Home Up البابا ظاهرة روحية | | عن جريدة وطنى بتاريخ 11/3/2007 م السنة 49 العدد 2459البابا كيرلس نموذجا وأمثولة للمتنيح الأنبا غريغوريوس-أسقف عام الدراسات العليااللاهوتية بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين إن فني إنساننا الداخل,لنا في السموات بيت غير مصنوع بيد أبدي,هذا البيت يبنيه الإنسان بما يصنعه علي الأرض ومايرسله إلي فوق,فإذا ما خرج من هذه الحياة وجد أنه هناك قد صنع له أصدقاء بالمال الذي لا حق له فيه.فإذا كنا نحن وكلاء مؤتمنين علي أموالنا,وإذا كنا مؤتمنين علي الوزنات التي أعطانا الله إياها,فهذا الذي نرفعه يسبقنا إلي هناك وبه نصنع لنا صداقات وهؤلاء الأصدقاء ينفعوننا هناكاصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتي إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبديةلوقا16:9. وهنا سؤال يطرحه الإنسان أمام نفسه,ماذا صنعت في حياتي من خير ومن صلاح ومن بر ومن تقوي؟ماذا صنعت..لحياة آتية حتي إذا فنيت هنا وانتهت حياتي علي الأرض ,أجد هناك ما أرسلته وما بنيت به بيتا أبديا,هو سؤال لايوجد سؤال آخر أهم منه,لابد أن يطرحه الإنسان علي نفسه الآن,ماذا صنعت في حياتي الماضية؟ماذا ربحت؟كيف تاجرت؟وماذا كسبت من وراء تجارتي؟المواهب والعطايا ,الوزنات سواء أكان هو المال أو كانت الإمكانات والإمكانيات ,سواء أكانت المواهب والعطايا العقلية أو الروحية أو النفسية أو الذهنية أو المادية أو البدنية كل هذه المواهب التي أعطاني الله إياها ماذا صنعت بها؟هل طمرتها في الأرض, هل طمرت فضة سيدي,أم أنني استعملتها وثقلتها وربحت من ورائها لا للمادة ولا للفناء ,لا للأرض وإنما كسبت بها,كسبت أرواحا ,كسبت بها أشخاصا للملكوت وكسبت بها أيضا كنزا مدخرا ينتظرني هناك.سؤال لابد أن نطرحه علي أنفسنا وهنا يختم المسيح له المجد بالعبارة القائلةاطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذا كلهمن طعام وشراب ولباس وما إليها من شئون المادةتزاد لكمانظروا إلي طيور السماء,انظروا إلي العصافير وإلي الغربان,إنها لاتجمع إلي مخازن ومع ذلك لاتموت جوعي.إذن لاتهتموا بما تأكلون ولا تهتموا بما تشربون ولا تهتموا بما تلبسون هذه كلها يطلبها الذين لا إله لهم,الذين لايعرفون فضل الله علي هذا الكون أما أنتم إذا كنتم حقا عابدين لله وتعرفون طريق السماء اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وأما هذا كله فيزاد لكم جميعكم. ونحن اليوم قد أتينا من أماكن متفرقة لنحتفل بالذكري العاشرة للمتنيح البابا كيرلس السادس,هذا الرجل الذي أعطي نفسه أن يكون نموذجا وأمثولة لحياة الإنسان الذي يحيا لا للأرض وإنما للسماء. رجل وهب كل حياته بكل ما في هذه الكلمة ومن معني لم يبق لنفسه شيئا ,ولم يبق لأحد شيئا,إنما كله قربان وكله بخور طاهر عطر,عطر الأرض بسيرته النقية الطاهرة وصلواته النافعة المقبولة,وعطر أجواء السماء أيضا ودخل إلي الأخدار السمائية هناك عابدا طاهرا نقيا جميلا مجملا بالفضائل نحن الذين اجتمعنا في المناسبة نريد أن نراجع ذواتنا ونريد أن نتخذ من حياة هذا الرجل نموذجا لحياتنا,لنعرف كيف تكون الحياة الطاهرة؟كيف تكون الحياة المحرقة,كيف تكون الذبيحة ,ذبيحة الروح والنفس والجسد,كيف تكون السيرة سيرة السائرين في طريق السماء الذين لايألون علي شيء علي الأرض ولايبتغون شيئا من الدنيا ولايريدون أن يكنزوا علي الأرض كنوزا,حيث يعيش السوس والصدأ,وإنما إنسان ينظر للحياة نظرة أبدية.لايتعلق بأمر من أمور الحياة الدنيا إنما كل فكره وكل قلبه وكل إحساسه وشعوره وكل عواطفه متجهة نحو السماء,إنه عاش حياته كلها وكان هدفه أن يرسل إلي هناك,لايجمع علي الأرض شيئا يفني ويزول,إنما يجمع بإرسال صلواته وإسال محرقة قلبه وإرساله سيرته وإسال كل ما ملكت يداه,وكل ما وضع الرب بين يديه من خير ومن بركة كلها صعدت محرقة وقدمت ذبيحة أمام الله. أيها الإخوة والأبناء هذه هي سيرة السائرين في طريق السماء سيرة الذين يعيشون علي الأرض وكأنكم ليسوا علي الأرض.هذه سيرة السمائيين علي الأرض أو سيرة الأرضيين السمائيين,سيرة الملائكة الأرضيين أو سيرة الأرضيين من الملائكة.هذه هي سيرة الذين تحتاج الأرض أن يعيش هذا الطراز من الناس عليها,ومن دون هؤلاء تصير الأرض نجسة وتصير الأرض حربا وشرا وقتالا ونزاعا وتكالبا علي شئون المادة وعلي شئون الجسد. أما الذين طرحوا هذه الأمور ولم تكن لهم تعلقات بها,هؤلاء الذين اتجهوا بقلوبهم إلي السماء بهم تتبارك الأرض,وتصير الأرض خيرا وتصير الأرض سلاما قال المسيح له المجد طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض.ما معني أنهم يرثون الأرض؟معناها أنهم ملكوا بفضائلهم مشاعر الناس,وبهذه المشاعر التي كسبوها أمكنهم أن تخلد أسماؤهم علي أفواه الناس جميعا.وماذا يبتغي الإنسان من حياته علي الأرض؟!الأغنياء الذين سبقوا ملكوا ولكن إذا كانوا أشرارا انتهت حياتهم وسيرتهم وأسماؤهم بعد حياتهم,وبدلا من أن يباركهم الناس صاروا يلعنونهم فلا يذكرون أسماءهم إلا ويلعنونهم,وفيما عدا ذلك تموت أسماؤهم.من الذين بقيت أسماؤهم خالدة؟من الذين بقيت أسماؤهم علي أفواه الناس باستمرار هؤلاء هم الذين أنكروا شهوات الجسد وطرحوا المادة تحت أقدامهم واتجهوا إلي السماء,الذين اختاروا الفقر طوعا ونذروا حياتهم للتعبد,الذين عملوا الصالحات تركوا من ورائهم آثارا,هذه الآثار هي التي تخلد ذكراهم والتي تخلد أسماءهم وهؤلاء هم الذين ورثوا الأرض علي الحقيقة. طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض,راجعوا تاريخنا ,راجعوا تاريخ البشرية كلها,من هم الذين خلدت أسماؤهم علي التاريخ؟هؤلاء الذين استطاعوا أن يصنعوا شيئا لمواطنيهم وللشعوب وللآخرين,إما قدوة صالحة تركوها,أو عملا مباركا استطاعوا به أن يخففوا بلوي البشرية وأن يحققوا خيرا للإنسانية.هؤلاء هم الذين ورثوا الأرض بمعني أن أسماءهم خلدت وأصبحوا ليسوا أمواتا وإنما أحياء علي الحقيقة علي أحسن ماتكون الحياة. هذه السيرة العطرة التي للبابا كيرلس السادس هي التي خلدت اسمه أيها الإخوة والأبناء فقد أصبح البابا كيرلس ظاهرة في جيلنا,كثيرون سبقوه ولكن الببا كيرلس بالنسبة لجيلنا ولأجيال سابقة يعيش إلي اليوم في ذاكرة شعبنا,ولا أقول شعبنا هنا وإنما أقول أن سيرته أيضا خرجت خارج مصر فاسم البابا كيرلس مقترن بالفضيلة ومقترن بالعبادة ومقترن بالقداسة,ومقترن بالآثار الطيبة الروحانية,التي استطاع بسيرته وبنموذج حياته أن يلهب بها قلوب الشباب,وقلوب الرجال وقلوب النساء,وأصبحت الكنيسة ناهضة روحيا بفضل الأيام المباركة والسنوات التي عاشها عابدا مصليا. إن البابا كيرلس لم يكن واعظا ولم يكن من أرباب الكلام,ما أقل كلماته وما أقل ما لفظ من ألفاظ تكاد أن تكون معدودة ولكن الذين سمعوه يتكلم هذه الكلمات القليلة,كان كل حرف منها له معني وله مغزي وكان يحمل رسالة شخصية لصاحبه ونحن لانستطيع أن نحصي اليوم وبعد حياته علي الأرض عدد الذين انتفعوا بسيرة البابا كيرلس.وبحياته وبصلواته,أعداد عديدة غفيرة كم من أناس غيروا حياتهم وسلكوا مسالك التقوي واتجهوا إلي السماء بقلوبهم,لا بمواعظه فلم يكن الرجل واعظا من هذا الطراز,وإنما كان البابا كيرلس ظاهرة لجيلنا وما قبل جيلنا وسيظل البابا كيرلس ظاهرة يمتد أثرها إلي أجيال آتية,ويكفي أنه الرجل الذي في ذاكرة الجميع أنه علي الرغم من مرور عشر سنوات علي حياته,لكن في هذا اليوم من كل سنة يحتفل بذكراه,والشعب من قاصيه ودانيه يحضر سواء هنا أو في كنيسته في مصر القديمة بحشود كثيرة,علي الرغم من أن الرجل غير موجود بالعين,وحتي إخوته أيضا قد رحلوا معه إلي العالم الآخر ومع ذلك لماذا هذا الشعب كله يقبل علي هذه الذكري ويتبارك بها ولاينساها ,بل أقول ربما أن يكون عدد الذين يحضرون الآن هذه الذكري أكثر من الذين كانوا يحضرون في حياته عيد تتويجه,هذا كله معناه أن الرجل فعلا أصبح له أثر عميق في نفوسنا. ويكفي البابا كيرلس فخرا أن تلاميذه الثلاثة الذين تتلمذوا علي يديه وأخذوا منه واحدا بعد الآخر,دخلوا سلك الرهبنة اقتداء بحياته هذه مفخرة للرجل تذكر له وستظل تذكر له,أنه قد استطاع بروحانيته العميقة أن يحفر في قلوب الذين عرفوه آثارا لاتمحي مع الأيام. رحمة لهذه الروح الطاهرة التي نذكرها ونترحم عليها,ونذكرها دائما لننتفع بسيرتها العطرة وننتفع بصلواتها وبركاتها. لازال البابا كيرلس حيا,ربما في ذاكرة الكثيرين أنه قام من بين الأموات وأنا أعرف في مصر وفي خارج مصر أن البابا كيرلس يظهر لأعداد عديدة يحل مشاكل ويخلص أناسا من مآزق,ويشفي أمراضا,وأيضا ببركاته وصلواته ولد كثيرون لأمهات عواقر وأناس كانوا محرومين من نعمة الأطفال نالوا ببركة الرجل في حياته وبعد حياته نسلا مباركا ولذلك كثر عدد الذين يسمونهم مينا أو كيرلس ,لأن هؤلاء الذين أعطاهم الرب كرامة لصلوات الرجل القديس. إن البابا كيرلس لم يمت,إنه حي ليس فقط بالمعني العام لكلمة الحياة ,فإن جميع الراقدين أحياء كما قال المسيحالجميع عنده أحياءولكن البابا كيرلس حي بمعني خاص,إن البابا كيرلس إلي الآن يتمشي بين شعبه ظاهرا أو خفيا,يبارك ويحل المشاكل ويخلص من ضيقات,يعمل بنشاط أكثر مما كان يعمل أثناء ما كان حيا,لأنه كان يعوقه الجسد وضعفات الجسد عن العمل. أما الآن ففي أربع وعشرين ساعة كل ساعات اليوم عمل ونشاط,وعبادة وكثيرون يرونه يصلي القداس,يصلي القداس الآن بطريقة متواصلة,ويقول ما هو عملي إلا أن أواصل العبادة وأن انتقل بين إنسان وآخر,أعالج متاعبه وأعالج ضيقاته.حتي غير المسيحيين يروون لنا إلي الآن قصصا ومواقف متواصلة غريبة جدا,إننا نري أثره في حياة غير المسيحيين ,فقد كنت ألتقي بعدد من الأشخاص المسئولين في مختلف المراتب يتحدثون عن الرجل وعن بركاته وعن أثره في حياتهم,هذا الأثر الذي لم يصنع بموته وإنما يتجدد أكثر مما كان في حياته. بركة صلواته وشفاعاته المقبولة أمام إلهنا تشملنا جميعا,وتشمل هذا الدير,وتشمل الشعب القبطي في أزماته المختلفة وفي ضيقاته وآلامه وأوجاعه وأحزانه.البابا كيرلس يظهر لكثيرين الآن ويقول:أنا أصلي وأصلي وسأصلي احتملوا فإن الصلوات لابد أن يكون لها فاعلياتها في خلاص النفوس جميعا. لإلهنا الإكرام والمجد إلي الأبد آمين. |