Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة سبع وخمسمائة سنة ثمان وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة487 وسنة488
سنة489 وسنة490
سنة491 وسنة 492
سنة493
سنة494
سنة485
سنة496 وسنة497 وسنة498
سنة499
سنة500 وسنة501
سنة502
سنة503 وسنة504
سنة505 وسنة506
سنة507 وسنة508
سنة509 وسنة510
سنة511 وسنة512

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة سبع وخمسمائة
ذكر قتال الفرنج وانهزامهم وقتل مودود

في هذه السنة، في المحرم، اجتمع المسلمون، وفيهم الأمير مودود بن التونتكين، صاحب الموصل، وتميرك، صاحب سنجار، والأمير إياز بن إيلغازي، وطغتكين، صاحب دمشق.
وكان سبب اجتماع المسلمين أن ملك الفرنج بغدوين تابع الغارات على بلد دمشق، ونهبه، وخربه، أواخر سنة ست وخمسمائة، وانقطعت المواد عن دمشق، فغلت الأسعار فيها، وقلت الأقوات، فأرسل طغتكين صاحبها إلى الأمير مودود يشرح له الحال، ويستنجده، ويحثه على سرعة الوصول إليه، فجمع عسكراً، وسار فعبر الفرات آخر ذي القعدة سنة ست وخمسمائة، فخافه الفرنج.
وسمع طغتكين خبره، فسار إليه، ولقيه بسلمية، واتفق رأيهم على قصد بغدوين، ملك القدس، فساروا إلى الأردن، فنزل المسلمون عند الأقحوانة، ونزل الفرنج مع ملكهم بغدوين وجوسلين، صاحب جيشهم، وغيرهما من المقدمين، والفرسان المشهورين، ودخلوا بلاد الفرنج مع مودود، وجمع الفرنج، فالتقوا عند طبرية ثالث عشر المحرم، واشتد القتال، وصبر الفريقان، ثم إن الفرنج انهزموا، وكثر القتل فيهم والأسر، وممن أسر ملكهم بغدوين، فلم يعرف، فأخذ سلاحه وأطلق فنجا، وغرق منهم في بحيرة طبرية ونهر الأردن كثير، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم، ووصل الفرنج إلى مضيق دون طبرية، فلقيهم عسكر طرابلس وأنطاكية، فقويت نفوسهم بهم، وعاودوا الحرب، فأحاط بهم المسلمون من كل ناحية، وصعد الفرنج إلى جبل غرب طبرية، فأقاموا به ستة وعشرين يوماً، والمسلمون بإزائهم يرمونهم بالنشاب فيصيبون من يقرب منهم، ومنعوا الميرة عنهم لعلهم يخرجون إلى قتالهم، فلم يخرج منهم أحد، فسار المسلمون إلى بيسان، ونهبوا بلاد الفرنج بين عكا إلى القدس، وخربوها، وقتلوا من ظفروا به من النصارى، وانقطعت المادة عنهم لبعدهم عن بلادهم، فعادوا ونزلوا بمرج الصفر.(4/431)
وأذن الأمير مودود للعساكر في العود والاستراحة، ثم الاجتماع في الربيع لمعاودة الغزاة، وبقي في خواصه ودخل دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول ليقيم عند طغتكين إلى الربيع. فدخل الجامع يوم الجمعة في ربيع الأول، ليصلي فيه وطغتكين، فلما فرغوا من الصلاة، وخرج إلى صحن الجامع، ويده في يد طغتكين، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربح جراحات وقتل الباطني، وأخذ رأسه، فلم يعرفه أحد، فأحرق.
وكان صائماً، فحمل إلى دار طغتكين، واجتهد به ليفطر، فلم يفعل، وقال: لا لقيت الله إلا صائماً، فمات من يومه، رحمه الله، فقيل إن الباطنية بالشام خافوه وقتلوه، وقيل بل خافه طغتكين فوضع عليه من قتله.
وكان خيراً، عادلاً، كثير الخير، حدثني والدي قال: كتب ملك الفرنج إلى طغتكين، بعد قتل مودود، كتاباً من فصوله: أن أمّة قتلت عميدها. يوم عيدها. في بيت معبودها. لحقيق على الله أن يبيدها.
ولما قتل تسلم تميرك، صاحب سنجار، ما معه من الخزائن والسلاح وحملها إلى السلطان، ودفن مودود بدمشق في تربة دقاق صاحبها، وحمل بعد ذلك إلى بغداد، فدفن في جوار أبي حنيفة، ثم حمل إلى أصبهان.
ذكر الخلف بين السلطان سنجر ومحمد والصلح بينهما
في هذه السنة كثر الحديث عند سنجر: أن محمد خان بن سليمان بن داود قد مد يده إلى أموال الرعايا، وظلمهم ظلما كثيراً، وأنه خرب البلاد بظلمه وشره، وأنه قد صار يستخف بأوامر سنجر، ولا يلتفت إلى شيء منها، فتجهز سنجر وجمع عساكره وسار يريد قصده بما وراء النهر، فخاف محمد خان، فأرسل إلى الأمير قماج، وهو أكبر أمير مع سنجر، يسأله أن يصلح الحال بينه وبين سنجر، وأرسل أيضاً إلى خوارزمشاه بمثل ذلك، وسألهما في إرضاء السلطان عنه، واعترف بأنه أخطأ، فأجاب سنجر إلى صلحه على شرط أن يحضر عنده ويطأ بساطه، فأرسل محمد خان يذكر خوفه لسء صنيعه، ولكنه يحضر الخدمة، ويخدم السلطان، وبينهما نهر جيحون، ثم يعاود بعد ذلك الحضور عنده، والدخول إليه، فحسنوا الإجابة إلى ذلك، والاشتغال بغيره، فامتنع، ثم أجاب.
وكان سنجر على شاطيء جيحون من الجانب الغربي، وجاء محمد خان إلى الجانب الشرقي، فترجل وقبل الأرض وسنجر راكب، وعاد كل واحد منهما إلى خيامه، ورجعوا إلى بلادهم، وسكنت الفتنة بينهما.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة سار قفل عظيم من دمشق إلى مصر، فأتى الخبر إلى بغدوين ملك الفرنج، فسار إليه، وعارضه في البر، فأخذهم أجمعين، ولم ينج منهم إلا القليل، ومن سلم أخذه العرب.
وفي هذه السنة توفي الوزير أبو القاسم علي بن محمد بن جهير، وزير الخليفة المستظهر بالله، ووزر بعده الربيب أبو منصور ابن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير السلطان.
وفيها توفي الملك رضوان بن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان، صاحب حلب، وقام بعده بحلب ابنه ألب أرسلان الأخرس، وعمره ست عشرة سنة، وكانت أمور رضوان غير محمودة: قتل أخويه أبا طالب وبهرام، وكان يستعين بالباطنية في كثير من أموره لقلة دينه، ولما ملك الأخرس استولى على الأمور لؤلؤ الخادم، ولم يكن للأخرس معه إلا اسم السلطنة، ومعناه للؤلؤ، ولم يكن ألب أرسلان أخرس، وإنما في لسانه حبسة وتمتمة، وأمه بنت باغي سيان الذي كان صاحب أنطاكية، وقتل الأخرس أخوين له أحدهما اسمه ملكشاه، وهو من أبيه وأمه، واسم الآخر مباركشاه، وهو من أبيه، وكان أبوه فعل مثله، فلما توفي قتل ولداه، مكافأة لما اعتمده مع أخويه.
وكان الباطنية قد كثروا بحلب في أيامه، حتى خافهم ابن بديع رئيسها، وأعيان أهلها، فلما توفي قال ابن بديع لألب أرسلان في قتلهم والإيقاع بهم، فأمره بذلك، فقبض على مقدمهم أبي طاهر الصائغ، وعلى جميع أصحابه، فقتل أبا طاهر وجماعة من أعيانهم، وأخذ أموال الباقين وأطلقهم، فمنهم من قصد الفرنج، وتفرقوا في البلاد.
وفي هذه السنة توفي ببغداد أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني الزاهد، منتصف جمادى الأولى، روى الحديث عن القاضي أبي الطيب الطبري، وأبي محمد الجوهري، وأبي طالب العشاري وغيرهم، وروى عنه خلق كثير، ومن آخرهم أبو الفضل عبد الله بن الطوسي، خطيب الموصل.(4/432)
وإسماعيل بن أحمد بن الحسين بن علي أبو علي بن أبي بكر البيهقي الإمام ابن الإمام، ومولده سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وتوفي بمدينة بيهق، ولوالده تصانيف كثيرة مشهورة.
وشجاع بن أبي شجاع فارس بن الحسين بن فارس أبو غالب الذهلي الحافظ، ومولده سنة ثلاثين وأربعمائة، وروى عن أبيه، وأبي القاسم، وابن المهتدي والجوهري وغيرهم.
والأديب أبو المظفر محمد بن أحمد بن محمد الأبيوردي الشاعر المشهور، وله ديوان حسن، ومن شعره:
تنكر لي دهري، ولم يدر أنني ... أعز، وأحداث الزمان تهون
وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبت أريه الصبر كيف يكون
وله أيضاً:
ركبت طرفي، فأذرى دمعه أسفاً ... عند انصرافي منهم، مضمر الياس
وقال: حتام تؤذيني، فإن سنحت ... حوائج لك، فاركبني إلى الناس
وكانت وفاته بأصبهان، وهو ولد عنبسة بن أبي سفيان بن حرب الأموي.
وتوفي أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي، الإمام الفقيه الشافعي، في شوال، مولده سنة سبع وعشرين وأربعمائة، سمع أبا بكر الخطيب، وأبا يعلى بن الفراء، وغيرهما، وتفقه على أبي عبد الله محمد بن الكازروني بديار بكر، وعلى أبي إسحاق الشيرازي ببغداد، وعلى أبي نصر بن الصباغ.
وفيها توفي أبو نصر المؤتمن بن أحمد بن الحسن الساجي، الحافظ المقدسي، ومولده سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وكان مكثراً من الحديث، وتفقه على أبي سحاق، وكان ثقة.


ثم دخلت سنة ثمان وخمسمائة
ذكر مسير آقسنقر البرسقي إلى الشام لحرب الفرنج

في هذه السنة سير السلطان محمد الأمير آقسنقر البرسقي إلى الموصل وأعمالها، والياً عليها، لما بلغه قتل مودود، وسير معه ولده الملك مسعوداً في جيش كثيف، وأمره بقتال الفرنج، وكتب إلى سائر الأمراء بطاعته، فوصل إلى الموصل، واتصلت به عساكرها، وفيهم عماد الدين زنكي بن آقسنقر، الذي ملك هو وأولاده الموصل بعد ذلك، وكان له الشجاعة في الغاية.
واتصل به أيضاً تميرك صاحب سنجار وغيرهما، فسار البرسقي إلى جزيرة ابن عمر، فسلمها إليه نائب مودود بها، وسار معه إلى ماردين، فنازلها البرسقي، حتى أذعن له إيلغازي صاحبها، وسير معه عسكراً مع ولده إياز، فسار عنه البرسقي إلى الرها في خمسة عشر ألف فارس، فنازلها في ذي الحجة، وقاتلها، وصبر له الفرنج، وأصابوا من بعض المسلمين غرة، فأخذوا منهم تسعة رجال وصلبوهم على سورها، فاشتد القتال حينئذ، وحمي المسلمون، وقاتلوا، فقتلوا من الفرنج خمسين فارساً من أعيانهم، وأقام عليها شهرين وأياماً.
وضاقت الميرة على المسلمين، فرحلوا من الرها إلى سميساط، بعد أن خربوا بلد الرها وبلد سروج وبلد سميساط وأطاعه صاحب مرعش على ما نذكره، ثم عاد إلى شحنان، فقبض على إياز بن إيلغازي، حيث لم يحضر أبوه، ونهب سواد ماردين.
ذكر طاعة صاحب مرعش وغيرها البرسقي
في هذه السنة توفي بعض كنود الفرنج، ويعرف بكواسيل، وهو صاحب مرعش، وكيسوم، ورعبان وغيرها، فاستولت زوجته على المملكة، وتحصنت من الفرنج، وأحسنت إلى الأجناد، وراسلت آقسنقر البرسقي، وهو على الرها، واستدعت منه بعض أصحابه لتطيعه، فسير إليها الأمير سنقرجة دزدار، صاحب الخابور، فلما وصل إليها أكرمته، وحملت إليه مالاً كثيراً.
وبينما هو عندها إذ جاء جمع من الفرنج، فواقعوا أصحابه، وهم نحو مائة فارس، واقتتلوا قتالاً شديداً ظفر فيه المسلمون بالفرنج، وقتلوا منهم أكثرهم، وعاد سنقرجة دزدار، وقد أصحبته الهدايا للملك مسعود والبرسقي، وأذعنت بالطاعة، ولما عرف الفرنج ذلك عاد كثير ممن عندها إلى أنطاكية.
ذكر الحرب بين البرسقي وإيلغازي وأسر إيلغازي
لما قبض البرسقي على إياز بن إيلغازي سار إلى حصن كيفا، وصاحبها الأمير ركن الدولة داود ابن أخيه سقمان، فاستنجده، فسار معه في عسكره وأحضر خلقاً كثيراً من التركمان، وسار إلى البرسقي، فلقيه، أواخر السنة، واقتتلوا قتالاً شديداً صبروا فيه، فانهزم البرسقي وعسكره، وخلص إياز بن إيلغازي من الأسر، فأرسل السلطان إليه يتهدده، فخافه، وسار إلى الشام إلى حميه طغتكين، صاحب دمشق، فأقام عنده أياماً.(4/433)
وكان طغتكين أيضاً قد استوحش من السلطان لأنه نسب إليه قتل مودود، فاتفقا على الامتناع، والالتجاء إلى الفرنج، والاحتماء بهم، فراسلا صاحب أنطاكية، وحالفاه، فحضر عندهما على بحيرة قدَس، عند حمص، وجددوا العهود، وعاد إلى أنطاكية، وعاد طغتكين إلى دمشق، وسار إيلغازي إلى الرستن على عزم قصد ديار بكر، وجمع التركمان والعود، فنزل بالرستن ليستريح، فقصده الأمير قرجان بن قراجة، صاحب حمص، وقد تفرق عن إيلغازي أصحابه، فظفر به قرجان وأسره ومعه جماعة من خواصه، وأرسل إلى السلطان يعرفه ذلك، ويسأله تعجيل إنفاذ العساكر لئلا يغلبه طغتكين على إيلغازي.
ولم بلغ طغتكين الخبر عاد إلى حمص، وأرسل في إطلاقه، فامتنع قرجان، وحلف: إن لم يعد طغتكين لنقتلن إيلغازي، فأرسل إيلغازي إلى طغتكين: إن الملاجة تؤذيني، وتسفك دمي، والمصلحة عودك إلى دمشق. فعاد.
وانتظر قرجان وصول العساكر السلطانية، فتأخرت عنه، فخاف أن ينخدع أصحابه لطغتكين، ويسلموا إليه حمص، فعدل إلى الصلح مع إيلغازي على أن يطلقه، ويأخذ ابنه إياز رهينة، ويصاهره، ويمنعه من طغتكين وغيره، فأجابه إلى ذلك، فأطلقه، وتحالفا، وسلم إليه ابنه إياز، وسار عن حمص إلى حلب، وجمع التركمان، وعاد إلى حمص، وطالب بولده إياز، وحصر قرجان إلى أن وصلت العساكر السلطانية، فعاد إيلغازي على ما نذكره.
ذكر وفاة علاء الدولة بن سبكتكين وملك ابنه وما كان منه مع السلطان سنجر
في هذه السنة، في شوال، توفي الملك علاء الدولة أبو سعد مسعود بن أبي المظفر إبراهيم بن أبي سعد مسعود بن محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة، بها، وملك بعده ابنه أرسلانشاه، وأمه سلجوقية، وهي أخت السلطان ألب أرسلان بن داود، فقبض على إخوته وسجنهم، وهرب أخ له اسمه بهرام إلى خراسان، فوصل إلى السلطان سنجر بن ملكشاه، فأرسل إلى أرسلانشاه في معناه، فلم يسمع منه، ولا أصغى إلى قوله، فتجهز سنجر للمسير إلى غزنة، وإقامة بهرامشاه في الملك.
فأرسل أرسلانشاه إلى السلطان محمد يشكو من أخيه سنجر، فأرسل السلطان إلى أخيه سنجر يأمره بمصالحة أرسلانشاه، وترك التعرض له، وقال للرسول: إن رأيت أخي وقد قصدهم، وسار نحوهم، أو قارب أن يسير، فلا تمنعه، ولا تبلغه الرسالة، فإن ذلك يفت في عضده ويوهنه، ولا يعود، ولأن يملك أخي الدنيا أحب إلي. فوصل الرسول إلى سنجر، وقد جهز العساكر إلى غزنة، وجعل على مقدمته الأمير أنر، متقدم عسكره، ومعه الملك بهرامشاه، فساروا حتى بلغوا بست، واتصل بهم فيها أبو الفضل نصر بن خلف، صاحب سجستان.
وسمع أرسلانشاه الخبر، فسير جيشاً كثيفاً، فهزماه، ونهباه، وعاد من سلم إلى غزنة على أسوأ حال، فخضع حينئذ أرسلانشاه وأرسل إلى الأمير أنر يضمن له الأموال الكثيرة ليعود عنه، ويحسن للملك سنجر العود عنه، فلم يفعل.
وتجهز السلطان سنجر، بعد أنر، للمسير بنفسه، فأرسل إليه أرسلانشاه امرأة عمه نصر تسأله الصفح والعود عن قصده، وهي أخت الملك سنجر من السلطان بركيارق، وكان علاء الدولة أبو سعد قد قتل زوجها، ومنعها من الخروج عن غزنة وتزوجها، فسيرها الآن أرسلانشاه، فلما وصلت إلى أخيه أوصلت ما معها من الأموال والهدايا، وكان معها مائتا ألف دينار، وغير ذلك، وطلب من سنجر أن يسلم أخاه بهرام إليه.(4/434)
وكانت موغرة الصدر من أرسلانشاه، فهونت أمره على سنجر، وأطمعته في البلاد، وسهلت الأمر عليه، وذكرت له ما فعل بإخوته، وكان قتل بعضاً وكحل بعضاً من غير خروج منهم عن الطاعة. فسار الملك سنجر، فلما وصل إلى بست أرسل خادماً من خواصه إلى أرسلانشاه في رسالة، فقبض عليه في بعض القلاع، فسار حينئذ سنجر مجداً، فلما سمع بقربه منه أطلق الرسول، ووصل سنجر إلى غزنة، ووقع بينهما المصاف على فرسخ من غزنة، بصحراء شهراباذ، وكان أرسلانشاه في ثلاثين ألف فارس، وخلق كثير من الرجالة، ومعه مائة وعشرون فيلاً، على كل فيل أربعة نفر، فحملت الفيلة على القلب، وفيه سنجر، فكان من فيه ينهزمون، فقال سنجر لغلمانه الأتراك ليرموها بالنشاب، فتقدم ثلاثة آلاف غلام، فرموا الفيلة رشقاً واحداً جميعاً، فقتلوا منها عدة، فعدلت الفيلة عن القلب إلى الميسرة، وبها أبو الفضل صاحب سجستان، وجالت عليهم، فضعف من في الميسرة، فشجعهم أبو الفضل، وخوفهم من الهزيمة مع بعد ديارهم، وترجل عن فرسه بنفسه، وقصد كبير الفيلة ومتقدمها، ودخل تحتها فشق بطنها، وقتل فيلين آخرين.
ورأى الأمير أنر، وهو في الميمنة، ما في الميسرة من الحرب، فخاف عليها، فحمل من وراء عسكر غزنة، وقصد الميسرة، واختلط بهم، وأعانهم، فكانت الهزيمة على الغزنوية، وكان ركاب الفيلة قد شدوا أنفسهم عليها بالسلاسل، فلما عضتهم الحرب، وعمل فيهم السيف، ألقوا أنفسهم، فبقوا معلقين عليها.
ودخل السلطان سنجر غزنة في العشرين من شوال سنة عشر وخمسمائة، ومعه بهرامشاه. فأما القلعة الكبيرة المشتملة على الأموال، وبينها وبين البلد تسعة فراسخ، وهي عظيمة، فلا مطمع فيها، ولا طريق عليها.
وكان أرسلانشاه قد سجن فيها أخاه طاهراً الخازن، وهو صاحب بهرامشاه، واعتقل بها أيضاً زوجة بهرامشاه، فلما انهزم أرسلانشاه استمال أخوه طاهر المستحفظ بها، فبذل له وللأجناد الزيادات، فسلموا القلعة إلى الملك سنجر.
وأما قلعة البلد فإن أرسلانشاه كان اعتقل بها رسول سنجر، فلما أطلقه بقي غلمانه بها، فسلموا القلعة أيضاً بغير قتال.
وكان قد تقرر بين بهرامشاه وبين سنجر أن يجلس بهرام على سرير جده محمود بن سبكتكين وحده، وأن تكون الخطبة بغزنة للخليفة، وللسلطان محمد، وللملك سنجر، وبعدهم لبهرامشاه. فلما دخلوا غزنة كان سنجر راكباً، وبهرامشاه بين يديه راجلاً، حتى جاء السرير، فصعد بهرامشاه فجلس عليه، ورجع سنجر، وكان يخطب له بالملك، ولبهرامشاه بالسلطان، على عادة آبائه، فكان هذا من أعجب ما يسمع به.
وحصل لأصحاب سنجر من الأموال ما لا يحد ولا يحصى من السلطان والرعايا، وكان في دور لملوكها عدة دور على حيطانها ألواح الفضة، وسواقي المياه إلى البساتين من الفضة أيضاً، فقلع من ذلك أكثره، ونهب، فلما سمع سنجر ما يفعل منه عنه بجهده، وصلب جماعة حتى كف الناس.
وفي جملة ما حصل للملك سنجر خمسة تيجان قيمة أحدها تزيد على ألفي ألف دينار، وألف وثلاثمائة قطعة مصاغة مرصعة، وسبعة عشر سريراً من الذهب والفضة. وأقام بغزنة أربعين يوماً، حتى استقر بهرامشاه، وعاد نحو خراسان، ولم يخطب بغزنة لسلجوقي قبل هذا الوقت، حتى إن السلطان ملكشاه مع تمكنه وكثرة ملكه لم يطمع فيه، وكان كلما رام ذلك منع منه نظام الملك.
وأما أرسلانشاه فإنه لما انهزم قصد هندوستان واجتمع عليه أصحابه، فقويت شوكته، فلما عاد سنجر إلى خراسان توجه إلى غزنة، فلما عرف بهرامشاه قصده إياه توجه إلى باميان، وأرسل إلى الملك سنجر يعلمه الحال، فأرسل إليه عسكراً.
وأقام أرسلانشاه بغزنة شهراً واحداً، وسار يطلب أخاه بهرامشاه، فبلغه وصول عسكر سنجر، فانهزم بغير قتال للخوف الذي باشر قلوب أصحابه، ولحق بجبال أوغنان، فسار أخوه بهرامشاه وعسكر سنجر في أثره، وخربوا البلاد التي هو فيها، وأرسلوا إلى أهلها يتهددونهم، فسلموه بعد المضايقة، فأخذه متقدم جيش الملك سنجر، وأراد حمله إلى صاحبه، فخاف بهرامشاه من ذلك، فبذل له مالاً، فسلمه إليه، فخنقه ودفنه بتربة أبيه بغزنة، وكان عمره سبعاً وعشرين سنة، وكان أحسن إخوته صوراً، وكان قتله في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وإنما ذكرناه هاهنا لتتصل الحادثة.
ذكر عدة حوادث (4/435)
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، كانت زلزلة شديدة بديار الجزيرة، والشام، وغيرها، فخربت كثيراً من الرها، وحزان، وسميساط، وبالس وغيرها، وهلك خلق كثير تحت الهدم.
وفيها قتل تاج الدولة ألب أرسلان بن رضوان، صاحب حلب، قتله غلمانه بقلعة حلب، وأقاموا بعده أخاه سلطان شاه بن رضوان، وكان المستولي عليه لؤلؤ الخادم.
وفيها توفي الشريف النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني، في ربيع الآخر بدمشق.

This site was last updated 07/27/11