جريدة وطنى بتاريخ 25/11/2007م السنة 49 العدد 2396 عن مقالة بعنوان [ صفحة من تاريخنا المجيد - عيد الجهاد...كفاح أمة ]إعداد: مريم مسعد
الذكريات هي صدي السنين والأيام,فهي تستعيد الأمس وتجدد لحنه ونشيده,تبرز الماضي وأحداثه المجيدة,فحينما نتذكر أعيادنا القديمة نتذكر معها تاريخنا المجيد الحافل بكفاح شعب بأكمله لتحقيق الاستقلال
ومن الأيام التي سجلها التاريخ عيد الجهاد الوطني والذي ترجع قصته ليوم 13 نوفمبر 1918,حينما ذهب الزعيم سعد زغلول ورفاقه إلي المعتمد البريطاني وقتذاك السير وينجت يعلنون استقلال مصر وينشدون حريتها.
وكان سعد مخلصا في ذلك يعني ما يقول ويفهم ما هو مقدم عليه من تضحيات فالأحكام العرفية والمحاكم العسكرية واقفة بالمرصاد لكل من تحثه نفسه بمقاومة مطامع الاستعمار,ولكن سعد كان شديد الإيمان بالله وبنفسه وبأمته وحقها في الحياة فوضع رأسه علي كفه ومضي قدما إلي غايته وكان من جراء ذلك أن نفوه إلي مالطة وسيشل وحاربوه بكل سلاح إلا أنه ظل عالي الرأس مرددا دائما سأبقي في مركزي مخلصا لواجبي.
وكانت هذه هي أول مواجهة مباشرة ارتفع فيها صوت الشعب المصري معلنا رفض الاحتلال.
فأصبح ذلك اليوم عيدا للجهاد يحتفل به وصفحة من صفحات تاريخنا الوطني كتب فيها الزعيم أول سطر في تاريخ الجهاد الوطني ثم تلاحقت الأسطر وامتلأت الصفحات وكشفت السنون عن أمة لها عزة وكبرياء وزعيم سار بها إلي الأمام بخطي ثابتة حتي استطاعت الوصول إلي الحرية والاستقلال.
وظل سعد يحتفل بذلك اليوم حتي عام 1926 ,آخر احتفال شهده الزعيم,وامتلأ يومها السرادق الكبير الذي أقيم بجوار بيت الأمة بالمحتفلين ورجال الدولة والوزراء.
وبعد أن أخذ الجميع مقاعدهم دوت أصوات الهتافات تحية للزعيم سعد زغلول وكانت تحية نابعة من القلب حتي أن الهتاف لسعد استمر سبع دقائق كاملة.
حتي أشار لهم الزعيم بالجلوس وجلس هو أيضا وعن يمينه رشدي باشا ويساره عدلي باشا ,وبدأ الاحتفال في الساعة الرابعة والثلث وافتتحه النحاس بكلمة قصيرة ثم مكرم باشا ,وما لبث أن انتهي من كلمته حتي صاح الجميع:سعد....سعد.
وأحس الزعيم بالتعب فتردد في تلبية طلب الجماهير وحاول الاعتذار ولكن الضجيج علا فتقدم نحو المنبر وقال:
أيها السادة...
يعز علي أن أري منبر الخطابة منصوبا ,لا أستطيع له رقيا,وأن أجد مجال القول واسعا ولا أملك لسانا قويا,وأن أشهد سامعين منصتين ولا أجد لي صوتا فتيا.
وذكر الزعيم في خطابه فضل الذين اشتركوا معه في جهاده واختتم قائلا:الكل عارف بخصوم الدستور,وما يبينوه وما يدبروه ولكن أطمئنكم بأننا أعددنا له في الداخل اتحادا متينا وفي الخارج حكمة وعقلا رزينا
وبعد أن انتهي سعد من خطابه ضج السامعون من جديد وطلبوا الزيادة وكان معظمهم من الطلبة فالتفت إليهم سعد وقال:
لقد أضربتم اليوم جميعا عن تلقي الدروس...فأنا أيضا مضرب عن الخطابة
وكان هذا آخر احتفال بــ 13 نوفمبر يشهده سعد.
بعد وفاة سعد استمر الاحتفال بذلك اليوم ,حتي أنه في عام 1938 نظم النحاس سرادقا كبيرا.
واحتفالا جليلا حضره 60 ألف مواطن من كافة طبقات المصريين ,وكأن مصر حضرت كلها.
قامت لجنة الاحتفال بجلب مئات الكراسي ووضعتها في الفضاء.
ووضعت المنصة الكبري في المنتصف تحيطها الكراسي لمندوبي الصحف المصرية والأجنبية وعلي جانب المنصة أعد جانب لجلوس السيدات وفي مقدمتهن عضوات لجنة السيدات الوفديات.
وأعدت لجنة الوفد باقة جميلة من الزهور قدمت إلي النحاس باشا ووضعت علي المنصة,وكان الشبان يرددون هتافات وطنية طريفة فكان ينادي أحدهما شمال يمين, شمال يمين فيرد الآلاف وإللي يعادي النحاس مين؟
وفي منتصف الساعة التاسعة دخل النحاس باشا فدوي التصفيق واشتدت الهتافات الجامعة مع النحاس عاش رجال الوفد حتي وصل الرئيس إلي منصة الخطابة وكلما اقترب كلما زادت الحماسة والتصفيق حتي أشار إلي الجماهير بالجلوس ــ وافتتحت الحفلة بتلاوة من المقرئ الشيخ محمد الصيفي ثم قصيدة لحسن يس وبعدها كلمة لجنة السيدات الوفديات ونابت عنهن حرم إسماعيل رمزي
ثم كلمة الرئيس وافتتحها قائلا:
نحتفل اليوم بعيد الجهاد وما أحوجنا لمواصلة الجهاد لاسترداد حريتنا وكرامتنا,وسلطان الأمة الذي لعبت به أهواء الطامعين,وقد اشتريناه بثمن غالي من دماء الأبناء وأرواح الشهداء الأبرياء.
استمر الاحتفال ست ساعات متوالية لم يشعر خلالها أي من الحاضرين بطول المدة إذ نسوا الزمان واستعادوا الذكريات الجميلة مع كلمات النحاس.
وعلي الرغم من مرور السنين إلا أن تلك الذكريات الجميلة مازالت عالقة بالأذهان تتناقلها الأجيال ومازال الاحتفال مستمرا داخل حزب الوفد حتي الآن.
***********************************
المـــــــــــــراجع:
1ــ جريدة الوفد المصري 1938
2ــ مجلة الشعلة 1938
3ــ مجلة الاثنين والدنيا 1936