئيس العبيد بعد بعد أن إعتنق الإسلام .

وكما حدث مع عدد من نساء (سلطيس) اللاتى إتخذهن العرب جوار وإماء لهم ، بعد أن إستباح عمرو مدينة سلطيس ووزع نسائها على قادة جيشه ، وبعث بالجزء الباقى إلى بلاد بعيدة "مكة والمدينة واليمن"

وقد بقى ذكر بعض هاتيك الجوارى العبيد النسوة اللاتى أنجبن الذكور بهؤلاء السادة الجدد ، وقد أخذ هؤلاء الأبناء - فيما يذكر مواقع مهمة فى بلاط الولاية العربية - بينما أهال التاريخ تراب نسيانه على النساء اللاتى لم ينجبن أبناء ذكور للسادة العرب المسلمين ولم يعد لهن أى ذكر.

ومن أبرز أبناء المصريات أو القبطيات الأسيرات - عبد الرحمن بن معاوية بن حديج أبن القائد العربى المعروف معاوية بن حديج الذى لعب دوراً كبيراً فى توطيد دعائم الدولة ألموية فى مصر ، وهناك شواهد تاريخية على معرفة إبنه عبد الرحمن للغة القبطية التى تعلمها من أمه الجارية الجقبطية - إحدى سبايا سلطيس - فيروى الكندى فى خبر خروج العلويين بالفسطاط سنة 145 هـ (القرن الهجرى الثانى) أن أبن حديج - عبد الرحمن - وقف على الباب الذى ناحية بيت المال فكلم خالد بن سعيد وهو فوق ظهر المسجد كلمة قبطية ، مما يدل على معرفة ألإثنين - عبد الرحمن وسعيد وربما آخرين غيرهم باللغة القبطية .

  إلى أننا سنجد شواهد تاريخية على رواج إتخاذ قادة آخرين لجوار قبطيات ، وإنجابهن منهن أيضاً مثل : عبد الرحمن جعفر بن ربيعة ، الذى أنجب أبنه عمران من جاريته السليسيطية - وعقبة الذى أنجب أبنه عباض وأبنه عبيدة من جاريتين قبطيتين على ما يبدو - وخارجة بن حذاقة القرش الذى كان رئيس شرطة عمرو بن العاص وتلقى عنه طعنة الموت قد أنجب أبنه عون من جاريته القبطية السلطيسية .. وغيرهم

   وتعلم اللغة يقع تحت باب العادى من الأمور ، ومن ناحية أخرى أنه يجب على المحكوم أن يتعلم لغة حاكمة بإعتباره الطرف المغلوب والأدنى فى العلاقة بين الغزاة وأهل البلاد ، أما أن يحدث العكس فهذا هو النادر - الشحيح - ولذلك فقد ظل المؤرخون يتعاملون مع نعلم بعض السادة ذوى الأصول العربية الصرفة للغة القبطية من باب الغرائب والطرائف فيروى أن " خير بن نعيم" قاضى مصر فى الفترة من عام (120 - 127 هـ ) واليمنى الأصل والذى كان يعمل فى تجارة الزيت قبل تولية القضاء : كان يعلم اللغة القبطية ، ( وأنه ( كان يدخل إليه الخصمان فيخاطبانه بالقبطية ويرد عليها بها ويشهد عنده الشهود بالقبطية فيسمع منها ويحكم بها ) [الكندى : الولاة والقضاة ص 351]  ويقال أنه كان بقضى بين العرب فى صحن المسجد ، وفى العصر يجلس على باب الجامع فيقضى بين القبط بلغتهم .

ولكن تظل هذه النماذج فردية بالنسبة إلى اعداد القبط المقبلين على تعلم اللغة العربية والتحدث بها ، وخصوصاً حينما خيل لبعضهم أن دخولهم الإسلام سيرفع عنهم عبئ الجزية والخراج وألأموال التى يفرضها الغزاة العرب المسلمين وغيرها من عبئ الإضطهاد الدينى والعنصرى ، وسيمكنهم من إتخاذ مكانة أفضل فى مصر التى صبغوها بالإسلامية بعد أن إنسد أمامهم مخرج الفرار إلى ألديرة للتخلص من هذه الأعباء .. فبدأت أعداد قليلة تعلن إسلامها وتشير وثائق البردى إلى أن ( عدد من أسلم فى البداية كان قليلاً فذكرت إحدى قوائم الخراج 130 أسماً  مسيحيا وأسماً واحداً إسلامياً) [ أدولف جروهمان : أوراق البردى العربية بدار الكتب المصرية]

الثورات القبطية وتوطين قبائل عرب لأرض مصر

ونلاحظ تغيير رد فعل القبط إزاء العرب الحاكمين منذ عام 107 هـ وفيه بدأت الثورات القبطية فى التوالى والتتابع حتى 226 هـ حينما قمع المأمون قبط مصر ونكل بهم وأعمل فيهم السيف فيمن بقى منهم حيا ، وأسر النساء والأولاد والبنات الصغار فلم يرحم أحد مما أدى إلى إنكسار شوكة الثورات القبطية لأزمان طويلة قادمة ؟؟ ويبدو ان القط كانوا يلجأون قبل عام 107 هـ إلى إستخدام أسلوب المقاومة السلبية ، ومن أبرزها الفرار إلى هياة الرهبنة والأديرة المعفاة من عبء أداء الجزية وأنواع الضرائب الأخرى ، حتى ألغى عبد العزيز بن مروان هذا ألإمتياز ، وأحصى جميع الرهبان وختمهم وفرض عليهم أداء الجزية ، فإنسد هذا البابا أمام الأقباط الفارين من هول الإضطهاد الإسلامى - وبدأت مع زيادة شدة الجباة والولاة وتعسفهم ، ثورات القبط عام 107 هـ وفكر بعض دهاة العرب فى ضرب القبط الثائرين بإحلال بعض القبائل العربية فى مواطنهم ، وإتاحة بعض فرص الثراء أمام هذه القبائل العربية - وإستأذن عبدالله بن الحبحاب "متولى الخراج فى مصر" الخليفة فى السماح للعرب القيسية  بالنزول إلى الحوف الشرقى موضع ثورات القبط عام 107 هـ بعد قمع الثورة وقتل زعمائها والقبض على عدد كبير من الرجال والنساء بالطبع ، فنزل حوالى خمسمائة بيت فى البداية من عرب الشان القيسين يزرعون ويسمنون الخيول للتجارة فيها ، ثم توالت أعداد العرب القادمين بعد ما لاحظ أقربائهم مدى الثراء العائد على العرب القيسية من ذلك

وبإستيطان أعداد كبيرة من العرب لمصر وإحلالهم محل الأقباط بدأ نوع من ألإحتكاك بين فلاحى القبط الرازحين تحت عبئ زيادة الجزية والخراج ومزارعى العرب الحاصلين على إمتياز إحتكار المنطقة بأمر الخليفة .

وإحلال العرب ولغتهم فى تلك المناطق خلق خليطاً من اللغات المستخدمة ، ليست بالعربية الفصحى التى يستخدمها العرب الأقحاح ، وإنما هجين لغوى جديد خاص بمصر ، ولكن من سوء حظها أنها لم ترزق بعالم لغوى مثل الجاحظ يهتم بتسجيل لغة لاعامة من مختلف الطبقات مما يترك ثروة من التشكيلات اللغوية الناتجة عن إختلاط وتهجين اللغتين العربية والقبطية.

وقد حاول بعض اللغويين رد الكلمات المصرية - الشائعة الإستخدام إلى أصول اللغة العربية كما فى ( القول المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغات العرب) لأبى السرور الصديق الشافعى (1087هـ) و( رفع ألإصرار عن كلام أهل مصر) الذى يعرض فيه صاحبه لما دخل اللغة العربية من لغة أهل مصر ، ويحاول أن يرد بعض الكلمات إلى ألأصول العربية .

وقد صمدت الكثير من المفردات المصرية حتى العصر الحديث بعد مرور حوالى أربعة عشر قرناً ويزيد يرصدها مراد كامل فى كتاب "حضارة مصر القبطية" لتشمل أسماء وأفعال وتعبيرات كاملة [الكلمات القبطية التى دخلت العربية من أسماء المسميات : برسيم - أردب - يم - أم قويق - حلق - تكبي - بقوطى - كعك - قلة - كحه لقمة - لبشة - ماجور - تمساح - نبوت - مقطف - ننوس - نونو - بصارة - قاق - مشنة - مسلة - سمان - طورية - ذهبية - طورية - تندة - سنط - شرش - شونة - شوطة - شوربة - خن - رمان - شوشة - شبورة - بلح ]  (4) 

وفى لغة الأطفال كلمات قبطية مثل : تاتا أى يمشى - أمبو أى ماء - واوا أى شئ يؤلم مثل ورم أو جرح - بيبه أى برغوث - ومنها أفعال مثل شأشأ - فرفر- هلوس - لكلك - نكت - نط - فتفت - دمس - دفن - شلشل شن - بشبش - هوس بمعنى تسبيح  كذلك تعبيرات لأمثلة أو رموز لمعانى : لقلاق - وجب أى حانت الساعة والوقت - الكاس أى الألم - وتوت للحاوى أى إجتمع ، وليلى بمعنى أفراح - بح - كانى مانى - - لمزيد من الفاصيل : أنظر مراد كامل : حضارة مصر القبطية ] وهذه الكلمات ما زالت تعيش وتتألق حياة على لسان المصريين حتى هذا العصر ، وهذه الكلمات هى مجرد مثال لغيرها من آلاف الكلمات التى صارعت الموت عبر قرون طويلة بعد أن أندثرت كلمات أخرى من لغة قدماء المصريين

وقد ظلت اللغة القبطية صامدة خصوصاً فى الريف خلال القرون ألأربعة الأولى للفتح / الغزو العربى الإسلامى ويذكر المقريزى أن بعض نساء القبط فى الصعيد ) لا يتحدثن إلا بالقبطية الصعيدية حتى الزمن الذى عاش فيه المقريزى نفسه (القرن الخامس عشر الميلادى / التاسع الهجرى)

ويؤكد ماسبرو ( أن بعض سكان الصعيد بمصر كانوا يتكلمون ويكتبون باللغة القبطية حتى السنين ألأولى من القرن 16 فى أوائل حكم الأتراك ) أما ابو صالح الأرمنى فيذكر فى الكتاب المنسوب إليه "الكنائس والأديرة فى مصر " ( أن نصارى إسنا حن كانوا يحضرون الحفلات وأفراح المسلمين كانوا يطوفون فى الطرقات والميادين أمام العريس وهم يهتفون بعبارات قبطية صعيدية) .

ويستنتج سليمان نسيم من كل ذلك أن نهاية القرن السابع عشر شهدت إختفاء اللغة القبطية كلغة حديث وذلك فى الصعيد ألأعلى - أقوى المراكز القبطية - ويقارن بعد ذلك بين شواهد زوالها وشواهد إزدهارها الأول فيقول : (أنه  لما قاربت اللغة القبطية على الزوال كتبها القباط بحروف عربية ، بل لقد كثر إستخدام هذه الطريقة بدليل وجود نسخ كثيرة بالمتحف القبطى كالإبصلمودية الكيهكية "مخطوطة 441" وكان هذا على العكس تماماً من موقف القبط ، حين بدأوا يتكلمون العربية فى أوائل القرن الثامن أى قبل ذلك بعشرة قرون بحروف قبطية )

ومنذ القرن الثامن الميلادى حتى القرن الثانةى عشر ظلت عوامل الضعف  تدب على غستخدام اللغة القبطية بفعل إنتشار اللغة العربية بين المصريين رويدا رويداً حتى رأى البابا غبريال بن بتريك (131 هـ 1146 م) أن القبط يتكلمون اللغة العربية وخاصة فى المدن ومراكز المديريات فأصدر أمره بقراءة الإنجيل والخطب الكنسية وغيرها باللغة العربية فى الكنائس ، وذلك بعد تلاوتها باللغة القبطية ، وشعر خلفاؤه بخطورة هذا المبدأ لكنهم إلتزموا به ) [سليمان نسيم : تاريخ التربية القبطية ص 97]

ثم إختفت اللغة القبطية من المدن وظلت فى قرى الصعيد البعيدة حتى القرن الخامس عشر / السادس عشر كما رأينا من قبل أما المدن والقرى القريبة وخصوصاً قرى الوجه البحرى فقد شهدت تغيرات أوسع بعد سلسلة القمع الدموى للأقباط الثائرين منذ عام 107 هـ وحتى 226 هـ بالإضافة إلى إنكسار خط العزلة العربى الذى كان العرب يطوقون به أنفسهم ، فبدأوا يتخذون أماكن المرتبعات أماكن دائمة للإقامة ، وينتشرون فى القرى خلال القرن الثانى الهجرى ، وهجرة قيس الكبرى عام 109 هـ وإتخاذها قرى الشرقية موطنا دائماً مع التمتع بإمتيازات عالية التى خصهم بها إبن الحبحاب فكان ألف من القيسية من الولاء لخلفاء بنى امية إلى الولاء للخلافة العباسية الناشئة ، وحالفوا لاقبائل اليمنية الموجودة بالحوف الشرقى ضد مظالم الولاة ونهمهم فى جمع الخراج دون تفرق بين الأقباط الزارعين لها أيضاً ، ثم دخلت قبيلة تميم مصر مع العباسييين عام 132 هـ وكان كل والى جديد يأتى من الشرق يحضر معه أهله وقبيلته وحلفاؤه ومواليه ، أما قبيلة ربيعة فجاءت فى خلافة المتوكل عام 24 هـ بعد مذبحة المأمون للأقباط عام 126 هـ بالإضافى للقبائل الأخرى التى فضلت ( إتخاذ مرتبعاتهت منازل وألإقامة فيها بصفة مستمرة بعد أن تركت الفسطاط نهائياً مثل مدلج ومن حالفهم من حمير وذيجان الذين إستقرا فى خربتا ومثل حشين وطائفة من لخم وجزام نزلوا أكتاف صان وأبليل وطرابية من الحوف الشرقى .

وإختلط تاريخ هذه القبائل منذ ذلك الوقت وأصبح لهم أسم واحد يجمعهم هو أهل الحوف وكونوا بتحالفهم ذلك قوة هائلة قاومت الدولة مقاومة عنيفة فى عدد كبير من المعارك المريرة التى نشبت لأسباب تعود فى معظمها إلى سوء معاملة الولاة وجشعهم فى أخذ الخراج وخيانة الموظفين وهذا يبدوا واضحاً عند النظر فى ثورات أهل الحوف فى ألأعوام 168/ 172 / - 173/ 178 / 179 - 180 / 186 / 190 / 194 / 198 / 209 / 214 / 215 / 216 / - 217 / 253 هـ ولا عجب فى هذا ، فقد كانوا بإعتمادهم على الزراعة وإهتمامهم بها يمثلون مصلحة طبقة المزارعين فى مصر ، بل لقد إنتهى بهم الأمر إلى أن إشتركوا مع القبط فى ثورة أسفل الأرض (126/ 127)   التى كانت ثورة المصريين عامة ، بل والفلاحين بالذات والتى قام بقمعها جيش الخليفة المأمون ) [عبدالله خورشيد البرى : القبائل العربية فى مصر فى القرون الثلاثة الأولى ص58]     

فهل كانت نتيجة  ذلك التجاور المكانى بين العرب اليمنية والقيسية وبين قبط الحوف الشرقى ظهور حالة التداخل والإنصهار ... أم ظلت الفوارق الواسعة قائمة بين الطرفين ؟ يمكننا الحديث عن بداية التداخل وإن كان على إستحياء حيث ظلت العنجهية القبلية تطل برأسها وتحول دون إنصهار كامل بين العرب والقبط حتى ذلك التاريخ 126 هـ

لقد اخذ العرب فى نكاح السرارى وملكات اليمين من العبيد من نساء القبط دون أن يسمحوا ببناتهم ونسائهم من الزواج بالرجال الأقباط وشاع بين العرب المثل القائل (ياخدها التمساح ولا يأخذها الفلاح) بمعنى أن العربى يفضل أن تهلك أبنته أو أخته أو قريبته وتمت دون أن تتزوج من قبطى سواء أكان فلاحاً أم غيره ، ونلاحظ أن حركة التزاوج والتناسل بين الطرفين - فى العموم - ذات إتجاه أحادى يبتلع النساء المصريات فى المجرى العربى الذى كان الرجال فيه يتزوجون من عدة زوجات ويستمتعون بأى عدد شاءوا من الجوارى والإماء .

وألأقباط التى تدفعم كثرة الجزية وغيرها وشدة الجباة والولاة وحرمانهم من الإمتيازات التى كان يتمتع بها العرب بالإضافة إلى القيود المفروضة على ممارسة طقوسهم الدينية بحرية( فلا يرتفع ناقوس أو تعلو ترانيم) وأصبحت الكنيسة فى كثير من الأحوال عاجزة عن الدفاع عن نفسها فضلاً عن الدفاع عن رعاياها من الشعب القبطى أمام تقلبات مزاج الولاة وعسف جنودهم [ ستجد بعد ذلك أمثلة قاسية مثلما حدث حينما امر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى بمنع الحديث باللغة القبطية فى البيوت والطرق ومعاقبة كل من يتحدث بها بقطع لسانه ، فإضطر القبط وضع الستائر على أجنحة الهياكل وقت صلاة القداس وإجراء الخدمة الإلهية سراً خوفاً من الحكام الذين كانوا إذا سمعوا الصلاة بهذه هجموا على الكنائس وفتكوا بمن فيها بلا رحمة (لمزيد من التفاصيل : أنظر المقريزى المواعظ وألإعتبار - الجزء الأول ص80)]    

********************

المراجع

(1) لم يكن موجود هذا العدد من الرهبان فى هذا الوقت فى الوجه البحرى ولم يكونوا يلبسون السواد ويعتقد أنهم كانوا يلبسون ملابس مصبوغة باللون البنى فقد لبس الكهنة الأقباط السواد (اللون الأسود ) بعد العصر العباسى

(2) أرجعت الكاتبة سناء المصرى نشأة الرهبنة وتطورها إلى قسوة الحياة وشظف العيش والهروب من الحياة والإضطهاد ولكن أول من أنشأ الرهبنة النبا أنطونيوس كان من أغنى الأغنياء وكان من الذين ترهبنوا الأمراء والمعلمين مثل أرسانيوس معلم أولاد الملوك وغيرهم من علية القوم أما عن الإضطهاد فقد كان الرهبان يذهبون ليقدموا حياتهم ويستشهدون على إسم المسيح          

(3) راجع ايضاً (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة المؤلف : السيوطي) وفى قول آخر أن الذى قال هذا الجزء هو محمد رسول الإسلام : (وحدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض فقال له أبو بكر ولم يا رسول الله قال لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة
فاحمدوا الله معشر الناس على ما أولاكم فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم فإذا يبس العود وسخن العمود وكثر الذباب وحمض اللبن وصوح البقل وانقطع الورد من الشجر فحي على فسطاطكم على بركة الله ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته أقول قولي هذا وأستحفظ الله عليكم
قال فحفظت ذلك عنه فقال والدي بعد انصرافنا إلى المنزل لما حكيت له خطبته إنه يا بني يحدو الناس إذا انصرفوا إليه على الرباط كما حداهم على الريف والدعة

(4) لم تكن مصر وحدها التى إختلطت فيها اللغة العربية باللغة المحلية بل حدث أيضاً فى أمصار أفريقية والمغرب والاندلس والمشرق  وكتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» يفسر ما حدث من إختلاط العربية باللغات المحلية فقال " أما أفريقية ومنها مصر والمغرب فغلبت العجمة فيها على اللسان العربي الذي كان لهم وصارت لغة أخرى ممتزجة والعجمة فيها أغلب لما ذكرناه فهي عن اللسان الاول أبعد وكذا المشرق لما غلب العرب على أممه من فارس والترك فخالطوهم وتداولت بينهم لغاتهم في الاكرة والفلاحين والسبي الذين اتخذوهم خولا ودايات وأظآرا ومراضع ففسدت لغتهم بفساد الملكة حتى انقلبت لغة أخرى"

This site was last updated 10/08/11