Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

الملك العادل

ذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس ستجد تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات 

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
من هم الأيوبيين؟
الإحتلال الأيوبى
ظهور صلاح الدين
الأيوبى يقتل الخليفة العاضد
البابا كيرلس ال 75
مشكلة دير السلطان
حروب صلاح الدين
رسائل صلاح الدين
البابا يؤنس 6 الـ 74
الرحالة عبد اللطيف
عبدالله بن ميمون
الملك العزيز
مشاهير وعظماء وقديسى القبط
الملك العادل الأول
الملك الكامل 1
الملك الكامل 2
الملك العادل الثانى
الملك الصالح
الأيوبيين يحكمون مصر
الحملة الرابعة للفرنجة
الحملة الخامسة للفرنجة
الحملة السادسة
الحملة السابعة للفرنجة
الحملة الثامنة للفرنجة
الحملة التاسعة
موت الملك الصالح
العثور على عملة ذهبية
قدرة الملك ريتشارد على النصر
إيلات وصلاح الدين وبيبرس
قلعة حلب
New Page 5293
New Page 5294
New Page 5295
New Page 5296
New Page 5297
New Page 5298
New Page 5299

الملك العادل

ولما مات العزيز أبن صلاح الدين ملك بعده أبنه يوسف وأطلقوا عليه لقب جده الملك الناصر وهو الملك الثالث من ذرية صلاح الدين وأسمه الحقيقى يوسف ابن عثمان ابن يوسف ابن ايوب .. وقد ملك مصر وساحل الشام واورشليم زكان الفرنجة يملكون عكا وصور وغيرها , وقد جلس على عرش مصر فى يوم الأحد 22 من الحرم سنة 595 هـ وبالرغم من هذه التقلبات الداخلية فلم يتحرك الفرنجة ليقاتلوا , كما ان الأمان ساد ارض مصر ولم يسرق أحداً آخر فى القاهرة أو مصر ولو كان حبة قمح .

ولما كان يوسف ابن الملك العزيز صغيراً فى السن واقاموا الملك المستمر وصياً وأطلقوا عليه الملك الظاهر نائباً عنه ,  ولكن لم يستمر هذا الأمر إلا شهراً حتى وصل الملك الأفضل نور الدين عمه قادماً من قلعة سلخد فى الشام ودخل القاهرة فى يوم الخميس 7 من ربيع الأول سنة 595 هـ ,

وبعد أن أستولى على الحكم جمع الجيش وذهب إلى دمشق ليهاجمها وياخذها من عمة فى شهر شعبان سنة 595 هـ ولكن كان الملك العادل سبقة ودخل إلى دمشق وحصنها بالرجال والعدد والمؤونة فلم يقدر على الإستيلاء عليها فأرسل إلى اخوه الملك الظاهر ملك حلب وأبن تقى الدين ومظفر الدين أبن زين الدين , واصبح جنود مصر والشام محاصرين الملك العادل عم الملك الفاضل واخوته فى قلعة دمشق فى الفترة من  من شعبان سنة 595 هـ إلى شهر صفر سنة 596 هـ ووصل إلى علمهم أن الملك العادل لم يشاهدة أحد فى دمشق لمدة 15 يوم وشاع الخبر انه خرج قاصدا مصر

فقابل الملك الأفضل نور الدين على أخيه الملك الظاهر غازى صاحب حلب وتقى الدين ومظفر الدين ابن زين الدين وتشاورا مع بعضهما البعض فيما يفعلوه وأتفقوا أن يعود الملك العادل بسرعة إلى مصر ليصل قبل الملك العادل وإن وصل الملك العادل فيحصروة بين جيش الملك الأفضل وجيشهم

وذهب الملك الأفضل إلى مصر ودخل مدينة بلبيس فى اليوم 20 من ربيع الأول سنة 596 هـ وأخلى البلدة من النساء والأطفال والشيوخ ولم يبقى فيها غير الباعة والتجار والصناع وقدم من مصر سيف الدين أزكج الذى كان ينيبه فى حكم مصر , وأخيراً وصلت أخبار بأن الملك العادل قد وصل إلى قطية فأتفق رايهم على ان يبقى أزكج فى بلبيس ليقاتله ويذهب الملك الأفضل إلى مصر لحمايتها . وحارب الملك العادل أزكج نائب الملك الأفضل وعساكرة فى مكان يسمى الشامخ والعرابى وهما ميرليان من منازل العرب فى يوم الثلاثاء فى وقت الظهر 8 ربيع الاخر سنة 596 هـ وأنتصر عليهم واخذ أموالهم غنيمة وأصبح الطريق إلى  مصر مفتوح أمامه

الملك العادل أبو بكر يدخل القاهرة بغير قتال

وذهب الملك الأفضل إلى مصر راكباً على حصانة يسابق به الريح ولحقة من أصحابه من كان فرسة قوياً , ولما دخل القاهرة حصنها بالرجال والعتاد وتبعه الملك العادل بجيشة وعسكر فى المطرية وأرسل خيله إلى المعادى وأستولوا عليها حتى لا ينضم وحدات الجنود المصرية هناك إلى من فى القاهرة ويدافع عن اهلها وأحاط بجنودة مدينة القاهرة فى منتصف ربيع الآخر سنة 596 هـ , وقام الملك العادل الذى له معرفة بمصر وأمراء مصر بإرسال رسائل إلى كبار الأمراء الذين يدافعون عن القاهرة من فئة الأسدية وفئة الصلاحية ومنهم سيف الدين أزكج , وعلم الدين كرجى , وغرس الدين يمن , وسيف الدين سنقر الوادار , وناصر الدين خضر أبن بهرام , وبقية الأمراء الذين لهم عساكر فى داخل القاهرة فمالوا إليه وتاقوا لصلحة وتوقفوا عن قتاله وخرجوا جميعهم وتركوا الملك الأفضل وحده مع قليل من عساكره وفتحوا الأبواب فدخل الملك العادل بجيشة إلى القاهرة وكان دخوله غلى القاهرة فى يوم الجمعة 16 من ربيع الآخر سنة 596هـ وصلى صلاة الجمعة فيها .

ولم يجد الملك الأفضل أمامه غير أن يغادر القاهرة بعد أن أنفض من حوله الجيوش والأتباع  فخرج الأفضل ومعه مماليكه 15 فارس من القاهرة فى الصباح الباكر ومعه ثمانين جملاً محملاً كنوز مصر وأموالها وأثاث بيته ولم يصحبة سوى ضياء الدين أخو الفقيه عيسى ومماليكه وهم 15 فارس لحمايته وحماية الكنوز التى سرقها من مصر وتوجه إلى قلعة سلخد وأقام فيها حتى سنة 603 هـ  وخرج الملك المستمر خضر وأعطاه الملك العادل ليحكم بلاد السواد حول دمشق .

وكان الملك العزيز قد أستحلف الأمراء وقواد جيشة وجنوده أن يكون أبن الملك العادل سلطان مصر وأتفق الملك العادل مع أمراء طائفة الجند الأسدية والصلاحية وجميع العسكر أن يكون ابن الملك العزيز سلطان مصر واسمه يوسف وأطلقوا عليه الملك الناصر ويكون الملك العادل مدبر الدولة فى شهر رجب سنة 596 هـ

ثم ارسل فرقة من الجنود بقيادة قائد جيشة عز الدين اسامة وأسد الدين واسد الدين سنقر لإحضار إبنه واسمه الكامل إلى مصر وسلطة على مصر وحمل شيئاً اسمه الفاشية أمامه مثل ملوك الفرس فى الأزمنة القديمة من أيام كسرى وسابور وأردشير , وامر بأن يكتب أسمه ‘لى العملة الذهبية والفضية التى يتعامل بها المصريين فى الحياة العامة , وأمر الخطباء فى المساجد والجوامع ألا يخطبوا باسم صلاح الدين أو احد من اولادة بل يكون الخطبة بأن يذكروا السلطان الناصر أولاً ثم الملك العادل نائبه ثانيا ثم ولى عهد الملك الكامل ثالثاً , وأعطى خلعة ( هبه مالية) قدرها 50 دينار لكل خطيب فى الثغور ( الموانئ) والغربية والشرقية وقوص والمدن الكبرى , وأحضر رجلاً من أهل دميرة القبلية يسمى عبدالله ابن على قاضياً وكان عادلاً منذ حداثة سنة وكان حسن الوجه قوى الجسم فقيهاً عالماً يحفظ القرآن ذو معرفة وكان خطة جيداً فى الكتابة خبيراً فى الحسابات فأطلق عليه القاضى صفى الدين كما أسماه الصاحب وسلم له إدارة الدولتين المصرية والشامية فنهض بهما وأستقل بهما وبمضى الزمن صار يستخدم ويصرف ويأمر وينهى , ولا يجرى أى شئ سواء أكان صغيراً أو كبيراً إلا بعلمة وأذنه وبتوقيعه , وأعتمد الملك العادل عليه أعتماداً كاملاً ولا يفعل شيئاً ولا يطلق ولا يمنع ولا يوقع على شئ إلا بعد أن يستشيره , ووصل فى مركزه مالم يبلغه الصاحب ابن عياد وزير الخليفة فى بغداد الذى سمى باسمه , وكان اصلا من قوم يعرفوا ببنى شكر .

تمنع العطاء عن الفقراء والمعوزين يمنع عنك الرب الخير -

 الغلاء والجلاء والوباء

وفى سنة 597 هـ كان سلاطين وخلفاء الحكم فى مصر كانوا يعطون الصدقات ويفرقون الأموال والهبات على الفقراء والأقوياء والضعفاء فكان الخير يعم الجميع وأشار الوزير عبدالله ابن على بإبطال هذه الهبات والصدقات جميعها فمنع الرب فيضان النيل فى تلك السنة أن يصعد على ارض مصر فشرقت ( جفت) أرض مصر كلها من برج اسوان إلى برج دمياط وكان أعلى درجه فى مقياس النيل 31 ذراعاً وثلاثة اصابع وخربت ارض مصر وتفرقت العائلات فى أرض مصر كل يبحث عما يسد رمقه , ذهاب الأقباط إلى أورشليم وعندما بدأت المجاعة تشتد ترك الكثيرين مصر وذهبوا إلى بلاد الشام هرباً من المجاعة فمات بعضهم فى الطريق من شدة الجوع والآخرين أخذهم قبائل العرب فى الطريق وماتوا من البرد والجوع والعطش والباقى قتلوهم العرب وأخذوا أموالهم وأشيائهم الثمينة التى حملوها معهم ونجح القليل منهم فى الوصول إلى اورشليم , أما فى مصر فقد كان الرجل يموت منه ولده أو أخوه أو أعز الناس لديه فيتركه مطروحا فى مكانه ولا يقدر على دفنه فى الرمل لأنه ليس فيه قوة على ذلك ويذهب ناجياً بنفسه مع الناس ولا يلتفت وراءه ويلتصق برفيقه لئلا يهلك , وكان الموتى ينتشرون على الطرق هم ودوابهم ومواشيهم الواحد جانب الآخر من باب بلبيس إلى  باب غزة وقال ابن المقفع فى تاريخ البطاركة مخطوط سيره الأباءالبطاركه – ساويرس إبن المقفع أسقف الأشمونين أعده الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها طباعة النعام للطباعة والتوريدات رقم اإيداع 17461/ لسنة 1999 الجزء الثانى ص 85 يصف مصر فى هذه الفترة فيقول :  " وكانت ثلاثة ضربات أصاب بها الرب المصريين الغلاء والجلاء والوباء وذلك لنية سلطانهم ووزيرة " وبلغ سعر القمح بدينار الويبة مغربلة والخبز بنصف وربع درهم الرطل المصرى وبدرهمين وربع ورقا الرطل بالمحلى والشعير بخمية وعشرين درهم الويبة والفول بعشرين درهم الويبة وأما الحمص والعدس والجلبان فكانوا قليل والذى يجد منهم شيئاً يشتريه بدرهمين وربع القدح وكان الترمس والبرسيم بدينارين الإردب ثم بلغ الترمس درهم القدح المبلول , وباع الناس أثاثهم  وأشياء ثمينة بدرهم باعوا أيضاً القنايا ومساكنهم وجواريهم وعبيدهم , وقام ناس ببيع أولادهم وبناتهم للخدمة كمماليك وقالوا نبيعهم لمن يطعمهم الخبز فيعيشوا به أحسن من أن يموتوا معنا بالجوع , وكان الولد يخطف الخبز من يد أبيه ليحيى به نفسه وكذلك الأب ,  وأكل الناس اللحوم الميتة من الحمير والبغال والخيل والبغال والكلاب والقطط وجميع وحوش الأرض والطير الحى والميت وكان النساء المرضعات يعجزوا من جوعهم عن رضاعة أطفالهم فكانوا يضعون أطفالهم من ست شهر وأثنين وثلاثة وأكثر  على باب جامع المحلة والمساجد فى غيرها من المدن فى جميع بلاد مصر , ويجد الناس فى الصباح على باب الجوامع والمساجد الكثير من هؤلاء الأطفال فيأتوا نساء فى آخر الليل ويأخذوهم فى أقمطتهم , وكانت الشرطة ( البوليس) يقبضون على ناس كثيرين ومعهم قدور يجدوا فيها لحوم بشرية مذبوحه من صغار الناس وكبارهم مطبوخين ومسلوقين ومشويين ويرسلوهم للولاة فيضربوهم وبعضهم كانوا قتلونهم أوذبحوهم , وكان الشباب يقف على النواصى ويخطف الطعام الذى يشتريه الناس , واكل الناس بعضهم البعض والقوى يأكل الضعيف ولم يقدر احد من الناس أن يوارى أحد التراب فإنتشرت جثثهم فى الشوارع والأزقة والطرقات وأنتشرت الأوبئة والأمراض والروائح العفنة ولم يعد أحد يبكى على موتاه ويقول أبن المقفع : " وإنتقلع الحنان من قلوب الناس وإنقطع من الحياة سبل الرجاء وتملك اليأس فى القلوب "  وهلكت الناس وخربت المدن وخلت القرى , لأن أهل القرى ذهبوا إلى المدن ليجدوا سبل المعيشة ولم يعد أحد له القدرة على العمل وتوقف البناء لضعف قوة الناس من الجوع والموت ولم يعد يقف على الطريق ويطلب كسرة خبز بل يمد يده سائلاً لبابة (لقمة) خبز , والشئ الحسن ان كبار الناس من الأمراء والقواد والأجناد والكتاب وأهل الخير من المسلمين والنصارى كانوا يتصدقون على الفقراء ويعمل كل واحد على قدر طاقته وقد أستمرت هذه المجاعة من 597هـ حتى سنة 598هـ .

وفى ربيع الأول سنة 599هـ رحم الرب أهل مصر وبدأت الأسعر تهبط وبيع الخبز ث ارطال بدرهم مصرى وبرطل المحلة رطل بدرهم .. وفى ربيع ألاخر سنة 599 هـ بيع برطل المصرى بدرهم برطل المحلة رطلين بدرهم فرجعت الناس تعيش فى بيوتها التى هجرتها قليلاً قليلاً وبدأوا يعمروا .. القزازين ( صناع الزجاج) والحيكة ( صناع الملابس)  وباقى المهن .. ثم بيع الخبز بالمصرى 11 رطلاً بدرهم وبالمحلى أربعة أرطال بدرهم وتراخت الأسعار وعم الأمان الطرق وبدأ الناس فى يسافرون فى البر والبحر

وقد أرخ أبن المقفع تاريخ البطاركة مخطوط سيره الأباءالبطاركه – ساويرس إبن المقفع أسقف الأشمونين أعده الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها طباعة النعام للطباعة والتوريدات رقم اإيداع 17461/ لسنة 1999 الجزء الثانى ص 87 وكتب ما حدث سابقاً وسجله فى شوال سنة 560 هـ الموافقة نصف بشنس سنة 923 ش        هجوم الفرنجة على الساحل الشمالى لمصر وأسر المسلمين والأقباط لبيعهم عبيداً

لم يكن هجوم المفاجئ للفرنجة على الساحل الشمالى لمصر إلا عملاً من أعمال القرصنة المفاجئة ثم الإنسحاب حاملين الغنائم وقد ذكر المؤرخون حملتين 

حملة الفرنجة المفاجئة على رشيد

 هاجمت مراكب الفرنجة المعدة للحرب المنطقة المحيطة لفرع رشيد وهجموا على فوة والحيرة وبورة وقتلوا من قتلوا والباقيين أخذوهم ليبيعوهم كعبيد وكان من ضمن من اسروهم كالأقباط من أطفال ونساء وأصبح أسقف فوة بلا شعب فذهب يعيش فى الدير ثم رشح بعد ذلك كمطران للحبشة واقرأ ما حدث بعد ذلك فى حياة البابا يؤنس السادس البابا رقم 74   

حملة الفرنجة المفاجئة على دمياط

 فى نهار يوم الأثنين 14 من بشنس  سنة 927 ش الموافق 24 من ذو القعدة 607 هـ رسا على ساحل دمياط 18 مركباً من مراكب الفرنجة المعدة للحرب ونزلوا على البر وذهبوا إلى دير أرميا التابع للطائفة الملكية قرب دمياط بمسافة فرسخ واحد من جهة الشاطئ الغربى شاطئ بورة الحيرة وكان أكبر مركب فى الحملة تسمى بسطة قادرة على حمل 1000رجل بحرية وطريدتين لحمل الخيل فى كل طريدة خمسون فارساً وسبع شوانى للتخزين وثمان حراقات تزودوا من عكا وكان رئيس الحملة رجل أسمه الكندا فلنك . وخرج من المراكب 100 فارس و 1000رجل وقسموا نفسهم إلى جيشين كل قسم 50 فارس و 500 رجل محارب وهجمواعلى الحيرة قتلوا رجالها واسروا اهلها من النساء والأطفال ونهبوها وا؛رقوها بالنار أما القسم الآخر من الجيش فهاجموا بورة قتلوا الرجال وأسروا الأهالى من الأطفال والنساء ونهبوا منها أشياء وأثاث كثير منها شرب (مشربية) مثمنة كانت للسلطان ثمنها 500 ألف دينار وأشياء كان يملكها القاضى وأسمه على وأشياء أخرى بعشرة ألاف دينار هذا غير ما أخذوه من شدات كانت النساء تربطة على خصرهم بها اكياس مملوءة دنانير ومن بين هؤلاء النساء زوجة قاضى بورة فقد كان على وسطها كيس به 1000 دينار ذهباً وقد غادروا مراكبهم ونصبوا الخيم على الشاطئ وكان من بينها خيمة حمراء مميزة للملك  وظلوا ينهبون ويقتلون وياسرون من يوم الإثنين والثلاثاء جتى الأربعاء وفى هذه المدة لم يخرج العساكر الموجودة فى المنطقة لمقاتلتهم فقد كان جميع العساكر مع الملك العادل فى الشام ولم يتجاسر والى دمياط ان يعدى غليهم ويقاتلهم وكل ما فعله أنه اقفل أبواب دمياط عليه وأمر أهل البلدة والقوة التى معه بحماية سور المدينة , وكان مع الرئيس منصور ثمانى شوانى من الأسطول البحرى لمصر فلم يذهب للهجوم عليهم وقتالهم , ولما لم يروا أحد يقاتلهم طمعوا وعلموا ان البلد بلا حماية فهجموا على البر الذى فيه دمياط  فقاتلوهم فى الحصن فلم يقدروا على أخذ المدينة فعادوا إلى مراكبهم وساعدتهم الريح عائدين من حيث أتوا

 الملك العادل يقوى الحصون لحماية الساحل الشمالى خوفاً من هجوم آخر للفرنجة .

ولما عاد الملك العادل إلى مصر فى سنة 608 هـ وظل بها مدة وفى شهر رجب سنة 609 هـ خرج للصيد فى الجيزة ومعه ابنه الملك الكامل وسار فى الحاجز إلى مدينة الإسكندرية وأقام فيها عشرين يوماً يفحص أسوارها وأمر بإصلاح وترميم أسوارها وحصنها وابراجها ثم ذهب إلى الغربية وذهب إلى بلادها وكشف كل جسورها وحصونها وأنتقل إلى البر الشرقى وذهب إلى دمياط وفحص اسوارها وقلاعها وابراجها وأمر بإعطاء البنايين أجور لبناء وترميم وإصلاح ما تهدم منها  .

 العادل ومشكلة قلعة كوكب                                                 

وذهب الملك العادل إلى أشمون وظل فيها وحدث أن ابنه المعظم حضر من الشام وطلب منه أن يأخذ قلعة كوكب من عز الدين اسامة وذلك لأنه أشترى هذه القلعة منه وأخذ منه عشرة ألاف دينار ورفض ان يسلمها له وارسلت زوجة اسامه إلى ابنها ان يسبق المعظم فى إحتلالها واخذ المملوك الذى كان يحكمها ورماة فى الجب ولما جاء المعظم سلم عليه أبن اسامة من فوق أسوارها وقال له : أرى أن مولانا شرفنا بعبوره فى أرضنا " فقال المعظم أريد أن اصيد " قال له ابن اسامة : " قد فتك (سبقتك) فضحك منه " فقام الظتهر وذهب إلى مصر وأخبر والده بما حدث .

وبلغ عز الدين أسامة ما حدث بين ولده والمعظم وذهاب المعظم غلى والده فى مصر فهرب هو وعساكره وفى شهر شعبان سنة 609 قاد الملك الكامل جيشه قاصداً الشام واقام منجنيقات لمحاصرته فى قلاعة ولما عرف الملك العادل هروبه أقتفى اثره من أشمون إلى العباسة وذهب بعد ذلك إلى قلعة كوكب وحاصرها فسلمها له مملوك اسامة فحمل الملك العادل كل ما فيها من مال وغلال وسلاح وغيره حتى حجارتها ذهب به إلى قلعة جبل النطرون وأعمرها وذهب إلى دمشق فى سنة 609 هـ وتسلم جميع قلاع اسامة أما اسامه نفسه فقد قال بعض المؤرخين أن العادل قتله وىخرين أن العادل أعتقله فى الكرك .

حملة جديدة للفرنجة

فى يوم الأثنين النصف من جمادى الآخر سنة 614 هـ وصلت اخبار ان حملة جديدة من حملات الفرنجة قد وصلت فى 160 بطسة وطريدة ( مراكب حاملة ومراكب مسلحة) ونزلوا فى مرج عكا وأعرض الملك وأسمه الهنكر من جزيرة برشيلية وأستعرض عساكرة فكانوا 4000 فارس وتسعين الف راجل من المشاة , فجمع الملك العادل عسكره وغادر مصر ووصل إلى بلبيس قريباً من الفرنجة وأقام ايام فى بلبيس ثم اقام ايام فى نابلس حتى جمع ما يقدر عليه من العسكر وذهب إلى عكا وعسكر فى الطور فى مستهل شهر رجب .

ثم تواصلت الأخبار إلى عكا بوصول بطس أخرى وطرايد ( مراكب) من ملوك اخرى حتى أمتلأ مرج عكا ونزلوا فيه بالخيم حتى ضاق بهم المرج , ووصل إلى الملك العادل أن ملوك الفرنجة يريدون مهاجمته فى الليل فرحل من الطور ونزل وأعد عسكره على أنهار بيسان عند عين جالوت لكثرة الماء هناك وكان عسكرة فى مساحة من نابلس إلى قصر معين الدين عند قنطرة اسامة وارسل الفرنجة (ملك الهنكر) إلى الملك العادل يريد الحرب معه فى أى منظقة يختارها وقال الملك لرسوله قل له : " إذا خرج من عكا إلى برآ عنها فسيقاتله " ولما وصلة الرد خرج من عكا قاصدا معسكر المسلمين ولما اقترب منهم رأى الملك الأفضل انهم يفوقونهم عدة وعدداً وهالهم نظامهم فقد أتحد كل من ملك الهنكر وملك عكا وصاحب جبلة وطرابلس ومن كان قد بقى فى الساحل من ملوك الفرنجة وحلفوا بعضهم لبعض أن يكونوا كلمة واحدة وألا يخون أحدا منهم صاحبة وصاروا قلباً واحداً لحرب المسلمين.

ولما علم الملك العادل ذلك رحل من عند بيسان وذهب ونزل فى عقبة فيق , فكل من نجا من عسكره نجا وتركوا معسكرهم , ووقع بعض عسكر المسلمين فى الأسر من الذى كان موجوداً فى المعسكر وأخذوا الفرنجة ما هو موجود فى معسكر المسلمين بعد أن تركه الملك العادل هارباً فاستولى الفرنجة على الخيام والدواب والجمال والأغنام وكل ما فيه من سلاح وخلافة وقتلوا فيه عدد لا يحصى من المسلمين المحاربين الذى تركهم الملك العادل .

وأرسل الملك العادل إلى أولاد أخوة صلاح الدين الذين ورثوا الأراضى التى أحتلها صلاح الدين وغيرهم من ملوك المسلمين حتى يرسلوا له جيوش ويساعدوه فى هذه الحرب بدلاً من الذين فقدهم فى الإنسحاب الأخير فلم يجيبه احد , فتوجه إلى دمشق وأقام معسكره فى مرج السعار وترك مع أبنه الملك المعظم ألفى فارس مع جماعة من أمراء الجيش وذهبوا إلى أورشليم لحماية المدينة المقدسة .

قلعة الطور

وصلت رسالة من جلدك والى دمياط فى مصر إلى الملك المعظم أبن الملك العادل فيه أخبار أن ملوك الفرنجة قالوا للميبازنة والجنوبيين أنتم الطور لكم أمضوا وقاتلوا وخذوه فخرج من عند الفرنجة أربعة الاف فارس , وكان حصن الطور حصن منيع على جبل عال لا يقدر فارس أن يصل إليه وأستخدم الفرنجة عرب من بنى عقبة أى أن العرب المسلمين أنضموا إليهم وكانوا قد تمكنوا من الصعود إلى قلعة جبل الطور وبدأوا يحفرون اسفلها وكانت على وشك السقوط فى أيديهم .

فذهب الملك المعظم إلى عرب بنى عقبة وأوقع بينهم وبين الفرنجة , وحلف لهم انه سيعطيهم مال كثير وأتفق معهم عليه وسيعطيهم بلاد ليحكموها وحلف لهم على ذلك وقال لهم : " لا يحل لكم من الله سفك دماء المسلمين بيد الكفار فى شهر رمضان " فأطاعوه وحلفوا له ولرسوله أنهم لن يقاتلوا مع الفرنجة ولا يكونوا معهم على المسلمين وقالوا له : " الفرنجة يناموا بالليل فإهجم عليهم نصف الليل والإشارة بيننا وبينكم إذا أوقدنا ناراً فإهجم " ففعل الملك الظافر كما قالوا فهجم عليهم وأنتصر عليهم وقتل أكثرهم , وذهب إلى قلعة الطور وقواه بالعدد والرجال .

مرض غريب يصيب الأبقار

فى أوائل شهر جمادى الأول أصيبت الأبقار بمرض غريب وكانت تموت بلا سبب كما ذكر العرب والمسافرين أن وحوش البرية كانت تموت أيضاً والمشكلة فى ابقار الجيش التى كانت تموت وهذه ثانى مرة يحدث فيها موت الأبقار وكانت المرة الأولى فى سنة 554 هـ

مأساة قرية رحر النصارى التى أبيدت بسبب كذب المسيحيين ووحشية المسلمين

ولما رجع ملك الفرنجة من الطور فى طريقة إلى عكا كان فى طريقة قرية من قرى الغور تسمى رحر النصارة فيها شعب كثير من النصارة من الملكية والسريان وفيها مسلمين ايضاً , فخرجوا جميعاً لأستقبال ملك الفرنجة بالأنجيل والصلبان والمباخر والكاهن يتقدمهم , فشكرهم ملك الفرنجة على إستقبالهم الحافل وسألهم : " هل عندكم مسلمين " فقال شعب القرية جميعاً : " لا " وحلف لهم القسيس أنه لا يوجد فى القرية مسلماً واحداً فقال لهم : معى أربع من العساكر مرضى خذوهم عندكم وداووهم فإذا صحوا أرسلوهم إلى عكا مع من يحملهم إليها وتركهم ومضى , وبعد ان ذهب ملك الفرنجة قام المسلمين فى القرية على النصارى وأخذوهم منهم وقتلوا المرضى من عساكر الفرنجة , ولم يقدر النصارى أن يمنعوا المسلمين من وحشيتهم وبربريتهم فى قتل مرضى من خوفهم من ملك المسلمين , ووصل خبر ما فعلوه المسلمين من اهل هذه القرية إلى الملك بعكا ,

فرجع الفرنجة إلى هذه القرية وسألوا عن الفرسان الأربعة المرضى فإعتذروا بأن المسلمين قتلوهم فلم يقبلوا عذرهم فأحضروا القس وقتلوه وشقوا بطنه ووضعوا فيها كلب ميت لأنه حلف لهم ألا يوجد فى القرية مسلمين وقتلوا كل من رحر النصارة من مسلمين ونصارة رجال ونساء وأطفال وعاد الفرنجى إلى بيسان وحمل كل ما فى البلدة من قمح على رؤوس شباب أهل الغور الباقيين الذين لم يقتلوهم وكان يحملون الصبى القوى كمية كبيرة من القمح والأضعف اقل وكانوا إذا تعب الصبى من حمله وجلس يستريح يقتلونه ويحمل آخر حمله من الأسرى إلى أن حملوا كل ما كان فى بيسان إلى عكا أما باقى السرى فقد أقتسمهم ملوك الفرنجة فقد اخذ ملك عكا النصف واخذ ملك الهنكر النصف وكان عددهم 3600 نفس وقيد ملك عكا السرى أما ملك الهنكر فقتل منهم مجموعة وقطع كل مسلم كف يده اليمنى وسير باقى من عاش مع مفوف القتلى إلى بلاده فى بطس ( مركب) إلى بابا رومية وكتب إليه يقول : " أنى غزوت بلاد المسلمين وأرسل إليكم قليل من الأحياء وكفوف القتلى حتى تراهم , واما ملك المسلمين فإنه لا يقف لى ليحارب وإذا طلبت الحرب معه يهرب من مكان إلى مكان ولا يستطيع أن يقف أمامى وأنا أهاجم ما بقى من الحصون والقلاع , أما أورشليم فقد حصنوها بالرجال والأسوال وأنت قلت لا يرمى فيه أحداَ من ملوك النصرانية سهماً ولا حجر ولا منجنيق وكيف يمكن آخذه من المسلمين بغير قتال عليه ولا هجوم ولا زحف من جيوش إليه , وهم اخذوه بالقتال الشديد والمنجانيقات , فإذا يمكن أن تحضر لعل الرب يعطيه لنا فنعيد فيه جميعاً إن شاء الرب "

المدرسة التى أنشأها الملك الكامل

لم تعرف مصر ما يعرف بالمدرسة حتى أنشأها الفاطميين لنشر المذهب الشيعى وصرفوا على طلاب هذه المدارس الإسلامية وعندما تحول الحكم لصالح المذهب السنى بدخول الأيوبين وأستولوا على الحكم أنشا الملك الكامل هذه المدرسة وتسمى المدرسة الكاملية التى أنشأها محمد بن العادل عام 1225 م والتى يبلغ رقمها 428 آثار إسلامية

**************************************************************************

خطط لتولى الملك العادل حكم مصر

 المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 112 من 167 ) : " وقال القاضي شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان‏.‏ جَهَاركس‏:‏ بن عبد الله فخر الدين أبو المنصور الناصريّ الصلاحيّ كان من أكبر أمراء الدولة الصلاحية وكان كريمًا نبيل القدر عليّ الهمة بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون‏:‏ لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وأحكام بنائها وبنى بأعلاها مسجدًا كبيرًا وربعًا معلقًا وتوفي في بعض شهور سنة ثمان وستمائة بدمشق ودفن في جبل الصالحية وتربته مشهورة هناك رحمه الله وجَهَاركس بفتح الجيم والهاء وبعد الألف راء ثم كاف مفتوحة ثم سين مهملة‏.‏ ومعناه بالعربيّ أربعة أنفس وهو لفظ عجميّ‏.‏
وقال الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمود اليغوريّ‏:‏ سمعت الأمير الكبير الفاضل شرف الدين أبا الفتح عيسى بن الأمير بدر الدين محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد الهكاريّ البحتريّ الطائيّ المقدسيّ بالقاهرة ومولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالبيت المقدّس شرّفه الله تعالى وتوفي بدمشق في ليلة الأحد تاسع عشري ربيع الآخر سنة تسع وستمائة ودفن بسفح جبل قاسيون رحمه الله‏.‏
قال‏:‏ حدّثني الأمير صارم الدين خطلبا التبنينيّ صاحب الأمير فخر الدين أبي المنصور جهاركس بن عبد الله الناصريّ الصلاحيّ رحمه الله قال‏:‏ بلغ الأمير فخر الدين أن بعض الأجناد عنده فَرَسٌ قد دُفع له فيه ألف دينار ولم يسمح ببيعه وهو في غاية الحسن فقال لي الأمير باخطلبا‏:‏ إذا ركبنا ورأيت في الموكب هذا الفرس نبهني عليه حتى أبصره‏.‏
فقلت‏:‏ السمع والطاعة‏.‏
فلما ركبنا في الموكب مع الملك العزيز عثمان بن الملك الناصر رحمه الله رايت الجنديّ على فرسه فتقدّمت إلى الأمير فخر الدين وقلت له‏:‏ هذا الجنديّ وهذا الفرس راكبه فنظر إليه وقال‏:‏ إذا خرجنا من سماط السلطان فانظر أين الفرس وعرّفني به‏.‏
فلما دخلنا إلى سماط الملك العزيز عجّل الأمير فخر الدين وخرج قبل الناس فلما بلغ إلى الباب قال لي أين الفرس قلت‏:‏ ها هو مع الركاب‏.‏ دار فقال لي‏:‏ أدعه‏.‏
فدعوته إليه فلما وقف بين يديه والفرس معه أمره الأمير بأخذ الغاشية ووضع الأمير رجله في ركابه وركبه ومضى به لى داره وأخذ الفرس فلما خرج صاحبه عرفه الركاب دار بما فعله الأمير فخر الدين فسكت ومضى لى بيته وبقي أيامًا ولم يطلب الفرس‏.‏
فقال لي الأمير فخر الدين‏:‏ يا خطلبا ما جاء صاحب الفرس ولا طلبه اطلب لي صاحبه‏.‏
قال‏:‏ فاجتمعت به وأخبرته بأنّ الأمير يطلب الاجتماع به فسارع إلى الحضور‏.‏
فلما دخل عليه أكرمه الأمير ورفع مكانه وحدّثه وآنسه وبسطه وحضر سماطه فقرّ به وخصصه من طعامه فلما فرغ من الأكل قال له الأمير‏:‏ يا فلان ما بالك ما طلبت فرسك وله عندنا مدّة فقال‏:‏ يا خوند وما عسى أن يكون من هذا الفرس وما ركبه الأمير إلاّ وهو قد صلح ل وكلما صلح للمولى فهو على العبد حرام ولقد شرّفني مولانا بأن جعلني أهلًا أن يتصرّف في عبده والمملوك يحسب أن هذا الفرس قد اصاب مرض فمات وأما الآن فقد وقع في محله وعند أهله ومولانا أحق به وما أسعد المملوك إذا صلح لمولانا عنده شيء‏.‏
فقال له الأمير‏:‏ بلغني أنك أُعطيتَ فيه ألف دينار‏.‏
قال كذلك كان قال‏:‏ فلم لم تبعه فقال‏:‏ يا مولانا هذا الفرس جعلته للجهاد وأحسن ما جاهد الإنسان على فرس يعرفه ويثق به وما مقدار هذا الفرس له أسوة‏.‏
فاستحسن الأمير همته وشكره ثم أشار إليّ فتقدّمت إليه فقال لي في أذني‏:‏ إذا خرج هذا الرجل فاخلع عليه الخلعة الفلانية من أفخر ملبوس الأمير وأعطه ألف دينار وفرسه فلما نهض الرجل أخذته إلى الفرش خاناه وخلعت عليه الخلعة ودفعت إليه الكيس وفيه ألف دينار فخدم وشكر وخرج فقّمّم إليه فرسه وعليه سرج خاص من سروج الأمير وعدّة في غاية الجودة‏.‏ فقيل‏:‏ اركب فرسك‏.‏
فقال‏:‏ كيف أركبه وقد أخذت ثمنه وهذه الخلعة زيادة على ثمنه‏.‏
ثم رجع إلى الأمير فقبّل الأرض وقال‏:‏ يا خوند تشريف مولانا لا يُردّ وهذا ثمن الفرس قد أحضره المملوك‏.‏
فقال له الأمير فخر الدين‏:‏ يا هذا نحن جرّبناك فوجدناك رجلًا جيدًا ولك همة وأنت أحق بفرسك خذ هذا ثمنه ولا تبعه لأحد فخدمه وشكره ودعا له وأخذ الفرس والخلعة والألف دينار وانصرف‏.‏
وأخبرني أيضًا الأمير شرف الدين ابن أبي القاسم قال‏:‏ أخبرني صارم الدين التبنيني أيضًا‏:‏ أنّ الأمير فخر الدين خدم عنده بعض الأجناد فعرض عليه فأعجبه شكله وقال لديوانه‏:‏ استخدموا هذا الرجل‏.‏
فتكلموا معه وقدّروا له في السنة اثني عشر ألف درهم فرضي الرجل وانتقل إلى حلقة الأمير قوصون وضرب خيمته وأحضر بركه فلما كانت بعض الأيام رجع الأمير من الخدمة فعبر من جنب خيمة هذا الرجل فرأى خيمة حسنة وخيلًا جيادًا وجمالًا وبغالًا وبركًا في غاية الجودة‏.‏ فقال‏:‏ هذا البرك لمن فقيل هذا برك فلان الذي خدم عند الأمير في هذه الأيام‏.‏
فقال‏:‏ قولوا له ما لك عندنا شغل تمضي في حال سبيلك فلما قيل للرجل ذلك أمر بأن تحط خيمته وأتى إليّ وقال‏:‏ يا مولانا أنا رائح وها أنا قد حملت بركي ولكن أشتهي منك أن تسأل الأمير ما ذنبي‏.‏ قال‏:‏ فدخلت إلى الأمير وأخبرته بما قال الرجل‏.‏
فقال‏:‏ والله ما له عندي ذنب إلا أنّ هذا البرك وهذه الهمة يستحق بها أضعاف ما أُعطي فأنكرت عليه كيف رضي بهذا القدر السير وهو يستحق أ تكون أربعين ألف درهم وتكون قليلة في حقه فإذا خدم بثلاثين الف درهم يكون قد ترك لنا عشرة آلاف درهم فهذا ذنبه عندي‏.‏
فرجعت إلى الرجل فأعلمته بما قال الأمير فقال‏:‏ إنما خدمت عن الأمير ورضيت بهذا القدر لعلمي أن الأمير إذا عرف حالي فيما بعد لا يقنع لي بهذا الجاري فكنت على ثقة من إحسان الأمير أبقاه الله وأما الآن فلا أرضى أن أخدم إلا بثلاثين ألف درهم كما قال الأمير‏.‏ فرجعت إلى الأمير وأخبرته بما قال الرجل فقال‏:‏ يجري له ما طلب وخلع عليه وأحسن إليه‏.‏
وكان الأمير فخر الدين جهاركس مقدّم الناصرية والحاكم بديار مصر في أيام الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن مات العزيز فمال الأمير فخر الدين جهاركس إلى ولاية ابن الملك العزيز وفاوض في ذلك الأمير سيف الدين يازكوج الأسديّ وهو يومئذ مقدّم الطائفة الأسدية وكان الملك العزيز قد أوصى بالملك لولده محمد وأن يكون الأمير الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسديّ مدبر أمره فأشار يازكوج بإقامة الملك الأفضل عليّ بن صلاح الدين في تدبير أمير ابن العزيز فكره جهاركس ذلك ثم أنهم أقاموا ابن العزيز ولقبوه بالملك المنصور وعمره نحو تسع سنين ونصبوا قراقوش اتابكًا وهم في الباطن يختلفون عليه ومازالوا يسعون عليه في إبطال أمر قراقوش حتى اتفقوا على مكاتبة الأفضل المتقدّم ذكره وحضوره إلى مصر ويعمل اتابكية المنصور مدّة سبع سنين حتى يتأهل بالاستبداد بالملك بشرط أن لا يرفع فوق رأسه سنجق الملك ولا يذكر اسمه في خطبة ولا سكة فلما سار القاصد إلى الأفضل بكتب الأمراء بعث جهاركس في الباطن قصدًا على لسانه ولسان الطائفة الصلاحية بكتبهم إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب وكتب إلى الأمير ميمون القصريّ صاحب نابلس يأمره بأن لا يطيع الملك الأفضل ولا يحلف له فاتفق خروج الملك الأفضل من صرخد ولقاه قاصد فخر الدين جهاركس فأخذ منه الكتب وقال‏:‏ له ارجع فقد قضيت الحاجة وسار إلى القاهرة ومعه القاصد فلما خرج الأمراء من القاهرة إلى لقائه ببلبيس فعمل له فخر الدين سماطًا احتفل فيه احتفالًا زائدًا لينزل عنده فنزل عند أخيه الملك المؤيد نجم الدين مسعود فشق ذلك على جهاركس وجاء إلى خدمته فلما فرغ من طعام أخيه صار إلى خيمة جهاركس وقعد ليأكل فرأى جهاركس قاصده الذي سيره في خدمة الأفضل فدهش وأيقن باشر فللحال استأذن الأفضل أن يتوجه إلى العرب المختلفين بأرض مصر ليصلح بينهم فأذن له وقام من فوره واجتمع بالأمير زين الدين قراجا والأمير اسد الدين قراسنقر وحسّن لهما مفارقة الأفضل فسارا معه إلى القدس وغلبوا عليه ووافقهم الأمير عز الدين أسامة والأمير ميمون القصري فقدم عليهم في سبعمائة فارس ولما صاروا كلمة واحدة كتبوا إلى الملك العادل يستدعونه للقيام باتابكية الملك المنصور محمد بن العزيز بمصر‏
وأما الأفضل فإنه لما دخل من بلبيس إلى القاهرة قام بتدبير الدولة وأمر الملك بحيث لم يبق للمنصور معه سوى مجرّد الاسم فقط وشرع في القبض على الطائفة الصلاحية أصحاب جهاركس ففرّوا منه إلى جهاركس بالقدس فقبض على من قدر عليه منهم ونهب أموالهم فلما زالت دولة الأفضل من مصر بقدوم الملك العادل أبي بكر بن أيوب استولى فخر الدين جهاركس على بانياس بأمر العادل ثم انحرف عنه وكانت له أنباء إلى أن مات فانقضى أمر الطائفة الصلاحية بموته وموت الأمير قارجا وموت الأمير أسامة كما انقضى أمر غيرهم‏.‏
 

This site was last updated 01/17/15