Home Up الأنبا إيسيذوروس بالاديوس مؤرخ الرهبنة المصرية يوليوس الأقفهصي نبيه كامل داود المؤرخ إدريس بريس دافين تاريخ يحى بن سعيد يحى الأنطاكى | | المؤرخ إدريس أفندي بريس دافين يسجل رؤية واقعية عن حكم محمد علي الشعب المصري كالسمسم يجب سحقه حتي يخرج منه الزيت وطنى 3110/2010م مريان موريس وجدته يتجول بين الصور واللوحات والمخطوطات متأملا لها,مذكرا إياي بالمواقف والأحداث التي دفعته لتسجيلها علي تلك اللوحات التي تعكس أسرار الحكم والسياسة التي أثرت في مصر وأهلها..ولم لا وهو الذي عاصر خمسة حكام بداية من محمد علي باشا وانتهاء بحكم إسماعيل باشا.ها هو في زيه العربي ملتحما بالمصريين متنقلا في بلادهم دارسا لعاداتهم وتقاليدهم متحدثا بلغتهم..أحبه المصريون ونادوه باسمإدريس أفنديبدلا من اسمه الفرنسيبريس دافينالذي كان ثقيلا علي ألسنتهم. اقتربت من إدريس أفندي-الذي اقترب منه منذ عقود بعيدة د. أنور لوقا..وقال عنه هذا مؤرخ أهمله التاريخ.. أنصف مصر فمن حقه علينا أن ننصفه وجدت منه تجاوبا..فعرفني بنفسه أنه مستشرق فرنسي وفد الي مصر ومكث بها,جاب البلاد مسجلا مشاهداته وملاحظاته مصورا أو راسما لها واصفا العصر والقصر ..وكان شاهد عيان عليها. تحدث إدريس أفندي عن نشأته فقال لنا:ولدت عام 1807م في مقاطعةالفلاندر في فرنسا وأنتمي لأسرة إنجليزية الجذور,هاجرت إلي فرنسا هربا من بطش الملك شارل الثانيكان والدي مفتشا للغابات التي يملكها تاليران ثم تطوع بعد ذلك ليعمل ممرضا بإحدي فرق جنود نابليون التي أصيبت بوباء التيفود 1814م فأصابته العدوي وقضي نحبه.والتحقت بعد وفاة والدي بمدرسة الفنون والصنايع بمدينة شالوت عام 1822م وتخرجت في التاسعة عشر من عمري مهندسا معماريا. يواصل إدريس أفندي حديث الذكريات فيقول:كانت مغامرات نابليون في ذلك الوقت قد غيرت مفهوم الحدود الجغرافية في مخيلات الشباب, فدفعني الطموح إلي الانخراط في صفوف ثوار اليونان الذين نهضوا لانتزاع استقلالهم من جيوش السلطان العثماني وإبراهيم باشا وأبحرت بعد ذلك إلي الهند حيث عملت سكرتيرا لحاكمها العام ثم ذهبت إلي فلسطين,وهناك بلغني أنمحمد علي في حاجة إلي أخصائيين أوربيين لتنظيم الجيش والمدارس وتنفيذ مشروعات الري والزراعة فالتحقت بخدمة الباشا عام 1829م للعمل مهندسا للري في أول الأمر,ثم أستاذا للطبوغرافيا في مدرسة أركان الحرب بالخانكة,وفي نفس الوقت مربيا لأبناء إبراهيم أحفاد محمد علي. توقف إدريس أفندي فجأة عن الكلام وتبدلت ملامحه الهادئة إلي أخري صارمة وكأنه يتذكر حادثا مؤلما فيفيق من صمته ويقول:لم أستمر كثيرا في عملي حيث اصطدمت بناظر المدرسة التركي المتغطرس عبد الله بك وحدثت بيننا معركة عنيفة هوي فيها بكرباجه علي جسدي,صدقوني لم أشعر بألم الكرباج بقدر ما شعرت بألم الإهانة يدمي كرامتي. وفي لحظة أبرزت خنجري ومسدسي متحديا القوة بالقوة, ثم قدمت استقالتي فنقلني ناظر الحربية إلي دمياط وعملت أستاذا للتحصينات في مدرسة المشاه. بعد أن روي إدريس أفندي هذه القصة المؤلمة شعرت بالمرارة ولتخفيف حدة التوتر في الحوار كان علي أن أسأله عن علاقته بمصر ومدي حبه لها ولأهلها,فاستعاد هدوءه وابتسامته وأكمل حديثه بالقول:لقد أحببت مصر وناسها كثيرا في الفترة من عام 1831 حتي 1834م فتكت بالمصريين أوبئة خطيرة مثل الكوليرا والطاعون فتطوعت لتمريض المصابين,وظللت أصارع الموت الذي أوشك أن يصرعني مثلما فعل بأبي لكن الله سلم.لقد عاشرت شعبا مريضا جائعا وتعجبت كثيرا لأن هذا الشعب هو نفسه الذي صنع الحضارة منذ فجر التاريخ لقد استطعت التمييز بين جوهر صفاتهم وعاداتهم وما أضفته عليهم صبغة الحاضر المظلم لقد أحببت كثيرا أن أتعمق في هذا المجتمع لذلك قررت أن أتحرر من القيود الرسمية للوظيفة,وقدمت استقالتي في عام 1836م وتفرغت لدراسة اللغة الهيروغليفية لأكتشف أسرارا أكثر عن المجتمع الذي أعيش فيه وكيفية تطوره من حال إلي حال. زرت العديد من المناطق في مصر,تجولت بين قري الدلتا والصعيد,أحببت أهلها وأحبوني فصرت منهم اسما وزيا وطباعا ولغة.وأقمت فترة في الأقصر لدراسة طيبة ولحماية ما أمكن من أعمدة الكرنك التي قام عمال الباشا بتكسيرها لتغذية معمل البارود..!!حاولت أن أتصدي لهم ولكني اصطدمت مرة أخري بناظر الأقصر التركي وخفره دفعني هذا أن أطالب محمد علي بحماية آثار مصر القديمة وبالفعل صدق الوالي علي أمر صاغه رفاعة ينص علي منع التصرف في الآثار. 00 وماذا بعد ذلك ؟فأجابني:سافرت إلي باريس بعد أن أمضيت سبعة عشر عاما في مصر وكان ذلك في عهد الخديوي عباس الأول وعدت بعد تولي سعيد باشا الحكم..ورفضت منصب سفير فرنسا في تركيا وفضلت أن أتابع أبحاثي ونشرها في الصحف العلمية. أوقفني إدريس أفندي أمام إحدي لوحاته التي يحبها,فإذا بي أشاهد صورة العوالم وظهرت علي وجهه ابتسامة جميلة تعبر عن إعجابه الشديد بمشهد الرقص الشرقي,وأحسست بالفعل كما لو أن المشهد يشع أنغاما موسيقية رائعة!توقفت أيضا أمام لوحة رائعة لجناح الحريم الذي يجمع زوجات الأمراء وجواريهن وقد كستهن جميعهن مظاهر الفخفخة والعظمة التي تتميز بها قصور الأمراء,في الوقت الذي يسقط فيه العوام جوعا ومرضا. سيطر علي الذهول أمام لوحة كبيرة تسجل ببراعة موكب المحتسبوهو يراقب مع رجاله عملية البيع والشراء وضبط الأسعار والموازين وهو المخول له إنزال العقاب,ومن يثبت أنه مخالف من التجار تتراوح أحكام المحتسب بين الضرب المبرح بالكرباج أمام المارة أوشد المذنب عليالفلقة وضربه بمنتهي العنف علي قدميه مائتي أو ثلثمائة ضربة يعدها الأغا في هدوء علي حبات مسبحته الوردية.وفي نهاية الأمر لايستطيع التاجر التعس وقد تمزقت قدماه أن يعود إلي دكانه إلا محمولا علي أذرع بعض المتفرجين. 00 يقول إدريس أفندي ..من خلال هذه اللوحة أردت رسم صورة لفترة حكم محمد علي التي تتميز بطابع من القسوة والظلم,فتعذيب أفراد الشعب كان منظما ويتكرر كل يوم,في كل قرية ومدينة بل وفي أسواق القاهرة. يصف إدريس حال الفلاح المصري البائس الذي أصبح فريسة لجميع موظفي الوالي من أعلاهم إلي أدناهم فقد فرضوا الإتاوات عليه وهو الذي لايملك إلا القلة القليلة من المال فإذا قاوم ورفض دفعها كان جزاؤه الكرباج أو السجن,وهو الأمر الذي دفع الفلاحين لإطلاق لقب ظالم باشاعلي محمد علي من فرط مانالهم من تعذيب شديد القسوة من الكي بالقرميد الأحمر المحمي في النار إلي تسمير آذانهم وتمزيق أجسامهم بضرب الكرباج,مما أدي إلي نشوب ثورة أهل الصعيد في أوائل عام 1824م في بلدة دراو وكانت إحدي فرق الجيش في طريقها إلي سنار فانضمت إلي الفلاحين حتي بلغ عدد الثائرين عشرين ألفا وللأسف لم تنجح هذه الثورة في رد الظلم بسبب ضعف إمكانياتهم الحربية أمام رجال الوالي. 00 سألت إدريس أفندي الذي أربك معرفتنا بمحمد علي كيف يكون محمد علي هو رائد النهضة المصرية الحديثة رغم كل هذا الظلم الذي كنت أنت شاهدا عليه؟! فإذا به يقول بلا تردد:كان محمد علي يؤمن كثيرا بالمثل القائل الشعب كالسمسم ,ينبغي أن تسحقه لكي تخرج منه الزيت فظلم محمد علي طال كل شيء وأكبر دليل علي ذلك حكاية زهرة الداليا. من فضلك احك لنا وأفض :فقال عن رثاء المصريين: كانت هناك زهرة داليا مغروسة وسط أشعة الشمس بعيدا عن كشك الباشا فإزهرت وأينعت دون أن ينتبه السيد إليها غير أن أحد الأجانب تحدث يوما عن جمال تلك الزهرة,فلاحظ محمد علي للمرة الأولي أنها جميلة,وأمر بأن توضع النبتة في صندوق وتنقل تحت شجرة الجميز التي تظلل كشكه.وهنا تجرأ البستاني علي الاعتراض لأن الزهرة قد تموت من هذه العملية فأمر الوالي بتقطيب جبينه وأقسم أن يدفنه حيا جزاء له علي جرأته وتطاوله, في اليوم التالي كانت الزهرة قد اعتراها الذبول ومالت متراخية علي ساقها فجيء بالبستاني وطرح أرضا وعلي الرغم من احتجاجه في أول الأمر نالته ضربات بالسوط فلم يسكت عن ترديد قوله إن النبات لايمكن أن يطيع الأوامر كما يطيعها الناس وأخلي سبيله. 00 ولايزال الكلام يتواصل بصدق وصراحة علي لسان إدريس أفنديقائلا:إن لقب ظالم باشا الذي أطلقه الناس علي محمد علي لم يكن من فراغ بل هو يستحقه لما عاناه الشعب بكل فئاته من بطشظالم باشا واستغلاله,حتي ضباط الجيش كانوا يعانون من أجل الحصول علي رواتبهم وفي أغلب الأحيان يقبضونها سلعا من مصانع الباشا..فقد تفننظالم باشا في وسائل جمع الأموال وتسويق سلع مصانعه دون أن يحل كيسه. 00 وأخيرا تركت إدريس أفندي بين لوحاته ومذكراته,وكم كنت أتمني أن يتواصل الحوار مع الرجل المستشرق..الغربي النشأة..المصري العشق والهوي هذا الرجل الذي أثمرت أبحاثه ودراساته في التاريخ المصري نتائج يعرف المؤرخون أهميتها وقيمتها يكفيه فضلا بين علماء الآثار المصرية أنه حافظ علي بعض آثار طيبة العريقة من الفناء واكتشف معبد خونسو وكشف البردية الهيراطيقية التي تحمل اليوم اسم بردية بريس دافين ويعد كتاب الآثار المصرية الذي يضم خمسين لوحة من القطع الكبير سجل فيها حياة المصريين من الكتب المهمة ويعتبر مكملا لكتاب شامبليون الذي ظهر عام 1845 بعنوان آثار مصر والنوبة. فحينما اشتد عليه المرض عام 1879,اضطرت زوجته إلي بيع جانب من مخطوطاته ورسومه ومجلدات مكتبته لبعض الإنجليز. 00 إدريس أفندي الذي لم أرد مفارقته فارقني بالفعل وغادر دنيانا عام ..1879تاركا أهم أوراقه التي ظلت في فرنسا وآلت إلي قسم المخطوطات بدار الكتب بباريس كما يوجد 12 مجلدا خلفها بريس دافين عفوا إدريس أفندي تضم خليطا من الرسوم والمذكرات والمخطوطات كمادة أولية لإنشاء كتاب جامع عن مصر كما عرفها,ولكن الأيام لم تمهله حتي يفرغه في قالبه الأخير.ولم يتح لها أن تنشر حتي اليوم لأسباب كثيرة في مقدمتها تلك الصراحة التي تحدث فيها إدريس أفندي عن أسرة محمد علي والجرأة في إذاعة أسرار القصور العامرة بألوان المجون والحماقة والترف . وتدعونا تلك الأوراق والمخطوطات المطوية التي حاورتنا بصدق وكشفت لنا الماضي إلي إعادة صياغة التاريخ بأقلام صادقة لشهود عيان عاشوا تلك الفترة بأنفسهم. |