Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

السلطان الملك المنصور علاء الدين علي 189/ 24 م.ح

ذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أيبك165/ 1 م.ح
نور الدين166/ 2 م.ح
قطز 167/ 3 م.ح
بيبرس168/ 4 م.ح
السعيد 169/ 5 م.ح
سلامش 170/ 6 م.ح
سيف الدين171/ 7 م.ح
صلاح الدين172/ 8 م.ح
بن قلاوون 173/ 9 م.ح
زين الدين174/ 10 م.ح
حسام الدين175/ 11 م.ح
بن قلاوون 176/ 12 م.ح
بيبرس177/ 13 م.ح
أحمد178/ 14 م.ح
إسماعيل179/ 15 م.ح
بن قلاوون180/ 16 م.ح
أبو بكر181/ 17 م.ح
كجك182/ 18 م.ح
شعبان 183/ 19 م.ح
حسن 184/ 20 م.ح
صالح 185/ 21 م.ح
حسن186/ 22 م.ح
محمد187/ 23 م.ح
شعبان188/ 24 م.ح
على 189/ 25 م.ح
أمير حاج 190/ 26 م.ح

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************


السلطان الملك المنصور علاء الدين علي سنة 778 هـ
سلطنة الملك المنصور علي السلطان الملك المنصور علاء الدين علي ابن السلطان الملك الأشرف زين الذين شعبان ابن الأمير الملك الأمجد حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي وهو السلطان الثالث والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية‏.‏
تسلطن في حياة والده حسب ما تقدم ذكره وذلك أن الأمير قرطاي وطشتمر اللفاف وأينبك البدري لما ثاروا بمن معهم بالديار المصرية وطلعوا إلى القلعة وأخذوا أمير علي هذا من الدور السلطانية وسلطنوه في حياة والده أرادوا بذلك انضمام الناس عليهم - فإنهم كانوا أشاعوا موت الملك الأشرف شعبان في العقبة - حتى تم لهم ما أرادوه وسلطنوا أمير علي هذا من غير حضور الخليفة والقضاة فإنهم كانوا صحبة السلطان الملك الأشرف بالعقبة‏.‏
فلما زالت دولة الملك الأشرف وقبض عليه وقتل ثم حضر الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد من العقبة وكان القضاة بالقدس الشريف توجهوا إليه من العقبة بعد واقعة الملك الأشرف وهروبه إلى مصر‏.‏
فلما كان يوم الخميس ثامن شهر ذي القعد سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وذلك بعد قتل الملك الأشرف شعبان بثلاثة أيام اجتمع الأمراء القائمون بهذا الأمر بالقلعة واستدعوا الخليفة ومن كان بمصر من القضاة ونواب من هو غائب من القضاة بالقدس وحضر الأمير آقتمر الصاحبي نائب السلطنة بالديار المصرية وقعدوا الجميع بباب الآدر الشريفة من قلعة الجبل وجددوا البيعة بالسلطنة للملك المنصور علي هذا بعد وفاة أبيه الملك الأشرف‏.‏
وقبل له البيعة آقتمر الصاحبي المذكور ولبسوه السواد خلعة السلطنة وكانت فرجية حرير بنفسجي بطرز ذهب وبدائرها تركيبة زركش بحاشية حرير أزرق خطائي وشاش أسود خليفتي وقبعًا أسود بعذبة خليفتيًا زركش‏.‏
وركب بأبهة السلطنة وشعار الملك من باب الستارة والأمراء مشاة بين يديه إلى أن وصل إلى الإيوان وجلس على تخت الملك في يوم الخميس المذكور‏.‏
وقبلت الأمراء الأرض بين يديه وحلفوا له على العادة وأخلع على الخليفة وعلى الأمراء وعلى من له عادة بلبس الخلع ومد السماط‏.‏ وكان عمر السلطان الملك المنصور يرم تسلطن نحو سبع سنين تخمينًا‏.‏
ثم قام الملك المنصور من الإيوان ودخل إلى القصر وأخلع على الأمير طشتمر اللفاف المحمدي باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأنعم عليه بكل مال أرغون شاه الأشرفي بعد قتله‏.‏
وتسلطن بعده ولده السلطان الملك الأشرف إسماعيل‏.‏
وكان الملك الأفضل ولي السلطنة بعد موت أبيه المجاهد في شهر جمادى الأولى سنة أربع وستين وسبعمائة‏.‏
ولما ولي اليمن خرج في أيامه ابن ميكائيل فوقع له معه وقائع حتى أباده الأفضل وزالت دولة ابن ميكائيل في أيامه‏.‏
وكان الأفضل - رحمه الله - شجاعًا مهابًا كريمًا وله إلمام بالعلوم والفضائل ومشاركة جيدة في عدة علوم وتصانيف منها‏:‏ كتاب العطايا السنية في ذكر أعيان اليمنية وكتاب نزهة العيون في تاريخ طوائف القرون ومختصر تاريخ ابن خفكان وكتاب بغية ذوي الهمم في أنساب العرب والعجم وكتاب آخر في الألغاز الفقهية وغير ذلك‏.‏
وكان فيه بر وصدقة وله مآثر حسنة رحمه الله تعالى‏.‏ بنى مدرسة عظيمة بتعز وله أيضا بمكة مدرسة معروفة به بالصفا‏.‏
وقيل‏:‏ إن هذه التصانيف المذكورة إنما هي لقاضي تعز رضي الدين أبي بكر بن محمد بن يوسف الجرائي الصبري الناشري
وتوفي الأمير سيف الدين جركتمر بن عبد الله الخاصكي الأشرفي أحد مقدمي الألوف وتوفي السلطان الملك المظفر فخر الدين داود ابن الملك الصالح صالح ابن الملك المنصور غازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيل غازي بن أرتق الأرتقي صاحب ماردين وابن صاحبها بماردين في هذه السنة بعد أن حكمها نحو عشرين سنة‏.‏ وتولى سلطنة ماردين من بعده ابنه الملك الظاهر مجد الدين عيسى الآتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى‏.‏
وكان الملك المظفر هذا ولي ملك ماردين بعد ابن أخيه الملك الصالح محمود الذي أقام في سلطنة ماردين أربعة أشهر عوضًا عن والده الملك المنصور أحمد ابن الملك الصالح صالح‏.‏
وخلع الملك الصالح محمود وتسلطن الملك المظفر هذا فأظهر العدل واقتفى أثر والده الملك الصالح في الإحسان إلى الرعية وإصلاح الأمور إلى أن مات رحمه الله‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وأثنتا عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وإصبعان‏.‏
وخلع على الأمير قرطاي الطازي واستقر رأس نوبة كبيرًا وأطابكًا وأنعم عليه بكل مال صرغتمش الأشرفي بعد قتله أيضًا ورسم لهما أيضًا أن يجلسا بالإيوان في الميمنة‏.‏
وخلع على أسندمر الصرغتمشي واستقر أمير سلاح ورسم له أن يجلس في الميسرة‏.‏ وخلع على قطلوبغا البدري واستقر أمير مجلس‏.‏ وخلع على طشتمر العلائي الدوادار واستقر في نيابة دمشق ورسم له أن يخرج من يومه‏.‏ وخلع على إياس الصرغتمشي واستقر دويدارًا كبيرًا عوضًا عن طشتمر العلائي بإمرة طبلخاناه‏.‏ ثم أنعم على أينبك البدري واستقر أمير آخور كبيرًا‏.‏ وأنعم على بلاط السيفي ألجاي الصغير بتقدمة ألف وكذلك على دمراش اليوسفي واستقر رأس نوبة ثانيًا وهذه الوظيفة هي الآن وظيفة رأس نوبة النوب في زماننا هذا‏.‏ وأنعم على يلبغا النظامي وألطنبغا السلطاني بتقدمة ألف‏.‏
وكان الجميع أجنادًا ما عدا أينبك البدري فإنه كان أمير طبلخاناه وطشتمر اللفاف فإنه كان أمير عشرة فانتقل للأتابكية دفعة واحدة‏.‏ وأنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم‏:‏ الأمير طغيتمر الناصري وقطلوبغا البيسري وبيخجا الكاملي وصربغا الناصري وطولو الصرغتمشي وأطلمش الأرغوني ومقبل الرومي وألجيبغا السيفي ألجاي وقطلوبغا النظامي وأحمد بن يحمر التركماني وقطلوخجا أخو أينبك البحري وتمربغا البدري وألطنبغا المعلم وتلكتمر بن عبد الله المنصوري وأسنبغا الصارمي وأطلمش الطازي وإبراهيم بن قطلقتمر العلائي وأرنبغا السيفي ألجيبغا وعلي بن آقتمر عبد الغني وأسنبغا النظامي ومأمور القلمطاوي‏.‏
وأنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم‏:‏ تكا الشمسي ومحمد بن قرطاي الطازي وخضر بن ألطنبغا السلطاني ومحمد بن شعبان بن يلبغا العمري وأسنبغا المحمودي وطبج المحمدي وألطنبغا شادي وسودون العثماني شاد السلاح خاناه وتلكتمر المنجكي وآقبغا السيفي ألجاي وجركس السيفي ألجاي وطقتمش السيفي يلبغا وطوغان العمري الظهيري وبكلمش الإبراهيمي ويلبغا العلائي دوادار أمير علي النائب ويوسف بن شادي أخو حاج ملك وخضر الرسولي وأسندمر الشرفى ومغلطاي الشرفى وخليل بن أسندمر العلائي ورمضان بن صرغتمش وحسن أخو قطلوبغا حاجي أمير علم ومنكلي الشمسي وألجيبغا السيفي جنقرا‏.‏
ثم رسم بالإفراج عن جماعة من السجن بقلعة الجبل في يوم السبت عاشر شهر ذي القعدة وهم‏:‏ الأمير آقتمر عبد الغني نائب السلطنة بديار مصر ونائب الشام كان والأمير علم المحمدي وأيدمر الشمسي وسودون جركس المنجكي وطيبغا الصفوي ألجاي ومغلطاي البدري الجمالي وصربغا السيفي وطشتمر الصالحي وبلاط الكبير السيفي ألجاي وحطط اليلبغاوي وإياس المارديني وبلوط الضرغتمشي ويلبغا المنجكي وقرابغا أبو جركتمر وحاجي خطاي والد غريب‏.‏ ثم من الغد أمر بمسكهم ثانيًا وتقييدهم وإرسالهم إلى سجن الإسكندرية فقبض عليهم وأرسلوا في تلك الليلة ما خلا آقتمر عبد الغني وسودون المنجكي‏.‏
يوم الأحد ثامن عشر ذي القعدة قبضوا على جماعة من مباشري الدولة
وطلعوا بهم إلى القلعة وهم‏:‏ الصاحب الوزير شمس الدين المقسي وتاج الدين موسى ناظر الخواص الشريفة وأمين الدين مين وعلاء الدين بن السائس وشهاب الدين بن الطولوني وأدخلوا قاعة الصاحب وصودروا حتى قرر عليهم ما يقومون به من الأموال ثم أفرج عنهم‏.‏ ألف درهم ثم خلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية على عادته‏.‏
ثم مسكوا من الطواشية والخدام جماعة كبيرة وهم‏:‏ مختص الأشرفي وجوهر الإسكندري وسنبل رأس نوبة الجمدارية وأدخلوا قاعة الصاحب على مال ألزموا به‏.‏ ثم أصبحوا من الغد قبضوا على جماعة أخر وهم‏:‏ دينار اللالا وشاهين دست وسنبل اللفاف أحد الجمدارية وأدخلوا أيضًا إلى قاعة الصاحب‏.‏ ثم أصبحوا من الغد ورسموا لمثقال الجمالي الرمام بحمل ثلاثمائة ألف درهم ثم استقرت مائة ألف درهم‏.‏
ثم في يوم الاثنين تاسع عشر ذي القعدة خلع على الأمير آقتمر الصاحبي وأستقر على نيابة السلطنة بالديار المصرية كما كان في أيام الملك الأشرف شعبان وفوض إليه أن يخرج الإقطاعات للأمراء والأجناد والنواب وألا يكون لأحد معه تحكم وذلك بعد أن رضيت الأمراء والخاصكية والبرانيون بذلك‏.‏
ثم أخلع على الأمير أرغون الإسعردي بنيابة طرابلس عوضًا عن الأمير منكلي بغا الأحمدي البلدي‏.ثم أخلع على القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر باستمراره على وظيفته‏.‏ ثم أخلع على الصاحب تاج الدين المكي بإعادته إلى الوزارة ثانية‏.‏ وهي وزارته الرابعة‏.‏ وأخلع على القاضي كريم الدين بن الرويهب باستقراره ناظر الدولة‏.‏ أستقر القاضي تقي الدين عبد الرحمن ابن القاضي محب الدين محمد في نظر الجيوش المنصورة عوضًا عن والده محب الدين المذكور بحكم وفاته‏.‏
ثم شرع الأمراء في النفقة على المماليك السلطانية فأعطوا كل نفر عشرة آلاف درهم‏.‏
وفي ثاني عشر شهر ذي الحجة قرئ تقليد السلطان الملك المنصور علي بالإيوان من قلعة الجبل وعلم عليه الخليفة المتوكل على الله وشهدت عليه القضاة بتفويض السلطنة للملك المنصور‏.‏
وخلع على الخليفة وأنعم عليه بألف دينار وهي رسم المبايعة‏.‏ ثم بعد أيام دخل أسندمر الصرغتمشي ودمرداش اليوسفي إلى الدور السلطانية وفرقوا جواري الملك الأشرف شعبان على الأمراء‏.‏ ثم أستقر في خامس المحرم من سنة تسع وسبعين وسبعمائة الأمير قرطاي الطازي أتابكا بعد موت طشتمر اللفاف وأخلع عليه بعد أيام بنظر البيمارستان المنصوري‏.‏
وأخلع على الأمير مبارك الطازي واستقر رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن قرطاي المذكور‏.ثم بعد ذلك بمدة يسيرة استقر الأمير أينبك البدري الأمير آخور الكبير في نظر البيمارستان عوضًا عن قرطاي برغبة قرطاي عنه‏.‏
وأستقر سودون جركس أستادارًا‏.‏

ثم في العشرين من المحرم خلع على الأمير سودون الفخري الشيخوني وبلوط الصرغتمشي واستقرا حاجبين بالديار المصرية‏.‏
ثم في صفر حضر الأمير يلبغا الناصري إلى القاهرة وكان قد نفي إلى بلاد الشام بعد قتل السلطان الأشرف فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه‏.‏ وكانوا أيضًا قبل تاريخه قد عزلوا الأمير منكلي بغا الأحمدي عن نيابة طرابلس وتمرباي نائب صفد عن نيابة صفد فجاء الخبر بأن منكلي بغا حل سيفه وأطاع وأن تمرباي عصى وامتنع بصفد فخلع على الأمير أرغون الإسعردي ثانيًا بنيابة طرابلس عوضًا عن منكلي بغا المذكور وتولى نيابة حماة تمراز الطازي‏.‏
ثم في هذه الأيام بدت الوحشة بين قرطاي الطازي الأتابك وبين صهره أينبك البدري الأمير آخور الكبير في الباطن كل ذلك في هذه المدة اليسيرة وصار كل واحد يدبر على الأخر مع أصحابه وحواشيه‏.‏
فلما كان يوم الأحد العشرون من صفر عمل الأمير الأتابك قرطاي وليمة فأهدى له أينبك مشروبًا يقال له الششش وعمل فيه بنجًا فلما شربه قرطاي تبنج وكان لأينبك عند قرطاي عيون فأخبروه أنه تبنج فركب أينبك من وقته بالسلاح ومعه جماعة كبيرة ملبسين وأنزل السلطان الملك المنصور عليًا إلى الإسطبل السلطاني ودقت الكوسات فجاءت الأمراء إلى السلطان وأقام أينبك راكبًا من عصر يوم الأحد إلى صبيحة يوم الاثنين وسببه أنه كان عند قرطاي في بيته جماعة من الأمراء من أصحابه‏:‏ منهم سودون جركس وأسندمر الصرغتمشي وقطلوبغا البدري وقطلوبغا جركس أمير سلاح ومبارك الطازي رأس نوبة كبير وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات فركبوا الجميع ومنعوا أينبك من الوصول إلى قرطاي وحموه إلى أن استفاق قرطاي من بنجه وقد ضعف أمر أصحابه وقوي أمر أينبك‏.‏ فبعث قرطاي يسأل أينبك أن ينعم عليه بنيابة حلب ويرسل إليه منديل الأمان فأجابه أينبك إلى ذلك‏.‏ فخرج قرطاي من وقته إلى سرياقوس‏.‏
وقبض أينبك على من كان عند قرطاي من الأمراء فإنهم كانوا قاتلوه وأبادوه من أخذ قرطاي وقيدهم وأرسلهم إلى الإسكندرية فسجنوا بها‏.‏ ورسم للأمير آقتمر الصاحبي نائب السلطنة بمصر بنيابة دمشق عوضًا عن طشتمر العلائي الدوادار فلبس آقتمر الخلعة وخرج من وقته‏.‏ ونودي بالقاهرة ومصر في الوقت بالأمان ومن كان له ظلامة فعليه بباب المقر الأشرف العزي الأتابك أينبك البدري‏.‏
وسافر قرطاي فلما وصل إلى غزة نفي إلى طرابلس ثم حمل منها إلى المرقب فحبس به‏.‏ ثم خنق بعد مدة يسيرة‏.‏
وصفا الوقت لأينبك فأخلع السلطان عليه خلعة سنية في خامس عشرين شهر صفر باستقراره أتابك العساكر ومدبر الممالك‏.‏
وخلع على الأمير آقتمر عبد الغني واستقر نائب السلطنة بالديار المصرية عوضًا عن الأمير آقتمر الصاحبي المنتقل إلى نيابة دمشق‏.‏ وكلاهما قديم هجرة من أكابر الأمراء المشايخ‏.‏
استقر الأمير بهادر الجمالي أستادارًا عوضًا عن سودون جركس‏.‏ واستقر بلاط السيفي ألجاي أمير سلاح عوضًا عن قطلوبغا جركس‏.‏ واستقر ألطنبغا السلطاني أمير مجلس‏.‏ واستقر دمرداش اليوسفي رأس نوبة كبيرًا‏.‏ وأنعم على يلبغا الناصري بإمرة مائة وتقدمة ألف واستقر رأس نوبة ثانيًا‏.‏ ويلبغا الناصري هذا هو صاحب الوقعة المشهورة مع السلطان الملك الظاهر برقوق وإلى الآن برقرق لم يتأمر عشرة‏.‏ ثم أنعم على أطلمش الأرغوني بإمرة طبلخاناه واستقر دوادارًا كبيرًا عوضًا عن إياس الصرغتمشي‏.‏ وأخلع على قطلوخجا واستقر أمير آخور كبيرًا عوضًا عن أخيه أينبك البدري‏.‏ وصار الأمر في المملكة لأينبك البدري وحده من غير منازع‏.‏ وأخذ أينبك في المملكة وأعطى وحكم بما اختاره وأراده‏.‏ فمن ذلك أنه في رابع شهر ربيع الأول رسم بنفي الخليفة المتوكل على الله تعالى إلى مدينة قوص فخرج المتوكل على الله ثم شفع فيه فعاد إلى بيته‏.‏
ومن الغد طلب أينبك نجم الدين زكريا بن إبراهيم ابن الخلفية الحاكم بأمر الله وخلع عليه واستقر به في الخلافة عوضًا عن المتوكل على الله من غير مبايعة ولا خلع المتوكل من الخلافة نفسه ولقب زكرياء المذكور بالمعتصم بالله‏.‏
ثم في العشرين من شهر ربيع الأول المذكور تكلم الأمراء مع أينبك فيما فعله مع الخليفة ورغبوه في إعادته فطلبه وأخلع عليه على عادته بالخلافة وعزل زكرياء‏.‏ ومن الناس من لم يثبت خلافة زكريا المذكور فإنه لم يخلع المتوكل نفسه من الخلافة حتى يبايع زكريا المذكور‏.‏ ثم بدا لأينبك أن يسكن جماعة من مماليكه بمدرسة السلطان حسن وبمدرسة الملك الأشرف شعبان ويجعل في كل مدرسة مائة مملوك‏.‏ ثم أعطى أينبك لولديه تقدمتي ألف وهما الأمير أحمد وأبو بكر‏.‏ ثم نفى أرغون العثماني إلى الشام بطالًا‏.‏
وخلع على فقبل الدوادار الطواشي الرومي واستقر زمامًا بالآدر الشريفة عوضًا عن مثقال الجمالي‏.‏ ثم خلع على بهادر الجمالي الأستادار واستقر في نظر البيمارستان المنصوري‏.‏ وبينما أينبك في أمره ونهيه ورد عليه الخبر بعصيان نواب الشام‏.‏ ففي الحال علق أينبك جاليش السفر في تاسع عشر شهر ربيع الأول المذكور ورسم للعساكر بالتجهيز إلى سفر الشام‏.‏ وأسرع بالنفقة على العساكر وتجهز في أسرع وقت‏.‏ وخرج الجاليش من القاهرة إلى الريدانية في سادس عشرين شهر ربيع الأول المذكور وهم خمسة من أمراء الألوف أولهم‏:‏ قطلوخجا الأمير آخور الكبير أخو أينبك الأتابك وأحمد ولده ويلبغا الناصري والأمير بلاط السيفي ألجاي وتمر باي الحسني‏.‏
ومن الطبلخانات‏:‏ بوري الأحمدي وآقبغا آص الشيخوني في آخرين ومائة مملوك من المماليك السلطانية ومائة مملوك من مماليك الأتابك أينبك‏.‏

وفي تاسع عشرين شهر ربيع الأول المذكور من سنة تسع وسبعين وسبعمائة خرج طلب السلطان الملك المنصور وطلب الأتابك أينبك البدري وأطلاب بقية العساكر من الأمراء وغيرهم إلى الريدانية فأقاموا بالريدانية إلى يوم السبت مستهل شهر ربيع الآخر‏.‏
ثم استقلوا بالمسير قاصدين البلاد الشامية وساروا حتى وصلوا بلبيس ثم رجعوا على أعقابهم بالعساكر إلى جهة الديار المصرية‏.‏
وخبر ذلك أن قطلوخجا أخا أينبك مقدم الجاليش بلغه أن الجماعة الذين معه مخامرون وأنهم أرادوا أن يكبسوا عليه‏.‏ فاستقص الخبر حتى تحققه فركب من وقته وساعته وهرب في الحال وهو في ثلاثة أنفس عائدًا إلى أخيه أينبك فاجتمع به وعرفه الخبر‏.‏
ففي الحال أخذ أينبك السلطان ورجع به إلى نحو القاهرة حتى وصلها في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر وطلع به إلى قلعة الجبل وأنزل الأتابك أينبك السلطان الملك المنصور إلى الإسطبل السلطاني وجاءه بعض أمراء من أصحابه‏.‏ ثم أخذ أينبك في إصلاح أمره‏.‏ وبينما هو في فلك بلغه أن الأمير قطلقتمر العلائي الطويل والأمير ألطنبغا السلطاني وكانا رجعا معه من بلبيس ركبا بجماعتهما في نصف الليل ومعهما عدة من الأمراء وسائر المماليك السلطانية وخرج الجميع إلى قبة النصر موافقة لمن كان من الأمراء بالجاليش المقدم ذكره‏.‏
فجهز أينبك الأمير قطلوخجا في مائتي مملوك لقتال هؤلاء فخرج بهم قطلوخجا إلى قبة النصر فتلقاه القوم وحملوا عليه فاكسر ومسك فلما بلغ أينبك ذلك جهز الأمراء الذين كانوا بقلعة الجبل وأرسلهم إلى قبة النصر وهم‏:‏ آقتمر من عبد الغني نائب السلطنة وأيدمر الشمسي وبهادر الجمالي الأستادار ومبارك الطازي‏.‏
هذا وقد ضعف أمر أينبك المذكور وخارت قواه فإنه بلغه أن جميع العساكر اتفقت على مخالفته حتى إنه لم يعلم من هو القائم بهذا الأمر لكثرة من خرج عليه‏.‏ فلما رأى أمره في إدبار ركب فرسه ونزل من الإسطبل لسلطاني من غير قتال وهرب إلى ناحية كيمان مصر‏.‏ فتبعه أيدمر الخطائي وجماعة من العسكر فلم يقف له أحد على أثر‏.‏
كل هذا وإلى الآن لم يجتمع مع بالجاليش مع من هو بقبة النصر من الأمراء غير أن الفتنة قائمة على ساق والغوغاء ثائرة والسعد قد زال عنه من غير تدبير ولا عمل‏.‏ واختفى أينبك بتلك الجهة ثم وجدوا فرسه وقباءه ولبسه‏.‏
ولما استولت الأمراء على القلعة - على ما سنحكيه إن شاء الله تعالى بعد أن نذكر قتلة أينبك المذكور - ألزموا والي القاهرة ومصر بإحضاره فنودي عليه بالقاهرة ومصر وهدد من أخفاه بأنواع النكال فخاف كل أحد على نفسه من تقريبه‏.‏
فلم يجد أينبك بدًا من طلب الأمان من الأمير يلبغا الناصري الآتي ذكره فأمنه بعد مدة فطلع أينبك إليه‏.‏ فحال وقع بصر القوم عليه قبضوه وأرسلوه مقيدًا إلى سجن الإسكندرية وكان ذلك آخر العهد به كما سيأتي ذكره بعد استيلاء الأمراء على القلعة‏.‏
قلت‏:‏ وكما تدين تدان‏.‏ وما من ظالم إلا سيبلى بظالم‏.‏
وفي أينبك هذا يقول الأديب شهاب الدين بن العطار‏:‏ المنسرح من بعد عز قد ذل أينبكا وانحط بعد السمو من فتكا وراح يبكي الدماء منفردا والناس لا يعرفون أين بكى وأما الأمراء فإنهم لما بلغهم هروب أينبك من قلعة الجبل ركبوا الجميع من قبة النصر وطلعوا إلى الإسطبل السلطاني من القلعة وصار المتحدث فيهم قطلقتمر العلائي الطويل وضرب رنكه على إسطبل شيخون بالرميلة تجاه باب السلسلة وأقام ذلك اليوم متحدثًا فأشار عليه من عنده من أصحابه أن يسلطن سلطانًا كبيرًا يرجع الناس إلى أمره ونهيه فلم يفعله وقال‏:‏ حتى يأتي إخواننا يعني الأمراء الذين كانوا بالجاليش مع قطلوبغا وهم الذين ذكرناهم فيما تقدم عند خروج الجاليش ومعهم من الأمراء الطبلخانات والعشرات جماعة منهم‏:‏ برقوق العثماني اليلبغاوي وبركة الجوباني اليلبغاوي‏.‏
وكان أينبك قد أنعم على كل واحد منهما بإمرة طبلخاناه بعد واقعة قرطاي دفعة واحدة من الجندية قبل خروج السفر بأيام قليلة‏.‏
وهذا أول ظهور برقوق وبركة في الدول‏.‏ ثم حضرت الأمراء الذين كانوا بالجاليش إلى الإسطبل السلطاني وهم جمع كبير ممن أنشأه أينبك وغيرهم وتكلموا فيمن يكون إليه تدبير الملك واشتوروا في ذلك فاختلفوا في الكلام‏.‏
وظهر للقادمين الغدر ممن كان بالإسطبل السلطاني ممن ذكرناه فقبضوا على جماعة منهم وهم‏:‏ قطلقتمر العلائي الطويل المذكور الذي كان دبر الأمر لنفسه وألطنبغا السلطاني ومبارك الطازي في آخرين وقيدوا الجميع وأرسلوا إلى الإسكندرية صحبة جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب‏.‏ واتفقوا على أن يكون المتكلم في المملكة الأمير يلبغا الناصري فصار هو المتحدث في أحوال الملك وسكن الإسطبل السلطاني وأرسل بإحضار الأمير طشتمر العلائي الدوادار نائب الشام‏.‏
ثم في يوم الأحد تاسع شهر ربيع الآخر لما تزايد الفحص على أينبك حضر أينبك بنفسه إلى عند الأمير بلاط فطلع به بلاط إلى يلبغا الناصري بعد أن أخذ له منه الأمان حسب ما تقدم ذكره‏.‏ ولم تطل أيام يلبغا الناصري في التحدث وظهر منه لين جنب‏.‏
فاتفق برقوق وبركة - وهما حينذاك من أمراء الطبلخانات لهما فيها دون الشهرين - مع جماعة أخر وركبوا في سادس عشر شهر ربيع الآخر المذكور وركبت معهم خشداشيتهم من المماليك اليلبغاوية ومسكوا دمرداش اليوسفي وتمرباي الحسني وآقبغا آص الشيخوني وقطلوبغا الشعباني ودمرداش التمان تمري المعلم وأسندمر العثماني وأسنبغا تلكي وقيدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية فسجنوا بها‏.‏
وقد أضربنا عن أشياء كثيرة من وقائع هذه الأيام لاختلاف نقول الناس فيها لأن غالب من وثب وأثار الفتنة من واقعة الملك الأشرف شعبان إلى هذه الأيام كان فيما قيل في العام الماضي إما جنديًا وإما أمير عشرة لا يعرف من أحواله إلا القليل‏.‏
وأيضًا لم يكن في هذه الواقعة رجل عظيم له شأن قام بأمر وتبعته الناس بل كل واقعة من هؤلاء تكون فيها جماعة كبيرة كل منهم يقول‏:‏ أنا ذاك ولهذا اختلفت النقول‏.‏
ولنشرع الآن في سياق ما وقع في أيام الملك المنصور إلى أن يتوفى إلى رحمة الله تعالى فنقول‏:‏ ثم في النهار المذكور - أعني اليوم الذي مسك فيه الأمراء - قبض أيضًا على الطواشي مختار الحسامي مقدم المماليك السلطانية وحبس بالبرج من القلعة ثم أفرج عنه بعد أيام قلائل وأعيد إلى تقدمة المماليك على عادته‏.‏
ثم بعد مدة يسيرة استقر برقوق العثماني اليلبغاوي أمير آخور كبيرًا دفعة واحدة وسكن بالإسطبل السلطاني وأنزل معه الأمير يلبغا الناصري‏.‏ واستقر الأمير زين الدين بركة الجوباني اليلبغاوي أمير مجلس‏.‏
ثم حضر الأمير طشتمر الدوادار نائب الشام إلى الديار المصرية بطلب من يلبغا الناصري لما كان متحدثًا في أمور المملكة فخرج السلطان الملك المنصور وسائر الأمراء لتلقيه إلى الريدانية خارج القاهرة‏.‏ فلما رأى السلطان نزل عن فرسه وقبل الأرض بين يديه وبكى وطلع في خدمة السلطان إلى القلعة وخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية‏.‏
وحضر مع طشتمر من الشام الأمير تمرباي التمرتاشي والأمير تغري برمش وسودون الشيخوني - وكان أينبك قد نقله إلى الشأم - والأمير طقطمش‏.‏
ونزل طشتمر إلى بيت شيخون بالرميلة وسكن به ليحكم بين فلما كان في ثالث جمادى الأولى أمر طشتمر أن ينادى بالقاهرة ومصر من كان له ظلامة فعليه بباب المقر الأشرف طشتمر العلائي‏.‏
ثم في خامس جمادى الأولى المذكور أخلع السلطان على تمر باي التمرداشي باستقراره رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن دمرداش اليوسفي‏.‏ وخلع على برقوق العثماني باستمراره على وظيفة الأمير آخورية وعلى بركة الجوباني باستمراره في إمرة مجلس‏.وأنعم على الأمير أطلمش الأرغوني بتقدمة ألف واستقر دوادارًا كبيرًا‏.‏
واستقر يلبغا المنجكي شادًا لشراب خاناه‏.‏ ورسم للأمير بلاط أمير سلاح أن يجلس بالإيوان‏.‏ ثم استقر دينار الطواشي الناصري لالا السلطان الملك المنصور عوضًا عن مقبل الكلبكي بحكم نفيه‏.‏ وفي سلخ جمادى الآخرة عزل الأمير آقتمر عبد الغني من نيابة السلطنة بديار مصر‏.‏ ثم استقر الأمير تغري برمش حاجب الحجاب بالقاهرة‏.‏ واستقر أمير علي ابن قشتمر حاجبًا ثانيًا بإمرة مائة وتقدمة ألف ويقال له‏:‏ حاجب ميسرة‏.‏ ثم في يوم الأحد ثاني شهر رجب توجه الأمير أيتمش البجاسي إلى الإسكندرية بالإفراج عن جميع من بها من الأمراء المسجونين خلا أربعة أنفس‏:‏ أينبك وأخوه قطلوخجا وأسندمر الصرغتمشي وقيل جركس الجاولي الرابع وأن أينبك كان قتل‏.‏
فلما أحضروا الأمراء من ثم ولي الأمير بيدمر الخوارزمي نيابة الشام بعد موت الأمير آقتمر الصاحبي الحنبلي‏.‏ وكان آقتمر أحد من نفي من أكابر الأمراء المشايخ‏.‏ وأخلع على مبارك شاه المشطوب بنيابة غزة‏.‏ وفي مستهل شعبان استقر قطلقتمر العلائي نائب ثغر الإسكندرية عوضًا عن خليل بن عرام‏.‏ ثم نفي بيبغا الطويل العلائي أحد أمراء الطبلخانات إلى الشام بطالًا‏.‏ ثم نقل الأمير منكلي بغا الأحمدي البلدي من نيابة طرابلس عوضًا عن أرغون الإسعردي ونقل أرغون الإسعردي إلى نيابة حماة عوضه لأمر اقتضى ذلك‏.‏ ونقل الأمير آقبغا الجوهري حاجب حجاب طرابلس إلى نيابة غزة عوضًا عن مبارك العلائي‏.‏
ونقل مبارك العلائي عوضه في حجوبية طرابلس‏.‏ ثم أخلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام المعزول عن نيابة إسكندرية باستقراره وزيرًا بالديار المصرية عوضًا عن القاضي كريم الدين بن الرويهب‏.‏
وقبض على ابن الرويهب وصودر‏.‏ وفي شوال توجه بلاط أمير سلاح إلى مرابط خيله بالجيزة ليتنزه هناك فأرسل إليه خلعة بنيابة طرابلس فأجاب وخرج من القاهرة فرسم له بأن يتوجه إلى القدس بطالًا واستقر عوضه يلبغا الناصري أمير سلاح‏.‏
وأخلع على إينال اليوسفي اليلبغاوي واستقر رأس نوبة ثانيًا بتقدمة ألف عوضًا عن يلبغا الناصري المذكور‏.‏ وأخلع على القاضي بدر الدين محمد ابن القاضي بهاء الدين أبى البقاء السبكي الشافعي قاضي قضاة الديار المصرية عوضًا عن قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة بحكم توجهه إلى القدس بحسب سؤاله على ذلك‏.‏
ولما صار الأمر للأتابك طشتمر العلائي الدوادار أخذ في تنفيذ الأمور على القواعد فعظم ذلك على برقوق واتفق مع بركة الجوباني خجداشه ومع جماعة أخر على الركوب على طشتمر‏.‏ فلما كان ليلة تاسع ذي الحجة من سنة تسع وسبعين المذكورة ركب برقوق العثماني وخجداشه بركة الجوباني بمن وافقهما من الأمراء وغيرهم وأنزلوا السلطان الملك المنصور بكرة النهار وهو يوم عرفة ودقت الكوسات‏.‏
وقصد برقوق مسك طشتمر الأتابك فركبت مماليك طشتمر وخرجوا إليهم وتقاتلوا معهم قتالًا عظيمًا حتى تكاثر جمع برقوق وبركة وقوي أمرهم فحينئذ انكسرت مماليك طشتمر‏.‏ وأرسل طشتمر يطلب الأمان فأرسل السلطان إليه منديل الأمان فطلع إلى القلعة فمسك في الحال هو والأمير أطلمش الأرغوني الدوادار وأمير حاج بن مغلطاي ودوادار الأمير طشتمر المذكور وأرسل الجميع إلى سجن الإسكندرية فاعتقلوا بها‏.‏
ثم في يوم الاثنين ثالث عشر ذي الحجة استقر برقوق العثماني أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن طشتمر العلائي المقدم ذكره‏.‏ واستقر بركة الجوباني رأس نوبة كبيرًا أطابكًا - وهذه الوظيفة الآن مفقودة في زماننا - وسكن بركة في بيت قوصون تجاه باب السلسلة‏.‏
واستقر الأمير أيتمش البجاسي أمير آخور كبيرًا بتقدمة ألف عوضًا عن برقوق‏.‏
واستقر برقوق بسكنه بالإسطبل السلطاني‏.‏ وصار هؤلاء الثلاثة هم نظام الملك وإليهم العقد والحل وبرقوق كبيرهم الذي يرجع إليه والمعول على الاثنين‏:‏ برقوق وبركة حتى لهجت الناس بقولهم‏:‏ برقوق وبركة نصبا على الدنيا شبكة‏.‏
ثم بعد يومين مسك الأمير يلبغا الناصري أمير سلاح وأرسل إلى سجن الإسكندرية ومعه الأمير كشلي أحد أمراء الطبلخانات‏.‏
ثم أخرج يلبغا الناصري بعد مدة إلى نيابة طرابلس ويلبغا الناصري هذا هو صاحب الوقعة مع برقوق الآتي ذكرها في سلطنته إن شاء الله تعالى‏.‏ ثم في العشرين من ذي الحجة خلع على الأمير إينال اليوسفي واستقر أمير سلاح عوضًا عن يلبغا الناصري‏.‏
ثم في مستهل شهر المحرم سنة ثمانين وسبعمائة أنعم على آقتمر العثماني بتقدمة ألف واستقر دوادارًا كبيرًا عوضًا عن أطلمش الأرغوني‏.‏ ثم بعد أيام قبض على صراي تمر نائب صفد وسجن بالكرك وأستقر عوضه في نيابة صفد آقبغا الجوهري نائب غزة واستقر عوضه في نيابة غزة مبارك شاه‏.‏
ثم في سادس صفر تولى كريم الدين عبد الكريم بن مكانس الوزر والخاص معًا ووكالة بيت المال ونظر الدواوين‏.‏
ثم استقر برقوق بالأمير منكلي بغا الأحمدي البلدي نائب طرابلس في نيابة حلب عوضًا عن إشقتمر المارديني بحكم عزله بالقبض عليه بمدينة بلبيس وسجنه بالإسكندرية‏.‏ وقد قدمنا أن إشقتمر هذا كان ممن ولي الأعمال الجليلة من سلطنة السلطان حسن وبرقوق يوم ذاك من صغار مماليك يلبغا العمري‏.‏ انتهى‏.‏
ثم أخرج برقوق يلبغا الناصري وولاه نيابة طرابلس عوضًا عن منكلي بغا الأحمدي البلدي المنتقل إلى نيابة حلب‏.‏ ثم بعد مدة يسيرة قبض على منكلي بغا المذكور واعتقل بقلعة حلب وتولى حلب عوضه الأمير تمرباي الأفضلي التمرداشي‏.‏
ثم رسم بالإفراج عن إشتقمر المارديني من سجن الإسكندرية وأن يتوجه إلى القدس بطالًا‏.‏ ثم في هذه الأيام رسم بعزل الأمير بيدمر الخوارزمي عن نيابة الشام بالأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي‏.‏
قلت‏:‏ وبيدمر هذا أيضًا ممن ولي نيابة طرابلس في أيام يلبغا العمري وغيرها من الأعمال‏.‏ وحضر بيدمر إلى القاهرة وقبض عليه واعتقل بسجن الإسكندرية‏.‏
ثم استقر الأمير قرا دمرداش الجوباني اليلبغاوي رأس نوبة ثانيًا بتقدمة ألف وهذه الوظيفة هي الآن وظيفة رأس نوبة النوب‏.‏
واستقر الأمير بزلار العمري الناصري نائب إسكندرية عوضًا عن الأمير قطلقتمر بتقدمة ألف‏.‏ واستقر منكلي بغا الطرخاني نائب الكرك عوضًا عن تمراز الطازي‏.‏
وأستقر خليل بن عرام المعزول عن نيابة إسكندرية وعن الوزر - وهو يومئذ من جملة أمراء الألوف - أستادار بركة الجوباني وهذا شيء لم يسمع بمثله كون أمير مائة ومقدم ألف يكون أستدارًا عند بعض أعيان الأمراء فهذا شيء عجيب‏.‏ ثم استقر الأمير بركة الجوباني ناظر الأوقاف الحكمية جميعها وجعل نائبه في النظر جمال الدين محمود العجمي الحنفي‏.‏
ثم استعفى الأمير تغري برمش من الإمرة والحجوبية الكبرى بديار مصر فأعفي فاستقر عوضه الأمير مأمور القلمطاوي اليلبغاري أمير مائة ومقدم ألف وحاجب الحجاب‏.‏
وفي هذه الأيام اتفق جماعة على قتل الأتابك برقوق العثماني ففطن بهم فمسك منهم جماعة منهم طشبغا الخاصكي وآقبغا بشمقدار ألجاي وآقبغا أمير آخور الجاي في آخرين تقدير أربعين نفسًا فنفى برقوق بعضهم وحبس البعض‏.‏
ثم أمسك برقوق ألطنبغا شادي وجماعة من مماليك ألجاي اليوسفي ثم أمسك بعد ذلك بمدة سبعة عشر أميرًا وقيدهم وأرسلهم إلى الإسكندرية‏.‏ ثم في حادي عشرين شهر ربيع الأول سفر برقوق آقبغا البشمقدار ومعه أحد عشر مملوكًا من المماليك السلطانية وعشرين من مماليك طشتمر الدوادار لكلام صدر منهم في حق برقوق‏.‏
وفي أول هذه السنة - أعني سنة ثمانين - كان الحريق العظيم بديار مصر بظاهر باب زويلة‏:‏ احترق فيه الفاكهيون أو النقليون والبراذعيون وعمل الحريق إلى سور القاهرة‏.‏
فركب الأمير بركة والأمير أيتمش والأمير قرا دمرداش الأحمدي وجماعة كبيرة من الأمراء والحكام حتى قدروا على طفيه بعد أيام‏.‏ واستمر موضع الحريق خرابًا من أول هذه السنة إلى آخرها‏.‏ ثم في سادس عشرين ذي القعدة اجتمع الأمراء والقضاة عند الأتابك برقوق وقالوا‏:‏ إن العساكر قلت في الإسلام ونريد أن نحل الأوقاف المحدثة بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون فمنعهم الشيخ سراج الدين البلقني من ذلك فلم يسمعوا له وحلوا أوقاف الناس وجعلوها إقطاعات وفرقوها‏.‏
وفي مستهل شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وثمانين وسبعمائة طلب اشقتمر المارديني من القدس إلى القاهرة فحضر في أول جمادى الأولى وتولى نيابة حلب بعد عزل تمرباي الأفضلي التمرداشي‏.‏ ولما حضر اشقتمر إلى القاهرة تلقاه الأتابك برقوق والأمير بركة إلى الحوض التحتاني من الريدانية وترجلا له عن خيولهما وأنزله برقوق عنده وخدمه أتم خدمة‏.‏
ثم عزل الأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي عن نيابة دمشق وتولى عوضه بيدمر الخوارزمي على عادته وكان بيدمر معتقلًا بالإسكندرية‏.‏ وخبر هذه الواقعة أنه لما كان في يوم رابع عشرين شعبان ركب الأتابك برقوق من الإسطبل السلطاني في حواشيه ومماليكه للتسيير على عادته وكان الأمير بركة الجوباني مسافرًا بالبحيرة للصيد فلما بلغ إينال اليوسفي أمير سلاح ركوب برقوق من الإسطبل السلطاني انتهز الفرصة لركوب برقوق وغيبة بركة وركب بمماليكه وهجم الإسطبل السلطاني وملكه ومسك الأمير جركس الخليلي‏.‏
وكان مع إينال المذكور جماعة من الأمراء‏:‏ منهم سودون جركس المنجكي أمير آخور والأمير صصلان الجمالي وسودون النوروزي وجمق الناصري وقماري وجماعة أخر‏.‏ ولما طلع إينال إلى باب السلسلة وملكها أرسل الأمير قماري لينزل بالسلطان الملك المنصور إلى الإسطبل فأبى السلطان من نزوله ومنعه‏.‏
ثم كبس إينال زردخاناه برقوق وأخرج منها اللبوس وآلة الحرب وأخذ مماليك برقوق الذين كانوا وافقوه وألبسهم السلاح وأوقفهم معه وأوعدهم بمال كبير وإمريات‏.‏ وبلغ برقوقًا الخبر فعاد مسرعًا وجاء إلى بيت الأمير أيتمش البجاسي بالقرب من باب الوزير وألبس مماليكه هناك وجاءه جماعة من أصحابه فطلع بالجميع إلى تحت القلعة وواقعوا إينال اليوسفي‏.‏
وأرسل برقوق الأمير قرط في جماعة إلى باب السلسلة الذي من جهة باب المدرج فأحرقه ثم تسلق قرط المذكور من عند باب سر قلعة الجبل ونزل ففتح لأصحابه الباب المتصل إلى الإسطبل السلطاني فدخلت أصحاب برقوق منه وقاتلت إينال وصار برقوق بمن معه يقاتل من الرميلة فانكسر إينال ونزل إلى بيته جريحًا من سهم أصابه في رقبته من بعض مماليك برقوق‏.‏
وطلع برقوق إلى الإسطبل وملكه وأرسل إلى إينال من أحضره فلما حضر قبض عليه وحبسه بالزردخاناه وقرره بالليل فأقر أنه ما كان قصده إلا مسك بركة لا غير‏.‏ ثم أن برقوق مسك جماعة من الأمراء وغيرهم من أصحاب إينال اليوسفي ما خلا سودون النوروزي‏.‏
جمق الناصري وشخصًا جنديًا يسمى أزبك - كان يدعي أنه من أقارب برقوق‏.‏ ثم حمل إينال في تلك الليلة إلى سجن الإسكندرية ومعه سودون جركس‏.‏
ثم أخذ برقوق في القبض على مماليك إينال اليوسفي ونودي عليهم بالقاهرة ومصر‏.‏ وفي هذه الواقعة يقول الأديب شهاب الدين أحمد ابن العطار‏:‏ الرجز ما بال إينال اتى في مثل هذي الحركه مع علمه بأنها خالية من بركه وله أيضًا - عفا الله عنه‏:‏ السريع قد ألبس الله برقوق المهابة في نهار الاثنين من نصر وتمكين وراح إينال مع سودون وانكسرا وكان يومًا عسيرًا يوم الاثنين وله - عفا الله عنه‏:‏ الوافر ومد لأخذ برقوق يديه ولم يعلم بأن الخوخ أسفل ثم في الثامن والعشرين من شعبان حضر الأمير بركة من السرحة فركب الأتابك برقوق وتلقاه من السحر وأعلمه بما وقع من إينال اليوسفي في حقه‏.‏
ثم اتفقا على طلب الأمير يلبغا الناصري من نيابة طرابلس فحضر وأنعم عليه باقطاع إينال اليوسفي ووظيفته إمرة سلاح وكانت وظيفة يلبغا قبل إينال‏.‏ وتولى مكانه في نيابة طرابلس منكلي بغا الأحمدي البلدي‏.‏ ثم استقر بلوط الصرغتمشي في نيابة الإسكندرية بعد عزل بزلار عنها ونفيه إلى الشام بطالًا‏.‏ ثم نقل حطط من نيابة أبلستين إلى نيابة حماة عوضًا عن أرغون الإسعردي‏.‏ ثم استقر قرط في نيابة الوجه القبلي إلى أسوان‏.‏
ثم أمسك برقوق مثقال الجمالي الزمام وسأله عن ذخائر الملك الأشرف شعبان فأنكر ففرض عليه العقوبة فأقر بصندوق داخل الدار السلطانية فأرسله ومعه خادمان فأتى بالصندوق وفيه ثلاثون ألف دينار‏.‏
ثم قرره فأخرج من قاعة المجدي ذخيرة فيها خمسة عشر ألف دينار وبرنية فيها فصوص منها فص عين هر زنته ستة عشر درهمًا‏.‏  بعده إلى الأمير بركة فعصره فلم يعترف بشيء‏.‏
ثم وجدوا عند دادة الملك الأشرف أوراقًا فيها دفتر بخط الملك الأشرف فيه كل شيء ادخره مفصلًا فوجدوا الذخائر كلها قد أخذت ولم يتأخر إلا عند طشتمر الدوادار ذخيرة فيها خمسة عشر ألف دينار وعلبة فصوص وعلبة لؤلؤ وما وجدوا في ذلك اسم مثقال المذكور فأفرج عنه‏.‏ وفي هذه السنة وجه الأمير بركة دواداره سودون باشا إلى الحجاز الشريف لإجراء الماء إلى عرفة‏.‏
وكان في أوائل هذه السنة برز المرسوم الشريف بأن يعمل على قنطرة فم الخور التي عند موردة الجبس سلسلة تمنع المراكب من الدخول إلى الخليج وإلى بركة الرطلي فعمل شعراء العصر في ذلك أبياتًا منها قول بدر الدين ابن الشامية أحد صوفية الخانقاة الركنية بيبرس‏:‏ البسيط يا سادة فعلهم جميل وما لهم في الورى وحاشه سلسلتم البحر لا لذنب وأرسلتمو للحجاز باشه قلت‏:‏ لم تصح التورية معه في قوله باشه لعدم معرفته باللغة التركية لأن اسم باشا بالتفخيم والألف وباشه مرققة وفي آخرها هاء وبينهما بون في اللفظ‏.‏
وكثير مثل هذا يقع للشعراء من أولاد العرب فيأخذون المعاني الصالحة فيجعلونها هجوًا مثل لفظة نكريش وغيرها لأن نكريش باللغة العجمية معناه‏:‏ جيد اللحية فاستعملوها الشعراء في باب الهجو وكثير مثل هذا‏.‏ وقد أوضحنا ذلك في مصنف بينا فيه تحاريف أولاد العرب في الأسماء التركية وغيرها‏.‏

يا سلام سلم الحيطة بتتكلم‏.‏
وقال الأديب عبد العال البغدادي في المعنى‏:‏ مخلع البسيط من رام من دهرنا عجيبًا فلينظر المطلق المسلسل وقال غيره‏:‏ مخلع البسيط قد أطلقوا البحر من فسوق مذ سلسلوا منه خير جدول ورق قلب الهوى عليه فحبذا نهره المسلسل وفي هذه السنة كانت بالديار المصرية واقعة غريبة من كلام الحائط‏.‏
وخبره أن في أوائل شهر رجب من هذه السنة ظهر كلام شخص من حائط في بيت العدل شهاب الدين أحمد الفيشي الحنفي بالقرب من الجامع الأزهر فصار كل من يأتي إلى الحائط المذكور ويسأله عن شيء يرد عليه الجواب ويكلمه بكلام فصيح فجاءته الناس أفواجًا وترددت إلى الحائط المذكور أكابر الدولة وتكلموا معه‏.‏
وافتتن الناس بذلك المكان وتركوا معايشهم وازدحموا على الدار المذكورة‏.‏ وأكثر أرباب العقول الفحص عن ذلك فلم يقفوا له على خبر وتحير الناس في هذا الأمر العجيب إلى أن حضر إلى البيت المذكور القاضي جمال الدين محمود القيصري العجمي محتسب القاهرة ويحص عن أمره بكل ما يمكن القدرة إليه حتى إنه أخرب بعض الحائط فلم يؤثر ذلك شيئًا واستمر الكلام في كل يوم إلى ثالث شعبان وقد كادت العامة أن تتعبد بالمكان المذكور‏.‏ وأكثروا من قولهم‏:‏ يا سلام سلم الحيطة بتتكلم‏.‏
وخاف أهل الدولة من إفساد الحال وقد أعياهم أمر ذلك حتى ظهر أن الذي كان يتكلم هي زوجة صاحب المنزل فأعلم بذلك الأتابك برقوق فاستدعى بها مع زوجها فحضرا فأنكرت المرأة فضربها فأقرت‏.‏
فأمر بتسميرها وتسمير شخص آخر معها يسمى عمر وهو الذي كان يجمع الناس إليها بعد أن ضرب برقوق الزوج وعمر المذكور بالمقارع وطيف بهما في مصر والقاهرة‏.‏ ثم أفرج عنهم بعد أن حبسوا مدة‏.‏
وفي ذلك يقول الشيخ شهاب الدين بن العطار‏:‏ البسيط يا ناطقًا من جدار وهو ليس يرى اظهر وإلا فهذا الفعل فتان لم تسمع الناس للحيطان ألسنة وإنما قيل للحيطان آذان وقال غيره‏:‏ البسيط قد حار في منزل الفيشي الورى عجبًا بناطق من جدار ظل مبديه وكلهم في حديد بارد ضربوا وصاحب البيت أثرى بالذي فيه

نقل الكلاب إلى الجيزة

وفي هذه السنة أمر الأمير بركة بنقل الكلاب إلى بر الجيزة وكانت قد كثرت إلى الغاية في الأزقة والشوارع وقرر على كل أمير شيئًا معينًا وعلى أصحاب الدكاكين على كل صاحب دكان كلبًا‏.‏ فتتبع الناس الكلاب حتى أبيع كل كلب بدرهم‏.‏ فأخذ بركة جميع الكلاب ونفاها إلى بر الجيزة‏.‏
يوم الأربعاء سابع صفر من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة

بداية الخلاف بين الأتابك برقوق وبين خجداشه بركة الجوباني‏.‏

وهو أن بركة أرسل يقول إلى برقوق في اليوم المذكور‏:‏ إن أيتمش البجاسي لابس آلة الحرب هو ومماليكه بإسطبله فأرسل برقوق إلى أيتمش في الحال فلم يجد الأمر صحيحًا‏.‏
ثم طلع أيتمش إلى برقوق وأقام عنده‏.‏ وترددت الرسل بين برقوق وبركة والذي كان الرسول بينهما العلامة أكمل الذين محمد الحنفي شيخ الشيوخ بالشيخونية - أراد بذلك إخماد الفتنة - والشيخ أمين الدين الحلواني‏.‏
ولا زالا بهما حتى أوقعا الصلح بينهما ورضي بركة على أيتمش البجاسي وخلع عليه قباء نخ عند نزوله إليه بأمر برقوق صحبة الشيخين المذكورين‏.‏
ثم فسد ما بينهما أيضا بعد اثني عشر يومًا في ليلة الجمعة تاسع عشر صفر وبات تلك الليلة كل أمير من أمراء مصر ملبسًا مماليكه في إسطبله‏.‏ وسببه أن بركة أراد أن يمسك جماعة من الأمراء ممن هو من ألزام برقوق فأصبح نهار الجمعة والأمراء لابسون السلاح‏.‏
ولما وقع ذلك طلب برقوق القضاة إلى القلعة ليرشد السلطان الملك المنصور وقاد لهم‏:‏ نرشد السلطان فيتكلم في أمور مملكته وأنكف أنا وغيري من التكلم‏.‏ وأنا مملوك من حملة مماليك السلطان فتكلم القضاة بينه وبين الأمير بركة وترددوا في الرسلية غير مرة إلى أن أذعن كل منهما إلى الصلح وتحالفا على ذلك واصطلحا‏.‏
وأصبحت الأمراء من الغد ركبوا إلى الميدان ولعبوا بالكرة وخلع بركة على أيتمش ثانيًا‏.‏ واستقر الصلح وخلع برقوق على القضاة الأربعة والتزم بركة أنه لا يتحدث في شيء من أمور المملكة البتة‏.‏
واستمر الأمراء على ذلك إلى يوم الاثنين سابع شهر ربيع الأول ركبت الأمراء وسيروا بناحية قبة النصر‏.‏ ورجعوا وطلع برقوق إلى الإسطبل السلطاني حيث سكنه وذهب بركة إلى بيته‏.‏
وكان برقوق قد ولد له ولد ذكر وعمل سماطًا للناس‏.‏ وطلع إليه الأمير صراي الرجبي الطويل وكان من إخوه بركة وقال لبرقوق‏:‏ إن بركة وحاشيته قد اتفقوا على قتلك‏:‏ إذا دخلت يوم الجمعة إلى الصلاة هجموا عليك وقتلوك فبقي برقوق متفكرًا في ذلك متحيرًا لا يشك فيما أخبره صراي لصحبته مع بركة‏.‏
وبينما برقوق في ذلك إذ طلع إليه الأمير قرادمرداش الأحمدي اليلبغاوي أمير مجلس وطبج المحمدي واقتمر العثماني الدوادار الكبير - وهم من أعيان أصحاب بركة - وهنؤوه بالولد وأكلوا السماط‏.‏ فلما فرغوا طلب برقوق الأمير جركس الخليلي ويونس الدوادار وأمرهما بمسك هؤلاء الثلاثة ومن معهم فمسكوا في الحال‏.‏
ثم أمر برقوق حواشيه بلبس السلاح فلبسوا‏.‏ ونزل بزلار الناصري من وقته غارة إلى مدرسة السلطان حسن مع مماليكه وطلع إليها وأغلق بابها وصعد إلى سطحها ومآذنها ورمى بالنشاب على بركة في إسطبله الملاصق للمدرسة المذكورة وهو بيت قوصون تجاه باب السلسلة‏.‏
فلما رأى بركة ذلك أمر مماليكه وأصحابه بلبس السلاح فلبسوا‏.‏ وناس برقوق في الحال للعادة تنهب بيت بركة فتجمعوا في الحال وأحرقوا بابه‏.‏ ولم يتمكن بركة من قتالهم من عظم الرمي عليه من أعلى سطوح المدرسة فخرج من بابه الذي بالشارع الأعظم المتصل إلى صليبة ابن طولون وخرج معه سائر أصحابه ومماليكه وترك ماله بالبيت ودخل من باب زويلة وأخذ والي القاهرة معه إلى باب الفتوح ففتحه له‏:‏ فإنه كان أغلق عند قيام الفتنة مع جملة أبواب القاهرة‏.‏
وسار بركة بمن معه من الأمراء والمماليك إلى قبة النصر خارج القاهرة فأقام بها ذلك اليوم في مخيمه ثم أخرج طائفة من عساكره إلى جهة القلعة فتوجهوا يريدون القلعة فندب برقوق لقتالهم جماعة في أصحابه فنزلوا إليهم وقاتلوهم قتالًا شديدًا قتل فيه من كل طائفة جماعة‏.‏ ثم رجعت كل طائفة إلى أميرها وباتوا تلك الليلة‏.‏
فلما أصبح نهار الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة ندب برقوق لقتال بركة الأمير علان الشعباني وأيتمش البجاسي وقرط الكاشف في جماعة كبيرة من الأمراء والمماليك وتوجهوا إلى قبة النصر فبرز لهم من أصحاب بركة الأمير يلبغا الناصري أمير سلاح بجماعة كبيرة والتقوا وتصادموا صدمة هائلة انكسر فيها يلبغا الناصري بمن معه وانهزم إلى جهة قبة النصر‏.‏
فلما رأى الأمير بركة انهزام عسكره ركب بنفسه وصدمهم صدمة صادقة وكان من الشجعان كسرهم فيها أقبح كسرة وتتبعهم إلى داخل الترب ثم عاد إلى مخيمه‏.‏ وطلع أصحاب برقوق إلى باب السلسلة في حالة غير مرضية وباتوا تلك الليلة‏.‏
فلما أصبح نهار الأربعاء تاسع شهر ربيع الأول المذكور أنزل برقوق السلطان الملك المنصور إلى عنده بالإسطبل السلطاني ونادى للمماليك السلطانية بالحضور فحضروا‏.‏ فأخرج جماعة كبيرة من الأمراء ومعهم المماليك السلطانية وندبهم لقتال بركة‏.‏
ودقت الكوسات بقلعة الجبل حربية‏.‏ هذا وقد جهز بركة أيضًا جماعة كبيرة أيضًا من أصحابه لملتقى من ندبه برقوق لقتاله‏.‏
وسار كل من الفريقين إلى الآخر حتى تواجها على بعد فلم يتقدم أحد من العسكرين إلى غريمه‏.‏
فلما كان بعد الظهر بعث الأمير بركة أمير آخوره سيف الدين طغاي يقول لبرقوق‏:‏ ما هذا العمل هكذا كان الاتفاق بيننا فقال برقوق‏:‏ هكذا وقع‏.‏ قل لأستاذك يتوجه نائبًا في أي بلد شاء‏.‏
فرجع أمير آخور بركة إليه بهذا القول فلم يوافق بركة على خروجه من مصر أصلًا‏.‏ فلما أيس منه أمير آخوره قال له إن كان ولا بد فهذا الوقت وقت القيلولة والناس مقيلة فهذا وقتك فركب بركة بأصحابه ومماليكه من وقته وساقوا فرقتين‏:‏ فرقة من الطريق المعتادة وفرقة من طريق الجبل‏.‏ وكان بركة في الفرقة التي بطريق الجبل وبلغ برقوقًا ذلك فأرسل الأمراء والمماليك في الوقت لملتقاه‏.‏
فلما أقبل بركة هرب أكثر عساكر برقوق ولم يثبت إلا الأمير علان الشعباني في نحو مائة مملوك والتقى مع بركة‏.‏ وكان يلبغا الناصري بمن معه من أصحاب بركة توجه من الطريق المعتادة فالتقاه أيتمش البجاسي بجماعة وكسره وضربه بالطبر وأخذ جاليشه وطبلخاناته ورجع مكسورًا بعد أن وقع بينهم وقعة هائلة جرح فيها من الطائفتين خلائق‏.‏
وأما بركة فإنه لما التقى مع علان صدمه علان صدمة تقنطر فيها عن فرسه وركب غيره‏.‏ فلما تقنطر انهزم عنه أصحابه فصار في قلة فثبت ساعة جيدة ثم انكسر وانهزم إلى جهة قبة النصر وأقام به إلى نصف الليل فلم يجسر أحد من البرقوقية على التوجه إليه وأخذه‏.‏
فلما كانت نصف ليلة الخميس المذكورة رأى بركة أصحابه في قلة وقد خل عنه أكثر مماليكه وحواشيه وهرب من قبة النصر هو والأمير آقبغا صيوان إلى جامع المقسي خارج القاهرة فغمز عليه في مكانه فمسك هو وآقبغا المذكور من هناك وطلع بهما إلى برقوق‏.‏ وتتبع برقوق أصحاب بركة ومماليكه فمسك منه جماعة كبيرة حسب ما يأتي ذكره مع من مسك مع بركة من الأمراء‏.‏
وبقيت القاهرة ثلاثة أيام مغلقة والناس في وجل بسبب الفتنة فنادى برقوق عند ذلك بالأمان والاطمئنان‏.‏
وفي واقعة بركة يقول طاهر بن حبيب‏:‏ الرجز وقبحها من فتنة فيها زوال بركه وعظم كسرة بركة ومسكه على الناس لأنه كان محببًا للرعية وفيه كرم وحشمة وكان أكثر ميل الناس إليه‏.‏
ولما كان عشية ليلة الخميس المذكورة أخذ برقوق خجداشه بركة وقيده وأرسله إلى سجن الإسكندرية فحبس به صحبة الأمير قردم الحسني ومعه جماعة في القيود من أصحابه الأمراء وهم‏:‏ الأمير قرادمرداش الأحمدي أمير مجلس المقبوض عليه قبل واقعة بركة وآقتمر العثماني الدوادار وأمير آخر‏.‏
ثم أخذ برقوق في القبض على الأمراء من أصحاب بركة فمسك جماعة كبيرة وهم‏:‏ أيدمر الخطائي وخضر - بضم الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة وراء ساكنة - وقراكسك وأمير حاج بن مغلطاي وسودون باشا ويلبغا المنجكي وقرابلاط وقرابغا الأبو بكري وتمربغا السيفي تمرباي وإلياس الماجري وتمربغا الشمسي ويوسف بن شادي وقطلبك النظامي وآقبغا صيوان الصالحي وكزل القرمي وطولو تمر الأحمدي وطوجى الحسيني وتنكر العثماني وقطلو بغا السيفي وغريب الأشرفي وكمجي وألطنبغا الأرغوني ويلبغا الناصري رفيق منطاش الأتي ذكرهما وأطلمش الطازي وتمرقيا‏.‏
فأرسل منهم برقوق في ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الأول جماعة إلى الإسكندرية صحبة الأمير سودون الشيخوني وهم‏:‏ يلبغا الناصري وهو أكبر الجماعة وطبج المحمدي ويلبغا المنجكي وأطلمش الطازي وقرابلاط وتمرقيا السيفي تمربغا وإلياس وقرابغا‏.‏
ثم عرض برقوق مماليك بركة فأخذ أكابرهم في خدمته وكذلك فعل بمماليك يلبغا الناصري‏.‏ ثم أمسك أرسلان الأشرفي دوادار بركة‏.‏ ثم أفرج برقوق عن ستة أمراء ممن أمسكهم‏.‏
ثم أنعم برقوق على جماعة من أصحابه بتقادم ألوف‏:‏ فأنعم على ولده محمد بن برقوق بإقطاع بركة بتمامه وكماله ثم أنعم على أربعة أخر بتقادم ألوف وهم‏:‏ جركس الخليلي وبزلار العمري الناصري وألطنبغا المعلم وألابغا العثماني‏.‏ وأنعم على أطلمش الطازي أحد أصحاب بركة بإمرة طبلخاناة بالشام‏.‏
ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول المذكور أنعم على جماعة بإمرة طبلخانات وهم‏:‏ آقبغا الناصري وتنكز بغا السيفي وطوجي وفارس الصرغتمشي وكمشبغا الأشرفي الخاصكي وقطلوبغا السيفي كوكاي وتمربغا المنجكي وسودون باق السيفي تمرباي وإياس الصرغتمشي وأنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم‏:‏ قوصون الأشرفي وبيبرس التمان تمري وطغا الكريمي وبيرم العلائي وآقبغا اللاجيني‏.‏
ثم في حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور أخلع برقوق على جماعة من الأمراء بوظائف فاستقر أيتمش البجاسي رأس نوبة كبير أطابكًا عوضًا عن بركة - وهذه الوظيفة بطلت من أيام الملك الناصر فرج - واستقر علان الشعباني أمير سلاح عوضًا عن يلبغا الناصري واستقر ألطنبغا الجوباني أمير مجلس عوضًا عن قرادمرداش الأحمدي واستقر ألابغا العثماني دوادارًا عوضًا عن آقتمر العثماني واستقر ألطنبغا المعلم رأس نوبة ثاني بتقدمة ألف - أعني رأس نوبة النوب - واستقر جركس الخليلي أمير آخور كبيرًا واستقر قرابغا الأبو بكري حاجبًا واستقر بجمان المحمدي من جملة رؤوس النوب واستقر كمشبغا الأشرفي الخاصكي شاد الشراب خاناه فصار أرباب الدولة كلهم جراكسة من أتباع الأمير الكبير برقوق‏.‏
وفي ثاني عشرينه استقر الأمير صلاح الدين خليل بن عرام نائب إسكندرية عوضًا عن بلوط الصرغتمشي فتوجه ابن عرام إلى الإسكندرية‏.‏ ثم عاد إلى القاهرة بعد مدة يسيرة وشكا من الأمير بركة فأوصاه برقوق به في الظاهر وسيره إلى الإسكندرية ثانيًا‏.‏
ثم أمسك برقوق الأمير بيدمر الخوارزمي نائب الشام وأمسك معه جماعة من أصحابه من الأمراء‏.‏ وكان بيدمر من حزب بركة وخرج عن طاعة برقوق فولى برقوق عوضه الأمير اشقتمر المارديني نائب حلب‏.‏
وتولى نيابة حلب بعد اشقتمر منكلي بغا الأحمدي البلدي نائب طرابلس‏.‏ ثم في آخر جمادى الأولى أفرج برقوق عن جماعة الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية ما خلا أربعة أنفس وهم‏:‏ بركة ويلبغا الناصري وقرادمرداش الأحمدي وبيدمر الخوارزمي نائب الشام‏.‏
وحضرت البقية إلى القاهرة فأخرج بعضهم إلى الشام ونفي بعضهم إلى قوص‏.‏ ثم في شعبان باست الأمراء الأرض للسلطان الملك المنصور علي وسألوه الإفراج عن المسجونين بالإسكندرية وذلك بتدبير برقوق فرسم السلطان بالإفراج عنهم وهم‏:‏ بيدمر الخوارزمي ويلبغا الناصري وقرادمرداش الأحمدي‏.‏
ولم يبق بسجن الإسكندرية فمن مسك من الأعيان في واقعة بركة غير المذكور ومات في شهر رجب على ما يأتي ذكره بعد أن نحكي قدوم آنص والد الأتابك برقوق من بلاد الجركس ولما حضر الأمراء إلى مصر أخرج يلبغا الناصري إلى دمشق على إمرة مائة وتقدمة ألف بها وقرادمرداش إلى حلب على تقدمة ألف أيضًا بها وتوجه بيدمر الخوارزمي إلى ثغر دمياط بطالًا‏.‏
ثم رسم برقوق بالإفراج عن الأمير إينال اليوسفي صاحب الواقعة مع برقوق المقدم ذكرها من سجن الإسكندرية واستقر في نيابة طرابلس‏.‏ ثم استقر كمشبغا الحموي اليلبغاوي في نيابة صفد عوضًا عن تمرباي الأفضلي التمرداشي مدة يسيرة ونقل إلى نيابة طرابلس بحكم انتقال إينال ثم في ذي الحجة من السنة وصل الخبر بوصول الأمير آنص الجركسي والد الأمير الكبير برقوق العثماني صحبة تاجر برقوق الخواجا عثمان بن مسافر فخرج برقوق بجميع الأمراء إلى لقائه في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة المذكورة فسافر برقوق إلى العكرشة‏.‏
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي‏:‏ وهو المكان الذي التقى به يوسف الصديق أباه يعقوب عليهما السلام على ما قيل‏.‏ وكان قد هيأ له ولده الأتابك برقوق الإقامات والخيم والأسمطة‏.‏
والتقى برقوق مع والده فحال وقع بصر آنص على ولده برقوق مد له يده فأخذها برقوق وقبلها ووضعها على رأسه‏.‏ ثم سلم عليه أكابر أمراء مصر على مراتبهم وأقعد آنص والد برقوق في صدر المخيم وقعد الأمير آقتمر عبد الغني النائب من جانب والأمير أيدمر الشمسي من جانب آخر وجلس برقوق تحت أيدمر وهو يوم ذاك مرشح للسلطنة فانظر إلى تلك الآداب والقواعد السالفة‏.‏
ولما استقر بهم الجلوس أخذ آنص يخاطب برقوقًا ولده باسمه من غير تحشم كما يخاطب الوالد ولده على قاعدة الجراكسة والقاعدة عندهم أن الولد والخديم عندهم سواء وكان الملتقى بالعكرشة والنزول بالمخيم بالخانقاه فإنهم لما تلاقوا ساروا على ظهر إلى خانقاه سرياقوس وحضر مع الأمير آنص جماعة كبيرة من أقاربه وأولاده إخوة الأتابك برقوق‏:‏ خوند الكبرى والصغرى أم بيبرس ثم مدت الأسمطة من المآكل والمشارب والحلاوات وغيرها‏.‏
ودام برقوق والأمراء بخانقاه سرياقوس إلى ظهر اليوم المذكور ثم ركبوا الجميع وعادوا إلى جهة الديار المصرية والموكب لآنص والد برقوق وأكابر الأمراء عن يمينه وشماله وتحته فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش بذهب هائل قد تناهوا في عملهما‏.‏ وسار الجميع حتى دخلوا إلى القاهرة واجتازوا بها وقد أوقدت لهم الشموع والقناديل فتخير والد برقوق مما رأى وكان جركسيًا جنسه كسا لا يعرف باللغة التركية شيئًا لأن الكسا بالبعد عن بلاد التتار‏.‏
وطلع برقوق مع ابنه إلى القلعة وصار هو المشار إليه على ما سنذكره‏.‏
وأما أمر بركة فإنه لما كان شهر رجب من هذه السنة ورد الخبر من الأمير صلاح الدين خليل بن عرام نائب الإسكندرية بموت الأمير زين الدين بركة الجوباني اليلبغاوي المقدم ذكره بسجن الإسكندرية فلما بلغ الأتابك برقوقًا ذلك عظم عليه في الظاهر - والله سبحانه وتعالى متولي السرائر - وبعث بالأمير يونس النوروزي الدوادار بالإسكندرية لكشف خبر الأمير بركة وكيف كانت وفاته فتوجه يونس إلى الإسكندرية ثم عاد إلى مصر ومعه ابن عرام المذكور نائب الإسكندرية وأخبر برقوقًا بأن الأمر صحيح وأنه كشف عن موته وأخرجه من قبره فوجد به ضربات‏:‏ إحداها في رأسه وأنه مدفون بثيابه من غير كفن وأن يونس أخرجه وغسله وكفنه ودفنه وصلى عليه خارج باب رشيد وبنى عليه تربة وأن الأمير صلاح الدين خليل بن عرام هو الذي قتله‏.‏
فحبس برقوق ابن عرام بخزانة شمائل‏.‏ ثم عصره وسأله عن فصوص خلاها بركة عنده فأنكرها وأنكر أنه ما رآها‏.‏
فلما كان يوم الخميس خامس عشرين شهر رجب المذكور طلع الأمراء للخدمة على العادة وطلب ابن عرام من خزانة شمائل فطلعوا به إلى القلعة على حمار فرسم برقوق بتسميره‏.‏ فخرج الأمير مأمور القلمطاوي حاجب الحجاب وجلس بباب القلة هو وأمير جاندار وطلب ابن عرام بعد خدمة الإيوان فعري وضرب بالمقارع ستة وثمانين شيبًا ثم سفر على جمل بلعبة تسمير عطب‏.‏
وأنزل من القلعة إلى سوق الخيل بالرميلة بعد نزول الأمراء وأوقفوه تجاه الإسطبل السلطاني ساعة فنزل إليه جماعة من مماليك بركة وضربوه بالسيوف والدبابيس حتى هبروه وقطعوه قطعًا عديدة ثم إن بعضهم قطع أذنه وجعل يعضها صفة الأكل وأخذ آخر رجله وآخر قطع رأسه وعلقها بباب زويلة وبقيت قطع منه مرمية بسوق الخيل‏.‏
وذكر أن بعض مماليك بركة أخذ من لحمه قطعة شواها‏.‏ والله أعلم بصحة ذلك‏.‏
ثم جمع ابن عرام بعد ذلك ودفن بمدرسته خارج القاهرة عند جامع أمير حسين بن جندر بحكر جوهر النوبي‏.‏
وقد صار أمر ابن عرام المذكور في أفواه العامة مثلًا يقولون‏:‏ خمول ابن عرام‏.‏
وكان ابن عرام المذكور أميرًا جليلًا فاصلًا تنقل في الولايات والوظائف وكان له يد طولى في التاريخ والأدب وله مصنفات مفيدة وتاريخ كبير فيه فوائد وملح‏.‏
وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين أحمد ابن العطار‏:‏ البسيط أيابن عرام قد سمرت مشتهرًا وصار ذلك مكتوبًا ومحسوبا ما زلت تجهد في التاريخ تكتبه حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا وفيه يقول أيضًا‏:‏ الوافر بدت أجزا ابن عزام خليل مقطعة من الضرب الثقيل وأبدت أبحر الشعر المراثي محررة بتقطيع الخليل حدثني الزيني فيروز الطواشي الرومي العرامي - وكان ثقة صاحب فضل ومعرفة ودين - أن أستاذه صلاح الدين خليل بن عرام المذكور كان مليح الشكل فصيح العبارة بلغات عديدة مع فضيلة تامة ومعرفة بالأمور وسياسة حسنة‏.‏
وتولى نيابة ثغر الإسكندرية غير مرة سنين طويلة وتولى الوزر بالديار المصرية وتنقل في عدة وظائف أخر‏.‏ قال‏:‏ وكان من رجال الدهر وكان محببًا في الفقهاء والفقراء وأرباب الصلاح‏.‏ انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ كان بشره الشيخ يحيى الصنافيري والشيخ المعتقد نهار أنه يموت مقتولًا بالسيف مسمرًا‏.‏
وفي معنى ما قاله الشيخ نهار المذكور يقول الشيخ الشهاب ابن العطار المقدم ذكره‏:‏ السريع وعد ابن عرام قديم بما قد نال من شيخ رفيع المنار يا ليلة بالسجن أبدت له ما قاله الشيخ نهار جهار وقال العيني - رحمه الله -‏:‏ وذكر القاضي تاج الدين بن المليجي شاهد الخاص الشريف أنه طلع إلى القلعة وهم يسمرون ابن عرام فقعد إلى أن تخف الناس فلما فرغوا من تسميره جازوا به عليه فسمعه وهو يقول في تلك الحالة وينشد أبيات أبي بكر الشبلي وهي قوله‏:‏ الخفيف لك قلبي تعله فدمي لم تحله قال إن كنت قاهرًا فلي الأمر كله انتهى‏.‏
وأما برقوق فإنه استمر على حاله كما كان قبل مسك بركة وقتله وإليه حل المملكة وعقدها ولم يجسر على السلطنة‏.‏
مرض السلطـــان
وبينما هو في ذلك مرض السلطان الملك المنصور علي ولزم الفراش حتى مات بين الظهر والعصر من يوم الأحد ثالث عشرين صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ودفن من ليلته بعد عشاء الآخرة في تربة جدته لأبيه خوند بركة بالقبة التي بمدرستها بالتبانة‏.‏
وكان الذي تولى تجهيزه وتغسيله ودفنه الأمير قطلوبغا الكوكائي‏.‏ وكانت مدة سلطنته على ديار مصر خمس سنين وثلاثة أشهر وعشرين يومًا‏.‏ ومات وعمره اثنتا عشرة سنة‏.‏
ولم يكن في سلطنته سوى مجرد الاسم فقط‏.‏
وإنما كان أمر المملكة في أيام سلطنته إلى قرطاي أولًا ثم إلى برقوق آخرًا وهو كالآلة معهم لصغر سنه ولغلبتهم على الملك‏.‏
 

 


وتسلطن من بعده أخوه أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان بن حسين ولم يقدر برقوق - مع ما كان عليه من العظمة - أن يتسلطن‏.‏ وكان الملك المنصور علي مليح الشكل حسن الوجه حشيمًا كثير الأدب واسع النفس كريمًا‏.‏


السنة الأولى من سلطنة الملك المنصور علي ابن الملك الأشرف شعبان على مصر وهي سنة تسع وسبعين وسبعمائة‏.‏ على أنه تسلطن في الثامن من ذي القعدة من السنة الخالية‏.‏ فيها - أعني سنة تسع وسبعين وسبعمائة - كانت واقعة قرطاي الطازي مع صهره أينبك البحري وقتل قرطاي‏.‏ ثم بعد مدة قتل أينبك أيضًا‏.‏
وفيها كان ظهور برقوق وبركة وابتداء أمرهما حسب ما ذكرنا ذلك كله في أصل ترجمة الملك المنصور هذا‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا واثنتا عشر إصبعًا‏.‏
السنة الثائية من سلطنة الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان على مصر وهي سنة ثمانين وسبعمائة

 فيها كانت وقعة الأمير تمر باي الأفضلي التمرداشي نائب حلب مع التركمان‏.‏
أمر النيل في هذه السنة ‏:‏ الماء القديم ستة أذرع واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع وقيل أربعة عشر‏.‏
السنة الثالثة من سلطنة الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان على مصر وهي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة

فيها كان ركوب إينال اليوسفي على الأتابك برقوق وقد تقدم ذكر الواقعة في أصل هذه الترجمة‏.‏
وفيها كان الكلام من الحائط كما تقدم أيضًا‏.‏
وفيها كان الطاعون بالديار المصرية وضواحيها ومات فيها عالم كثير جدًا‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وإصبعان‏.‏
السنة الرابعة من سلطنة الملك المنصور علي وهي سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة

فيها كانت الوقعة بين الأتابك برقوق العثماني اليلبغاوي وبين خشداشه زين الدين بركة الجوباني اليلبغاوي ومسك بركة وحبس ثم قتل حسب ما لقدم ذكره وحسب ما يأتي أيضًا في الوفيات‏.‏
وفيها قتل ابن عرام وقد تقدم ذكره وكيفية تسميره في أواخر ترجمة الملك المنصور هذا فلا حاجة لذكر ذلك ثانيًا‏.‏
وفيها توفي ماماي ملك التتار وحاكم بلاد الدشت‏.‏ وكان ولي الملك بعد كلدي بك خان في سنة ثلاث وستين وسبعمائة وكان من أجل ملوك الترك وأعظمهم ومات قتيلًا‏.‏
كان بركة من مماليك يلبغا وصار من بعده في خدمة أولاد الملك الأشرف شعبان إلى أن كانت قتلة الملك الأشرف شعبان‏.‏
قام هو وخشداشه برقوق مع أينبك فأنعم أينبك على كل منهما بإمرة طبلخاناه دفعة واحدة من الجندية وندبهما بعد شهر للسفر مع الجاليش إلى الشام‏.‏ فاتفق بركة هذا مع خشداشيته ووثبوا على أخي أينبك حتى كان من أمر أينبك ما ذكرناه وصار بركة هذا أمير مائة ومقدم ألف هو وبرقوق وأقام على ذلك مدة‏.‏ ثم اتفق مع برقوق وخشداشيته على مسك الأمير طشتمر العلائي الدوادار فمسك طشتمر بعد أن قاتلهم‏.‏
ومن يوم ذاك استبد برقوق بالأمر وبركة هذا شريكه فيه وصار برقوق أتابك العساكر وبركة أطابك رأس نوبة الأمراء وحكما مصر إلى أن وقع الخلف بينهما وتقاتلا فانتصر برقوق على بركة هذا وأمسكه وحبسه بثغر الإسكندرية إلى أن قتله ابن عرام حسب ما تقدم ذكر ذلك كله في ترجمة الملك المنصور‏.‏ وإنما ذكرناه هنا ثانيًا تنبيها لما تقدم‏.‏
فكان بركة ملكًا جليلًا شجاعًا مهابًا تركي الجنس وفيه كرم وحشمة وله المآثر بمكة المشرفة وبطريق الحجاز انتهى‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وستة أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏
=====================================================================

 

This site was last updated 04/02/11