Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

السلطان الملك المظفر قطز سلطان مصر 167/3 م.ح

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أيبك165/ 1 م.ح
نور الدين166/ 2 م.ح
قطز 167/ 3 م.ح
بيبرس168/ 4 م.ح
السعيد 169/ 5 م.ح
سلامش 170/ 6 م.ح
سيف الدين171/ 7 م.ح
صلاح الدين172/ 8 م.ح
بن قلاوون 173/ 9 م.ح
زين الدين174/ 10 م.ح
حسام الدين175/ 11 م.ح
بن قلاوون 176/ 12 م.ح
بيبرس177/ 13 م.ح
أحمد178/ 14 م.ح
إسماعيل179/ 15 م.ح
بن قلاوون180/ 16 م.ح
أبو بكر181/ 17 م.ح
كجك182/ 18 م.ح
شعبان 183/ 19 م.ح
حسن 184/ 20 م.ح
صالح 185/ 21 م.ح
حسن186/ 22 م.ح
محمد187/ 23 م.ح
شعبان188/ 24 م.ح
على 189/ 25 م.ح
أمير حاج 190/ 26 م.ح

Hit Counter

 الملك المظفر هو سيف الدين قطز، واسمه الحقيقى هو محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، ويعد من أبرز ملوك المماليك، على الرغم من أن فترة حكمه لم تدم سوى عام واحد، لكن يذكر له أنه نجح فى إعادة تعبئة وتجميع الجيش الإسلامى، الذى استطاع أن يوقف زحف التتار الذى كاد يقضى على الدولة الإسلامية وهزمهم هزيمة منكرة فى معركة عين جالوت، وهو صاحب الصيحة الشهيرة فى هذه المعركة: «وا إسلاماه»، وقد لاحق فلولهم حتى حرر الشام، أما عن مقدمات توليه حكم مصر فقد كانت بعد مقتل الملك المعز عز الدين أيبك على يد زوجته شجرة الدر، ثم مقتل شجرة الدر من بعده، وتولى الحكم السلطان الطفل المنصور نور الدين على بن عز الدين أيبك، وكان قطز هو الوصى على السلطان الصغير الذى كان يبلغ من العمر ١٥ سنة، فلما رأى قطز أن هذا يضعف من هيبة الحكم فى مصر، ويقوى عزيمة الأعداء حين يرون الحاكم طفلاً اتخذ القرار الجرىء، وهو عزل السلطان الطفل، واعتلى هو عرش مصر فى ١ فبراير ١٢٥٩، وقد استمرت فترة حكمه سنة واحدة، نجح خلالها فى إلحاق أقسى هزيمة بالمغول فى عين جالوت، وصد غاراتهم وطردهم من الشام، وحين تولى الحكم كان الوضع السياسى الداخلى متأزماً للغاية، وكان هناك الكثير من المماليك الطامعين فى الحكم، كما كانت هناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد، فوحد المماليك على هدف واحد وهو وقف زحف التتار، وبعد انتصاره فى عين جالوت قتله بيبرس وصحبه فى ٢٤ أكتوبر ١٢٦٠ لثأر قديم.

خلع السلطان المنصور وتولى السلطان قطز كمال الدين على مصر ولقب بالملك المظفر سنة  657 هـ
سلطنة المظفر قطز السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي الثالث من ملوك الترك بالديار المصرية‏.‏
وقطز بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاي وهو لفظ مغلي‏.‏
تسلطن بعد خلع ابن أستاذه الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة وذلك بعد أن عظمت الأراجيف بتحرك التتار نحو البلاد الشامية وقطعهم الفرات وهجمهم بالغارات على البلاد الحلبية وكان وصل إليه بسبب ذلك الصاحب كمال الدين عمر بن العديم رسولًا من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب منه النجدة على قتال التتار فأنزله قطز بالكبش وجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في أمر التتار وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم فحضروا في دار السلطنة بقلعة الجبل وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري قاضي الديار المصرية وغيرهما من العلماء‏.‏

فتوى الحـــرب :
وجلس الملك المنصور علي في دست السلطنة وأفاضوا في الحديث فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام وخلاصة ما قال‏:‏ إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ولتساووا هم والعامة‏.‏
وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا‏.‏
وانفض المجلس على ذلك ولم يتكلم السلطان بكلمة في المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه فلهج الناس بخلع المنصور وسلطنة قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم‏.‏

إقصاء السلطان منصور
واتفق ذلك بعد أيام وقبض قطز هذا على الملك المنصور علي واحتج لكمال الدين ابن العديم وغيره بأنه صبي لا يحسن تدبير الملك وفي مثل هذا الوقت الصعب لابد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه الناس وينتصب للجهاد‏.‏
وكان الأميران‏:‏ علم الدين سنجر الغتمي المعظمي وسيف الدين بهادر حين جرى هذا الأمر غائبين في الصيد فاغتنم قطز لغيبتهما الفرصة فلما حضرا قبض عليهما واعتقلهما وتسلطن‏.‏ وركب بشعار الملك وجلس على كرسي السلطنة وتم أمره‏.‏

هولاكوا والتتار يستولى على الشام ويتجه إلى مصر
ولما وقع ذلك تقدم قطز إلى برهان الدين الخضر أن يتوجه في جواب رسالة الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام صحبة الصاحب كمال الدين ابن العديم ويعد الملك الناصر بالنجمة وإنفاذ العساكر إليه فتوجها ووصلا إلى دمشق وأديا الرسالة‏.‏ ولم يزل البرهان بدمشق إلى أن رحل الملك الناصر من دمشق إلى جهة الديار المصرية جافلًا من التتار‏.‏
وكان الناصر لما تحقق بحركة التتار رحل إلى برزة شمالي دمشق ونزل بها بعساكره واجتمع إليه أمم عظيمة من العرب والعجم والتركمان والأتراك والمطوعة فلم يعجب الناصر حاله لما رأى من تخاذل عسكره وعلم أنه إذا لاقى التتار لم يثبت عسكره لهم لكثرتهما ولقوتهم فإن هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى عن المغل والكرج والعجم وغيرهم ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين من سنة ست عشرة وستمائة إلى هذه السنة يلقاهم عسكر إلا فلوه سوى وقائع كانت بينهم وبين جلال الدين بن خوارزم شاه انتصف جلال الدين في بعضها ثم كبسوه على باب آمد وبددوا جمعه وأعقب ذلك موت جلال الدين بالقرب من ميافارقين‏.‏
وأما أمر هولاكو فإنه في جمادى الأولى من هذه السنة نزل حران واستولى عليها وملك بلاد الجزيرة ثم سير ولده أشموط بن هولاكو إلى الشام وأمره بقطع الفرات وأخذ البلاد الشامية وسيره في جمع كثيف من التتار فوصل أشموط إلى نهر الجوز وتل باشر ووصل الخبر إلى حلب من البيرة بذلك‏.‏
وكان نائب السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه فجفل الناس بين يدي التتار إلى جهة دمشق وعظم الخطب واجتمع الناس من كل فج عند الملك الناصر بدمشق واحترز الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر بحلب غاية الاحتراز وكذلك جميع نواب البلاد الحلبية وصارت حلب في غاية الحصانة بأسوارها المحكمة البناء وكثرة الآلات‏.‏
فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة قصد التتار حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية وامتدوا إلى حيلان والحادي وسيروا جماعة من فخرج عسكر حلب ومعهم خلق عظيم من العوام والسوقة وأشرفوا على التتار وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم لانتظار المسلمين فلما تحقق المسلمون كثرتهم كروا راجعين إلى المدينة فرسم الملك المعظم بعد ذلك ألا يخرج أحد من المدينة‏.‏
ولما كان غد هذا اليوم رحلت التتار من منازلهم طالبين مدينة حلب واجتمع عسكر المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتمدونه فأشار عليهم الملك المعظم أنهم لا يخرجون أصلا لكثرة التتار ولقوتهم وضعف المسلمين على لقائهم فلم يوافقه جماعة من العسكر وأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدو فيهم فخرج العسكر إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا الجميع بجبل بانقوسا ووصل جمع التتار إلى أسفل الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتلوهم فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرا منهم وخديعة فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار ثم كر التتار عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتار في أثرهم‏.‏
فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم نحو البلد والتتار في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعًا كثيرًا من الجند والعوام‏.‏
ونازل التتار المدينة في ذلك اليوم إلى آخره ثم رحلوا طالبين أعزاز فتسلموها بالأمان‏.‏
ثم عادوا إلى حلب في ثاني صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة وحاصروها حتى استولوا عليها في تاسع صفر بالأمان‏.‏
فلما ملكوها غدروا بأهل حلب وقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا تلك الأفعال القبيحة على عادة فعلهم‏.‏
وبلغ الملك الناصر يوسف أخذ حلب في منتصف صفر فخرج الناصر من الشام بأمرائه نحو القبلة‏.‏
وكان رسل التتار بقرية حرستا فأدخلوا دمشق ليلة الاثنين سابع عشر صفر‏.‏
وقرئ بعد صلاة الظهر فرمان - أعني مرسومًا - جاء من عند ملك التتار يتضمن الأمان لأهل دمشق وما حولها وشرع الأكابر في تدبير أمرهم‏.‏
ثم وصلت التتار إلى دمشق في سابع عشر ربيع الأول فلقيهم أعيان البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمن الأمان ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارين من وراء الضياع إلى جهة الكسوة وأهلكوا في ممرهم جماعة كانوا قد تجمعوا وتحزبوا‏.‏
وفي السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضي كمال الدين عمر بن بندار التفليسي بتفويض قضاء القضاة إليه بمدائن الشام إلى الموصل وميافارقينوغير ذلك وكان القاضي قبله صدر الدين أحمد بن سني الدولة‏.‏
وتوجه الملك الناصر نحو الديار المصرية ونزل العريش ثم قطيا بعد أن تفرق عسكره عنه وتوجه معظم عسكره إلى مصر قبله مع الأثقال‏.‏ فلما وصل الناصر إلى قطيا عاد منها إلى جهة الشام لشيء بلغه عن الملك المظفر صاحب مصر ونزل بوادي موسى ثم نزل بركة زيزاء فكبسه التتار بها وهو في خواصه وقليل من مماليكه فاستأمن الناصر من التتار وتوجه إليهم‏.‏ فلما وصل إليهم احتفظوا به وبقي معهم في ذل وهوان إلى أن قتل
وأما التتار فإنه بلغت غارتهم إلى غزة وبلد الخليل - عليه السلام - فقتلوا الرجال وسبوا النساء والصبيان واستاقوا من الأسرى والأبقار والأغنام والمواشي شيئًا كثيرًا‏.‏ كل ذلك والسلطان الملك المظفر قطز سلطان مصر يتهيأ للقاء التتار‏.‏
فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النصرة على التتار وأجمعوا على حفظ مصر لا غير لكثرة عددهم واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين وأنهم ما قصدوا إقليمًا إلا فتحوه ولا عسكرًا إلا هزموه ولم يبق خارج عن حكمهم في الجانب الشرقي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن وهرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز والباقون بقوا في وجل عظيم وخوف شديد يتوقعون دخول العدو وأخذ البلاد وصمم الملك المظفر - رحمه الله - على لقاء التتار وخرج من مصر في الجحافل الشامية والمصرية في شهر رمضان وصحبته الملك المنصور صاحب حماة وكان الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب الأمور كلها مفوضة إليه وسير الملك المظفر قطز إلى صاحب حماة وهو بالصالحية يقول له‏:‏ لا تحتفل في مد سماط بل كل واحد من أصحابك يفطر على قطعة لحم في صولقه‏.‏
وسافر الملك المظفر بالعساكر من الصالحية ووصل غزة والقلوب وجلة‏.‏ 

***********************************

معركة عين جالوت

الحرب بين التتار ومماليك مصر
عين جالوت 25 من رمضان 658 هـ وأما كتبغانوين مقدم التتار على عسكر هولاكو لما بلغه خروج الملك المظفر قطز كان بالبقاع فاستدعى الملك الأشرف موسى ابن المنصور صاحب حمص وقاضي القضاة محيي الدين واستشارهم في ذلك فمنهم من أشار بعدم الملتقى والاندفاع بين يدي الملك المظفر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العسكر المصري ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرقت الآراء فاقتضى رأي كتبغانوين الملتقى وتوجه من فوره لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه بعد أن جمع كتبغانوين من في الشام من التتار وغيرهم وقصد محاربة المسلمين وصحبته الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان‏.‏
ثم رحل الملك المظفر قطز بعساكره من غزة ونزل الغور بعين جالوت وفيه جموع التتار في يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان ووقع المصاف بينهم في اليوم المذكور وتقاتلا قتالًا شديدًا لم ير مثله حتى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة فحمل الملك المظفر - رحمه الله - بنفسه في طائفة من عسكره وأردف الميسرة حتى تحايوا وتراجعوا واقتحم الملك المظفر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلي في ذلك اليوم بلاء حسنًا وعظم الحرب وثبت كل من الفريقين مع كثرة التتار‏.‏
والمظفر مع ذلك يشجع أصحابه ويحسن إليهم الموت وهو يكر بهم كرة بعد كرة حتى نصر الله الإسلام وأعزه وانكسرت التتار وولوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قتل معظم أعيانهم وأصيب مقدم العساكر التتارية كتبغانوين فإنه أيضا لما عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقتل شر قتلة‏.‏ وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي
وولوا التتار الأدبار لا يلوون على شيء واعتصم منهم طائفة بالتل المجاور لمكان الوقعة فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتى أفنوهم قتلًا ونجا من نجا‏.‏
وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري في جماعة من الشجعان إلى أطراف البلاد واستوفى أهل البلاد والضياع من التتار آثارهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى إنه لم يسلم منهم إلا القليل جدًا‏.‏
وفي حال الفراغ من المصاف حضر الملك السعيد حسن ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل بين يدي السلطان الملك المظفر قطز وكان التتار لما ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها معتقلًا فأطلقوه وأعطوه بانياس وقلعة الصبيبة فانضم على التتار وبقي منهم وقاتل يوم المصاف المسلمين قتالًا شديدًا فلما أيد الله المسلمين بنصره وحضر الملوك عند الملك المظفر فحضر الملك السعيد هذا من جملتهم على رغم أنفه فلم يقبل المظفر عذره وأمر بضرب عنقه فضربت في ثم كتب الملك المظفر كتابًا إلى أهل دمشق يخبرهم فيه بالفتح وكسر العدو المخذول ويعدهم بوصوله إليهم ونشر العدل فيهم فسر عوام دمشق وأهلها بذلك سرورًا زائدًا وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في جامع دمشق‏.‏
وكان المذكور من أهل العلم لكنه كان فيه شر وكان رافضيا خبيثا وانضم على التتار‏.‏ وقتلوا أيضًا بدمشق من أعوان التتار ابن الماسكيني وابن النفيل وغيرهما‏.‏

التتار كانوا أكثر عدلاً على المسيحيين من المسلمين

وكان النصارى بدمشق قد شمخوا وتجرؤوا على المسلمين واستطالوا بتردد التتار إلى كنائسهم‏.‏
وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاؤوا من عنده بفرمان يتضمن الوصية بهم والاعتناء بأمرهم ودخلوا بالفرمان من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون بارتفاع دينهم واتضاع دين المسلمين ويرشون الخمر على الناس وفي أبواب المساجد فحصل عند المسلمين من ذلك هم عظيم‏.‏
فلما هرب نواب التتار حين بلغتهم الكسرة أصبح الناس وتوجهوا إلى دور النصارى ينهبونها ويأخذون ما استطاعوا منها وأخربوا كنيسة اليعاقبة وأحرقوا كنيسة مريم حتى بقيت كومًا وقتلوا منهم جماعة واختفى الباقون‏.‏
وكانت النصارى في تلك الأيام ألزموا المسلمين بالقيام في دكاكينهم للصليب ومن لم يقم أخرقوا به وأهانوه وشقوا السوق على هذا الوجه إلى عند القنطرة آخر سويقة كنيسة مريم فقام بعضهم على الدكان الوسطى من الصف الغربي بين القناطر وخطب وفضل دين النصارى ووضع من دين الإسلام وكان ذلك في ثاني عشرين شهر رمضان‏.‏
ثم من الغد طلع المسلمون مع قضاتهم وشهودهم إلى قلعة دمشق وبها التتار فأهانوهم التتار ورفعوا قسيس النصارى عليهم ثم أخرجوهم بالضرب فصار ذلك كله في قلوب المسلمين‏.‏ انتهى‏.‏
ثم إن أهل دمشق هموا أيضًا بنهب اليهود فنهبوا منهم يسيرًا ثم كفوا عنهم‏.‏
ثم وصل الملك المظفر قطز إلى دمشق مؤيدًا منصورًا فانجبرت بذلك قلوب الرعايا وتضاعف شكرهم لله تعالى‏.‏
والتقاه أهل دمشق بعد أن عفوا آثار النصارى وخربوا كنائسهم جزاء لما كانوا سلفوه من ضرب النواقيس على رؤوس المسلمين ودخولهم بالخمر إلى الجامع‏.‏
وفي هذا المعنى يقول بعض شعراء دمشق‏:‏ الخفيف هلك الكفر في الشام جميعًا واستجد الإسلام بعد دحوضه بالمليك المظفر الملك الأر - - وع سيف الإسلام عند نهوضه ملك جاءنا بعزم وحزم فاعتززنا بسمره وبيضه أوجب الله شكر ذاك علينا دائما مثل واجبات فروضه وفي نصرة الملك المظفر هذا يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة‏:‏ الكامل غلب التتار على البلاد فجاءهم من مصر تركي يجود بنفسه ثم قدم الخبر على السلطان بدمشق في شوال بأن المنهزمين من رجال التتار ونسائهم لحقهم الطلب من الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فإن بيبرس كان تقدم قبل السلطان إلى دمشق يتبع آثار التتار إلى قرب حلب فلما قرب منهم بيبرس سيبوا ما كان في أيديهم من أسارى المسلمين ورموا أولادهم فتخطفهم الناس وقاسوا من البلاء ما يستحقونه‏.‏
وكان الملك المظفر قطز قد وعد الأمير بيبرس بحلب وأعمالها فلما انتصر على التتار انثنى عزمه عن إعطائه حلب وولاها لعلاء الذين علي بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فكان ذلك سبب الوحشة بين بيبرس وبين الملك المظفر قطز‏.‏
ولما قدم الملك المظفر إلى دمشق أحسن إلى الناس وأجراهم على عوائدهم وقواعدهم إلى آخر أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف‏.‏ وسير الملك الأشرف صاحب حمص يطلب منه أمانًا على نفسه وبلاده وكان الأشرف أيضا ممن انضاف إلى التتار فأمنه وأعطاه بلاده وأقره عليها فحضر الأشرف إلى خدمة الملك المظفر ثم عاد إلى بلده‏.‏ ثم توجه الملك المظفر صاحب حماة إلى حماة على ما كان عليه وكان حضر مع الملك المظفر قطز من مصر‏.‏ قلت‏:‏ والملك المظفر قطز هو أول من ملك البلاد الشامية واستناب بها من ملوك الترك‏.‏
ثم إن الملك المظفر قطز رتب أمور الشام واستناب بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير‏.‏

الخيانة وقتل السلطان قطز الذى هزم التتار
ثم خرج المظفر من دمشق عائدا إلى مصر إلى أن وصل إلى القصير وبقي بينه وبين الصالحية مرحلة واحدة ورحلت العساكر إلى جهة الصالحية وضرب الدهليز السلطاني بها وبقي المظفر مع بعض خواصه وأمرائه وكان جماعة قد اتفقوا مع الأمير بيبرس البندقداري على قتل الملك المظفر‏:‏ منهم الأمير سيف الدين أنص من مماليك نجم الدين الرومي الصالحي وعلم الدين صنغلي وسيف الدين بلبان الهاروني وغيرهم كل ذلك لكمين كان في نفس بيبرس لأجل نيابة حلب‏.‏
واتفق عند القصير بعد توجه العساكر إلى الصالحية أن ثارت أرنب فساق الملك المظفر قطز عليها وساق هؤلاء المتفقون على قتله معه فلما أبعدوا ولم يبق معه غيرهم تقدم إليه الأمير بيبرس البندقداري وشفع عنده شفاعة في إنسان فأجابه فأهوى بيبرس ليقبل يده فقبض عليها وحمل أنص عليه وقد أشغل بيبرس يده وضربه بالسيف ثم حمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنشاب فقتلوه ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتى وصلوا إلى الدهليز السلطاني بالصالحية فنزلوا ودخلوا والأتابك على باب الدهليز فأخبروه بما فعلوا فقال‏:‏ من قتله منكم فقال بيبرس‏:‏ أنا فقال‏:‏ يا خوند اجلس على مرتبة السلطان ولما وقع ذلك وبلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير نائب دمشق عز عليه قتل الملك المظفر ثم دعا الناس لنفسه واستحلفهم وتلقب بالملك المجاهد‏.‏
أما الملك المظفر قطز فإنه دفن موضع قتله وكثر أسف الناس وحزنهم عليه‏.‏
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي في تاريخه - رحمه الله تعالى - بعد ما سماه ونعته قال‏:‏ وكان المظفر أكبر مماليك الملك المعز أيبك التركماني وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير يرجع إلى دين وإسلام وخير وله اليد البيضاء في جهاد التتار فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه‏.‏
وحكى الشيخ شمس الدين الجزري في تاريخه عن أبيه قال‏:‏ كان قطز في رق ابن الزعيم بدمشق في القصاعين فضربه أستاذه فبكى ولم يأكل شيئًا يومه ثم ركب أستاذه للخدمة وأمر الفراش أن يترضاه ويطعمه قال‏:‏ فحدثني الحاج علي الفراش قال‏:‏ فجئته وقلت‏:‏ ما هذا البكاء من لطشة فقال‏:‏ إنما بكائي من لعنة أبي وجدي وهم خير منه فقلت‏:‏ من أبوك واحد كافر فقال‏:‏ والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك فسكته وترضيته‏.‏ وتنقلت به الأحوال إلى أن تملك مصر‏.‏ ولما تملك أحسن إلى الحاج علي الفراش المذكور وأعطاه خمسمائة دينار وعمل له راتبا‏.‏
قال الذهبي أيضًا‏:‏ ولما تسلطن لم يبلع ريقه ولا تهنى بالسلطنة حتى امتلأت الشامات المباركة بالتتار ثم ساق الذهبي وقال الشيخ قطب الدين‏:‏ حكي عن الملك المظفر قطز أنه قتل جواده يوم القتال مع التتار ولم يصادف المظفر أحد من الأوشاقية فبقي راجلًا فرآه بعض الأمراء الشجعان فترجل له وقدم له حصانه فامتنع المظفر من ركوبه وقال‏:‏ ما كنت لأمنع المسلمين الانتفاع بك في هذا الوقت‏!‏ ثم تلاحقت الأوشاقية إليه‏.‏
وقال ابن الجزري في تاريخه‏:‏ حدثني أبي قال حدثني أبو بكر بن الدريهم الإسعردي والزكي إبراهيم أستاذ الفارس أقطاي قالا‏:‏ كنا عند سيف الدين قطز لما تسلطن أستاذه الملك المعز أيبك التركماني فأمرنا قطز بالقعود ثم أمر المنجم فضرب الرمل ثم قال له قطز‏:‏ اضرب لمن يملك بعد أستاذي الملك المعز أيبك ومن يكسر التتار فضرب وبقي زمانًا يحسب فقال‏:‏ يطلع معي خمس حروف بلا نقط‏.‏
فقال له قطز‏:‏ لم لا تقول محمود بن ممدود فقال‏:‏ يا خوند لا ينفع غير هذا الاسم فقال‏:‏ أنا هو أنا محمود بن ممدود وأنا أكسر التتار وآخذ بثأر خالي خوارزم شاه فتعجبنا من كلامه وقلنا‏:‏ إن شاء الله يكون هذا يا خوند فقال‏:‏ اكتموا ذلك وأعطى المنجم ثلاثمائة درهم‏.‏
قلت‏:‏ ونقل الشيخ قطب الدين اليونيني في تاريخه الذي ذيله على مرآة الزمان فقال في أمر المنجم غير هذه الصورة وسنذكرها في سياق كلام قطب الدين المذكور‏.‏ قال - أعني قطب الدين -‏:‏ كان المظفر أخص مماليك الملك المعز وأقربهم إليه وأوثقهم عنده‏.‏ وهو الذي قتل الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار‏.‏
قال‏:‏ وكان الملك المظفر بطلًا شجاعًا مقدامًا حازمًا حسن التدبير لم يكن يوصف بكرم ولا شح بل كان متوسطا في ذلك وذكر حكايته لما أن قتل جواده يوم الوقعة بنحو مما حكيناه لكنه زاد بأن قال‏:‏ فلام المظفر بعض خواصه على عدم ركوبه وقال‏:‏ يا خوند - لو صادفك والعياذ بالله تعالى - بعض المغل وأنت راجل كنت رحت وراح الإسلام فقال‏:‏ أما أنا فكنت رحت إلى الجنة - إن شاء الله تعالى - وأما الإسلام فما كان الله ليضيعه فقد مات الملك الصالح نجم الدين أيوب وقتل بعده أبنه الملك المعظم توران شاه وقتل الأمير فخر الدين ابن الشيخ مقدم العساكر يوم ذاك ونصر الله الإسلام بعد اليأس من نصره‏!‏ - يعني عن نوبة أخذ الفرنج دمياط -‏.‏
ثم قال قطب الدين بعد ما ساق توجهه إلى دمشق وإصلاح أمرها إلى أن قال‏:‏ وقتل الملك المظفر قطز مظلومًا بالقرب من القصير وهي المنزلة التي بقرب الصالحية وبقي ملقى بالعراء فدفنه بعض من كان في خدمته بالقصير وكان قبره يقصد للزيارة دائمًا‏.‏
قال‏:‏ واجتزت به في شهر رمضان سنة تسع وخمسين وستمائة وترحمت عليه وزرته‏.‏ وكان كثير الترحم عليه والدعاء على من قتله‏.‏
نبش قبر السلطان قطز
فلما بلغ بيبرس ذلك أمر بنبشه ونقله إلى غير ذلك المكان وعفي أثره ولم يعفى خبره - رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا - قال‏:‏ ولم يخلف ولدًا ذكرًا وكان قتله يوم السبت سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة‏.‏
قلت‏:‏ فعلى هذا تكون مدة سلطنة الملك المظفر قطز سنة إلا يومًا واحدًا فإنه تسلطن في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة من سنة سبع وخمسين وستمائة وقتل فيما نقله الشيخ قطب الدين في يوم السبت سادس عشر في القعدة من سنة ثمان وخمسين وستمائة انتهى‏.‏
قال‏:‏ حكى لي المولى علاء الدين بن غانم في غرة شوال سنة إحدى وتسعين وستمائة ببعلبك قال‏:‏ حدثني المولى تاج الدين أحمد ابن الأثير - تغمده الله برحمته - ما معناه‏:‏ أن الملك الناصر صلاح الدين يوسف - رحمه الله - لما كان على برزة في أواخر سنة سبع وخمسين وصله قصاد من الديار المصرية بكتب يخبرونه فيها أن قطز تسلطن وملك الديار المصرية وقبض على ابن أستاذه‏.‏
قال المولى تاج الدين - رحمه الله -‏:‏ فطلبني السلطان الملك الناصر قرأت عليه الكتب وقال لي‏:‏ خذ هذه الكتب ورح إلى الأمير ناصر الدين القيمري والأمير جمال الدين بن يغمور أوقف كلًا منهما عليها قال‏:‏ فأخذتها وخرجت فلما بعدت عن الدهليز لقيني حسام الدين البركتخاني وسلم علي وقال‏:‏ جاءكم بريدي أو قصاد من الديار المصرية‏.‏
فوريت وقلت‏:‏ ما عندي علم بشيء من هذا قال‏:‏ قطز تسلطن وتملك الديار المصرية ويكسر التتار قال تاج الدين‏:‏ فبقيت متعجبا من حديثه وقلت له‏:‏ ايش هذا القول ومن أين لك هذا قال‏:‏ والله هذا قطز خشداشي كنت أنا وإياه عند الهيجاوي من أمراء مصر ونحن صبيان وكان عليه قمل كثير فكنت أسرح رأسه على أنني كلما أخذت منه قملة أخذت منه فلسا أو صفعته ثم قلت في غضون ذلك‏:‏ والله ما أشتهي إلا أن الله يرزقني إمرة خمسين فارسًا فقال لي‏:‏ طيب قلبك أنا أعطيك إمرة خمسين فارسًا فصفعته وقلت‏:‏ أنت تعطيني إمرة خمسين‏!‏ قال‏:‏ نعم فصفعته فقال لي‏:‏ وألك علة‏!‏ ايش يلزم لك إلا إمرة خمسين فارسًا أنا والله أعطيك قلت‏:‏ ويلك‏!‏ كيف تعطيني قال‏:‏ أنا أملك الديار المصرية وأكسر التتار وأعطيك الذي طلبت قلت‏:‏ ويلك أنت مجنون‏!‏ أنت بقملك تملك الديار المصرية قال‏:‏ نعم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي‏:‏ أنت تملك الديار المصرية وتكسر التتار وقول النبي صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيه قال‏:‏ فسكت وكنت أعرف منه الصدق في حديثه وعدم الكذب‏.‏ قال تاج الدين‏:‏ فلما قال لي هذا قلت له‏:‏ قد وردت الأخبار بأنه تسلطن قال لي‏:‏ والله وهو يكسر التتار‏.‏
قال تاج الدين‏:‏ فرأيت حسام الدين البركتخاني - الحاكي ذلك - بالديار المصرية بعد كسر التتار فسلم علي وقال‏:‏ يا مولاي تاج الدين تذكر ما قلت لك في الوقت الفلاني قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ والله حالما عاد الملك الناصر من قطيا دخلت الديار المصرية أعطاني إمرة خمسين فارسًا كما قال لا زائد على ذلك‏.‏
قال‏:‏ وحكى لي عز الدين محمد بن أبي الهيجاء ما معناه‏:‏ أن سيف الدين بلغاق حدثه أن الأمير بدر الدين بكتوت الأتابكي حكى لي قال‏:‏ كنت أنا والملك المظفر قطز والملك الظاهر بيبرس - رحمهما الله تعالى - في حال الصبا كثيرا ما نكون مجتمعين في ركوبنا وغير ذلك فاتفق أن رأينا منجمًا في بعض الطريق بالديار المصرية فقال له الملك المظفر قطز‏:‏ أبصر نجمي فضرب بالرمل وحسب وقال‏:‏ أنت تملك هذه البلاد وتكسر التتار فشرعنا نهزأ به‏.‏
ثم قال له الملك الظاهر بيبرس‏:‏ أبصر نجمي فقال‏:‏ وأنت أيضا تملك الديار المصرية وغيرها فتزايد استهزاؤنا به‏.‏
ثم قالا لي‏:‏ لا بد أن تبصر نجمك فقلت له‏:‏ أبصر لي نجمي فحسب وقال‏:‏ أنت تخلص لك إمرة مائة فارس يعطيك هذا وأشار إلى الملك الظاهر فاتفق أن وقع الأمر كما قال ولم يخرم منه شيء‏.‏ وهذا من عجيب الاتفاق‏.‏
ولما استفحل أمر قطز بديار مصر وصار هو المشار إليه فيها لصغر السلطان الملك المنصور علي ولكثرة حواشي قطز المذكور ثم تحقق قطز مجيء التتار إلى البلاد الشامية وعلم أنه لا بد من خروجه من الديار المصرية بالعساكر للذب عن المسلمين فرأى أنه لا يقع له ذلك فإن الآراء مغلولة لصغر السلطان ولاختلاف الكلمة فجمع قطز كمال الدين بن العديم الحنفي وغيره من الأعيان والأمراء بالديار المصرية وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب ولا بد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد وينتصب للجهاد في التتار فأجابه الجميع‏:‏ ليس لها غيرك‏!‏ وكان قطز قبل ذلك قد قبض على الملك المنصور علي هذا وعوقه بالدور السلطانية فخلع الملك المنصور في الحال من الملك وبويع الأمير قطز ولقب بالملك المظفر سيف الدين قطز واعتقل الملك المنصور ووالدته بالدور السلطانية من قلعة الجبل وحلف قطز الناس لنفسه وتم أمره وذلك في يوم السبت سابع عشر في القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة‏.‏
وكانت مدة الملك المنصور في السلطنة بالديار المصرية سنتين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يومًا وبقي معتقلًا سنين كثيرة إلى أن تولى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري فنفاه هو ووالدته وأخاه ناصر الدين قاقان إلى بلاد الأشكري في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة‏.‏
قلت‏:‏ والملك المظفر قطز هذا هو أول مملوك خلع ابن أستاذه من الملك وتسلطن عوضه ولم يقع ذلك قبله من أحد من الملوك‏.‏
وتمت هذه السنة السيئة في حاصد إلى يوم القيامة‏.‏ وبهذه الواقعة فسدت أحوال مصر‏

السنة التي حكم فيها المظفر قطز مصر
وهي سنة ثمان وخمسين وستمائة على أنه حكم من سنة سبع شهرين وقتل قبل انقضاء السنة أيضًا بشهرين‏.‏
فيها كانت كائنة التتار مع الملك المظفر قطز وغيره حسب ما تقدم ذكره من أنهم ملكوا حلب والشام ثم رحلوا عنها‏.‏
‏  أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وست عشرة إصبعا‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا‏.‏
***************************************************************************

 قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 931 من 761) : "  السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز‏:‏ في يوم السبت وأخرج المنصور بن المعز منفيًا هو وأمه إلى بلاد الأشكري وقبض على عدّة من الأمراء وسار فأوقع بجمع هولاكو علىعين جالوت وهزمهم في يوم الجمعة خامس عشري رمضان سنة ثمان وخمسين وقتل منهم وأسر كثيرًا بعدما ملكوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله عبد الله وأزالوا دولة بني العباس وخربوا بغداد وديار بكر وحلب ونازلوا دمشق فملكوها فكانت هذه الوقعة أول هزيمة عرفت للتتر منذ قاموا ودخل المظفر قطز إلى دمشق وعاد منها يريد مصر فقتله الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري قريبًا من المنزلة الصالحية في يوم السبت نصف ذي القعدة منها فكانت مدّته سنة تنقص ثلاثة عشر يومًا وقام من بعده‏.‏

عين جالوت: «جيش الصائمين» يخرج من سيناء ليهزم «التتار»
المصرى اليوم كتب أسامة الشاذلى ١١/ ٨/ ٢٠١٢
[ رسم لمعركة عين جالوت كما تخيلها الفنان]
بعيداً فى وسط آسيا بينما كانت الثلوج لا تفرق بين الحى والجماد، وتسحق ببرودتها العظام وتجعل القلوب قاسية لا تعرف معنى الرحمة، نجح الزعيم «تيموجين» الشهير بـ«جانكيز خان» فى جمع شمل القبائل المغولية المتفرقة المتناحرة وأخضعها لسلطانه بعد أن نصب نفسه عليهم «خاقاناً» أعظم عام ٦٠٣ هجريا/ ١٢٠٦ ميلادياً، وسعى الإمبراطور الشاب الذى أسس أشهر إمبراطوريات الرعب تاريخياً إلى توسيع حدوده فوصلت فى عصر أحفاده إلى أقصى مدى لها عام ١٤٠٥ من حوض الدانوب حتى بحر اليابان، ومن فيليكى نوفجورود بالقرب من الحدود الروسية الفنلندية حتى كمبوديا، حيث حكمت شعوباً تعدادها التقريبى ١٠٠ مليون نسمة.
اتجهت الجيوش التترية لتذبح أبناء دولة الخوارزميين، ثم تواصل «سيل الرعب» متجها إلى مناطق الإسماعيلية النزارية فى إيران، وبالفعل أسقطوا قلعة الموت الحصينة سنة ١٢٥٦م/ ٦٥٤هـ، وبعدها إلى عقر دار الخلافة العباسية فى بغداد ١٢٥٨م/ ٦٥٦هـ، بعد وفاة جنكيز خان بحوالى ٣٠ عاماً، ليجتاحوا المدينة وينهبوا مساجدها وقصورها ومكتباتها حتى مستشفياتها، ويذبحوا ما يقرب من ٩٠ ألف شخص.
كان الجيش المغولى يعتمد بشكل رئيسى على الهجوم الخاطف وارتكاب مجازر وحشية فى رسالة للجيوش المجاورة، كان هذا تكتيكاً مغولياً يهدف إلى إرهاب المدن الأخرى حتى لا تقاومهم مثل بغداد وتستسلم مباشرة، وهو ما حدث بالفعل مع دمشق بعدها بعامين سنة ١٢٦٠م، حيث استعدت المدينة لمواجهة الغزو والتصدى للاحتلال، وحشد ملكها الناصر كل قواته بالإضافة لأعداد ضخمة من المتطوعين، الذين فروا جميعاً مع اقتراب المغول من المدينة، حتى فر ملكهم هو الآخر، وخرج أعيان دمشق إلى القائد المغولى «كاتو بغا» خليفة هولاكو الذى عاد إلى بلاده بعد وفاة أخيه، محملين بالهدايا ومستسلمين.
استعد التتار لغزو مصر، وبدأت القاهرة بعد سقوط ملوكها الواحد تلو الآخر تفكر فيما بين الحرب والاستسلام للجيش المغولى، أقوى جيوش الأرض فى هذا العصر، حيث كان تنظيمه عبارة عن فرق تتكون من وحدات صغيره تبدأ من ١٠ جنود ويطلق عليهم اسم arban، فيما يسمى كل ١٠٠ جندى Zuut التى ما إن تتجمع وتصل إلى ١٠٠٠ جندى يطلق عليها Minghan، ثم ١٠ آلاف جندى ويسمى Tumen، وكان كل قائد مجموعة من الوحدات السابقة يخضع للقائد الذى يليه بالمستوى الأعلى وكان يقود مجموعات Tumen قائد برتبة Noyan وهو الذى يتم تكليفه غالباً بحكم الأراضى التى يحتلونها.
بينما كان المغول يستعدون لقطف «درة الخلافة» فى القاهرة، كان الارتباك يعم ساحة القيادة فى مصر، وقد وجه «هولاكو» سفارة إلى مصر فى أوائل يناير ١٢٦٠م تطلب من السلطان «قطز» التسليم، وكان السلطان قد تولى الحكم منذ فترة قليلة بعد خلع الملك المنصور الطفل الصغير من الحكم، فلما سمع «قطز» ما فى كتاب «هولاكو»، قرر قتل رُسُله وأمر بإعدامهم، وعُلقت رؤوسهم على باب «زويلة»، فيما يشبه إعلان الحرب على التتار.
وبمعاونة شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام، واتحاد الأمراء للمرة الأولى ضد الغزو الخارجى، خرج «قطز» على رأس الجيش المصرى فى رمضان سنة ٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠م، ووصل إلى مدينة «غزة».
وبعث «قطز» طلائع قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى لمناوشة التتار واختبار قوتهم، واستطلاع تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى «بيبرس» طلائع التتار فى «عين جالوت» فى غور الأردن، وهى المنطقة التى كتب الله لها أن تشهد ملحمة المعركة بين جيش مصر والتتار.
صمد «بيبرس» ليوهم العدو بأنه الجيش كله وليس فقط الطليعة، حتى لحقه «قطز» بالجيش، وحين بدأت المعركة كانت الكفة تميل نحو العدو، الذى تحرك فرسانه بسرعة ليخترقوا ميسرة الجيش تماما، إلا أن «قطز» انقض على قلب الجيش المغولى لينقذ الميسرة التى كادت تتسبب فى هزيمة المصريين.
استأنف «قطز» هجومه من القلب مباشرة، وحوله المتطوعون المصريون والعرب الذين خرجوا صائمين فى الشهر الكريم يطلبون النصر أو الشهادة، فحملوا على العدو بعنف، فيما كان «قطز» قد أخفى معظم قواته النظامية المؤلفة من المماليك فى شعب التلال، لتشكل كمائن للعدو، فى المقابل بدأ «بيبرس» فى تنفيذ الجزء الباقى من الخطة، فتراجع بقواته ليستدرج العدو، ويعطى التتار انطباعاً بأن جيش مصر ينهزم.
انخدع التتار بالخطة، وتحمس «كاتوبغا» ومن معه للضغط على جيش مصر، وبدأوا يدخلون السهل حتى أصبح جيش التتار بكامله فى السهل، فانقض عليهم المماليك من الأكمنة، وأوسعوا العدو قتلاً حتى كانت الهزيمة الأكبر لجيش التتار، الذى سحق ٣ إمبراطوريات
 

 

This site was last updated 02/01/13