الكلية الإكليريكية هو المنبع الذى يتعلم فيه الإكليروس العلوم المسيحية ويمتد تاريخ الكلية الإكليريكية إلى مدرسة الإسكندرية الشهيرة والتى ظل نور العلم الذى تشعه وهاجاً لمدة خمسة قرون متتالية والتى كانت بجانب مكتبة الإسكندرية منبع حضارة العالم القديم منذ نشأتها أثناء الإحتلال البطلمى لمصر وحتى حرقها عمر بن العاص ودمر مدينة الأسكندرية بعد إنتهاء الحرب بينه وبين البيزنطيين .

وبعد الإحتلال الإسلامى المتتالى بجيوش من الخلافة الراشدة ثم إحتلال الأمويين والعباسيين والفاطمين والمماليك والأيوبيين ثم العثمانيين أصاب الكنيسة الضرر والضعف نتيجة للحروب الطاحنة التى قام بها الإسلام وكانت مصر تمول هذه الحروب الدموية بالرجال والمال فقد كانت مصر جوهرة الخلافة الإسلامية حتى أصبحت رمادا وخربت مصر كما خربت خيبر وخرب بلاد الشرق الأوسط كله بعد أن غرق فى حروب دامية لم تستفد منها المنطقة شيئاً  

وفى حبرية البابا كيرلس الخامس رأى ضرورة إستعادة الكنيسة القبطية للكلية الإكليريكية لتعيد تدفق المعلومات الدينية والحضارية للكنيسة وتغذى الأبناء بتعاليم الاباء ويختار منهم رعاة ومعلمين .

وقد أعيد إفتتاح الكلية الإكليريكية فى 29 نوفمبر سنة 1892م .

وبدأت هذه المدرسة تشع من جديد ولكن عدو الخير أقام العثرات مستعملاً شتى الوسائل لهدم هذة النبتة الجديدة بعوامل خارجية وأخرى داخلية وفى أوقات أخرى كان يجمع بين الطريقتين ففى 29 يوليو سنة 1946م وردت فكرة عند أعضاء المجلس الملى لإيفاد بعثة من الشباب لتلقى العلم فى إحدى كليات اللاهوت الإنجيليزية والتعليم امر ضرورى ولكن كان الخطأ يكمن فى من هم المرسلين لهذه البعثة فقد ذكروا بعض الشباب ليس لهم عمق وأساس وفهم كامل للعقيدة الأرثوذكسية ليتعلموا فى كلية تعلم تعليما مختلفاً وقد كان البابا كيرلس له السبق فى إرسال سبعة رهبان للدراسة فى أثينا وحينما عادوا وصلوا إلى مراكز قيادية وقاموا بتعليم الشعب بنفس العقيدة التى كانت عند آباء الكنيسة .

أما عن الفكرة المطروحة ببعثه للتعلم فى إحدى الكليات الإنجليزية فقد عارضها البابا كيرلس ودب الخلاف بين الهيئتين العليتين المجلس الملى والأكليروس وقد تردد أن صاحبى الإقتراح فى المجلس قد تحادثا مع القمص إبراهيم لوقا حول هذا الموضوع وقد أسدى لهم النصح بدون عرض ما حدث على البابا الذى أقامه وكيلاً عاماً للبطريركية (1)

وفشلت محاولة إرسال شباب للتعلم فى معهد لاهوتى إنجليزة وتراجع أصحاب هذا الإقتراح .

+ وحاول أصحاب الإقتراح السابق أيضاً تعيين كاهن إنجليزى لتدريس اللغة اليونانية القديمة فى الكلية الإكليريكية وزعموا أنه لا يوجد قبطى يعرف هذه اللغة فإجتمع الأستاذ حبيب جرجس بأساتذة الكلية الإكليريكية وأصدروا بياناً وقعوا عليه وفيما يلى جزء منه :-

" ... لقد صرنا حيارى فى هذه الإجراءات المتتالية إدخال روح الثقافة الإنجليزية فى الإكليريكية ... ولا يغنى عن المقال أن هذا الراعى الأسقفة لا يدرس غير اللغة اليونانية القديمة ... لأن هذه اللغة لغة الإنجيل وأصل علم اللاهوت ... فلا شك فى أنه يمكن أن تؤول (تغير) النصوص تأويلاً خاصاً .. ومع شعورنا بأهمية اللغة اليونانية نسأل المجلس الملى لم لا يتجه فى ذلك وجهة أخرى ؟ وهو يعلم أنه بالكلية الإكليريكية أستاذاً هو الأستاذ يسى عبد المسيح يقوم بتدريس هذه اللغة ، وهو كفء قدير وله خبرة واسعة بتدريسها كما أنه ملم بعدة لغات أخرى وسبق أن درس (علم) بالجامعة المصرية القديمة اللغات الثلاث : اليونانية القديمة والقبطية الصعيدية والهيرغلوفية .. ونحن كمسئولون أمام الرب وأمام الكنيسة فى كل الأجيال نأبى كل الإباء أن يقوم بتدريس هذه المادة أحد رعاة الكنيسة الأسقفية ... أننا نؤمن أن رجال مجلسنا حريصون على قبطيتهم وحريصون على إيمانهم وعقيدتهم وحريصون بالتالى أن يحفظوا للإكليريكية إستقلالها الدينى ... إننا جد مؤمنين بحقنا فى هذه القضية وهى قضية الكنيسة القبطية وقضية العشرين قرناً التى سلختها فى جهادها من أجل الحق الذى نؤمن به .

ونحن نناشدكم أن تقولوا قولكم وتعملوا برضى ضميركم صوناً لكرامة الكنيسة وزوداً عن شرفها وسمعتها وإستقلال إيمانها .

وتفضلوا حضراتكم بقبول عظيم الإحترام ، فى 23 يناير 1947م 15 طوبة 1663ش - ووقع المجتمعون . (2)  

***************************

المراجع

(1) الأنوار فى 28 أبيب سنة 1662ش - 4أغسطس 1946م وقد دب الخلاف بين الأكليروس والعلمانيين حول هذا الموضوع وقد أذاع المجلس الملى أن أساقفة ومطارنة المجمع المقدس لم يوافقا على إقتراح أرسال شباب للتعلم فى كلية لاهوتية إنجليزية أنهم جهلاء.  

(2) الأنوار 25 طوبة 1663ش - 2 فبراير 1947 ص9- 10 قصة حبيب المصرى ص 238- 240 

(3) قصة الكنيسة القبطية - المؤرخة / أيريس حبيب المصرى - طبعة 1998 - مكتبة كنيسة مار جرجس بأسبورتنج - أسكندرية - الكتاب  السادس ص 59- 60