Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

ظهور القرامطة - عقيدة القرامطة

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

 

Home
Up
العباسيين والقرامطة
الخليفة المعز والقرامطة

*************************************************************************************************************

هذه الصفحة نقلت من كتاب اتعاظ الحنفا - أحمد بن علي المقريزي ج 1 ص 5 لفائدة القارئ الدارس وكعادة الموقع لم نزيد أو ننقص منها وضعناها كما هى ولكننا وضعنا لكل مقطع عناوين للتسهيل على الدارس

*************************************************************************************************************

 

 من هم القرامطة ؟
وذلك أن الحسين الأهوازي لما خرج داعيةً إلى العراق لقي حمدان بن الأشعث قرمط بسواد الكوفة ومعه ثور ينقل عليه فتماشيا ساعةً فقال حمدان للحسين‏:‏ إني أراك جئت من سفر بعيد وأنت معي فاركب ثوري هذا‏.‏
فقال الحسين‏:‏ لم أومر بذلك‏.‏
فقال له حمدان‏:‏ كأنك تعمل بأمر أمر لك‏.‏
قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ ومن يأمرك وينهاك‏.‏
قال‏:‏ مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخرة‏.‏
يا هذا‏:‏ ما يملك ما ذكرته إلا الله‏.‏
قال‏:‏ صدقت والله يهب ملكه لمن يشاء‏.‏
قال حمدان‏:‏ فما تريد في القرية التي سألتني عنها‏.‏
وكان الحسين لما رأى قرمط في الطريق سأله‏:‏ وكيف الطريق إلى قس بهرام‏.‏
فعرفه قرمط أنه سائر إليه فسأله عن قرية تعرف بباتنورا في السواد فذكر أنها قريبة من قريته وكان قرمط من قرية تعرف بالدور على نهر هد من رستاق مهروسا من طسوج فرات بادفلي‏.‏
وإنما قيل له قرمط لأنه كان قصيرا ورجلاه قصيرتين وخطوه متقاربا فسمى لذلك قرمطا‏.‏
فلما قال للحسين‏:‏ ما تريد في القرية التي سألتني عنها قال له‏:‏ رفع إلى جراب فيه علم وسر من أسرار الله وأمرت أن أشفي هذه القرية وأغني أهلها وأستنقذهم وأملكهم أملاك أصحابهم‏.‏
وابتدأ يدعوه فقال له حمدان قرمط‏:‏ يا هذا‏:‏ نشدتك الله ألا رفعت إلي من هذا العلم الذي معك وأنقذتني ينقذك الله‏.‏
قال له‏:‏ لا يجوز ذلك أو آخذ عليك عهدا وميثاقا أخذه الله على النبيين والمرسلين وألقى إليك فما زال يضرع إليه حتى جلسا في بعض الطريق وأخذ عليه العهد ثم قال له‏:‏ ما اسمك‏.‏
قال له قرمط‏:‏ قم معي إلى منزلي حتى تجلس فيه فإن لي إخوانا أصير بهم إليك لتأخذ عليهم العهد للمهدي‏.‏
فصار معه إلى منزله وأخذ على الناس العهد وأقام بمنزل حمدان قرمط فأعجبه أمره وعظمه وكان الحسين على غاية ما يكون من الخشوع صائماً نهاره قائماً ليله فكان المغبوط من أخذه إلى منزله ليلةً وكان يخيط لهم الثياب ويكتسب بذلك فكانوا يتبركون به وبخياطته‏.‏
وأدرك الثمر فاحتاج أبو عبد الله محمد بن عمر بن شهاب العدوي وكان أحد وجوه الكوفة ومن أهل العلم والفضل إلى عمل ثمره فوصف له الحسين الأهوازي فنصبه لحفظ ثمره والقيام في حظيرته فأحسن حفظها واحتاط في أداء الأمانة وظهر منه من التشدد في ذلك ما خرج به عن أحوال الناس في تساهلهم في كثير من الأمور وذلك في سنة أربع وستين ومائتين‏.‏

عقيدة القرامطة
واستحكمت ثقة الناس به وثقته هو بحمدان قرمط وسكونه إليه فأظهر له أمره وكان مما دعا إليه أنه جاء بكتاب فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ يقول الفرج بن عثمان إنه داعية المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وأن المسيح تصور في جسم إنسان وقال إنك الداعية وإنك الحجة وإنك الناقة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس وعرفه أن الصلاة أربع ركعات‏:‏ ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الأذان في كل صلاة أن يقول المؤذن‏:‏ الله أكبر ثلاث مرات‏.‏

أشهد ألا إله إلا الله‏.‏ مرتين‏.‏
أشهد أن آدم رسول الله‏.‏
أشهد أن نوحا رسول الله‏.‏
أشهد أن إبراهيم رسول الله‏.‏
أشهد أن موسى رسول الله‏.‏
أشهد أن عيسى رسول الله‏.‏
أشهد أن محمدا رسول الله‏.‏
أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله‏.‏

والقراءة في الصلاة‏:‏ الحمد للّه بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه ‏"‏ قل إن الأَهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلموا عدد السنين والحساب والشهور والأَيام وباطنها لأوليائي الذين عرَّفوا عبادي وسيلتي فاتقوني يا أولى الألباب وأنا الذي لا أُسأل عما أفعل وأَنا العليم الحكيم وأَنا الذي أَبلو عبادي وأَمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري أَدخلته في جنتي وأَخلدته في نعيمي ومن زال عن أَمري وكذَّب رسلي أَخلدتُه مُهاناً في عذابي وأَتممت أجلي وأَظهرت أَمري على أَلسنة رسلي وأَنا الذي لم يعلُ جبارٌ إلا وضعتُه ولا عزيز إلا أَذللته وليس الذي أصرَّ على أَمره وداوم على جهالته وقال إِن نبرح عليه عاكفين وبه موقنين أولئك هم الكافرون ‏"‏‏.‏ ثم يركع‏.‏
شريعة القرامطة
ومن شرائعه‏:‏ صيام يومين في السنة هما‏:‏ المهرجان والنوروز‏.‏
وأن الخمر حلال‏.‏
ولا غسل من جنابة ولكن الوضوء كوضوء الصلاة‏.‏
وأن لا يؤكل ماله ناب ولا مخلب‏.‏
ولا يشرب النبيذ‏.‏
وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شغل‏.‏
ولما حضرته الوفاة جعل مكانه حمدان بن الأشعث قرمط وأخذ على أكثر أهل السواد وكان ذكيا داهية‏.‏
فكان ممن أجابه‏:‏ مهرويه بن زكرويه السلماني وجلندي الرازي وعكرمة البابلي وإسحاق السوراني وعطيف النيلي وغيرهم وبث دعاته في السواد يأخذون على الناس‏.‏
وكان أكبر دعاته عبدان وكان فطناً خبيثاً خارجاً عن طبقة نظرائه من أهل السواد ذا فهم وحذق وكان يعمل عند نفسه على نصب له من غير أن يتجاوز به إلى غيره ولا يظهر غير التشيع والعلم ويدعو إلى الإمام من آل رسول الله ت صلى الله عليه وسلم محمد ابن إسماعيل بن جعفر‏.‏
فكان أحد من تبع عبدان زكرويه بن مهرويه وكان شاباً ذكياً فطناً من قرية بسواد الكوفة على نهر هد فنصبه عبدان على إقليم نهر هد وما والاه ومن قبله جماعة دعاة متفرقون في عمله‏.‏

وكان داعية عبدان على فرات بادفلي‏:‏ الحسن بن أيمن وداعيته على طسوج تستر‏:‏ المعروف بالبوراني وإليه نسب البورانية وداعيته على جهة أخرى‏:‏ المعروف بوليد وفي أخرى‏:‏ أبو الفوارس‏.‏
وهؤلاء رؤساء دعاة عبدان ولهم دعاة تحت أيديهم فكان كل داع يدور في عمله ودخل في دعوته من العرب طائفة فنصب فيهم دعاة فلم يتخلف عنه رفاعي ولا ضبعي ولم يبق من البطون المتصلة بسواد الكوفة بطن إلا دخل في الدعوة منه ناس كثيراً أو قليل‏:‏ من بني عباس وذهل وعنزة وتيم الله وبني ثعل وغيرهم من بني شيبان فقوى قرمط وزاد طمعه فأخذ في جمع الأموال من قومه‏:‏ فابتدأ يفرض عليهم أن يؤدوا درهما عن كل واحد وسمى ذلك‏:‏ الفطرة على كل أحد من الرجال والنساء فسارعوا إلى ذلك‏.‏
فتركهم مديدة ثم فرض الهجرة وهو دينار على كل رأس أدرك وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏"‏‏.وقال‏:‏ هذا تأويل هذا‏.‏
فدفعوا ذلك إليه وتعاونوا عليه فمن كان فقيرا أسعفوه‏.‏
فتركهم مديدة ثم فرض عليهم البلغة وهي سبعة دنانير وزعم أن ذلك هو البرهان الذي أراد الله بقوله‏:‏ ‏"‏ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏"‏‏.‏
وزعم أن ذلك بلاغ من يريد الإيمان والدخول في السابقتين المذكورين في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وَالسَّابِقُونَ وصنع طعاما طيبا حلوا لذيذا وجعله على قدر البنادق يطعم كل من أدى إليه سبعة دنانير منها واحدة وزعم أنه طعام أهل الجنة نزل إلى الإمام فكان ينفذ إلى كل داع منها مائة بلغة ويطالبه بسبعمائة دينار لكل واحدة منها سبعة دنانير‏.‏
فلما توطأ له الأمر فرض عليهم أخماس ما يملكون وما يتكسبون وتلا عليهم‏:‏ ‏"‏ واعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُم من شيءٍ فأَنَّ لِلّه خُمُسَةُ الآية ‏"‏ فقوموا جميع ما يملكونه من ثوب وغيره وأدوا ذلك إليه فكانت المرأة تخرج خمس ما تغزل والرجل يخرج خمس ما يكسبه‏.‏
فلما تم ذلك فرض عليهم الألفة وهو أن يجمعوا أموالهم في موضع واحد وأن يكونوا فيه أسوة واحدة لا يفضل أحد منهم صاحبه وأخاه في ملك يملكه وتلا عليهم‏:‏ ‏"‏ واذكروا نِعْمَةَ اللّهِ عليكم إِذْ كُنْتُمْ أَعداءً فَأَلَّفَ بين قُلُوبِكم فَأَصْبَحْتُم بنعمته إخْوانا ‏"‏ الآية وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لو أَنْفَقْتَ ما في الأَرضِ جميعاً ما أَلَّفْتَ بَين قُلُوبِهم ولكنَّ اللّهَ أَلَّفَ بينهم إِنَّهُ عزيز حكيم ‏"‏‏.‏
وعرفهم أنه لا حاجة بهم إلى أموال تكون معهم لأن الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم وقال‏:‏ هذه محنتكم التي امتحنتم بها ليعلم كيف تعملون‏.‏
وطالبهم بشراء السلاح وإعداده‏.‏
وذلك كله في سنة ست وسبعين ومائتين‏.‏
وأقام الدعاة في كل قرية‏:‏ رجلا مختارا من ثقاتها يجمع عنده أموال أهل قريته من بقر وغنم وحلى ومتاع وغيره وكان يكسو عاريهم وينفق على سائرهم ما يكفيهم ولا يدع فقيرا بينهم ولا محتاجا ولا ضعيفا وأخذ كل رجل منهم بالانكماش في صناعته والكسب بجهده ليكون له الفضل في رتبته وجمعت المرأة كسبها من مغزلها والصبي أجرة نظارته للطير وأتوه به فلم يتملك أحد منهم إلا سيفه وسلاحه‏.‏
فلما استقام له ذلك أمر الدعاة أن يجمعوا النساء ليلةً معروفة ويختلطن بالرجال ويتراكبن ولا يتنافرن فإن ذلك من صحة الود والألفة بينهم‏.‏
فلما تمكن من أمورهم ووثق بطاعتهم وتبين مقدار عقولهم أخذ في تدريجهم وأتاهم بحجج من مذهب الثنوية فسلكوا معه في ذلك حتى يقضي ما كان يأمرهم به في مبدأ أمرهم من الخشوع والورع والتقوى وظهر منهم بعد تدين كثير إباحة الأموال والفروج والغناء عن الصوم والصلاة والفرائض وأخبرهم أن ذلك كله موضوع عنهم وأن أموال المخالفين ودماءهم حلال لهم وأن معرفة صاحب الحق تغني عن كل شيء ولا يخاف معه إثم ولا عذاب يعني إمامه الذي يدعو إليه وهو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وأنه الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ويقيم الحق وأن البيعة له وأن الداعي إنما يأخذها على الناس له وأن ما يجمع من فلما أظهر هذه الأمور كلها بعد تعلقه بذكر الأئمة والرسل والحجة والإمام وأنه المعول والمقصد والمراد وبه اتسقت هذه الأمور ولولا هذه لهلك الخلق وعدم الهدى والعلم ظهر في كثير منهم الفجور وبسط بعضهم أيديهم بسفك الدماء وقتلوا جماعة ممن خالفهم فخافهم الناس واستوحشوا من ظهور السلاح بينهم فأظهر موافقتهم كثير من مجاوريهم جزعاً منهم ‏.‏
ثم إن الدعاة اجتمعوا واتفقوا على أن يجعلوا لهم موضعاً يكون وطنا ودار هجرة يهاجرون إليها ويجتمعون بها فاختاروا من سواد الكوفة في طسوج الفرات من ضياع السلطان المعروفة بالقاسميات قرية تعرف بمهتماباد فحاذوا إليها صخرا عظيما ثم بنوا حولها سوراً منيعا عرضه ثماني أذرع ومن ورائه خندق عظيم وفرغوا من ذلك في أسرع وقت وبنوا فيها البناء العظيم وانتقل إليها الرجال والنساء من كل مكان وسميت دار الهجرة وذلك في سنة سبع وتسعين ومائتين فلم يبق حينئذ أحد إلا خافهم ولا بقي أحد يخافونه لقوتهم وتمكنهم في البلاد‏.‏
وكان الذي أعانهم على ذلك تشاغل الخليفة بفتنة الخوارج وصاحب الزنج بالبصرة وقصريد السلطان وخراب العراق وتركه لتدبيره وركوب الأعراب واللصوص بعد السبعين ومائتين بالقفر وتلاف الرجال وفساد البلدان فتمكن هؤلاء وبسطوا أيديهم في البلاد وعلت كلمتهم‏.‏
وكان منهم مهرويه أحد الدعاة في مبدأ أمره ينطر النخل ويأخذ أجرته تمرا فيفرغ منه النوا ويتصدق به ويبيع النوا ويتقوت به فعظم في أعين الناس قدره وصارت له مرتبة في الثقة والدين فصار إلى صاحب الزنج لما ظهر على السلطان وقال له‏.‏
ورائي مائة ألف ضارب سيف أعينك بهم‏.‏
فلم يلتفت إلى قوله ولم يجد فيه مطمعا فرجع وعظم بعد ذلك في السواد وانقاد إليه خلق كثير فادعى أنه من ولد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر فقيل له‏:‏ لم يكن لمحمد بن إسماعيل ابن يقال له عبد الله‏.‏
فكف عن هذه الدعوى وصار بعد ذلك في قبة على جمل ودعى بالسيد وظهر بسواد الكوفة وسيأتي ذكر ابنه زكرويه وابن ابنه الحسين بن زكرويه إن شاء الله‏.‏

ظهور القرامطة
وكان رجل من أهل قرية جنابة يعمل الفراء يقال له أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي أصله من الفرس سافر إلى سواد الكوفة وتزوج من قوم يقال لهم‏:‏ بنو القصار كانوا من أصول هذه الدعوة فأخذ عن عبدان وقيل بل أخذ عن حمدان قرمط وسار داعية فنزل القطيف وهي حينئذ مدينة عظيمة فجلس بها يبيع الرقيق فلزم الوفاء والصدق وكان أول من أجابه الحسين بن سنبر وعلي بن سنبر وحمدان بن سنبر في قوم ضعفاء ما بين قصاب وحمال وأمثال ذلك فبلغه أن بناحيته داعيا يقال له أبو زكريا أنفذه عبدان قبل أبي سعيد وكان قد أخذ على بني سنبر من قبل فعظم أمره على أبي سعيد وقبض عليه وقتله فحقد عليه بنو سنبر قتله‏.‏
واتفق أن البلد كان واسعاً ولأهله عادة بالحروب وهم رجال شداد جهال فظفر أبو سعيد باشتهار دعوته في تلك الديار فقاتل بمن أطاعه من عصاه حتى اشتدت شوكته‏.‏
وكان لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها فهابه الناس وأجابه كثير منهم وفر منه خلق كثير إلى بلدان شتى خوفاً من شره ولم يمتنع عليه إلا هجر وهي مدينة البحرين ومنزل سلطانها وبها التجار والوجوه فنازلها شهوراً يقاتل أهلها ثم وكل بها رجلا‏.‏
وارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان فابتنى بها دارا وجعلها منزلا وتقدم في زراعة الأرض وعمارتها وكان يركب إلى هجر ويحارب أهلها ويعقب قومه على حصارها‏.‏
ودعا العرب فأجابه بنو الأضبط من كلاب وساروا إليه بحرمهم وأموالهم فأنزلهم الأحساء وأطمعوه في بني كلاب وسائر من يقرب منه من العرب فضم إليهم رجالا وساروا فأكثروا من القتل وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة إلى الأحساء فدخل الناس في طاعته فوجه جيشاً إلى بني عقيل فظفر بهم ودخلوا في طاعته‏.‏
فلما اجتمع إليه العرب مناهم ملك الأرض كلها ورد إلى من أجابه من العرب ما كان أخذ وجمع الصبيان في دور وأقام عليهم قوماً وأجرى عليهم ما يحتاجون إليه ووسمهم لئلا يختلطون بغيرهم ونصب لهم عرفاء وأخذ يعلمهم ركوب الخيل والطعان فنشأوا لا يعرفون غير الحرب وقد صارت دعوته طبعاً لهم‏.‏
وقبض كل مال في البلد والثمار والحنطة والشعير‏.‏
وأقام رعاةً للإبل والغنم ومعهم قوم لحفظها والتنقل معها على نوب معروفة‏.‏
وأجرى على أصحابه جرايات فلم يكن يصل لأحد غير ما يطعمه‏.‏
هذا وهو لا يغفل عن هجر وطال حصاره لهم على نيف وعشرين شهراً حتى أكلوا الكلاب فجمع أصحابه وعمل دبابات ومشى بها الرجال إلى السور فاقتتلوا يومهم وكثر بينهم القتلى ثم انصرف عنهم إلى الأحساء وباكرهم فناشوه فانصرف إلى قرب الأحساء ثم عاد في خيل فدار حول هجر يفكر فيما يكيدهم به فإذا لهجر عين عظيمة كثيرة الماء تخرج من نشز من الأرض غير بعيد منها فيجتمع ماؤها في نهر يستقيم حتى يمر بجانب هجر ثم ينزل إلى النخل فيسقيه فكانوا لا يفقدون الماء في حصارهم‏.‏
فلما تبين له أمر العين انصرف إلى الأحساء ثم غدا فأوقف على باب المدينة رجالاً كثيراً ورجع إلى الأحساء وجمع الناس كلهم وسار في آخر الليل فورد العين بكرة بالمعاول والرمل وأوقار الثياب الخلقان ووبر وصوف وأمر بجمع الحجارة ونقلها إلى العين وأعد الرمل والحصى والتراب ثم أمر بطرح الوبر والصوف وأوقار الثياب في العين وطرح فوقها الرمل والحصى والتراب والحجارة فقذفته العين ولم يعن ما فعله شيئاً فانصرف إلى الأحساء بمن معه‏.‏
وغدا في خيل فضرب البر حتى عرف أن منتهى العين بساحل البحر وأنها تنخفض كلما نزلت فرد جميع من كان معه وانحدر على النهر نحوا من ميلين ثم أمر بحفر نهر هنك وأقبل يركب هو وجمعه في كل يوم والعمال يعملون حتى حفره إلى السباخ ومضى الماء كله فصب في البحر ثم سار فنزل على هجر وقد انقطع الماء عنهم ففر بعضهم فركب البحر ودخل بعضهم في دعوته وخرجوا إليه فنقلهم إلى الأحساء وبقيت طائفة لم يفروا لعجزهم ولم يدخلوا في دعوته فقتلهم وأخذ ما في المدينة وأخربها فبقيت خراباً وصارت مدينة البحرين هي الأحساء‏.‏
ثم أنفذ سرية إلى عمان في ستمائة وأردفهم بستمائة أخرى فقاتلهم أهل عمان حتى تفانوا وبقي من أهل عمان خمسة نفر ومن القرامطة ستة نفر فلحقوا بأبي سعيد فأمر بهم فقتلوا وقال‏:‏ هؤلاء خاسوا بعهدي ولم يواسلوا أصحابهم الذين قتلوا‏.‏
وتطير بهلاك السرية وكف عن أهل عمان‏.‏

This site was last updated 10/25/11