Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وخلافة الراضي بالله

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة322 وخلافة الراضى بالله
سنة323
سنة324
سنة325 وسنة326
سنة327 وسنة328 وسنة329

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

ذكر خلافة الراضي بالله
هو أبو العبّاس أحمد بن المقتدر بالله، ولّما قُبض القاهر سألوا الخدم عن المكان الذي فيه أبو العبّاس بن المقتدر، فدلّوهم عليه، وكان هو ووالدته محبوسين، فقصدوه، وفتحوا عليه ودخلوا فسلّموا عليه بالخلافة، وأخرجوه وأجلسوه على سرير القاهر يوم الأربعاء لستّ خلون من جمادى الأولى، ولقبوه بالراضي بالله، وبايعه القوّاد والناس، وأمر بإحضار عليّ بن عيسى وأخيه عبد الرحمن، وصدر عن رأيهما فيما يفعله، واستشارهما وأراد عليَّ بن عيسى على الوزارة، فامتنع لكبره، وعجزه، وضعفه، وأشار بابن مقلة.
ثم إنّ سيما قال للراضي: إنّ الوقت لا يحتمل أخلاق عليّ، وابن مقلة أليق بالوقت؛ فكتب له أماناً وأحضره واستوزره، فلمّا وزر أحسن إلى كلّ مَن أساء إليه، وأحسن سيرته، وقال: عاهدت الله عند استتاري بذلك؛ فوفى به، وأحضر الشهود والقضاة وأرسلهم إلى القاهر ليشهدوا عليه بالخلع، فلم يفعل، فسُمل، من ليلته، فبقي أعمى لا يبصر.
وأرسل ابن مقلة إلى الخصيبيّ وعيسى المتطبب بالأمان فظهرا وأحسن إليهما واستعمل الخصيبيَّ وولاّه؛ واستعمل الراضي بالله على الشُّرطة بدراً الخَرشَنيَّ، واستعمل ابنُ مقلة أبا الفضل بن جعفر بن الفرات، في جمادى الأولى، نائباً عنه على سائر العمّال بالموصل، وقَرْدَى، وبازَبْدي، وماردين، وطور عَبدين، وديار الجزيرة، وديار بكر، وطريق الفرات، والثغور الجزريّة والشاميّة، وأجناد الشام، وديار مصر، يصرف من يرى، ويستعمل مَن يرى في الخراج، والمعاون، والنفقات، والبريد وغير ذلك.
وأرسل إلى محمّد بن رائق يستدعيه ليولّيه الحجبة، وكان قد استولى على الأهواز وأعمالها، ودفع عنها ابن ياقوت، ولم يبق بيد ابن ياقوت من تلك الولاية إلاّ السُّوس، وجُندَيسابور، وهو يريد المسير إلى أصبهان أميراً عليها، على ما ذكرناه، وكان ذلك آخر أيّام القاهر، فلمّا وليَ الراضي، واستحضره، سار إلى واسط، وأرسل محمّد بن ياقوت يخطب الحجبة، فأُجيب إليها فسار في أثر ابن رائق؛ وبلغ ابن رائق الخبر، فلم يقف، وسار من واسط مصعداً إلى بغداد يسابق ابن ياقوت، فلمّا وصل إلى المدائن لقيه توقيع الراضي يأمره بترك دخول بغداد، وتقليده الحرب، والمعاون بواسط، مضافاً إلى ما بيده من البصرة وغيرها، فعاد منحدراً في دجلة، ولقيه ابن ياقوت مصعداً فيها أيضاً، فسلّم بعضهم على بعض، وأصعد ابن ياقوت إلى بغداد فتولّى الحجبة على ما نذكره.
ذكر وفاة المهديّ صاحب إفريقية
وولاية ولده القائم

في هذه السنة، في شهر ربيع الأوّل، توفّي المهديُّ أبو محمّد عبيدالله العلويُّ بالمهديّة، واخفى ولده أبو القاسم موته سنة لتدبير كان له، وكان يخاف أن يختلف الناس عليه إذا علموا بموته، وكان عمر المهديّ لّما توفّي ثلاثاً وستّين سنة، وكانت ولايته منذ دخل رقّاده ودُعي له بالإمامة إلى أن توفّي أربعاً وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً.
ولّما توفّي ملك بعده ابنه أبو القاسم محمّد، وكان أبوه قد عهد إليه، ولّما أظهر وفاة والده كان قد تمكّن وفرغ من جميع ما أراده، واتَّبع سُنّة أبيه، وثار عليه جماعة، فتمكّن منهم؛ وكان من أشدّهم رجل يقال له ابن طالوت القرشيُّ، في ناحية طرابلس، ويزعم أنّه ولد المهديّ، فقاموا معه، وزحف إلى مدينة طرابلس، فقاتله أهلها، ثم تبينّ للبربر كذبه، فقتلوه وحملوا رأسه إلى القائم. (3/453)
جهّز القائم أيضاً جيشاً كثيفاً مع ميسور الفتى إلى المغرب، فانتهى إلى فاس، وإلى تَكرور، وهزم خارجيّاً هناك، وأخذ ولده أسيراً، وسيّر أيضاً جيشاً في البحر وقدّم عليهم رجلاً اسمه يعقوب بن إسحاق إلى بلد الروم، فسبى، وغنم في بلد جَنَوة؛ وسيّر جيشاً آخر مع خادمه زيدان، وبالغ في النفقة عليهم وتجهيزهم، إلى مصر، فدخلوا الإسكندريّة، فأخرج إليهم محمّد الإخشيد عسكراً كثيفاً، فقاتلهم، وهزموا المغاربة، وقتلوا فيهم، وأسروا، وعاد المغاربة مفلولين.
ذكر استيلاء مرداويج على الأهواز
لما بلغ مَرداويجَ استيلاء عليّ بن بويه على فارس اشتدّ ذلك عليه، فسار إلى أصبهان للتدبير على ابن بويه، فرأى أن ينفذ عسكراً إلى الأهواز ليستولي عليها، ويسدّ الطريق على عماد الدولة بن بويه إذا قصده، فلا يبقى له طريق إلى الخليفة، ويقصده هو من ناحية أصبهان، ويقصده عسكره من ناحية الأهواز، فلا يثبت لهم.
فسارت عساكر مرداويج في شهر رمضان، حتّى بلغت إيذَجَ، فخاف ياقوت أن يحصل بينهم وبين ابن بويه، فسار إلى الأهواز ومعه ابنه المظفَّر، وكتب إلى الراضي ليقلّده أعمال الأهواز، فقلّده ذلك، وصار أبو عبدالله ابن البريديّ كاتبه مضافاً إلى ما بيده من أعمال الخراج بالأهواز، وصار أخوه أبو الحسين يخالف ياقوتاً ببغداد.
ثم استولى عسكر مَرداويج على رامهرمز، أوّل شوّال من هذه السنة، وساروا نحو الأهواز، فوقف لهم ياقوت على قنطرة أرْبَقَ، فلم يمكنهم من العبور لشدة جرية الماء، فأقاموا بإزائه أربعين يوماً، ثم رحلوا فعبروا على الأطواف نهر المسرُقان، فبلغ الخبر إلى ياقوت، وقد أتاه مدد من بغداد قبل ذلك بيومَيْن، فسار بهم إلى قرية الرِّيخ، وسار منها إلى واسط، وبها حينئذ محمّد بن رائع، فأخلى له غربيَّ واسط، فنزل فيه ياقوت.
ولّما بلغ عمادَ الدولة استيلاءُ مرداويج على الأهواز كاتب نائب مرداويج يستميله، ويطلب منه أن يتوسّط الحال بينه وبين مرداويج، ففعل ذلك، وسعى فيه، فأجابه مرداويج إلى ذلك على أن يطيعه ويخطب له، فاستقرّ الحال بينهما، وأهدى له ابن بويه هدية جليلة، وأنفذ أخاه ركن الدولة رهينة، وخطب لمرداويج في بلاده، فرضي مرداويج منه، واتّفق أنّه قُتل على ما نذكره، فقوي أمر ابن بويه.
ذكر عود ياقوت إلى الأهواز
ولّما وصل ياقوت إلى واسط أقام بها إلى أن قُتل مرداويج، ومعه أبو عبد الله البريديُّ يكتب له، فلمّا قُتل مرداويج عاد ياقوت إلى الأهواز، واستولى على تلك الولاية، ولّما وصل ياقوت إلى عسكر مُكْرَم، بعد قتل مرداويج، كانت عساكر ابن بويه قد سبقته، فالتقوا بنواحي أرّجان، وكان ابن بويه قد لحق بأصحابه، واشتدّ قتالهم بين يديه، فانهزم ياقوت، ولم يفلح بعدها.
وراسل أبو عبدالله البريديُّ ابنَ بُوَيه في الصلح، فأجاب إلى ذلك، وكتب به إلى الراضي، فأجاب إلى ذلك، وقرّر بلاد فارس على ابن بُوَيه، واستقرّ بشِيراز، واستقرّ ياقوت بالأهواز ومعه ابن البريديّ.
وكان محمّد بن ياقوت قد سَار إلى بغداد وتولّى الحجبة، وخلع الراضي عليه، وتولّى مع الحجبة رئاسة الجيش، وأدخل يده في أمر الدواوين، وتقدّم إليهم بأن لا يقبلوا توقيعاً بولاية ولا عزْل وإطلاق إلاّ إذا كان خطّه عليه، وأمرهم بحضور مجلسه، فصبر أبو عليّ بن مقلة على ذلك، وألزم نفسه بالمصير إلى دار ابن ياقوت، في بعض الأوقات، وبقي كالمتعطّل.
ولقد كان في هذه الأيّام القليلة حوادث عظيمة منها: انصراف وشمكير أخي مرداويج عن أصبهان بكتاب القاهر، بعد أن ملكها، واستعمال القاهر محمّد بن ياقوت عليها، وخلع القاهر، وخلافة الراضي، وأمر الحجبة لمحمّد ابن رائق، ثم انفساخه، ومسير محمّد بن ياقوت من رامَهُرْمُز إلى بغداد، وولايته الحجبة، بعد أن كان سائراً إلى أصبهان ليتولاّها، وإعادة مرداويج أخاه وشمكير إليها؛ وملك عليُّ بن بويه أرّجان؛ هذا جميعه في هذه اللحظة القريبة في سبعين يوماً، فتبارك الله الذي بيده الملك والملكوت يُصرِّف الأمور كيف يشاء، لا أله إلاّ هو.
ذكر قتل هارون بن غريب (3/454)
في هذه السنة قُتل هارون بن غريب، وكان سبب قتله أنّه كان، كما ذكرنا، قد استعمله القاهر على ماه الكوفة، وقصبتها الدِّينَور، وعلى ماسَبذان وغيرها، فلمّا خُلع القاهر واستُخلف الراضي رأى هارون أنّه أحقّ بالدولة من غيره لقرابته من الراضي، حيث هو ابن خال المقتدر، فكاتب القوّاد ببغداد يعدهم الإحسان والزيادة في الأرزاق، ثمّ سار من الدِّينَور إلى خانِقين، فعظم ذلك على ابن مقلة وابن ياقوت والحجريّة والساجيّة، واجتمعوا، وشكوه إلى الراضي، فأعلمهم أنّه كاره له، وأذن لهم في منعه، فراسلوه أوّلاً، وبذلوا له طريق خراسان زيادة على ما في يده، فلم يقنع به، وتقدّم إلى النَّهروان، وشرع في جباة الأموال، وظلم الناس، وعسفهم، وقويت شوكته.
فخرج إليه محمّد بن ياقوت في سائر جيوش بغداد، ونزل قريباً منه، ووقعت الطلائع بعضها على بعض، وهرب بعض أصحاب محمّد بن ياقوت إلى هارون، وراسله محمّد يستميله، ويبذل له، فلم يجب إلى ذلك، وال: لا بدّ من دخول بغداد.
فلمّا كان يوم الثلاثاء لست بقين من جمادى الآخرة تزاحف العسكران، واشتدّ القتال، واستظهر أصحاب هارون لكثرتهم، فانهزم أكثر أصحاب ابن ياقوت ونُهب أكثر سوادهم، وكثر فيهم الجراح والقتل، فسار محمّد بن ياقوت حتّى قطع قنطرة نهر بين، فبلغ ذلك هارون، فسار نحو القنطرة منفرداً عن أصحابه، طمعاً في قتل محمّد بن ياقوت، أو أسره، فتقنطر به فرسه، فسقط عنه في ساقية، فلحقه غلام له اسمه يمن، فضربه بالطَّبرِزين حتّى أثخنه، وكسّر عظامه، ثم نزل إليه فذبحه ثم رفع رأسه وكبّر، فانهزم أصحابه وتفرّقوا، ودخل بعضهم بغداد سرّاً، ونهب سواد هارون، وقتل جماعة من قوّاده وأسر جماعة.
وسار محمّد إلى موضع جثّة هارون، فأمر بحملها إلى مضربه، وأمر بغسله وتكفينه، ثم صلّى عليه ودفنه، وأنفذ إلى داره من بحفظها من النهب، ودخل بغداد ورأس هارون بين يديه ورؤوس جماعة من قوّاده، فنُصب ببغداد.
ذكر ظهور إنسان ادّعى النبوّة
في هذه السنة ظهر بباسِند، من أعمال الصغانيان، رجل ادّعى النبوة، فقصده فوج بعدَ فوج، واتّبعه خلق كثير، وحارب من خالفه، فقتل خلقاً كثيراً مّمن كذّبه، فكثر أتباعه من أهل الشاش خصوصاً.
وكان صاحب حيل ومخاريق، وكان يدخل يده في حوض ملآن ماء، فيخرجها مملوءة دنانير، إلى غير ذلك من المخاريق، فكثر جمعه، فأنفذ إليه أبو عليّ بن محمّد بن المظفَّر جيشاً، فحاربوه، وضيّقوا عليه، وهو فوق جبل عالٍ، حتّى قبضوا عليه وقتلوه وحملوا رأسه إلى أبي عليّ، وقتلوا خلقاً كثيراً مّمن اتّبعه وآمن به؛ وكان يدّعي أنّه متى مات عاد إلى الدنيا، فبقي بتلك الناحية جماعة كثيرة على ما دعاهم إليه مدّة طويلة ثم اضمحلّوا وفنوا.
ذكر قتل الشَّلمغانيّ وحكاية مذهبه
وفي هذه السنة قُتل أبو جعفر محمّد بن عليّ الشَّلمغانيُّ المعروف بابن أبي القراقر، وشلْمَغانُ التي يُنسب إليها قرية بنواحي واسط.
وسبب ذلك أنّه قد أحدث مذهباً غالياً في التشيع، والتناسخ، وحلول الإلهيّة فيه، وإلى غير ذلك ممّا يحكيه، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين ابن رَوْح، الذي تسمّيه الإمامية الباب، متداول وزارة حامد بن العبّاس، ثم اتّصل أبو جعفر الشلمغانيُّ بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة حامد بن العبّاس، ثم اتّصل أبو جعفر الشلمغانيُّ بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة، ثم إنّه طُلب في زارة الخاقانيّ، فاستتر وهرب إلى الموصل، فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبدالله بن حَمدان في حياة أبيه عبدالله بن حَمدان، ثم انحدر إلى بغداد واستتر، وظهر عنه ببغداد أنّه يدّعي لنفسه الربوبيّة، وقيل أنّه اتّبعه على ذلك الحسين بن القاسم بن عبدالله بن سليمان بن وهب الذي وزر للمقتدر بالله، وأبو جعفر، وأبو عليّ ابنا بِسطام، وإبراهيم ابن محمّد بن أبي عون، وابن شبيب الزيّات، وأحمد بن محمّد بن عبدوس، كانوا يعتقدون ذلك فيه، وظهر ذلك عنهم، وطُلبوا أيّام وزارة ابن مقلة للمقتدر بالله، لم يوجدوا. (3/455)
فلمّا كان في شوّال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ظهر الشلمغانيُّ، فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه، وكبس داره فوجد فيها رقاعاً وكتباً مّمن يدّعي عليه أنّه على مذهبه، يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً، وفيها خطّ الحسين بن القاسم، فعُرضت الخطوط فعرفها الناس، وعُرضت على الشلمغانيّ فأقرّ أنّها خطوطهم، وأنكر مذهبه، وأظهر الإسلام، وتبرّأ ممّا يقال فيه، وأُخذ ابن أبي عون، وابن عبدوس معه، وأُحضروا معه عند الخليفة، وأُمرا بصفعه فامتنعا، فلمّا أُكرها مدّ ابن عبدوس يده وصفعه، وأمّا ابن أبي عون فأنّه مدّ يده إلى لحيته ورأسه، فارتعدت يده، فقبّل لحية الشلمغانيّ ورأسه، ثم قال: ألهي، وسيدي، ورازقي؛ فقال له الراضي: قد زعمتَ أنّك لا تدّعي الإلهيّة، فما هذا ؟ فقال: وما عليّ من قول ابن أبي عون والله يعلم أنّني ما قُلتُ له أنّني إله قط ! فقال ابن عبدوس: إنّه لم يدّع الإلهيّة وإنّما ادّعى أنّه الباب إلى الإمام المنتظر، مكان ابن رَوْح، وكنتُ أظنّ أنّه يقول ذلك تقيّةٍ، ثم أُحضروا عدّة مرّات، ومعهم الفقهاء، والقضاة، والكتّاب، والقوّاد، وفي آخر الأيّام أفتى الفقهاء بإباحة دمه، فصُلب ابن الشلمغانيّ، وابن أبي عون، في ذي القعدة فأُحرقا بالنار.
وكان من مذهبه أنّه إله الآلهة يحقّ الحقّ، وأنّه الأوّل القديم، الظاهر، الباطن، الرازق، التامّ، المومأ إليه بكلّ معنى؛ وكان يقول: إنّ الله، سبحانه وتعالى، يحلّ في كلّ شيء على قدر ما يحتمل، وإنّه خلق الضدّ ليدلّ على لمضدود، فمن ذلك أنّه حلّ في آدم لّما خلقه، وفي إبليسه أيضاً، وكلاهما ضدّ لصاحبه لمضادته إيّاه في معناه، وأنّ الدليل على الحقّ أفضل من الحقّ، وإنّ الضدّ أقرب إلى الشيء من شبهه، وإنّ الله عز وجلّ، إذا حلّ في جسد ناسوتيّ ظهر من القدرة والمعجزة ما يدلّ على أنّه هو، وإنّه لّما غاب آدم ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتيّة، كلّما غاب منهم واحد ظهر مكانه آخر، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة، ثم اجتمعت اللاهوتيّة في إدريس وإبليسه، وتفرّقت بعدهما كما تفرّقت بعد آدم، واجتمعت في نوح، عليه السّلام، وإبليسه، وتفرّقت بعدهما كما تفرّقت بعد آدم، واجتمعت في نوح، عليه السّلام، وإبليسه، وتفرّقت عند غيبتهما، واجتمعت في هود وإبليسه، وتفرّقت بعدهما، واجتمعت في صالح، عليه السّلام، وإبليسه عاقر الناقة، وتفرّقت بعدهما، واجتمعت في إبراهيم، عليه السّلام، وإبليسه نمرود، وتفرّقت لّما غاب واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون، وتفرّقت بعدهما، واجتمعت في سليمان وإبليسه، وتفرّقت بعدهما، واجتمعت في عيسى وإبليسه، فلمّا غابا تفرّقت في تلاميذ عيسى وأبالستهم، ثم اجتمعت في عليّ ابن أبي طالب وإبليسه.
ثمّ أنّ الله يظهر في كلّ شيء، وكلّ معنى، وإنّه في كلّ أحد بالخاطر الذي يخطر بقلبه، فيتصوّر له ما يغيب عنه، حتّى كأنّه يشاهده؛ وإن الله اسم لمعنى وأنّ من احتاج الناس إليه فهو إلهٌ، ولهذا المعنى يستوجب كلّ أحد أن يسمّى إلهاً، وإنّ كّل أحد من أشياعه يقول: إنّه ربّ لمن هو في دون درجته، وإنّ الرجل منهم يقول: أنا ربّ لفلان، وفلان ربّ لفلان، وفلان ربّ ربّي، حتّى يقع الانتهاء إلى ابن أبي القراقر فيقول: أنا ربّ الأرباب، لا ربوبيّة بعده.
ولا ينسبون الحسن والحسين، رضي الله عنهما، إلى عليّ، كرّم الله وجهه، لأنّ من اجتمعت له الربوبيّة لا يكون له ولد، ولا والد، وكانوا يسمّون موسى ومحمّداً، صلى الله عليه وسلم، الخائنين، لأنّهمِ يدّعون أنّ هارون أرسل موسى، وعليّاً أرسل محمّداً، فخاناهما، ويزعمون أنّ عليّاَ أمهل محمّداَ عدّة سني أصحاب الكهف، فإذا انقضت هذه العدّة، وهي ثلاثمائة وخمسون سنة، انتقلت الشريعة؛ ويقولون أنّ الملائكة كلّ من ملك نفسه، وعرف الحقّ، وإنّ الجنّة معرفتهم وانتحال مذهبهم، والنار الجهل بهم، والعدول عن مذهبهم. (3/456)
ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات، ولا يتناكحون بعقد، ويبيحون الفروج، ويقولون إنّ محمّداً، صلى الله عليه وسلم، بعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب، ونفوسهم أبيّة، فأمرهم بالسجود، وإنّ الحكمة الآن أن يمتحن الناس بأباحة فروج نسائهم، وإنّه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوي رحمه، وحرم صديقه، وابنه، بعد أن يكون على مذهبه، وإنّه لا بدّ للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه، ومن امتنع من ذلك قُلب في الدور الذي يأتي بعد هذا العالم امرأةً، إذ كان مذهبهم التناسخ، وكانوا يعتقدون أهلاك الطالبيّين والعبّاسيّين، تعالى الله عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً.
وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصيريّة، ولعلّها هي هي، فإن النصيرية يعتقدون في ابن الفرات،! ويجعلونه رأساً في مذهبهم.
وكان الحسين بن القاسم بالرَّقّة، فأرسل الراضي بالله إليه، فقُتل آخر ذي القعدة، وحُمل رأسه إلى بغداد.
ذكر عدّة حوادث
في هذه السنة أرسل محمّد بن ياقوت حاجب الخليفة رسولاً إلى أبي طاهر القُرمُطيّ يدعوه إلى طاعة الخلفة، ليقرّه على ما بيده من البلاد، ويقلّده بعد ذلك ما شاء من البلدان، ويحسن إليه، ويلتمس منه أن يكفّ عن الحاجّ جميعهم، وأن يردّ الحجر الأسود إلى موضعه بمكّة، فأجاب أبو طاهر إلى أنّه لا يتعرّض للحاجّ، ولا يصيبهم بمكروه، ولم يجْب إلى ردّ الحجر الأسود إلى مكّة، وسأل أن يطلق له الميرة من البصرة ليخطب للخليفة في أعمال هجَر، فسار الحاجّ إلى مكّة وعاد ولم يتعرّض لهم القرامطة.
وفيها، في ذي القعدة، عزم محمّد بن ياقوت على المسير إلى الأهواز لمحاربة عسكر مرداويج، فتقدّم إلى الجند الحجريّة والساجيّة بالتجهّز للمسير معه، وبذل مالاً يتجهّزون به، فامتنعوا وتجمّعوا وقصدوا دار محمّد بن ياقوت، فأغلظ لهم في الخطاب، فسبّوا، ورموا داره بالحجارة، ولّما كان الغد قصدوا داره أيضاً، وأغلظوا له في الخطاب، وقاتلوا من بادره من أصحابه، فرماهم أصحابه وغلمانه بالنشاب، فانصرفوا وبطلت الحركة إلى الأهواز.
وفيها سار جماعة من أصحاب أبي طاهر القرمطي إلى نواحي تَوّج في مراكب وخرجوا منها إلى تلك الأعمال، فلمّا بعدوا عن المراكب أرسل الوالي في البلاد إلى المراكب وأحرقها، وجمع الناس وحارب القرامطة، فقتل بعضاً، وأسر بعضاً، فيهم ابن الغمر، وهو من أكابر دُعاتهم، وسيّرهم إلى بغداد أيّام القاهر، فدخلوها مشهورين، وسُجنوا، وكان من أمرهم ما ذكرناه في خلع القاهر.
وفيها قتل القاهرُ بالله إسحاق بن إسماعيل النوبختيَّ، وهو الذي أشار باستخلافه، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه، وقتل أيضاً أبا السرايا بن حَمدان، وهو أصغر ولد أبيه؛ وسبب قتلهما أنّه أراد أن يشتري مغنّيتَيْن قبل أن يلي الخلافة، فزادا عليه في ثمنهما، فحقد ذلك عليهما، فلمّا أراد قتلهما استدعاهما للمنادمة، فتزيّنا، وتطيّبا، وحضرا عنده فأمر بإلقائهما إلى بئر في الدار، وهو حاضر، فتضرّعا وبكيا، فلم يلتفت إليهما وألقاهما فيها وطمّها عليهما.
وفيها أُحضر أبو بكر بن مُقسم ببغداد في دار سلامة الحاجب، وقيل له إنّه قد ابتدع قِراءة لم تُعرف، وأُحضر ابن مجاهد والقضاة والقراء وناظروه، فاعترف بالخطإ وتاب منه، واحترقت كتبه.
وفيها سار الدّمُسْتُق قَرَقَاش في خمسين ألفاً من الروم، فنازل مَلَطْية وحصرها مدّة طويلة، وهلك أكثر أهلها بالجوع، وضرب خيمتَيْن على إحداهما صليب، وقال: من أراد النصرانيّة انحاز إلى خيمة الصليب ليردّ عليه أهله وماله، ومن أراد الإسلام انحاز إلى الخيمة الأخرى، وله الأمان على نفسه ونبلغه مأمنه؛ فانحاز أكثر المسلمين إلى الخيمة التي عليها الصليب، طمعاً في أهليهم وأموالهم، وسيّر مع الباقين بطريقاً يبلغهم مأمنهم، وفتحها بالأمان، مستهلّ جمادى الآخرة، يوم الأحد، وملكوا سُمَيساط، وخرّبوا الأعمال، وأكثروا القتل، وفعلوا الأفاعيل الشنيعة، وصار أكثر البلاد في أيديهم.
وفيها توفّي عبد الملك بن محمّد بن عديّ أبو نُعيم الفقيه الجرجانيُّ الاستراباذيُّ، وأبو عليّ الروذباريُّ الصوفيُّ، واسمه محمّد بن أحمد بن القاسم، وقيل توفّي سنة ثلاث وعشرين. (3/457)
وفيها توفّي خير بن عبدالله النسّاج الصوفيُّ من أهل سامرّا، وكان من الأبدال، ومحمّد بن عليّ بن جعفر أبو بكر الكنانيُّ الصوفيُّ المشهور، وهو من أصحاب الجُنيد، وأبي سعيد الخرّاز الخرّاز بالخاء المعجمة والراء والزاي.

This site was last updated 07/15/11