جريدة المصرى اليوم تاريخ العدد الخميس ٣ يناير ٢٠٠٨ عدد ١٢٩٩ عن مقالة بعنوان [ «سراي الحقانية» في الإسكندرية.. كنز تاريخي نادر تهدده المياه الجوفية ] كتب نبيل أبوشال
إذا كانت سلالم نقابة الصحفيين في مصر «هايد بارك» المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين أيضاً، والساحة الأساسية للتظاهر والاحتجاج السلمي، فإن سلالم «سراي الحقانية» هي أيضاً «هايد بارك» الإسكندرية، تتجمع فوقها المعارضة للتعبير عن آرائها في جميع القضايا، والفارق الوحيد بين نقابة الصحفيين وسراي الحقانية، أن الأولي أنشئت حديثاً، أما الثانية فإنها تبلغ من العمر ١٢١ عاماً، ويهددها خطر الانهيار بسبب المياه الجوفية نظراً لقرب المحكمة من البحر.
المهندسون الإيطاليون وجهل المصريين
كان المهندسون الإيطاليون الذين أنشأوا المحكمة قد وضعوا طبقة من الرصاص بسمك نصف متر، تحسباً لخطر هذه المياه الجوفية، لكن هذه الطبقة نزعت منذ فترة، مما تسبب في تفاقم خطر المياه الجوفية علي مبني يعد كنزاً، ليس فحسب لقيمته التاريخية، ولكن أيضاً للمقتنيات التاريخية النادرة التي يحتويها وتقدر بمئات الملايين من الدولارات.
محكمة الحقانية، أو كما يطلق عليها سراي الحقانية، تقع في منطقة من أشهر مناطق الإسكندرية «منطقة المنشية» التي أطلق فيها الرصاص علي الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكان بها مبني البورصة القديم والاتحاد الاشتراكي وتمثال محمد علي، وبنيت في ١٨٨٦، وافتتحت في عهد الخديو إسماعيل، وتعد من أقدم المحاكم المصرية علي الإطلاق.
مقتنيات الحقانية
وفي عام ٢٠٠١ عندما كان المستشار عبدالسلام تمراز، مساعد وزير العدل، المسؤول عن المكتب الفني والمتابعة لمحكمة استئناف الإسكندرية، قام بعملية أرشفة لقضايا المحكمة ومحتويات مكتبتها، وأعاد تنظيم عملها وعثر وقتها في بدروم المحكمة علي ملفات وسجلات لحقبة من أهم وأخطر تاريخ القضاء المصري والمختلط منذ عام ١٨٢٥ ومجموعة من ملفات القضاء المختلط منذ إنشاء سراي الحقانية ١٨٨٦ وحتي ١٩٤٥.
وقال المستشار تمراز إن أشهر المقتنيات الموجودة في الحقانية «١٢٠٠» فرمان تعود إلي عصر محمد علي، وكلها صادرة من الأستانة، و١٠٠ ختم من المحكمة المختلطة ولائحة القضاء المختلط، وهي أول لائحة قضائية توضح قانون السلطة القضائية وتنظم حقوق القاضي وواجباته والأجهزة المعاونة له، وتضم المحكمة سجلات بأحكام القضايا الشهيرة التي تداولتها المحاكم مثل حادث دنشواي الشهير، أو القضايا التي نظرت بالمحكمة الحقانية نفسها، مثل قضية السفاحتين الشهيرتين ريا وسكينة، وقضية سفاح الإسكندرية، بالإضافة إلي سجلات ونماذج لتوقيعات حكام المماليك تعود إلي عام ١٥٩٧، التي جمعها الملك فؤاد عام ١٩٣٧.
كما تضم المحكمة أدوات وقطعاً فنية نادرة، منها السيوف والميزان رمز العدالة، وخاتم الملك فؤاد وساعات قديمة نادرة ولوحات فنية لكبار فناني العالم، وكراس ذات طابع تاريخي ولوحات لا تقدر بثمن، ومنها لوحة للفنان «تروجيه بول» بمقاس ١٣٠ سنتيمتراً في ١٠٠ سنتيمتر، تعبر عن الديانة المسيحية أوائل القرن الثامن عشر، واللوحة موقعة ومؤرخة من الفنان «تروجيه» داخل إطار من الذهب الفرنسي،
وقد أهدي الخديو إسماعيل تلك اللوحة إلي سراي الحقانية عند افتتاحها ويقدر ثمنها بـ٧٥ مليون دولار، وتضم المحكمة ٢٥ ألف كتاب مهداة من جميع دول العالم تمثل مجموعات قانونية نادرة، منها مجموعات «لوزان» التي لا توجد في فرنسا ذاتها نسخة منها.
وبعد أن حصر المستشار عبدالسلام تمراز هذه الكنوز والمقتنيات في قائمة طويلة، أعد مذكرة رفعها رئيس المحكمة وشيوخ القضاء بالإسكندرية، إلي وزير العدل لإنشاء أول متحف قضائي بمصر وتم تخصيص ٣ حجرات من جناح بالمحكمة لإنشاء ذلك المتحف، كما تمت مخاطبة فاروق حسني، وزير الثقافة، لتمويل المشروع، وبناء علي ذلك تمت مخاطبة هيئة الآثار التي انتدبت فريقاً من الفنيين برئاسة الفنان أحمد راضي، وشكلت لجنة لتسجيل تلك المقتنيات وترميم الوثائق والكتب واللوحات بتكلفة ١٠٠ ألف جنيه، وتم الانتهاء من تصميم المتحف بمعرفة المهندسين هاني ماهر وحمدي السطوحي وقدرت تكلفته بمبلغ ٤٥٠ ألف جنيه.
إنشاء متحف محكمة الحقانية
وأصدر فاروق حسني، وزير الثقافة، قراراً برقم ١٩٦ في ٢٠٠١ بتحويل محكمة استئناف الإسكندرية إلي مزار سياحي وإنشاء متحف محكمة الحقانية، بما تضم من مقتنيات فنية تتجاوز قيمتها مئات الملايين من الدولارات.
يذكر أن مبني سراي الحقانية يتكون من أربعة طوابق ويشغل الطابق الأخير خبراء وزارة العدل، بينما توجد قاعات محاكم الاستئناف العالي في الطابقين الثاني والثالث، أما الطابق الأول فتوجد به نيابة الأحوال الشخصية والولاية علي النفس والمال والمجلس الحسبي، وكذلك مقر نقابة المحامين الفرعية بالإسكندرية، ويوجد بالطابق الأرضي قاعات لنظر جلسات الاستئناف العالي «تجاري وعمال ومدني»، إضافة إلي مكان مخصص لحفظ قضايا الاستئناف التي انتهي الفصل فيها.