على طريق مقابر المسلمين بقرية المحروسة بقنا فى صعيد مصر "جبانة المسلمين.. ممنوع المرور لغير المسلمين" وأنشأوا جامعاً ليضايقوا المسيحيين زوار دير مار جرجس
من الآن فصاعدا يمكن أن نتوقع كل وأي شيء، فالعقلية الطائفية تمكنت من الجميع وأصبحت هي الحاكمة، والصورة أمامنا تقول ما لا يستطيع أحد أن ينطق به أو يتصوره..
الجريمة هذه المرة في قنا حيث الجنوب البعيد. لافتة كبيرة مكتوب عليها هذه الكلمات: "جبانة المسلمين.. ممنوع المرور لغير المسلمين" هذه اللافتة مرفوعة بكل إباء وشمم على مقابر المسلمين بقرية المحروسة بقنا. قد يكون العالم لا يعرف شيئا عن هذه القرية ولا عن أهلها أو مشاكلهم ومعاناتهم التي هي بالطبع لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين، لكن هذا لم يمنع أن يتسرب سرطان الطائفية ويصبح عنوانا لها.
القصة ببساطة أن مقابر المسلمين في هذه القرية تقع في الطريق إلى دير مارجرجس، ولما كان المسيحيون وهم ذاهبون أو عائدون من الدير يمرون على مقابر المسلمين، فقد كان سهلا أن تنطلق شائعة تقول أن مجموعة من الشباب القبطي كانوا مخمورين وهم عائدون من الدير، كانوا يترنحون ممسكين في أيديهم بزجاجات الخمر والبيرة، التي ألقوا بها على مقابر المسلمين في سلوك مستهين بكل القيم والعادات والتقاليد التي تجعل للموت قدسية بصرف النظر عن ديانة الميت.
لم يستطع الأهالي أن يمسكوا بالشباب الأقباط الذين ارتكبوا هذه الجريمة من وجهة نظر الشائعة بالطبع، فقرروا أن يتصرفوا على طريقتهم فبدلا من البحث عمن أجرم ومعاقبته فلا مانع من معاقبة الأقباط في هذه المنطقة جميعا وجعلهم يدفعون الثمن، وكان الثمن فادحا، فقد تم منع مرور الأقباط على المقابر. وحتى لا يتذرع أحدهم بأي حجة فقد رفع الأهالي لافتة لا إنسانية تنتقص من حقوق الأقباط في أن يعيشوا مواطنين كاملي المواطنة مثلهم مثل المسلمين تماما.
لم يكن هذا هو العقاب الوحيد فقد اشتري أبناء القرية قطعة أرض وأقاموا عليها مسجدا في وقت قياسي وبه قطعوا الطريق على الأقباط فلا يستطيع أحد منهم أن يصل إلى الدير بشكل مباشر فكي يصل القبطي إلى الدير ليصلي فلابد أن يسير مسافة كبيرة جدا رغم أن الطريق إلى الدير مباشرة لا يستغرق إلا دقائق قليلة. الأقباط أخذوها من قاصرها ولا يقتربون من المكان كله، لكن هناك بعض الشباب القبطي الذين رفضوا أن يمتثلوا لهذا الأمر السخيف، يحاولون أن يعبروا، لكنهم يتعرضون لإهانات لا قبل لهم بها.
الموقف لا يحتاج كثيرا من الدهشة، لكن توقعوا بعد قليل أن نجد لافتة مكتوبا عليها ممنوع المرور لغير المسيحيين ليتحول الأمر كله إلى مهزلة لن تقدر على أن نتعامل معها، والسؤال: هل من حق أي احد أن يعلق أي شيء يريده حتى لو كان هذا الذي يتم تعليقه مخالفا للقانون والدين والعقل والعرف والتقاليد وكل حقوق الإنسان أيضا..؟ سؤال لا أريد الإجابة عليه نيابة عن أهالي قرية المحروسة، فإجاباتهم واضحة وقد وصلت لأنها مكتوبة وموثقة ولابد أنهم يعتقدون أنهم بكتابة هذه اللافتة وتعليقها بهذه الصورة يرضون الله عز وجل ويتقربون إليه، لكنني أضع السؤال أمام من يمكن أن يكون مسؤولا وتقاعس عن أداء عمله. لن أزايد على محافظ قنا المسيحي، لكنني سأهمس في أذنه بأن الوحدة الوطنية خسرت كثيرا بك والدليل أن هذه اللافتة في محافظتك أنت تحديدا وليس غيرك، فهل يمكن أن تفسر لنا ما يجري..؟ أطلب منك التفسير لا أكثر من ذلك، فأنا أعرف أن ما هو أكثر من ذلك لا تقدر عليه.
لمصدر: جريدة الفجر المصرية 4/2/2008