Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الإنحطــــاط الخلقى للأغنيــــــــــــــاء  

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وتبلغ حوالى 30000موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على صفحة الفهرس http://www.coptichistory.org/new_page_598.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر

Home
Up
أنبا برسوم العريان
أنبا يحنس اسنهورى
القس أبن كبر
أولاد العسال
الأنبا رويس
New Page 751
إنحطاط خلقى لأغنياء القبط

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن المماليك الذين حكموا مصر وهم تحت إستعمار الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

نشو الخلافــــــــــــة  

هذه سيرة لحياة لا نعرف هل هو قبطى أو يهودى وعائلته والألاعيب التى كان يتحايل بها مع الحكام والتى أودت بحياته كما أن أخلاق عائلته قد نزلت إلى الحضيض وعند قراءة أصل سيرة نشو نجد أنه دفن فى مدافن اليهود فهل كان نشو الخلافة يهودى , وهذه الأخلاق الرديئة  قد أستشرت بلا أدنى شك فى المجتمع القبطى الذى قد تأثر بالعادات الإسلامية والمعاشرات الردية حتى عند ملوك هذا العصر والتى نهى عنها الكتاب المقدس ونورد سيرة حياة نشو الخلافة هذا حتى تكون عبرة تاريخية للأجيال اللاحقة وأنه مهما علا نجمك أيها القبطى فلا بد أن تقابل الرب يسوع وتذكر أن المال أصل لكل الشرور وموقع تاريخ أقباط مصر يذكر التاريخ كما هو بدون إغفال لحدث ما أو رتوش تجميلية أو تعديل مهما كانت قسوة أحزانه ومآسيه 

حدثت معظم سيرة النشو فى أثناء حكم السلطان الملك الناصر بن قلاوون الثانية (أثناء حكم المماليك على مصر ) من 635 - 740 هـ ونشو الخلافة يعتقد أنه مركز كبير فى الدولة المملوكية يقابل رئيس الوزراء وقد ذكر ألأنبا يوساب أسقف فوة أختصاصات مركز نشو الخلافة هو رئيس ديوان الجيوش السلطانية الملكية - وتقلد وظيفة نشو الخلافة قبطى آخر فى سنة 630 هـ أيام حكم الملك الكامل والملك العادل على مصر وهم من ملوك الأسرة الأيوبية وكان اسمه ابو الفتوح - ولا يمكن الجزم هل أستمرت هذه الوظيفة يتقلدها الأقباط , أو أن هناك قرابة بين من تقلد هذا المنصب فى سنة 630 وسنة 740 هـ

وأما أصل النشو هذا أنه كان هو ووالده وإخوته يخدمون الأمير بكتمر الحاجب فلما انفصلوا من عنده أقاموا بطالين مدة‏.‏
ثم خدم النشو هذا عند الأمير أيدغمش أمير آخور فأقام بخدمته إلى أن جمع السلطان في بعض الأيام كتاب الأمراء لأمر ما فرآه السلطان وهو واقف من وراء الجماعة وهو شاب طويل نصراني حلو الوجه فاستدعاه وقال له‏:‏ ايش اسمك قال‏:‏ النشو فقال‏:‏ ‏"‏ أنا أجعلك نشوي ورتبه مستوفيًا في الجيزة‏.‏
وأقبلت سعادته فيما ندبه إليه وملا عينه ثم نقله إلى استيفاء الدولة فباشر ذلك مدة حتى استسلمه الأمير بكتمر الساقي وسلم إليه ديوان سيدي آنوك ثم نقله بعد ذلك إلى نظر الخاص بعد موت القاضي فخر الدين ناظر الجيش فإن شمس الدين موسى بن التاج ولي الجيش والنشو هذا ولي عوضه الخاص‏.‏ انتهى‏.‏

الملك الناصر قلاوون كان يهتم بمملوك يحبه ويعشقه

ثم اشتغل الملك الناصر بضعف مملوكه ومحبوبه ألطنبغا المارداني وتولى تمريضه بنفسه إلى أن عوفي فأحب ألطنبغا أن ينشىء له جامعًا تجاه ربع الأمير طغجي خارج باب زويلة واشترى عدة دور من أربابها بغير رضاهم فندب السلطان النشو لعمارة الجامع المذكور فطلب النشو أرباب الأملاك وقال لهم‏:‏ الأرض للسلطان ولكم قيمة البناء ولازال بهم حتى ابتاعها منهم بنصف مافي مكاتيبهم من الثمن وكانوا قد أنفقوا في عمارتها بعد مشتراها جملة فلم يعتد لهم النشو منها بشيء‏.‏

وأقام النشو في عمارته حتى تم في أحسن هندام فجاء مصروفه ثلاثمائة ألف درهم ونيف سوى ما أنعم به عليه السلطان من الخشب والرخام وغيره‏.‏

وخطب به الشيخ ركن الدين عمر بن إبراهيم الجعبري من غير أن يتناول له معلومًا‏.‏

محاولة الوقيعة بين السلطان ونشو  بسبب سوء أخلاق عائاة النشو
ثم جلس السلطان بدار العدل فوجد به رقعة تتضمن الوقيعة في النشو وكثرة ظلمه وتسلط أقاربه على الناس وكثرة أموالهم وتعشق صهره ولي الدولة لشاب تركي‏.‏
وكان قبل ذلك قد ذكر الأمير قوصون للسلطان أن عميرًا الذي كان شغف به الأمير ألماس قد ولع به أقارب النشو وأنفقوا عليه الأموال الكثيرة فلم يقبل السلطان فيه قول الأمراء لمعرفته لكراهتهم له فلما قرئت عليه القصة قال‏:‏ أنا أعرف من كتبها واستدعى النشو ودفعها إليه وأعاد له مارماه به الأمير قوصون فحلف النشو على براءتهم من هذا الشاب وإنما هذا ومثله مما يفعله حواشي الأمير قوصون وقصد قوصون تغير خاطر السلطان علي وبكى وانصرف‏.‏
فطلب السلطان قوصون وأنكر عليه إصغاءه لحواشيه في حق النشو فحلف قوصون أن النشو يكذب في حلفه ولئن قبض السلطان على الشاب وعوقب ليصدقن السلطان فيمن يعاشره من أقارب النشو فغضب السلطان وطلب أمير مسعود الحاجب وأمره بطلب الشاب وضربه بالمقارع حتى يعترف بجميع من يصحبه وكتابة أسمائهم وألزمه ألا يكتم عنه شيئًا فطلبه مسعود وأحضر المعاصير فأملى عليه الشاب عدة كثيرة من الأعيان منهم ولي الدولة فخشي مسعود على الناس من الفضيحة وقال للسلطان‏:‏ هذا الكذاب ماترك أحدًا في المدينة حتى اعترف عليه وأنا أعتقد أنه يكذب عليهم وكان السلطان حشيم النفس يكره الفحش فقال لمسعود‏:‏ يا بدر الدين من ذكر من الدواوين‏.‏
فقال‏:‏ ‏"‏ والله يا خوند ما خلى أحدًا من خوفه حتى ذكره فرسم السلطان بإخراج عمير المذكور ووالده إلى غزة ورسم لنائبها أن يقطعهما خبزًا بها‏.‏
وكان ذلك أول انحطاط قدر النشو عند السلطان‏.‏

أخو النشو وعلاقته بمملوك
ثم اتفق بعد ذلك أن طيبغا القاسمي الناصري وكان يسكن بجوار النشو وله مملوك جميل الصورة فاعتشر به ولي الدولة وغيره من إخوة النشو فترصد أستاذه طيبغا حتى هجم يومًا عليهم وهو معهم فأخذه منهم وخرج‏.‏
وبلغ النشو ذلك فبادر بالشكوى إلى السلطان بأن طيبغا القاسمي يتعشق مملوكه ويتلف عليه ماله وأنه هجم وهو سكران على بيتي وحريمي وقد شهر سيفه وبالغ في السب‏.‏
وكان السلطان يمقت على السكر فأمر في الحال بإخراج طيبغا ومملوكه إلى الشام‏.‏
وكان السلطان مشغولًا في هذه الأيام بعمارة قناطر شبين القصر على بحر أبي المنجا فأنشئت تسع قناطر‏.‏
ثم توجه السلطان في شهر ربيع الآخر من سنة ست وثلاثين وسبعمائة إلى الوجه القبلي للصيد ثم عاد إلى القاهرة بعد أن غاب خمسة وأربعين يومًا كل ذلك وأمر النشو في إدبار بالنسبة لما كان عليه‏.‏
ثم جلس السلطان يومًا بالميدان فسقط عليه طائر حمام وعلى جناحه ورقة تتضمن الوقيعة في النشو وأقاربه والقدح في السلطان بأنه قد أخرب دولته‏.‏
فغضب السلطان غضبًا شديدًا وطلب النشو وأوقفه على الورقة وتنمر عليه لكثرة ما شكي منه فقال النشو‏:‏ يا خوند الناس‏.‏
معذورون وحق رأسك لقد جاءني خبر هذه الورقة ليلة كتبت‏.‏
وهي فعل المعلم أبي شاكر بن سعيد الدولة ناظر البيوت كتبها في بيت الصفي كاتب الأمير قوصون وقد اجتمع هذا وأقاربه في التدبير علي ثم أخذ النشو يعرف السلطان ماكان من أمر سعيد الدولة في أيام المظفر بيبرس الجاشنكير وأغراه به حتى طلبه وسلمه إلى الوالي علاء الدين علي بن المرواني فعاقبه الوالي عقوبة مؤلمة‏.‏
ثم طلب السلطان الأمير قوصون وعنفه بفعل الصفي كاتبه‏.‏ ثم تتبع النشو حواشي أبي شاكر وقبض عليهم وسلمهم إلى الوالي وخرب بيوتهم وحرثها بالمحراث‏.‏
واشتدت وطأة النشو على الناس واستوحش الناس منه قاطبة وصار النشو يدافع عن نفسه بكل ما يمكن والمقادير تمهله‏.‏
ثم بدا للسلطان أن ينقل الخليفة من مناظر الكبش إلى قلعة الجبل فنقل في ثالث عشرين ذي القعدة من سنة ست وثلاثين والخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان‏.‏
وسكن الخليفة بالقلعة حيث كان أبوه الحاكم نازلًا ببرج السباع بعياله ورسم على الباب جاندار بالنوبة‏.‏
وسكن ابن عمه إبراهيم في برج بجواره بعياله ورسم عليه جاندار آخر ومنعا عن الاجتماع بالناس كل ذلك لأمر قيل‏.‏
ثم إن السلطان في سابع عشر محرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة عقد عقد ابنه أبي بكر على ابنة الأمير سيف الدين طقزدمر الحموي الناصري أمير مجلس بدار الأمير قوصون‏.‏
ثم قدم الأمير تنكز نائب الشام ثاني شهر رجب من سبع وثلاثين المذكورة على السلطان وهو بسرياقوس فخلع عليه وسافر في ثاني عشرينه إلى محل ولايته‏.‏

حادثة التاجر الرومى وتصرف النشو
ثم في هذه السنة زاد ظلم النشو على التجار ورمى على التجار الخشب بأضعاف ثمنه فكثرت الشكوى منه إلى أن توصل بعض التجار لزوجة السلطان خوند طغاي أم آنوك وقال لها‏:‏ رمى علي النشو خشبًا يساوي ألفي درهم بألفي دينار فعرفت أم آنوك السلطان بذلك فأمر السلطان بطلب التاجر وقد اشتد غضبه على النشو‏.‏
وبلغ النشو الخبر ففي الحال أرسل النشو رجلًا إلى التاجر وسأله في قرض مبلغ من المال فعرفه التاجر أمر الخشب وما هو فيه من الغرامة فقال له الرجل‏:‏ أرني الخشب فإني محتاج إليه فلما رآه قال‏:‏ هذا غرضي واشتراه منه بفائة ألف درهم إلى شهر وفرح التاجر بخلاصه من الخشب وأشهد عليه بذلك‏.‏
وأخذ الرجل الخشب وأتى بالمعاقدة إلى النشو فأخذها النشو وطلع إلى السلطان من فوره وقال للسلطان‏:‏ يا مولانا السلطان نزلت أخذ الخشب من التاجر فوجدته قد باعه بفائدة ألف درهم فلم يصدقه السلطان وعوق النشو وقد امتلأ عليه غضبًا فطلب السلطان التاجر وسأله عما رماه عليه النشو من الخشب فاغتر التاجر بأم آنوك وأخذ يقول‏:‏ ظلمني النشو وأعطاني خشبًا بألفي دينار يساوي ألفي درهم فقال له السلطان‏:‏ وأين الخشب فقال‏:‏ بعته بالدين فقال النشو‏:‏ قل الصحيح فهذه معاقدتك معه فلم يجد التاجر بدًا من الاعتراف فحنق عليه السلطان وقال له‏:‏ ويلك تقيم علينا القالة وأنت تبيع بضاعتنا بفائدة ‏"‏ وسلمه إلى النشو وأمره بضربه وأخذ الألفي دينار منه مع مثلها‏.‏
وعظم عنده النشو وتحقق حق مايقوله وأن الذي يحمل الناس على التكلم فيه الحسد‏.‏
ثم عبر السلطان إلى الحريم وسبهن وعرفهن بما جرى من كذب التاجر وصدق النشو وقال‏:‏ مسكين النشو ما وجدت أحدًا يحبه‏.‏

محاولة قتل النشو الفاشلة :
ثم أفرج السلطان عن الأمير طرنطاي المحمدي
بعد ما أقام في السجن سبعًا وعشرين سنة ثم في يوم الاثنين ثاني عشر رمضان ركب النشو على عادته في السحر إلى الخدمة فاعترضه في طريقه عبد المؤمن بن عبد الوهاب السلامي المعزول عن ولاية قوص فضربه بالسيف فأخطأ رأس النشو وسقطت عمامته عن رأسه وقد جرح كتفه وسقط على الأرض‏.‏
ونجا الفارس بنفسه وفي ظنه أن رأس النشو قد طاح عن بدنه لعظم ضربه‏.‏
وبلغ السلطان ذلك فغضب ولم يحضر السماط‏.‏
وبعث إلى النشو بعدة من الجمدارية والجرايحية فقطبت ذراعه بست إبر وجبينه باثنتي عشرة إبرة وألزم السلطان والي القاهرة ومصر بإحضار غريم النشو‏.‏
وأغلظ السلطان على الأمراء بالكلام ومازال يشتد ويحتد حتى عادت القصاد بسلامة النشو فسكن ما به ثم بعث النشو مع أخيه رزق الله إلى السلطان يعلمه بأن هذا من فعل الكتاب بموافقة لؤلؤ شاد الدواوين فطلب السلطان الوالي وأمره بمعاقبة الكتاب الذين هم في المصادرة مع لؤلؤحتى يعترفوا بغريم النشو وكان السلطان قد قبض على لؤلؤ وكتابه وصادره قبل تاريخه بموافقة النشو فنزل الوالي وعاقب لؤلؤًا وضربه ضربًا مبرحًا وعاقب المعلم أبا شاكر وقرموطًا عقابًا شديدًا فلم يعترفوا بشيء‏.‏
وعوفي النشو وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه ونزل من القلعة بعد أن رتب السلطان المقدم إبراهيم بن أبي بكر بن شداد صابر أن يمشي في ركابه ومعه عشرة من رجاله في ذهابه وإيابه‏.‏
ثم قبض النشو بعد ذلك على تاج الدين بن الأزرق وصادره حتى فاشتراه منه الأمير عز الدين أيدمر الخطيري وكان بجانبه ساقية فهدم الخطيري الدار والساقية وعمرهما جامعًا بخط بولاق على شاطىء النيل‏.‏
قلت‏:‏ وكان أصل موضع هذا الجامع المذكور أنه لما أنشئت العمائر ببولاق عمر الحاج محمد بن عز الفراش بجوار الساقية المذكورة دارًا على النيل ثم انتقلت بعد موته إلى ابن الأزرق هذا فكانت تعرف بدار الفاسقين من كثرة اجتماع النصارى بها على مالا يرضي الله تعالى‏.‏
فلما صادره النشو باعها فيما باعه فاشتراها الخطيري بثمانية آلاف درهم وهدمها وبنى مكانها ومكان الساقية جامعًا أنفق فيه أموالًا جزيلة في أساساته مخافة من زيادة النيل وأخذ أراضي حوله من بيت المال وأنشأ عليها الحوانيت والرباع والفنادق‏.‏
فلما تم بناؤه قوي عليه ماء النيل فهدم جانبًا منه فأنشأ تجاهه زريبة رمى فيها ألف مركب موسوقة بالحجارة قاله الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله وهو حجة فيما ينقله‏.‏
لكن أقول‏:‏ لعله وهم في هذا وأراد أن يقول‏:‏ وسق ألف مركب بالحجارة فسبق قلمه بما ذكرناه قال‏:‏ وسمي هذا الجامع بجامع التوبة وجاء في غاية الحسن‏.‏
فلما أفرج عن بن الأزرق من المصادرة ادعى أنه كان مكرها في بيع داره فأعطاه الأمير أيدمر الخطيري ثمانية آلاف درهم أخرى حتى استرضاه ولا يكون جامعه بني في أرض مكرهة انتهى‏.‏

وأما النشو فإنه لا زال على بن الأزرق هذا حتى قبض عليه ثانيًا وعاقبه حتى مات وذلك في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة‏.‏

أعمال الملك الناصر
ثم في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أنعم السلطان الملك الناصر في يوم واحد على أربعة من مماليكه بمائتي ألف دينار مصرية وهم‏:‏ قوصون وألطنبغا المارداني وملكتمر الحجازي وبشتك‏.‏
وفي هذه السنة ولد للسلطان ابنه صالح من بنت الأمير تنكز نائب الشام فعمل لها السلطان بشخاناه ودائر بيت زركش وتكملة البذلة من المخدات والمقاعد بمائتي ألف دينار وأربعين ألف دينار وعمل لها الفرح سبعة أيام‏.‏
وفي هذه السنة وقع للملك الناصر غريبة وهو أنه استدعى من بلاد الصعيد بألفي رأس من الضأن واستدعى من الوجه البحري بمثلها لتتمة أربعة آلاف رأس‏.‏
وشرع السلطان في عمل حوش برسمها وبرسم الأبقار البلق فوقع اختياره على موضع بقلعة الجبل مساحته أربعة أفدنة قد قطعت منه الحجارة لعمارة القاعات التي بالقلعة حتى صار غورًا عظيمًا فطلب كاتب الجيش ورتب على كل من الأمراء المقدمين مائة رجل ومائة دابة لنقل التراب وعلى كل من أمراء الطبلخاناه بحسب حاله‏.‏
وأقام الأمير آقبغا عبد الواحد شادًا وأن يقيم معه من جهة كل أمير استاداره بعدة من جنده وألزم الأسرى بالعمل‏.‏
ورسم لوالي القاهرة بتسخير العامة‏.‏
فنصب الأمير آقبغا خيمته على جانب الموضع واستدعى استادارية الأمراء واشتد عليهم فلم يمض ثلاثة أيام حتى حضرت إليه رجال الأمراء من نواحيهم ونزل كل أستادار بخيمته ومعه دوابه ورجاله فقسمت عليهم الأرض قطعًا معينة لكل واحد منهم فجدوا في العمل ليلًا ونهارًا‏.‏
واستحثهم آقبغا المذكور بالضرب وكان ظالمًا غشومًا فعسف بالرجال وكلفهم السرعة في أعمالهم من غير رخصة ولا مكنهم من الاستراحة‏.‏
وكان الوقت صيفًا حارًا فهلك جماعة كثيرة منهم في العمل لعجز قدرتهم عما كلفوه‏.‏ ومع ذلك كله والولاة تسخر من تظفر به من العامة وتسوقه إلى العمل فكان أحدهم إذا عجزو ألقى بنفسه إلى الأرض رمى أصحابه عليه التراب فيموت لوقته‏.‏
هذا والسلطان يحضر كل يوم حتى ينظر العمل‏.‏ وكان الأمير ألطنبغا المارداني قد مرض وأقام أيامًا بالميدان على النيل حتى عوفي وطلع إلى القلعة من باب القرافة فاستغاث به الناس وسألوه أنيخلصهم من هذا العمل فتوسط لهم عند السلطان حتى أعفى الناس من السخر وأفرج عمن قبض عليه منهم‏.‏
فأقام العمل ستة وثلاثين يومًا إلى أن فرغ منه وأجريت إليه المياه وأقيمت به الأغنام المذكورة والأبقار البلق وبنيت به بيوت للإوز وغيرها‏.‏
قلت‏:‏ لعل هذا الموضع يكون هو الحوش الذي يلعب فيه السلطان بالكرة تحت قاعة الدهيشة‏.‏ والله أعلم‏.‏
وعند فراغ هذا الحوش استدعى السلطان الأمراء وعمل لهم سماطًا جليلًا وخلع على جماعة ممن باشر العمل وغيرهم‏.‏
ثم أنشأ السلطان لمملوكيه‏:‏ الأمير يلبغا اليحياوي والأمير ألطنبغا المارداني لكل منهما قصرًا تجاه حمام الملك السعيد بركة خان قريبًا من الرميلة تجاه القلعة وأخذ من إسطبل الأمير أيدغمش أمير آخور قطعة ومن إصطبل الأمير قوصون قطعة ومن إصطبل طشتمر الساقي قطعة ونزل السلطان بنفسه حتى قرر أمره‏.‏
ورسم السلطان للأمير قوصون أن يشتري الأملاك التي حول إصطبله ويضيفها فيه‏.‏
ثم أمر السلطان أن يكون بابا الإصطبلين اللذين أمر بإنشائهما ليلبغا وألطنبغا تجاه حمام الملك السعيد‏.‏
وأقام الأمير آقبغا عبد الواحد شاد عمارة القصرين والإصطبلين المذكورين‏.‏
قلت‏:‏ أما إصطبل قوصون فهو البيت المعد لسكن كل من صار أتابك العساكر في زماننا هذا الذي بابه الواحد تجاه باب السلسلة‏.‏
وأما بيت طشتمر الساقي حمص أخضر فهو البيت الذي الآن على ملك الأمير جرباش المحمدي الأتابك الذي بابه الواحد من حدرة البقر‏.‏
وبيت أيدغمش أمير آخور لعله يكون بيت منجك اليوسفي الذي هو الآن على ملك تمربغا الظاهري رأس نوبة النوب‏.‏
وأما القصران والإسطبلان اللذان عمرهما السلطان ليلبغا اليحياوي وألطنبغا المارداني فقد أخذهما السلطان حسن وجعل مكانهما مدرسته المعروفة بمدرسه السلطان حسن تجاه قلعة الجبل‏.‏ والله أعلم‏.‏
وفي هذه السنة أعني سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة عمل السلطان جسرًا بالنيل على جسر بن الأثير وحفر الخليج الكبير المعروف بخليج الخور‏.‏
وسببه أن النيل قوي على ناحية بولاق وهدم جامع الخطيري حتى احتاج أيدمر الخطيري لتجديده فرسم السلطان للسكان على شاطىء النيل بعمل زرايي لجميع ملاك الدور بالقرب من فم الخور وألا يؤخذ منهم عليها حكر فبنى صاحب كل دار زريبة تجاه داره فلم يفد ذلك شيئًا‏.‏
فكتب السلطان بإحضار مهندسي البلاد القبلية والبحرية فلما تكاملوا ركب السلطان إلى النيل وهم معه وكشف البحر فاتفق الرأي على أن يحفر الرمل الذي بالجزيرة المعروفة بجزيرة أروى أعني الجزيرة الوسطى حتى يصير خليجًا يجري فيه الماء ويعمل جسر وسط النيل يكون سدًا يتصل بالجزيرة يعني من الروضة إلى الجزيرة الوسطانية فإذا كانت زيادة النيل جرى الماء في الخليج الذي حفر وكان قدامه سد عال يرد الماء إليه حتى يتراجع النيل عن بر بولاق والقاهرة إلى بر ناحية منبابة‏.‏
وعاد السلطان إلى القلعة وخرجت البرد من الغد إلى الأعمال بإحضار الرجال للعمل صحبة المشدين وطلبت الحجارون بأجمعهم لقطع الحجارة من الجبل وكانت تلك الحجارة تحمل إلى الساحل وتملأ بها المراكب وتغرق وهي ملآنة بالحجارة حيث يعمل الجسر‏.‏
فلم يمض عشرة أيام حتى قدمت الرجال من النواحي وتسلمهم آقبغا عبد الأحد والأمير برسبغا الحاجب‏.‏
ورسم السلطان لوالي القاهرة ولوالي مصر بتسخير العامة للعمل فركبا وقبضا على عدة كثيرة منهم وزادوا في ذلك حتى صارت الناس تؤخذ من المساجد والجوامع والأسواق فتستر الناس ببيوتهم خوفًا من السخرة‏.‏
ووقع الاجتهاد في العمل واشتد الاستحثاث فيه حتى إن الرجل كان يخر إلى الأرض وهو يعمل لعجزه عن الحركة فتردم رفقته عليه الرمل فيموت من ساعته‏.‏
واتفق هذا لخلائق كثيرة وآقبغا عبد الواحد راكب في حراقة يستعجل المراكب المشحونة بالحجارة والسلطان ينزل إليهم في كل قليل ويباشرهم ويغلظ على آقبغا ويحرضه على السرعة واستنهاض العمال حتى كمل في مدة شهر بعد أن غرق فيه اثنتا عشرة مركبًا بالحجارة وسق كل مركب ألف إردب‏.‏
وكانت عدة المراكب التي أشحنت بالحجارة المقطوعة من الجبل ورميت في البحر حتى صار جسرًا يمشي عليه ثلاثًا وعشرين ألف مركب حجر سوى ما عمل فيه من آلات الخشب والسرياقات والحلفاء ونحو ذلك‏.‏
وحفر الخليج بالجزيرة فلما زاد النيل جرى في الخليج المذكور وتراجع الماء حتى قوي على بر منبابة وبر بولاق التكروري فسر السلطان والناس قاطبة بذلك فإن الناس كانوا على تخوف كبير من النيل على القاهرة‏.‏
وأنفق السلطان على هذا العمل من خزانته أموالًا كثيرة‏.‏ كل ذلك في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة المذكورة‏.‏
فلما استهلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة حضر فيها الأمير تنكز نائب الشام ورسم بسكناه في داره بالكافوري على عادته وخلع عليه خلعة الاستمرار على نيابة دمشق‏.‏

الملك الناصر يكلف النشو بالإعداد لزواج أبنتيه
وبعد أيام تكلم تنكز في يلبغا نائب حلب فعزله السلطان عن نيابة حلب وأنعم عليه بنيابة غزة‏.‏
وقدم تنكز في هذه المرة للسلطان تقدمة عظيمة تجل عن الوصف فيها من صنف الجوهر فقط ماقيمته ثلاثون ألف دينار ومن الزركش عشرون ألف دينار ومن أواني البلور وتعابي القماش والخيل والسروج والجمال البخاتي ما قيمته مائتان وعشرون ألف دينار مصرية فلما انقضت التقدمة أخذ السلطان تنكز وأدخله إلى الدور السلطانية حتى رأى ابنته زوجة السلطان فقامت إليه وقبلت يده ثم أخرج السلطان إليه جميع بناته وأمرهن بتقبيل يد تنكز المذكور وهو يقول لهن واحدة بعد واحدة‏:‏ بوسي يد عمك ثم عين منهن بنتين لولدي الأمير تنكز فقبل تنكز الأرض وخرج من الدور والسلطان يحادثه‏.‏
وأمر السلطان بالاهتمام إلى سفر الصعيد للصيد على عادته وتنكز صحبته وكان من إكرامه له في هذه السفرة ما لا عهد من ملك مثله‏.‏

فلما عاد السلطان من الصعيد أمر النشو بتجهيز كلفة عقد ابني تنكز على ابنتيه وكلفة سفر تنكز إلى الشام فجهز النشو ذلك كله وعقد لابني تنكز على ابنتي السلطان في بيت الأمير قوصون لكون قوصون أيضًا متزوجًا بإحدى بنات السلطان بحضرة القضاة والأمراء‏.‏
ثم ولدت بنت الأمير تنكز من السلطان بنتًا فسجد شكرًا لله بحضرة السلطان وقال‏:‏ يا خوند كنت أتمنى أن يكون المولود بنتًا‏.‏
فإنها لو وضعت ذكرًا كنت أخشى من تمام السعادة فإن السلطان قد تصدق علي بما غمرني به من السعادة فخشيت من كمالها‏.‏

ثم جهز السلطان الأمير تنكز وأنعم عليه من الخيل والتعابي القماش ما قيمته مائة وعشرون ألف دينار‏.‏
وأقام تنكز في هذه المرة بالقاهرة مدة شهرين‏.‏ فلما وادع السلطان سأله إعفاء الأمير كجكن من الخدمة وأشياء غير ذلك فأجابه إلى جميع ماسأله‏.‏
وكتب له تقليدًا بتفويض الحكم في جميع الممالك الشامية بأسرها وأن جميع نوابها تكاتبه بأحوالها وأن تكون مكاتبته‏:‏ أعز الله أنصار المقر الشريف بعد ما كانت‏:‏ أعز الله أنصار الجناب وأن يزاد في ألقابه‏:‏ الزاهدي العابدي العالمي كافل الإسلام أتابك الجيوش‏.‏
وأنعم السلطان على مغنية قدمت معه من دمشق من جملة مغانيه بعشرة آلاف درهم وحصل لها من الدور ثلاث بذلات زركش وثلاثون تعبية قماش وأربع بذلات مقانع وخمسمائة دينار‏.‏ ثم كان آخر ما قال السلطان لتنكز‏:‏ إيش بقي لك حاجة أو بقي في نفسك شيء أقضيه لك قبل سفرك‏.‏
فقبل الأرض وقال‏:‏ والله ياخوند ما بقي في نفسي شيء أطلبه إلا أن أموت في أيامك فقال السلطان‏:‏ لا إن شاء الله تعيش أنت وأكون أنا فداءك أو أكون بعدك بقليل فقبل الأرض وانصرف وقد حسده سائر الأمراء وكثر حديثهم فيما حصل له من الإكرام الزائد‏.‏ فاتفق ما قال السلطان فإنه لم يقم بعد موت تنكز إلا مدة قليلة‏.‏

نشــــو الخلافة  وظلمه
وأما أمر النشو فإنه لم يزل على الظلم والعسف في الرعية والأقدار تساعده إلى أن قبض عليه السلطان الملك الناصر في يوم الاثنين ثاني صفر سنة أربعين وسبعمائة وعلى أخيه شرف الدين رزق الله وعلى أخيه المخلص وعلى مقدم الخاص ورفيقه‏.‏
وسبب ذلك أنه زاد في الظلم حتى قل الجالب إلى مصر وذهب أكثر أموال التجار لطرح الأصناف عليهم بأغلى الأثمان وطلب السلطان الزيادة فخاف النشو العجز فرجع عن ظلم العام إلى الخاص ورتب مع أصحابه ذلك‏.‏
وكانت عادته في كل ليلة أن يجمع إخوته وصهره ومن يثق به للنظر فيما يحدثه من المظالم فيقترح كل منهم ما يقترحه من المظالم ثم يتفرقون‏.‏
فرتبوا في ليلة من الليالي أوراقًا تشتمل على فصول يتحصل منها ألف ألف دينار عينًا وقرأها على السلطان‏:‏ منها التقاوي السلطانية المخلدة بالنواحي من الدولة الظاهرية بيبرس والمنصورية قلاوون في إقطاعات الأمراء والأجناد وجملتها مائة ألف إردب وستون ألف إردب سوى ما في بلاد السلطان من التقاوي ومنها الرزق الأحباسية الموقوفة على المساجد والجوامع والزوايا وغير ذلك وهي مائة ألف فدان وثلاثون ألف فدان‏.‏
وقرر النشو مع السلطان أن يأخذ التقاوي المذكورة وأن يلزم كل متولي إقليم باستخراجها وحملها وأن يقيم شادًا يختاره لكشف الرزق الأحباسية فما كان منها على موضع عامر بذكر الله يعطيه نصف ما يحصل ويأخذ من مزارعيه في النصف الآخر عن كل فدان مائة درهم‏.‏
قلت‏:‏ ولم يصح ذلك للنشو وصح مع أستادار زماننا هذا زين الدين يحيى الأشقر قريب بن أبي الفرج لما كان ناظر المفرد في أستادارية قزطوغان فإنه أحدث هذه المظلمة في دولة الملك الظاهر ودامت في صحيفته إلى يوم القيامة فأقول‏:‏ كم ترك الأول للآخر‏.‏ انتهى‏.‏
قال‏:‏ ويلزم المزارع بخراج ثلاث سنين وما كان من الرزق على موضع خراب أو على أهل الأرياف من الفقهاء والخطباء ونحوهم أخذوا واستخرج من مزارعيه خراج ثلاث سنين‏.‏
ومما أحدثه أيضًا أرض جزيرة الروضة تجاه مدينة مصر فإنها بيد أولاد الملوك فيستأجرها منهم الدواوين وينشئون بها سواقي الأقصاب وغيرها‏.‏ ومنها ما باعه أولاد الملوك بأبخس الأثمان‏.‏ وقرر النشو مع السلطان أخذ أراضي الروضة للخاص‏.‏ ومنها فإن أكثرهم عبيد الدواوين ونساؤهم وغلمانهم يكتبونها باسم زيد وعمرو وذكر النشو للسلطان أشياء كثيرة من هذه المقولة إلى أن تعرض للأمير آقبغا عبد الواحد ولأمواله وحواصله وحسن للسلطان القبض عليه وشرع في عمل ماقاله‏.‏
فعظم ذلك على الناس وتراموا على خواص السلطان من الأمراء وغيرهم فكلموا السلطان في ذلك وعرفوه قبح سيرة النشو وما قصده إلا خراب مملكة السلطان ثم رميت للسلطان عدة أوراق في حق النشو فيها مكتوب‏:‏ السريع أمعنت في الظلم وأكثرته وزدت يانشو على العالم ترى من الظالم فيكم لنا فلعنة الله على الظالم وأبيات أخر‏.‏
وكان السلطان أرسل قرمجي إلى تنكز لكشف أخبار النشو بالبلاد الشامية فعاد بمكاتبات تنكز بالحط عليه وذكر قبح سيرته وظلمه وعسفه‏.‏ وكان النشو قد حصل له قولنج انقطع منه أيامًا‏.‏ ثم طلع إلى القلعة وأثر المرض في وجهه وقرر مع السلطان إيقاع الحوطة على آقبغا عبد الواحد من الغد وكان ذلك في أول يوم من صفر‏.‏
وتقرر الحال على أنه يجلس النشو على باب الخزانة فإذا خرج الأمير بشتك من الخدمة جلس معه ثم يتوجهان إلى بيت آقبغا ويقبضان عليه‏.‏

هل هى نبوءه عن  إنتقام الملك الناصر من النشو أم مكيدة ؟
فلما عاد النشو إلى داره عبر الحمام ليلة الاثنين ومعه شمس الدين محمد بن الأكفاني وقد قال له بن الأكفاني بأن عليه في هذا الشهر قطعًا عظيمًا فأمر النشو بعض عبيده السودان أن يحلق رأسه ويجرحه بحيث يسيل الدم على جسده ليكون ذلك حظه من القطع ففعل به ذلك وتباشروا بما دفع الله عنه من السوء‏.‏
ثم خرج النشو من الحمام وكان الأمير يلبغا اليحياوي أحد خواص السلطان ومماليكه قد توعك جسده توعكًا صعبًا فقلق السلطان عليه وأقام عنده لكثرة شغفه به فقال له يلبغا فيما قال‏:‏ ياخوند قد عظم إحسانك لي ووجب نصحك علي والمصلحة القبض على النشو وإلا دخل عليك الدخيل فإنه ما عندك أحد من مماليكك إلا وهو يترقب غفلة منك وقد عرفتك ونصحتك قبل أن أموت وبكى‏.‏
وبكى السلطان لبكائه وقام السلطان وهو لا يعقل لكثرة ما داخله من الوهم لثقته بمحبة يلبغا له وطلب بشتك في الحال وعرفه أن الناس قد كرهوا هذا النشو وأنه عزم على الإيقاع به فخاف بشتك أن يكون ذلك امتحانًا من السلطان ثم وجد عزمه قويًا في القبض عليه فاقتضى الحال إحضار الأمير قوصون أيضًا فحضر وقوي عزم السلطان على ذاك وما زالا به حتى قرر معهما أخذه والقبض عليه‏.‏

وشاية الأمراء المماليك على النشو
وأصبح النشو وفي ذهنه أن القطع الذي تخوف منه قد زال عنه بما دبره ابن الأكفاني من إسالة دمه‏.‏ ثم علق عليه عدة من العقود والطلسمات والحروز وركب إلى القلعة وجلس بين يدي السلطان على عادته وأخذ معه في الكلام على القبض على آقبغا عبد الواحد فأمره السلطان أن يجلس على باب خزانة القصر حتى يخرج إليه الأمير بشتك ثم يمضيا لإيقاع الحوطة على موجود آقبغا عبد الواحد ثم نهض النشو وتوجه إلى باب الخزانة وجلس عليها ينتظر مواعدة بشتك‏.‏
فعندما قام النشو طلب السلطان المقدم بن صابر وأسر إليه أن يقف بجماعته على باب القلعة وعلى باب القرافة ولا يدعوا أحدًا من حواشي النشو وجماعته وأقاربه وإخوته أن ينزلوا ويقبضوا عليهم الجميع‏.‏
وأمر السلطان بشتك وبرسبغا الحاجب أن يمضيا إلى النشو ويقبضا عليه وعلى أقاربه‏.‏ فخرج بشتك وجلس بباب الخزانة وطلب النشو من داخلها فظن النشو أنه جاء لميعاده مع السلطان حتى يحتاطا على موجود آقبغا فساعة ما وقع بصره عليه أمر مماليكه بأخذه فأخذوه إلى بيته بالقلعة وبعث إلى بيت الأمير ملكتمر الحجازي فقبض على أخيه رزق الله ثم أخذ أخاه المخلص وسائر أقاربه‏.‏ وطار الخبر في القاهرة ومصر فخرج الناس كلهم كأنهم جراد منتشر‏.‏
وركب الأمير آقبغا عبد الواحد والأمير طيبغا المجدي والأمير بيغرا والأمير برسبغا لإيقاع الحوطة على بيوت النشو وأقاربه وحواشيه ومعهم عدوه جمال الكفاة كاتب الأمير بشتك وشهود الخزانة‏.‏
وأخذ السلطان يقول للأمراء‏:‏ كم تقولون النشو ينهب مال الناس الساعة ننظر المال الذي عنده وكان السلطان يظن أنه يؤديه الأمانة وأنه لا مال له‏.‏
فندم الأمراء على تحسينهم مسك النشو خوفًا من ألا يظهر له مال لاسيما قوصون وبشتك من أجل أنهما كانا بالغا في الحط عليه فكثر قلقهما ولم يأكلا طعامًا نهارهما وبعثا في الكشف على الخبر‏.‏
فلما أوقع الأمراء الحوطة على دور الممسوكين بلغهم أن حريم النشو في بستان في جزيرة الفيل فساروا إليه وهجموا عليه فوجدوا ستين جارية وأم النشو وامرأته وإخوته وولديه وسائر أهله وعندهم مائتا قنطار عنب وقند كثير ومعاصر وهم في عصر العنب‏.‏ فختموا على الدور والحواصل ولم يتهيأ لهم نقل شيء منها‏.‏
هذا وقد غلقت الأسواق بمصر والقاهرة واجتمع الناس بالرميلة تحت القلعة ومعهم النساء والأطفال وقد أشعلوا الشموع ورفعوا على رؤوسهم المصاحف ونشروا الأعلام وهم يصيحون استبشارًا وفرحًا بقبض النشو والأمراء تشير إليهم أن يكثروا مماهم فيه واستمروا ليلة الثلاثاء على ذلك فلما أصبحوا وقع الصوت من داخل القلعة بأن رزق الله أخا النشو قد قتل نفسه وهو أنه لما قبض عليه قوصون وكل به أمير شكاره فسجنه ببعض الخزائن فلما طلع الفجر قام الأمير شكار إلى صلاة الصبح فقام رزق الله وأخذ من حياصته سكينًا ووضعها في نحره حتى نفذت منه وقطعت ورائده فلم يشعر أمير شكار إلا وهو يشخر وقد تلف فصاح أمير شكار حتى بلغ صياحه قوصون فانزعج لذلك وضرب أمير شكاره ضربًا مبرحًا إلى أن علم السلطان الخبر فلم يكترث به‏.‏
وفي يوم الاثنين المذكور أفرج السلطان عن الصاحب شمس الدين موسى ابن التاج إسحاق وأخيه ونزلا من القلعة إلى الجامع الجديد الناصري بمصر‏.‏
وكان شمس الدين هذا قد وشى به النشو حتى قبض عليه السلطان وأجرى عليه العقوبة أشهرًا إلى أن أشيع موته غير مرة وقد ذكرنا أمر عقوبة شمس الدين هذا وما وقع له في ترجمته في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي فإن في سيرته عجائب فلينظر هناك‏.‏

القبض على النشو والتنكيل به الإستيلاء على ثروته
قال الشيخ كمال الدين جعفر الأدفوي في يوم الاثنين هذا وفي معنى مسك النشو وغيره هذه الأبيات‏:‏ الخفيف إن يوم الاثنين يوم سعيد فيه لا شك للبرية عيد أخذ الله فيه فرعون مصر وغدا النيل في رباه يزيد وقال الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفي في معنى مسك النشو والإفراج عن شمس الدين موسى وزيادة النيل هذه الأبيات‏:‏ الطويل لقد ظهرت في يوم الاثنين آية أزالت بنعماها عن العالم البوسا تزايد بحر النيل فيه وأغرقت به آل فرعون وفيه نجا موسى وفي المعنى يقول أيضًا القاضي علاء الدين علي بن يحيى بن فضل الله كاتب السر‏:‏ البسيط في يوم الاثنين ثاني الشهر من صفر ندىس البشير إلى أن أسمع الفلكا يا أهل مصر نجا موسى ونيلكمو طغى وفرعون وهوالنشو قد هلكا ثم في يوم الثلاثاء نودي بالقاهرة ومصر‏:‏ بيعوا واشتروا واحمدوا الله تعالى على خلاصكم من النشو‏.‏
ثم أخرج رزق الله أخو النشو ميتًا في تابوت امرأة حتى دفن في مقابر النصارى خوفًا عليه من العامة أن تحرقه‏.‏
ثم دخل الأمير بشتك على السلطان واستعفى من تسليم النشو خشية مما جرى على أخيه فأمر السلطان أن يهدده على إخراج المال ثم يسلمه لابن صابر فأوقفه بشتك وأهانه فالتزم إن أفرج عنه جمع للسلطان من أقاربه خزانة مال ثم تسلمه ابن صابر فأخذه ليمضي به إلى قاعة الصاحب فتكاثرت العامة لرجمه حتى طردهم نقيب الجيش وأخرجه والجنزير في عنقه حتى أدخله قاعة الصاحب والعامة تحمل عليه حملة بعد حملة والنقباء تطردهم‏.‏
ثم طلب السلطان في اليوم المذكور جمال الكفاة إبراهيم كاتب الأمير بشتك وخلع عليه واستقر في وظيفة نظر الخاص عوضًا عن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله المعروف بالنشو بعد تمنعه‏.‏
ورسم له أن ينزل للحوطة على النشو وأقاربه ومعه الأمير آقبغا عبد الواحد وبرسبغا الحاجب وشهود الخزانة‏.‏
فنزل بتشريفه وركب بغلة النشو حتى أخرج حواصله وقد أغلق الناس الأسواق وتجمعوا ومعهم الطبول والشموع وأنواع الملاهي وأرباب الخيال بحيث لم يبق حانوت بالقاهرة مفتوح نهارهم كله‏.‏
ثم ساروا مع الأمراء على حالهم إلى تحت القلعة وصاحوا صيحة واحدة حتى انزعج السلطان وأمر الأمير أيدغمش بطردهم‏.‏
ودخلوا الأمراء على السلطان بما وجدوه للنش

و وهو من العين خمسة عشر ألف دينار مصرية‏.‏ وألفان وخمسمائة حبة لؤلؤ قيمة كل حبة مابين ألفي درهم إلى ألف درهم‏.‏ وسبعون فص بلخش قيمة كل فص ما بين خمسة آلاف درهم إلى ألفي درهم‏.‏ وقطعة زمرد فاخر زنتها رطل‏.‏ ونيف وستون حبلًا من لؤلؤ كبار زنة ذلك أربعمائة مثقال‏.‏ ومائة وسبعون خاتم ذهب وفضة بفصوص مثمنة‏.‏ وكف مريم مرصع بجوهر‏.‏ وصليب ذهب مرصع‏.‏ وعدة قطع زركش سوى حواصل لم تفتح‏.‏
ذكاء النشو وإدعاءه الفقر
فخجل السلطان لما رأى ذلك وقال للأمراء‏:‏ ‏"‏ لعن الله الأقباط ومن يأمنهم أو يصدقهم وذلك أن النشو كان يظهر له الفاقة بحيث إنه كان يقترض الخمسين درهمًا والثلاثين درهمًا حتى ينفقها‏.‏
وبعث في بعض الليالي إلى جمال الدين إبراهيم بن المغريي رئيس الأطباء يطلب منه مائة درهم ويذكر له أنه طرقه ضيف ولم يجد له ما يعشيه به وقصد بذلك أن يكون له شاهد عند السلطان بما يدعيه من الفقر‏.‏
فلما كان في بعض الأيام شكا النشو الفاقة للسلطان وابن المغربي حاضر فذكر للسلطان أنه اقترض منه في ليلة كذا مائة درهم فمشى ذلك على السلطان وتقرر في ذهنه أنه فقير لا مال له‏.‏ انتهى‏.‏

ثـــروة النشو الخيالية
واستمر الأمراء تنزل كل يوم لإخراج حواصل النشو فوجدوا في بعض الأيام من الصيني والبلور وفي يوم الخميس خامسه زينت القاهرة ومصر بسبب قبض النشو زينة هائلة دامت سبعة أيام وعملت أفراح كثيرة‏.‏
وعملت العامة فيه عدة أزجال وبلاليق وأظهروا من الفرح واللهو والخيال ما يجل وصفه‏.‏
ووجدت مآكل كثيرة في حواصل النشو منها‏:‏ نحو مائتي مطر مملوءة ملوحة وثمانين مطر جبن وأحمال كثيرة من سواقة الشام‏.‏ ووجد له أربعمائة بذلة قماش جديدة وثمانون بذلة قماش مستعمل‏.‏ ووجد له ستون بغلطاق نسائي مزركش ومناديل زركش عدة كثيرة‏.‏
ووجد له صناديق كثيرة فيها قماش سكندري مما عمل برسم الحرة جهة ملك المغرب قد اختلسه النشو وكثير من قماش الأمراء الذين ماتوا والذين قبض عليهم‏.‏ ووجد له مملوك تركي قد خصاه هو واثنين معه ماتا وخصى أيضًا أربعة عبيد فماتوا فطلب السلطان الذي خصاهم وضربه بالمقارع وجرس‏.‏
وتتبعت أصحابة وضرب منهم جماعة‏.‏
ثم وجد بعد ذلك بمدة لإخوة النشو ذخائر نفيسة منها لصهره ولي الدولة صندوق فيه مائة وسبعون فص بلخش‏.‏ وست وثلاثون مرسلة مكللة بالجوهر‏.‏ وإحدى عشرة عنبرينة مكللة بلؤلؤ كبار‏.‏
وعشرون طراز زركش وغير ذلك ما بين لؤلؤ منظوم وزمرد وكوافي زركش قوموا بأربعة وعشرين ألف دينار‏.‏
وضرب المخلص أخو النشو ومفلح عبده بالمقارع فأظهر المخلص الإسلام‏.‏
امر الملك الناصر بقتل النشو

ثم في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شهر ربيع الأول وجدت ورقة بين فرش السلطان فيها‏:‏ المملوك بيرم ناصح السلطان يقبل الأرض وينهي‏:‏ إنني أكلت رزقك وأنت قوام المسلمين ويجب على كل أحد نصحك وإن بشتك وآقبغا عبد الواحد اتفقا على قتلك مع جماعة من المماليك فاحترس على نفسك‏.‏
وكان بشتك في ذلك اليوم قد توجه بكرة النهار إلى جهة الصعيد فطلب السلطان الأمير قوصون والأمير آقبغا عبد الواحد وأوقفهما على الورقة فكاد عقل آقبغا أن يختلط من شدة الرعب‏.‏
وأخذ الأمير قوصون يعرف السلطان أن هذا فعل من يريد التشويش على السلطان وتغيير خاطره على مماليكه‏.‏
فأخرج السلطان البريد في الحال لرد الأمير بشتك فأدركه بإطفيح وقد مد سماطه فلما بلغه الخبر قام ولم يمد يده إلى شيء منه‏.‏ وجد في سيره حتى دخل على السلطان فأوقفه السلطان على الورقة فتنصل مما رمي به كما تنصل آقبغا واستسلم وقال‏:‏ هذه نفسي ومالي بين يدي السلطان‏.‏ وإنما حمل من رماني بذلك الحسد على قربي من السلطان وعظم إحسانه إلي ونحو هذا حتى رق له السلطان وأمره أن يعود إلى الصيد إلى جهة قصده‏.‏
ثم طلب السلطان ناظر ديوان الجيش ورسم له أن يكتب كل من اسمه بيرم ويحضره إلى آقبغا عبد الواحد‏.‏
فارتجت القلعة والمدينة فطلب ناظر الجيش المذكورين وعرضهم وأخذ خطوطهم ليقابل بها كتابة الورقة فلم يجده‏.‏
فلما أعيا آقبغا الظفر بالغريم اتهم النشو أنها من مكايده‏.‏
واشتد قلق السلطان وكثر انزعاجه بحيث إنه لم يستطع أن يقر بمكان واحد وطلب والي القاهرة وأمره بهدم ما بالقاهرة من حوانيت صناع النشاب وينادي‏:‏ من عمل نشابًا شنق فامتثل ذلك‏.‏
وخرب جميع مرامي النشاب وغلقت حوانيت القواسين‏.‏ ونزل الأمير برسبغا إلى الأمراء جميعهم وعرفهم عن السلطان أن من رمى من مماليكم بالنشاب أو حمل قوسًا كان أستاذه عوضًا عنه في التلاف وألا يركب أحد من الأمراء بسلاح ولا تركاش‏.‏

وبينما الناس في هذا الهول الشديد إذ دخل رجل يعرف بابن الأزرق كان أبوه ممن مات في عقوبة النشو له عند مصادرته لجمال الكفاة وقد تقدم ذكر بن الأزرق في أمر بناء جامع الخطيري وطلب الورقة ليعرفهم من كتبها فقام جمال الكفاة إلى السلطان ومعه الرجل فلما وقف عليها قال‏:‏ يا خوند هذه خط أحمد الخطائي وهو رجل عند ولي الدولة صهر النشو يلعب معه النرد ويعاقره الخمر فطلب المذكور وحاققه الرجل محاققة طويلة فلم يعترف فعوقب عقوبات مؤلمة إلى أن أقر بأن ولي الدولة أمره بكتابتها فجمع بينه وبين ولي الدولة فأنكر ولي الدولة ذلك وطلب أن يرى الورقة فلما رآها حلف جهد أيمانه أنها خط بن الأزرق الشاكي لينال منه غرضه من أجل أن النشو قتل أباه وحاققه على ذلك‏.‏ فاقتضى الحال عقوبة بن الأزرق فاعترف أنها كتابته وأنه أراد أن يأخذ بثأر أبيه من النشو وأهله‏.‏ فعفا السلطان عن بن الأزرق ورسم بحبس بن الخطائي‏.‏
ورسم لبرسبغا الحاجب وابن صابر المقدم أن يعاقبا النشو وأهله حتى يموتوا‏.‏ وأذن السلطان للأجناد في حمل النشاب في السفر دون الحضر فصارت هذه عادة إلى اليوم‏.‏
ويقال إن سبب عقوبة النشو أن أمراء المشورة تحدثوا مع السلطان وكان الذي ابتدأ بالكلام سنجر الجاولي وقبل الأرض وقال‏:‏ حاشى مولانا السلطان من شغل الخاطر وضيق الصدر فقال السلطان‏:‏ يا أمراء هؤلاء مماليكي أنشأتهم وأعطيتهم العطاء الجزيل وقد بلغني عنهم ما لا يليق فقال الجاولي‏:‏ حاشى لله أن يبدو من مماليك السلطان شيء من هذا غير أن علم مولانا السلطان محيط بأن ملك الخلفاء ما زال إلا بسبب الكتاب وغالب السلاطين ما دخل عليهم الدخيل إلا من جهة الوزراء ومولانا السلطان ما يحتاج في هذا إلى أن يعرفه أحد بما جرى لهم ومن المصلحة قتل هذا الكلب وإراحة الناس منه فوافقه الجميع على ذلك فضرب المخلص أخو النشو في هذا اليوم بالمقارع وكان ذلك في يوم الخميس رابع عشرين شهر ربيع الأول حتى هلك يوم الجمعة العصر ودفن بمقابر اليهود‏.‏ ثم ماتت أمه عقيبه‏.‏
ثم مات ولي الدولة عامل المتجر تحت العقوبة ورمي للكلاب هذا والعقوبة تتنوع على النشو حتى هلك يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر من سنة أربعين وسبعمائة فوجد النشو بغير ختان‏.‏
وكتب به محضر ودفن بمقابر اليهود بكفن قيمته أربعة دراهم ووكل بقبره من يحرسه مدة أسبوع خوفًا من العامة أن تنبشه وتحرقه‏.‏ وكان مدة ولايته وجوره سبع سنين وسبعة أشهر‏.‏
ثم أحضر ولي الدولة صهر النشو وهذا بخلاف ولي الدولة عامل المتجر الذي تقدم وأمر السلطان بعقوبته فدل على ذخائر النشو ما بين ذهب وأوان فطلبت جماعة بسبب ودائع النشو وشمل الضرر غير واحد‏.‏
وكان موجود النشو سوى الصندوق الذي أخذه السلطان شيئًا كثيرًا جدًا عمل لبيعه تسع وعشرون حلقة بلغت قيمته خمسة وسبعين ألف درهم‏.‏
وكان جملة ما أخذ منه سوى الصندوق نحو مائتي ألف دينار‏.‏ ووجد لولي الدولة عامل المتجر ما قيمته خمسون ألف دينار‏.‏ ووجد لولي الدولة صهر النشو زيادة على مائتي ألف دينار‏.‏ وبيعت للنشو دور بمائتي ألف درهم‏.‏
وركب الأمير آقبغا عد الواحد إلى دور آل النشو فخربها كلها حتى ساوى بها الأرض وحرثها بالمحاريث في طلب الخبايا فلم يجد بها من الخبايا إلا القليل‏.‏ انتهى‏.‏
النشو
وتوفي الوزير الصاحب شمس الدين موسى بن أبي إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم القبطي المصري‏ فى سنة 771 هـ .‏
أسلم أبوه وتولى نظر الجيش والخاص بعد كريم الدين الكبير واستناب ابنه هذا وكان يوم ذاك ناظر الخزانة الشريفة‏.‏
فلما مات أبوه في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة استقر مكانه في نظر الخاص فباشر فيه مدة وصرف بالنشو واستقر في نظر الجيش عوضًا عن الفخر فلم تطل مدته وأمسك بسعي النشو وسلم هو وأخوه علم الدين ناظر الدولة إلى النشو فأوقع الحوطة على موجودهما فوجد لهما ما لا يوصف‏:‏ من ذلك أربعمائة سراويل لزوجته‏.‏ واستقر عوضه في نظر الجيش مكين الدين إبراهيم بن قروينة‏.‏ واستمر موسى في المصادرة وأجري عليه العذاب ألوانًا‏.‏
وأمره أعجب من العجب وهو أنه كان قبل مصادرته نحيف البدن قليل الأكل لا يزال سقيمًا بالربو وضيق النفس‏.‏ وكانت تلزمه الحمى الصالبة فلا يبرح محتميًا ويلبس الفراء شتاء وصيفًا فبنى له أبوه بيتًا في الروضة ووكل به الأطباء يدبرون له الأغذية الصالحة ويعالجونه وهو على ما هو عليه إلى أن قبض عليه وصودر وسلم لوالي القاهرة ناصر الدين محمد بن المحسني‏.‏
ثم نقل إلى لؤلؤ شاد الدواوين وكان النشو يغريهما على قتله فضمن لؤلؤ للنشو قتله‏.‏ فضربه أول يوم مائتي شيب‏.‏
وسعطه بالماء والملح وبالخل والجير حتى قوي عنده أنه مات فأصبح سويًا فضربه بعد ذلك حتى أعياه أمره وعقد له المقرعة التي يضربه بها فكانت إذا نزلت على جنبه لثقبه‏.‏ فكان يضربه بتلك المقرعة حتى يقولوا مات فيصبح فيعيدون العذاب والتسعيط‏.‏
فصار يقيم اليوم واليومين والثلاثة لا يمكن فيها من أكل ولا شرب‏.‏ وكانوا إذا عاقبوه وفرغوا رموه عريانًا في قوة الشتاء على البلاط فيتمرغ عليه بجسمه وهو لا يعي من شدة الضرب والعقوبة‏.‏ كل ذلك والنشو يستحث على قتله‏.‏
ثم عصروه في كعبيه وصدغيه حتى لهجوا بموته وبشروا النشو بموته غير مرة‏.‏ ثم يتحرك فيجدوه حيًا‏.‏ واستمر على ذلك أشهرًا‏.‏ ثم ترك نحو الشهر لما أعياهم أمره وأعادوا عليه العقوبة وعلى زوجته بنت الشمس غبريال - وكانت كحاله في ضعف البدن والنحافة - وكانت حاملًا فولدت وهي تعصر فعاش ولدها حتى كبر‏.‏
وما زالا في العقوبة حتى هلك النشو وهو يقول‏:‏ أموت وفي قلبي حسرة من موسى بن التاج‏.‏ فمات النشو ولم ينل فيه غرضه‏.‏
قيل‏:‏ إن مجموع ما ضرب موسى هذا ستة عشر ألف شيب حتى أنه ضرب مرة فوقع من ظهره قطعة لحم بقدر الرغيف‏.‏
وأعجب من هذا كله أنه لما أطلق تعافى مما كان به من الأمراض المزمنة القديمة وصار صحيح البدن‏.‏
ثم أفرج عنه الملك الناصر محمد وأكرمه وأنعم عليه ببغلة النشو ورد عليه أشياء كثيرة وولاه نظر جيش دمشق ثم ولي نظر الخاص ثانيًا وأضيف إليه نظر الخزانة الشريفة‏.‏ وساءت سيرته واستعفى وأعيد إلى دمشق وزيرًا‏.‏ ولم يزل يتنقل في الوظائف إلى أن مات في هذا التاريخ‏.‏ وقد أطلنا في ذكره لما أوردناه من الغرائب‏.‏ انتهى‏.‏
 

This site was last updated 05/12/08