Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة سبع وثلاثمائة سنة ثمان وثلاثمائة وسنة تسع وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة295
سنة296
سنة297 وسنة298 وسنة299
سنة300 وسنة301
سنة302 وسنة303
سنة303 وسنة304 وسنة305 وسنة306
سنة307 وسنة308 وسنة309
سنة310 وسنة311
سنة312
سنة313 وسنة314
سنة315
سنة316
سنة317
سنة318 وسنة319
سنة320

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة سبع وثلاثمائة
في هذه السنة ضمن حامد بن العبّاس أعمال الخراج، والضياع الخاصّة، والعامّة، والمستحدثة، والفراتيّة بسواد بغداد، والكوفة، وواسط، والبصرة، والأهواز، وأصبهان. (3/403)
وسبب ذلك أنّه لمّا رأى أنّه قد تعطّل عن الأمر والنهب وتفرّد به عليُّ ابن عيسى شرع في هذا ليصير له حديث وأمر ونهي، واستأذن المقتدر في الانحدار إلى واسط ليدبّر أمر ضمانه الأوّل، فأذن له في ذلك، فانحدر إليها واسم الوزارة عليه، وعليُّ بن عيسى يدبّر الأمور، وأظهر حامد زيادة ظاهرة في الأموال، وزاد زيادة متوفّرة، فسُرّ المقتدر بذلك، وبسط يد حامد في الأعمال، حتّى خافه عليُّ بن عيسى.
ثمّ إنّ السعر تحرّك ببغداد، فثارت العامّة والخاصّة لذلك، واستغاثوا، وكسروا المنابر، وكان حامد يخزن الغلال، وكذلك غيره من القوّاد، ونُهبت عدّة من دكاكين الدقّاقين، فأمر المقتدر بإحضار حامد بن العبّاس، فحضر من الأهواز، فعاد الناس إلى شغبهم، فأنفذ حامد لمنعهم، فقاتلوهم، وأحرقوا الجسرين، وأخرجوا المحبَّسين من السجون، ونهبوا دار صاحب الشُّرطة، ولم يتركوا له شيئاً، فأنفذ المقتدر جيشاً مع غريب الخال، فقاتل العامّة، فهربوا من بين يديه، ودخلوا الجامع بباب الطاق، فوكّل بأبواب الجامع، وأخذ كلّ من فيه فحبسهم، وضرب بعضهم،، وقطع أيدي من يُعرف بالفساد.
ثمّ أمر المقتدرُ من الغد، فنودي في الناس بالأمان، فسكنت الفتنة، ثمّ إنّ حامداً ركب إلى دار المقتدر في الطيّار، فرجمه العامّة، ثمّ أمر المقتدرُ بتسكينهم فسكنوا، وأمر المقتدرُ بفتح مخازن الحنطة والشعير التي لحامد، ولأمّ المقتدر، وغيرهما، وبيع ما فيها، فرخصت الأسعار، وسكن الناس، فقال عليُّ بن عيسى للمقتدر: إنّ سبب غلاء الأسعار إنما هو ضمان حامد لأنّه منع من بيع الغلال في البيادر وخزنها، فأمر بفسخ الضمان عن حامد، وصرف عُمّاله عن السواد، وأمر عليَّ بن عيسى أن يتولّى ذلك، فسكن الناس واطمأنّوا؛ وكان أصحاب حامد يقولون إنّ ذلك الشغب كان بوضع من عليّ بن عيسى.
ذكر أمر أحمد بن سهل
في هذه السنة ظفر الأمير نصر بن أحمد صاحب خراسان وما وراء النهر بأحمد بن سهل، ونحن نذكر حاله من أوّله.
كان أحمد بن سهل هذا من كبار قوّاد الأمير إسماعيل بن أحمد، وولده أحمد بن إسماعيل، وولده نصر بن أحمد، وقد تقدّم من ذكر تقدُّمه على الجيوش في الحروب ما يدلّ على علوّ منزلته.
وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبَلة بن كامكار بن يزدجرد ابن شهريار الملك، وكان كامكار دهقاناً بنواحي مرو، وإليه يُنسب الورد الكامكاريُّ، وهو الشديد الحمرة، وهو الذي يسمّى بالرَّيّ القصرانيّ، وبالعراق والجزيرة والشام الجُوريّ، يُنسب إلى قصران، وهي قرية بالرَّيّ، وإلى مدينة جور، وهي من مدن فارس.
وكان لأحمد إخوة يقال لهم محمّد، والفضل، والحسين، قُتلوا في عصبية العرب والعجم بمَرو، وكان أحمد خليفة عمرو بن الليث على مَرو، فقبض عليه عمرو، ونقله إلى سِجِسْتان، فحبسه بها، فرأى وهو في السجن كأنّ يوسف النبيّ، عليه السلام، على باب السجن، فقال له: ادعُ الله أن يخلّصني ويولّيني ! فقال له: قد أذن الله في خلاصك، لكنّك لا تلي عملاً برأسك.
ثمّ إنّ أحمد طلب الحمّام فأُدخل إليه، فأخذ النورة فطلى بها رأسه ولحيته فسقط شعره، وخرج من الحمّام ولم يعرفه أحد، فاختفى، فطلبه عمرو فلم يظفر به، ثمّ خرج من سِجِسْتان نحو مرو، فقبض على خليفة عمرو واستولى عليها، واستأمن إلى إسماعيل بن أحمد بخارى، فأكرمه، وقدّمه، ورفع قدره، وكان عاقلاً كتوماً لأسراره.
فلمّا عصى الحسين بن عليّ سيّر إليه أحمد، فظفر به على ما ذكرناه، وضمن له الأمير نصر أشياء لم يفِ له بها، فاستوحش من ذلك، فأتاه يوماً بعض أصحاب أبي جعفر صعلوك، فحادثه، فأنشده أحمد بن سهل، وقد ذكر حاله، وأنّهم لم يفوا له بما وعدوه:
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتَني ... يميَنك، فانظر أيّ كفّيْك تُبدلُ
وفي الناس أن رثّت حبالُك واصلٌ ... وفي الأرض عن دار العُلى متحوَّلُ
إذا أنت لم تُنصفْ أخاك وجدتَه ... على طرَف الهِجران إن كان يعقِلُ
وتركبُ حدّ السيفِ من أن تُضيمَه ... إذا لم يكن عن شَفرَةِ السيفِ مرحلُ
إذا انصرفتْ نفسي عن الشيء لم تكدْ ... إليه بوجهٍ، آخرَ الدهرِ، تُقُبِلُ (3/404)
قال: فعلمت أنّه قد أضمر المخالفة، فلم تمض إلا أيّام حتّى خالفه بنَيسابور واستولى عليها وأسقط خطبة السعيد نصر بن أحمد، وأنفذ رسولاً إلى بغداد يخطب له أعمال خُراسان.
وسار من نَيسابور إلى جُرجان وبها قراتكين، فحاربه، واستولى عليها، وأخرج قراتكين عنها، ثمّ عاد إلى خُراسان، وقصد مرو فاستولى عليها، وبنى عليها سوراً وتحصّن بها، فأرسل إليه السعيد نصر الجيوش مع حموية بن عليّ من بخارى، فوافى مرو الرُّوذ، فأقام بنواحيها ليخرج إليه أحمد بن سهل منها، فلم يفعل.
ودخل بعض أصحاب أحمد عليه يوماً، وهو يفكر بعد نزول حموية عليه، فقال له صاحبه: لا شكّ أنّ الأمير مشغول القلب لهذا الخطب، فما هو رأي الأمير ؟ فقال: ليس بي ما تظنّ، ولكن ذكرتُ رؤيا رأيتُها في حبس سِجِسْتان، وذكر قول يوسف الصِّدِّيق، عليه السلام: إنّك لا تلي عملاً برأسك. قال: فقلت له: إنّ القوم يغتنمون سلمك، ويعطونك ما تريد، فإن رأيت أن يتوسّط الحال فعلنا؛ فأنشد:
سأغسلُ عنّي العارَ بالسيفِ جالباً ... عليَّ قضاءُ الله ما كانَ جالبا
ولّما رأى حموية أنّه لا يخرج إليه من مرو عمل الحيلة في ذلك، فجعل يقول: قد أدخلتُ ابن سهل في جحر فأرٍ، وسددتُ عليه وجوه الفرار؛ وأشباه هذا من الكلام ليغضب أحمد فيخرج، فلم يفعل ذلك، فحينئذ أمر حموية جماعة من ثقات قوّاده، فكاتبوا أحمد بن سهل سرّاً، وأظهروا له الميل، ودعوه إلى الخروج من مَرْو ليسلّموا إليه حموية، فأجابهم إلى ذلك، لما في نفسه من الغيظ على حموية، فخرج عن مَرْو نحو حموية، فالتقوا على مرحلة من مرو الرُّوذ في رجب سنة سبع وثلاثمائة، فانهزم أصحاب أحمد، وحارب هو إلى أن عجزت دابّته، فنزل عنها واستأمن، فأخذوه أسيراً، وأنفذوه إلى بخارى، فمات بها في الحبس في ذي الحجّة من سنة سبع وثلاثمائة.
وكان الأمير احمد بن إسماعيل بن أحمد يقول: لا ينبغي لأحمد بن سهل أن يغيب عن باب السلطان، فإنّه أن غاب عنه أثار شغلاً عظيماً، كأنّه كان يتوسّم فيه ما فعل، فهكذا ينبغي أن تكون فراسة الملك.
ذكر عدّة حوادث
في هذه السنة وقع حريق بالكرخ من بغداد، فاحترق فيه كثير من الدور والناس.
وفيها قُلّد إبراهيم بن حمدان ديار ربيعة، وقُلّد بنّيّ بن نفسي شهرزور، فامتنعت عليه، فاستمدّ المقتدر، فسيّر إليه جيشاً، فحصرها ولم يفتحها، وقُلّد القتال بالموصل وأعمالها.
وفيها أوقع ثمل متولِّي الغزو في البحر بمراكب للمهديّ العلويّ، صاحب إفريقية، وقتل جماعة ممّن فيها، وأسر خادماً له.
وفيها انقضّ كوكب عظيم فاشتدّ ضوءُه وعظم، وتفرّق ثلاث فرق، وسمع عند انقضاضه مثل صوت الرعد الشديد، ولم يكن في السماء غيم.
وفيها كانت فتنة بالموصل بين أصحاب الطعام وبين الأساكفة، واحترق سوق الأساكفة وما فيه، وكان الوالي على الموصل وأعمالها العبّاس بن محمّد بن إسحاق بن كنداج، وكان خارجاً عن البلد، فسمع بالفتنة، فرجع ليوقع بأهل الموصل، فعزموا على قتاله، وحصنوا البلد، وسدّوا الدروب، فلمّا علم بذلك ترك قتالهم، وأمر الأعراب بتخريب الأعمال، فصاروا يقطعون الطريق على الجسر وفي الميدان، ويقاسمونه، فخرب البلد، فبلغ الخبر إلى الخليفة، فعزله سنة ثمان وثلاثمائة، واستعمل بعده عبدالله بن محمّد الفتّان، وكان عفيفاً، صارماً، كفّ الأعراب عن البلد.
وفيها توفّي أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المُثنّى الموصليُّ، صاحب المسند بها.


ثم دخلت سنة ثمان وثلاثمائة
في هذه السنة خلع المقتدر على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقُلّد طريق خُراسان والدِّيَنور، وخلع على أخويه أبي العلاء وأبي السرايا.
وفيها وصل رسول أخي صعلوك بالمال، والهدايا، والتُّحف، ويخبر باستمراره على الطاعة للمقتدر بالله.
وفيها توفّي إبراهيم بن حَمدان في المحرم.
وفيها قُلّد بدر الشرابيُّ دقوقا، وعُكْبَرا، وطريق الموصل.
وفيها توفّي إبراهيم بن محمّد بن سفيان صاحب مسلم بن الحجّاج، ومن طريقه يُروى صحيح مسلم إلى اليوم.


ثم دخلت سنة تسع وثلاثمائة
ذكر قتل ليلى بن النُّعمان الديلميّ
(3/405)
في هذه السنة قُتل ليلى بن النُّعمان الديلميُّ، وكان ليلى هذا أحد قوّاد أولاد الأُطروش العلويّ، وكان إليه ولاية جُرجان، وكان قد استعمله عليها الحسن ابن القاسم الداعي سنة ثمان وثلاثمائة، وكان أولاد الأُطروش يكاتبونه: المؤيِّد لدين الله المنتصر لآل رسول الله، صلى الله علية وسلم، ليلى بن النُّعمان؛ وكان كريماً، بذّالاً للأموال، شجاعاً، مقداماً على الأهوال.
وسار من جُرجان إلى الدَّامغان، فحاربه أهلها، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وعاد إلى جُرجان، فابتنى أهل الدَّامغان حصناً يَحميهم، وسار قراتكين إليه بجُرجان، فحاربه على نحو عشرة فراسخ من جُرجان، فانهزم قراتكين، واستأمن غلامه بارس إلى ليلى ومعه ألف فارس، فأكرمه ليلى، وزوّجه أخته، واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص ابن أخت أحمد بن سهل، فأكرمه ليلى.
ثمّ إنّ الأجناد كثروا على ليلى بن النعمان، فضاقت الأموال عليه، فسار نحو نَيسابور بأمر الحسن بن القاسم الداعي، وتحريض أبي القاسم بن حفص، وكان بها قراتكين، فوردها في ذي الحجّة سنة ثمان وثلاثمائة، وأقام بها الخطبة للداعي، وأنفذ السعيد نصر من بخارى إليه حموية بن عليّ، فالتقوا بطوس، واقتتلوا، فانهزم أكثر أصحاب حموية بن عليّ حتّى بلغوا مَرْو، وثبت حموية، ومحمّد بن عبدالله البلغميُّ، وأبو جعفر صعلوك، وخوارزم شاه، وسيمجور الدواتيُّ فاقتتلوا، فانهزم بعض أصحاب ليلى، ومضى ليلى منهزماً، فدخل ليلى سكّة لم يكن له فيها مخرج، ولحقه بغرا فيها، فلم يقدر ليلى على الهرب، فنزل وتوارى في دار، فقبض عليه بغرا، وأنفذ إلى حمويه فأعلمه بذلك، فأنفذ من قطع رأس ليلى، ونصبه على رمح، فلمّا رآه أصحابه طلبوا الأمان فأُمّنُوا.
ثمّ قال حموية للجند: قد مكّنكم الله من شياطين الجيل والدَّيلم، فأبيدوهم واستريحوا منهم أبد الدهر؛ فلم يفعلوا، وحامى كلّ قائد جماعة، فخرج منهم من خرج بعد ذلك، وكان قتل ليلى في ربيع الأوّل سنة تسع وثلاثمائة، وحُمل رأسه إلى بغداد، وبقي بارس غلام قراتكين بجرجان.
وقيل إنّ حموية لمّا سار إلى قتال ليلى قيل له: أنّ ليلى يستبطئك في قصده، فقال: إنّي البس أحدَ خُفَّيّ للحرب العامَ، والآخر في العام المقبل؛ فبلغ قوله ليلى، فقال: لكنّي ألبس أحد خُفّيّ للحرب قاعداً، والثاني قائماً وراكباً، فلمّا قُتل قال حموية: هكذا مَن تعجّل إلى الحرب.
ذكر قتل الحسين الحلاّج
في هذه السنة قُتل الحسين بن منصور الحلاّج الصوفيُّ وأُحرق، وكان ابتداء حاله أنّه كان يُظهر الزهد والتصوّف، ويُظهر الكرامات، ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمدّ يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب: (قل هو الله أحد)، ويسمّيها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه، وما صنعوه في بيوتهم، ويتكلّم بما في ضمائرهم، فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول، وبالجملة فإنّ الناس اختلفوا فيه اختلافهم في المسيح، عليه السلام، فَمِنْ قائل أنّه حلّ فيه جزء ألهيّ، ويدّعي فيه الربوبيّة، ومِن قائل أنّه وليّ الله تعالى، وإنّ الذي يظهر منه من جملة كرامات الصالحين، ومِن قائل إنّه مشعبذ، وممَخرق، وساحر كذّاب، ومتكهّن، والجنّ تطيعه فتأتيه بالفاكهة في غير أوانها.
وكان قدم من خُراسان إلى العراق وسار إلى مكّة فأقام بها سنة في الحجر لا يستظلّ تحت سقف شتاءً ولا صيفاً، وكان يصوم الدهر، فإذا جاء العشاء أحضر له القوّام كوز ماء، وقرصاً، فيشربه، وبعض من القرص ثلاث عضّات من جوانبه، فيأكلها ويترك الباقي فيأخذونه، ولا يأكل شيئاً آخر إلى الغد آخر النهار.
وكان شيخ الصوفيّة يومئذ بمكّة عبدالله المغربيّ، فأخذ أصحابه ومشى إلى زيارة الحلاّج، فلم يجده في الحجر، وقيل له: قد صعد إلى جبل أبي قُبَيس؛ فصعد إليه، فرآه على صخرة حافياً، مكشوف الرأس، والعرق يجري منه إلى الأرض، فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلّمه، فقال: هذا يتصبّر ويتقوّى على قضاء الله، سوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدرته؛ وعاد الحسين إلى بغداد. (3/406)
وأمّا سبب قتله فإنّه نُقل عنه عند عوده إلى بغداد إلى الوزير حامد ابن العبّاس أنّه أحيا جماعة، وأنّه يحيي الموتى، وأنّ الجنّ يخدمونه، وأنّهم يُحضرون عنده ما يشتهي، وأنّه قد موّه على جماعة من حواشي الخليفة، وأنّ نصراً الحاجب قد مال إليه وغيره، فالتمس حامد الوزير من المقتدر بالله أن يسلّم إليه الحلاّج وأصحابه، فدفع عنه نصر الحاجب، فألحّ الوزير، فأمر المقتدر بتسليمه إليه، فأخذه، وأُخذ معه إنسان يُعرف بالشمريّ، وغيره، قيل إنّهم يعتقدون أنّه إلهٌ، فقرّرهم، فاعترفوا أنّهم قد صحّ عندهم أنّه إلهٌ، وأنّه يحيي الموتى، وقابلوا الحلاّج على ذلك، فأنكره وقال: أعوذ بالله أن ادّعي الربوبيّة، أبو النّبّوة، وإنّما أنا رجل أعبد الله، عزّ وجلّ! فأحضر حامد القاضي أبا عمرو والقاضي أبا جعفر بن البهلول، وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود، فاستفتاهم، فقالوا: لا يفتى في أمره بشيء، إلاّ أن يصحّ عندنا ما يوجب قتله، ولا يجوز قبول قول مَن يدّعي عليه ما ادعاه إلا ببيّنة إقرار.
وكان حامد يخرج الحلاّج إلى مجلسه، ويستنطقه، فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة.
وطال الأمر على ذلك وحامد الوزير مجدّ في أمره، وجرى له معه قصص يطول شرحها، وفي آخرها أنّ الوزير رأى له كتاباً حكى فيه أنّ الإنسان إذا أراد الحجّ، ولم يمكنه، أفرد من داره بيتاً لا يلحقه شيء من النجاسات، ولا يدخله أحد، فإذا حضرت أيّام الحجّ طاف حوله، وفعل ما يفعله الحاجّ بمكّة، ثمّ يجمع ثلاثين يتيماً، ويعمل أجود طَعامٍ يمكنه، ويُطعمُهُم في ذلك البيت، ويَخدُمهم بنفسه، فإذا فرغوا كساهم، وأعطى كلّ واحد منهم سبعة دراهم، فإذا فعل ذلك كان كمَنْ حجّ.
فلمّا قرئ هذا على الوزير قال القاضي أبو عمرو للحلاّج: من أين لك هذا ؟ قال: من كتاب الإخلاص للحسن البصريّ؛ قال له القاضي: كذبتَ يا حلالَ الدم ! قد سمعناه بمكّة وليس فيه هذا؛ فلمّا قال له: يا حَلالَ الدمِ، وسمعها الوزير قال له: اكتب بهذا؛ فدافعه أبو عمرو، فألزمه حامد، فكتب بإباحة دمه، وكتب بعده من حضر المجلس.
ولّما سمع الحلاّج ذلك قال: ما يحلّ لكم دمي واعتقادي الإسلام ومذهبي السُّنّة، ولي فيها كتب موجودة، فالله الله في دمي ! وتفرّق الناس.
وكتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله، وأرسل الفتاوى إليه، فأذن في قتله، فسلّمه الوزير إلى صاحب الشّرطة، فضربه ألف سوط فما تأوّه، ثمّ قطع يده، ثم رجله، ثم يده، ثمّ رجله، ثمّ قُتل وأُحرق بالنار، فلمّا صار رماداً أُلقي في دجلة، ونصب الرأس ببغداد، وأُرسل إلى خُراسان لأنّه كان له بها أصحاب، فأقبل بعض أصحابه يقولون: إنّه لم يُقتل، وإنّما أُلقي شبه على دابّة، وإنّه يجيء بعد أربعين يوماً؛ وبعضهم يقول: لقيتُه على حمار بطريق النَّهروان، وإنّه قال لهم: لا تكونوا مثل هؤلاء البقر الذي يظنّون أنّي ضُربت وقُتلتُ.
ذكر عدّة حوادث
وفيها، في ربيع الأوّل، وقع حريق كبير في الكرخ، فاحترق فيه بشر كثير.
وفيها استعمل المقتدر على حرب الموصل ومعونتها محمّد بن نصر الحاجب، في جُمادى الأولى، وسار إلها فيه، فلمّا وصل إليها أوقع بمن خالفه من الأكراد المارانيّة، فقتل، وأسر، وأرسل إلى بغداد نيّفاً وثمانين أسيراً، فشُهروا.
وفيها قُلّد داود بن حمدان ديار ربيعة.
وفيها توفّي أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سهل بن عطاء الآدميُّ الصوفيُّ من كبار مشايخهم وعُمائهم، وأبو إسحاق إبراهيم بن هارون الحرّانيُّ الطبيب، وأبو محمّد عبدالله بن حمدون النديم.

This site was last updated 07/15/11