جريدة وطنى 4/11/2007 م السنة 49 العدد 2393 عن مقالة بعنوان [ القديس لوقا الإنجيلي والرسول ] للمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العاليا والبحث العلمى
1- يقرر التقليد المسلم للكنيسة أن القديس لوقا هو أحد السبعين رسولا. ومما هو جدير بالذكر أن القديس لوقا هو الإنجيلي الوحيد الذي أورد خبر تعيين الرب يسوع للسبعين رسولا, وذلك في الفصل العاشر من بشارته. وقد شهد آباء الكنيسة بأن القديس لوقا كان من بين السبعين. وممن قالوا بهذا العلامة أوريجينوس 185 - 253م والقديس أبيفانيوس EPIPHANIUS نحو 315 - 403م في كتابه الرد علي الهرطقات, والقديس إيرونيموس HIERONYMUS أو جيروم JEROME 342 - 420م ثم غريغوريوس الكبير 590 - 604م. كما شهد بذلك السنكسار تحت اليوم الثاني والعشرين من شهر بابة القبطي, وتحت اليوم الأول من شهر هاتور.
2- والقديس لوقا هو أيضا أحد التلميذين الذين التقيا بالرب يسوع المسيح بعد قيامته من بين الأموات, وهما في طريقهما إلي القرية التي تسمي عماوس, وقد تناول الطعام معهما, وتحدث إليهما في أقوال الكتب المقدسة التي أشارت إليه وأنبأت عنه. انظر الإنجيل للقديس لوقا 24: 13 - 33.
3- وقيل في سبب اهتدائه إلي السيد المسيح إنه سمع بأنباء ظهوره في بلاد فلسطين, وأنه يشفي جميع الأمراض من غير دواء أو عقار, فظن في مبدأ الأمر أن ذلك وهم وخداع, فقصد إلي حيث المسيح يسوع, ليتحقق الخبر بنفسه, فرأي المسيح له المجد, وآمن به, وتتلمذ عليه, وصار واحدا من بين السبعين رسولا. 1
4- كان القديس لوقا من أصل غير يهودي, أي كان في الأصل وثنيا أمميا. ويقول يعقوب الرهاوي إنه كان من مدينة الإسكندرية. وقال عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري إنه كان من مدينة أنطاكية سورية. 2 وكذلك قال القديس إيرونيموس. 3 وأيا كان القول, فهو من أصل يوناني لا يهودي. ويشهد اسمه اليوناني علي أصله, فهو باليونانية لوكاس LOUKAS, وهو الاسم المختصر للاسم لوكانوس LOUKANOS, فقد وجد بهذه الصورة الأخيرة في عنوان الإنجيل الثالث من النصوص اللاتينية القديمة 4, وعلي توابيت من القرن الخامس في آرليس ARLES.
5- وبعد صعود المسيح له المجد إلي السماء, لازم لوقا القديس بولس الرسول وصار مرافقا له في أسفاره ورحلاته, كما يتضح من سفر أعمال الرسل, فقد صحبه في رحلته الثانية من ترواس إلي ساموثراكي ونيابوليس, ثم إلي فيلبي في مقاطعة مقدونية وهي كولونية الأعمال 16: 10 - 17. ثم لازمه في فيلبي. ولكن بعد خروج القديس بولس من فيلبي بقي القديس لوقا فيها يبشر ويعلم نحو سبع سنين, بدليل أنه في الأصحاح السادس عشر من سفر أعمال الرسل كان القديس لوقا, وهو كاتب هذا السفر, يتكلم بصيغة جمع المتكلمين. وأما في الأصحاح السابع عشر فصار يتكلم بصيغة المفرد الغائب, إلي أن عاد القديس بولس إلي فيلبي, ومن ثم رافقه القديس لوقا في رحلته الثالثة إلي آسوس, وميتيليني, وساموس, وميليتس الأعمال 20: 5 - 16, وكوس, ورودس, وباترا, وصور, وبتولمايس, وقيصرية, وأورشليم الأعمال 21: 1 - 15, 17, 18. ثم ذهب معه أيضا إلي روما الأعمال 27:1, 28:16, وبقي معه كل المدة التي كان فيها القديس بولس مسجونا سجنه الأول كولوسي 4: 14, 2 تيموثيوس 4:11.
6- ولقد ذكره القديس بولس الرسول في عدة مواضع من رسائله, فوصفه مرة بأنه الأخ الذي مدحه في الإنجيل في جميع الكنائس وليس ذلك فقط بل هو منتخب أيضا من الكنائس رفيقا لنا في السفر 2 كورنثوس 8: 18, 19 ومرة أخري يصفه بأنه الأخ 2 كورنثوس 12: 18. ويقول العلامة أوريجينوس إن الأخ هو القديس لوقا الإنجيلي. ويؤيد هذا ما ورد في ملحق هذه الرسالة الثانية إلي كورنثوس, وذلك في اليونانية ثم القبطية, أنها كتبت في فيلبي التي لمقدونيا, وأرسلت علي يد تيطس ولوقا.
ووصفه الرسول بولس مرة أخري في إحدي رسائله بأنه لوقا الطبيب الحبيب كولوسي 4: 14, ووصفه كذك بأنه الرفيق الوحيد, وذلك في رسالته الثانية إلي تيموثيئوس حيث قال لوقا وحده معي 2 تيموثيئوس 4: 11. وقال عنه رسالته إلي فيلمون بأنه وآخرون العاملون معه فيلمون 24.
7- وقد اشتهر القديس لوقا الإنجيلي بأنه كان طبيبا. وقيل عنه إنه قبل تلمذته للسيد المسيح, كان تلميذا لأكبر علماء الطب في زمانه. ومن المعروف أنه لم يكن يسمح لأحد أن يمارس مهنة الطب في عهد الرومان قبل أن يجتاز امتحانات علي جانب كبير من الصعوبة والدقة. وبعد أن صار رسولا وتلميذا للمسيح له المجد ورفيقا للقديس بولس الرسول في خدمته وأسفاره, لم يحرمه الرسول بولس من لقبه كطبيب. فقد ذكره صراحة في رسالته إلي كولوسي بأنه لوقا الطبيب الحبيب 4:14. بل إننا نري أنه لابد أن يكون القديس لوقا الطبيب وراء النصائح الطبية التي أوردها الرسول بولس في بعض رسائله, ومنها: قوله إلي القديس تيموثيئوس الرسول: لا تكن فيما بعد شراب ماء, بل اشرب قليلا من الخمر, من أجل معدتك وأمراضك الكثيرة 1 تيموثيئوس 5: 23, وقوله فإن الرياضة البدنية فيها بعض النفع 1 تيموثيوس 4: 8.
8- ولم يكن القديس لوقا طبيبا فقط, بل كان مصورا أيضا, كما يقول كثيرون من المؤرخين المسيحيين ومنهم نيكوفورس NICEPHORUS. ولذلك فإنه يصور عادة وإلي جانبه الثور من جهة, وأدوات التصوير من جهة أخري. ولقد ذكر ثيؤدوروس THEODOROS القارئ في الفصل الأول من الجزء الأول من كتابه في تاريخ الكنيسة, أن أفدوكية EUDOXIA الملكة أرسلت من أورشليم في نحو سنة 400م, إلي بولخيريا PULCHERIA 399 - 453 في القسطنطينية صورة للقديسة العذراء مريم, من عمل القديس لوقا 5. ويقول توما الأكويني أيضا ومن التقليد نعرف أن لوقا الطوباوي صور صورة المسيح الموجودة في رومية 6.
وهي الصورة الموجودة الآن بروما في كنيسة القديسة مريم Santa MARIA MAGGIORE. لترى هذه الكنيسة من الداخل أنقر على الموقعين التاليين http://www.panoramas.dk/fullscreen/fullscreen46.html
http://roma.arounder.com/santa_maria_maggiore/VR000002241.html
وجاء في كتاب مشكاة الطلاب في حل مشكلات الكتاب للأسقف الأنبا إيسيذوروس وقد صور القديس لوقا الإنجيلي صور العذراء, وبحضنها الطفل يسوع. والمتواتر علي الألسن أنه توجد منها ثلاث صور: واحدة في القدس, وأخري في رومية, والثالثة في مصر 7.
9- وبالإضافة إلي ذلك كان القديس لوقا الإنجيلي مؤرخا دقيقا, قد توخي الدقة التامة في كل ما كتب, آخذا مصادره ممن وصفهم بأنهم رأوا بأعينهم وكانوا خداما للكلمة, ولاشك أنه يشير هنا إلي مريم, أولا وبالذات, بقوله إذ كان كثيرون قد أخذوا يدونون قصة تلك الأحداث التي جرت يقينا بيننا, كما تسلمناها من أولئك الذين رأوا بأعينهم وكانوا خداما للكلمة, رأيت أنا أيضا, إذ قد تتبعت كل شئ منذ الابتداء بتدقيق, أن أكتبها لك بحسب ترتيبها الإنجيل للقديس لوقا 1: 1 - 3 وتتضح دقة القديس لوقا الإنجيلي في تأريخه للأحداث, وتحديد زمانها علي وجه التخصيص. ومن ذلك قوله كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا, من فرقة أبيا. وكانت زوجتهه من بنات هارون اسمها أليصابات... الإنجيل للقديس لوقا 1: 5. وقوله وفي تلك الأيام صدر مرسوم من أغسطس قيصر بإجراء تسجيل لسكان العالم كله. وكان هذا هو التسجيل الأول الذي جري حين كان كيرينيوس واليا علي سورية الإنجيل للقديس لوقا 2: 1, 2. وقوله: وفي السنة الخامسة عشرة من حكم طيباريوس قيصر, حين كان بيلاطس البنطي واليا علي اليهودية, وهيرودوس حاكما علي الجليل, وفيلبس أخوه حاكما في إيطورية وأراضي تراغونيتس, وليسانيوس حاكما في أبيلينية, وكان حنان وقيافا رئيسين للكهنة, كانت كلمة الله علي يوحنا بن زكريا الإنجيل للقديس لوقا 3: 1, 2.
10- والقديس لوقا هو بعينه كاتب سفر أعمال الرسل, وقد كتبه بعد الإنجيل العبرانيين من اللغة العبرانية إلي اليونانية, كما يشهد بذلك القديس أكليمنضس الإسكندري في كتابه المجمل HYPOTYPOSEIS ويؤيده في ذلك يوسابيوس القيصري المؤرخ في كتابه تاريخ الكنيسة 8.
11- وقد رافق قديسنا لوقا القديس بولس الرسول في أسفاره ورحلاته, كما قلنا, إلي أن استشهد الرسولان بطرس وبولس في رومية علي عهد الإمبراطور نيرون في سنة 67م, وبعد استشهادهما ظل القديس لوقا يبشر في نواحي رومية. ويقول بعض رجال الكنيسة إنه بشر في دلماتية وغالية وإيتالية ومقدونية وإخائية ومصر, فأبلغوا أمره إلي نيرون إمبراطور الرومان ووصفوه له بأنه ساحر, فاستدعاه نيرون. وعندما بلغه أمر الإمبراطور, سلم ما عنده من الكتب إلي رجل صياد, وقال له: احتفظ بهذه الكتب فإنها تنفعك وتهديك إلي طريق الله. فلما مثل أمام الإمبراطور, قال له غاضبا: إلي متي تضل الناس بسحرك؟, أجاب القديس لوقا: إني لست بساحر, لكني رسول سيدي يسوع المسيح ابن الله الحي. وعندئذ أمر نيرون بأن يقطعوا ساعده الأيمن, قائلا: اقطعوا هذه اليد التي كان يكتب بها. فلما قطعوا يده, قال القديس وهو صابر: نحن لا نكره موت هذا العالم, ولكن لكي تعلم أيها الملك قوة سيدي يسوع المسيح. ثم تناول يده المقطوعة وألصقها في مكانها فالتصقت, ثم فصلها فانفصلت. فتعجب الحاضرون, وآمن وزير الملك وزوجته وجمع كثير, فأمر الملك فقطعوا رؤوسهم جميعا. وأما القديس لوقا, فبعد أن قطعوا رأسه جعلوا جسده في كيس من شعر, ثم ألقوه في البحر. وبتدبير من الله قذفت به الأمواج إلي جزيرة, فوجده أحد المؤمنين بالمسيح, فأخذه وكفنه بما يليق. 9 وتعيد الكنيسة الأرثوذكسية في مصر لاستشهاده في اليوم الثاني والعشرين من شهر بابة القبطي وهو يقابل 1 أو 2 من نوفمبر تشرين ثان, أما الكنيسة الغربية فتعيد له في الثامن عشر من شهر أكتوبر تشرين أول.
12- ويروي التاريخ أن الإمبراطور قسطنطيوس الثاني Constantius II أمر بنقل رفات القديس لوقا من طيبة THEBES في بيتيه BOEOTIA إلي القسطنطينية حيث حفظت في كنيسة الرسل التي بنيت بعد ذلك مباشرة.
ومن التقليد نعلم أن القديس لوقا عاش بتولا, وأنه عندما استشهد كان ابن 84 سنة. 10
-----------------------------------
المـــــراجع
1- كتاب الدر الفريد في تفسير العهد الجديد تأليف العلامة مارديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي السرياني مطران أمد ديار بكر, الجزء الثاني, المطبوع بمصر سنة 1914 صفحة 1.
2- تاريخ الكنيسة, الجزء الثالث, فصل 4: 6.
3- مجموعة الآباء اللاتين جمع MIGNE المجلد 26, العمود 18.
4- THE VOCANULARY OF THE GREEK TESTAMENT, I llustrated from the papyri and other Non - Literary Sources, by. J.H. MOULTON and G. MILLIGAN, London, 1952, p. 380 (b), 381 (a).
5- مجموعة الآباء اليونانيين - جمع مني MIGNE المجلد 86 الجزء الأول عمود 165.
6- المجموعة اللاهوتية لتوما الأكويني, الجزء الثالث, السؤال 25, الباب الثالث, الجواب علي الاعتراض الرابع.
7- مشكاة الطلاب في حل مشكلات الكتاب للأنبا إيسيذوروس. طبعة القاهرة, سنة 1929, صفحة 392.
انظر أيضا مجلة: ABBA SALAMA, VOL VLL (1976) P. 243
8- تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري, الجزء 6, فصل 14 فقرة 2. الجزء 3 فصل 38 فقرة 2.
9- انظر السنكسار القبطي تحت اليوم الثاني والعشرين من شهر بابة القبطي.
10- The Oxford Dictionary of the Christian Church, Edited by F.L. Cross, London. 1974 p. 844 (a).