كمال أتاتورك

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

أتاتورك وإنهاء حكم السلاطين من آل عثمان

  هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
عودة لأحتلال آل عثمان
New Page 1789
New Page 1790
New Page 1791
New Page 1792
أتاتورك ونهاية العثمانيين
منزل عمر الملطى وأخوه
معاهدة لوزان
‏سبيل‏ ‏الأمير‏ ‏عبد‏ ‏الله‏ ‏العثماني
كتابة تاريخ الإحتلال العثمانى
آخر ورثة الإمبراطورية العثمانية
New Page 3146
New Page 3147
New Page 3148
New Page 3149
New Page 3150

Hit Counter

 



 كانت أفعال كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة [أطلق عليه أسم الذئب الأعبر (1) ] مثار إعجاب من بعضهم كانت موضع استهجان فقد قام بإلغاء السلطنة ( التى حلت محل الخلافة الإسلامية عام 1924)‏ وذلك بعد شهور قليلة من إعلان الجمهورية‏,‏ وخرج آخر السلاطين ‏( أنتهت الخلافة رسمياً بعد آخر الخلفاء العباسيين ولم يستطع سليم الثانى بعد غزوه مصر أن يطلق على نفسه أسم خليفة بل أستعار أسم سلطان ) ,‏ عبد المجيد‏,‏ من الأستانة ليلاً ‏,‏ متوجها إلي سويسرا‏.‏ و قد وافقت الجمهورية التركية الناشئة علي التنازل عن كافة ما كانت تدعيه من حقوق تاريخية علي مصر في مؤتمر لوزان الذي كان قد انعقد في العام السابق‏(1923).‏ ولكن أصيب المسلمون المتدينون بالحزن‏,‏ بعد غياب أحد القيادة الدينية الرمزية التي ظلوا يعيشون في ظلها منذ دخول الإسلام فيها‏.‏
و تطلع الملك فؤاد الأول إلي الحصول علي مقعد الخلافة الذي خلا‏,‏ أملا منه في إضفاء الثوب الشرعي علي أوتوقراطيته في مواجهة لبرالية حزبي الوفد والأحرار الدستوريين‏,‏ الأمر الذي كان من أعراضه أزمة كتاب‏'‏ الإسلام وأصول الحكم‏',‏ الذي ألفه الشيخ علي عبد الرازق‏,‏ والذي اثبت فيه أن الخلافة ليست أصلا من أصول الدين الحنيف ‏,‏ والتي فجرت العلاقات بين الملك والحزب الأخير‏,‏ وانتهت بإستقالة الوزارة الملكية القائمة برئاسة أحمد زيور باشا‏,‏ وإن بقي حلم إحياء الخلافة كامنا في نفس فاروق ابنه‏,‏

أتاتورك وتعليم الفتاة
كان هناك أيضا الإصلاحات قام بها‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ بتعليم البنات وسفورهن‏,‏ بخلع الطربوش ولبس القبعة‏,‏ باستخدام الحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربية‏,‏ وهي الإجراءات التي كان لها صداها في مصر‏,‏ فتعليم البنات وسفورهن مما نادت به السيدة هدي شعراوي ومجموعتها قد أخذ في التصاعد بعد ما جري في تركيا‏,‏ ووصل إلي قمته بزيارة وفد نسائي مصري علي رأسه السيدة الجليلة إلي استنبول عام‏1935‏ للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي‏,‏ حيث عبرت عن إعجابها بما حصلت عليه المرأة التركية من حقوق في عهد الجمهورية‏.‏
وكانت السيدة هدي شعراوي وصويحباتها‏,‏ نبوية موسي وسيزا نبراوي‏,‏ قد عدن من مؤتمر المرأة الدولي المنعقد في روما عام‏1923‏ وقد خلعن غطاء الرأس‏,‏ لتكن قدوة لبقية المصريات اللاتي ما لبثن أن حذون حذوهن‏,‏ حتي أنه كان يندر العثور علي شابة مصرية حتي الثمانينات وقد تدثرت بهذا اللباس‏,‏ إلي أن عدن إلي ارتدائه‏,‏ وتفنن في أشكاله بعد هجمة الثقافة النفطية بعدئذ‏,‏ وما تبعها من صدور فتاوي المشايخ باعتباره اللباس الشرعي‏!‏
أزمة بين تركيا ومصر بسبب الطربوش
أما خلع الطربوش ولبس القبعة فقد كان محل معركة بين عدد من المفكرين الذين تنادوا بالإسراع بذلك‏,‏ علي رأسهم كل من الدكتور محمود عزمي والأستاذين سلامة موسي وتوفيق الحكيم‏,‏ بينما كان علي الجانب الآخر من تمسكوا بلباس الرأس الأحمر علي اعتبار أنه رمز للقومية المصرية‏,‏ أكثر من ذلك أن أضفوا عليه طابعا دينيا‏,‏ ثم خلعوه بعد قيام ثورة يوليو‏1952.
و أدى أرتداء الطربوش إلى أزمة دبلوماسية بين القاهرة وأنقرة‏,‏ فقد حدث أن ذهب الوزير المفوض المصري في تركيا‏,‏ عبد الملك حمزة بك‏,‏ إلي الحفلة التي أقيمت في فندق‏'‏ أنقرة بالاس‏'‏ مساء يوم‏29‏ أكتوبر عام‏1932‏ بمناسبة عيد إعلان الجمهورية التركية والتي حضرها مصطفي كمال‏,‏ وكان في انتظاره مفاجأة‏,‏ فقد أبدي الغازي أتاتورك اعتراضه علي الطربوش الذي يرتديه الوزير‏,‏ مما ترتب عليه أزمة بين البلدين‏,‏ خاصة وأن القاهرة قد تمسكت بحقها في ارتداء ممثليها لزيهم الوطني‏,‏ وهي الأزمة التي لم تنته إلا بعد اعتذار الحكومة التركية‏.‏
إستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية لنطق اللغة التركية
استبدل أتاورك الحروف العربية( لغة الضاد) بالحروف اللاتينية هو ما لم يجد صدا في أرض الكنانة‏,‏

 ورحل أتاتورك عام‏1938‏ م ليترك سجلاً حافلاً من الأعمال أدت اليوم إلى إمكانية إنضمام تركيا أوربا فى إتحادها الأوربى بالرغم من خلفيتها الإسلامية .

****************************



ما كتب فى الاهرام عن أتاتورك فى 11-11-1938 م

لم تمر هذه الأحداث عن مشاركة جريدة الأهرام  -  كمال أتاتورك ( الذئب الأغبر ) منشئ تركيا الحديثة (2)

في عام الرحيل لم تألو جريدتنا جهدا في اقتناص المناسبات للتنويه بالرجل وإنجازاته‏,‏ كان منها المقال الطويل الذي نقلته عن جريدة الديلي سكوتش والحافل بإطلاق صفات علي الرجل ملؤها الإعجاب والتقدير‏,‏ وهو المقال الذي أنهاه كاتبه بالقول‏:'‏ إذا قدر للغازي أتاتورك الحياة‏15‏ سنة أخري فإني أعتقد أن تركيا ستتخذ مكانها بين الأمم العظمي في العالم‏,‏ وستكون من أقوي ضمانات السلم في البحر الأبيض المتوسط‏'.‏
وتحت عنوان‏'‏ هدية الغازي إلي أمته‏'‏ كتبت جريدتنا تحيي الرجل لأنه أوصي بجميع أملاكه الخاصة في أنقره للأمة التركية‏,‏ وهي عبارة عن بستان وقصر يحملان اسم مرمرة والبناية التي تصدر منها جريدة‏'‏ أولوس‏',‏ وهي الجريدة شبه الرسمية للحكومة التركية وبعض الأراضي المحاذية لها‏'‏ وقد أذاعت الصحف التركية خبر هذه الهدية الثمينة من منقذ الوطن بشكر عظيم‏'!‏
دفع هذا العمل أحد قراء الأهرام إلي الكتابة للصحافي العجوز صاحب عامود‏'‏ علي الهامش‏'‏ يسأله رأيه فيما أقدم عليه لما يكون فيه من التنبيه‏'‏ لزعمائنا وقادتنا وأغنيائنا‏',‏ ولم يخيب الرجل ظن قارئه فقد خصص عاموده في عدد الجريدة الصادر يوم‏20‏ مايو‏1938‏ لهذا الموضوع والذي جاء فيه‏:'‏ ليس الأغنياء والأثرياء وأرباب الألوف المؤلفة من الأطيان والجنيهات عمي البصر والبصيرة‏,‏ فهم يعرفون مثلي ومثلك أن هناك شيئا اسمه الإحسان وأنه فرض ديني علي الناس كلهم‏,‏ وعلي حضراتهم خاصة‏'.‏
ويسجل صاحب‏'‏ علي الهامش‏'‏ في هذه المناسبة ما دخل علي مفهوم فكرة الإحسان في أوربا من تغيير‏,‏ فيذكر أنه بعد أن أصبحت طرق الإحسان القديمة غير ملائمة للعصر الحديث تحولت لتصبح جزءا من المدنية الحديثة‏'‏ فاليوم يبنون في أوربا وأمريكا ملاجئ للممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات وكواكب السينما ونجومها ويرتبون معاشات للمصابين من الطيارين‏,‏ ويقيمون دورا للعجزة من جنود المطافئ وقائدي السيارات وغيرهم من أرباب الحرف الحديثة‏',‏ وينصح قارئه أن يراجع أسماء المؤسسات الخيرية في باريس ولندن وبرلين وكوبنهاجن ليعلم ما دخل علي فكرة الإحسان من تغيير‏!!‏
غير أن من أجمل ما جاء في الأهرام عن‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ في عام رحيله كان ما كتبه الأستاذ عزيز خانكي في عددها الصادر يوم‏9‏ إبريل من تلك السنة‏,‏ وكان مقالا طويلا احتل أغلب الصفحة الأولي‏;‏ المناسبة‏:‏ زيارة وزير الخارجية التركي‏,‏ العنوان‏:‏ ترك وأتاتورك‏.‏
لعل سر هذا الجمال ما جاء في القسم الأول من هذا المقال من وصف لإنجازات الرجل‏,‏ وهو ما نفضل أن ننقله هنا بنصه‏:‏
‏'‏تركيا اليوم هي غير تركيا القديمة‏.‏ وترك اليوم هم غير ترك الأمس‏.‏ تركيا اليوم هي وليدة نظام جديد وروح جديد وعهد جديد‏.‏ من سلطاني إلي جمهوري‏.‏ ومن أوتوقراطي إلي ديموقراطي‏.‏ ومن سلطة الفرد إلي سلطة الأمة‏.‏ومن رأي الفرد إلي شوري الجماعة‏.‏ من تغليب مصلحة السلطان الخاصة إلي تقديم مصلحة الشعب العامة‏.‏ من حكومة اتكالية إلي حكومة كمالية‏.‏ من رق سياسي ومالي وتشريعي وصناعي وتجاري إلي استقلال سياسي ومالي وتشريعي وصناعي وتجاري‏.‏ من ديني إلي مدني‏.‏ من شريعة سماوية إلي قوانين وضعية‏.‏ من هجري إلي ميلادي‏.‏ من أسماء عربية إلي أسماء تركية‏.‏ من أرقام عربية إلي أرقام لاتينية‏.‏من حروف عربية إلي حروف لاتينية‏.‏من لغة هي مزيج من الفارسية والتركية إلي لغة تركية بحتة‏.‏ من عمامة العربي إلي قبعة الأعجمي‏'.‏
ولم يحجم الأستاذ خانكي أن يتطرق في مقدمة مقاله الطويل إلي موضوعات تبدو حساسة‏,‏ فكان مما جاء فيه أن تركيا في ظل حكم أتاتورك قد انتقلت‏'‏ من الحجاب إلي السفور‏.‏ من السلاملك والحرملك متفرقين إلي السلاملك والحرملك مجتمعين‏.‏ من حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إلي حظ الذكر مثل حظ الأنثي في الحقوق السياسية وفي الحقوق المدنية‏.‏ من زوجات أربع إلي زوجة واحدة‏.‏ من استانبول إلي أنقره‏.‏ من وزارة ووزير إلي وكالة ووكيل‏.‏ من فخامتلو وأبهتلو ودولتلو وعطوفتلو وسعادتلو وعزتلو إلي باي‏(‏ معناها مسيو أو مستر أو سيد‏).‏ من عثمانية شائعة ينضوي تحت لوائها اليمني والحجازي والمصري والسوري والأرمني والرومي والكردي إلي تركية مفروزة لا تعرف إلا الوطن التركي والرجل التركي والمرأة التركية والمصلحة التركية والسياسة التركية‏'.‏
ويصف عزيز خانكي ما فعله أتاتورك بالدولة بقوله‏:'‏ لقد ساس أمورها بالشعب التركي وللشعب التركي‏.‏كل خيراتها من الوطن وللوطن‏.‏شعارها‏(‏ تركيا للترك‏)‏ و‏(‏ التركي وكل التركي ولا شيء غير تركي‏).‏ المصريون عرفوا تركيا في العهد الحميدي السلطاني الشاهاني الهمايوني‏.‏ عرفوها في حالة انحلال واضمحلال‏.‏ في عهد تفريق وتمزيق‏.‏ في حالة مرض وهزال‏.‏ في زمن ضعف ووهن‏.‏ وسماها ساسة أوربا‏(‏ الرجل المريض‏)‏ كما سموا سلطانها السلطان الأحمر‏'.‏
وقد خرج صاحب المقال من هذه المقدمة المعبرة إلي دعوة المصريين لزيارة تركيا الجديدة ليجدوها شيئا مختلفا عن تركيا القديمة‏:'‏ تجدوها بلاد حرية واستقلال بعد أن كانت بلاد ذل واستعباد‏.‏ بلاد قوة ويسر بعد أن كانت بلاد ضعف وعسر‏.‏ بلاد عمار ورخاء بعد أن كانت بلاد يباب وشقاء‏.‏ تجدوها بلادا قوية برجالها ونسائها‏.‏ قوية بعزمها وحزمها‏.‏ قوية بأموالها وخيراتها‏.‏ وعلي الرغم من انسلاخ مصر وجزيرة العرب وفلسطين وسوريا والعراق وتراقية والبوسنة والهرسك وألبانيا وطرابلس وقبرص وكريت من تركيا القديمة‏,‏ فإن تركيا الجديدة لا تزال أكبر وأوسع من إنجلترا خمس مرات‏'!‏
ويعرب صاحب مقال‏'‏ ترك وأتاتورك‏'‏ عن إعجابه بأن‏'‏ كل هذا الانقلاب السياسي والمالي والتشريعي والصناعي والتجاري والعلمي والأدبي في هذه البلاد الواسعة تم في خمس عشرة سنة‏.‏ لأن الرجل الذي تولي إدارة البلاد كان فعالا لا قوالا‏.‏يعمل عمل سنة في يوم وعمل يوم في ساعة وعمل ساعة في لحظة‏'!‏
من ثم لم يكن غريبا أن تعني جريدتنا وسائر الصحف المصرية بالأخبار الشخصية للغازي أتاتورك‏,‏ وإن كنا نلاحظ أنها كانت تسوق في العادة تلك الأخبار نقلا عن الصحف الأوربية‏,‏ خاصة الإنجليزية‏,‏ إذ يبدو أنه لم يكن لها‏'‏ مراسل خصوصي‏'‏ في العاصمة التركية بعد أن انتقلت إلي أنقره‏,‏ إذ بقي مراسلها في مقره القديم بمدينة استنبول‏.‏
فهي تنقل عن جريدة الديلي تلجراف في‏5‏ مايو أخبارا بأن طبيبا فرنسيا متخصصا استدعي إلي أنقره قبل بضعة أسابيع للعناية بالرئيس أتاتورك‏,‏ والتي أضافت أن هذا المرض‏,‏ علي ما يبدو‏,‏ غير ذي علاقة بالأول‏,‏ مما يدل علي أن‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ الذي كان قد قارب الستين وقتئذ قد أحاطت به الأمراض‏,‏ وتفسر ذلك بأن صاحبنا‏'‏ عاش عيشة تتعب أمتن البنيات وأقواها‏'.‏
ويبدو أن الأتراك كانوا لا زالوا يحتفظون بالعادة الشرقية القائمة علي إخفاء أسرار صحة حكامهم‏,‏ مما يتضح من حرص المفوضية التركية في القاهرة علي تكذيب الأهرام وأن‏'‏ الرئيس متمتع بكامل الصحة وأنه قائم بالتريض الطويل المدي كعادته‏'!!‏
وانتهت شهور الصيف‏,‏ وبدأ الخريف‏,‏ وعادت الأنباء تتردد عن سوء صحة الرئيس التركي في الخريف‏,‏ كان كل ما فعله مراسلها في استنبول هذه المرة أن بعث ببرقية إلي جريدته جاء فيها أن الحكومة التركية أصدرت بلاغا رسميا يوم‏17‏ أكتوبر بأن كمال أتاتورك رئيس الجمهورية مريض مرضا خطيرا وأن مرض الكبد الذي يعاني منه قد تحول تحولا خطيرا فقد اكتشفت فجأة حالة من الضعف العام المطرد وعسر في الهضم وسرعة في نبضات القلب‏,‏ غير أنه كالعادة بين حكام الشرق أيضا‏,‏ ما لبثت أن ألحقتها ببلاغ آخر في المساء بأن حالة أتاتورك تحسنت بعض التحسن في أثناء النهار‏.‏
ويبدو أنه لم يعد بعدئذ للإنكار فائدة‏,‏ فقد صدر بعد يومين بيان مفصل تأكد منه سوء حالة‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ جاء فيه أنه‏'‏ لا يمكن إنقاذ حياة الرئيس إلا بمعجزة‏',‏ فقد بلغ النبض‏108‏ والتنفس‏30‏ ولكن الحرارة‏98,4,‏ الأمر الذي هرع معه الرجل الثاني في الدولة‏,‏ عصمت إينونو‏,‏ إلي العاصمة ليكون إلي جوار الرئيس خاصة وأن الشخصين الآخرين المؤهلين للرئاسة‏,‏ فوزي شكماك وأوكيار‏,‏ لن ينافساه عليها‏;‏ الأول‏:‏ يرفض تقلد المنصب‏,‏ والثاني‏:‏ لأنه ليس عضوا في البرلمان‏.‏
وانتهزت الأهرام هذه الفرصة لتقدم تعريفا بالرئيس المنتظر‏;‏ إينونو‏,‏ فهو مشهور بميله إلي إنجلترا وروسيا‏,'‏ ويقال عن ثقة أن أربعة وزراء بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية قد اختاروه للمنصب‏'.‏
ويبدو أن الرئيس التركي كان عنيدا في وفاته كما كان عنيدا في حياته‏,‏ فقد صدرت نشرة طبية بعد يومين آخرين أن حالة أتاتورك حسنة جدا وأن الأعراض العصبية زالت زوالا تاما‏,‏ وإن لم يمنع ذلك من الإشارة إلي أن الدستور التركي يقضي بأن يتولي رئيس المجلس الوطني رياسة الجمهورية إذا طال مرض رئيس الجمهورية‏.‏
ويبدو أن طول مرض الرئيس التركي قد أغري الكثيرين علي القول بأنه يفكر في اعتزال منصبه لأسباب صحية‏,‏ فيما نقلته الأهرام عن جريدة الديلي إكسبريس في‏29‏ أكتوبر بأن هناك ما يفيد بأن أتاتورك يفكر في التنازل عن منصبه‏,‏ ووصل الأمر إلي أن حدد اسم خلفه‏,‏ فتحي إكيار‏,‏ وإن كان تنازله مشروطا بأن يبقي الأخير علي الوضع الدكتاتوري‏'‏ بسبب الحالة الأوربية القائمة‏'.‏
وبقي الحال علي هذا الحال حتي يوم الخميس‏10‏ نوفمبر عام‏1938,‏ حين طلعت الأهرام علي قرائها في اليوم التالي‏,‏ وقد تصدرت صورة الرجل في أعلي صفحتها الأولي‏,‏ وصورة لوالدته تحتها وصورة له ولزوجته‏'‏ لطيفة هانم‏'‏ احتلت القسم الأسفل من ذات الصفحة‏,‏ وكان العنوان‏'‏ مات أتاتورك‏'.‏
‏***‏**********
احتل خبر رحيل‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ مساحات واسعة من عدد الأهرام الصادر في ذلك اليوم‏,‏ ففضلا عما شغله من مساحة في الصفحتين الأولي والثالثة‏,‏ فقد عني بالتعليق عليه عدد من كتاب الصحيفة العريقة علي رأسهم الأستاذ أحمد الصاوي محمد في عاموده الشهير‏'‏ ما قل ودل‏'.‏
استهلت جريدتنا المقال الرئيسي بأنه قد‏'‏ مات مصطفي كمال أو قل مات أتاتورك‏,‏ أبو الشعب التركي‏,‏ وأعظم رجل أنجبته تركيا في القرون الأخيرة‏!‏ مات منقذ تركيا من العبودية‏,‏ وموقد نار ثورتها علي الاحتلال والاستعمار‏,‏ وقائدها في ميادين القتال إلي ضفة الخلاص‏.‏ مات الرجل الذي وضع شعبه موضع النفوس فغدا الحاكم المطلق‏,‏ ذا الإرادة التي لا تنقض‏,‏ والمصلح الكبير الذي سار بأمته شوطا بعيدا في طريق الإصلاح‏.‏
‏'‏مات الرجل العظيم الذي استطاع أن يمزق معاهدات وأن ينقض ما أبرمته دول‏,‏ وأن يفرض علي الأمم احترام أمته‏,‏ وحسبان حسبانها والاكتراث العظيم لها‏.‏ مات الرجل العصامي العظيم الذي استطاع أن يجعل من أمة ضعيفة‏,‏ مهيضة الجناح‏,‏ منهكة القوي‏,‏ تعبة‏,‏ تنوء بأثقال الهزيمة والخسران والعبودية أمة قوية ناهضة عزيزة الجانب‏,‏ موفورة الكرامة‏,‏ تسير إلي الأمام وتتطلع إلي العلا في فتوة واندفاع‏!‏ إنه لمنقذ وطن‏,‏ وإنه لمصلح أمة‏,‏ وسيظل اسم أتاتورك مصدر اعتزاز كل تركي وباعث فخره‏'.‏
وانتقلت جريدتنا بعد ذلك إلي تقديم ما أسمته‏'‏ نبذة تاريخية‏'‏عن حياة مصطفي كمال‏,‏ وإن كنا نلاحظ أنها كانت أطول من نبذة كثيرا‏,‏ إذ نراها ترجمة مطولة نقتطف منها هنا بعض المعلومات غير الشائعة عن صاحبنا‏,‏ بالنسبة لنا علي الأقل‏..‏
ولد مصطفي كمال عام‏1880‏ في سلانيك‏,‏ وكان أبوه علي رضا موظفا بسيطا في الجمرك ثم استقال وانصرف إلي تجارة الخشب وقد أراد من ابنه أن يخلفه في تجارته‏,‏ لكنه توفي قبل أن يحقق رغبته فانتقل مع والدته إلي قرية جوار سلانيك حيث عمل فلاحا ثم راعيا للغنم في مزرعة خاله‏.‏
تحول مسار حياته بعد أن عادت والدته به إلي سلانيك وأدخلته إحدي مدارسها الابتدائية ومنها إلي المدرسة الإعدادية في موناستير‏,‏ ثم إلي المدرسة الحربية في استنبول حيث تخرج برتبة ملازم ثان‏,‏ وبعد أن قضي في الجيش ثلاث سنوات دخل مدرسة أركان الحرب وتخرج منها عام‏1905.‏
تعرض السيرة بعدئذ لكثير مما هو معروف عن‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ الراحل‏;‏ انضمامه لجمعية سرية لمقاومة العهد الحميدي‏,‏ تولي رياسة تحرير الجريدة التي كانت تصدرها هذه الجمعية‏,‏ اشتراكه في الدفاع عن طرابلس ضد الغزوة الإيطالية‏,‏ وفي حروب البلقان بعدئذ‏,‏ اشتراكه في حركة‏'‏ جمعية الاتحاد والترقي‏'‏ التي انتهت بإجبار السلطان عبد الحميد علي إصدار الدستور عام‏1908,‏ ثم اشتراكه في الأعمال القتالية خلال الحرب العظمي‏,‏ حيث بدأت مواهبه العسكرية في الظهور حين نجح في منع إنزال قوات الحلفاء في شبه جزيرة غاليبولي‏,‏ وأبدي كفاءة منقطعة النظير‏-‏ علي حد تعبير الأهرام‏-‏ في معركة الدردنيل‏,‏ والتي أوقع خلالها بالحلفاء خسائر فادحة‏,‏ ومنها إلي ميدان القوقاز حيث ساعده الحظ بقيام الثورة البلشفية وانسحاب القوات الروسية‏,‏ واضطر بعد ذلك للسفر إلي كارلسباد للاستشفاء من مرض الكلي حين انتهت الحرب وعقدت الهدنة‏'‏ ومزقت السلطنة العثمانية وشتت شمل أحرارها‏',‏ وتبع ذلك الدور الذي قام به مصطفي كمال والذي وضعته في مصاف المحررين الوطنيين‏.‏
فقد نجح في إنزال الهزيمة بالقوات اليونانية خلال الحرب التي استمرت عامي‏1921-1922‏ وإجلائها عن كل التراب الوطني التركي‏.‏ في تلك الأثناء فر السلطان وحيد الدين من استنبول‏,‏ وفي‏13‏ أغسطس‏1923‏ انتخب المجلس الوطني الكبير مصطفي كمال باشا رئيسا للبلاد بالإجماع‏.‏
أما إنجازاته التي ذكرتها الأهرام في هذه المناسبة فقد عددها الأستاذ أحمد الصاوي محمد في‏'‏ ما قل ودل‏'‏ في ذات العدد من الأهرام‏,‏ وكانت سبعة‏:‏

‏*‏ إلغاء الخلافة وفصل الدين عن الدولة‏.‏
‏*‏ إدخال الحروف اللاتينية التي هي نموذج للجرأة في التجديد والإصلاح‏.‏
‏*‏ إلغاء القلبق والطربوش والطرطور والعمامة‏-‏ إلا لرجال الدين‏-‏ والحبرة واليشمك والبرقع واستعاض عنها كلها بالقبعة‏'‏ لأن الزي يخلق الإنسان‏'.‏
‏*‏ اقتباس التشريعات والقوانين الألمانية والسويسرية والإيطالية وتطبيقها لخير البلاد‏.‏
‏*‏ القضاء علي ذل العبيد واستبداد الأغوات وإغلاق التكايا والإقطاعيات ومرتبات تنابلة السلطان وقطع دابر الكسالي والدساسين والوصوليين ولو كانوا في أعلا المراتب‏.‏
‏*‏ رفع الروح المعنوية للشعب كله وإشعاره بأنه وحدة لا تتجزأ في العدالة والحرية والمساواة‏.‏
‏*‏ استقلال بلاده اقتصاديا وسياسيا في وقت واحد وخلق الشيء الذي فقدته تركيا قبل ألف سنة وهو القومية التركية كشخصية مستقلة يحسب لها الأجنبي ألف حساب‏.‏

بيد أن كل ذلك الاهتمام الذي أعاره الرأي العام المصري برحيل‏'‏ الذئب الأغبر‏'‏ وما تبعه من انتقال السلطة إلي خليفته‏'‏ عصمت إينونو‏',‏ لم ينعكس علي الدوائر الرسمية في العاصمة المصرية‏,‏ ربما لأن فاروقا لم ير مناسبة للاحتفال برحيل الرجل الذي قضي علي النظام السلطاني وأعلن الجمهورية في تركيا‏,‏ ومن ثم فقد اكتفي بأن أرسل مندوبا‏,‏ سعيد ذو الفقار باشا‏,‏ إلي دار المفوضية التركية في القاهرة ليبلغ المسئولين فيها تعازيه‏.‏
وكان هذا التصرف مصدر انتقاد من الصحف المصرية‏,‏ فيما عبر عنه صاحب‏'‏ ما قل ودل‏'‏ في عدد الجريدة الصادر يوم‏6‏ ديسمبر من دهشته من هذا التقصير‏,‏ بينما أرسلت إنجلترا أربعمائة بحار وجندي وماريشال عظيم‏,‏ وأرسلت فرنسا وفدا من وزير داخليتها وكبير قوادها ومائتين من جنودها بل أن اليونان نفسها العدو التقليدي بعثت برئيس وزرائها ووزيرين ومائة وخمسين جنديا‏.‏ ولم يحر أحد جوابا علي انتقاد المحرر الأهرامي البارز‏,‏ إذ يبدو أن المسئولين في الحكومة المصرية أرادوا إغلاق ملف‏'‏ الذئب الأغبر‏',‏ ولم يكن هذا رأي التاريخ‏!!‏
================

المراجع

(1) GreyWolf‏ عنوان الكتاب الذي وضعه الكاتب البريطاني‏H.S.Armstrong‏ عن الزعيم التركي المشهور مصطفي كمال أتاتورك‏,‏ والذي ترجمه‏'‏ كتاب الهلال‏'‏ في عدده الصادر في يوليو‏1952‏ تحت عنوان‏'‏ الذئب الأغبر‏'

(2) مركز تاريخ الأهـرام - ديوان الحياة المعاصرة - رحـيل الذئـب الأغــبر‏!‏ - بقلم : د‏.‏ يونان لبيب رزق الصورة المقابلة  - الأهرام يوم الخميس 8 يونيو 2006 السنة 130 العدد 43648   - ملفات الأهرام
 

This site was last updated 05/28/08