محراب جامع السلطان حسن

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 جامع السلطان حسن

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك -

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
مسجد الشافعي
مآذن القاهرة
لاجين السيفي مسجد مصلوب
سبيل السلطان مصطفى
مسجد المرزوقى الاحمدى
مساجد وسبيل بشارع المعز
مسجد أثر النبى
جامع السلطان حسن
مسجد الحبيبى بحى السيدة
مسجد قايتباى بالقرين بالشرقية
مسجد قجماس الإسحاقى
مسجد المحمودية
مسجد قايتباى
مسجد سادات قريش
جامع الأمير سليمان أغا السلحدار
New Page 6389
New Page 6390
New Page 6391
New Page 6392
New Page 6393
New Page 6394
New Page 6395
New Page 6396
New Page 6397
New Page 6398
New Page 6399
New Page 6400

Hit Counter

 

 

مولد ونشأة السلطان حسن

كانت فترة حكم العبيد البض المماليك لمصر فترة غير مستقرة وغير آمنة لمصر والمصريين إمتلأت بالفوضى والمؤامرات والقتل والسلب والنهب

ولد السلطان حسن سنة (735هـ =1335م) وهو أبن السلطان الناصر محمد بن قلاوون وبعد ست سنوات من سني حكم أبيه فقد توفي سنة (741هـ = 1340م)، وخلفه ستة من أبنائه لا يكاد يستقر أحدهم على الملك حتى يعزل أو يقتل ويتولى آخر حتى جاء الدور على الناصر حسن فتولى السلطنة في (14 من رمضان 748 هـ= 18 من ديسمبر 1347م) صبيا فكان يدبر الأمر الأميران منجك وأخوه “بيبغاأرس”، وأصبح السلطان حسن كالمحجور عليه.. عاجزا عن التصرف، وشهدت السنة الثانية من حكمه ظهور الوباء الذي اشتد بمصر وفتك بمئات الألوف، ويذكر المؤرخون أنه كان يموت بمصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألفا في اليوم الواحد، وحفرت الحفائر وألقيت فيها الموتى؛ فكانت الحفرة يدفن فيها ثلاثون أو أربعون شخصا، وعانى الناس من الضرائب والإتاوات التي فرضها عليهم الأميران الغاشمان؛ فاجتمع على الناس شدتان: شدة الموت، وشدة الجباية ونهب العبيد البيض المماليك للمصريين.

وفي سنة (751 هـ= 1350م) أعلن القضاة أن السلطان قد بلغ سن الرشد، وأصبح أهلا لممارسة شئون الحكم دون وصاية من أحد أو تدخل من أمير، وما كاد يمسك بيده مقاليد الأمور حتى قبض على الأميرين وصادر أملاكهما، وكان هذا نذيرا لباقي الأمراء، فخشوا من ازدياد سلطانه واشتداد قبضته على الحكم، فسارعوا إلى التخلص منه قبل أن يتخلص هو منهم، فخلعوه عن العرش في (17 من جمادى الآخرة 752 هـ= 11 من أغسطس 1351م)، وبايعوا أخاه الملك صلاح الدين بن محمد بن قلاوون وكان فتى لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره. الولاية الثانية للسلطان حسن لم يكن حظ السلطان الجديد أسعد حالا من أخيه السلطان حسن، فكان مقيد التصرف لا يبرم أمرا أو يصدر حكما، وتجمعت السلطة في يد الأميرين صرغتمش وشيخون، وحين حاول أحد الأمراء الاستعانة بالسلطان لخلعهما والقبض عليهما سارعا إلى القبض على السلطان وإعادة أخيه الناصر حسن إلى الحكم مرة أخرى في سنة (755هـ= 1354م). ولما تولى الحكم ظل على حاله مغلوبا على أمره، لا يملك من السلطنة إلا اسمها، لا يباشر الحكم ولا يقدر على ممارسته في ظل طغيان الأميرين صرغتمش وشيخون؛ فلما قتل ثانيهما سنة (758هـ = 1357م) انفرد الآخر بالحكم وعظم أمره واستطال في الدولة، وازدادت ثروته وكثر مماليكه، وغرّه حاله فتطلع إلى السلطنة، وعزم على انتزاعها من السلطان ، فلما ترامت هذه الأنباء إلى السلطان، وكان قد صهرته التجارب وقوت عريكته المحن، فكان أسبق من غريمه، ونجح في القبض عليه وسجنه، وأصبح سلطانا بلا منازع،  وتحررت قراراته من القيد والمراقبة، وباشر شئون الدولة بنفسه دون تدخل من أحد. ولكن ذلك لم يدم طويلة؛ إذ نازعه الأمر مملوكه الأمير يلبغا العمري ثم نجح في القبض على السلطان وقتله في (9 من جمادى الأولى 762 هـ = 17 من مارس 1361)، وكان عمره يوم قتل نيفا وثلاثين سنة، وكانت مدة ملكه في سلطنته الثانية ست سنين وسبعة أشهر.

 

صيد الحجر.. بنيان الرضا وعمارة السكينة فى «السلطان حسن» (٣)

 المحراب.. باب الروح

 جريدة المصرى اليوم  كتب   جمال الغيطانى    ٢٤/ ٨/ ٢٠٠٩

المحراب من رخام، بابه مغطى بالنحاس المنقوش، أطباق نجمية من اثنى عشر جزءاً كل منها مستقل بذاته، متصل بما يليه، الدائرة موزعة على مصراعى الباب، هكذا النقوش الغزيرة التى تغطى مصراعى النافذة الضخمة المؤدية إلى القبة. هنا أتوقف، بالتحديد أمام المحراب، أستدير متمهلاً، أتطلع صوب القبة الخشبية فى المنتصف، دائماً فى المنتصف نجد الماء، الماء أصل كل شىء حى، له المركز، تظلله قبة كتب عليها من الداخل سورة الكرسى. أعبر القبة بالبصر، أسافر بالنظر إلى الإيوان الغربى، تتوسطه نافذة تصل البيمارستان بصحن المسجد، الإيوان مخصص للمذهب الحنبلى، الجدران شاهقة الارتفاع، خالية من الزخارف، فقط دائرة قرب النهاية العلوية، دائرة دقيقة الزخارف، منمنمات من الجبس والحجر، دائرة مشبعة غزيرة، مشعة بالإيحاء، السلطان حسن بشكل عام قليل الزخارف، ولكن الزخارف الموزعة فيه وضعت وفقاً لمقياس رهيف، شديد التأثير، يبهرنى ذلك التوازن بين الزخارف السابحة فى الأعالى، على هذا الارتفاع وسط سديم من الفراغ وبين التكوين الهائل للعمارة، توازن لا مثيل له، حضور تلك الدائرة فى إطار هذا الفراغ الهائل يمنحها قوة حضور هائلة، . ثمة دائرتان مماثلتان على نفس الارتفاع، نفس المستوى، دائرة فى الإيوان المالكى والأخرى مواجهة لإيوان المذهب الشافعى، حنو الإيوان الغربى على القبة التى تعلو موضع الماء فى المنتصف. القبة استدارة استدارة علوية تحيط بالاستدارة النابعة من دائرة القبة زاوية يمكن من خلالها الإصغاء إلى الموسيقى الخفية التى تسرى فى عمارة المكان، قبة الميضأة فى المنتصف، عندما أدخل إلى البيمارستان وأتوقف أمام النافذة التى تصله بالصحن المكشوف، أرى القوس الحجرى الأعظم محتوياً القبة، استدارة تحيط باستدارة . ثمة استدارة أخرى من داخل البيمارستان، إنها أعلى المحراب، المئذنة القبلية والقبة فى منتصف الصحن التى تظلل المياه، تعامد واتصال مرهف بين استقامة المئذنة ودائرية القبة، بين الاستقامة والانحناء، بين المستطيل والتكوير، بين النوعين المتضادين والمكملين لبعضهما البعض.   تحت مركز القبة ، إنه الضريح، الهدف الحقيقى لكل من أنشأ مسجداً أو مدرسة، أن يرقد فى ثراها، أن يذكره الناس، أن يبقى اسمه ملفوظاً، معروفاً، إنه نفس المضمون المصرى القديم. أتوقف عند العتبة.

 العتبة الفاصلة

 دخولى عبر الباب الرئيسى إلى المدخل ثم إلى الدهليز المؤدى إلى الصحن،حم أصغر، والقبة رحم أكبر، إنه رحم الأرض الذى يؤول إليه كل سعى. عند العتبة أرفع البصر إلى أعلى، إلى الركن المقابل، المواجه من القبة. ، رغم محدودية المسافة إلا أنها تبدو بلا نهاية. الارتفاع ثمانية وأربعون متراً، كل ضلع واحد وعشرون متراً، نحت على هيئة مربع، أما القبة فدائرية، من المربع ينتقل البناء إلى الدائرى عبر المقرنصات، هنا نلحظ خصوصية هذه المقرنصات الخشبية الملونة، تبدو الخطوط عليها مكونة أشكالاً غريبة، غير أننى بالتدقيق ألمح ما يشبه الجعران المصرى القديم، مثل هذه المقرنصات لم أعرف مثيلاً لها إلا فى قبة قلاوون. يذكر الرسام الفرنسى بريس دافين أن القبة سقطت سنة ١٠٧١هـ، (١٦٦١م)، وكانت فى الأصل أعلى ارتفاعاً، أما باطنها فممتلئ بالنقاش، جددها إبراهيم باشا سنة ١٠٨٢هـ (١٦٧١م). القبة تعنى أنها تقوم فوق ضريح، المقبرة موجودة بالفعل، ومن المفارقات أن السلطان حسن قتل ولم يعثر له على جثة، يرقد فى القبر ابنه الشهاب أحمد المتوفى فى ١٤ جمادى الآخرة سنة ٧٨٨هـ (١٣٨٦م). قرب المنتصف، فى الجدران الأربعة، نرى أربع دوائر متواجهة، متماثلة، متوازنة، متقابلة، داخل كل منها حشوات وزخارف جصية، أما ما يستوقفنى فتلك الزخارف الحمراء الداكنة النابعة من الدائرة، كأنه ذلك اللهب المنبعث من قرص الشمس الذى يقذف من أعماقها إلى مسافات قصية من الفراغ، أربع شموس متواجهة، رسوم تفيض بالحركة والحيوية، حواف الشموس مشتعلة، على الجدار الغربى، إنه شرقى بالنسبة لى عند وقوفى أمام المحراب، هكذا الأمر دائماً نسبى، .. من هناك تشكيل زخرفى دائرى تتوسطه دائرة حمراء، من نفس خامة الرخام التى نجدها فى المعابد المصرية القديمة والكنائس، تعددت الديانات ومواد العمارة من نفس تلك الأرض، غير أن ما يتشابه فيها أيضاً الرؤية، تلك نجدها فى تصميم المبانى، فى الزخارف، فى التكوينات،

فى الفلسفة الكامنة.

 يبهرنى فى القبة الخط المكتوب قرب المنتصف، خط لم أعرف له مثيلاً فى أى مسجد أو مخطوط. خط فيه من تآلف العراقة والحداثة ما يذهل. فيه جرأة، فيه تفنن وتوثب، تحت القبة كرسى مصحف به حشوات على هيئة الطبق النجمى - أربعة وعشرين - مطعمة بالعاج والأبنوس. العاج أبيض والأبنوس أسود، فكأن الليل والنهار يتداخلان هنا، الزخارف من أدق ما رأيت، كأنها إشارات لأخرى لا يمكن لنا أن نطلع عليها. أطوف به،

 محمد بن بليك

 لقرون حار العلماء والرحالة وكل الذين توقفوا منبهرين بهذا المعمار، لابد أنهم تساءلوا: من المهندس العبقرى الذى خطط، من الذى شيد؟ لقرون ظل اسم المهندس مجهولاً، خفياً، لم يذكره المقريزى ولا أى مؤرخ آخر، لم يعثر أحد على إشارة تدل إليه، هكذا معظم أعمال العمارة الإسلامية، يعرف البناء باسم من أمر بتشييده وليس بمن خطط وأبدع وشيد بالفعل، فى مساجد القاهرة لم أعثر إلا على اسم فنان قام بإبداع الزخرفة فى محراب قجماسى الإسحاقى. ماعدا ذلك يظل أولئك المبدعون فى العتمة. جاءوا من المجهول ومضوا إلى المجهول، كان ممكناً للمهندس العبقرى المتوارى أن يظل فى دائرة العتمة لولا محب، عاشق، متخصص فى الآثار المصرية، هو حسن عبدالوهاب، فلنصغ إليه إذ يحدثنا عبر كتابه الجميل «تاريخ المساجد الأثرية فى القاهرة»، يقول ما نصه: «وفى يوم ١٤ نوفمبر ١٩٤٤، أثناء اشتغالى بمراجعة كتابات الجامح لنشرها مع أستاذى الجليل مسيو فييت ضمن مجموعة الكتابات التاريخية الجارى نشرها - عثرت فى المدرسة الحنفية على اسم المهندس مكتوباً فى طرازها الجصى بما نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، إن المتقين فى جنات ونعيم ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما فى صدورهم - إلى قوله تعالى: وما هم منها بمخرجين. اللهم يا دائم لا يفنى من نعمه لا تحصى، أدم العز والتمكين والنصر والفتح المبين ببقاء من أيدت به الإسلام والمسلمين وأحييت... حسن ابن مولانا السلطان الـ.......، عنه على ما وليته وخلده فى ذريته كتبة تحمد دولته، وشاد عمارته محمد بن بليك المحسنى..». الله.. الله أخيراً كشف لنا حسن عبدالوهاب عن العقل الذى يقف وراء هذه العمارة، دائماً أدخل المدرسة الحنفية بعد نهاية رحلتى هنا، الباب إلى يمين الإيوان القبلى، تكوين من تكوين، غرف الشيوخ والطلبة، العمارة على هيئة المدرسة، لكل مذهب شيخ ومائة طالب، من كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون وثلاثة معيدون، وعين مدرس لتفسير القرآن وعين معه ثلاثون طالباً، عهد إلى بعضهم أن يقوموا بعمل الملاحظة، وعين مدرس للحديث النبوى، ومقرئ لقراءة الحديث، وثلاثون طالباً يحضرون يومياً عُهد إلى بعضهم أن يقوموا بوظيفة النقيب، والبعض الآخر يقوم بوظيفة داع للسلطان عقب الدروس، ثم عين بالإيوان القبلى بالجامع شيخ مفتٍ، ورتب معه مقرئ مجيد للقراءة على أن يحضر أربعة أيام من كل أسبوع، منها يوم الجمعة فيقرأ المقرئ ما تيسر من القرآن وما تيسر من الحديث الشريف، وعين مدرس حافظ لكتاب الله عالم بالقراءات السبع ليجلس كل يوم ما بين صلاة الصبح والزوال بالإيوان القبلى، وقارئ آخر يجلس معه ليلقن القرآن لمن يحضر عنده، ثم عين اثنان لمراقبة الحضور والغياب، أحدهما بالليل والآخر بالنهار، وأعدت مكتبة لها أمين، وألحق بالمدرسة مكتبان بمدرسيهما لتعليم الأيتام القرآن والخط، وقرر لهم الكسوة والطعام، فكان إذا أتم اليتيم القرآن حفظاً يعطى خمسين درهماً ويمنح مؤدبه خمسين درهماً مكافأة له، وعين طبيبان مسلمان أحدهما باطنى والآخر للعيون، يحضر كل منهما كل يوم بالمسجد ليداوى من يحتاج إلى علاج من الموظفين والطلبة، ورتب طبيب ثالث جراح، وقد أرصد فى وقفيته رواتب الأساتذة والطلبة والموظفين، وقيمة ما يصرف لهم من المأكل كل ليلة جمعة وما يصرف لهم فى الأعياد. أستعيد ما ذكره المقريزى وعلى باشا مبارك وحسن عبدالوهاب أثناء تجوالى وتدققى. غير أن الجملة التى تتردد فى وعيى بعد خروجى من المدرسة الحنفية تلك المنقوشة فوق الجدار الداخلى البعيد عن العيون والأبصار إلى درجة أن أحداً لم يلحظها طوال تلك القرون، حتى قرأها وفسرها ونشرها المرحوم حسن عبدالوهاب، كلمتان فقط أرددهما: وشاد عمارته.. ثم أكمل.. وشاد عمارته محمد بن بليك المحسنى.. إذن علمنا اسم من شاد العمارة، ومحمد هذا ينتمى إلى أسرة قديمة عرفت منذ عصر المنصور قلاوون، ما نعرفه عنه أنه وقف إلى جوار السلطان حسن فى محنته مع الأمير يبلغا، ثم تغيبت أخباره تماماً. مرة أخرى

أذكر المهندس العبقرى سنموت الذى صمم وشيد معبد الدير البحرى فى البر الغربى لعشيقته الملكة حتشبسوت، كتب اسمه على الأبواب فى المعبد ولكن من الخلف حتى لا يراها أحد، كان الكهنة يدخلون فيدفعون الأبواب، يرون فقط ما يواجهونه، لم يكن سنموت معنياً بأن يرى أحد اسمه، المهم أن يبقى، المهم أن يسجله على المعبد الذى أبدعه، كذلك فى مقبرته، كتبه ثم أخفاه بطلاء، ثم كتبه مرتين، كما توقع، دمر أعداؤه الاسم فى الطبقة الأولى واكتشفوا الثانية أيضاً غير أن الثالثة ظلت وهكذا عرفناه. هكذا الحال فى السلطان حسن، حرص محمد بن بليك المحسنى على أن يكتب اسمه ولكن بعيداً عن الأنظار، داخل أكبر المدارس الأربع، الحنفية، فى شهر جمادى الأولى سنة ٧٦٢هـ (١٣٦١م) قتل السلطان حسن، كانت المدرسة كاملة عدا بعض أعمال تكميلية أتمها من بعده الطواشى بشير الجمدار. أتم أعمال الرخام خاصة بالأرضيات، والقبة الخشبية فوق الفسقية، وعمل المصراعين الكبيرين للباب الرئيسى الذى استولى عليه السلطان المؤيد شيخ، ونقرأ عليه: «أمر بإنشاء هذا الباب المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى مولانا السلطان الشهيد أبوالمعالى حسن ابن مولانا السلطان الشهيد الناصر محمد بن قلاوون وذلك فى سنة أربعة وستين وسبعمائة..». ثم أتم بناء القبة الكبيرة، هذا مجمل ما قام به بشير الجمدار، ولكن ثمة مهندس ثالث، مهندس لا نعرف عنه شيئاً ولا حتى اسمه، إذن. كيف وصلنا أمره، لقد ترك لنا رسالة غريبة، غامضة، فى أوضح مكان وأشده ظهوراً، فى الواجهة تماماً، رسالة يمكن أن يمر أمامها من يجهل، ولكن سوف يتوقف أمامها طويلاً من يعرف ويلم. إلى يمين الداخل، وإلى يسار الخارج، أتوقف دائماً أمام تلك الرسالة بعد تمام الزيارة، أى بعد خروجى، أتجه إلى اليسار، ثمة قائم - دعامة - نحيل، مقسم إلى ستة سطوح فوق بعضها، متعاقبة، داخل كل منها رسوم بارزة، نرى بداخلها أقواساً وأعمدة غريبة على أى طراز عربى، إنها أعمدة أقرب إلى الطراز البيزنطى وأيضاً القوطى، نرى بيتاً صغيراً محدود بالسقف وعليه قرميد مثل البيوت الأوروبية، فى المربع الذى تليه ملامح مكان عبادة. إذن المهندس أجنبى عن البلاد، ربما جاء من بيزنطة أو فينسيا وشارك فى أعمال التصميم والبناء، ربما - وهذا الأرجح - كان رقيقاً وتم أسره وعاش بين حاشية السلطان، ربما كان مسيحياً عاش فى بلاد السلاجقة ودرس الطرز الإسلامية، إن ذكاءه الخارق فى حفر هذه العلامات التى تدل عليه، فى أوضح مكان يمكن تصوره، وأحياناً تكون قمة الإخفاء فى أشد الأماكن ظهوراً وأبعدها عن الاحتمال، هذا الذكاء فى اختيار موقع رسالته إلى من يفهم يجعلنى أوقن أنه مصمم هذه العمارة التى لا مثيل لها، لم يخف اسمه مثل محمد بليك داخل المدرسة الحنفية، إنما جاهر به فى أوضح الأماكن، محمد بن بليك شاد العمارة أى المشرف العام. وتلك الرسالة تدل على من صمم، وتدل على أنه ما من شىء يمكن أن يوقف أو يمنع أو يحد من قدرة الإنسان على ترك علامة تدل عليه إذا ما أنجز عملاً رائعاً ولم يذكر اسمه، إبداع فى إطار الإبداع، لن نعرف شيئاً أبداً عن صاحب هذه الرسالة، كما أننا لن نعرف شيئاً عن الآلاف الذين حفروا، ورصوا الحجر وسووا الرخام ورتبوا الزخارف ومات بعضهم تحت الردم، فقط تركوا لنا أنفاسهم بين الأحجار والنقوش التى أعتبر بعضها شكلاً من العبادة، كذلك الخطوط التى كتبت بها الآيات القرآنية، وأودعوها أيضاً موسيقى البنيان التى تسرى عبر روحى مضفية عليه السكينة والرضا بما كان وما سأصير إليه.

جمال الغيطانى

 

This site was last updated 08/25/09