Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

ثــورة ممالك النوبة

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
قلاوون وغزو السودان
الغزو الإسلامى للنوبة
ثورة ممالك النوبة
معبد كلابشة / العملة
معاهدة البقط والعبودية للأسلام
تقديم لتاريخ النوبة
الشرطة تهاجم كاتدرائية الخرطوم
النوبيون
التاريخ الفرعونى للنوبة1
سرقة الآثار
النوبين وحقوق الإنسان
تهجير أهالى النوبة
تاريخ السودان والثورات

Hit Counter

 

ثــورة ممالك النوبة فى سنة 238

وفي أيام الوالى عنبسة سنة 238 فى عصر الخليفة العباسى المتوكل كان خروج أهل الصعيد الأعلى من معاملة الديار المصرية على الطاعة وامتنعوا من إعطاء ما كان مقررًا عليهم وهو في كل سنة خمسمائة نفر من العبيد والجواري مع غير ذلك من البخت البجاوية وزرافتين وفيلين وأشياء أخر‏.‏
فلما كانت سنة أربعين ومائتين تجاهروا بالعصيان وقطعوا ما كانوا يحملونه وتعرضوا لمن كان يعمل في معادن الزمرد من العمال والفعلة والحفارين فاجتاحوا الجميع وبلغ بهم الأمر حتى آتصلت غاراتهم بأعالي الصعيد فآنتهبوا بعض القرى المتطرفة مثل إسنا وأتفو وظواهرهما فأجفل أهل الصعيد عن أوطانهم وكتب عامل الخراج إلى عنبسة يعلمه بما فعلته البجاة فلم يمكن عنبسة كتم هذا الخبر عن الخليفة المتوكل على الله جعفر فكتب إليه بجميع ما فعلته البجاة فلما وقف على ذلك أنكر على ولاة الناحية تفريطهم ثم شاور المتوكل في أمرهم أرباب الخبرة بمسالك تلك البلاد فعرفوه أن المذكورين أهل بادية وأصحاب إبل وماشية وأن الوصول إلى بلادهم صعب لأنها بعيدة عن العمران وبينها وين البلاد الإسلامية براري موحشة ومفاوز معطشة وجبال مستوعرة وأن التكلف إلى قطع تلك المسافة وهي أقل ما تكون مسيرة شهرين من ديار مصر ويريد المتوجه أن يستعد بجميع ما يحتاج إليه من المياه والأزواد والعلوفات ومتى ما أعوزه شيء من ذلك هلك جميع من معه من الجند وأخذهم البجاة قبضًا باليد‏.‏
ثم إن هؤلاء الطائفة متى طرقهم طارق من جهة البلاد الإسلامية طلبوا النجمة ممن يجاورهم من طريق النوبة وكذلك النوبة طلبوا النجدة من ملوك الحبوش وهي ممالك متصلة بشاطىء نهر النيل حتى تنتهي بمن قصده السير إلى بلاد الزنج ومنها إلى جبل القمر الذي ينبع منه النيل وهي آخر العمران من كرة الأرض‏.‏
وقد ذكر القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري في كتابه ‏"‏ مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ‏"‏‏:‏ أن سكان هذه البلاد المذكورة لا فرق بينهم وبين الحيوانات الوحشية لكونهم حفاة عراة ليس على أحدهم من الكسوة ما يستره وجميع ما يتقوتون به من الفواكه التي تنبت عندهم في تلك الجبال ومن الأسماك التي تكون عندهم في العمران التي تجري على وجه الأرض من زيادة النيل ولا يعترف أحد منهم بزوجة ولا بولد ولا بأخ وأخت بل هم على صفة البهائم ينزو بعضهم على بعض‏.‏
فلما وقف المتوكل على ما ذكره أرباب الخبرة بأحوال تلك البلاد فترت عزيمته عما كان قد عزم عليه من تجهيز العساكر‏.‏
وبلغ ذلك محمد بن عبد الله القمي وكان من القواد الذين يتولون خفارة الحاج في أكثر السنين فحضر محمد المذكور إلى الفتح بن خاقان وزير المتوكل وذكر له أنه متى رسم المتوكل إلى عمال مصر بتجهيزه عبر إلى بلاد البجاة وتعدى منها إلى أرض النوبة ودوخ سائر تلك الممالك‏.‏
فلما عرض الفتح حديثه على المتوكل أمر بتجهيزه وسائر ما يحتاج إليه وكتب إلى عنبسة بن إسحاق هذا وهو يومئذ عامل مصر أن يمده بالخيل والرجال والجمال وما يحتاج إليه من الأسلحة والأموال وأن يوليه الصعيد الأعلى يتصرف فيه كيف شاء‏.‏
وسار محمد حتى وصل إلى مصر فعندما وصلها قام له عنبسة بسائر ما اقترحه عليه ونزل له عن عدة ولايات من أعمال الصعيد مثل فقط والقصير وإسنا وأرمنت وأسوان وأخذ محمد بن عبد الله القمي المذكور في التجهيز فلما فرغ من استخدام الرجال وبذل الأموال حمل ما قدر عليه من الأزواد والأثقال بعد أن جهز من ساحل السويس سبع مراكب موقرة بجميع ما تحتاج عساكره إليه‏:‏ من دقيق وتمر وزيت وقمح وشعير وغير ذلك‏.‏
وعينت لهم الأدلاء مكانًا من ساحل البحر نحو عيذاب يكون اجتماعهم فيه بعد مدة معلومة‏.‏
ثم رحل محمد من مدينة قوص مقتحمًا تلك البراري الموحشة وقد تكامل معه من العسكر سبعة آلاف مقاتل غير الأتباع وسار حتى تعدى حفائر الزمرد وأوغل في بلاد القوم حتى قارب مدينة دنقلة وشاع خبر قدومه إلى أقصى بلاد السودان فنهض ملكهم - وكان يقال له علي بابا - إلى محاربة العسكر الواصل مع محمد المذكور ومعه من تلك الطوائف المقدم ذكرها أمم لا تحصى غير أنهم عراة بغير ثياب وأكثر سلاحهم الحراب والمزاريق ومراكبهم البخت النوبية الصهب وهي على غاية من الزعارة والنفار فعندما قاربوا العساكر الإسلامية وشاهدوا ما هم عليه من التجمل والخيول والعدد وآلات الحرب فلم يقدروا على محاربتهم عزموا على مطاولتهم حتى تفنى أزوادهم وتضعف خيولهم ويتمكنوا منهم كيفما أرادوا فلم يزالوا يراوغونهم مراوغة الثعالب وصاروا كلما دنا منهم محمد ليواقعهم يرحلون من بين يديه من مكان إلى مكان حتى طال بهم المطال وفنيت الأزواد فلم يشعروا إلا وتلك المراكب قد وصلت إلى الساحل فقويت بها قلوب العساكر الإسلامية فعند ذلك تيقنت السودان أن المدد لا ينقطع عنهم من جهة الساحل فصمموا على محاربتهم ودنوا إليهم في أمم لا تحصى‏.‏
فلما نظر محمد إلى السودان التي أقبلت عليه انتزع جميع ما كان في رقاب جمال عساكره من الأجراس فعلقها في أعناق خيوله وأمر أصحابه بتحريك الطبول وبنفير الأبواق ساعة الحملة وتم واقفًا بعساكره وقد رتبها ميامن ومياسر بحيث لم يتقدم منهم عنان عن عنان وزحفت السودان عليه وهو بموقفه لا يتحرك حتى قاربوه وكادت تصل مزاريقهم إلى صدر خيوله فعند ذلك أمر أصحابه بالتكبير ثم حمل بعساكره على السودان حملة رجل واحد وحركت نقاراته وخفقت طبوله وعلا حس تلك الأجراس حتى خيل للسودان أن السماء قد انطبقت على الأرض فرجعت جمال السودان عند ذلك جافلة على أعقابها وقد تساقط عن ظهورها أكثر ركابها واقتحم عساكر الإسلام السودان فقتلوا من ظفروا به منهم حتى كفت أيديهم وامتلأت تلك الشعاب والبراري بالقتلى حتى حال بينهم الليل‏.‏
وفات المسلمين علي بابا أعني ملكهم لأنه كان مع جماعة من أهل بيته وخواصه قد نجوا على ظهور الخيل‏.‏
فلما انفصلت الواقعة وتحققت السودان أنهم لا مقام لهم بهذه البلاد حتى يأخذوا لأنفسهم الأمان فأرسل علي بابا ملك السودان إلى محمد بن عبد الله القمي يسأله الأمان ليرجع إلى ما كان عليه من الطاعة ويتحرك له حمل ما تأخر عليه من المال المقرر له لمدة أربع سنين فبذل له محمد الأمان وأقبل عليه علي بابا حتى وطىء بساطه فخلع عليه محمد خلعة من ملابسه وعلى ولده وعلى جماعة من أكابر أصحابه‏.‏
ثم شرط عليه محمد أن يتوجه معه إلى بين يدي الخليفة المتوكل على الله ليطأ بساطه فامتثل علي بابا ذلك وولى ولده مكانه إلى أن يحضر من عند الخليفة وكان اسم ولده المذكور ليعس بابا‏.‏
ثم عاد محمد بن عبد الله القمي بعسكره وصحبته علي بابا حتى وصل إلى مصر فأكرمه عنبسة المذكور وكان خرج إلى لقائه بأقصى بلاد الصعيدة وقيل‏:‏ بل كان مسافرًا معه وهو بعيد‏.‏
فأقام محمد بن عبد الله مدة يسيرة ثم خرج بعلي بابا إلى العراق وأحضره بين يدي الخليفة المتوكل على الله فأمره الحاجب بتقبيل الأرض فامتنع فعزم المتوكل أن يأمر بقتله وخاطبه على لسان الترجمان‏:‏ إنه بلغني أن معك صنمًا معمولًا من حجر أسود تسجد له في كل يوم مرتين فكيف تتأبى عن تقبيل الأرض بين يدي وبعض غلماني قد قدر عليك وعفا عنك فلما سمع علي بابا كلامه قبل الأرض ثلاث مرات فعفا عنه المتوكل وأفاض عليه الخلع وأعاده إلى بلاده كل ذلك في أيام ولاية عنبسة على مصر‏.‏
 

==================================================================

 

قبيلة البجــــة

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول  39 / 167 : البجة قبيلة من الحبش أصحاب أخبية من شعر وألوانهم أشدّ سوادًا من الحبشة يتزيون بزيّ العرب وليس لهم مدن ولا قرى ولا مزارع ومعيشتهم مما ينقل إليهم من أرض الحبشة وأرض مصر والنوبة‏.‏

وكانت البجة تعبد الأصنام ثم أسلموا في إمارة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وفيهم كرم وسماحة وهم قبائل وأفخاذ لكل فخذ رئيس وهم أهل نجعة وطعامهم اللحم واللبن فقط‏.‏

وما وراء ذلك ومنهم جنس آخر يعرفون بالرنافج هم أكثر عددًا من الحدارب غير أنهم تبع لهم وخفراؤهم يحمونهم ويحبونهم المواشي ولكل رئيس من الحدارب قوم من الرنافج في حملته فهم كالعبيد يتوارثونهم بعد أن كانت الرنافج قديمًا أظهر عليهم ثم كثرت أذيتهم على المسلمين وكان ولاة أسوان من العراق فرفع إلى أمير المؤمنين المأمون خبرهم فأخرج إليهم عبد الله بن الجهم فكانت له معهم وقائع ثم وادعهم وكتب بينه وبين ركنون رئيسهم الكبير الذي يكون بقريتهم هجر المقدم ذكرها كتابًا نسخته‏:‏

هذا كتاب كتبه عبد الله بن الجهم مولى أمير المؤمنين صاحب جيش الغزاة عامل الأمير أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد أبقاه الله في شهر ربيع الأوّل سنة ست عشرة ومائتين

لكنون بن عبد العزيز عظيم البجة بأسوان

إنك سألتني وطلبت إلي أن أؤمنك وأهل بلدك من البجة وأعقد لك ولهم أمانًا عليّ وعلى جميع المسلمين فأجبتك إلى أن عقدت لك وعلى جميع المسلمين أمانًا ما استقمت واستقاموا على ما أعطيتني وشرطت لي في كتابي هذا وذلك أن يكون سهل بلدك وجبلها من منتهى حدّ أسوان من أرض مصر إلى حدّ ما بين دهلك وباضع ملكًا للمأمون عبد الله بن هارون أمير المؤمنين عزه الله تعالى وأنت وجميع أهل بلدك عبيد لأمير المؤمنين إلا أنك تكون في بلدك ملكًا على ما أنت عليه في البجة وعلى أن تؤدّي إليه الخراج في كل عام على ما كان عليه سلف البجة وذلك مائة من الإبل أو ثلثمائة دينار وازنة داخلة في بيت المال والخيار في ذلك لأمير المؤمنين ولولاته وليس لك أن تخرم شيئًا عليك من الخراج وعلى أنّ كل أحد منكم إن ذكر محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به أو قتل أحدًا من المسلمين حرًّا أو عبدًا فقد برئت منه الذمّة ذمّة الله وذمّة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمّة أمير المؤمنين أعزه الله وذمة جماعة المسلمين وحل دمه كما يحلّ دم أهل الحرب وذراريهم وعلى أنّ أحدًا منكم إن أعان المحاربين على أهل الإسلام بمال أو دله على عورة من عورات المسلمين أو أثر لعزتهم فقد نقض ذمّة عهده وحلّ دمه وعلى أنّ أحدًا منكم إن قتل أحدًا من المسلمين عمدًا أو سهوًا أو خطأ حرًّا أو عبدًا أو أحدًا من أهل ذمة المسلمين أو أصاب لأحد من المسلمين أو أهل ذمّتهم ما لا ببلد البجة أو ببلاد الإسلام أو ببلاد النوبة أو في شيء من البلدان برًّا أو بحرًا فعليه في فتل المسلم عشر ديات وفي قتل العبد المسلم عشر قيم وفي قتل الذميّ عشر ديات من دياتهم وفي كل مال أصبتموه للمسلمين وأهل الذمّة عشرة أضعافه وإن دخل أحد من المسلمين بلاد البجة تاجرًا أو مقيمًا أو مجتازًا أو حاجًا فهو آمن فيكم كأحدكم حتى يخرج من بلادكم ولا تؤوا أحدًا من آبقي المسلمين فإن أتاكم آتٍ فعليكم أن تردوه إلى المسلمين وعلى أن تردوا أموال المسلمين إذا صارت في بلادكم بلا مؤنة تلزمهم في ذلك وعلى أنكم إن نزلتم ريف صعيد مصر لتجارة أو مجتازين لا تظهرون سلاحًا ولا تدخلون المدائن والقرى بحال ولا تمنعوا أحدًا من المسلمين الدخول في بلادكم والتجارة فيها برًّا ولا بحرًا ولا تخيفوا السبيل ولا تقطعوا الطريق على أحد من المسلمين ولا أهل الذمّة ولا تسرقوا لمسلم ولا ذميّ مالًا وعلى أن لا تهدموا شيئًا من المساجد التي ابتناها المسلمون بصيحة وهجر وسائر بلادكم طولًا وعرضًا فإن فعلتم ذلك فلا عهد لكم ولا ذمّة‏.‏
وعلى أن كنون بن عبد العزيز يقيم بريف صعيد مصر وكيلًا يفي للمسلمين بما شرط لهم من دفع الخراج وردّ ما أصابه البجة للمسلمين من دم ومال وعلى أن أحدًا من البجة لا يعترض حدّ القصر إلى قرية يقال لها قبان من بلد النوبة حدًّا لا عمدة عقد عبد الله بن الجهم مولى أمير المؤمنين لكنون بن عبد العزيز كبير البجة الأمان على ما سمينا وشرطنا في كتابنا هذا وعلى أن يُوافي به أمير المؤمنين فإن زاغ كنون أو عاث فلا عهد له ولا ذمّة وعلى كنون أن يدخل عمال أمير المؤمنين بلاد البجة لقبض صدقات من أسلم من البجة وعلى كنون الوفاء بما شرط لعبد الله بن الجهم وأخذ بذلك عهد الله عليه بأعظم ما أخذ على خلقه من الوفاء والميثاق‏.‏
ولكنون بن عبد العزيز ولجميع البجة‏:‏ عهد الله وميثاقه وذمّة أمير المؤمنين وذمّة الأمير أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد وذمّة عبد الله بن الجهم وذمّة المسلمين بالوفاء بما أعطاه عبد الله بن الجهم ما وفى كنون بن عبد العزيز بجميع ما شرط عليه فإن غيّر كنون أو بدّل أحد من البجة فذمّة الله جل اسمه وذمّة أمير المؤمنين وذمّة الأمير أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد وذمّة عبد الله بن الجهم وذمّة المسلمين بريئة منهم وترجم جميع ما في هذا الكتاب حرفًا حرفًا زكريا بن صالح المخزوميّ من سكان جدة وعبد الله بن إسماعيل القرشيّ ثم نسق جماعة من شهود أسوان فأقام البجة على ذلك برهة ثم عادوا إلى غزو الريف من صعيد مصر وكثر الضجيج منهم إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله فندب لحربهم محمد بن عبد الله القميّ فسأل أن يختار من الرجال من أحبّ ولم يرغب إلى الكثرة لصعوبة المسالك‏.‏
فخرج إليهم من مصر في عدّة فليلة ورجال منتخبة وسارت المراكب في البحر فاجتمع البجة لهم في عدد كثير عظيم فد ركبوا الإبل فهاب المسلمون ذلك فشغلهم بكتاب طويل كتبه في طومار ولفه بثوب فاجتمعوا لقراءته فحمل عليهم وفي أعناق الخيل الأجراس فنفرت الجمال بالبجة ولم تثبت لصلصلة الأجراس فركب المسلمون أقفيتهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وقتل كبيرهم فقام من بعده ابن أخيه وبعث يطلب الهدنة فصالحهم على أن يطأ بساط أمير المؤمنين فسار إلى بغداد وقدم على المتوكل بسرّ من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين فصولح على أداء الإداوة والبقط واشترط عليهم أن لا يمنعوا المسلمين من العمل في المعدن‏.‏

وأقام القميّ بأسوان مدّة وترك في خزائنها ما كان معه من السلاح وآلة الغزو فلم تزل الولاة تأخذ منه حتى لم يبقوا منه شيئًا فلما كثر المسلمون في المعادن واختلطوا بالبجة قلّ شرهم وظهر التبر لكثرة طلابه وتسامع الناس به فوفدوا من البلدان وقدم عليهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحميد العمريّ بعد محاربته النوبة في سنة خمس وخمسين ومائتين ومعه ربيعة وجهينة وغيرهم من العرب فكثرت بهم العمارة في البجة حتى صارت الرواحل التي تحمل الميرة إليهم من أسوان ستين ألف راحلة غير الجلاب التي تحمل من القلزم إلى عيذاب ومالت البجة إلى ربيعة وتروّحوا إليهم‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ كهان البجة قبل إسلام من أسلم منهم ذكرت عن معبودهم الطاعة ربيعة ولكنون معًا فهم على ذلك فلما قتل العمريّ واستولت ربيعة على الجزائر والاهم على ذلك البجة فأخرجت من خالفها من العرب وتصاهروا إلى رؤساء البجة وبذلك كف ضررهم عن المسلمين‏.‏

والبجة الداخلة في صحراء بلد علوة مما يلي البحر الملح إلى أوّل الحبشة ورجالهم في الظعن والمواشي واتباع الرعي والمعيشة والمراكب والسلاح كحال الحدارب إلا أن الحدارب أشجع وأهدى من الداخلة على كفرهم من عبادة الشيطان والاقتداء بكهانهم ولكل بطن كاهن يضرب له قبة من أدم معبدهم فيها فإذا رأوا استخباره عما يحتاجون إليه تعرى ودخل إلى القبة مستدبرًا ويخرج إليهم وبه أثر جنون وصرع يقول‏:‏ الشيطان يقرئكم السلام ويقول لكم‏:‏ ارحلوا عن هذه الحلة فإن الرهط الفلانيّ يقع بكم وسألتم عن الغزو إلى بلد كذا فسيروا فإنكم تظفرون وتغنمون كذا وكذا والجمال التي تأخذونها من موضع كذا هي لي والجارية الفلانية التي تجدونها في الخباء الفلانيّ والغنم التي من صفتها كذا ونحو هذا القول فيزعمون أنه يصدقهم في أكثر من ذلك فإذا غنموا أخرجوا من الغنيمة ما ذكر ودفعوه إلى الكاهن يتموّله ويحرّمون ألبان نوقها على من لم يقبل فإذا أرادوا الرحيل حمل الكاهن هذه القبة على جمل مفرد فيزعمون أن ذلك الجمل لا يثور إلا بجهد وكذلك سيره ويتصبب عرقًا والخيمة فارغة لا شيء فيها وقد بقي في الحدارب جماعة على هذا المذهب ومنهم من يتمسك بذلك مع إسلامه‏.‏
ال مؤرخ النوبة‏:‏ ومنه لخصت ما تقدّم ذكره وقد قرأت في خطبة الأجناس لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ ذكر البجة والكجة ويقول عنهم‏:‏ شديد كلبهم قليل سلبهم فالبجة كذلك وأما الكجة فلا أعرفهم انتهى ما ذكره عبد الله بن أحمد مؤرخ النوبة‏.‏

وقال أبو الحسن المسعودي‏:‏ فأما البجة فإنها نزلت بين بحر القلزم ونيل مصر وتشعبوا فرقًا وملَّكوا عليهم ملكًا وفي أرضهم معادن الذهب وهو التبر ومعادن الزمرّذ وتتصل سراياهم ومناسرهم على النجب إلى بلاد النوبة فيغزون ويسبون وقد كانت النوبة قبل ذلك أشد من البجة إلى أن قوي الإسلام وظهر وسكن جماعة من المسلقين معدن الذهب وبلاد العلاقي وعيذاب وسكن في تلك الديار خلق من من العرب من ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان فاشتدّت شوكتهم وتزوّجوا من البجة فقويت البجة ثم صاهرها قوم من ربيعة فقويت ربيعة بالبجة على من ناواها وجاورها من قحطان وغيرهم ممن سكن تلك الديار‏.‏

وصاحب المعدن في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة بشر بن مروان بن إسحاق بن ربيعة يركب في ثلاثة آلاف ألف من ربيعة وأحلافها من مصر واليمن وثلاثين ألف حراب على النجب من البجة في الجحف التحاوية وهم الحدارب وهم مسلمون ممن بين سائر البجة والداخلة من البجة كفار يعبدون صنمًا لهم والبجة المالكة لمعدن الزمرذ يتصل ديارها بالعلاقي وهو معدن الذهب وبين العلاقي والنيل خمس عشرة مرحلة وأقرب العمارة إليه مدينة أسوان وجزيرة سواكن أقل من ميل في ميل وبينها وبين البحر الحبشي بحر قصير يخاض وأهلها طائفة من البجة تسمى‏:‏ الخاسة وهم مسلمون ولهم بها ملك‏.‏

 

*****************************************************************************************

أغار ملك النوبة على أسوان

 

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول  39 / 167 :وفي في الحجة سنة أربع وأربعين وثلثمائة أغار ملك النوبة على أسوان وقتل جمعًا من المسلمين فخرج إليه محمد بن عبد الله الخازن على عسكر مصر من قبل أو نوجور بن الإخشيد في محرّم سنة خمس وأربعين فساروا في البرّ والبحر وبعثوا بعدّة من النوبة أسروهم فضربت أعناقهم بعدما أوقع بملك النوبة وسار الخازن حتى فتح مدينة أبريم وسبى أهلها وقدم إلى مصر في نصف جمادى الأولى سنة خمس وأربعين بمائة وخمسين أسيرًا وعدّة رؤوس‏.‏

وكان بثغر أسوان بنو الكنز من ربيعة أمراء ممدوحون مقصودون صنع لهم الفاضل الشديد أبو الحسن بن عرام سيرة ذكر فيها مناقبهم وأسماء من مدحهم ومن ورد عليهم ولما أرسل السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب جيشًا إلى كنز الدولة وأصحابه ترحلوا عن البلاد فدخلوا بيوتهم فوجدوا بها قصائد من مدحهم منها قصيدة أبي محمد الحسن بن الزبير قال فيها‏:‏ وينجده إن خانه الدهر أوسطًا أناس إذا ما أتجد الذل اتهموا أجاروا فما تحت الكواكب خائف وجادوا فما فوق البسيطة معدم وأنه أجازه عليها بألف دينار ووقف عليه ساقية تساوي ألف دينار وكان بأسوان رجال من العسكر مستعدون بالأسلحة لحفظ الثغر من هجوم النوبة والسودان عليه فلما زالت الدولة الفاطمية أهمل ذلك فسار ملك النوبة في عشرة آلاف ونزله تجاه أسوان في جزيرة وأسر من كان فيها من المسلمين ثم تلاشى بعد ذلك أمر الثغر واستولى عليه أولاد الكنز من بعد سنة تسعين وسبعمائة فأفسدوا فسادًا كبيرًا وكانت لهم مع ولاة أسوان عدّة حروب إلى أن كانت المحن منذ سنة ست وثمانمائة وخرب إقليم الصعيد فارتفعت يد السنة عن ثغر أسوان ولم يبق للسلطان في مدينة أسوان والٍ واتضع حاله عدّة سنين ثم زحفَتّ هوّارة في محرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة إلى أسوان وحاربت أولاد الكنز وهزموهم وقتلوا كثيرًا من الناس وسبوا ما هناك من النساء والأولاد واسترقوا الجميع وهدموا سور مدينة أسوان ومضوا بالسبي وقد تركوها خرابًا يبابًا لا سكن بها فاستمرت على ذلك بعدما كانت بحيث يقول عنها عبد الله بن أحمد بن سليم الأسوانيّ في كتاب أخبار النوبة‏:‏ أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن عبد الحميد العمري لما غلب على المعدن كتب إلى أسوان يسأل التجار الخروج إليه بالجهاز من طريق المعدن فخرج إليه رجل يعرف بعثمان بن حيخلة التميميّ في ألف راحلة فيها الجهاز والبرّ‏.‏

وذكر أنّ العمريّ لما عاد إلى بلاد البجة بعد حروبه للنوبة كثرت العمارة حتى صارت الرواحل التي تحمل الميرة إليهم من أسوان ستين ألف راحلة غير الجلاب التي تحمل من القلزم إلى عيذاب قال‏:‏ ومما شاهده جماعة من شيوخنا الثقات بأسوان بقرية تدعى أساشي هي من أسوان على مرحلتين ونصف أنهم رأوا شرقها من جانب النيل قرية بسور وخارج بابها جميزة وناس يدخلون ويخرجون فإذا عبروا إلى الموضع لم يجدوا شيئًا وهذا يكون في الشتاء دون الصيف قبل طلوع الشمس والناس مجمعون على رؤيتها وصحة هذا الخبر وكان بها أنواع من التمر وأنواع من الرطب منها نوع من الرطب أشدّ ما يكون من خضرة السلق‏.‏
وأمر هارون الرشيد أن يجمع له من ألوان تمر أسوان من كل صنف تمرة واحدة فجمع له ويبة ولا يعرف في الدنيا بسِرٌ يتتمر قبل أن يصير رطبا إلا بأسوان‏.‏

 

This site was last updated 01/05/08