المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (1)
The Egyptian Organization for Human Rights
من أجل حرية الفكر والإبداع
" بحب السيما " هل أضحت المؤسسة الدينية في مصر جهة رقابية ؟
17 اغسطس 2004
طالب مثقفون ونقاد سينمائيون ورجال دين بضرورة فك الاشتباك بين الفن والدين بالشكل الذي يحافظ على قدسية الدين وفي نفس الوقت يضمن حرية الفكر والتعبير والإبداع للأفراد ، مؤكدين رفضهم قيام المؤسسة الدينية سواء كانت ممثلة في الأزهر أو الكنيسة بالرقابة على الأعمال الفنية المعتمدة على الخيال والإبداع ، كما قالوا أن الفيلم كشف عن العديد من الجوانب المسكوت عنها في المجتمع المصري "المريض" على حد قولهم. وجاء ذلك خلال الحلقة النقاشية التي نظمتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تحت عنوان (من أجل حرية الفكر والإبداع " بحب السيما " هل أضحت المؤسسة الدينية في مصر جهة رقابية ) ؟ .
وأوضحت الكاتبة فريدة النقاش رئيسة تحرير مجلة أدب ونقد والتي أدارت الحلقة النقاشية أن تناول قضية فنية تخص ديانة ما مسيحية أو إسلامية أو يهودية أو وثنية من المفروض أن تحاسب فنياً فحسب ولا يحاسب العاملون فيه بمقاييس أخرى ، مشيرة إلى أن قضية حرية الفكر والتعبير في ثقافتنا العربية قد مرت بمراحل بالغة التعقيد ، حيث وقعت مصادرات لا حصر لها سواء كانت مصادرة لأفلام أو دواوين شعر ، فأول مصادرة كانت لكتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وصولاً إلى أن التطرف الإسلامي قتل واحد من أبرز المفكرين في التاريخ المعاصر وهو د. فرج فودة ، وكانت هناك محاولة لاغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ ، مؤكدة أن قيام البعض برفع دعوى قضائية ضد فيلم "بحب السيما" ظاهرة غير صحية على الإطلاق ، فإذا كانت هناك وجهة نظر معينة ينبغي الرد عليها بوجهة نظر أخرى ، مشيرة إلى أن سبب الأزمات التي يشهدها المجتمع المصري من الحين للآخر يرجع إلى غياب الحريات فيه .
ومن ناحية أخرى ، أشارت إلى أن هذه الحلقة لا تهدف إلى محاكمة الفيلم بل لاستماع وجهات النظر المختلفة حول القضية برمتها ، فالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان تؤكد احترامها لكل الأديان وحقوق العبادة ، ولكنها تود أن تدافع بقوة على حرية الفكر والتعبير والإبداع، وبالتالي التساؤل المطروح كيف سنحقق هذه المعادلة الصعبة بينهما ؟ . وأكد د القس أكرام لمعي راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا أن المشكلة في العالم الثالث هي الخلط بين الخيال والواقع ، فالفن خيال ووجهة نظر شخص ولا يمكن الرد على وجهة النظر هذه بمنعها مهما كان الاختلاف معها ، وإنما يرد عليها بوجهة نظر أخرى وترك الحكم للأفراد ، ففيلم " بحب السيما" خيال ، مضيفاً أنه من الخطأ القول أن الأسرة المسيحية في الفيلم تمثل جميع الأسر المسيحية في مصر ، ويجب منع الفيلم لذلك ، لأننا بهذه الطريقة نسيء للأسر المسيحية ، لأن الفيلم لا يمثلها ، بل بالعكس هو خيال فنان رأى ذلك ، بل البعض قال أنه لو قمنا بتغيير أسماء الشخصيات الموجودة بأسماء مسلمة لأصبحت تمثل نفس الشيء ، فالفيلم يصور حياة أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة سواء كانت مسيحية أو مسلمة. كما أوضح القس لمعي أن الفيلم ليس موجه للمتدينين والكنسيين فهو موجه للشباب المصري الضائع البعيد عن الله والذي يضيع وقته في الكثير من الأمور التافهة مثل الجلوس على المقاهي ومشاهدة الأفلام الهابطة ، وبالتالي فأن مؤلف الفيلم حاول أن يوجه للشباب رسالة روحية دينية تحثهم على العلاقة مع الله، وشبه المرض الذي اعترى الطفل الصغير بالمرض المستشري في العالم الثالث آلا وهو غياب الحرية والتي يعود غيابها للسلطة الغاشمة في تلك الدول .
اختراق للكنيسة
أما الكاتب والناقد لويس جريس فرأى أن فيلم "بحب السيما" ما هو إلا اختراق للكنيسة القبطية في مواجهة ما يجري الآن على المستوى السياسي في العالم ، مشيراً إلى أنه مثلما تتحدث الولايات المتحدة عن ضرورة الإصلاح على المستوى السياسي العام ، يتحدث الفيلم عن الإصلاح داخل الكنيسة الأرثوذكسية المتعصبة المتعجرفة التي تقوم بدور الوصاية ، مؤكداً أن هذا الفيلم ليس فيلم رأي عام يطرح قضية الحرية للنقاش، ولكنه يخترق الكنسية القبطية -أول كنيسة في العالم - اختراقاً واضحاً حتى تبدو الكنيسة متخلفة وبحاجة للإصلاح والذي سيقوم بذلك الكنيسة البروتستانتية.
أزمة مجتمع
ومن جهته أعرب طارق الشناوي الناقد السينمائي عن اتفاقه في الرأي مع ما قاله القس لمعي ، مطالباً بضرورة رفع القيود - أية قيود- عن الأعمال الفنية ، ولكنه في نفس الوقت اختلف مع الكاتب لويس ، مؤكداً أن التزمت لا يقتصر على ديانة معينة سواء كانت المسيحية أو الإسلامية ، كما لا يرتبط بطائفة ما من الطوائف المسيحية ، فعلى سبيل المثال لم تبقى بطلة فيلم "بحب السيما" متحررة حتى نهايته بل أصبحت متزمتة فيما بعد ، أن التزمت هو تزمت مجتمع طرح أشخاص بطبيعتهم متزمتين .وأضاف أن أكبر خطأ في الفيلم المعالجات الخاطئة التي قدمت له من قبل الدولة المصرية والرقابة والإعلام .
ورأى الناقد السينمائي أن رفع دعوى قضائية ضد الفيلم ليس تهمة ، بل مسألة شرعية ، متسائلاً كيف نطالب بالحرية ولا نسمح للرأي الآخر المختلف معنا بالتعبير عن نفسه باللجوء مثلاً للقضاء .وحول ما إذا كان فيلم "بحب السيما" يعبر عن أزمة فيلم أم أزمة مجتمع ، أكد الشناوي أن الأزمة أزمة مجتمعية ، فالمجتمع المصري مريض فقد روح الدعابة ، كما أنه مجتمع ضعيف وقد أسهمت الدولة بجميع مؤسساتها في هذا الضعف .
وقال فايز غالي الكاتب والسيناريست أن التساؤل الخاص بشأن ما إذا فيلم "بحب السيما" يعبر عن أزمة فيلم أم أزمة مجتمع يعتبر مدخلاً مهماً لمناقشة الفيلم محل النقاش ، مؤكداً أن الأزمة هي أزمة فيلم من ناحية ثلاثة عوامل وميكانيزمات : أولهما أزمة فيلم في علاقته بصناعة السينما في مصر خلال السنوات الأخيرة ، فهذه السينما تشهد حالة من التردي الملحوظ برغم زيادة عدد الأفلام المنتجة على مدار العام الواحد حيث تصل إلى حوالي 90 فيلماً ولكنها دون المستوى المطلوب ، وبالتالي فالمتلقي تعود على مثل هذه النوعية من الأفلام الهابطة ، وعندما يظهر فيلم رفيع المستوى يضع تساؤل عند المشاهد ، وفي نفس الوقت الرقابة في مصر تاريخياً تعمل تحت مظلة ثلاث مؤسسات هي المؤسسةالدينية والعسكرية والسياسية ، وفي ظل هذا المناخ أصبح هامش الحرية في نطاق السينما المصرية ضيقاً ومحدوداً لحد ما ، وبالتالي فيلم مثل فيلم "بحب السيما" على مستوى من الجرأة يكون صادماً بالفعل. ثانيهما أزمة فيلم في علاقته بالثقافة ، فهناك أزمة في المجتمع المصري بشأن تذوق الأعمال الفنية ، فنحن غير قادرين على تذوق فيلم "بحب السيما" ، وثالثهما أزمة مجتمع، حيث لا يستطيع أحد التعرض لما يجري تحت سلطات التدين و الدين سواء على الجانب المسلم أو المسيحي ، فلو تصورنا أن مخرجاً قدم فيلماً عن ما يجري تحت النقاب في مصر أو في العالم العربي ، سوف يخرج من يذبح صناع هذا الفيلم ، مضيفاً أن المجتمع المصري وصل إلى مرحلة من التزمت والتعصب على الجانبين ، فالفيلم فجر لدى المسيحيين المختبئ تحت السطح .
كما أكد أن الواقع الاجتماعي المصري مأزوم ومريض ، فالذين صنعوا التطرف في مصر ، والذين قالوا أن الدين عند الله الإسلام ، والإسلام هو الحل ، والذين قتلوا فرج فودة الدين الإسلامي بريء منهم ، فالإسلام دين سماحة ومودة وسلام ، وهؤلاء لا يدرون أنهم على الجانب المقابل أشعلوا هذا الغضب الشبه المجنون لدى الأقباط والذي فجره فيلم " بحب السيما" ، وأنهى السيناريست غالي حديثه بقوله أن فيلم "بحب السيما " قيمة فنية كبرى لا يسعى لوقيعة أو إهانة أو اختراق للكنسية الأرثوذكسية بقدر ما هو فيلم اجتماعي بسيط .
رجال الدين ليسوا بأوصياء
أما القس رفعت فكري سعيد راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف فأكد أنه لا يجوز لرجال الدين - أي دين - أن يتدخلوا في الفن أو أن ينصبوا أنفسهم رقباء أو أوصياء على الأعمال الفنية ، وبدلاً من رفع دعوى قضائية ضد "بحب السيما" كان من الأولى رفعها ضد الأعمال الفنية التي قدمت لنا تاريخاً مزيفاً عن مصر ودعاوى أيضاً لإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات في البلد والتي تكرس التمييز وعدم المساواة بين المواطنين والمنتهكة لحقوق الإنسان .
ومن ناحيتها ، أكدت ماجدة موريس الناقدة السينمائية أن المناخ الغير المواتي الذي قدم فيه الفيلم والمليء بالحساسيات وسوء الظن من قبل الطرفين المسلم والمسيحي هو الذي تسبب في الضجة التي أثيرت بشأن الفيلم ، مضيفة أن بعض الشخصيات المسيحية من أصدقائها سألوها كيف سينظر لهم المسلمون بعد مشاهدتهم للفيلم ، مؤكدة أن قيام بعض الشخصيات باقتطاع بعض المشاهد من الفيلم عن سياقها وتقديمها كدليل على أنها مهانة ولا تحترم أمر مأساوي بالفعل ، ولكن المؤسسة السياسية مسؤولة عن هذه الأزمة المجتمعية ، مشيرة إلى أن الفيلم قد حوى الكثير من الإيجابيات ومن بينها تحويل الكثير من المواطنين المسيحيين لأطراف مستعدة للتحاور حول الفن كما مستعدة في نفس الوقت أن تدافع عن نفسها وعقيدتها.
وفي ختام الندوة طالب المشاركون بإطلاق حرية الفكر والإبداع للأفراد ورفع وصاية المؤسسات الدينية عن الأعمال الفنية ، مؤكدين أنه لا يحق لرجال الدين التدخل في قضايا الإبداع الفني ، بمعنى آخر ليس من وظائف رجال الدين القيام بوظيفة النقاد السينمائيين .
==============
http://www.eohr.org/ar/report/2004/re7.htm راجع هذا الموقع لمزيد من التفاصيل