بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع الحج صحيح مسلم
و حدثني محمد بن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء قال
سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في ناس معي قال أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده قال عطاء قال جابر فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا أن نحل قال عطاء قال حلوا وأصيبوا النساء قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني قال يقول جابر بيده كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا فحللنا وسمعنا وأطعنا قال عطاء قال جابر فقدم علي من سعايته فقال بم أهللت قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهد وامكث حراما قال وأهدى له علي هديا فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فقال لأبد
**********
صحيح مسلم بشرح النووي
قَوْله : ( صُبْح رَابِعَة )
هُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَكَسْرهَا .
قَوْله : ( فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلّ قَالَ عَطَاء : قَالَ : حِلُّوا وَأَصِيبُوا النِّسَاء قَالَ عَطَاء : وَلَمْ يَعْزِم عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ )
مَعْنَاهُ لَمْ يَعْزِم عَلَيْهِمْ فِي وَطْء النِّسَاء بَلْ أَبَاحَهُ وَلَمْ يُوجِبهُ , وَأَمَّا الْإِحْلَال فَعَزَمَ فِيهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي .
قَوْله : ( فَنَأْتِي عَرَفَة تَقْطُر مَذَاكِيرنَا الْمَنِيّ )
هُوَ إِشَارَة إِلَى قُرْب الْعَهْد بِوَطْءِ النِّسَاء .
قَوْله : ( فَقَدِمَ عَلِيّ مِنْ سِعَايَته فَقَالَ : بِمَ أَهْلَلْت ؟ قَالَ : بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا قَالَ : وَأَهْدَى لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَدْيًا )
السِّعَايَة بِكَسْرِ السِّين قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَوْله :
( مِنْ سِعَايَته )
أَيْ مِنْ عَمَله فِي السَّعْي فِي الصَّدَقَات . قَالَ : وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا الَّذِي فِي غَيْر هَذَا الْحَدِيث إِنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَمِيرًا لَا عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَات إِذْ لَا يَجُوز اِسْتِعْمَال بَنِي هَاشِم عَلَى الصَّدَقَات لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْلِ بْن عَبَّاس وَعَبْد الْمُطَّلِب بْنِ رَبِيعَة حِين سَأَلَاهُ ذَلِكَ : " إِنَّ الصَّدَقَة لَا تَحِلّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّد " وَلَمْ يَسْتَعْمِلهُمَا . قَالَ الْقَاضِي : يُحْتَمَل أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلِيَ الصَّدَقَات وَغَيْرهَا اِحْتِسَابًا , أَوْ أَعْطَى عِمَالَته عَلَيْهَا مِنْ غَيْر الصَّدَقَة . قَالَ : وَهَذَا أَشْبَه لِقَوْلِهِ ( مِنْ سِعَايَته ) , وَالسِّعَايَة تَخْتَصّ بِالصَّدَقَةِ , هَذَا كَلَام الْقَاضِي , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَن إِلَّا قَوْله : إِنَّ السِّعَايَة تَخْتَصّ بِالْعَمَلِ عَلَى الصَّدَقَة , فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَل فِي مُطْلَق الْوِلَايَة وَإِنْ كَانَ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهَا فِي الْوِلَايَة عَلَى الصَّدَقَة , وَمِمَّا يَدُلّ لِمَا ذَكَرْته حَدِيث حُذَيْفَة السَّابِق فِي كِتَاب الْإِيمَان مِنْ صَحِيح مُسْلِم قَالَ فِي حَدِيث رَفْع الْأَمَانَة : وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَان وَمَا أُبَالِي أَيّكُمْ بَايَعْت لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ , وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيه يَعْنِي الْوَالِي عَلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( فَقَدِمَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ سِعَايَته فَقَالَ : بِمَ أَهْلَلْت ؟ قَالَ : بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا قَالَ : وَأَهْدَى لَهُ عَلِيّ هَدْيًا ) ثُمَّ ذَكَرَ مُسْلِم بَعْد هَذَا بِقَلِيلٍ حَدِيث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : ( قَدِمْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي : حَجَجْت ؟ فَقُلْت : نَعَمْ فَقَالَ : بِمَ أَهْلَلْت ؟ قَالَ : قُلْت : لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَدْ أَحْسَنْت طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة ثُمَّ حِلَّ ) . وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ أَبِي مُوسَى أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : ( بِمَ أَهْلَلْت ؟ قَالَ : أَهْلَلْت بِإِهْلَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلْ سُقْت مِنْ هَدْي ؟ قُلْت : لَا قَالَ : طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة ثُمَّ حِلَّ ) . هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى صِحَّة الْإِحْرَام مُعَلَّقًا , وَهُوَ أَنْ يُحْرِم إِحْرَامًا كَإِحْرَامِ فُلَان فَيَنْعَقِد إِحْرَامه وَيَصِير مُحْرِمًا بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَان . وَاخْتَلَفَ آخِر الْحَدِيثَيْنِ فِي التَّحَلُّل فَأَمَرَ عَلِيًّا بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامه , وَأَمَرَ أَبَا مُوسَى بِالتَّحَلُّلِ , وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ آخِرهمَا لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا كَإِحْرَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْي فَشَارَكَهُ عَلِيّ فِي أَنَّ مَعَهُ الْهَدْي , فَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامه كَمَا بَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِحْرَامه بِسَبَبِ الْهَدْي , وَكَانَ قَارِنًا , وَصَارَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَارِنًا . وَأَمَّا أَبُو مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي فَصَارَ لَهُ حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي , وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَوْلَا الْهَدْي لَجَعَلَهَا عُمْرَة وَتَحَلَّلَ , فَأَمَرَ أَبَا مُوسَى بِذَلِكَ , فَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي أَمْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا فَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْته فَهُوَ الصَّوَاب . وَقَدْ تَأَوَّلَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاض تَأْوِيلَيْنِ غَيْر مَرْضِيَّيْنِ وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( وَأَهْدَى لَهُ عَلِيّ هَدْيًا ) يَعْنِي هَدْيًا اِشْتَرَاهُ لَا أَنَّهُ مِنْ السِّعَايَة عَلَى الصَّدَقَة وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَصِحّ الْإِحْرَام مُعَلَّقًا بِأَنْ يَنْوِي إِحْرَامًا كَإِحْرَامِ زَيْد فَيَصِير هَذَا الْمُعَلَّق كَزَيْدٍ , فَإِنْ كَانَ زَيْد مُحْرِمًا بِحَجٍّ كَانَ هَذَا بِالْحَجِّ أَيْضًا , وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَبِعُمْرَةٍ , وَإِنْ كَانَ بِهِمَا فَبِهِمَا , وَإِنْ كَانَ زَيْد أَحْرَمَ مُطْلَقًا صَارَ هَذَا مُحْرِمًا إِحْرَامًا مُطْلَقًا فَيَصْرِفهُ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجّ أَوْ عُمْرَة , وَلَا يَلْزَمهُ مُوَافَقَة زَيْد فِي الصَّرْف . وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فُرُوع كَثِيرَة مَشْهُورَة فِي كُتُب الْفِقْه وَقَدْ اِسْتَقْصَيْتهَا فِي شَرْح الْمُهَذَّب وَلِلَّهِ الْحَمْد .
قَوْله : ( فَقَالَ سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم : يَا رَسُول اللَّه أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ ؟ قَالَ : لِأَبَدٍ )
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( فَقَامَ سُرَاقَة بْن جُعْشُم فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ ؟ فَشَبَّكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعه وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى وَقَالَ : دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ مَرَّتَيْنِ لَا ( بَلْ لِأَبَدِ أَبَد ) . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَال أَصَحّهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورهمْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُمْرَة يَجُوز فِعْلهَا فِي أَشْهُر الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَالْمَقْصُود بِهِ بَيَان إِبْطَال مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَزْعُمهُ مِنْ اِمْتِنَاع الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ ,
وَالثَّانِي مَعْنَاهُ جَوَاز الْقِرَان , وَتَقْدِير الْكَلَام دَخَلَتْ أَفْعَال الْعُمْرَة فِي أَفْعَال الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ,
وَالثَّالِث تَأْوِيل بَعْض الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعُمْرَة لَيْسَتْ وَاجِبَة قَالُوا : مَعْنَاهُ سُقُوط الْعُمْرَة . قَالُوا : وَدُخُولهَا فِي الْحَجّ مَعْنَاهُ سُقُوط وُجُوبهَا , وَهَذَا ضَعِيف أَوْ بَاطِل , وَسِيَاق الْحَدِيث يَقْتَضِي بُطْلَانه , وَالرَّابِع تَأْوِيل بَعْض أَهْل الظَّاهِر أَنَّ مَعْنَاهُ جَوَاز فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة , وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيف .
راجع http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=2131&doc=1