Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

المؤرحين المسلمين يذكرون أن الجامع الأموى أصله كنيسة مار يوحنا المعمدان

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
المؤرخين والجامع الأموى
مسجد سنى أم شيعة

Hit Counter

مؤرخ مسلم فى كتاب قديم يسرد كيف أستولى المسلمين على كنيسة مار يوحنا المعمدان وحولوها جامعاً

 

"نزهة الأنام في محاسن الشام"، لمؤلفه أحد علماء القرن التاسع، أبي البقاء عبد الله بن محمد البدري المصري الدمشقي. وأشير هنا إلى أن النقل من الكتاب هو حرفي، أما ما جاء بين قوسين فهو توضيحات لعبارات قمت بها أو تعليقات على أحداث شئتُ إبرازها.


يقول المؤلف نقلاً عن الحافظ بن عساكر: "لما فتح الله تعالى على المسلمين الشام بكماله (بلاد الشام كلها) ومن جملته (ومن ضمنها) دمشق المحروسة بجميع أعمالها وأنزل الله رحمته فيها وساق برّه إليها، كتب أمير المؤمنين وهو إذ ذاك أبو عبيدة رضي الله عنه كتاب أمان وأقرّ بأيدي النصارى (ترك لهم) أربع عشرة كنيسة (جزاه الله خيراً، وكأني به قد ترك لهم شيئاً من ملكه) وأخذ منهم نصف هذه الكنيسة، وأخذ منهم التي كانوا يسمونها كنيسة مر يحنا (مار يوحنا) بحكم أن البلد فتحه خالد بن الوليد رضي الله عنه من الباب الشرقي بالسيف وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة وهو على باب الجابية، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحاً ونصفه عنوة، فأخذ المسلمون نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة رضي الله عنه مسجداً وكانت قد صارت إليه إمارة الشام فكان أول من صلى فيه أبو عبيدة رضي الله عنه ثم الصحابة بعده في البقعة التي يقال لها محراب الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن الجدار مفتوحاً بمحراب محنى وإنما كان المسلمون يصلون عند هذه البقعة المباركة. وكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأصلي الذي كان في جهة القبلة مكان المحراب الكبير الذي هو اليوم حسبما سلف لنا ذكره، فينصرف النصارى إلى جهة الغرب لكنيستهم ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم. ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم ولا يضربون بناقوس إجلالاً للصحابة رضي الله عنهم ومهابة لهم وخوفاً منهم!." (هذا دليل ساطع على المضايقات التي كان يتعرّض لها المسيحيون، وكان يجدر بالمؤرخ أن يقول أن المسلمين قد فرضوا على المسيحيين أن لا يجهروا بقراءة كتابهم وأن يمتنعوا عن قرع نواقيسهم طالما أنه اعترف بأنهم كانوا لا يفعلون ذلك إلاّ خوفاً ومهابة رغم أنه حشر كلمة "إجلالاً للصحابة" حشراً لا معنى له!)

"وقال ابن عساكر: لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين وجعل الجميع مسجداً واحداً، وذلك لتأذَي المسلمين بسماع قراءة النصارى في الإنجيل ورفع أصواتهم في الصلاة، (ويا له من قول عدل: الغريب يتأذّى بصاحب الحق يرفع صوته بالصلاة داخل بيته!) فأحبَّ أن يبعدهم عن المسلمين فطلب النصارى وسألهم أن يخرجوا عن بقية الكنيسة ويعوّضهم إقطاعات كثيرة عرضها عليهم وأن يقرّ لهم أربع كنائس لم تدخل في العهد (أي أن يسمح لهم بإبقاء أربع كنائس من كنائسهم لهم، وهذا دليل على أن هناك كنائس أخرى لم يتعهّد المسلمون على إبقائها بأيدي المسيحيين عند افتتاحهم للشام إذ كان بنيتهم الاستيلاء عليها أيضاً فيما بعد والعرض بإبقائها بين أيدي المسيحيين لا يجوز أن ينظر إليه على أنه كرم حاتمي ، فالكنائس هي بالأساس ملك المسيحيين) وهي كنيسة مريم وكنيسة المُصلَّبة وكلاهما داخل الباب الشرقي وكنيسة تل الجبن وكنيسة حميد بن درّة التي بدرب الصيقل، (سميت بهذا الاسم لأن الدرب أي الطريق كان إقطاعاً لحميد بن عمرو بن مساحق القرشي العامري وأمه درة بنت أبي هاشم خال معاوية بن أبي سفيان. وكان الخلفاء يمنحون الإقطاعات من الأراضي التي يحتلونها لمن شاؤوا من أتباعهم ) فأبوا ذلك (رفضوا) أشدّ الأباء، فقال: أئتونا بعهدكم الذي بأيديكم في زمن الصحابة، فقُرئَ (العهد) بحضرة الوليد، فإذا كنيسة توما التي كانت خارج باب توما لم تدخل في العهد، وكانت فيما يُقال أكبر من كنيسة مر يحنا (ليس في التاريخ ما يشير إلى وجود كنيسة أكبر من كنيسة مار يوحنا في دمشق آنذاك) فقال أنا أهدمها وأجعلها مسجداً، فقالوا بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى بأن يأخذ بقيـة كنيسـة مر يحنا، (أي أنهم اضطروا للرضوخ لعمليـة التهديد والابتزاز) فأقـرّهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية الكنيسة. (أي أعطاهم شيئاً يملكونه مقابل أخذ شيء مما يملكون، ومع ذلك يحلو للمسلمين تسمية ذلك بالمفاوضات!..) ثم أمر الوليد بالهدم، فجاءت أساقفة النصارى وقساوستهم وقد ندموا (يندم الإنسان على عملٍ قام به بمحض إرادته، ولا يندم على القيام بعملٍ فُرض عليه فرضاً) فقالوا يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال أنا أحب أن أجن في الله، والله لا يهدم فيها أحد قبلي، ثم صعد المنارة الغربية وكانت صومعة عظيمة، فإذا فيها راهب فأمره بالنزول منها فأبى الراهب، فأخذه بقفاه وحدّره منها (أي دحرجه من أعلاها، فيا لهذه المفاوضات ولهذه المعاملة الرحيمة التي اشتهر بها الفاتحون!) ثم وقف على أعلى مكان منها فوق المذبح الأكبر الذي يسمونه الشاهد وأخذ فأساً وضرب أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء والأجناد إلى الهدم بالتكبير والتهليل، والنصارى تصرخ بالعويل على درج باب البريد وجيرون وقد اجتمعوا، فأمر الوليد صاحب الشرط (رئيس الشرطة) أن يضربهم، وهدم المسلمون جميع ما كان من آثارهم من المذابح والحنايا حتى بقي صرحةً مربعة. (لم تهدم الكنيسة بأكملها بل أبقي على هيكلها الخارجي الذي لا زالت أثار المسيحية ظاهرة عليه)

ويتابع الكتاب قائلاً: "واستعمل الوليد في هذا المسجد خلقاً كثيراً (عدداً كبيراً من الناس) من الصناع والمهندسين والمرخّمين. وكان المُسْتَحثّ على عمارته (أي الموكل إليه بشؤون بنائه) أخوه سليمان بن عبد الملك، ويقال أن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعاً في الرخام والأحجار وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد ، وأرسل يتوعّده إن لم يفعل ليغزونَّ بلاده بالجيوش وليخربنَّ كل كنيسة في بلاده حتى القيامة التي بالقدس الشريف ويهدم كنيسة الرها وجميع آثار الروم (فليتأمل القارئ بهذا الابتزاز أيضاً) . فبعث ملك الروم صناعاً كثيرة جداً (فعل ذلك خوفاً على تلك الكنائس وليس خوفاً من اجتياح المسلمين لبلاده إذ لو استطاعوا لما توانوا عن ذلك) وكتب إليه (ملك الروم) يقول له: إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يفهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليه! فأراد (الوليد) أن يكتب إليه الجواب، وإذا بالفرزدق الشاعر دخل عليه فأخبره بما (أي أطلعه على ما) كتبه ملك الروم فقال (الشاعر) يا أمير المؤمنين أنت جعلت أخاك سليمان هو القائم بأمر العمارة (أي أنك لست المسؤول عن ذلك لأن أمر العمارة هو بيد سليمان) والجواب بنص القرآن، (أي يمكنك الإجابة على ذلك بالاستشهاد بنص القرآن الذي يقول) " ففهَّمناها سـليمان وكُلاًّ آتينا حكماً وعلماً!" (سورة الأنبياء 79 ) . فأعجب ذلك الوليد وأرسل به جواباً لملك الروم. (هنا يظهر استهتار الوليد في استعماله لآية قرآنية قصد بها القرآن الملك سليمان الحكيم فأجاب بها يسخر بتأنيب ملك الروم له على قيامه بعمل ينافي الأصول والأخلاق. ويذكر الدكتور فيليب حتي في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين" أن الوليد أرسل إلى إمبراطور الروم في طلب مئة من الفنانين اليونان لبناء المسجد، بينما يذكر ابن عساكر وكتاب العيون، أن عدد الصناع كان مئة ألف وأن بعضهم استخدموا في مكة والمدينة. وهنا يتبين لنا أن المسلمين لم يكتفوا بسلب المسيحيين كنيستهم بل استعانوا لبناء جامعهم على أنقاض هيكلها بالروم المسيحيين بالإضافة إلى الصناع الهنود والفارسيين ثم قالوا بعد ذلك بأن البناء قد أتى قمة في فن العمارة العربي الإسلامي!)
ويتابع الكتاب قائلاً: "وعن يزيد بن واقد قال: وكّلني الوليد على العمال في بناء الجامع فوجدنا فيه مغارة فعرّفنا (أي أعلمنا) الوليد. فلما كان الليل وافى وبين يديه الشمع فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع ، وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط (إناء) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا. فأمر الوليد بردّه إلى مكانه وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مُعيَّناً بين الأعمدة. فجعلوا عليه عموداً مسفّط الرأس ."
يتابع الكتاب قائلاً: "وقال بعض المؤرخين، أن الشرقية (أي المنارة الشرقية من الجامع) احترقت في سنة أربعين وسبعمائة فنقضت وجددت من أموال النصارى لكونهم اتّهموا بحرقها وأقرّ بعضهم بذلك، (إذا فُرض عليهم القبول بالتنازل عن الكنيسة فلا يُستبعد أيضاً أن يكون الإقرار قد فرض عليهم، فلم يكن كافياً أنهم قد استولوا على الكنيسة ثم عمروا الجامع بأيدي المسيحيين، بل أيضاً كلما حدث حادث للجامع اتهموا المسيحيين به وفرضوا عليهم إصلاح الضرر من أموالهم!) ، فقامت على أحسن شكل، وقال بعض العلماء في المنارة الشرقية البيضاء التي ينزل عليها عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان بعد خروج الدجال كما ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان والله أعلم.
يتابع الكتاب قائلاً: "ومن محاسن الشام ما وصف جامعَها به العلامة اليعقوبي، قال: مدينة دمشق جليلة قديمة وهي مدينة الشام في الجاهلية والإسلام.. وأما جامعها فليس في مدائن الإسلام أحسن منه، بناه الوليد في خلافته بالرخام والذهب سنة ثمان وثمانين." وينقل الكتاب عن مؤرخ آخر وهو الشيخ بن جبير، قوله: "وكان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لما دخلها، صالح النصارى بأن أخذ نصف الكنيسة الشرقي فصيره مسجداً وبقي النصف الغربي للنصارى، فأخذه الوليد وأدخله في الجامع (ضمّه إلى الجامع) بعد أن أرغبهم في التعويض عنه، فأبوا فأخذه قسراً!"
ولتبرير استيلاء المسلمين على كنيسة القديس يوحنا وتحويلها إلى مسجد رغم معارضة المسيحيين الشديدة وعويلهم وصراخهم وهم يشاهدونهم يهدمون بروجها وهياكلها، ربما يتفذلك البعض بالقول أن أموراً كهذه تحدث، عندما تحتل جيوش دولةٍ ما دولةً أخرى، وهذه نتيجة من نتائج الحروب والصراعات بين الأمم! ولكننا إذا أخذنا بهذه الفذلكة من المنطلق نفسه، فلماذا يتوقّع المسلمون تعاطفاً من العالم معهم ومع عويلهم وصراخهم واحتجاجاتهم ضد إسرائيل وأعمال التنقيب التي تجريها تحت مسجد القدس؟.. يكفي أن اليهود يبررون ذلك ببحثهم عن تاريخ لهم تحت المسجد، فأي تاريخ للمسلمين كان يربطهم بكنيسة القديس يوحنا؟ وهنا أود أن أشير إلى خبر نشرته الصحف العربية في أيلول 1994 يقول: "أعلنت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في مكة عن استنكارها الشديد لإقدام السلطات الإسرائيلية على إقامة ستار حديدي يقسم الحرم الإبراهيمي الشريف إلى قسمين وتخصيص أحدهما للمستوطنين اليهود.. وذكرت الرابطة في احتجاجها أن إسرائيل تثبت مرة أخرى للرأي العام العالمي عدم احترامها للمقدسات الدينية!!!!!"
إن وزارة الأوقاف السورية، إذ تقوم اليوم بعمليات إصلاح وتجديد وترميم كبيرة على المسجد الأموي، فإن أعظم ما يُخشى هو أن تقوم هذه السلطات بإزالة بعض الآثار المسيحية المتبقية والتي اكتشفت مؤخراً بعد أعمال الترميم التي تمت خلال الأعوام الماضية. فبالإضافة إلى ضريح القديس يوحنا الذي لا زال قائماً داخل المسجد والذي ليس هناك ما يدعو إلى القلق على مصيره لاعتقاد المسلمين بكرامة يوحنا والذي يدعونه يحيى، هناك أيضاً داخل المسجد في الجهة الشمالية الشرقية، جرن رخامي عظيم القدم تظهر على جوانبه آثار المستحاثات وكان يستعمله المسيحيون لعماد أطفالهم. أما ما يُخشى عليه فهو الكتابة الموجودة على البوابة الجنوبية والمنقوشة بالأحرف اليونانية والتي تقول: "ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور." هنالك أيضاً صورة لوجه السيد المسيح وعلى رأسه إكليل شوك، ظهرت مؤخراً على يسار البوابة الجنوبية الأخرى المواجهة لسوق الصاغة وقيل أنه قد سبق وان حاول المسؤولون إزالة هذه الكتابات والصور ولكن تدخل هيئة الآثار الدولية وتقديم تبرعات مادية قد حال دون ذلك.
أما في باحة الجامع، فهناك بقعة من الأرض تحت فناءٍ مسقوف، إذا ما وقف الزائر في منتصفها وضرب عليها بقدمه، فإنه يسمع صدىً عميقاً لهذه الضربات. ومردّ ذلك هو أن هذه البقعة، حسب خبراء الآثار، كانت مدخلاً أو مخرجاً لنفق طويل يربط كنيسة القديس يوحنا (الجامع الأموي) بكنيسة حنانيا، وهي كنيسة صغيرة تبعد عن المكان بما يقل عن الميل، وتقع إلى الجهة الشمالية من الباب الشرقي لدمشق في نهاية طريق صغير يحمل اسم الكنيسة نفسها. ولدخول هذه الكنيسة، ينبغي للزائر أن ينزل عدة درجات تحت الأرض وهناك يجد نهاية النفق في أسفل منتصف الحائط الغربي، وقد سدّ ببعض الأحجار خوفاً من دخول أحد إليه. وقيل أن المسيحيين كانوا يستعملون هذا النفق للانتقال بين الكنيستين أو كمعبر هروب خوفاً من الاضطهاد. وفي الستينات، خلال عمليات الحفر التي كانت تجري لتوسيع كنيسة الروم الأرثوذكس المعروفة بالمريمية، والواقعة بين كنيسة يوحنا وحنانيا، ظهرت أجزاء من النفق وقيل أن جماجم وهياكل بشرية عثر عليها في داخلها.
إن كنيسة القديس يوحنا لم تكن الكنيسة الوحيدة التي انتزعها المسلمون من أصحابها المسيحيين، بل هناك كثيرات غيرها، إذ يذكر الدكتور فيليب حتي في كتابه : تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، " أن المسلمين قد ظلوا بعد فتح سورية بنحوٍ من نصف قرن يقيمون الصلاة في كنائس حولوها إلى مساجد. ولم يعمدوا في هذه الأثناء إلى بناء مسجد ما. وخلافاً لما ورد في الأخبار، لم يقسموا الكنائس بالذات بينهم وبين النصارى، بل اكتفوا بقسمة الباحة المقدسة. فكان المصلون من أبناء دمشق يدخلون من باب واحد في السور، ثم يتحول النصارى إلى اليسار، وينعطف المسلمون إلى اليمين. وعندما احتلّ المسـلمون مدينة حماه ، حولوا الكنيسة التي نعتها أبو الفداء أحد المؤرخين الأهليين بالكبرى، إلى الجامع الأكبر. ولا تزال الواجهة الغربية في حالة سليمة. وكذلك المسجد الأكبر في حمص ومسجد حلب، فقد كانا من معابد النصارى. (البلاذري) ولا تزال الآثار المسيحية والأعمدة الرومانية ظاهرة للعيان في معبد حمص ".

http://www.annaqed.com/history/omayad_mosque.html لمزيد من المعلومات راجع هذا الموقع

***************************************************************************************

المؤرخ المسلم أبن كثير يؤكد أن الجامع الأموى كان أصلاً كنيسة

 

ويؤكد أبن كثير الجزء التاسع ( 146 من 239 ) (1) ما ذكرته كتب كثيرة لمؤرخين المسلمين هدموا الكنيسة واقاموا مكانها الجامع الأموى فقال : " والمقصود أنهم - يعني النصارى - حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظماً عند اليونان فجعلوه كنيسة يوحنا، وبنوا بدمشق كنائس كثيرة غيرها مستأنفة، واستمر النصارى على دينهم بدمشق وغيرها نحواً من ثلاثمائة سنة، حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فكان من شأنه ما تقدم بعضه في كتاب السيرة من هذا الكتاب، وقد بعث إلى ملك الروم في زمانه - وهو قيصر ذلك الوقت - واسمه هرقل يدعوه إلى الله عز وجل، وكان من مراجعته ومخاطبته إلى أبي سفيان ما تقدم، ثم بعث أمراءه الثلاثة‏:‏ زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، إلى البلقاء من تخوم الشام، فبعث الروم إليهم جيشاً كبيراً فقتلوا هؤلاء الأمراء وجماعة ممن معهم من الجيش، فعزم النبي صلى الله عليه وسلم على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك، ثم رجع عام ذلك لشدة الحر، وضعف الحال، وضيقه على الناس‏.‏
ثم لما توفي بعث الصديق الجيوش إلى الشام بكمالها، ومن ذلك مدينة دمشق بأعمالها، وقد بسطنا القول في ذلك عند ذكر فتحها، فلما استقرت اليد الإسلامية عليها وأنزل الله رحمته فيها، وساق بره إليها، وكتب أمير الحرب أبو عبيدة إذ ذاك، وقيل‏:‏ خالد بن الوليد، لأهل دمشق كتاب أمان، أقروا أيدي النصارى على أربع عشرة كنيسة، وأخذوا منهم نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مريحنا، بحكم أن البلد فتحه خالد من الباب الشرقي بالسيف، وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة، وكان على باب الجابية الصلح، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحاً ونصفه عنوة، فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجداً يصلي فيه المسلمون، وكان أول من صلى في هذا المسجد أبو عبيدة ثم الصحابة بعده في البقعة الشرقية منه، التي يقال لها‏:‏ محراب الصحابة‏.‏
ولكن لم يكن الجدار مفتوحاً بمحراب محنى، وإنما كانوا يصلون عند هذه البقعة المباركة، والظاهر أن الوليد هو الذي فتق المحاريب في الجدار القبلي، قلت‏:‏ هذه المحاريب متجددة ليست من فتق الوليد، وإنما فتق الوليد محراباً واحداً، إن كان قد فعل، ولعله لم يفعل شيئاً منها، فكان يصلي فيه الخليفة، وبقيتها فتقت قريباً، لكل إمام محراب، شافعي وحنفي ومالكي وحنبلي، وهؤلاء إنما حدثوا بعد الوليد بزمان‏.‏
وقد كره كثير من السلف مثل هذه المحاريب، وجعلوه من البدع المحدثة، وكان المسلمون والنصارى يدخلون هذا المعبد من باب واحد، وهو باب المعبد الأعلى من جهة القبلة، مكان المحراب الكبير الذي في المقصورة اليوم، فينصرف النصارى إلى جهة الغرب إلى كنيستهم، ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم، ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم، ولا يضربوا بناقوسهم، إجلالاً للصحابة ومهابة وخوفاً‏.‏
وقد بنى معاوية في أيام ولايته على الشام دار الإمارة قبلي المسجد الذي كان للصحابة، وبنى فيها قبة خضراء، فعرفت الدار بكمالها بها، فسكنها معاوية أربعين سنة كما قدمنا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/166‏)‏
ثم لم يزل الأمر على ما ذكرنا من أمر هذه الكنيسة شطرين بين المسلمين والنصارى، من سنة أربع عشرة، إلى سنة ست وثمانين في ذي القعدة منها، وقد صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك في شوال منها، فعزم الوليد على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين منها، وجعل الجميع مسجداً واحداً، وذلك لأن بعض المسلمين كان يتأذى بسماع قراءة النصارى للإنجيل، ورفع أصواتهم في صلواتهم، فأحب أن يبعدهم عن المسلمين، وأن يضيف ذلك المكان إلى هذا، فيصير كله معبداً للمسلمين، ويتسع المسجد لكثرة المسلمين‏.‏
فعند ذلك طلب النصارى وسأل منهم أن يخرجوا له عن هذا المكان، ويعوضهم إقطاعات كثيرة، وعرضها عليهم، وأن يبقى بأيديهم أربع كنائس لم تدخل في العهد، وهي‏:‏ كنيسة مريم، وكنيسة المصلبة داخل باب شرقي، وكنيسة تل الجبن، وكنيسة حميد بن درة التي بدرب الصقل، فأبوا ذلك أشد الإباء‏.‏
فقال‏:‏ ائتوني بعهودكم التي بأيديكم من زمن الصحابة، فأتوا بها فقرئت بحضرة الوليد، فإذا كنيسة توما - التي كانت خارج باب توما على حافة النهر - لم تدخل في العهد، وكانت فيما يقال أكبر من كنيسة مريحنا، فقال الوليد‏:‏ أنا أهدمها وأجعلها مسجداً، فقالوا‏:‏ بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى ونطيب له نفساً ببقية هذه الكنيسة، فأقرهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية هذه الكنيسة‏.‏

هذا قول، ويقال‏:‏ إن الوليد لما أهمه ذلك وعرض ما عرض على النصارى فأبوا من قبوله‏.‏ دخل عليه بعض الناس فأرشده إلى أن يقيس من باب شرقي ومن باب الجابية، فوجدوا أن الكنيسة قد دخلت في العنوة وذلك أنهم قاسوا من باب شرقي ومن باب الجابية فوجدوا منتصف ذلك عند سوق الريحان تقريباً، فإذا الكنيسة قد دخلت في العنوة، فأخذها‏.‏
وحكي عن المغيرة مولى الوليد قال‏:‏ دخلت على الوليد فوجدته مهموماً، فقلت‏:‏ مالك يا أمير المؤمنين مهموماً‏؟‏ فقال‏:‏ إنه قد كثر المسلمون وقد ضاق بهم المسجد، فأحضرت النصارى وبذلت لهم الأموال في بقية هذه الكنيسة لأضيفها إلى المسجد فيتسع على المسلمين فأبوا، فقال المغيرة‏:‏ يا أمير المؤمنين عندي ما يزيل همك، قال‏:‏ وما هو‏؟‏
قلت‏:‏ الصحابة لما أخذوا دمشق دخل خالد بن الوليد من الباب شرقي بالسيف، فلما سمع أهل البلد بذلك فزعوا إلى أبي عبيدة يطلبون منه الأمان فأمنهم، وفتحوا له باب الجابية، فدخل منه أبو عبيدة بالصلح، فنحن نماسحهم إلى أي موضع بلغ السيف أخذناه، وما بالصلح تركناه بأيديهم، وأرجو أن تدخل الكنيسة كلها في العنوة، فتدخل في المسجد‏.‏
فقال الوليد‏:‏ فرجت عني، فتول أنت ذلك بنفسك، فتولاه المغيرة ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية إلى سوق الريحان فوجد السيف لم يزل عمالاً حتى جاوز القنطرة الكبيرة بأربع أذرع وكسر، فدخلت الكنيسة في المسجد، فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال‏:‏ إن هذه الكنيسة كلها دخلت في العنوة فهي لنا دونكم‏.‏
فقالوا‏:‏ إنك أولاً دفعت إلينا الأموال وأقطعتنا الاقطاعات فأبينا، فمن إحسان أمير المؤمنين أن يصالحنا فيبقى لنا هذه الكنائس الأربع بأيدينا، ونحن نترك له بقية هذه الكنيسة، فصالحهم على إبقاء هذه الأربع الكنائس، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/167‏)‏
وقيل‏:‏ إنه عوضهم منها كنيسة عند حمام القاسم عند باب الفراديس داخله فسموها مريحنا باسم تلك الكنيسة التي أخذت منهم، وأخذوا شاهدها فوضعوه فوق التي أخذوها بدلها، فالله أعلم‏.‏
ثم أمر الوليد بإحضار آلات الهدم، واجتمع إليه الأمراء والكبراء، وجاء إليه أساقفة النصارى وقساوستهم، فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال الوليد‏:‏ أنا أحب أن أجن في الله، و والله لا يهدم فيها أحد شيئاً قبلي، ثم صعد المنارة الشرقية ذات الأضالع المعروفة بالساعات، وكانت صومعة هائلة فيها راهب عندهم، فأمره الوليد بالنزول منها، فأكبر الراهب ذلك، فأخذ الوليد بقفاه فلم يزل يدفعه حتى أنزله منها، ثم صعد الوليد على أعلى مكان في الكنيسة، فوق المذبح الأكبر منها الذي يسمونه الشاهد، وهو تمثال في أعلى الكنيسة‏.‏
فقال له الرهبان‏:‏ احذر الشاهد، فقال‏:‏ أنا أول ما أضع فأسي في رأس الشاهد، ثم كبر وضربه فهدمه، وكان على الوليد قباء أصفر لونه سفرجلي قد غرز أذياله في المنطقة، ثم أخذ فأساً بيده فضرب بها في أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء إلى الهدم، وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات، وصرخت النصارى بالعويل على درج جيرون، وكانوا قد اجتمعوا هنالك، فأمر الوليد أمير الشرطة وهو أبو نائل رياح الغساني، أن يضربهم حتى يذهبوا من هنالك، ففعل ذلك، فهدم الوليد والأمراء جميع ما جدده النصارى في تربيع هذا المعبد من المذابح والأبينة والحنايا، حتى بقي المكان صرحة مربعة، ثم شرع في بنائه بفكرة جيدة على هذه الصفة الحسنة الأنيقة، التي لم يشتهر مثلها قبلها كما سنذكره‏.‏
وقد استعمل الوليد في بناء هذا المسجد خلقاً كثيراً من الصناع والمهندسين والفعلة، وكان المستحث على عمارته أخوه وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك، ويقال‏:‏ إن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعاً في الرخام وغير ذلك، ليستعين بهم على عمارة هذا المسجد على ما يريد، وأرسل يتوعده لئن لم يفعل ليغزون بلاده بالجيوش، وليخربن كل كنيسة في بلاده، حتى كنيسة القدس، وهي قمامة، وكنيسة الرها، وسائر آثار الروم‏.‏
فبعث ملك الروم إليه صناعاً كثيرةً جداً، مائتي صانع، وكتب إليه يقول‏:‏ إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يكن فهمه وفهمت أنت لوصمة عليه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/168‏)‏
فلما وصل ذلك إلى الوليد أراد أن يجيب عن ذلك، واجتمع الناس عنده لذلك، فكان فيهم الفرزدق الشاعر، فقال‏:‏ أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب الله‏.‏ قال الوليد‏:‏ وما هو ويحك‏؟‏ فقال‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 79‏]‏ وسليمان هو ابن داود، ففهمه الله مالم يفهمه أبوه‏.‏ فأعجب ذلك الوليد فأرسل به جواباً إلى ملك الروم‏.‏ وقد قال الفرزدق في ذلك‏:‏
فرقت بين النصارى في كنائسهم * والعابدين مع الأسحار والعتم
وهم جميعاً إذا صلوا وأوجههم * شتى إذا سجدوا لله والصنم
وكيف يجتمع الناقوس يضربه * أهل الصليب مع القراء لم تنم
فهمت تحويلها عنهم كما فهما * إذ يحكمان لهم في الحرث والغنم
داود والملك المهدي إذ جزآ * ولادها واجتزاز الصوف بالجلم
فهمك الله تحويلاً لبيعتهم * عن مسجد فيه يتلى طيب الكلم
ما من أب حملته الأرض نعلمه * خير بنين ولا خير من الحكم
قال الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي‏:‏ بنى الوليد ما كان داخل حيطان المسجد، وزاد في سمك الحيطان‏.‏
وقال الحسن بن يحيى الخشني‏:‏ إن هوداً عليه السلام هو الذي بنى الحائط القبلي من مسجد دمشق‏.‏
وقال غيره‏:‏ لما أراد الوليد بناء القبة التي وسط الرواقات - وهي قبة النسر، وهو اسم حادث لها، وكأنهم شبهوها بالنسر في شكله، لأن الرواقات عن يمينها وشمالها كالأجنحة لها - حفر لأركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منه ماء عذباً زلالاً، ثم إنهم وضعوا فيه زيادة الكرم، وبنوا فوقها بالحجارة، فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت، فقال الوليد لبعض المهندسين‏:‏ أريد أن تبني لي أنت هذه القبة، فقال‏:‏ على أن تعطيني عهد الله وميثاقه على أن لا يبنيها أحد غيري، ففعل‏.‏

فبنى الأركان ثم غلفها بالبواري، وغاب عنها سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب، فلما كان بعد السنة حضر، فهمَّ به الوليد فأخذه ومعه رؤوس الناس، فكشف البواري عن الأركان فإذا هي قد هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض، فقال له‏:‏ من هذا أتيت، ثم بناها فانعقدت‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن هذا البناء، فقال له المعمار‏:‏ إنك لا تقدر على ذلك، فضربه خمسين سوطاً، وقال له‏:‏ ويلك ‏!‏ أنا لا أقدر على ذلك وتزعم أني أعجز عنه‏؟‏ وخراج الأرض وأموالها تجبى إلي‏؟‏ قال‏:‏ نعم أنا أبين لك ذلك، قال‏:‏ فبين ذلك، قال‏:‏ اضرب لبنة واحدة من الذهب وقس عليها ما تريد هذه القبة من ذلك، فأمر الوليد فأحضر من الذهب ما ضرب منه لبنة فإذا هي قد دخلها ألوف من الذهب، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنا نريد مثل هذه اللبنة كذا وكذا ألف لبنة، فإن كان عندك ما يكفي من ذلك عملناه‏.‏
فلما تحقق صحة قوله أطلق له الوليد خمسين ديناراً، وقال‏:‏ إني لا أعجز عما قلت، ولكن فيه إسراف وضياع مال في غير وجهه اللائق به، ولأن يكون ما أردنا من ذلك نفقة في سبيل الله، ورداً على ضعفاء المسلمين خير من ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/169‏)‏
ثم عقدها على ما أشار به المعمار‏.‏ ولما سقف الوليد الجامع جعلوا سقفه جملونات، وباطنها مسطحاً مقرنصاً بالذهب، فقال له بعض أهله‏:‏ أتعبت الناس بعدك في طين أسطحتهم، لما يريد هذا المسجد في كل عام من الطين الكثير - يشير إلى أن التراب يغلو والفعلة تقل لأجل العمل في هذا المسجد في كل عام - فأمر الوليد أن يجمع ما في بلاده من الرصاص ليجعله عوض الطين، ويكون أخف على السقوف‏.‏
فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم، فعازوا فإذا عند امرأة منه قناطير مقنطرة، فساوموها فيه، فقالت‏:‏ لا أبيعه إلا بوزنه فضة، فكتبوا إلى الوليد فقال‏:‏ اشتروه منها ولو بوزنه فضة، فلما بذلوا لها ذلك قالت‏:‏ أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله يكون في سقف هذا المسجد، فكتبوا على ألواحها بطابع لله، ويقال‏:‏ إنها كانت إسرائيلية، وإنه كتب على الألواح التي أخذت منها‏:‏ هذا ما أعطته الإسرائيلية‏.‏
وقال محمد بن عائذ‏:‏ سمعت المشايخ يقولون‏:‏ ما تم بناء مسجد دمشق إلا بأداء الأمانة، لقد كان يفضل عند الرجل من القوم أو الفعلة الفلس ورأس المسمار فيأتي به حتى يضعه في الخزانة‏.‏
وقال بعض مشايخ الدماشقة‏:‏ ليس في الجامع من الرخام شيء إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس، والباقي كله مرمر‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ اشترى الوليد العمودين الأخضرين اللذين تحت النسر، من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار‏.‏
وقال دحيم‏:‏ عن الوليد بن مسلم، ثنا مروان بن جناح، عن أبيه، قال‏:‏ كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم‏.‏

وقال أبو قصي‏:‏ عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن عمرو بن مهاجر الأنصاري‏:‏ إنهم حسبوا ما أنفقه الوليد على الكرمة التي في قبلي المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار‏.‏
وقال أبو قصي‏:‏ أنفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق من الذهب، في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، وفي رواية‏:‏ في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/170‏)‏
قلت‏:‏ فعلى الأول يكون ذلك خمسة آلاف ألف دينار، وستمائة ألف دينار‏.‏ وعلى الثاني يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار‏.‏ وقيل‏:‏ أنه صرف أكثر من ذلك بكثير، والله أعلم‏.‏
قال أبو قصي ‏:‏ وأتى الحرسي إلى الوليد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون أنفق أمير المؤمنين بيوت الأموال في غير حقها‏.‏ فنودي في الناس‏:‏ الصلاة جامعة‏.‏ فاجتمع الناس فصعد الوليد المنبر وقال‏:‏ إنه بلغني عنكم أنكم قلتم أنفق الوليد بيوت الأموال في غير حقها، ثم قال‏:‏ يا عمرو بن مهاجر، قم فأحضر أموال بيت المال‏.‏
فحملت على البغال إلى الجامع، ثم بسط لها الأنطاع تحت قبة النسر، ثم أفرغ عليها المال ذهباً صبيباً، وفضة خالصة، حتى صارت كوماً، حتى كان الرجل إذا قام من الجانب الواحد لا يرى الرجل من الجانب الآخر، وهذا شيء كثير، ثم جيء بالقبانين فوزنت الأموال فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة، وفي رواية‏:‏ ست عشرة سنة مستقبلة، لو لم يدخل للناس شيء بالكلية‏.‏
فقال لهم الوليد‏:‏ والله ما أنفقت في عمارة هذا المسجد درهماً من بيوت المال، وإنما هذا كله من مالي‏.‏ ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك، ودعوا للخليفة، وانصرفوا شاكرين داعين‏.‏
فقال لهم الوليد‏:‏ يا أهل دمشق، والله ما أنفقت في بناء هذا المسجد شيئاً من بيوت المال، وإنما هذا كله من مالي، لم أرزأكم من أموالكم شيئاً‏.‏
ثم قال الوليد‏:‏ يا أهل دمشق، إنكم تفخرون على الناس بأربع‏:‏ بهوائكم، ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي‏:‏ هذا الجامع‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان في قبلة جامع دمشق ثلاث صفائح مذهبة بلا زورد، في كل منها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم‏.‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، ربنا الله وحده، وديننا الإسلام، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ أمر ببنيان هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه‏:‏ عبد الله أمير المؤمنين الوليد، في ذي القعدة، سنة ست وثمانين‏.‏
وفي صفيحة أخرى رابعة من تلك الصفائح‏:‏ الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم إلى آخر الفاتحة، ثم النازعات، ثم عبس، ثم إذا الشمس كورت، قالوا‏:‏ ثم محيت بعد مجيء المأمون إلى دمشق‏.‏
وذكروا أن أرضه كانت مفضضة كلها، وأن الرخام كان في جدرانه إلى قامات، وفوق الرخام كرمة عظيمة من ذهب، وفوق الكرمة الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض، قد صوروا بها سائر البلدان المشهورة، الكعبة فوق المحراب، وسائر الأقاليم يمنة ويسرة، وصوروا ما في البلدان من الأشجار الحسنة المثمرة والمزهرة وغير ذلك، وسقفه مقرنص بالذهب، والسلاسل المعلقة فيها جميعها من ذهب وفضة، وأنوار الشموع في أماكنه مفرقة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/171‏)‏
قال‏:‏ وكان في محراب الصحابة برنية حجر من بلور، ويقال‏:‏ بل كانت حجراً من جوهر وهي الدرة، وكانت تسمى القليلة، وكانت إذا طفئت القناديل تضيء لمن هناك بنورها، فلما كان زمن الأمين بن الرشيد - وكان يحب البلور، وقيل‏:‏ الجوهر - بعث إلى سليمان وإلى شرطه دمشق أن يبعث بها إليه، فسرقها الوالي خوفاً من الناس وأرسلها إليه، فلما ولى المأمون ردها إلى دمشق ليشنع بذلك على الأمين‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ ثم ذهبت بعد ذلك فجعل مكانها برنية من زجاج، قال‏:‏ وقد رأيت تلك البرنية ثم انكسرت بعد ذلك فلم يجعل مكانها شيء، قالوا‏:‏ وكانت الأبواب الشارعة من داخل الصحن ليس عليها أغلاق، وإنما كان عليها الستور مرخاة، وكذلك الستور على سائر جدرانه إلى حد الكومة التي فوقها الفصوص المذهبة، ورؤوس الأعمدة مطلية بالذهب الخالص الكثير، وعملوا له شرفات تحيط به، وبنى الوليد المنارة الشمالية التي يقال لها‏:‏ مأذنة العروس، فأما الشرقية والغربية فكانتا فيه قبل ذلك بدهور متطاولة‏.‏
وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة شاهقة جداً، بنتها اليونان للرصد، ثم بعد ذلك سقطت الشماليتان وبقيت القبليتان إلى الآن، وقد أحرق بعض الشرقية بعد الأربعين وسبعمائة، فنقضت وجدد بناؤها من أموال النصارى، حيث اتهموا بحريقها، فقامت على أحسن الأشكال، بيضاء بذاتها وهي والله أعلم الشرفة التي ينزل عليها عيسى بن مريم في آخر الزمان بعد خروج الدجال، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان‏.‏
قلت‏:‏ ثم أحرق أعلى هذه المنارة وجددت، وكان أعلاها من خشب، فبنيت بحجارة كلها في آخر السبعين وسبعمائة، فصارت كلها مبنية بالحجارة‏.‏
والمقصود أن الجامع الأموي لما كمل بناؤه لم يكن على وجه الأرض بناء أحسن منه، ولا أبهى ولا أجمل منه، بحيث أنه إذا نظر الناظر إليه أو إلى جهة منه أو إلى بقعة أو مكان منه تحير فيها نظره لحسنه وجماله ولا يمل ناظره، بل كلما أدمن النظر بانت له أعجوبة ليست كالأخرى، وكانت فيه طلسمات من أيام اليونان فلا يدخل هذه البقعة شيء من الحشرات بالكلية، لا من الحيات ولا من العقارب، ولا الخنافس ولا العناكيب‏.‏ ويقال‏:‏ ولا العصافير أيضاً تعشش فيه، ولا الحمام ولا شيء مما يتأذى به الناس‏.‏
وأكثر هذه الطلسمات أو كلها كانت مودعة في سقف هذا المعبد، مما يلي السبع، فأحرقت لما أحرق ليلة النصف من شعبان بعد العصر، سنة إحدى وستين وأربعمائة، في دولة الفاطميين كما سيأتي ذلك في موضعه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/172‏)‏
وقد كانت بدمشق طلسمات وضعتها اليونان بعضها باق إلى يومنا هذا، والله أعلم‏.‏
فمن ذلك‏:‏ العمود الذي في رأسه مثل الكرة في سوق الشعير عند قنطرة أم حكيم، وهذا المكان يعرف اليوم بالعلبيين، ذكر أهل دمشق أنه من وضع اليونان لعسر بول الحيوان، فإذا داروا بالحيوان حول هذا العمود ثلاث دورات انطلق باطنه فبال، وذلك مجرب من عهد اليونان‏.‏
قال ابن تيمية عن هذا العمود‏:‏ إن تحته مدفون جبار عنيد، كافر يعذب، فإذا داروا بالحيوان حوله سمع العذاب فراث وبال من الخوف، قال‏:‏ ولهذا يذهبون بالدواب إلى قبور النصارى واليهود والكفار، فإذا سمعت أصوات المعذبين انطلق بولها‏.‏
والعمود المشار إليه ليس له سر، ومن اعتقد أن فيه منفعة أو مضرة فقد أخطأ خطأً فاحشاً‏.‏
وقيل‏:‏ إن تحته كنزاً وصاحبه عنده مدفون، وكان ممن يعتقد الرجعة إلى الدنيا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 37‏]‏، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
وما زال سليمان بن عبد الملك يعمل في تكملة الجامع الأموي بعد موت أخيه مدة ولايته، وجددت له في المقصورة‏.‏
فلما ولي عمر بن عبد العزيز عزم علي أن يجرده مما فيه من الذهب، ويقلع السلاسل والرخام والفسيفساء، ويرد ذلك كله إلى بيت المال، ويجعل مكان ذلك كله طيناً، فشق ذلك على أهل البلد واجتمع أشرافهم إليه، وقال خالد بن عبد الله القسري‏:‏ أنا أكلمه لكم‏.‏
فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين بلغنا عنك كذا وكذا، قال‏:‏ نعم ‏!‏ فقال خالد‏:‏ ليس ذلك لك يا أمير المؤمنين، فقال عمر‏:‏ ولم يا ابن الكافرة‏؟‏ - وكانت أمه نصرانية رومية أم ولد - فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن كانت كافرة فقد ولدت رجلاً مؤمناً، فقال‏:‏ صدقت، واستحيا عمر ثم قال له‏:‏ فلم قلت ذلك‏؟‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لأن غالب ما فيه من الرخام إنما حمله المسلمون من أموالهم من سائر الأقاليم، وليسهو لبيت المال، فأطرق عمر‏.‏
قالوا‏:‏ واتفق في ذلك الزمان قدوم جماعة من بلاد الروم رسلاً من عند ملكهم، فلما دخلوا من باب البريد وانتهوا إلى الباب الكبير الذي تحت النسر، ورأوا ما بهر عقولهم من حسن الجامع الباهر، والزخرفة التي لم يسمع بمثلها، صعق كبيرهم وخر مغشياً عليه، فحملوه إلى منزلهم، فبقى أياماً مدنفاً، فلما تماثل سألوه عما عرض له فقال‏:‏ ما كنت أظن أن يبني المسلمون مثل هذا البناء، وكنت أعتقد أن مدتهم تكون أقصر من هذا، فلما بلغ ذلك عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ أو إن الغيظ أهلك الكفار، دعوه‏.‏
وسألت النصارى في أيام عمر بن عبد العزيز أن يعقد لهم مجلساً في شأن ما كان أخذه الوليد منهم، وكان عمر عادلاً، فأراد أن يرد عليهم ما كان أخذه الوليد منهم فأدخله في الجامع، ثم حقق عمر القضية، ثم نظر فإذا الكنائس التي هي خارج البلد لم تدخل في الصلح الذي كتبه لهم الصحابة، مثل كنيسة دير مران بسفح قاسيون، وهي بقرية المعظمية، وكنيسة الراهب، وكنيسة توما خارج باب توما، وسائر الكنائس التي بقرى الحواجز‏.‏
فخيرهم بين رد ما سألوه وتخريب هذه الكنائس كلها، أو تبقى تلك الكنائس ويطيبوا نفساً للمسلمين بهذه البقعة، فاتفقت آراؤهم بعد ثلاثة أيام على إبقاء تلك الكنائس، ويكتب لهم كتاب أمان بها، ويطيبوا نفساً بهذه البقعة، فكتب لهم كتاب أمان بها‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/173‏)‏
والمقصود أن الجامع الأموي كان حين تكامل بناؤه ليس له في الدينا مثيل في حسنه وبهجته‏.‏
قال الفرزدق‏:‏ أهل دمشق في بلادهم في قصر من قصور الجنة - يعني الجامع -
وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ عن الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان‏:‏ ما ينبغي لأحد من أهل الأرض أن يكون أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدها‏.‏
قالوا‏:‏ ولما دخل أمير المؤمنين المهدي دمشق يريد زيارة القدس نظر إلى جامع دمشق فقال لكاتبه أبي عبيد الله الأشعري‏:‏ سبقنا بنو أمية بثلاث‏:‏ بهذا المسجد الذي لا أعلم على وجه الأرض مثله، وبنبل الموالي، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا مثله أبداً‏.‏ ثم لما أتى بيت المقدس فنظر إلى الصخرة - وكان عبد الملك بن مروان هو الذي بناها - قال لكاتبه‏:‏ وهذه رابعة‏.
ولما دخل المأمون دمشق فنظر إلى جامعها وكان معه أخوه المعتصم، وقاضيه يحيى بن أكثم، قال‏:‏ ما أعجب ما فيه‏؟‏ فقال أخوه‏:‏ هذه الأذهاب التي فيه، وقال يحيى بن أكثم‏:‏ الرخام وهذه العقد، فقال المأمون‏:‏ إني إنما أعجب من حسن بنيانه على غير مثال متقدم، ثم قال المأمون لقاسم التمار‏:‏ أخبرني باسمٍ حسن أسمي به جاريتي هذه، فقال‏:‏ سمها مسجد دمشق، فإنه أحسن شيء‏.‏
وقال عبد الرحمن‏:‏ عن ابن عبد الحكم، عن الشافعي، قال‏:‏ عجائب الدنيا خمسة‏:‏ أحدها منارتكم هذه - يعني منارة ذي القرنين بالإسكندرية - والثانية أصحاب الرقيم وهم بالروم اثنا عشر رجلاً، والثالثة مرآة بباب الأندلس على باب مدينتها، يجلس الرجل تحتها فينظر فيها صاحبه من مسافة مائة فرسخ‏.‏ وقيل‏:‏ ينظر من بالقسطنطينية، والرابع مسجد دمشق وما يوصف من الإنفاق عليه، والخامس الرخام والفسيفساء، فإنه لا يدري لها موضع، ويقال‏:‏ إن الرخام معجون، والدليل على ذلك أنه يذوب على النار‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ وذكر إبراهيم بن أبي الليث الكاتب - وكان قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة - في رسالة له قال‏:‏ ثم أمرنا بالانتقال فانتقلت منه إلى بلد تمت محاسنه، ووافق ظاهره باطنه، أزقته أرجة، وشوارعه فرجة، فحيث ما مشيت شممت طيباً، وأين سعيت رأيت منظراً عجيباً، وإن أفضيت إلى جامعه شاهدت منه ما ليس في استطاعة الواصف أن يصفه، ولا الرائي أن يعرفه، وجملته أنه كنز الدهر، ونادرة الوقت، وأعجوبة الزمان، وغريبة الأوقات، ولقد أثبت الله عز وجل به ذكراً يدرس، وخلف به أمراً لا يخفى ولا يدرس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/174‏)‏
قال ابن عساكر‏:‏ وأنشدني بعض المحدثين في جامع دمشق عمره الله بذكره وفي دمشق فقال‏:‏
دمشق قد شاع حسن جامعها * وما حوته ربى مرابعها
بديعة الحسن في الكمال لما * يدركه الطرف من بدائعها
طيبة أرضها مباركة * باليمن والسعد أخذ طالعها
جامعها جامع المحاسن قد * فاقت به المدن في جوامعها
بنيةِ بالإتقان قد وضعت * لا ضيع الله سعي واضعها
تذكر في فضله ورفعته * آثار صدق راقت لسامعها
قد كان قبل الحريق مدهشة * فغيرت ناره بلاقعها
فأذهبت بالحريق بهجته * فليس يرجى إياب راجعها
إذا تفكرت في الفصوص وما * فيها تيقنت حذق راصعها
أشجارها لا تزال مثمرة * لا ترهب الريح من مدافعها
كأنها من زمرد غرست * في أرض تبر تغشى بنافعها
فيها ثمار تخالها ينعت * وليس يخشى فساد يانعها
تقطف باللحظ لا بجارحة الـ * أيدي ولا تجتني لبايعها
وتحتها من رخامة قطع * لا قطع الله كف قاطعها
احكم ترخيمها المرخم قد * بان عليها إحكام صانعها
وإن تفكرت في قناطره * وسقفه بان حذق رافعها
وإن تبينت حسن قبته * تحير اللبُّ في أضالعها
تخترق الريح في منافذها * عصفاً فتقوى على زعازعها
وأرضه بالرخام قد فرشت * ينفسح الطرف في مواضعها
مجالس العلم فيه مؤنقة * ينشرح الصدر في مجامعها
وكل باب عليه مطهرة * قد أمن الناس دفع مانعها
يرتفق الناس من مرافقها * ولا يصدون عن منافعها
ولا تزال المياه جارية * فيها لما شق من مشارعها
وسوقها لا تزال آهلة * يزدحم الناس في شوارعها
لما يشاؤون من فواكهها * وما يريدون من بضائعها
كأنها جنة معجلة * في الأرض لولا مسرى فجائعها
دامت برغم العدى مسلمة * وحاطها الله من قوارعها
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/175‏)‏
فصل فيما روي في جامع دمشق من الآثار
وما ورد في فضله من الأخبار عن جماعة من السادة الأخيار‏.‏
روي عن قتادة أنه قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالتِّينِ‏}‏ قال‏:‏ هو مسجد دمشق، ‏{‏وَالزَّيْتُونِ‏}‏ قال‏:‏ هو مسجد بيت المقدس، ‏{‏وَطُورِ سِينِينَ‏}‏‏:‏ حيث كلم الله موسى، ‏{‏وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏}‏ ‏[‏التين‏:‏ 1-3‏]‏‏:‏ وهو مكة‏.‏ رواه ابن عساكر‏.‏
وقال صفوان بن صالح‏:‏ عن عبد الخالق بن زيد بن واقد، عن أبيه، عن عطية بن قيس الكلابي، قال‏:‏ قال كعب الأحبار‏:‏ ليبنين في دمشق مسجد يبقى بعد خراب الدنيا أربعين عاماً‏.‏
وقال الوليد بن مسلم‏:‏ عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن زيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، قال‏:‏ أوحى الله تعالى إلى جبل قاسيون أن هب ظلك وبركتك إلى جبل بيت المقدس، قال‏:‏ ففعل، فأوحى الله إليه أما إذا فعلت فإني سأبني لي في خطتك بيتاً أعبد فيه بعد خراب الدنيا أربعين عاماً، ولا تذهب الأيام والليالي حتى أرد عليك ظلك وبركتك، قال‏:‏ فهو عند الله بمنزلة الرجل الضعيف المتضرع‏.‏
وقال دحيم‏:‏ حيطان المسجد الأربعة من بناء هود عليه السلام، وما كان من الفسيفساء إلى فوق فهو من بناء الوليد بن عبد الملك -يعني أنه رفع الجدار فعلاه من حد الرخام والكرمة إلى فوق - وقال غيره‏:‏ إنما بنى هود الجدار القبلي فقط‏.‏
ونقل عثمان بن أبي العاتكة عن أهل العلم أنهم قالوا في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏والتين‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏ هو مسجد دمشق‏.‏
وقال أبو بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج المعروف بابن البرامي الدمشقي‏:‏ ثنا إبراهيم بن مروان، سمعت أحمد بن إبراهيم بن ملاس، يقول‏:‏ سمعت عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، قال‏:‏ كان خارج باب الساعات صخرة يوضع عليها القربان، فما تقبل منه جاءت نار فأكلته، وما لم يتقبل منه بقي على حاله‏.‏ قلت‏:‏ وهذه الصخرة نقلت إلى داخل باب الساعات، وهي موجودة إلى الآن، وبعض العامة يزعم أنها الصخرة التي وضع عليها ابنا آدم قربانهما فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخرة، فالله أعلم‏.‏
وقال هشام بن عمار‏:‏ ثنا الحسن بن يحيى الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ‏(‏‏(‏صلى في موضع مسجد دمشق‏)‏‏)‏‏.‏ قال ابن عساكر‏:‏ وهذا منقطع ومنكر جداً، ولا يثبت أيضاً لا من هذا الوجه ولا من غيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/ 176‏)‏
وقال أبو بكر البرامي‏:‏ حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الملك بن المغيرة المقري، حدثني أبي، عن أبيه، أن الوليد بن عبد الملك تقدم إلى القوام ليلة من الليالي فقال‏:‏ إني أريد أن أصلي الليلة في المسجد، فلا تتركوا أحداً يصلي الليلة، فقال له بعضهم‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا الخضر يصلي في المسجد في كل ليلة‏.‏
وفي رواية أنه قال لهم‏:‏ لا تتركوا أحداً يدخله، ثم إن الوليد أتى باب الساعات فاستفتح الباب ففتح له، فإذا رجل قائم بين الساعات وباب الخضراء الذي يلي المقصورة يصلي، وهو أقرب إلى باب الخضراء منه إلى باب الساعات، فقال الوليد للقوام‏:‏ ألم آمركم أن لا تتركوا أحداً الليلة يصلي في المسجد‏؟‏ فقال له بعضهم‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا الخضر يصلي كل ليلة في المسجد‏.‏ في إسناد هذه الحكاية وصحتها نظر، ولا يثبت بمثلها وجود الخضر بالكلية، ولا صلاته في المكان المذكور، والله أعلم‏.‏
وقد اشتهر في الأعصار المتاخرة أن الزاوية القبلية عند باب المئذنة الغربية تسمى زاوية الخضر، وما أدري ما سبب ذلك، والذي ثبت بالتواتر صلاة الصحابة فيه، وكفى بذلك شرفاً له ولغيره من المساجد التي صلوا فيها‏.‏

وأول من صلى فيه إماماً أبو عبيدة بن الجراح، وهو أمير الأمراء بالشام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأمين هذه الأمة، وصلى فيه خلق من الصحابة مثل‏:‏ معاذ بن جبل وغيره، لكن قبل أن يغيره الوليد إلى هذه الصفة، فأما بعد أن غير إلى هذا الشكل فلم يره أحد من الصحابة كذلك إلا أنس بن مالك، فإنه ورد دمشق سنة ثنتين وتسعين، وهو يبني فيه الوليد، فصلى فيه أنس ورأى الوليد وأنكر أنس على الوليد تأخير الصلاة إلى آخر وقتها كما قدمنا ذلك في ترجمة أنس، عند ذكر وفاته سنة ثلاث وتسعين‏.‏
وسيصلي فيه عيسى بن مريم إذا نزل في آخر الزمان، إذا خرج الدجال وعمت البلوى به، وانحصر الناس منه بدمشق، فينزل مسيح الهدى فيقتل مسيح الضلالة، ويكون نزوله على المنارة الشرقية بدمشق وقت صلاة الفجر، فيأتي وقد أقيمت الصلاة، فيقول له إمام الناس‏:‏ تقدم يا روح الله، فيقول‏:‏ إنما أقيمت لك، فيصلي عيسى تلك الصلاة خلف رجل من هذه الأمة، يقال‏:‏ إنه المهدي، فالله أعلم‏.‏
ثم يخرج عيسى بالناس فيدرك الدجال عند عقبة أفيق، وقيل‏:‏ بباب لد فيقتله بيده هنالك‏.‏ وقد ذكرنا ذلك مبسوطاً عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 159‏]‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، وإماماً عادلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام‏)‏‏)‏‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/177‏)‏
والمقصود‏:‏ أن عيسى ينزل على المنارة الشرقية بدمشق، والبلد محصور محصن من الدجال، فينزل على المنارة - وهي هذه المنارة المبنية في زماننا من أموال النصارى - ثم يكون نزول عيسى حتفاً لهم وهلاكاً ودماراً عليهم، ينزل بين ملكين واضعاً يديه على مناكبهما، وعليه مهروذتان، وفي رواية‏:‏ ممصرَّتان يقطر رأسه ماء كأنما خرج من ديماس، وذلك وقت الفجر، فينزل على المنارة وقد أقيمت الصلاة، وهذا إنما يكون في المسجد الأعظم بدمشق، وهو هذا الجامع‏.‏
وما وقع في صحيح مسلم، من رواية النواس بن سمعان الكلابي‏:‏ فينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، كأنه والله أعلم مروي بالمعنى بحسب ما فهمه الراوي، وإنما هو ينزل على المنارة الشرقية بدمشق، وقد أخبرت ولم أقف عليه إلا الآن أنه كذلك، في بعض ألفاظ هذا الحديث، في بعض المصنفات، والله المسؤول المأمول أن يوفقني فيوقفني على هذه اللفظة، وليس في البلد منارة تعرف بالشرقية سوى هذه، وهي بيضاء بنفسها، ولا يعرف في بلاد الشام منارة أحسن منها، ولا أبهى ولا أعلى منها، ولله الحمد والمنة‏.‏
قلت‏:‏ نزول عيسى على المنارة التي بالجامع الأموي غير مستنكر، وذلك أن البلاء بالدجال يكون قد عم فينحصر الناس داخل البلد، ويحصرهم الدجال بها، ولا يتخلف أحد عن دخول البلد إلا أن يكون متبعاً للدجال، أو مأسوراً معه، فإن دمشق في آخر الزمان تكون معقل المسلمين وحصنهم من الدجال، فإذا كان الأمر كذلك فمن يصلي خارج البلد، والمسلمون كلهم داخل البلد، وعيسى إنما ينزل وقد أقيمت الصلاة فيصلي مع المسلمين، ثم يأخذهم ويطلب الدجال ليقتله‏.‏
وبعض العوام يقول‏:‏ إن المراد بالمنارة الشرقية بدمشق، منارة مسجد بلاشو، خارج باب شرقي‏.‏
وبعضهم يقول‏:‏ إنها المنارة التي على نفس باب شرقي‏.‏
فالله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه العالم بكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، القاهر فوق كل شيء، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض‏.‏
الكلام على ما يتعلق برأس يحيى بن زكريا عليهما السلام

وروى ابن عساكر، عن زيد بن واقد، قال‏:‏ وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق، فوجدنا مغارة فعرفنا الوليد ذلك، فلما كان الليل وافانا وبين يديه الشمع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة، ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع، وإذا فيها صندوق، ففتح الصندوق فإذا فيه سفط وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/ 178‏)‏
مكتوب عليه هذا رأس يحيى بن زكرياء، فأمر به الوليد فرد إلى مكانه، وقال‏:‏ اجعلوا العمود الذي فوقه مغيراً من بين الأعمدة، فجعل عليه عمود مسفط الرأس‏.‏
وفي رواية عن زيد بن واقد‏:‏ أن ذلك الموضع كان تحت ركن من أركان القبة - يعني قبل أن تبنى - قال‏:‏ وكان على الرأس شعر وبشر‏.‏
وقال الوليد بن مسلم‏:‏ عن زيد بن واقد، قال‏:‏ حضرت رأس يحيى بن زكريا وقد أخرج من الليطة القبلية الشرقية التي عند مجلس بجيلة، فوضع تحت عمود الكاسة، قال الأوزاعي والوليد بن مسلم‏:‏ هو العمود الرابع المسفط‏.‏
وروى أبو بكر بن البرامي‏:‏ عن أحمد بن أنس بن مالك، عن حبيب المؤذن، عن أبي زياد وأبي أمية الشعناييين، عن سفيان الثوري، أنه قال‏:‏ صلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة‏.‏ وهذا غريب جداً‏.‏
وروى ابن عساكر، من طريق أبي مسهر، عن المنذر بن نافع - مولى أم عمرو بنت مروان - عن أبيه - وفي رواية‏:‏ عن رجل قد سماه - أن واثلة بن الأسقع خرج من باب المسجد الذي يلي باب جيرون فلقيه كعب الأحبار فقال‏:‏ أين تريد‏؟‏ قال واثلة‏:‏ أريد بيت المقدس‏.‏ فقال‏:‏ تعال أريك موضعاً في المسجد من صلى فيه فكأنما صلى في بيت المقدس، فذهب به فأراه ما بين الباب الأصفر الذي يخرج منه الوالي - يعني الخليفة - إلى الحنية - يعني القنطرة الغربية - فقال‏:‏ من صلى فيما بين هذين فكأنما صلى في بيت المقدس، فقال واثلة‏:‏ إنه لمجلسي ومجلس قومي‏.‏ قال كعب‏:‏ هو ذاك‏.‏ وهذا أيضاً غريب جداً ومنكر ولا يعتمد على مثله‏.
وعن الوليد بن مسلم قال‏:‏ لما أمر الوليد بن عبد الملك ببناء مسجد دمشق وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحاً من حجر فيه كتاب نقش، فبعثوا به إلى الوليد فبعثه إلى الروم فلم يستخرجوه، ثم بعث إلى من كان بدمشق من بقية الأسبان فلم يستخرجوه، فدل على وهب بن منبه فبعث إليه، فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح فوجدوه في ذلك الحائط - ويقال‏:‏ ذلك الحائط بناه هود عليه السلام - فلما نظر إليه وهب حرك رأسه وقرأه فإذا هو‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم، ابن آدم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك، لزهدت في طول ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك لو قد زل بك قدمك‏.‏ وأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك الحبيب وأسلمك الصاحب والقريب، ثم صرت تدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا إلى عملك زائد‏.‏
فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة، وقبل الحسرة والندامة، قبل أن يحل بك أجلك، وتنزع منك روحك، فلا ينفعك مال جمعته، ولا ولد ولدته، ولا أخ تركته، ثم تصير إلى برزخ الثرى، ومجاور الموتى، فاغتنم الحياة قبل الممات، والقوة قبل الضعف، والصحة قبل السقم، قبل أن تؤخذ بالكظم ويحال بينك وبين العمل، وكتب في زمن داود عليهما السلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/179‏)‏
وقال ابن عساكر‏:‏ قرأت على أبي محمد السلمي، عن عبد العزيز التميمي، أنبأ تمام الرازي، ثنا ابن البرامي، سمعت أبا مروان عبد الرحمن بن عمر المازني يقول‏:‏ لما كان في أيام الوليد بن عبد الملك وبنائه المسجد احتفروا فيه موضعاً فوجدوا باباً من حجارة مغلقاً، فلم يفتحوه وأعلموا به الوليد، فخرج حتى وقف عليه، وفتح بين يديه، فإذا داخله مغارة فيها تمثال إنسان من حجارة، على فرس من حجارة، في يد التمثال الواحدة الدَّرة التي كانت في المحراب، ويده الأخرى مقبوضة‏.‏
فأمر بها فكسرت، فإذا فيها حبتان، حبة قمح وحبة شعير، فسأل عن ذلك، فقيل له‏:‏ لو تركت الكف لم تكسرها لم يسوس في هذا البلد قمح ولا شعير‏.‏
وقال الحافظ أبو حمدان الوراق - وكان قد عمَّر مائة سنة -‏:‏ سمعت بعض الشيوخ يقول‏:‏ لما دخل المسلمون دمشق وجدوا على العمود الذي على المقسلاط - على السفود الحديد الذي في أعلاه - صنماً ماداً يده بكف مطبقة، فكسروه فإذا في يده حبة قمح، فسألوا عن ذلك، فقيل لهم‏:‏ هذه الحبة قمح جعلها حكماء اليونان في كف هذا الصنم طلسماً، حتى لا يسوس القمح في هذه البلاد، ولو أقام سنين كثيرة‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ وقد رأيت أنا في هذا السفود على قناطر كنيسة المقسلاط كانت مبنية فوق القناطر التي في السوق الكبير، عند الصابونيين والعطارين اليوم، وعندها اجتمعت جيوش الإسلام يوم فتح دمشق، أبو عبيدة من باب الجابية، وخالد من باب الشرقي، ويزيد بن أبي سفيان من باب الجابية الصغير‏.‏
وقال عبد العزيز التميمي، عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري‏:‏ سمعت جماعة من شيوخ أهل دمشق يقولون‏:‏ إن في سقف الجامع طلاسم عملها الحكماء في السقف مما يلي الحائط القبلي، فيها طلاسم للصنونيات، لا تدخله ولا تعشش فيه من جهة الأوساخ التي تكون منها، ولا يدخله غراب، وطلسم للفأر والحيات والعقارب، فما رأى الناس من هذا شيئاً إلا الفأر، ويشك أن يكون قد عدم طلسمها، وطلسم للعنكبوت حتى لا ينسج فيه‏.‏ وفي رواية‏:‏ فيركبه الغبار والوسخ‏.‏
قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وسمعت جدي أبا الفضل يحيى بن علي يذكر أنه أدرك في الجامع قبل حريقه طلسمات لسائر الحشرات، معلقة في السقف فوق البطائن مما يلي السبع، وأنه لم يكن يوجد في الجامع شيء من الحشرات قبل الحريق‏.‏
فلما احترقت الطلسمات حين أحرق الجامع ليلة النصف من شعبان بعد العصر سنة إحدى وستين وأربعمائة، وقد كانت بدمشق طلسمات كثيرة، ولم يبق منها سوى العمود الذي بسوق العلبيين الذي في أعلاه مثل الكرة العظيمة، وهي لعسر بول الدواب، إذا داروا بالدابة حوله ثلاث مرات انطلق باطنها‏.‏

وقد كان شيخنا ابن تيمية رحمه الله يقول‏:‏ إنما هذا قبر مشرك مفرد مدفون هنالك يعذب، فإذا سمعت الدابة صراخه فزعت فانطلق باطنها وطبعها، قال‏:‏ ولهذا يذهبون بالدواب إلى مقابر اليهود والنصارى إذا مغلت فتنطلق طباعها وتروث، وما ذاك إلا أنها تسمع أصواتهم وهم يعذبون، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/180‏)‏
ذكر الساعات التي على بابه
قال القاضي عبد الله بن أحمد بن زبر‏:‏ إنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات لأنه عمل هناك بلشكار الساعات، كان يعمل بها كل ساعة تمضي من النهار، عليها عصافير من نحاس، وحية من نحاس وغراب، فإذا تمت الساعة خرجت الحية، فصفرت العصافير، وصاح الغراب، وسقطت حصاة في الطست، فيعلم الناس أنه قد ذهب من النهار ساعة، وكذلك سائرها‏.‏
قلت‏:‏ هذا يحتمل أحد شيئين‏:‏ إما أن تكون الساعات كانت في الباب القبلي من الجامع، وهو الذي يسمى باب الزيادة، ولكن قد قيل‏:‏ إنه محدث بعد بناء الجامع،

ولا ينفي ذلك أن الساعات كانت عنده في زمن القاضي ابن زبر، وإما أنه قد كان في الجامع في الجانب الشرقي منه في الحائط القبلي باب آخر في محاكاة باب الزيادة، وعنده الساعات ثم نقلت بعد هذا كله إلى باب الوراقين اليوم، وهو باب الجامع من الشرق، والله أعلم‏.‏
قلت‏:‏ باب الوراقين قبلي أيضاً، فيضاف إلى الجمع نسبة إلى من يدخل منه إلى الجامع الله أعلم، أو لمجارته للجامع ولبابه‏.‏
قلت‏:‏ فأما القبة التي في وسط صحن الجامع التي فيها الماء الجاري، ويقول العامة لها قبة أبي نواس فكان بناؤها في سنة تسع وستين وثلاثمائة أرخ ذلك ابن عساكر عن خط بعض الدماشقة‏.‏
وأما القبة الغربية العالية التي في صحن الجامع التي يقال لها قبة عائشة، فسمعت شيخنا الذهبي يقول‏:‏ إنها إنما بنيت في حدود سنة ستين ومائة في أيام المهدي بن منصور العباسي، وجعلوها لحواصل الجامع وكتب أوقافه، وأما القبة الشرقية التي على باب مسجد علي فيقال‏:‏ إنها بنيت في زمن الحاكم العبيدي في حدود سنة أربع ومائة‏.‏
وأما الفوارة التي تحت درج جيرون فعملها الشريف فخر الدولة أبو علي حمزة بن الحسن بن العباس الحسني، وكأنه كان ناظراً بالجامع وجر إليها قطعة من حجر كبير من قصر حجاج، وأجرى منها الماء ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع عشرة وأربعمائة وعملت حولها قناطر، وعقد عليها قبة، ثم سقطت القبة بسبب جمال تحاكت عندها وازدحمت، وذلك في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة، فأعيدت ثم سقطت أعمدتها وما عليها من حريق اللبادين والحجارة في شوال سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ذكر ذلك كله الحافظ ابن عساكر‏.‏
قلت‏:‏ وأما القصعة التي كانت في الفوارة، فما زالت وسطها، وقد أدركتها كذلك، ثم رفعت بعد ذلك‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/181‏)‏
وكان بطهارة جيرون قصعة أخرى مثلها، فلم تزل بها إلى أن تهدمت اللبادين بسبب حريق النصارى في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ثم استؤنف بناء الطهارة على وجه آخر أحسن مما كانت، وذهبت تلك القصعة فلم يبق لها أثر، ثم عمل الشاذروان الذي شرقي فوارة جيرون، بعد الخمسمائة - أظنه - سنة أربع عشرة وخمسمائة، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ذكر ابتداء أمر السبع بالجامع الأموي

قال أبو بكر بن أبي داود‏:‏ ثنا أبو عباس موسى بن عامر المري، ثنا الوليد - هو ابن مسلم - قال‏:‏ قال أبو عمر الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال‏:‏ الدراسة محدثة أحدثها هشام بن إسماعيل المخزومي، في قدمة قدمها على عبد الملك، فحجبه عبد الملك فجلس بعد الصبح في مسجد دمشق فسمع قراءة فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فأخبر أن عبد الملك يقرأ في الخضراء، فقرأ هشام بن إسماعيل، فجعل عبد الملك يقرأ بقراءة هشام، فقرأ بقراءته مولى له، فاستحسن ذلك من يليه من أهل المسجد فقرؤوا بقراءته‏.‏
وقال هشام ابن عمار خطيب دمشق‏:‏ ثنا أيوب بن حسان، ثنا الأوزاعي، ثنا خالد بن دهقان، قال‏:‏ أول من أحدث القراءة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل بن المغيرة المخزومي، وأول من أحدث القراءة بفلسطين الوليد بن عبد الرحمن الجرشي‏.‏
قلت‏:‏ هشام بن إسماعيل كان نائباً على المدينة النبوية، وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب لما امتنع من البيعة للوليد بن عبد الملك، قبل أن يموت أبوه، ثم عزله عنها الوليد وولى عليها عمر بن عبد العزيز، كما ذكرنا‏.‏
وقد حضر هذا السبع جماعات من سادات السلف من التابعين بدمشق، منهم هشام بن إسماعيل ومولاه رافع وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وكان مكتباً لأولاد عبد الملك بن مروان، وقد ولي إمرة إفريقية لهشام بن عبد الملك وابنيه عبد الرحمن ومروان‏.‏
وحضره من القضاة أبو إدريس الخولاني، ونمير بن أوس الأشعري، ويزيد بن أبي الهمداني، وسالم بن عبد الله المحاربي، ومحمد ابن عبد الله بن لبيد الأسدي‏.‏
ومن الفقهاء والمحدثين والحفاظ المقرئين أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى معاوية ومكحول وسليمان بن موسى الأشدق، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وأبو إدريس الأصغر عبد الرحمن بن عراك، وعبد الرحمن بن عامر اليحصبي - أخو عبد الله بن عامر - ويحيى بن الحارث الدماري، وعبد الملك بن نعمان المري، وأنس بن أنس العذري، وسليمان بن بذيغ القاري، وسليمان بن داود الخشني، وعران - أو هران - بن حكيم القرشي، ومحمد بن خالد ابن أبي ظبيان الأزدي، ويزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر، وعباس بن دينار وغيرهم‏.‏ و هكذا أوردهم ابن عساكر‏.‏
قال‏:‏ وقد روى عن بعضهم أنه كره اجتماعهم وأنكره، ولا وجه لإنكاره‏.‏
ثم ساق من طريق أبي بكر بن أبي داود، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا الوليد - هو ابن مسلم -، عن عبد الله بن العلاء، قال‏:‏ سمعت الضحاك بن عبد الرحمن بن عروب ينكر الدراسة ويقول‏:‏ ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/182‏)‏
قال ابن عساكر‏:‏ وكان الضحاك بن عبد الرحمن أميراً على دمشق في أواخر سنة ست وثمانين في خلافة عمر بن عبد العزيز‏.‏
فصل ‏(‏بناء الجامع الأموي‏)‏
كان ابتداء عمارة جامع دمشق في أواخر سنة ست وثمانين، هدمت الكنيسة التي كانت موضعه في ذي القعدة منها، فلما فرغوا من الهدم شرعوا في البناء، وتكامل في عشر سنين، فكان الفراغ منه في هذه السنة - أعني سنة ست وتسعين -
وفيها توفي بانيه الوليد بن عبد الملك، وقد بقيت فيه بقايا فكملها أخوه سليمان كما ذكرنا‏.‏
فأما قول يعقوب بن سفيان‏:‏ سألت هشام بن عمار عن قصة مسجد دمشق وهذه الكنيسة قال‏:‏ كان الوليد قال للنصارى‏:‏ ما شئتم أنا أخذنا كنيسة توما عنوة وكنيسة الداخلة صلحاً، فأنا أهدم كنيسة توما - قال هشام وتلك أكبر من هذه الداخلة - قال فرضوا أن يهدم كنيسة الداخلة وأدخلها في المسجد، قال‏:‏ وكان بابها قبلة المسجد اليوم، وهو المحراب الذي يصلى فيه‏.‏
قال‏:‏ وهدم الكنيسة في أول خلافة الوليد سنة ست وثمانين، ومكثوا في بنائها سبع سنين حتى مات الوليد ولم يتم بناءه، فأتمه هشام من بعده ففيه فوائد وفيه غلط، وهو قوله إنهم مكثوا في بنائه سبع سنين، والصواب عشر سنين، فإنه لا خلاف أن الوليد بن عبد الملك توفي في هذه السنة - أعني سنة ست وتسعين - وقد حكى أبو جعفر بن جرير على ذلك إجماع أهل السير، والذي أتم ما بقي من بنائه أخوه سليمان لا هشام، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
قلت‏:‏ نقل من خط ابن عساكر وقد تقدم، وقد جددت فيه بعد ذلك أشياء، منها القباب الثلاث التي في صحنه‏.‏ وقد تقدم ذكرها‏.‏ وقيل إن القبة الشرقية عمرت في أيام المستنصر العبيدي في سنة خمسين وأربعمائة وكتب عليه اسمه واسم الاثني عشر الذين تزعم الرافضة أنهم أئمتهم، وأما العمودان الموضوعان في صحنه فجعلا للتنوير ليالي الجمع، وصنعا في رمضان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، بأمر قاضي البلد أبي محمد‏.‏
********************************************************************************

(1) http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=251&CID=146#s6

Home | المؤرخين والجامع الأموى | مسجد سنى أم شيعة

This site was last updated 09/23/08