جريدة وطنى بتاريخ 28/1/2007 م السنة 49 العدد 2353 - عن مقالة بعنوان " تعداد أقباط مصر عبر العصور " المقالة التالية كتبها المؤرخ د.عادل فخري
تعداد مصر في الفترة الرومانية قبل الإحتلال الأسلامى مصر :
هناك حوالي 30 تعدادا تم حصرهم في مصر الرومانية منذ عام 12م حتي 258م,وغالبا ما كان يتم التعداد كل 14 سنة,ويتم فيه الإعلان عن التعداد بأمر من حاكم مصر وكان يشمل كل المقيمين سواء من الوطنيين أو الأجانب والعبيد والممتلكات(Bagnall p11.) ويجب علي كل شخص أن يتم تعداده في مكان مولده,وقد أشار إلي ذلك القديس لوقا 2:3 في قصة ميلاد السيد المسيح,وفيما بعد أي حوالي 104م عندما أمر فيبوس ماكسيموس بالتعداد طلب من المقيمين بالإسكندرية مغادرتها إلي مكانهم الأصلي معلنا أن التعداد الذي بدأ سيكون منزلا منزلا,ومن اللازم علي كل من كان غائبا عن مقاطعته لأي سبب العودة إليها لإجراء التسجيل المعتاد,وتقديم أنفسهم إلي السلطة التي يتبعونها.
شملت التعدادات الرومانية الأسماء والحالة الاجتماعية,والمهنة والعمر والوصف الظاهر,وفي بعض الأحيان القرابة,والسؤال عن دخول الشخص في تعداد سابق(في حالة الأطفال) ويتم ذكر الغائبين لدواعي السفر(P24. Bagnall ).
بعد ذلك يتم تجميع أوراق التعداد وتلصق في لفائف وتحفظ في أرشيف الحكومة وكذلك نسخ في أرشيفات المحافظات,وهي المصدر الأساسي للمعلومات,فمنها يمكن معرفة الأشخاص والعائلات ودقة عمليات التوريث.
التعداد النصف الثاني من القرن الثاني
وكان يوسيفوس المؤرخ اليهودي في النصف الثاني من القرن الثاني قدر سكان مصر بعدد 7.5 مليون نسمة عدا الإسكندرية,وهي إحصاء دقيق علي أساس الضرائب,ومن خلال دراسات البرديات لحوالي 50 مدينة وقرية عن طريق ضرب متوسط عدد الأفراد لكل مدينة في عدد المدن في الفترة الرومانية أمكن الحصول علي متوسط لتعداد حوالي 4.75مليون شخص عدا الغرباء والعبيد,وهو عدد لا بأس بصحته وإن كان تقدير يوسيفوس السابق أدق لاعتماده علي الضرائب(Delia,P264-292).
تعتبر نسبة الذكور إلي الإناث في التعداد من النسب المعبرة,وهي تحسب بالمائة من الذكور لكل مائة من الإناث,وغالبا ما تكون النسبة أقل من الواحد الصحيح في البلاد المتقدمة,ولكن في الحقبة الرومانية كانت النسبة 102.3ذكر لكل مائة أنثي,وسن الزواج يبدأ من 12 عاما للأنثي ويبلغ ذروته في سن العشرين,أما في الذكور فيبدأ من سن 16 إلا أن الفئة العمرية الغالبة للزواج عند الذكور هو بداية سن العشرين.
اختلفت نسبة الزواج في المدينة عن القرية كالمعتاد في العصر الحديث,فقد سجلت البرديات تأخر المرأة في الزواج في المدينة بحوالي سنتين إلي ثلاث سنوات عن القرية,أما سن الخصوبة في المرأة فكان 25.7عام وهو المتوسط العالمي المعروف وفي بعض الحسابات يكون 22.5 هو السن الأرجح ويصل إلي سن 27.1عام وتقدر عدد مرات الإنجاب بحوالي 2:8 مرات خلال الفترة العمرية للإنجاب وهي من سن 15 إلي سن 50 للمرأة(Bagnall,139).
تقدير التعداد عن الإحتلال العربى الأسلامى لمصر
,فبحلول القرن السابع الميلادي يجمع مؤرخو الفتح العربي علي أن عدد من فرضت عليهم الجزية ديناران,بحسب معاهدتي بابليون والإسكندرية بلغوا ستة ملايين وذلك لأن مقدار الجزية وحدها(بخلاف الضرائب الأخري علي الأرض وخلافه التي كانت تسمي خراجا) التي جمعت منهم بلغت 12 مليون دينار,ومن المعلوم أن الجزية كانت تقرر علي الذكور ممن تبلغ أعمارهم 15 إلي 60 سنة,عدا النساء والأطفال والرهبان,ويرجح الأنبا يوأنس أسقف الغربية المتنيح أن العدد الإجمالي يتجاوز العشرين مليون,إلا أنه يعود فيذكر أن المؤرخ الإنجليزي ستانلي لين بول يقول إن المؤرخ ابن عبد الحكم يقدر دافعو الجزية من ستة إلي ثمانية ملايين نسمة عدا النساء والأطفال (الأنبا يوأنس:مذكرات صـ 21) وعلي هذا فيمكن تقدير عدد الأقباط في منتصف القرن السابع الميلادي بما لايقل عن أثني عشر إلي خمسة عشر مليونا.
يزيد المؤرخ الفرنسي الشهير جاستون هذا الرقم إلي 20 مليونا عن طريق حساب عائدات الجزية أيضا(الموسوعة الإسلامية:كلمة قبط) هذا الرقم الذي يدور في حدود العشرين مليونا بعد مضي حوالي عشرة قرون,ترصده الحملة الفرنسية وقد وصل إلي 2.5 لكل المصريين أي عشر الرقم السابق تقريبا نتيجة للظروف التاريخية التي مرت بها مصر من حروب وأوبئة.
تعداد مصر في فترة العصور الوسطي وحتي العصر الحديث:
لابد قبل استعراض الإشارات الرقمية عن أعداد الأقباط في تلك الفترة,التنوية لبعض الأحداث ذات الدلالة,ففي عام 725 قامت بعض الثورات في شمال الدلتا تم قمعها بحضور 3500 مقاتل من قبيلة قيس التي سكنت مدينة بلبيس,وفي عامي 817-818 تم نهب أديرة وادي النطرون حتي تم تجديدها عام 866م,كذلك ثورات الأقباط البشموريين 829-830م التي تم قمعها علي يد الخليفة المأمون وقتل الكثيرين وبيع الكثيرين عبيدا في بغداد,كذلك ثورة عام 739 التي أطاحت بأديرة طيبة ومدينة هابو,كذلك خراب دير الأنبا إرميا بسقارة عام 750م وهجره نهائيا في القرن العاشر وهو من الأديرة المهمة وفي نفس التاريخ تقريبا خربت أديرة الفيوم ودير الأنبا صموئيل,يرجح الفرنسي جون كليداه J.Cledat الذي درس أديرة باويط(دير الأنبا أبوللو) جنوب أسيوط,خرابها في القرن الثاني عشر تماما,ثم كانت هناك بعض الأزمات الكبري مثل تلك التي أمر فيها الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي عام 1014م بهدم جميع كنائس مصر,وقد نال هذا الهدم من دير الأنبا باخوم بمدينة فاو ودير طوطنبالفيوم,وكان مع أديرة وادي النطرون من أهم أماكن إنتاج المخطوطات ونسخها ولايزال كثير منها بمكتبة الفاتيكان,أما أثناء الحروب الصليبية وهجوم الصليبين علي مصر سواء قبل العصر الأيوبي أو بعده 1171-1250م,فلم يبق في الثغور أحد من المسيحيين وتهدمت بها جميع الكنائس.
تخلل هذه الفترات جميعها كثير من الكوارث الطبيعية كنقص الفيضان الذي يفضل إلي مجاعة,أو انتشار الأوبئة,أو تغير الظروف السياسية الخارجية كالحروب الصليبية وغيرها,ولعل أوضح مثل علي ذلك أحداث عام 1300م عندما تعرضت كنائس مصر للإغلاق وتعرضت كنائس مدينة قوص للهدم,فهدمت 13 كنيسة عام 1307 ثم هدمت ست كنائس أخري عام 1321 أي حوالي 19 كنيسة في 14 سنة,وعندما ضرب وباء الطاعون مصر عام 1405-1406م أدي إلي قتل 17 ألفا من هذه المدينة وحدها معظمهم من المسيحيين لأن أغلب سكانها من المسيحيين,وانتهت تجارة التوابل التي كانت تمر بها من البحر الأحمر إلي أوربا,وهي من الأمثلة الواضحة التي أثرت علي تعداد السكان الأقباط(P2046.,Garcin),وهناك بعض الشواهد الأخري نجدها في الأماكن التي لم تعد تحمل اسم مؤسسها نتيجة عدم وجود مسيحيين بها,أو طول فترة خرابها,فأصبحت تحمل اسما عاما مثل كلمة دير التي تطلق علي كثير من الأماكن والخرائب,وكذلك كلمة دير النصاري أو المسيحيين دون تحديد اسم القديس أو الدير,أو إطلاق اسم الهيئة الطبوغرافية علي المكان,مثل دير الحاجر بشمال إسنا نظرا لضياع ذكر مؤسس المكان نتيجة لطول هجره.
تدنى عدد الأقباط نتيجة للحكم المماليك لمصر
ولعل من المناسب الآن الإشارة إلي أهم التقديرات الخاصة بالمصريين خلال فترة العصور الوسطي وحتي العصر الحديث لنتابع التغيرات في الأعداد,ففي عام 1335م قدر الرحالة جاك فيرن Jacques Veron عدد المسيحيين من دافعي الجزية بـ30 ألفا.أما بروسيبر ألبين Prosper Alpin عام 1530م أي بعد دخول العثمانيين بحوالي أربعة عشر سنة فقدرهم بـ50 ألفا,ثم بعد ذلك قدرهم دابير dapper عام 1668 بـ100 ألف,أما الكتاب التذكاري لغرفة التجارة بمرسيليا عام 1670م فيقدر عدد الأقباط بـ 150 ألفا وهو تقدير إجمالي للعدد,ويعود الرحالة فانسليبVanslep بعد ذلك بسنوات قليلة أي عام 1673م ليقدر دافعي الجزية بـ 15 ألف وفي عام 1700م يشير الرحالة بنوة د مالية Benoit de Mailletنقلا عن بطريرك الأقباط أن عدد المسيحيين 30 ألف وبعدها بعشرة أعوام أي في عام 1710م يشير الأب موكليه اليسوعي moucollet أن العدد 40 ألفا(martin , 1982) أما عن عدد أقباط القاهرة فقد جاءت في مراسلات السفير الفرنسي بالقسطنطينية عام 1702م فقدرهم بـ 40 ألفا بالإضافة إلي 5-6 ألف مسيحي من ملل أخري.
ويقدر الرحالة بوشير دي ريشاردير Boucher de la Richardier عام 1702م العدد بـ24 ألفا من إجمالي سكان القاهرة الذين قدرهم بـ 500 ألف,والأب سيكار Claude Sicard عام 1720م قدر العدد بـ 20 ألفا.
فإذا كان هناك حوالي 15 ألفا من دافعي الضرائب أو الجزية علي حسب الرحالة فانسليب فيمكن توقع عدد المسيحين بحوالي 150 ألف كعدد إجمالي وهو ما يتفق مع تقدير دابير Dapper وكذلك أرشيف غرفة التجارة بمرسيليا.
التعداد أثناء الإحتلال الفرنسى لمصر
ثم تأتي الحملة الفرنسية عام 1798م لتقدر المصريين عموما 2.5 مليون منهم حوالي 220 ألف مسيحي أي بما يقترب من 10% من العدد الكلي لسكان مصر(Ryne ,P26.-27) إلا أن المؤرخ لان E.lane عام 1835م وجومار من رجال الحملة الفرنسية عام 1836م,وكلوت بك الطبيب الوزير عند محمد علي عام 1840م فيشيرون إلي رقم 160 ألفا للأقباط ولعل الأخير,أي كلوت بك قام بالتقدير بناء علي عدد المنازل ومتوسط عدد الأفراد في كل منزل.
أما السيدة بوتشر الإنجليزية التي دونت كتاب تاريخ الكنيسة المشهور فقد قدرت العدد بـ 217 ألفا عام 1855م نقلا عن بطريرك الأقباط وهو نفس العام الذي ألغيت فيه الجزية من إجمالي عدد عام يقدر بـ5 مليون.
والإيصالي دلفي Dalfi قدر العدد بـ 383 ألفا من إجمالي 4.5 مليون عام 1861م,وبنهاية القرن الثامن عشر يقدر عدد الأقباط بحوالي 800 ألف من إجمالي 9 مليون (de testion,152).لتتأرجح نسبة الأقباط حول 7.3% من التعداد الكلي,فعلي حسب الأرقام المعلنة عام 1907 كانت نسبتهم 7.9%,ثم في أربعة تعدادات بين عام 1917و1947 كانت النسبة 7.4% وتقل إلي 6.6% عام 1966و6.3% عام 1976 ثم أصبحت النسبة 6.3%.
ولكننا لايجب أن نغفل آراء أخري متخصصة مثل أبو صالح(Abu - Salieh,p268) الذي نشر بالخارج تقديرا لعدد الأقباط في أواخر السبعينيات بأنه لايقل عن 7-8 مليون بما يمثل 15-20% من تعداد السكان وقتذاك,ويشير(م.حنا صـ65-68)إلي أن نسبتهم لاتقل عن 7%,ويعتقد (wakin ,1963) أن عدد الأقباط دائما هو ثلاثة أمثال العدد المعلن من الحكومة علي حسب الإحصائيات المبدئية.
ولايفوتنا أيضا أن نشير إلي ثروة مصر في نهاية القرن التاسع عشر حسب تقديرات Rabine المتخصص في الإحصاءات والتي نشرها عام 1884م بمجلة جمعية الإحصاء بلندن بناء علي الإحصاء الدقيق الذي أجراه محمد علي عام 1846م فقد قدرت الأراضي المزروعة بـ 3.866.226 فدان,والأراضي القابلة للزراعة 4.46.000 فدان بإجمالي يصل إلي سبعة ملايين فدان وقدر Dalmer الثروة الحيوانية بـ 292.0ماشية,172.657غنم, 18.203حصان,94.641حمار,35.578جمل,23.907ماعز(Dalmer ,p232.-255)ذلك أيضا في نهاية القرن التاسع عشر.
لابد من الإشارة إلي أن الخريطة الديموجرافية أو السكانية كان لها توزيع مختلف عبر العصور,فقد ظل الصعيد-خاصة فترة العصور الوسطي-تتركز به النسبة الأكبر من المسيحيين,مع وجود بلاد كاملة خالية منهم مثل بعض الثغور كنتيجة للحملات الصليبية.
ويبقي التعداد الأخير الذي تقوم به الدولة ليكون من أهم التعدادات وأدقها نظرا لاستخدام طرق تقنية حديثة,إلا أن هذا لايمنع الحدس والتخمين بناء علي الأرقام والنسب السابقة,ففي المائة عام الأخيرة حدثت طفرات ضخمة في عدد السكان نظرا لارتفاع نسبة التقدم الصحي والدخل والسفر,ويبقي أن الشفافية هي أفضل الحلول وتبقي الحلول,أن الأقباط هم أكبر مجموعة أثنية دينية مسيحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
****************************************
المــــــــــــراجع
المصادر:
- Roger s .Bagnall and Bruce w. Frier: the Demography of Roman Egypt.Cambridge 1994
- Dianna Delia : the Population of Roman Alexandria. Transactions of the American Philological Association, vol118.(1988),pp275.-292
- نيافة الأنبا يوأنس أسقف الغربية الراحل: مذكرات في تاريخ الكنيسة القبطية.كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل والقديس مينا,ستاتن أيلاند.نيوريوك.
- Jcan - Claude Garcin: Qus.Coptic Encycl.v.7.pp2056.
- Maurice martin : Note sur la Communaute Copte Entre 1650 et 1850 Annales Islamologique,no18.,1982,pp193.-.215
- A. Ryme: Egypt moden, Periodo de la Domination Francais, 1848
- S.A Aldeeb abu - salieh :Non- Musulmans en Pays d'isalm,Cas de Egypt Fribourg .1979
- E.wakin:Ionely Minority .N.Y 1963
- م.حنا: موقع أقباط مصر علي الساحات السياسية,مجلة دراسات عربية نوفمبر 1979,صـ 65-68
- Joseph Rabino: Some statistics of Egypt.Journal of the statistcal Society of London-vol 97,no3.,sep1884.,pp415.-.467
- Alexander Delmar : on the Resources, productions and Social Condition of Egypt . Proceedings of the American philosophical Society,vol14.,no93.(Jun- Dec1874.),p.p232-.255
- De testoin:L' Egypt Pays des Coptes.Tours .1894