Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

لغة القرآن وقرائته
إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس ستجد تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات 

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
إصدارات القرآن قبل موت ممحمد
لغة القرآن
الناسخ والمنسوخ
الأحرف السبعة
القرآئات العشر والسبعة أحرف
القرآن برواية حفص الكذاب
نزول سور وآيات القرىن
ترتيب سورالقرآن
سور وآيات لم تكتب
New Page 4787
New Page 4788
Untitled 3897
Untitled 3898
Untitled 3899
Untitled 3900
Untitled 3901
مصادرمعلومات محمد

Hit Counter

*******************************************************************************************************

الجزء التالى للمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل الثامن والثلاثون بعد المئة - لغة القرآن - ص 1099 - 1105 نقلنا هذه الصفحة بدون تغيير ولكننا وضعنا لكل فقرة عنوان

*******************************************************************************************************

بأى لهجة نزل القرآن ؟
ولتشخيص لغة القرآن صلة كبيرة في تعيين وتثبيت المراد من العربية الفصيحة أي العربية المبينة. ولهذا فأنا
ضطر إلى التعرض لها، وإن كان الموضوع بحثنا إسلامياً، فأقول نزل القرآن منجماً ) بلسان عربي مبين(.ولكن العرب كانوا ولا زالوا يتكلمون بلهجات، فبأي لهجة من لهجاتها نزل القرآن الكريم ? لقد تطرق "الطبري" في مقدمة تفسيره إلى هذا الموضوع بعد أن تعرض لرأي من زعم أن في القرآن كلاماً أعجمياً، وأن فيه من كل لسان شيئاً، فقال: "قال أبو جعفر: قد دللنا على صحة القول بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه، على أن الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر إجناس الأمم، وعلى فساد قول من زعم أن منه ما ليس بلسان العرب وبلغتها. فنقول الآن:إذا كان ذلك صحيحاً في الدلالة عليه، فبأي ألسن العرب أنزل? أبالسن جميعها أم بألسن بعضها ? إذ كانت العرب وإن جمع جميعها اسم انهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان، متباينو المنطق والكلام. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله جلّ ذكره قد أخبر عباده أنه قد جعل القرآن عربياً، وأنه أنزل بلسان عربي مبين، ثم كان ظاهره محتملاً خصوصاً وعموماً، لم يكن السبيل إلى العلم بما عنى الله تعالى ذكره من خصوصه وعمومه إلاّ ببيان من جعل إليه بيان القرآن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الأخبار قد تظاهرت عنه،صلى الله عليه وسلم، بما حدثنا خلاد بن اسلم، قال: حدثنا أنس بن عياض عن ابي حازم عن أبي سلمة، قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أنزل القرآن على سبعة احرف، فالمراء في القرآن كفرٌ، ثلاث مرات، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه.

أنزل القرآن على سبعة احرف
واستمر الطبري بعد ذلك في تعداد الطرق التي ورد فيها هذا الحديث: حديث "أنزل القرآن على سبعة احرف"، ورواية بعض الأخبار الواردة في حدوث اختلاف بين الصحابة في حفظ بعض الآيات وقراءتها. ثم خلص بعد هذا السرد إلى نتيجة، هي أن القرآن "نزل بالسن بعض العرب دون ألسن جميعها، وأن قراءة المسلمين اليوم ومصاحفهم التي بين أظهرهم هي بعض الألسن التي نزل بها القرآن دون جميعها"، فلم يجزم بتعيين اللهجة التي نزل بها القرآن الكريم. وحديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف" حديث معروف مشهور، يرد في كتب التفسير وفي كتب المصاحف والقراءات. ورد بطرق متعددة، وبأوجه مختلفة. وهذه الطرق والأوجه، إن اختلفت في سرد متن الحديث وفي ضبط عباراته، قد اتفقت في الفكرة، وخلاصتها نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف. ويقصدون بالحرف وجهاً من أوجه الالسنة، أي لهجة من اللهجات.
أما رجال سند هذا الحديث، فعديدون، وفي حال بعضهم كابن الكلبي وأبي صالح مغمز. وهم جميعاً يرجعون سندهم إلى جماعة من الصحابة، هم نهاية سلسلة السند، قالوا: إنهم سمعوا الحديث من الرسول، ويعنون بهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن عباس، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وأنساً، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ارقم، وسمرة بن جندب، وسليمان بن صرد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن أبي سلمة، وعمرو ين العاص، ومعاذ بن جبل، وهشام بن حكيم، وابا بكرة، وأبا جهم، وأبا سعيد الخدري، وأبا طلحة الأنصاري، وأبا هريرة، وأبا أيوب، وجملتهم واحد وعشرون صحابياً على بعض الروايات.
وورد في الحديث، حديث آخر يرجع سنده إلى "ابن عباس" فيه تأييد له، نصه أن رسول الله قال: "اقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم ازل استزيده ويزيدني حتىّ انتهى إلى سبعة أحرف"، وحديث اخر، نصه: "إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف،فرددتُ إليه: أن هو"ن على أمتي، فارسل اليَ: ان اقرأ على حرفين، فرددت إليه: ان هون على أمتي، فأرسل الي أن اقرأه على سبعهَ أحرف"، وحديث ثالث نصه:" إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقر القرآن على حرف، فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف"، "في حديث أبي بكرة عنه: فنظرت إلى ميكائيل فسكت. فعلمت أنه قد انتهت العدة". وهناك أحاديث أخرى بهذا المعنى.
ونجد في كتب التفسير والحديث والأخبار احاديث وأقوالا تشير إلى ان بعض الصحابة كانوا يقرئون قراءات متباينةُ كانوا يتعززون بقرائهم ويتمسكون بها، ومنهم من كان يقرأها على الرسول فلم يعترض عليها، بل روى أنه قال: "اقرأوا كما علمتم"، وروي أنه "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه ُسلم، فقال له: اقراني عبدالله بن مسعود سورة اقرانيها زيد واقرأنيها ابي بن كعب، فاختلفت قرائتهم، فبقراءة أيهم اخذ ? قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعلي إلى جنبه،قال علي: ليقرأ كل إنسان بما علم كل حسن جميل" ورووا على لسان عمر بن الخطاب قوله: "سمعت هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقُرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت اساوره في الصلاة، فتصبرت حنى سلم. فلما سلم، لبيته بردائه، فقلت: من اقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها ? قال: اقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و سلم. فقلت: كذبت، فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤهاَ. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان قال: فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أرسله يا عمر. اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منها" وكالذي ذكروه من ان رجلا قرأ عند "عمر" فغير عليه، "فقال: لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه سلم، فلم يغيرّ علي"، فاختصما عند النبى. صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله الم تقرئني آية كذا وكذا ? قال: بلى، فوقع في صدر عمر شيء. فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك في وجهه. فضرب صدره. وقال: أبعد شيطاناً ! قالها ثلاثاً. ثم قال: يا عمر: ان القرآن كله صواب" ما لم تجعل رحمة عذاباً، أو عذاباً رحمة".

إختلاف القراءات
وروي "ان رجلين اختصما في أية من القرآن وكل يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه، فتقارءا إلى ابي " فخالف ابي فتقارأوا إلى النبي صلى اللهُ عليه سلم، فقال: يا نبي الله اختلفنا في آية من قرآن وكلنا يزعم أنك أقرأته فقال لأحدهما: اقرا، قال:فقرأ، فقال: أصبت. وقال للاخر: اقرأ، فقرأ خلاف ما قرأ صاحبه، فقال: أصبت. وقال لأبي: اقرأ، خالفهما، فقال: أصبت. قال أبي فدخلني من الشك في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دخل في من امر الجاهلية. قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي في وجهي، فرفع يده فضرب صدري، وقال: استعذ بالله من الشيطان الرجيم. قال: ففضتُ عرقاً، وكأني أنظر إلى الله فَرقاً،وقال: إنه أتاني آت من ربي، فقال: إن ربك يأًمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت: رب، خفف عن أمتي. قال: ثم جاء ? فقال: إِن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلتُ: رب خفف عن أمتي. قال: ثم جاء الثالثة، فقال: إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد.فقلت: رب خفف عن أمتي. قال: ثم جاءني الرابعة" فقال إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة الخ".
ورُوي عن زيد بن وهب، قال: أتيت ابن مسعود استقرئه آيةة من كتاب الله، فأقرأنيها كذا وكذا فقلت: إن عمر أقرأني كذا وكذا خلاف ما قرأها عبدالله. قال فبكى حتى رأيت دموعه خلال الحس، ثم قال: إقرأها كما أقرأك عمر، فوالله لهي أبين من طريق السيلحين.
وأورد العلماء أحاديث اخرى بهذا المعنى، تظهر كلها وقوع اختلاف بين الصحابة في قراءة القرآن، وعلم الرسول به، وتجويزه لهم القراءة بقراءتهم كل إنسان بما علم.

ما معنى السبع أحرف ؟
وقد اختلف العلماء في معنى هذه السبعة الأحرف وما اريد منها على أقوال. جمعها القرطبي على خمسة وثلاثين قولا،، وجعلها "السيوطي" علىنحو أربعين قولا، تحدث هو وغيره عنها، والحديث عنها في هذا الكتاب يخرجنا من حدود بحثنا المرسومة، وهو التأريخ الجاهلي، لنذلك فسوف لا أتكلم في هذا المكان ألا عن الأقوال التي عينت تلك الأحرف ونصت على أسمائها بالنصُ والتعيين، فأقول: قد رأينا الأحاديث المذكورة والأخبار المروية، وهي عامة، لم تنص على كون المراد من الأحرف السبعة حرفا معيناً، ولساناً خاصاً من ألسنة العرب، غير أننا نجد أخباراً، نصت على تلك الأحرف وعينتها وشخصتها، إذا تتبعنا سندها ورجالها نجدها تنتهي ب "ابن عباس". واكثر القائلين بها هم من علماء العربية مثل "أبو عبيد" و "أبو عمرو بن العلاء" وثعلب، والأزهري، وسند هذه الأخبار "الكلبي" عن "أبي صالح" عن "ابن عباس"، أو عن "قتادة" عن ابن عباس، وأمثال ذلك من طرق، فقد ورد عن "ابن عباس" قوله: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن، قال أبوعبيد: ُالعجز، هم بنو سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية،وثقيف، هؤلاء كلهم من هوازن. يقال لهم: عليا هوازن. ولهنا قال ابو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم، يعني بني دارم، "واخرج ابو عبيد من وجه آخر، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة. قال: وكيف ذلك ? قال: لأن الدار واحدة، يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش، فسهلت عليهم لغتهم".
"وقال أبو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر". وذكر بعض آخر أنه نزلّ بلغة قريش، وهذيل، وثقيف، هوازن، وكنانة، وتميم، واليمن وسعد بن يكر، هم من عليا هوازن. معنى هذا أنه نزل بلغات عدنانية ولغات قحطانية، أي بجميع ألسن العرب.
وقد تعرض "الطبري" للاقوال المذكورة، فقال "وروى جميع ذلك عن ابن عباس، وليست للرواية عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله، وذلك ان الذي روي عنه ان خمسة منها من لسان العجز من هوازن: الكلبي عن أبي صالح، وان الذي روي عنه ان اللسانين اللآخرين لسان قريشُ وخزاعة: قتادة، وقتادة لم يلقه ولم يسمع منه"، وقد ضعف "ابن الكلبى"، ورفض علماء الفقه والحديث الأخذ عنه. وضعف "ابو صالح" كذلك واتهم بالكذب: "قال ابن معين: إذا روى عنه الكلبى فليس بشيء".
وأما "قتادة"، فذكر "الطبري" عنه أنه لم يلق "ابن عباس"، ولم يسمع منه فحديثه عن ابن عباس إذن مما لا يجوز الأخذ به. فروايته: "نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة"، رواية لا يعتمد عليها لهذا السبب. ولقتادة رواية أخرى بهذا المعنى نسبها إلى "أبي الاسود الدؤلي"، زعم أنه قال: "نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لُؤي". وقد علق "خالد ابن سلمة" على هذا الكلام فقال: "ألا تعجب من هذا الأعمى يزعم إن القرآن نزل بلسان الكعبين ?وانما نزل بلسان قريش" - قال مخاطباً به "سعد بن ابراهيم"، وقد رمي قتادة بالتدليس.
وينتهي سند هذا الحديث: "أنزل القرآن على سبعهّ احرف" إلى "ابي هريرة" وقد كثر القول عن أبي هريرة، وأكثر "أبو هريرة" الحديث عن رسول الله، حتى قال الناس أكثر أبو هريرة الحديث عن رسول الله، وكان يقول لهم:" اني كنت امرءاً مسكيناً، اصحب رسوله الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني. وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان الأنصار يشغلهم القيام على اموالهم"، وذكر ان مسند" تقي بن مخلد، احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلافُ و ثلثمائة حديث وكسر"، وقد يكون بعض ما اسند إليه مما اكثر عليه، اكثره عليه من جاء بعده، ثم إن علينا نقد حديثه، فليس هو بمشرع ولا معصوم، حتى نقبل منه كل ما روي عنه بل روي ان "عمر بن الخطاب" قال له:" أكثرت يا ابا هريرة من الرواية، واحر بك أن تكون كاذباً على رسول الله. ثم هدده وأوعده إن لم يترك الحديث عن رسول الله فإنه ينفيه إلى بلاده.
وقد اخرج ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بارض دوس".
وهناك رأي ثالث يقول انه نزل بلغة مضر، لقول "عمر": نزل القرآن بلغة مضر وعين بعضهُم - فيما حكاه - ابن عبد البر السبع من مضر، أنهم هذيل، وكنانة، وقيس، وضبه، وتميم الرباب، واسد بن خزيمة،وقريش، فهذه قبائل مضر، تستوعب سبع لغات". وذكر أن "عمر" لما أراد "أن يكتب الإمام، أقعد له نفرا منّ أصحابه، وقال: إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر".ولما كانت القّبائل المذكورة من مجموعة "مضر"، تكون لغة القرآن، وفقاً لهذا الرأي لغة مضر، لا لغة قريش، وروي عن "عبد الله بن مسعود"، أنه كان يستحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر.
وعندنا أخبار أخرى تفيد أن القرآن إنما أنزل بلغة قريش. من ذلك ما روي من قول عمر: "لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش، او غلمان ثقيف". وفسروا ذلك بأنه يعني أن القرآن إنما نزل بلغة قريش. وما روي من قول "عثمان" للرهط القرشيين الذين أوكل اليهم جمع القرآن وكتابته: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا"، وما روي عنه أيضاً، من أنه لما استفتى في اختلاف "زيد" مع الرهط في كتابة التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، وقال الثلاثة القرشيون إنما هو التابوت، وقال زيد انما هو التابوه، قال: "اكتبوه بلغة قريش، فان القرآن نزل بلغتهم"، وما روي.عنه أيضاً من قوله الرهط الذين أمرهم بكتابة القرآن: "إذا اختلفتم انتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم ففعلوا".
واستنكر "ابن قتيبة" قول من قال ان القرآن نزل بلغات اخرى، فقال:"لم ينزل القرآن إلاّ بلغة قريش"، واحتج بالآية: ) وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه(. واحتج آخرون بقول "عمر" لعبدالله بن مسعود: "إن القرآن لم يزل بلغة هذيل، فأقرئ الناس بلغة قريش".
ُروي في "البخاري"، أن القرآن نزل بلسان قريش والعرب. وقريش خلاصة العرب. " وذكر بعض العلماء انه نزل بلغة الحجازيين إلا قليلا، فإنه نزل بلغة التميمين كالإدغام في: ومن يشاق الله، وفي: ومن يرتد منكم عن حينه ؛ فإن ادغام المجزوم لغة تميم،ولهذا قل، والفك لغة الحجاز ولهذا كثر".

هل القرآن به أربعين لغة عربية ؟
وذكر بعض العلماء "ان في القرآن من أربعين لغة عربية وهي: قريش، هذيل، وكنانة، وخثعم، و الخزرج، وأشعر، ونمير، وقيس عيلان، وجرهم، واليمن، وأزد شنوءة، وكندة، و تميم، وحمير، ومدين، ولخم، وسعد العشيرة، وحضرموت، وسدوس، والعمالقة، وانمار، و غسان، ومذحج، وخزاعة، وغطفان، وسبأ، وعمان، وبنو حنيفة، وثعلب، وطيء، وعامر ابن صعصعة، واوس، ومزينة، وثقيف، وجذام، وبلي، وعذرة، وهوازن، والنمر، و اليمامة.

لغات غير عربية بالقرآن
وذكروا أن مما وقع في القرآن من غير العربية: الفرس، والروم، والنبط، و الحبشة، والبربر، والسريانية، والعبرانية، والقبط.


وقال بعض العلماء: "انزل القرآن اولاً بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح العرب أن يقرأوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعلاء على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الإنتقال عن لغته إلى لغة اخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد".
وذهب "الباقلاني" إلى أن "معنى قول عثمان إنه نزل بلسان قريش، أي معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريشا كله، قال الله تعالى)قرآناً عربياً(، ولم يقل قرشياً، قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا" واحداً يعني حجازها ويمنها، وكذا قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن لغة غير قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات فأن قريش لا تهمز، وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري معنى فاطر السماوات والأرض، حتى سمعت اعرابياً يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها".
وسند القائلين: إن القرآن نزل بلسان قريش، كون الرسول من مكة،ومكة موطن قريش، فلا بد من نزول كتاب الله بلسانهم، ليكون حجة عليهم واعجازاً لفصحائهم، دليل ذلك قوله تعالى: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم(، فعلى هذا تكون لغة القرآن لغة قريش، ولما جاء في الأخبارالتي رويت عن "عمر" و "عثمان" من أنه نزل بلسان قريش.
ومن حججهم أيضاً ما رووه من قوله "ابي عبيد الله" من قوله "أجمع علماؤنا بكلام العربُ الرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم وايامهم ومحالهم ان قريشا أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغةّ. و ذلك أن الله - جل ثناؤه - اختارهم من جميع العرب واصطفاهم واختار منهم نبي الرحمة محمداً صلى الله عليه وسلم، فجعل قريشاً قطان حرمه وجيران بيته الحرام وولاته. فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج ويتحاكمون إلى قريش في امورهم.وكانت قريش تعلَمهم مناسكهم وتحكم بينهم. ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم، وتسميها أهل الله،لانهم الصريح من ولد اسماعيل عليه السلام، ولم تشبهم شائبة" ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة، فضيلة من الله جل ثناؤه، لهم وتشريفاً، إذ جعلهم رهط نبيه الأدنين وعترته الصالحين. وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم واشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم. فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم التي طُبعوا عليها، فصاروا بذلك افصح العرب. ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفية قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكسر الذي نسمعه من أسد وقيس".
وروي عن "قتادة" قوله: "كانت قريش تجتبي، أي تختار، أفضل لغات العرب، حتى صار أفضل لغاتهم لغتهم، فنزلّ القرآن بها".
ثم إنها كانت بعيدة عن الأعاجم، فصان بعدها عنهم لسانها عن الفساد، وحفظها من التأثر بأساليب العجم، حتى إن سائر العرب على نسبة بعدهم من قريش كان الاحتجاج بلغتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية.

قال عثمان : اجعلوا المملي من هذيل، والكاتب من ثقيف
ولكننا نجد خبراً يذكر أن "عثمان" قال للرهط الذين أمرهم بجمع القرآن وكتابته: "اجعلوا المملي من هذيل، والكاتب من ثقيف"، وليست هذيل ولا ثقيف من قريش. وتجد خبراً اخر يذكر أنه كانت غمغمة في لغة قريش، والغمغمة من اللغات الرديئة التي أخذها علماء اللغة على اللغات العربية الأخرىَْ، فكيف تتفق الغمغمة مع ما ذكروه من صفاء و نقاء وسهولة وبيان لغة قريش ثم نجد خبراً يذكر أن الخليفة "أبو بكر"، لما هم " بجمع القرآن، بعد إلحاح "عمر" عليه بذلك، "أجلس خمسة وعشرين رجلا من قريش، وخمسين رجلا من الأنصار، وقال: اكتبوا القرآن، واعرضوا على سعيد بن العاص، فإنه رجل فصيح"، ولو كان القرآن قد نزل بلغة قريش، لما اختار هذا العدد الكثير من الأنصار، وهم من غير قريش،ومن منافسي مكة في الجاهلية والإسلام، إن صح هذا الخبر، الذي اشك في صحته.
ثم نجد خبراً آخر يناقض الخبر المتقدم،يقول: "لما كُتبت المصاحف عُرضت على عثمان، فوجد فيها حروفاً من اللحن، فقال: لا تغيروها ؛ فإن العرب ستغيرها أو قال ستعربها بالسنتها، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل، لم توجد فيه هذه الحروف". وهو خبر أشك في صحته، وللعلماء فيه آراء.

الإختلاف فى كتابة التابوت
وأما ما قالوه من اختلاف "زيد" مع النفر القرشين الذين أشركوا معه في جمع القرآن من "كتابة "التابوت" بالتاء أو بالهاء، وكان من رأيه كتابتها "التابوه"، ومن رأي "عثمان" "التابوت"، فقد ذكر العلماء أن "التابوه" لغة في التابوت أنصارية. واللفظة هي من المعربات،أخذها الأنصار من العبرانية، فهي عندهم "ت ب ه" "ط ب ه" Teba Tebh بمعنى صندوقْ. وقد كتبت في القرآن بالتاء. وقد وردت اللفظة في سورة "طه"، وهي مكية، ووردت في سورة البقرة وهي مدنية..

القرآن  لسان عربي مبين
واقرب الأقوال المذكورة إلى المنطق، هو قول من قال إنه نزل بلسان عربي وكفى فاسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا" واحداً، يعني حجازها ويمنها وكل مكان آخر من جزيرة العرب، ثم ما بالنا نفسر ونؤول، ونلف وندور في. تفسير: "أنزل القرآن على سبعة احرف"، وهو حديث، روي بروايات تحتاج إلى نقد، وفيها ضعف، وأخبار ضعيفة، لا تقف على قدميها، ثم نترك كتاب الله القائل: )نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين(، و )هذا لسان عربي مبين( و )إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون(، و )كذلك أنزلناه حكماً عربياً(، و )كذلك انزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد(، و )قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون(، و )كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون(، و )كذلك اوحينا إليك قرآناً عربيا(، و )إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون(، ) وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا(، ولم يقل قرشيا، ولو نزل بلغة قريش لما سكت اللَه تعالى عن ذلك، لما في التنويه بلسانهم إى كان افصح السنة العرب من حجة على العرب في فصاحته وبيانه وكونه معجزة بالنسبة لقريش، افصح الناس وألسنهم، وليس بكلام العرب عامة الذين هم على حدّ قول أهل الأخبار دون قريش في اللغة والكلام.
وما آية: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم(، إلا دليلاً وحجة على نزول القرآن بلسان العرًب، لا بلسان قريش، أو بلسان قبيلة معينة، أو قبائل خاصة. فالآية تقول: ) ما أرسلنا إلى أمة من الأمم يا محمد من قبلك ومن قبل قومك رسولاّ إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليه ولغتهم، ليبين لهم يقول: ليفهمهم ما أرسله الله اليهم من أمره ونهيه وليثبت حجة الله عليهم ثم التوفيق والخذلان بيد الله". ولما كان النبي عربياً، وقد نعت في القرآن أنه "النبي الأمي"، الذي أرسله الله إلى الأميين، "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم"، والأميون هم العرب، العرب كلهم، ولما كان الله قد أرسله إلى قومه العرب، وجب إن يكون الوحي بلسانهم المفهوم بينهم، بلسان طائفة منهم، يؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم نفسه من أنه نزل يلسان عربي مبين. "قال الأزهري: وجعل الله، عز وجل، القرآن المنزل على ألنبي المرسل محمد، صلى الله عليه وسلم، عربياً، لأنه نسبه إلى العرب الذين انزله بلسانهم، وهم النبي والمهاجرون والأنصار الذين صيغة لسانهم لغة العرب، في باديتها وقراها، العربية، وجعل النبي، صلى الله عليه وسلم، عربياً لأنه من صريح العرب". وقال "ابن خلدون": "أن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى اساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه".. وقال "الطبري" في تفسيره للاية: )انا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون(، "يقول تعالى ذكره: انا أنزلنا هذا الكتاب المبين قرآناً عربياً على العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه. وذلك قوله عز وجل ) لعلكم تعقلون(.

عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص
"قال ابن أبي داود في المصاحف: حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا ابي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز: أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان اشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن. ونعت انه كان أحد أشراف قريش ممن جمع السخاء والفصاحة" وفي هذه الامارة دلالة على أن لهجة الرسول، لم تكن لهجة عامة قريش، وإنما كانت بالعربية التي نزل بها القرآن، ولهذا نص على أن لهجة "سعيد" كانت مشابهة للهجة الرسول، وكان من أفصح رجال قريش، ولو كانت عربية القرآن عربية قريش، لما كان هنالك معنى لقولهم: إن عربية القرآن اقيمت على لسان سعيد، لأنه كان أشبهبم لهجة برسول الله، إذ لو كانت عربية القرآن عربية قريش، لنص عليها، ثم لكان في وسع أي رجل كاتب من قريش، تدوينه، لفصاحة قريش، ولكن سعيدا كان من فصحاء قريش، لأنه كان يتكلم بعربية فصيحة، هي العربية التي نزل بها القرآن، والتي عرف فصحاء قريش فصاحتها، فاعرفوا لذلك بنزوله بافصح لغة وأبين بيان.
وقد ذهب "نولدكه" إلى أن القول بنزول القرآن بلسان قريش، إنما ظهر في العصر الأموي، لاظهار عصبيته منها على الأنصار، ونظراً لكون القرآن كتاب الله فلادعاء نزوله بلغة قريش أهمية كبيرة بالنسبة لهم، ولتأييد سياستهم المناهضة للأنصار والقحطانيين.
ويلفت حديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" النظر إليه لاحقاً، فقد حصر القراءات في "سبعة أحرف". والأحرف الألسنة، مع أن العلماء يذكرون أن في القرآن من كل لغة، وأن فيه خمسين لغة. فإذا كان فيه هذا العدد أو نحوه، فما بال هذا الحديث يحصرها في سبعة فقط لا تزيد ولا تنقص وهي أحرف ثبتها العلماء ونصوا على أسمائها نصاً. هل أخذوا هذا الحديث من "السبع المثاني" في القرآن. الكريم، من قوله: )ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم(. أو أخذوه من عدد سبعة الذي يرد في مواضع عديدة من القرآن الكريم ? مثل سبع سماوات، وسبع سنابل، وسبع سنبلات، وسبع بقرات، وسبع سنين، وسبع شداد، والسماوات السبع، وسبع لبيال، وسبعاً شداداً، وسبعة أبواب، وسبعة أبحر، والعدد سبعة هو عد الأيام التي أتم الله فيها الخلق كله، وعدد أيام الاسبوع، ونحو ذلك. والعدد سبعة عدد لعب دوراً خطيراً عند الشعوب القديمة، فالأرض سبع طبقات، والسموات سبع طباق، وأنغام الموسيقى سبعة، والعدد سبعة عدد مقدس، لعب دوراً في الرياضيات القديمة وفي نظريات "فيثاغورس"، وعيون الشعر الجاهلي هي سبعة، هي القصائد السبع الطوال، أو المعلقات السبع، فهل اقتصر الحديث على هذا العدد لسبب من هذه الأسباب أو ما شابها من أسباب ?.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن العدد سبعة لا يمثل، حقيقة العدد، بل المراد التيسير والتسهيل والسعة. ولفظ "السبعة" يطلق على إرادة الكثرة في الاحاد، كما يطلق السبعون في العشرات والسبعمائة في المئتين، ولا يراد العدد المعين. ويرده ما في كتب الحديث والأخبار من النص على العدد سبعة بصورة لا تقبل الشك في أن المراد منه ضيق العدد وانحصاره، ثم تعيين هذه الكتب اللهجات السبع بالأسماء، وقد ألف "الصعفدي" كتاباً في عدد السبعة، سماه "عين النبع على طرد السبع" قال فيه إن السبعة جمعت العدد كله، وهذا العدد يمثل الكمال، فأنا لا استبعد ان يكون هذا الحديث قد جاء من هذه الفكرة.
القراءات السبع
ومن الأحرف السبعة ظهرت نظرية القراءات السبع، القراءات المعتبرة المعتمدة عند القراء، وهي ترجع إلى أئمة ارتبطت القراءات بأسمائهم، وعليها يقتصر في القراءات وهي نتيجة تطور سابق لقرّاء سبقوا هؤلاء الأئمة الذين اعتمد عليهم في القراءات، وعلى قراءاتهم يقرأ من يستحق لقب "مقرئ" أو "قارئ"، وإن كَانت هنالك روايات تزيد بعض الزيادات على هذه المقراءات.
ولأجل تكوين فكرة علمية صحيحة عن هذه الأخبار وعن درجة سعة هذا
الاختلاف ومقدارها وما يجب أن يقال فيها، لا بد من نقد كل ما ورد في هذا الباب من حديث وروايات، وغربلته غربلة دقيقة. وتكون أول هذه الغربلة في نظري بنقد سلسلة رجال السند، أي الرواة، لمعرفة الروابط التي كانت تربط بينهم وصلة بعضهم ببعض وملاقاتهم، وما قيل وورد فيهم، إذ نسبت احاديث إلى أشخاص قيل انهم رووها عن أناس ثقات، ثبت من النقد أن بعض رجال السند لم يلتقوا في حياتهم بمن حدثوا عنهم كما في حديث قتادة عن ابن عباس، أو أنهم رووا ما رووه تسرعاً وبدون سند أو إجازة لمجرد سماعهم برواية أولئك الأشخاص لتلك الروايات.
ثم إن هذا النقد لا يكفي وحده، بل لا بد من نقد متن الحديث من حيث لغته وأسلوبه ومضمونه وروحه، ومن حيث انطباق بعض الروايات على جوهر القرآن الكريم وما عرف عن الرسول. فبهذا النقد للمتن، نتمكن من الحكم على إمكان صدور الحديث عن الرسول أو عدمه.
وبعد كلّ ما تقَدم، علينا حصر أمثلة الاختلاف التي ذكرها العلماء، وضبط كل ما ورد في الأخبار من هذا القبيل، لنتمكن من الحكم على مقدار ما اختلف فيه وسعته ودرجة موافقته لما جاء في ذلك الحديث وفي تلك الأخبار، ثم دراسة، هذه الكلمات التي قيل انها تمثل لهجات قبائل وانها حرف من هذه الأحرف السبعة المذكورة في الحديث، لقد لخص "ابن قتيبة" الأحرف السبعة بالأوجه التي يقع بها التغاير:

فأولها: ما تتغير حركته، ولا يزول معناه ولا صورته، مثل: ولا يضار كاتب - بفتح -الراء وضها.
وثانيها: ما يتغير بالفعل مثل بعَدَ وباعد، يلفظ الطلب والماضي.
وثالثها: ما يتغير باللفظ مثل: نُنشزها وننُشرها بالراء المهملة.
رابعها: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل طلح منضود وطلع منضود.
خامسها: ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل:وجاءت سكرة الموت بالحق، وجاءت سكرة الحق بالموت.
وسادسها: ما يتغير بالزيادة والنقصان، مثلاً: وما خلق الذكر والأنثى، والذكر والأنثى، بنقص لفظ ما خلق.
سابعها: ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى، مثل: كالعهن المنقوش، وكالصوف المنفوش.
وأجمل "ابن الجزري." الأوجه السبعة ب: 1 - و ذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو: البخل بأربعة أوجه، ويحسب بوجهين.
2 - أو بتغير في المعنى فقط فى: فتلقى آدمُ من ربه كلماتٍ، برفع آدم ونصب لفظ كلمات وبالعكس.
3 - واما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو: تبلو، وتتلو.
4 - وعكس ذلك، نحو بصطة وبسطة، ونحو الصراط والسراط.
5 - أو بتغيرهما نحو فامضوا، فاسعوا.
6 - وإما في التقديم والتأخير، نحو فيقتلون، ويقتلون، بفتح ياء المضارعة مع بناء الفعل للفاعل في إحدى الكلمتّين،وبضمها مع بناء الفعل للمفعول في الكلمة الأخرى.
7 - أو في الزيادة والنقصان.
وقد أوجز "أبو الفضل" الرازي" الحروف السبعة في: 1 - اختلاف الأسماء من إفراد، وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث.
مثل: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، قرئ هكذا جمعاً، وقرىء لأمانتهم بالإفراد.
2 - اختلاف تصريف الأفعال من ماض، ومضارع، وأمر، مثل: فقالوا: ربنَّا باعد بين أسفارنا، قرئ هكذا بنصب لفظ ربنا على أنه منادى، وبلفظ باعد فعل أمر، وبعبارة أنسب بالمقام فعل دعاء، وقرىء هكذا: ربئا بعدَّ يرفع رب على أنه مبتدأ وبلفظ بعَد، فعلاً ماضياً مضعف العين جملته خبر.
3 - اختلاف وجوه الإعراب، مثل: ولا يضار كاتب ولا شهيد. قرىء بفتح الراء وضمها، فالفتح على أن لا ناهية، فالفعل مجزوم بعدها، والفتحة الملحوظة في الراء هي إدغام المثلين. أما الضمّ فعلى أن لا نافية، فالفعل مرفوع بعدها.
4 - الاختلاف بالنقص والزيادة. مثل: وما خلق الذكرَ والأنثى، قرىَء بهذا اللفظ، قرئ أيضاً والذكرَِ والأنثى، بنقص كلمة ما خلق.
5 - الاختلاف بالتقديم والتاخير. مثل: وجاءت سكرة الموت بالحق، وقرئ: وجاءت سكرة الحق بالموت.
6 - الاختلاف يالإبدال، مثل: وانظر إلى العظام كيف ننشزها، بالزاي، وقرئ ننشرها بالراء. ومثل: وطلح منضود، بالحاء، وقرىء طلع بالعين. فلا فرق في هذا الوجه أيضاً بين الاسم والفعل.
7 - اختلاف اللغات، أي اللهجات، كالفتح والإمالة، والترقيق والتفخيم، والإظهار: والإدغام ونحو ذلك.
ونحن إذا تعمقنا في درس مواضع الاختلاف، وهي أهم ما يتصل بلهجة القرآن الكريم، وسجلناها تسجيلا دقيقاً شاملاً، تجد أنها ليست في الواقع اختلافاً في أمور جوهرية تتعلق بالوحي ذاته، وإنما هي في الغالب مسائل ظهرت بعد نزول الوحي من خاصية القلم الذي دون به القرآن الكريم. فرسم اكثر حروف هذا القلم متشابه، والمميز،بين الحروف إلمتشابهة هو النقط، وقد ظهر النقط بعد نزول الوحي بامد كما يقوله العلماء، ثم إنّ هذا القلم كان خالياً في بادئ امره من الحركات، وخلوّ الكلم من الحركات محدث مشكلات عديدة في الظبط من حيث اخراج الكلمة، أي كيفية النطق بها، فمن حيث مواقع الكلم من الإعراب.
كل هذه الأمور وأمور أخرى تعرض لها العلماء، أحدثت في الغالب القسم الأعظم مما يعد اختلافاً في القراءات.
ويعود القسم الباقي من مواضع الاختلاف إلى سبب أراه لا يتعلق أيضاً يمتن النص، وإنما هو، كما يتبين من الإمعان في دراسته ومن تحليل الآيات المختلف فيها، زيادات وتعليقات من ذهن الحفّاظ والكتاب على ما أتصور،لعدم وضوح المعنى لديهم، لعلها كانت تفسيراً أو شرحاً لبعض الكلم دوّنت مع الأصل، فظنت فيما بعد من الأصل. واثبات التفسير مع المتن، جائزعلى بعض الروايات. ويعود قسم آخر منه إلى استعمال كلمات قد تكون مخالفة لكلمة من حيث شكلها، ولكنها متفقة معها في معناها، والى استعمال كلمات متباينة في الشكل وفي المعنى. وهذا القسم هو، ولا شك، أهم اقسام الاختلاف، واليه يجب أن توجه الدراسة.
هذه الأمور المذكورة، تحصر جميع ما ورد من اختلاف في كلمات أو آيات من القرآن الكريم. أما ما ذكره العلماء من الأوجه التفسيرية للحديث: حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف، ومن جعلها خمسة وثلاثين وجهاً أو سبعة أوجه أو أقل من ذلك أو أكثر، فإنها تفاسير متأخرة، وأوجه نظر قيلت لإيجاد مخارج مسوّغة لتفسير هذا الحديث.


ويصعب في هذا الموضع ذكر امثلة لهذه الأمور، فهي عديدة كثيرة، ذكرت في كتب المصاحف وفي كتب التفسير، وأورد شواهد منها "كولدتزهير" في كتابه عن "المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن"،يمكن الاطلاع عليها في الصورة العربية له المطبوعة بمصر.

فمن أمثلة الاختلاف الحادث من الخط

"تستكبرون" بالباء الموحدة و "تستكثرون" بالثاء المثلثة في الآية: )ونادى أصحاب الأعرافِ رجالاً يعرفونهم بسيماهم، قالوا: ما أغنى عنكم جَمعُكم. ما كنتم تستكبرون(. و "بشراً" أو "نشراً." في الاية: )وهو الذي يُرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته(. وكلمة "إياه" في الاية: )وما كان استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا عن مَوعِدة وعَدَها إياه(، إِذ وردت أيضاً "اباه" بالباء الموحدة. وأمثال ذلك مما كان سببه النقط.


وبعد ملاحظة ما تقدم، وحصر كل ما ورد في المصاحف وما قرأه القراء من قراءات، تجد أن ما يختص منه باللهجات وباللغات قليل يمكن تعيينه،ومعظمه مترادفات في مثل: أرشدنا واهدنا، والعهن والصوف، وزقية وصيحة، وهلم وتعال وأقبل، وعجل وأسرعْ، والظالم والفاجر، وعتى وحتى، وأمثال ذلك. وهذه الأمثلة هي كلمات مختلفة لفظاً، ولكنها في معنى واحد. وهي كما ترى مفردات لا دخل لها في قواعد اللهجات.
وأما الاختلاف في الاظهار، والإدغام، والإشمام،لا والتفخيم، والترقيق،والمد، و القصر، و الإمالة، و الفتح، والتحقيق، و التسهيل، والابدال. فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظاً واحداً، وليس هو من قبيل الإختلاف المؤثر في قواعد اللهجة، إنما هو اختلاف في الصور الظاهرة لمخارج حروف الكلمات، فلا يصح أن يعد فارقاً كبيراً يمكن أن يكون حداً يفصل بين اللهجات، بحيث يصيرها لغة من اللغات،ثم إن بعضه يعود إلى الخط، وبعضه إلى التجويد، أي طريقة التلاوة والأداء.
وللحكم على أصل المترادفات، تجب مراجعة سلسلة السند للوصول إلى صحة تسلسل الأخبار من جهة، والى معرفة راوي الخبر والقبيلة التي هو منها لمعرفة القراءة التي قرأها، وهل هي من لهجة قبيلته، أم هي مجرد كلمة من اللهجة التي نزل بها القرآن الكريم نفسها، تلقاها القارىء على الشكل الذي رواها في قراءته.

 كلمات غير قرشية أى غير عربية وردت في القرآن
لقد أشار العلماء إلى أمثلة من كلمات غير قرشية وردت في القرآن الكريم، ذكروا أنها من لهجات أخرى، ومنها

: الأرائك، ولا وزرَ، و"حور"،

وأمثال ذلك رجع بعضهم أصولها إلى خمسين لهجة من لهجات القبائل،

كما أشاروا إلى وجود كلمات معربة أْخذت من لغات أعجمية مثل الرومية، والفارسية،، والنبطية، والحبشية، السريانية، والعبرانية وأمثال ذلك، وألفوا فى ذلك كتباً، منها: كتاب لأبي عبيد القاسم ين سلام الهروي المتوفى سنة "223ه" "838 م"، واسمه: "رسالة في ما ورد في القرآن من لغات القبائل"، وكتاب لغات القرآن، لأبي زيد الأنصاري المتوفى سنة "214 ه" "829م"، وغيرهما.

ولكن بحوث هؤلاء العلماء انحصرت في دراسة المفردات، أي الكلمات، لا غير ثم إن الذين تناولوها لم يكن لهم علم بأكثر اللغات التي رجعوا أصولها إليها، ولا سيما اللغات الأعجمية مثل الرومية، والسريانية، والنبطية، والحبشية.
غير إن من الجائز أن يكون هؤلاء قد سمعوا عنها من الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام ولكن طريقة السماع هذه لا تكفي لإعطاء حكم على أصل لغة، بل لا بد من وجود علم ومعرفة بقواعد تلك اللغة وتاريخها وتطورها، والإحاطة بالعلاقات التاريخية بين العرب وغيرهم قبل الإسلام لمعرفة كيفية دخول تلك الكلمات إلى العرب، وإيجاد وجه صحيح للمقارنة بين اللغتين، وهذا ما لم يحدث في تلك الأيام، ولمّا كانت قراءة عبد الله بن مسعود من القراءات المشهورة المعروفة، وكان عبد الله بن مسعود من قبيلة هذُيل، وجب علينا البحث في لهجة هذيل لمعرفة خصائصها ومميزاتها وما انفردت به عن غيرها من اللهجات. وهذيل من القبائل التي عرفت بجودة لهجتها، في تدوين القرآن الكريم. ولذلك رأى الخليفة عثمان أن يكون المملي من هذيل والكاتب من ثقيف، وقد ذكرت لهجتها في جملة اللهجات التي نص عليها في الحديث المذكور على نحو ما أشرت اليه، كما أخرجت عدداً من الشعراء جمع بعض العلماء أشعارهم في ديوان، وقد طبع في القاهرة ديوان شعراء هذيل. ويفيدنا شعر هؤلاء الشعراء بالطبع في الوقوف على لهجة هذه القبيلة. ولكن هذا الشعر هو مثل شعر سائر الشعراء الجاهليين الاخرين مصقول مهذب، هذّب على وفق قواعد اللغة العربية التي ضبطت في الإسلام، ثم هو مضبوط برواية رواة هم في الأغلب من غير هذيل ولهذا قلما تجد في شعر هؤلاء الشعراء وغيرهمً ما يختلف عن قواعد اللهجة العربية، حتى أننا لا نستطيع في هذه الحالة أن ندعي إن هذا الشعر هو بلهجة هذيل وقد حرمنا العقلُ الوقوف على لهجات القبائل التي أخرجت أولئك الشعراء ومعرفة موثراتها في شعر أولئك الشعراء.

قراءة "ابن عباس" "نحم" بدلاً من "نعم"
ومن أهم الأمثلة التي أوردها العلماء في قراءة "ابن عباس" مما له علاقة باللهجات، قراءته كلمة "حتى" "عتى" في الآية: )ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجنه حتى حين". وقد ذكر المفسرون وعلماء اللغة أن هذه القراءة هي بلهجة هذيلْ، وأن "عتى" هي "حتى" عند هذه القبيلة ذلك لأن هذه القبيلة تستعمل حرف العين بدلاً من الطاء في لهجتها. ولم يشر العلماء إلى موضع أخرى استعمل "ابن مسعود" فيها كلمة "عتى" في موضع "حتى" الواردة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما اننا لم نجد في كتب اللغة المتقدمة إشارة إلى استبدال هذيل حرف العين بحرف الحاء. ونظرية "فحفحة" هذيل، رأي متأخر لم يقرن بأدلة وامثلة، فهو رأي لا يمكن الأخذ به. وأظن أن هذه القراءة المنسوبة إلى "ابن مسعود"، هي من القراءات المتولدة من حدوث اشتباه في القراءة، من جراء عدم حصول التمييز بين "العين" و"الحاء" في "حتى". ووقوع الاشتباه بين الحرفين في ابتداء الكلمات، أمر ليس بصعب، وإلا فَلمَ انفرد ابن مسعود في هذا الموضع فقط، باستعمال "عتى"، ولم يستعملها في المواضع الأخرى وهي كثيرة في القرآن الكريم.
نعم، لقد ورد في روايات إن ابن مسعود قرا "نحم" بدلاً من "نعم" في القرآن الكريم، وأنه قرأ "بحثرَ" عوضاً عن "بعثر". وهذه الروايات تناقض الروايات السابقة التي تزعم أنه قرا "عتى" في موضع "حتى" في الآية المذكورة،إذ نجده في هذه الروايات يقرأ "العين" حاءاً، اي عكس تلك القراءة المنسوبة اليه. ثم إنّ المفسرين وعلماء القراءات، لم يشيروا إلى قراءات أخرى له من هذا النوع قلب فيها حرف العين حاء مع تعدّد ورود حرف العين في القرآن الكريم.
وهناك روايات تفيد أن أسداًَ وتميماً استعملوا حرف الحاء في موضع العين في بعض الحالات، فقالوا: "مَحهُم." بدلاً "معهُم" و "أأحهد" في موضع " أأعهد". ولكنها لم تشر إلى أمثلة أخرى من هذا القبيل. وهذان المثالان لا يكفيان بالطبع لإعطاء حكم في هذا الإبدال عند القبيلتين، ولكن هنالك رواية متأخرة لا نعرف مرجعها تفيد أن هذا الإبدال واقع في لهجة سعد بن بكر، وهي قبيلة تقع مواطنها في شمالي المدينة. ولكن ما صلة ابن مسعود بهذه القبيلة وهو من هذيل? هل نفترض أنه أخذ قراءته تلك من أفواه رجال هذه القبيلة ? إذا أخذنا بهذا الظنّ، وجب علينا اثبات ذلك بدليل، وذكر أسماء الصحابة الذين أخذ ابن مسعود منهم قراءته. ويجب حينئذ رجَعُ تلك القراءة إلى أولئلك الصحابة لا إلى ابن مسعود. والواقع أننا لا نستطيع أبداً الاتيان بدليلٍ ما يثبت استعمال هذيل حرف العين في كلامها في موضع الحاء وبالعكس.
ورأيي أن ما نسب إلى ابن مسعود في هذه القراءة أو القراءات الثلاث، سببه وهمٌ وقع فيه مَنْ نسب تلك القراءة إليه، وهو ناتج من كتابة المصحف المنسوب إليه. وإلا، فلا يعقل أن يقتصر ابن مسعود على هذه القراءة أو القراءات التي هي ليست من لهجة أهل مكة ولا أهل يثرب ولا هذيل، ثم يترك سائر المواضع، ولا يعقل كذلك تلفظ الرسول بهذه اللهجة الشاذة التي لا نعرف من كان يستعملها على وجه ثابت، وقد دل القرآن بأفصح اللهجات.
والى أمثال هذه القراءات الشاذة، التي يجب نقدها وتمحيصها بعناية، استند "كارل فولرس" في نظريته القائلة بحدوث تغيير في نص القرآن الكريم. وهي نظرية لم يُقرّها عليه بعض كبار المستشرقين. ولو فحصت ودققت، لتبين أنها بنيت على روايات لا تثبت أمام التمحيص، أخذها لمجرد ورودها في الكتب. ولكن ليس كل ما يرد في الكتب بأمر مسلم به.
وقد بحث العلماء في اللغات التي وقعت في القرآن بغير لغة قريش، وفي جملتها لغة حمير، ورجحت إلى بحوثهم، فوجدت أن ما نسب إلى الحميرية من كلمات، لا يحمل طابع الحميرية، وليس من لغة العرب الجنوبيين بشيء. وقل مثل ذلك عن لغة "جرهم"، فقد دونوا الفاظا زعموا أنها وردت بلغة "جرهم"، ونحن نعلم من أقوال أهل الأخبار أنفسهم أن "جرهماً" كانوا من الشعوب العربية البائدة التي هلكت قبل الإسلام بزمن طويل. وقد ماتت لغتهم معهم بالطبع، فكيف يمكن للعلماء من تشخيص هذه الألفاظ ومن أرجاعها إلى جرهم وقد وجدت أيضاً إن ما ذكروه من أمثلة اخرى على لغات القبائل الي وردت ألسنتها في القرآن هو من هذا القبيل، ولا سيما القبائل الهالكة مثل "مدين"، فالعلماء الذين شخصوا تلك اللهجات التي زعموا أنها وردت في القرآن، يذكرون أن بعض أصحاب هذه اللهجات هم من العرب البائدة، فهم ممن ماتوا وبادوا، وماتت لغتهم بموتهم، فما يذكرونه من الفاظ لغاتهم الواردة في القرآن، هو مما لا أصل له إذن. ثم إنهم نسبوا ألفاظاً إلى "حمير"، وجدنا أنها ليست حميرية أبداً، أضف إلى ذلك أنهم لم يدرسوا العربيات الجاهلية دراسة علمية، ولم يكن لهم علم بها، ولهذا فما ثبتوه ودوَنوه عن اللغات العربية في القرآن، لا يمكن الأخذ يه، لأنه لا يستند على علم بالموضوع، ولا على دراسات لتلك اللهجات.
ومن أمثلة ما ذكروه على أنه من لسان "حمير"، الأرائك، ولا وزر، بمعنى لا جبل، وحور، ولهو، بمعنى المرأة، ولا تفشلا، وعثر، وسفاهة، وزيلنا، مرجواً، وإمام وغير ذلك، وذكروا أن "باءوا"، وشقاق، وخيراً وكدأب، وأراذلنا، ولفيفاً، وغير ذلك من لغة جرهم، وهي كلها من تخرصات من نسبها إلى جرهم، لما قالوه أنفسهم من هلاك جرهم قبل الإسلام بزمان طويل، فمن أبلغهم اذن أن هذه الألفاظ من الفاظ جرهم، ولم نزلت في القرآن، وقد نزل الوحي للأحياء وليس للاموات!.


وقد ذهب البعض مذهباً بعيداً في اللغات الواردة في القرآن، فذهب إلى أن "غساق"، بمعنى المنتن بلسان الترك، وهو بالطخارية، وأن "سيدها" زوجها بلسان القبط، وأن "الأرائك" بالحبشية، وأن "سبحى" بلسان الحبشة، وأن "الجبت" الشيطان بلغة الحبش، وان "حرم" بمعنى وجب بالحبشية، وأن "سكر"، بمعنى الحل بلغة الأحباش، وأن "سينين" بمعنى الحسن بلسان الحبشة، وأن "شطر"حبشية، وان "العرم" حبشيهّ، وأن قنطار بلسان اهل إفريقية، إلى غير ذلك من ألفاظ.
ونجد رواية تذكر ان الصحابة لما تشاوروا في أمر تسمية القرآن، ما يسمونه ? "فقال بعضهم: سموه السفر، وقال "ذلك اسم تسميه اليهود، فكرهوه، فقال رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على ان يسموه المصحف".، فجعلوا الفظة حبشية.
ولو درسنا الألفاظ المعربة المذكورة، في لن العلماء قد أخطأوا في تشخيصها وخلطوا في الغالب بين أصولها، بسبب أنهم لم يكونوا محسنون اللغات الأعجمية، ما عدا الفارسية، وأنهم لم يراجعوا أهل العلم والتخصص في اللغات الأعجمية، من رجال الدين من أهل الكتاب، لو المتبحرين بالأدب من الروم والسريان، بل اكتفوا بمراجعة اياً كان ممن كانوا يعرفونهم من نصارى ويهود، وحيث أنه لم يكن لدى هؤلاء علم المتبحرين في الدين والأدب، جاءت أجوبتهم فجّة أو مغلوطة، ودونت على هذه الصورة.
ونظراً لعدم وقوف العلماء على اللغات العربية الجنوبية، جلوا ألفاظاً عربية واردة في القرآن مثل "العرم" لفظة حبشية، مع أنها لفظة عربية جنوبية، مدونة في النصوص، وجعلوا ألفاظاً أخرى من هذا القبيل، من الألفاظ المعربة عن لغات أعجمية.
وقد اتخذ بعض العلماء حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف دليلا على نزول القرآن بلغة قريش، فقد قالوا: إن الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن واقعة كلها في لغة قريش، ذلك أن قريشاً كان قد داوروا بينهم لغات العرب جميعاً وتداولوها، وأخذوا ما استملحوه من هؤلاء وهؤلاء في الأسواق العربية ومواسعها، وأيامها ووقائعها، وحجها وعمرتها، ثم استعملوه وأذاعوه، بعد أن هذبوه وصقلوه. وبهذا كانت لغة قريش مجمع لغات مختارة منتقاة من بين لغات القبائل كافة، وكان هذا سبباً من أسباب انتهاء الزعًامة اليهم، واجتماع أوزاع العرب عليهم، ومن هنا شاءت الحكمة أن يطلع عليهم القرآن من هذا الأفق، وأن يطل عليهم من سماء قريش.
وهو استنتاج غير مقنع، لما أورده العلماء أنفسهم من أقوال وتفسر للحديث المذكور، ولما أوردوه من أن الصحابة من قريش، كان يشكل عليهم اللفظ من القرآن مثل "أبا" فيسألون عنه، لأنه لم يكن من لغة قريش. فقد ذكروا أن "عمر"، قرأ "عبس وتولى" حتى أتى على هذه الآية: وفاكهة وأبَّا، فقال: قد علمنا الفاكهة فما الأب. ثم قال: لعمرك يا ابن الخطاّب إن هذا ذو التكلف. وذهب البعض إلى أن المراد من اللفظة ما أنبتت الأرض للانعام، وذكر بعض العلماء أنها بلغة الحبش. وذكروا اشياء أخرى من هذا القبيل، تعارض قبول هذا الاستنتاج.
والذي أراه أن نص القرآن يعارض حديث الأحرف السبعة، ففيه: "بل هو قرآن مجيد، في لوح محفوظ"، وفيه: "قل: ما يكون لي أن أبدّلهَ من تلقاء نفسي، إن اتبع إلا ما يوحى اليّ، اني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" وفيه "إنا نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون". فليس للرسول أن يغير أو يبدل ما نزل به الوحي عليه، ثم إنه كان لا ينتهي من الوحي، حتى يأمر من يكون عنده بتدوينه بلسانه حال نزوله عليه، وإذا لم يكن هناك كاتب أمر من يستدعي له كاتباً ليدونه، فكيف يتفق ذلك مع هذا الحديث، ومع الأمثلة التي ذكروها في القراءات ? ورد أن الرسول علم "البراء بن عازب" دُعاء فيه: "ونبيك الذي أرسلت"، فلما اراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله قال: "ورسولك الاي أرسلت"، فلم يوافقه النبي على ذلك، بل قال له: "لا، ونبيك الذي ارسلت". وهكذا نهاه أن يضع لفظة رسول، موضع لفظة نبيّ، مع أن كليهما حق لا يحيل معنى، إذ هو رسول ونبي معاً، فكيف كان يجيز أن يوضع في القرآن مكان عزيز حكيم، غفور رحيم، أو سميع عليم، وكيف نقبل هذه الرواية التي تذكر أن "عبد الله بن مسعود" أقرأ رجلا كلمة "الفاجر" بدلاً من كلمة الأثيم في الآية: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم، مع ورود المنع عن تغير أي حرف من حروف القرآن، وهل يعقل قيام "ابن مسعود" بذلك، وسكوت الصحابة عن عمله، لو صحّ أنه فعل ذلك.
ولو كان القرآن قد نزل بلغة قريش وحدها، فلمَ كان الصحابة من قريش مثل "أبو بكر" و "عمر" وغيرهما، يتحرون في تفسر ألفاظ وردت فيه، أو يلجأون إلى الشعر يستعينون به في تفسير القرآ ن، والشعر هو شعر العرب، لا شعر قريش وحدها، قال "ابن عباس" "إن الشعر ديوان العرب"،وكان إذا سئل عن عربية القرآن أنشد الشعر، و قال: "إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله، فلم تعرفوه، فاطلبوه في أشعار العرب، فإن الشعر ديوان العرب، وكان إذا سئل عن شيء من القرآن انشد فيه شعرا ً".
قال "ابن قتيبة": "العرب لا تستوي.في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه بل لبعضها الفضل في ذلك على بعض، والدليل عليه قول الله عزً وجلّ: وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم... ويدل عليه قول بعضهم: يا رسول اذ: انك لتأتينا بالكلام من كلام العرب ما نعرفه، ونحن العرب حقاً. فقال: إن ربي علمني فتعلمت".

 This site was last updated 02/15/11