الجزء التالى من السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري البصري المتوفي عام 213 الموافق لعام 828 م ستة مجلدات - الجزء الثانى - 18 / 116
صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل
يحنس الحواري يثبت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنجيل
قال ابن إسحاق : وقد كان ، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أثبتت يحُنَّس الحواري لهم ، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال : من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما كانت لهم خطيئة ، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ، ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس : أنهم أبغضوني مجَّانا ، أي باطلا . فلو قد جاء اُلمنْحَمَنَّا هذا الذي يُرسله الله إليكم من عند الرب ، وروح القدس ، هذا الذي من عند الرب خرج ، فهو شهيد علي وأنتم أيضا ، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم : لكيما لا تشكوا .
والمنحمنا بالسريانية : محمد ، وهو بالرومية : البرَقْلِيطس ، صلى الله عليه و آله و سلم.
مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
أخذ الله الميثاق على الرسل الإيمان به صلى الله عليه وسلم
قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال : فلما بلغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ، وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به ، والتصديق له ، والنصر له على من خالفه ، وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم ، فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه .
يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإذ أخذ الله ميثاق النيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ، لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال : أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) : أي ثقل ما حملتكم من عهدي ( قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) . فأخذ الله ميثاق النبيين جميعا بالتصديق له ، والنصر له ممن خالفه ، وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابـين .
الرؤيا الصادقة أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته : أن أول ما بُدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به ، الرؤيا الصادقة ، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح . قالت : وحبب الله تعالى إليه الخلوة ، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده .
سلام الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي ، وكان واعية ، عن بعض أهل العلم :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته ، وابتدأه بالنبوة ، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله .
قال : فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه ، فلا يرى إلا الشجر والحجارة . فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ، ما شاء الله أن يمكث ، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله ، وهو بحراء في شهر رمضان