Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية‏

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
صفحة فهرس محمد على
البابا بطرس الـ 109
إبراهيم باشا
البابا كيرلس4 الـ110
عباس حلمى باشا الأول
سعيد باشا
البابا ديمتريوس الـ 111
مقابر أسرة محمد على
الألات الزراعية القديمة
إسماعيل باشا
‏تمثال نهضة‏ ‏مصر
تاريخ مدرسة دي‏ ‏لاسال
البابا كيرلس5 الـ 112
نشأة المجاكم الأهلية
سراي الحقانية
السيدة الأولى فى مصر
قصر الأمير طوسون
المجالس النيابية
أمراء العائلة المالكة
الوزراء ورؤساء وزارات
مسجد الرفاعي مدفن الملوك
جمعية التوفيق القبطية
سلالة أسرة محمد على
سرقة صور أسرة محمد على
وثائق نادرة
مصريون ماتوا فى الحرب العالمية الأولى
قصة الدولة والأمن بمصر1
الاغتيالات السياسية في مصر
المرأة فى العصر الملكى
New Page 7386
Untitled 983
Untitled 984
Untitled 985
Untitled 986
Untitled 987
Untitled 988
Untitled 989
Untitled 990
Untitled 991
Untitled 992
الدكتور‏ ‏جورجي‏ ‏صبحي
فهرس الإحتلال الأنجليزى

Hit Counter

 

بقلم : د‏.‏ يونان لبيب رزق - ديوان الحياة المعاصرة / معـــركـة المجلسين‏!‏

منذ صدور دستور‏1883‏ والذي عرف باسم‏'‏القانون الأساسي‏',‏ قام البرلمان المصري علي نظام المجلسين‏;‏ مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية‏.‏ وعلي الرغم من أنه قد عاد إلي نظام المجلس الواحد‏,‏ الجمعية التشريعية‏,‏ عام‏1911‏ غير أنها لم تستمر طويلا‏,‏ فقد توقفت جلساتها بعد أقل من عام‏,‏ ودام هذا التوقف لنحو عشرة سنوات جرت خلالها تحت الجسور مياه هادرة‏!!‏
بدأت بإعلان الحماية البريطانية علي البلاد التي قطعت بقية الخيوط الواهية التي كانت تربط مصر بحكومة الأستانة‏,‏ وما أن انتهت الحرب العظمي حتي قامت الثورة الشعبية المعروفة بثورة‏1919,‏ والتي أدت في النهاية إلي اعتراف الدولة الحامية‏,‏ بريطانيا العظمي‏,‏ بمصر‏,‏ دولة مستقلة في تصريح‏28‏ فبراير عام‏1922,‏ وإن جاء استقلالا مشروطا‏!!‏
غير أن التحفظات التي تضمنها هذا التصريح انصرفت إلي مسائل بعينها‏,‏ ليس من بينها إقامة‏'‏ حياة دستورية‏'‏ كاملة‏,‏ الأمر الذي شجع المصريين علي استكمال أركان استقلالهم‏,‏ وكان أهمها وضع دستور مناسب مختلف عما سبقه‏,‏ وشكل الملك فؤاد لجنة لتحقيق هذا الهدف وضعت أشهر الدساتير المصرية‏..‏ دستور‏1923.‏
تضمن هذا الدستور العودة إلي نظام المجلسين‏,‏ وقد اكتسبا الاسمين اللذين عرفا بهما في سائر الدساتير العالمية‏;‏ مجلس للنواب وآخر للشيوخ‏,‏ وبينما كان الأول موضع اهتمام مؤرخي الحياة النيابية‏,‏ بحكم أنه كان ميدانا للصراع بين الملك ودار المندوب السامي‏,‏ من ناحية‏,‏ والحركة الوطنية من ناحية أخري‏,‏ وبحكم أنه قد تعرض أكثر من مرة للحل‏,‏ وبحكم أنه كان ميدانا للاقتتال الحزبي‏,‏ فإن المجلس الثاني لم يحظ بمثل هذا الاهتمام‏!‏
فلا يعرف كثيرون أنه بينما كان يتم انتخاب أعضاء‏'‏ المجلس الصغير‏',‏ كما يسمي القانونيون مجالس النواب‏,‏ بالاقتراع العام‏,‏ فقد اقتصر حق انتخاب أعضاء‏'‏ المجلس الكبير‏'‏ علي فئات بعينها‏,‏ من الوجهاء وذوي الحيثية‏,‏ ثم أنهم لا يعلمون أن خمسي أعضاء هذا المجلس‏(40%)‏ ينالون عضويته بالتعيين‏,‏ وهم يجهلون أيضا أن مدة عضوية مجلس الشيوخ عشر سنوات‏,‏ أي ضعف عضوية النواب‏,‏ وأن تجديدا نصفيا يحدث كل خمس سنوات‏,‏ الأهم من كل ذلك أنه لم يعان مما عاني منه زميله الصغير من تعرض للحل‏,‏ فقد نصت المادة‏(81)‏ من الدستور علي أنه إذا حل مجلس النواب توقفت فقط جلسات مجلس الشيوخ‏,‏ ولا يرفع عن أعضائه صفة العضوية ولا يحرمون من مكافآتهم البرلمانية‏.‏
أما عن العلاقة بين المجلسين فقد نصت لائحتاهما علي أنه إذا قدم لكل منهما مشروع أو اقتراح بقانون في موضوع واحد‏,‏ وكانت المناقشة فيه قد بدأت بأحد المجلسين‏,‏ فلا يدرج في جدول أعمال المجلس الآخر إلا بعد صدور قرار بشأنه من المجلس الأول‏,‏ وعندما يفرغ أحد المجلسين من نظر المشروع أو اقتراح بقانون فإن رئيس هذا المجلس يبعث به إلي رئيس المجلس الآخر كما يخطر الوزير المختص‏.‏
وقد وضع الدستور في حسبانه احتمال اختلاف المجلسين في أي من الموضوعات المطروحة‏,‏ حيث جاء فيه أنه عند تعديل أحد المجلسين مشروعا أو اقتراحا قرره المجلس الآخر‏,‏ فإنه يعرض علي هذا المجلس التعديل الطارئ‏,‏ فإن لم يقره فله أن يقرر ندب لجنة من قبله للاجتماع مع لجنة من المجلس الثاني للاتفاق علي نصوص تقبلها اللجنتان‏,‏ ويعاد الأمر بعد ذلك للمجلسين‏.‏
ونصت لائحة مجلس النواب علي أنه لما تجتمع اللجنتان المندوبتان من قبل المجلسين لا يعد اجتماعهما قانونيا إلا إذا حضره النصاب العددي لكل لجنة علي حدة بحسب لائحة كل مجلس‏,‏ كما نصت علي أن يتولي إدارة المناقشات رئيس لجنة مجلس الشيوخ‏,‏ وتصدر قرارات كل من اللجنتين بأغلبية أعضائها‏.‏
وبدت هذه النصوص وقت وضعها من قبيل‏'‏ تحصيل الحاصل‏',‏ علي اعتبار أن الانتخابات التي سوف تفرز مجلسا للنواب ذا أغلبية لحزب بعينه‏,‏ سوف تفرز في نفس الوقت مجلسا للشيوخ بذات الأغلبية‏,‏ ومن ثم لن تكون هناك فرصة للاختلاف طالما أن الحزب الفائز في المجلسين واحد‏,‏ هذا فضلا عما تقرر في برلمان عام‏1924‏ بعد الخلاف الشهير بين الملك فؤاد وسعد زغلول حول تعيين خمسي المجلس‏,‏ والذي حكما فيه القاضي البلجيكي في المحاكم المختلطة‏,‏ المسيو فان دن بوش‏,‏ والذي حكم بحق الوزارة في تسمية أعضاء المجلس المعينين‏,‏ علي أن يصدر بهم مرسوم ملكي‏.‏
وبالتالي تم كف أيدي القصر عن تعيين شيوخ موالين في البرلمان الذي تشكل عام‏1924,‏ وعلي الرغم من استقالة الوزارة الزغلولية في أواخر ذات العام وتشكيل حكومة زيوار الموالية للملك‏,‏ فإنه لم تنشأ أية مشكلة‏,‏ لسبب بسيط‏,‏ وهو تعطيل البرلمان خلال تلك الفترة‏,‏ واستمر الحال علي ما هو عليه بعد انتخابات‏1926‏ حيث ظل للوفد الأغلبية في المجلسين‏.‏
اختلف الحال بعد إقالة حكومة النحاس عام‏1929‏ وتولي محمد محمود رئيس الأحرار الدستوريين رئاسة الوزارة الجديدة‏,‏ فقد أراح الرجل دماغه وأغلق البرلمان بالضبة والمفتاح‏,‏ ولم تقم المشكلة من أصله‏,‏ وهو ما فعله صدقي باشا عام‏1930‏ حين ألغي دستور‏1923‏ وأصدر دستورا جديدا علي المقاس الملكي‏,‏ أفرز مجلسين‏,‏ شيوخ ونواب‏,‏ علي نفس المقاس‏,‏ ولم تكن هناك بالطبع فرصة لاختلافهما‏.‏
بعد إلغاء دستور صدقي عام‏1935‏ وعودة العمل بدستور‏1923‏ وما تبعهما من إجراء الانتخابات وفقا له في العام التالي‏,‏ والتي فاز فيها الوفد‏,‏ كالعادة‏,‏ فوزا كبيرا‏,‏ فقد جاء مجلسان متوافقان كما حدث في كل البرلمانات السابقة‏,‏ واستمر الحال علي ما هو عليه حتي إقالة الحكومة النحاسية في اليوم قبل الأخير من عام‏1937,‏ لتتألف حكومة محمد محمود الثانية‏,‏ وكان أول إجراءاتها حل مجلس النواب ذي الأغلبية الوفدية‏,‏ بيد أنه لم يكن هناك أي مبرر دستوري أمام القصر أو محمود باشا للتخلص من مجلس الشيوخ‏.‏
وجرت في أوائل العام التالي‏(1938)‏ الانتخابات لتأليف مجلس نواب جديد‏,‏ وكانت أول انتخابات مزورة بشكل صريح في تاريخ البرلمان المصري‏,‏ فقد استخدم صاحب الدولة محمد محمود باشا نفوذ الإدارة علي أوسع نطاق حتي جاءت النتيجة مختلفة عن أية انتخابات حرة سابقة‏..‏ فقد فاز الأحرار الدستوريون الذين تحالفوا مع حزبي القصر‏,‏ الشعب والاتحاد‏,‏ في قائمة واحدة بـ‏93‏ مقعدا‏,‏ بينما فاز السعديون بزعامة كل من الدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي بثمانين مقعدا‏,‏ والوفد بـ‏12‏ مقعدا فقط إلي حد أن زعيميه الكبيرين‏,‏ النحاس ومكرم‏,‏ قد سقطا في دائرتيهما‏.‏
ولأول مرة في تاريخ البرلمان المصري يصبح هناك مجلسان‏;‏ نواب وبه أقلية وفدية‏,‏ وشيوخ صاحب‏(‏ غلبة‏),‏ وليس‏(‏ أغلبية‏)‏ وفدية‏,‏ وقد دعانا إلي هذا التوصيف أن الوفد خاض انتخابات عام‏1936‏ في ظل الجبهة الوطنية التي اتفق زعماؤها علي نظام لتوزيع المقاعد‏,‏ مما سمح للأحزاب الأخري أن تحصل علي أكثر من حجمها في المجلسين‏,‏ وهو ما تكرر بالنسبة لتعيينات مجلس الشيوخ‏.‏
بدت الغلبة وليست الأغلبية أيضا في رئاسة المجلس‏,‏ فقد نجحت حكومة محمد محمود الثالثة بعد تأليفها في أواخر إبريل عام‏1938‏ في إغراء مجلس الشيوخ علي اختيار محمد محمود خليل بك رئيسا للمجلس في‏8‏ من الشهر التالي‏,‏ وهو شخصية مستقلة‏,‏ وكان منحازا للثقافة الفرنسية‏,‏ خاصة وأنه كان متزوجا من سيدة باريسية‏,‏ ثم أنه اشتهر بحب انتقاء اللوحات الفنية القيمة‏,‏ حتي أن الدولة بعد وفاته حولت بيته إلي متحف فني‏!‏
وفي تلك الظروف تفجرت أول معركة بين المجلسين‏..‏
‏***‏
لأن المسألة كانت فريدة في تاريخ البرلمان المصري فقد حرصت الأهرام علي متابعتها بالتفصيل والحياد الشديدين‏,‏ خاصة وأنها كانت في جانب منها ذات طبيعة حزبية‏,‏ الأمر الذي دفع سائر الصحف الحزبية أو الممالئة للقصر علي أن تتناولها من وجهة نظر المعسكر الذي تناصره‏.‏
أول إشارة للموضوع جاءت في عدد جريدتنا الصادر يوم‏19‏ يوليو عام‏1939‏ حين نشرت المناقشة التي جرت في مجلس الشيوخ حول‏'‏ رسم الأيلولة علي التركات‏',‏ والذي كان قد سبق لمجلس النواب الموافقة عليه ضمن ربط ميزانية العام الجديد‏,‏ وما انتهت إليه هذه المناقشة من موافقة علي قانون ربط الميزانية بعد استبعاد مشروع رسم الأيلولة‏,‏ مما اعتبره بعض الدوائر الحكومية خلافا بين المجلسين‏'‏ إذ أن استبعاد ضريبة التركات يمس بابا من أبواب الإيرادات التي بنت عليها الحكومة تقدير مصروفاتها‏'.‏ وعلقت الأهرام علي هذا الموقف بأنه إذا لم يوافق مجلس النواب علي قرار مجلس الشيوخ باستبعاد الضريبة المذكورة‏,‏ وهذا هو المنتظر‏'‏ فإن خلافا يكون قد وقع بين المجلسين‏,‏ ولا سبيل لحل هذا الخلاف إلا بدعوة المجلسين إلي الاجتماع بهيئة مؤتمر طبقا لنص المادة‏166‏ من الدستور‏.‏
وتضيف جريدتنا أن غالبية الشيوخ المعارضين يرون عدم سلامة الدعوة لهذا المؤتمر من الوجهة الدستورية‏'‏ لأن الخلاف الذي تعنيه هذه المادة تنص علي دعوة المؤتمر لحالة ليست مثل تلك القائمة بين المجلسين‏,‏ الأمر الذي رأي معه المعارضون عدم المساعدة علي عقد مؤتمر لا يرون له سندا دستوريا‏'‏ وذلك بأن يتخلفوا عن حضور جلسة المؤتمر فلا تتوفر أغلبية المطلقة المشروطة ولا ينعقد المؤتمر‏.‏
كما كان هناك رأي آخر لهؤلاء وهو أن المجلس قد صان سلطته بعدم قبوله المبدأ الذي أرادت الحكومة تقريره بإدماج مشروعات قوانين بضرائب في صلب قانون الميزانية‏,‏ فلا ضير عليه مع ذلك أن ينظر قانون ضريبة التركات مفصولا عن الميزانية وأن يبدي رأيه فيه بالقبول‏,‏ وانتظر الجميع ما سوف يحدث خلال الأيام التالية‏.‏
وعلي الرغم من شبهة الصراع الحزبي في إملاء هذا القرار فقد نقلت الأهرام رأي اللجنة المالية في مجلس الشيوخ‏,‏ وقد أضفي علي الخلاف طبيعة اجتماعية ناجمة عن اختلاف الانتماءات الطبقية لأعضاء مجلس الشيوخ عن زملائهم من أعضاء مجلس النواب‏,‏ والذين ينحدر أغلبهم من أصول اجتماعية كبيرة‏,‏ مما لم يكن غريبا معه أن تعزو اللجنة رفضها لعدم ملائمة إصدار القانون في ذلك الوقت للأسباب التالية‏:‏
أولا‏:‏ إن الحالة المالية والاقتصادية في البلاد التي ما زالت تزداد سوءا يوما بعد آخر بسبب تدهور أسعار القطن وجميع القراطيس المالية وحلول الضيق المالي الكبير مما لا يسمح بفرض ضريبة جديدة بعد الضرائب السابقة وهي ضريبة رؤوس الأموال المنقولة والأرباح التجارية والصناعية وكسب العمل ورسم الدمغة‏.‏
ثانيا‏:‏ لأنه لم يعرف ما ينتجه تحصيل الضرائب التي سبق فرضها‏,‏ إذ لم يتم حتي ذلك الوقت تحصيل تلك الضرائب لما يحتاج إليه من مجهود كبير وزمن قصير حتي يسير تحصيلها علي أساس منتظم مستقر‏,‏ ولأن الحكومة لم تستطع أن توقف البرلمان علي مدي ما سيجيء الخزانة العامة من الضرائب التي تم فرضها‏.‏ علي أن البوادر تدل علي أن ما ينتظر تحصيله من الضرائب مبالغ لا يستهان بها‏.‏
ثالثا‏:‏ إن رسم الأيلولة علي التركات سيقع عبئه الأكبر علي كاهل أصحاب الملكيات العقارية‏,‏ إذ أن الثروات المنقولة يمكن تهريبها في كل وقت‏,‏ وحالة هؤلاء الملاك قد ساءت في السنوات الأخيرة بحيث يصعب تحميل عبء هذه الضرائب الجديدة فوق ما يحملونه الآن من أعباء‏.‏
فضلا عن الصراع الحزبي والأسباب الاجتماعية لنشوب معركة المجلسين‏,‏ فيمكن إضافة الظرف السياسي الناجم عن مرض رئيس الوزراء محمد محمود‏,‏ بكل هيبته ومكانته‏,‏ مما تجرأت معه أطراف عديدة علي أن تقرر ما تراه بغض النظر عن موقف الوزارة التي اضطربت صفوفها بسبب غياب الرئيس‏.‏
ولم تضيع‏'‏ لجنة المالية‏'‏ بمجلس النواب وقتا في الرد علي زميلتها في المجلس الكبير مفندة فيه أغلب آرائها‏,‏ وهو التقرير الذي نشرت الأهرام نصه‏:‏
‏*‏ لم تر ما يمنع الحكومة في استرداد مشروعاتها‏,‏ خاصة وأن لجنة الشيوخ رأته أمرا طبيعيا لا غبار عليه‏,‏ وأن اعتراضها ينصب علي الملابسات فحسب‏.‏
‏*‏ بالنسبة لإدماج المادة المشار إليها في قانون ربط الميزانية كان رأي اللجنة المالية لمجلس النواب أن الدستور لم ير حرجا من تضمين قانون الميزانية أي إجراء تشريعي وثيق الصلة بميزانية الدولة‏'‏ إذن فالدستور برئ مما عزي إليه من تحريم إدماج المشروعات ذات الصبغة المالية كقانون الضرائب بقانون الميزانية‏,‏ وإنما الذي يمكن أن يقال أن مجلس الشيوخ‏,‏ لاعتبارات خاصة بموضوع الضريبة في ذاتها ولا علاقة لها بالدستور‏,‏ لا يري أن تستعمل الحكومة حقها في محاولة إقرارها بالوسائل التي رسمها الدستور‏,‏ وما كان الالتجاء إلي الدستور والتذرع به سوي وسيلة غير مأمونة العواقب‏,‏ لأنها تثير في نفوس البعيدين عن الفقه الدستوري شكوكا في تصرفات إحدي الهيئتين النيابيتين بغير مبرر ولا مقتض‏'.‏
وقد أوقع رد اللجنة المالية لمجلس النواب الحكومة في مأزق‏,‏ خاصة وأن قانون ربط الميزانية كما أقرته اللجنة المالية لمجلس الشيوخ قد شارك في الموافقة عليه ثلاثة من الوزراء الأعضاء في المجلس‏;‏ محمود غالب باشا وحسين سري باشا والدكتور حسين هيكل بك‏,‏ وإذا كان ثمة دلالة علي ذلك فهي تشير إلي أن الحكومة في غياب رئيسها‏,‏ وقي قيام عبد الفتاح يحيي مقامه قد فقدت وحدتها‏,‏ وأصبح كل من أعضائها يتصرف وفقا لرأيه الشخصي‏!‏
وبدا القلق يسود الدوائر السياسية‏,‏ خاصة وأن الخلاف استمر حتي أواخر أغسطس وقت أن كان مفروضا انتهاء الدورة البرلمانية قبل شهرين ونصف‏,‏ الأمر الذي دفع جريدة‏'‏ المقطم‏'‏ إلي القول أنه ليس من المفيد إطالة الخلاف في الرأي‏,‏ وأنه يجب تسوية هذا الخلاف سريعا ما دامت المصلحة العامة رائد الجميع‏,‏ وما دام كل من الفريقين قد أفرغ جهده في تأييد وجهة نظر‏'.‏
أما‏'‏ الأهرام‏'‏ فقد ألقت باللائمة علي الحكومة القائمة وعلي الحكومات التي سبقتها التي يدب نشاطها في الفترة الأخيرة من دور انعقاد البرلمان‏'‏ فترسل المشروعات إلي المجلسين متتالية متتابعة‏,‏ وهي عادة من المشروعات التي تحتاج لكثير من الدرس والتخصيص‏..‏ وإذا لاحظنا انه قد انقضي ثلاثة أشهر‏(‏ مايو ويونيو ويوليو‏)‏ من السنة المالية‏,‏ ولم يصدر القانون الخاص بربط الميزانية‏,‏ أدركنا ما يلحق الأعمال العامة والمشروعات النافعة من الضرر الجسيم من جراء التأخير في الشروع في تنفيذها‏'.‏
وبدأ البحث عن حل‏..‏
‏***‏
دار البحث في مجلس الوزراء حول اختيارين‏;‏ إما أن يرسل مشروع القرار بربط الميزانية إلي الوزراء لتنفيذه عملا بما جاء في المادة الأخيرة من أنه‏'‏ علي الوزراء تنفيذ هذا القانون كل منهم فيما يخصه‏'‏ تذرعا بأن المشروع الذي أقره مجلس النواب قد اشتمل علي أكثر من قانون‏,‏ وأن مجلس الشيوخ قد أقر ما ورد فيه خاصا بربط الميزانية بالصيغة نفسها التي أقرها مجلس النواب بلا تغيير ولا تعديل‏,‏ وأبقي المادة الخاصة بفرض رسم أيلولة علي التركات‏.‏ وإما أن يرسل إلي مجلس النواب حيث أن المشروع لم يقره مجلس الشيوخ‏.‏
غير أنه طفا علي السطح في تلك الفترة اختيار ثالث فقد ظهر أن المادة‏166‏ من الدستور تنص علي أنه‏'‏ إذا استحكم الخلاف بين المجلسين علي تقرير باب من أبواب الميزانية يحل بقرار يصدر من المجلسين مجتمعين بهيئة مؤتمر بالأغلبية المطلقة‏'.‏
وفي يوم‏20‏ يوليو عام‏1939‏ اجتمع مجلس الوزراء برئاسة عبد الفتاح يحيي في بولكلي مقره بالإسكندرية لبحث المسألة‏,‏ وهو الاجتماع الذي حضره الدكتور عبد الحميد بدوي باشا كبير المستشارين القانونيين‏,‏ واستمر زهاء أربع ساعات‏,‏ حيث عكف الجميع علي البحث عن حل‏.‏
قدمت الأهرام في اليوم التالي تقريرا وافيا عما جري في هذا الاجتماع‏,‏ جاء فيه أنه تم البحث في فكرة عقد المؤتمر البرلماني‏,‏ غير أنه ساد التخوف من فشله بسبب عدم توافر الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس الشيوخ‏,‏ الأمر الذي طرح سؤالا عن مصير الميزانية وقتئذ‏,‏ وسؤالا آخر عما إذا كان يجوز فض الدورة البرلمانية بعد فشل المحاولة؟
الإجابة كانت بالنفي لما تنص عليه المادة‏140‏ من الدستور علي أنه‏'‏ لا يجوز فض دور انعقاد البرلمان قبل الفراغ من تقرير الميزانية‏'‏ وفشل المؤتمر لا يعني الفراغ من تقرير الميزانية بل يفيد العكس مما طرح سؤالا آخر‏'‏ هل تبقي الدورة البرلمانية قائمة والميزانية معطلة؟‏'.‏
الرد‏:‏ تضمنته المادة‏142‏ والتي تقول أنه‏'‏ إذا لم يصدر القانون بالميزانية قبل ابتداء السنة المالية يعمل بالميزانية القديمة حتي يصدر القانون بالميزانية الجديدة‏.‏ ومع ذلك إذا أقر المجلسان بعض أبواب الميزانية أمكن العمل بها مؤقتا‏',‏ وقد تمسك بعض الوزراء بهذه الفقرة الأخيرة وطالبوا بتطبيقها في حالة فشل عقد المؤتمر البرلماني العام ما دام المجلسان قد أقرا فعلا جميع أبواب الميزانية ما عدا رسم الأيلولة علي التركات‏.‏
ويقول مكاتب الأهرام في الإسكندرية أن مجلس الوزراء قد انفض دون أن يتخذ قرارا نهائيا في موضوع الخلاف وأحيلت باقي نقط البحث إلي كبير المستشارين الملكيين لمراجعتها واستيفائها‏.‏
وفي تلك الأثناء تحول الاختلاف الدستوري إلي معركة سياسية بين الوفد وخصومه‏..‏


جريدة‏'‏ الوفد المصري‏'‏ الناطقة بلسان الحزب الشعبي الكبير رأت أن تقرير اللجنة المالية لمجلس النواب‏'‏ تضمن تشويها للحقائق‏',‏ وأتت بفقرات للتدليل علي صحة ما ذهبت إليه‏,‏ بينما قرظت ما اتصف به تقرير اللجنة المالية لمجلس الشيوخ من جرأة حتي أن مندوب وزارة المالية خرج منها يائسا من قبولها للمشروع‏.‏
أما جريدة‏'‏ الدستور‏'‏ الناطقة بلسان السعديين المشاركين في الوزارة فقد استعرضت أدوار الخلاف وطالبت بإجراء حاسم يخرج البلاد من ورطتها‏,‏ وكان في رأيها‏'‏ إما باستصدار مرسوم بفض الدورة البرلمانية التي ثبت عدم ملائمة استمرارها بفعل المعارضة في مجلس الشيوخ وحده مع تأييد مجلس النواب ذلك التأييد الذي يتاخم الإجماع‏,‏ وإما الاكتفاء بتأجيل البرلمان شهرا تعطي فيه للمعارضة فرصة محاسبة ضمائرها علي ما تقترف وإصدار الميزانية بمرسوم بقانون حتي لا تتعطل مرافق الدولة وتداهمها الطوارئ وهي مكتوفة الأيدي‏'!‏
ووقفت جريدة‏'‏ البلاغ‏'‏ المؤيدة للقصر نفس الموقف فكان عنوان مقالها الرئيسي‏'‏ الوزارة تجني حنظلا من وراء تساهلها مع المعارضة النحاسية‏,‏ والدستور ينص علي انعقاد المؤتمر البرلماني في حالتين‏.‏ ففي حالة‏:‏ احتاط لحالة عدم توفر الأغلبية وفي الثانية لم يحتط‏,‏ أفلا يوجد حل قانوني لسد النقص الواضح‏'.‏

بعد أن وصلت الأمور إلي هذا الحد اجتمع مجلس الوزراء في‏6‏ أغسطس‏1939‏ وانتهي إلي الحل السعيد وكان بتفادي عقد مؤتمر برلماني في الوقت الراهن والعمل بأبواب الميزانية التي أقرها المجلسان‏,‏ فتصدر الوزارة قانونا بربط الميزانية كما أقرها مجلس الشيوخ‏-‏ أي بحذف المادة السابعة التي تنص علي رسم الأيلولة علي التركات‏-‏ دون النظر إلي ما قررته لجنة المالية بمجلس النواب من الإصرار علي بقائها‏.‏
قرر مجلس الوزراء أيضا تلاوة مرسوم فض الدورة البرلمانية عقب إصدار قانون الميزانية‏'‏ فتكون الوزارة قد حققت غرضها بتفادي دعوة البرلمان إلي الانعقاد إلي أطول مدة ممكنة‏,‏ علي أن تتم دعوة المؤتمر البرلماني إلي الانعقاد لحسم الخلاف بين المجلسين حول ضريبة رسم الأيلولة علي التركات في نوفمبر التالي‏.‏
وفي يوم‏8‏ أغسطس‏1939‏ انعقد البرلمان وألقيت الكلمات المناسبة لفض الدورة‏..‏ وتقول الأهرام عن جلسة مجلس الشيوخ أنها انعقدت في جو يسوده الوجوم‏'‏ وتجمع أصحاب المعالي الوزراء جميعا في الصفين الأولين من مقاعد اليمين وراحوا يتهامسون ولم يغب من حضراتهم سوي رئيس الوزراء المريض بالإسكندرية ودولة عبد الفتاح يحيي باشا الذي لم يعتذر عن شهود الجلسة وهو عضو بالمجلس‏'.‏
ألقيت ثلاث كلمات في هذه الجلسة‏,‏ أولها لرئيس المجلس محمد محمود خليل بك‏,‏ وكانت ذات طبيعة تقليدية‏,‏ وإن جاءت تلميحات متناثرة عن الخلاف بينه وبين مجلس النواب‏,‏ فيما جاء في قوله أن الدورة المنفضة امتازت عن مثيلاتها بما تخللها من بحوث دستورية ومسائل خطيرة تتعلق بمصالح الوطن الحيوية‏,‏ فأظهر ما للمجلس من الأثر الواضح العظيم في النظام البرلماني والحياة النيابية‏.‏
وحرص ممثل المعارضة حسين الجندي علي التأكيد علي أنها لم تتوخ غير الصدق والمحافظة علي حقوق الأمة وكرامة المجلس‏,‏ أما ممثل المستقلين‏,‏ أنطون الجميل بك رئيس تحرير الأهرام فقد خص اللجنة المالية بالثناء‏'‏ وأعضائها الكرام بالفضل في بحث المشروعات المطروحة عليها وتمحيص دقائقها وتفاصيلها‏'.‏
في مجلس النواب اقتصرت الكلمات علي خطبة الرئيس وقد امتدح فيها عمل النواب علي تحقيق الرقابة البرلمانية في أوسع صورها فوجهوا للحكومة ما وجهوا من أسئلة واستجوابات وحققوا بذلك المصلحة العامة‏,‏ ولم ينس بالطبع أن يشكر الحكومة لما قدمت للبلاد من جليل الخدمات في مختلف نواحي حياتها‏.‏
ولم يمض علي فض الدورة سوي أربعة أيام حين قدم محمد محمود باشا استقالة وزارته التي قبلها الملك يوم‏13‏ أغسطس‏,‏ وبينما عددت الصحف الموالية للنظام ما اعتبرته إنجازات عظيمة للوزارة المستقيلة‏,‏ فقد رأت الصحف الموالية للوفد أن أنصار الوزارة أرادوا أن يستروا النكبة المتوقعة لوزارتهم غير أنهم لم يروا بدا من الاعتراف بحقيقة الحالة المحزنة التي صاروا إليها‏,‏ المهم أن هؤلاء أو أولئك لم يتحدثوا بلفظ عن‏'‏ معركة المجلسين‏'‏ والتي يبدو أنها انتهت مع نهاية الحكم المحمودي‏,‏ خاصة وأن من تولي الوزارة بعدئذ رئيس الديوان الملكي صاحب الرفعة علي ماهر باشا‏,‏ بكل ما هو معروف عنه من واسع الحيلة‏!
 

 ***************************

المــــــــــــــــــــراجع

(1) عن مقالة نشرت للمؤرخ الكبير د‏.‏ يونان لبيب رزق فى جريدة الأهرام القاهرية

 

This site was last updated 06/11/08