Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

عمرو بن العاص ينشئ مدينة الفسطاط

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
الفسطاط مدينة إسلامية
الأنشطة الإجتماعية بالفسطاط
الفسطاط وجامع عمرو

Hit Counter

  إنشاء مدينه الفسطاط:

 أنشأ عمرو مدينه الفسطاط فى الارض التى عسكر فيها والواقعه بين حصن بابليون وجبل المقطم 0 وعندما إستولى على الحصن وإستعد للرحيل للاسكنريه قام رجاله بفك الخيام فوجدوا عشا للحمام فوق خيمه عمرو00فقالو: ان خيمه الامير قد فرخ  فوقها الحمام00فقال عمرو: لقد إحتمت بجوارنا حرام علينا ان نخون بها 0 وقد استجارت وتحصنت بحمانا أتركوا فسطاطى منصوبه لها الى ان يطير فراخها 0 فترك عمرا رجلا يحرس خيمته0ولما رجع من الاسكندريه بني هناك مدينه اطلق عليها اسم الفسطاط  (1)

‏الفسطاط معروف وهي الخيمة راجع

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=2420

ولم تكن القصة السابقة هى القصة الولى فى تاريخ العرب المسلمين فقد ذكر المؤرخين المسلمين وهم يتباهون عن رحمة نبى الإسلام أن : ‏ محمد صاحب الشريعة الإسلامية المثل الاعلي في الرحمة بكل شيء بالانسان والحيوان والجماد رحمة في مواطن يفقد فيها الرحماء رحمتهم يوم فتح مكة‏..‏ وهو يوم حرب مع ألد الخصوم ـ قريش‏..‏ جمع صناديدهم وقال لهم‏.‏ ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن اخ كريم‏.‏ قال اذهبوا فأنتم الطلقاء‏..‏ أخذ أحد الصحابة فرخا لطائر الحمرة ــ مثل العصفور ــ فظلت أمه ترفرف في خوف وفزع فعلم صلي الله عليه وسلم فقال من فجع هذه بولدها ردوا ولدها اليها‏." ويعتقد أن قصة الطائر منقولة من أحدى القصص والأساطير القديمة لأنها تكررت وهذا دليل على شهرتها قبل كتابتها فى التاريخ الأسلامى - وقصة الطائر لا تتلائم مع من يقود الجيوش للحرب وسفك الدماء .

 *والامر الاكثر ترجيحا ان اسم الفسطاط اسم غير عربي وأنه مشتق من لفظ يونانى ( فساطن) والذي اشتق أيضا من الاتينيه ( فساتم ) وهو الاسم الذى كان يطلقه الرومان على معسكراتهم الحربيه وأمر عمرو مهندسا قبطيا اسمه بقطر ببناء جامع الفسطاط عنما شاهد ابنيه الكنائس الجميله المبنيه على الطراز البيزنطى والقبطى والمرجح انه فضل الطراز القبطى لبساطته0 ولما طلب المهندس ان يمده العرب بأعمده0أخذ عمرو الاعمده من الكنائس التى دمروها أثناء غزوهم مصر وكانت هذه اول حادثه للعرب فى تدمير والاستيلاء على اعمدة الكنائس وسار الولاه الذين تولوا من بعده على منواله وذلك لان العرب لم يكن لهم خبره بالبناء وقطع للاحجار وتزيين الابنيه فالأسهل الإستيلاء عليها  وأمر عمرو بترميم مقاييس النيل من جزيره فيلا (اسوان) حتى الروضه

ما زالت بيوت الفسطاط (الصورة الجانبية جريدة وطنى بتاريخ 15/1/2006م العدد 2299) وحاراته الضيقة موجوداً حتى الآن فى مصر لم يطرأ عليها تغيير لأن ولاة المسلمين وخلفائهم كانوا بفضلون إنشاء مدن جديدة ومساجد لتخليد أسمائهم  بدلاً من تطوير القديمة , وهذا الأمر العفوى أثرى بلا شك القيمة الأثرية والتاريخية فى مصر اليوم حيث يشعر السائح بعبيق قدم التاريخ عند زيارته للكنائس الأثرية فى هذه المنطقة لأنه مازال هناك بشر يعيشون بنفس طريقة اسلافهم فى بيوتهم القديمة .

‏وهناك مركز‏ ‏الخزف‏ ‏بالفسطاط‏ ‏فقديما‏ ‏كما‏ ‏يؤكد‏ ‏المؤرخون‏ ‏اشتهرت‏ ‏الفسطاط‏ ‏حتي‏ ‏القرن‏ ‏الثالث‏ ‏عشر‏ ‏الميلادي‏ ‏بصنع‏ ‏الأواني‏ ‏النحاسية‏ ‏والقوارير‏ ‏الزجاجية‏ ‏والبلورية‏ ‏والصحون‏ ‏الخزفية‏ ‏والورق‏ ‏والمنسوجات‏ ‏لكن‏ ‏أكثرها‏ ‏شهرة‏ ‏هو‏ ‏صناعة‏ ‏الفخار‏ ‏والخزف‏ ‏والقيشاني‏ ‏ويتمركز‏ ‏فنانو‏ ‏الفخار‏ ‏والخزف‏ ‏في‏ ‏منطقة‏ ‏الفواخير‏ ‏التي‏ ‏تبدأ‏ ‏من‏ ‏كوم‏ ‏غراب‏ ‏جنوبا‏ ‏حتي‏ ‏عين‏ ‏الصيرة‏ ‏شمالا‏,‏

 

مسجد عمرو بن العاص الذى أنشأ بهدم المئـــــــــــات من كنائس الأقباط

 

مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط وهو أول مسجد أنشئ فى مصر وأنشأ بها سنة 21 هجرية = 642ميلادية مسجدا سمى باسمه وكان هذا المسجد غاية فى البساطة، فقد بلغت مساحته30 فى 50 ذراعا وبنيت حوائطه باللبن وفرشت أرضه بالحصى وصنع سقفه من الجريد واتخذت أعمدته من جذوع النخل ثم هدم عمر بن العاص مئات الكنائس لكى يبنى مسجدة والدليل على ذلك أن تيجان الأعمدة تحتوى على زخارف ورموز مسيحية قبطية ويمكن أن تعرف عدد الكنائس التى هدمت إذا أحصيت عدد الأعمدة وقسمتها على12  أو 6 لأن كل كنيسة المفروض ان يكون عدد أعمدتها 6 أو 12 وما تراه أيها القارئ هو جزء من جانب واحد من أربعة جوانب التى تكون جامع عمرو بن العاص

 

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول  42 / 167 : قال اليمنيّ‏:‏ وقد كان ابن الطحاويّ يصلي في جامع الفسطاط العتيق وبعض عمده أو أكثرها ورخامه من كنائس الإسكندرية وأرياف مصر وبعضه بناه مرّة بن شريك عامل الوليد بن عبد الملك ويقال‏:‏ إنّ بالجيزة قبر كعب الأحبار وإنه كان بها أحجار ورخام قد صوّرت فيها التماسيح فكانت لا تظهر فيما يلي البلد من النيل مقدار ثلاثة أميال علوًا وسفلًا‏.‏
ويقال‏:‏ إنّ مسجد التوبة الذي بالجيزة كان فيه تابوت موسى عليه السّلام الذي قذفته أمّه فيه بالنيل وبها النخلة التي أرضعت مريم تحتها عيسى فلم يثمر غيرها‏.‏
والمسجد الجامع بالجيزة بناه محمد بن عبد الله الخازن في المحرّم سنة خمسين وثلثمائة بأمر الأمير علي بن الإخشيد فتقدّم كافور إلى الخازن ببنائه وعمل له مستغلًا وكان الناس قبل ذلك بالجيزة يصلون الجمعة في مسجد همدان وهو مسجد مراحق بن عامر بن بكيل كان يجمع فيه الجمعة في الجيزة وشارف بناء هذا الجامع الخازن أبو الحسن بن أبي جعفر الطحاويّ واحتاجوا إلى عمد للجامع فمضى الخازن في الليل إلى كنيسة بأعمال الجيزة فقلع عمدها ونصب بدلها أركانًا وحمل العمد إلى الجامع فترك أبو الحسن بن الطحاويّ الصلاة فيه مذ ذاك تورّعًا‏.‏

 

 


 وأقام في وسط الفسطاط  جامعه العتيق.
وكان يعرف أيضاً بمسجد النصر ... والمسجد العتيق ... وتاج الجوامع، وكان في بادئ الأمر بسيطا يتألف من بيت للصلاة يشغل مساحة
 مسجد عمرو  بن العاص بالقاهرة طولها (50) ذراعا وعرضها (30) ذراعا وكان سقفه مطاطا جدا، ولا صحن له ولا مئذنة

وفى سنة 53 هجرية = 672/73م أمر معاوية - أول خلفاء بنى أمية- واليه على مصر مسلمة بن مخلد بإنشاء أربع صوامع مثل الأبراج التى كانت بأركان المعبد القديم بدمشق وجعل الوصول إليها من مراق خارج الجامع ولم تكن هذه الصوامع سوى أبراج مربعة كانت فى الواقع نواة للمآذن التى أنشئت بمصر فيما بعد  ومازال الولاة والحكام يتناولونه بالإضافة والتجديد على مر السنين حتى اتسعت أرجاءه أضعاف الجامع العتيق الذي لم يبق منه سوى قطعة الأرض التي شيدت عليها فقد زيد فيه وأعيد بناؤه ست عشرة مرة  فأضاف إليه أربع مآذن تعد أقدم مآذن الإسلام،

التعديلات التى أدخلت على جامع عمرو بن العاص

أولاً : فى العصر الأموى

 سنة 93هجرية = 712م أحدث به قرة بن شريك - والى مصر من الوليد بن عبد الملك -  المحراب المجوف ( وقد نقلوه من نظام الكنائس القبطية فيما يسمى بحضن ألاب ) إذ كان محرابه الأصلى مسطحا ففى مماثلا للمحراب الذى أحدثه بمسجد المدينة عمر بن عبد العزيز سنة 88هجرية = 706/7م .

ثانياً : العصر العباسى

وفى سنة 212هجرية = 827م إذ أمر عبد الله بن طاهر - والى مصر من قبل الخليفة العباسى المأمون - بتوسيعه من الجهة الغربية بما يعادل مساحته وقتئذ فتضاعفت رقعته وأصبحت112فى120 مترا تقريبا  وكان تخطيطه فى ذلك الوقت مؤلفا من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة يشتمل رواق القبلة منها على سبعة صفوف من العقود موازية لجدار المحراب وتمتد بكامل عرض الجامع ومثلها فى رواق المؤخرة كما يشتمل كل من الرواقين الجانبين على سبعة صفوف من العقود موازية لجدار المحراب أيضا وتنتهى عند الصحن،

 وكان للجامع ثلاثة عشر بابا ثلاثة منها بالجدار البحرى وخمسة فى الجدار الشرقى وأربعة فى الجدار الغربى وواحد فى الجدار القبلى كما فتح بأعلى حوائطه الأربع شبابيك معقودة بين كل اثنين منها تجويف مغطى بطاقية مخوصة يؤدى إليه ثلاثة أبواب مفتوحة فى وجهته الشمالية وينتهى من الجنوب برواق القبلة الذى يتألف من تسعة عشر صفا من العقود المحمولة على عمد من الرخام فى اتجاه عمودى على جدار المحراب يرجع عهدها إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى

وإن أهم ما يسترعى النظر فى هذا الرواق بقايا طبال خشبية تعلو بعض تيجان الأعمدة محفور عليها زخارف بارزة يرجع عهدها إلى عمارة عبد الله بن طاهر سنة 212هجرية = 827م.

الحوائط الخارجية فمزيج من عصور مختلفة أهمها ما يرجع أيضا إلى أيام عبد الله بن طاهر وقوامها بعض شبابيك بالوجهة الغربية بزخارفها المحفورة على الخشب كما يوجد بهذه الوجهة وبالوجهة البحرية بعض شبابيك يرجع عهدها إلى عمارة الأمير سلار لهذا الجامع سنة 703هجرية = 1304م وقد شملت هذه العمارة ذلك المحراب الجصى الجميل الذى لازال موجودا إلى الآن بالوجهة البحرية..

 وآخر زيادة فيه كانت تلك التي قام بها مراد بك عام 1212هـ / 1798 م. وفي هذه الزيادة بنيت عقود رواق القبلة في غير موضعها الأصلي، فجاءت عمودية على حائط القبلة، وكانت في الأصل موازية له، كما هو ظاهر من بقايا هذه العقود. والجامع يتوسطه صحن تحيط به الأروقة من جهاته الأربع، تهدم منها الرواقان البحري والقبلي، ولم يبق منها إلا آثار الأعمدة. وله شبابيك جصية، وبعض رواق الطواقي الزخرفية التي تعلو الحينات التي نقشت بين شبابيك الجدار الجنوبي.

 وجامع عمرو أول مسجد في مصر وإفريقيا والرابع في الإسلام بعد مساجد المدينة (بناه الرسول - صلى الله عليه وسلَّم - في العام الهجري الأول) والبصرة (بناه عقبة بن غزوان - رضى الله عنه - عام 14هـ / 635م) والكوفة (بناه سعد بن أبي وقاص - رضى الله عنه عام 17هـ / 638م)
وقد قام ببنائة أربعة من الصحابة هم:
أبو ذر الغفاري
, أبو بصرة , محمية بن جزء الزبيدي , نبيه بن صواب البصري
وقد كان من الصعب تحديد القبلة ولهذا قام كل من الصحابة الآتى أسماؤهم بتحديد قبلته :
ربيعة بن شرحبيل
, عمر بن علقمة القرشى , الزبير بن العوام , المقداد بن الأسود , عبادة بن الصامت , رافع بن مالك , أبو الدرداء , فضالة بن عبيد الله , عقبة بن عامر

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول  42 / 167 : وفي سنة اثنتين وسبعين صرف بعث البحر إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وجعل عليهم مالك بن شرحبيل الخولانيّ وهم‏:‏ ثلاثة آلاف رجل فيهم‏:‏ عبد الرحمن بن بحنس مولى ابن أبزى وهو الذي قتل ابن الزبير وخرج إلى الإسكندرية في سنة أربع وسبعين ووفد على أخيه عبد الملك في سنة خمس وسبعين وهدم جامع الفسطاط كله وزاد فيه من جوانبه كلها في سنة سبع وسبعين وأمر بضرب الدنانير المنقوشة‏.‏

*****************************************************************************

الجزء التالى منقول من كتاب  كتاب الخطط للمقريزى - المسماة بالمواعظ  والإعتبار يذكر الخطط والآثار يختص ذلك بأخبار أقليم مصر والنيل وذكر القاهرة وما يتعلق بها وبأقليمها تأليف سيدنا الشيخ الإمام علامة الأنام / تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن المحمد المعروف بالمقريزى - الجزء الثالث = مكتبة ألاداب 42 ميدان الأوبرا القاهرة  - الجزء الرابع  من ص 59 - 60 ,, وفيه يصف الفسطاط وتاريخ الفسطاط والكنائس والديارات (جمع دير) التى كانت موجودة وهدمت وقد نقلناها كما هى بالحرف منفعة للقارئ العادى وبالأخص القارئ الباحث

**************************************************************************
 

المقريزى ووصف الفسطاط

وصف المقريزى تاريخ الفسطاط فقال : " قال الجوهرى : الفسطاط بيت من شعر قال ومنه فسطاط مدينة مصر أعلم أن فسطاط مصر أختط فى الإسلام بعدما فتحت أرض مصر وصارت دار إسلام وقد كانت بيد الروم والقبط وهم نصارى ملكانية (روم ) ويعقوبية ( يقصد الأقباط وهذا خطأ ) وميانية (ربما يقصد مانى ) وحين أختط المسلمون الفسطاط أنتقل كرسى المملكة من مدينة الإسكندرية بعد ما كانت دار إمارة ينزل بها أمراء مصر فلم يزل على ذلك حتى بنى العسكر بظاهر الفسطاط فنزل فيه أمراء مصر وسكنوه وربما يسكن بعضهم الفسطاط , فلما انشأ المير أبو العباس أحمد ابن طولون القطائع بجانب العسكر سكن فيها وأتخذها الأمراء من بعده منزلاً إلى أن إنقرضت دولة بنى طولون فصار أمراء مصر من بعد ذلك ينزلون بالعسكر خارج الفسطاط خارج الفسطاط , وظاوا على ذلك حتى قدم الإمام المعز لدين الله أبى تميم معد الفاطمى بعساكره مع كاتبه جوهر القائد فبنى القاهرة وصارت خلافة وأستمر سكنى الرعية بالفسطاط وبلغ من وفورة العمارة وكثرة الخلائق ما أربى على العامة مدن المعمور ما عدا بغداد وما زال الأمر على ذلك حتى تغلب الفرنجة على سواحل بلاد الشام ونزل مرى ملك الفرنج بمجموعة كبيرة على بركة الحبش يريد الإستيلاء على مملكة مصر وأخذ الفسطاط والقاهرة فعجز الوزير شاور بن مجبر السعدى عن حفظ (حماية البلدين معاً ) فأمر بإخلاء مدينة الفسطاط واللحاق بالقاهرة للأمتناع (لصعوبة الإستيلاء عليها) من الفرنج , وكانت القاهرة فى هذا الوقت من الحصانة والمنعة بحيث لا ترام (لايقدروا على الرماية عليها ) , فرحل الناس من الفسطاط وساروا بأسرهم غلى القاهرة , وامر شاور العبيد بالقاء النار وحرق الفسطاط وظلت تحترق لمدة اكثر من خمسين يوماً , حتى أحترقت الكثير من مساكنها فلما رحل مرى عن القاهرة استولى شيركوة على الوزارة ورجع الناس إلى الفسطاط ورموا ما لم يلزمهم , وظلت بها خرائب لمدة طويلة .

المقريزى يذكر : المكــــــــان الذى بنيت فيه الفسطاط

وصف المقريزى تاريخ الفسطاط فقال : " أعلم ان موضع الفسطاط يقال له اليوم مدينة مصر , كان فضاء ومزارع فيما بين النيل والجبل الشرقى الذى يعرف بالجبل المقطم , ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن يعرف اليوم بعضه بقصر الشمع وبالمعلقة , ينزل به شٍحُنة الروم المتولى على مصر من قبل القياصرة ملوك الروم عند مسيره من مدينة الإسكندرية , ويقيم فيه ما شاء , ثم يعود إلى دار الإمارة ومنزل الملك يالإسكندرية , وكان هذا الحصن مطلاً على النيل , وتصل السفن فى النيل إلى بابه الغربى الذى كان يعرف بـ باب الحديد ...ومنه ركب المقوقس فى السفن فى النيل من بابه الغربى حين غلبه المسلمون على الحصن المذكور وصار فيه إلى الجزيرة التى بإتجاه الحصن وهى التى تعرف اليوم بالروضة قبالة مصر وكان مقياس النيل بجانب الحصن .

يذكر المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الرابع ( 142 من 167 ) : الجامع العتيق هذا الجامع بمدينة فسطاط مصرن ويقال له تاج الجوامع وجامع عمرو بن العاص وهو أول مسجد أسس بديار مصر في الملة الإسلامية بعد الفتح‏.‏
خرج الحافظ أبو القاسم بن عساكر من حديث معاوية بن قرة قال‏:‏ قال عمرو بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ من صلى صلاة مكتوبة في مسجد مصر من الأمصار كانت له كحجة متقبلة فإن صلى تطوعًا كانت له كعمرة مبرورة‏.‏
وعن كعب‏:‏ من صلى في مسجد مصر من الأمصار صلاة فريضة عدلت حجة متقبلة ومن صلى صلاة تطوع عدلت عمرة متقبلة فإن أصيب في وجهه ذلك حرم لحمه ودمه على النار أن تطعمه وذنبه على من قتله‏.‏
وأول مسجد بني في الإسلام مسجد قبا ثم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال هشام بن عمار‏:‏ حدثنا المغيرة بن المغيرة حدثنا يحيى بن عطاء الخراساني عن أبيه‏.‏
قال‏:‏ لما افتتح عمر البلدان كتب إلى أبي موسى وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدًا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة‏.‏
وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك وكتب إلى أمراء أجناد الشام أن لايتبددوا إلى القرى وأن ينزلوا المدائن وأن يتخذوا في كل مدينة مسجدًا واحدًا ولا تتخذ القبائل مساجد فكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده‏.‏
وقال أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن حفص الكندي في كتاب أخبار مسجد أهل الراية الأعظم‏:‏ وأول أمره وبنائه وزيادة الأمراء فيه وغيرهم ومجالس الحكام والفقهاء منه وغير ذلك قال هبيرة بن أبيض عن شيخه تجيب‏:‏ أن قيسبة بن كلثوم التجيبي أحد بني سوم سار من الشام إلى مصر مع عمرو بن العاص فدخلها في مائة راحلة وخمسين عبدًا وثلاثين فرسًا فلما أجمع المسلمون وعمرو بن العاص على حصار الحصن نظر قيسبة بن كلثوم فرأى جنانًا تقرب من الحصن فعرج إليها في أهله وعبيده فنزل وضرب فيها فسطاطه وأقام فيها طول حصارهم الحصن حتى فتحه الله عليهم ثم خرج قيسبة مع عمرو إلى الإسكندرية وخلف أهله فيها ثم فتح الله عليهم الإسكندرية وعاد قيسبة وتشاور المسلمون أين يكون المسجد الجامع فرأوا أن يكون منزل قيسبة فسأله عمرو فيه وقال‏:‏ أنا أختط لك يا أبا عبد الرحمن حيث أحببت‏.‏
فقال قيسبة‏:‏ لقد علمتم يا معشر المسلمين أني حزت هذا المنزل وملكته وإني أتصدق به على المسلمين وارتحل فنزل مع قومه بني سوم واختلط فيهم فبني مسجدًا في سنة إحدى وعشرين من الهجرة وفي ذلك يقول أبو قبان بن نعيم بن بدر التجيبي‏:‏ وبابليون قد سعدنا بفتحها وحزنا لعمر الله فيأ ومغنما وقيسبة الخير بن كلثوم داره أباح حماها للصلاة وسلما فكل مصل في فنانا صلاته تعارف أهل المصر ما قلت فاعلما وقال مصعب قيس بن سلمة الشاعر في قصيدته التي امتدح فيها عبد الرحمن بن قيسبة‏:‏ وأبوك سلم داره وأباحها لجباه قوم ركع وسجود وقال الليث بن سعد‏:‏ كان مسجدنا هذا حدائق وأعنابًا‏.‏
وقال الشريف محمد بن أسعد الجواني‏:‏ ومن جملة مزارعها جامع مصر وقد بقي إلى الآن من جملة الأنشاب التي كانت في البستان في موضع الجامع شجرة زنزلخت وهي باقية من عهد موسى عليه السلام وكان لها نظير شجرة أخرى في الوراقين احترقت في حريق مصر سنة أربع وستين وخمسمائة وظهر بالجامع العتيق بئر البستان التي كانت به وهي اليوم يستقي منها الناس الماء بموضع حلة الفقيه ابن الجيزي المالكي‏.‏
قال الكندي‏:‏ وقال يزيد بن أبي حبيب‏:‏ سمعت أشياخنا ممن حضر مسجد الفتح يقولون‏:‏ وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم الزبير بن العوام والمقداد وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعقبة بن عامر رضي اله عنهم‏.‏
وفي رواية أسس مسجدنا هذا أربعة من الصحابة أبو ذر وأبو بصيرة ومحمئة الزبيدي ونبيه بن صواب‏.‏
وقال عبد الله بن أبي جعفر‏:‏ أقام محرابنا هذا عبادة بن الصامت ورافع بن مالك وهما نقيان‏.‏
وقال داود بن عقبة‏:‏ أن عمرو بن العاص بعث ربيعة بن شرحبيل بن حسنة وعمرو بن علقمة القرشي ثم العدوي يقيمان القبلة وقال لهما‏:‏ قوما إذا زالت الشمس‏.‏
أو قال‏:‏ انتصفت الشمس فاجعلاها على حاجبيكما ففعلا‏.‏
وقال الليث‏:‏ إن عمرو بن العاص كان يمد الحبال حتى أقيمت قبلة المسجد‏.‏
وقال عمرو بن العاص‏:‏ شرقوا القبلة تصيبوا الحرم‏.‏
قال فشرقت جدًا فلما كان قرة بن شريك تيامن بها قليلًا وكان عمرو بن العاص إذا صلى في مسجد الجامع يصلي ناحية الشرق إلا الشيء اليسير وقال رجل من تجيب‏:‏ رأيت عمرو بن العاص دخل كنيسة فصلى فيها ولم ينصرف عن قبلتها إلا قليلًا وكان الليث وابن لهيعة إذا صليا تيامنا وكان عمرو بن مروان عم الخلفاء إذا صلى في المسجد الجامع تيامن‏.‏
وقال يزيد بن حبيب في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ‏"‏ هي قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نصبها الله عز وجل مقابل الميزاب وهي قبلة أهل مصر وأهل الغرب وكان يقرأها فلنولينك قبلة نرضاها بالنون‏.‏
وقال هكذا أقرأناها أبو الخير‏.‏
وقال الخليل بن عبد الله الأزدي‏:‏ حدثني رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال‏:‏ ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة ثم قال بيده فأمط كل جبل بينه وبين الكعبة فوضع المسجد وهو ينظر إلى الكعبة وصارت قبلته إلى الميزاب‏.‏
وقال ابن لهيعة‏:‏ سمعت أشياخنا يقولون‏:‏ لم يكن لمسجد عمرو بن العاص محراب مجوف ولا أدري بناه مسلمة أو بناه عبد العزيز وأول من جعل المحراب قرة بن شريك‏.‏
وقال الواقدي‏:‏ حدثنا محمد بن هلال قال‏:‏ أول من أحدث المحراب المجوف عمرو بن عبد العزيز ليالي بني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عمر بن شيبة أن عثمان بن مظعون تفل في القبلة فأصبح مكتئبًا فقالت له امرأته‏:‏ مالي أراك مكتئبًا قال‏:‏ لاشيء إلا أني تفلت في القبلة وأنا أصلي فعمدت إلى القبلة فغسلتها ثم عملت خلوقًا فخلقتها فكانت أول من خلق القبلة‏.‏
وقال أبو سعيد سلف الحميري‏:‏ أدركت مسجد عمرو بن العاص طوله خمسون ذراعًا في عرض ثلاثين ذراعًا وجعل الطريق يطيف به من كل جهة وجعل له بابان يقابلان دار عمرو بن العاص وجعل له بابان في بحرية وبابان في غربيه وكان الخارج إذا خرج من زقاق القناديل وجد ركن المسجد الشرقي محاذيًا لركن دار عمرو بن العاص الغربي وذلك قبل أن أخذ من دار عمرو بن العاص ما أخذ وكان طوله من القبلة إلى البحري مثل طول دار عمرو بن العاص وكان سقفه مطأطأ جدًا ولاصحن له فإذا كان الصيف جلس الناس بفنائه من كل ناحية وبينه وبين دار عمرو سبع أذرع‏.‏
قلت‏:‏ وأول من جلس على منبر أو سرير ذي أعواد ربيعة بن محاسن‏.‏
وقال القضاعي في كتاب الخطط‏:‏ وكان عمرو بن العاص قد اتخذ منبرًا فكتب إليه عمرو بن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه في كسره ويقول‏:‏ أما يحسبك أن تقوم قائمًا والمسلمون جلوس تحت عقبيك فكسره قال مؤلفه رحمه الله‏:‏ وفي سنة إحدى وستين ومائة أمر المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور بتقصير المنابر وجعلها بقدر منبر النبي صلى الله عليه وسلم قال القضاعي‏:‏ وأول من صلى عليه من الموتى داخل الجامع أبو الحسين سعيد بن عثمان صاحب الشرط في النصف من صفر وكانت وفاته فجأة فأخرج ضحوة يوم الأحد السادس عشر من صفر وصلي عليه خلف المقصورة وكبر عليه خمسًا ولم يعلم أحد قبله صلي عليه في الجامع‏.‏
وذكر عمر بن شيبة في تاريخ المدينة أن أول من عمل مقصورة بلبن عثمان بن عفان وكانت فيها كوى تنظر الناس منها إلى الأمام وأن عمر بن عبد العزيز عملها بالساج قال القضاعي‏:‏ ولم تكن الجمعة تقام في زمن عمرو بن عبد العاص بشيء من أرض مصر إلا في هذا الجامع‏.‏
قال أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس‏:‏ جاء نفر من بحافق إلى عمرو بن العاص فقالوا‏:‏ إنا نكون في الريف أفنجمع في العيدين الفطر والأضحى ويؤمنا رجل منا قال‏:‏ نعم قالوا‏:‏ فالجمعة قال‏:‏ لا و لا يصلي الجمعة بالناس إلا من أقام الحدود وآخذ بالذنوب وأعطى الحقوق‏.‏
وأول من زاد في هذا الجامع مسلمة بن مخلد الأنصاري وأمر أن يؤذنوا في وقت واحد وأمر مؤذني الجامع أن يؤذنوا للفجر إذا مضى نصف الليل فإذا فرغوا من أذانهم أذن كل مؤذن في الفسطاط في وقت واحد‏.‏
قال ابن لهيعة فكان لأذانهم دوي شديد فقال عابد بن هشام لقد مدت لمسلمة الليالي على رغم العداة مع الأزمان وساعده الزمان بكل سعد وبلغه البعيد من الأماني أمسلم فارتقي لا زلت تعلو على الأيام مسلم والزمان لقد أحكمت مسجدنا فأضحى كأحسن ما يكون من المباني فتاه به البلاد وساكنوها كما تاهت بزينتها الغواني وكم لك من مناقب صالحات وأجدل بالصوامع للأذان كأن تجاوب الأصوات فيها إذا ما الليل ألقى بالجران كصوت الرعد خالطه دوي وأرعب كل مختطف الجنان وقيل أن معاوية أمره ببناء الصوامع للأذان قال‏:‏ وجعل مسلمة للمسجد الجامع أربع صوامع في أركانه الأربع وهو أول من جعلها فيه ولم تكن قبل ذلك‏.‏
قال‏:‏ وهو أول من جعل فيه الحصر وإنما كان قبل ذلك مفروضًا بالحصباء وأمر أن لا يضرب بناقوس عند الأذان يعني الفجر وكان السلم الذي يصعد منه المؤذنون في الطريق حتى كان خالد بن سعيد فحوله داخل المسجد‏.‏
قال القاضي القضاعي‏:‏ ثم إن عبد العزيز بن مروان هدمه في سنة تسع وسبعين من الهجرة وهو يومئذ أمير مصر من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وزاد فيه من ناحية الغرب وأدخل فيه الرحبة التي كانت في بحريه ولم يجد في شرقيه موضعًا يوسعه به وذكر أبو عمر الكندي في كتاب الأمراء أنه زاد فيه من جوانبه كلها ويقال أن عبد العزيز بن مروان لما أكمل بناء المسجد خرج من دار الذهب عند طلوع الفجر فدخل المسجد فرأى في أهله خفة فأمر بأخذ الأبواب على من فيه ثم دعا بهم رجلًا رجلًا فيقول للرجل‏:‏ ألك زوجة فيقول لا فيقول زوجوه ألك خادم فيقول لا فيقول أخدموه أحججت فيقول‏:‏ لا‏.‏
فيقول أحجوه‏.‏ أعليك دين فيقول نعم فيقول أقضوا دينه‏.‏
فأقام المسجد بعد ذلك دهرًا عامرًا ولم يزل حتى اليوم‏.‏
وذكر أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان في ولايته على مصر من قبل أخيه الوليد أمر برفع سقف المسجد الجامع وكان مطأطأ وذلك في سنة تسع وثمانين‏.‏
ثم إن قرة بن شريك العبسي هدمه مستهل سنة اثنتين وتسعين بأمر الوليد بن عبد الملك وهو يومئذ أمير مصر من قبله وابتدأ في بنيانه في شعبان من السنة المذكورة وجعل على بنائه يحيى بن حنظلة مولى بني عامر بن لؤي وكانوا يجمعون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ونصب المنبر الجديد في سنة أربع وتسعين ونزع المنبر الذي كان في المسجد وذكر أن عمرو بن العاص كان جعله فيه فلعله بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
وقيل هو منبر عبد العزيز بن مروان وذكر أنه حمل إليه من بعض كنائس مصر وقليل أن زكريا بن برقني ملك النوبة أهداه إلى عبد الله بن سعد أبي سرح وبعث معه نجاه حتى ركبه واسم هذا النجار بقطر من أهل دندرة ولم يزل هذا المنبر في المسجد حتى زاده بن شريك في الجامع فنصب منبرًا سواه على ما تقدم شرحه ولم يكن في القرى إلا على العصا إلى أن ولي عبد الملك ين موسى بن نصير اللخمي مصر من مروان بن محمد فأمر باتخاذ المنابر في القرى وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة وذكر أنه لايعرف منبرًا أقدم منه يعني من منبر قرة بن شريك بعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فلم يزل كذلك إلى أن قلع وكسر في أيام العزيز بالله بنظر الوزير يعقوب بن كلس في يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وجعل مكانه منبر مذهب ثم أخرج هذا المنبر إلى الإسكندرية وجعل في جامع عمرو بها وأنزل إلى الجامع المنبر الكبير الذي هو به الآن وذلك في أيام الحاكم بأمر الله في شهر ربيع الأولسنة خمس وأربعمائة وصرف بنو عبد السميع عن الخطابة وجعلت خطابة الجامع العتيق لجعفر بن الحسن بن خداع الحسيني وجعل إلى أخيه الخطابة بالجامع الأزهر وصرف بنو عبد السميع بن عمر بن الحسين بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس من جميع المنابر بعد أن أقاموا هم وسلفهم فيها ستين سنة‏.‏
وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة وجد المنبر الجديد الذي نصب في الجامع قد لطخ بعدرة فوكل به من يحفظه وعمل له غشاء من أدم مذهب في شعبان من هذه السنة وخطب عليه ابن خداع وهو مغشي وزيادة قرة من القبلي والشرقي وأخذ بعض دار وابنه عبد الله بن عمرو ما هو في أيديهم اليوم من الرباع وأمر قرة بعمل المحرب المجوف على ما تقدم شرحه وهو المجرب المعروف بعمرو لأنه في سمت محراب المسجد القديم الذي بناه عمرو وكانت قبلة المسجد القديم عند العمد المذهبة في صف التوابيت اليوم وهي أربعة عمد إثنان في إثنين وكان قرة أذهب رؤوسها وكانت مجالس قيس ولم يكن في المسجد عمد مذهبة غيرها وكانت قديمًا حلقة أهل المدينة ثم روق أكثر العمد وطوق في أيام الإخشيد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ولم يكن للجامع أيام قرة بن شريك غير هذا المحراب فأما المحراب الأوسط الموجود اليوم فعرف بمحرب عمرو بن مروان عم الخلفاء وهو أخو عبد الملك وعبد العزيز ولعله أحدثه في الجدار بعد قرة وقد ذكر قوم أن قرة عمل هذين المحرابين وصار للجامع أربعة أبواب وهي الأبواب الموجودة في شرقيه الآن آخرها باب إسرائيل وهو باب النحاسين وفي غربيه أربعة أبواب شارعة في زقاق كان يعرف بزقاق البلاط وفي بحريه ثلاثة أبواب وبيت المال الذي في علو الفوارة بالجامع بناه أسامة بن زيد التنوخي متولي الخراج بمصر سنة سبع وتسعين في أيام سليمان بن عبد الملك وأمير مصر يومئذ عبد الملك بن رفاعة الفهمي وكان مال المسلمين فيه وطرق المسجد في ليلة سنة خمس وأربعين ومائة في ولاية يزيد بن حاتم المهلبي من قبل المنصور طرقة قوم ممن كان بايع علي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان أول علوي قدم مصر فنهبوا بيت المال ثم تضاربوا عليه بسيوفهم فلم يصل إليهم منه إلا اليسير فأنفذ إليهم يزيد من قتل منهم جماعة وانهزموا وذكر أن هذا المكان تسور عليه لص في إمارة أحمد بن طولون وسرق منه بدرتي دنانير فظفر به أحمد بن طولون واصطنعه وعفا عنه‏.‏
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة أمر العزيز بالله بعمل الفوارة تحت قبة بيت المال فعملت وفرغ منها في شهر رجب سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ثم زاد فيه صالح بن علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو يومئذ أمير مصر من قبل أبي العباس السفاح في مؤخرة أربع أساطين وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة وهو أول من ولى مصر لبني العباس فيقال أنه أدخل في الجامع دار الزبير بن العوام رضي الله عنه وكانت غربي دار النحاس وكان الزبير تخلى عنها ووهبها لمواليه لخصومه جرت بين غلمانه وغلمان عمرو بن العاص واختلط الزبير فيما يلي الدار المعروفة به الآن ثم اشترى عبد العزيز بن مروان فقسمها بين ابنه الأصبغ وأبي بكر فلما قدم صالح بن علي أخذها عن أم عاصم بنت عاصم بن أبي بكر وعن طفل يتيم وهو حسان بن الأصبغ فأدخلها في المسجد وباب الكحل من هذه الزيادة وهو الباب الخامس من أبواب الجامع الشرقية الآن وعمر صالح بن علي أيضًا مقدم المسجد الجامع عند الباب الأول موضع البلاطة الحمراء ثم زاد فيه موسى بن عيسى الهاشمي وهو يومئذ أمير مصر من قبل الرشيد في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة الرحبة التي في مؤخره وهي نصف الرحبة المعروفة بأبي أيوب ولما ضاق الطريق بهذه الزيادة أخذ موسى بن عيسى دار الربيع بن سليمان الزهري شركة بني مسكين بغير عوض للربيع ووسع بها الطريق وعوض بني مسكين ووصل عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب مولى خراعة أميرًا من قبل المأمون في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين وتوجه إلى الإسكندرية مستهل صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين ورجع إلى الفسطاط في جمادى الآخرة من السنة المذكورة وأمر بالزيادة في المسجد الجامع فزيد فيه مثله من غربيه وعاد ابن طاهر إلى بغداد لخمس بقين من رجب من السنة المذكورة وكانت زيادة ابن طاهر المحراب الكبير وما في غربيه إلى حد زيادة الخازن فأدخل فيه الزقاق المعروف أولًا بزقاق البلاط وقطعة كبيرة من دار الرمل ورحبة كانت بين يدي دار الرمل ودورًا ذكرها القضاعي‏.‏
وذكر بعضهم أن موضع فسطاط عمرو بن العاص حيث المحراب والمنبر قال‏:‏ وكان الذي تمم زيادة عبد الله بن طاهر بعد مسيرة إلى بغداد عيسى بن يزيد الجلودي وتكامل ذرع الجامع سوى الزيادتين مائة وتسعين ذراعًا بذراع العمل طولًا في مائة وخمسين ذراعًا عرضًا‏.‏
ويقال أن ذراع جامع ابن طولون مثل ذلك سوى الرواق المحيط بجوانبه الثلاثة‏.‏
ونصب عبد الله بن طاهر اللوح الأخضر فلما احترق الجامع احترق ذلك اللوح فجعل أحمد بن مجمد العجيفي هذا اللوح مكان ذلك وهو هذا اللوح الأخضر الباقي إلى اليوم ورحبة الحارث هي الرحبة البحرية من زيادة الخازن وكانت رحبة يتبايع الناس فيها يوم الجمعة وذكر أبو عمر الكندي في كتاب الموالي‏:‏ أن أبا عمرو الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف مولى محمد بن ريان بن عبد العزيز بن مروان لما ولي القضاء من قبل المتوكل على الله في سنة سبع وثلاثين ومائتين أمر ببناء هذه الرحبة ليتسع الناس بها وحول سلم المؤذنين إلى غربي المسجد وكان عند باب إسرائيل وبلط زيادة بن طاهر وأصلح بنيان السقف وبنى سقاية في الحذائين وأمر ببناء الرحبة الملاصقة لدار الضرب ليتسع الناس بها وزيادة أبي أيوب أحمد بن محمد بن شجاع ابن أخت أبي الوزير أحمد بن خالد صاحب الخراج في أيام المعتصم كان أبو أيوب هذا أحد عمال الخراج زمن أحمد بن طولون وزيادته في بقية الرحبة المعروفة برحبة أبي أيوب‏.‏
والمحراب المنسوب إلى أبي أيوب هو الغربي من هذه الزيادة عند شباك الحذائين وكان بناؤه في سنة ثمان وخمسين ومائتين ويقال أن أبا أيوب مات في سجن أحمد بن طولون بعد أن نكبه واصطفى أمواله وذلك في سنة ست وستين ومائتين وأدخل أبو أيوب هذه الزيادة أماكن ذكرها‏.‏
قال‏:‏ وكان قد وقع في مؤخرة المسجد الجامع حريق فعمر وزيدت هذه الزيادة في أيام أحمد بن طولون ووقع في الجامع في ليلة الجمعة لتسع خلون من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين حريق أخذ من بعد ثلاث حنايا من باب إسرائيل إلى رحبة الحارث بن مسكين فهلك فيه أكثر زيادة عبد الله بن طاهر والرواق الذي عليه اللوح الأخضر فأمر خمارويه بن أحمد بن طولون بعمارته على يد أحمد بن محمد العجيفي فأعيد على ما كان عليه وأنفق فيه ستة آلاف وأربعمائة دينار وكتب اسم خمارويه في دوائر الرواق الذي عليه اللوح الأخضر وهي موجودة الآن وكانت عمارته في السنة المذكورة وأمر عيسى النوشزي في ولايته الثانية على مصر في سنة أربع وتسعين ومائتين بإغلاق المسجد الجامع فيما بين الصلوات فكان يفتح للصلاة فقط وأقام على ذلك أيامًا فضج أهل المسجد ففتح لهم‏.‏
وزاد أبو حفص العباسي في أيام نظرة في قضاء مصر خلافة لأخيه محمد الغرفة التي يؤذن فيها المؤذنون في السطح وكانت ولايته من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وكان إمام مصر والحرمين وإليه إقامة الحج ولم يزل قاضيًا بمصر خلافة إلى أن صرف من القضاء بالخصيبي في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وتوفي في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة بعد قدومه من الحج ثم زاد فيه أبو بكر محمد بن عبد الله الخازن رواقًا واحد من دار الضرب وهو الرواق ذو المحراب والشباكين المتصل برحبة الحارث ومقدار تسع أذرع وكان ابتداء ذلك في رجب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ومات قبل تمام هذه الزيادة وتممها ابنه علي بن محمد وفرغت في العشر الآخر من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين و ثلاثمائة‏.‏
وزاد فيه الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس بأمر العزيز بالله الفوارة التي تحت قبة بيت المال وهو أول من عمل فيه فوارة وزاد فيه أيضًا مساقف الخشب المحيطة بها على يد المعروف بالمقدسي الأطروش متولي مسجد بيت المقدس وذلك في سنة ثمان وسبعين و ثلاثمائة ونصب فيها حباب الرخام التي للماء‏.‏
وفي سنة سبع وثمانين و ثلاثمائة جدد بياض المسجد الجامع وقلع شيء كثير من الفسيفساء الذي كان في أروقته وبيض مواضعه ونقشت خمسة ألواح وذهبت ونصبت على أبوابه الخمسة الشرقية وهي التي عليها الآن وكان ذلك على يد برجوان الخادم وكان اسمه في الألواح فقلع بعد قتله‏.‏
وقال المسبحي في تاريخه وفي سنة ثلاث وأربعمائة أنزل من القصر إلى الجامع العتيق بألف ومائتين وثمانية و تسعين مصحفًا ما بين ختمات وربعات فيها ما هو مكتوب كله بالذهب ومكن الناس من القراءة فيها وأنزل إليه أيضًا بتور من فضة عمله الحاكم بأمر الله برسم الجامع فيه مائة ألف درهم فضة فاجتمع الناس وعلق بالجامع بعد أن قلعت عتبتا الباب حتى أدخل به وكان قال القضاعي‏:‏ وأمر الحاكم بأمر الله بعمل الرواقين اللذين في صحن المسجد الجامع وقلع عمد الخشب وجسر الخشب التي كانت وذلك في شعبان سنة ست وأربعمائة وكانت العمد و الجسر قد نصبها أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع في سنة سبع وخمسين ومائتين زمن أحمد بن طولون لأن الحر اشتد على الناس فشكوا إلى ابن طولون فأمر بنصب عمد الخشب وجعل عليها الستائر في السنة المذكورة وكان الحاكم قد أمر بأن تدهن هذه العمد الخشب بدهن أحمر وأخضر فلم يثبت عليها ثم أمر بقلعها وجعلها بين الرواقين‏.‏
وأول ما عملت المقاصير في الجوامع في أيام معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين ولعل قرة بن شريك لما بنى الجامع بمصر عمل المقصورة‏.‏
وفي سنة إحدى وستين ومائة أمر المهدي بنزع المقاصير من مساجد الأمصار وبتقصير المنابر فجعلت على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعيدت بعد ذلك‏.‏
ولما ولي موسى بن أبي العباس من أهل الشاش من قبل أبي جعفر اشناس أمر المعتصم أن يخرج المؤذنون إلى خارج المقصورة وهو أول من أخرجهم وكانوا قبل ذلك يؤذنون داخلها ثم أمر الإمام المستنصر بالله بن الظاهر بعمل الحجر المقابل للمحراب وبالزيادة في المقصورة شرقيها وغربيها حتى اتصلت بالحذائين من جانبيها وبعمل منطقة فضة في صدر المحراب الكبير أثبت عليها اسم أمير المؤمنين وجعل لعمودي المحراب أطواق فضة وجرى قال مؤلفه رحمه الله‏:‏ ولم تزل هذه المنطقة الفضة إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على مملكة مصر بعد موت الخليفة العاضد لدين الله في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة فقلع مناطق الفضة من الجوامع بالقاهرة ومن جامع عمرو بن العاص بمصر وذلك في حادي عشر شهر ربيع الأول من السنة المذكورة‏.‏
قال القضاعي‏:‏ وفي شهر رمصان من سنة أربعين وأربعمائة جددت الخزانة التي في ظهر دار الضرب في طريق الشرطة مقابلة لظهر المحراب الكبير وفي شعبان من سنة إحدى وأربعين وأربعمائة أذهب بقية الجدار القبلي حتى اتصل الإذهاب من جدار الخازن إلى المنبر وجرى ذلك على يد القاضي أبي عبد الله أحمد بن محمد بن يحيى بن أبي زكريا‏.‏
وفي شهر ربيع الآخرمن سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة عملت لموقف الإمام في زمن الصيف مقصورة خشب ومحراب ساج منقوش بعمودي صندل وتقلع هذه المقصورة في الشتاء إذا صلى الإمام في المقصورة الكبيرة‏.‏
وفي شعبان سنة أربع وأربعين وأربعمائة زيد في الخزانة مجلس من دار الضرب وطريق المستحم وزخرف هذا المجلس وحسن وجعل فيه محراب ورخم الذي قلع من المحراب الكبير حين نصب عبد الله بن محمد بن عبدون منطقة الفضة في صدر المحراب الكبير وجرت هذه وفي ذي الحجة من سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة عمر القاضي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أبي زكريا غرفة المؤذنين بالسطح وحسنها وجعل لها روشنا على صحن الجامع وجعل بعدها ممرقًا ينزل منه إلى بيت المال وجعل للسطح مطلعًا من الخزنة المستجدة في ظهر المحراب الكبير وجعل له مطلعًا آخر من الديون الذي في رحبة أبي أيوب‏.‏
وفي شعبان من سنة خمس وأربعين وأربعمائة بنيت المئذنة التي فيما بين مئذنة غرفة والمئذنة الكبيرة على يد القاضي أبي عبد الله أحمد بن زكريا‏.‏ انتهى ما ذكره القضاعي‏.‏
وفي سنة أربع وستين وخمسمائة
تمكن الفرنج من ديار مصر وحكموا في القاهرة حكمًا جائرًا وركبوا المسلمين بالأذى العظيم وتيقنوا أنه لاحامي للبلاد من أجل ضعف الدولة وانكشفت لهم عورات الناس فجمع مري ملك الفرنج بالساحل جموعه واستجد قومًا قوى بهم عساكره وسار إلى القاهرة من بلبيس بعد أن أخذها وقتل كثيرًا من أهلها فأمر شاور بن مجير السعدي وهو يومئذ مستول على ديار مصر وزارة للعاضد بإحراق مدينة مصر فخرج إليها في اليوم التاسع من صفر من السنة المذكورة عشرون ألف قارورة نفط وعشرة آلاف مشعل مضرمة بالنيران وفرقت فيها‏.‏
ونزل مري بجموع الفرنج على بركة الحبش فلما رآى دخان الحريق تحول من بركة الحبش ونزل على القاهرة مما يلي باب البرقية وقاتل أهل القاهرة وقد انحشر الناس فيها واستمرت النار في مصر أربعة وخمسين يومًا والنهاية تهدم ما بها من المباني وتحفر لأخذ الخبايا إلى أن بلغ مري قدوم أسد الدين شيركوه من جهة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام فرحل في سابع شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة وتراجع المصريون شيئًا بعد شيء إلى مصر وتشعث الجامع فلما استبد السلطان صلاح الدين بمملكة مصر بعد موت العاضد جدد الجامع العتيق بمصر في سنة ثمان وستين وخمسمائة وأعاد الجامع والمحراب الكبير ورخمه ورسم عليه اسمه وجعل في سقاية قاعة الخطابة قصبة إلى السطح يرتفق بها أهل السطح وعمر المنظرة التي تحت المئذنة الكبيرة وجعل لها سقاية وعمر في كنف دار عمرو الصغرى البحري مما يلي الغربي قصبة أخرى إلى محاذاة السطح وجعل لها ممشاة من السطح إليها يرتفق بها أهل السطح وعمر غرفة الساعات وحررت فلم تزل مستمرة إلى أثناء أيام الملك المعز عز الدين أيبك التركماني أول من ملك من المماليك وجدد بياض الجامع وأزال شعثه وجلى عمده وأصلح رخامه حتى صار جميعه مفروشًا بالرخام وليس في سائر أرضه شيء بغير رخام حتى تحت الحصر‏.‏
ولما تقلد قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن الأعز أبي القاسم خلف بن رشيد الدين محمود بن بدر المعروف بابن الأعز العلائي الشافعي قضاء القضاء بالديار المصرية ونظر الأحباس في ولايته الثانية أيام الملك ركن الدين بيبرس البندقداري كشف الجامع بنفسه فوجد مؤخرة قد مال إلى بحريه ووجد سورة البحري قد مال وانقلب علوه عن سمت سفلة ورأى في سطح الجامع غرفًا كثيرة محدثة وبعضها مزخرف فهدم الجميع ولم يدع بالسطح سوى غرفة المؤذنين القديمة وثلاث خزائن لرؤساء المؤذنين لا غير وجمع أرباب الخبرة فاتفق الرأي على إبطال جريان الماء إلى فوارة الفسقية وكان الماء يصل إليها من بحر النيل فأمر بإبطاله لما كان فيه من الضرر على جدر الجامع وعمر بغلات بالزيادة البحرية تشد جدار الجامع البحري وزاد في عمد الزيادة ما قوى به البغلات المذكورة وسد شباكين كانا في الجدار المذكور ليتقوى بذلك وأنفق المصروف على ذلك من مال الأحباس وخشي أن يتداعى الجامع كله إلى السقوط فحدث الصاحب الوزير بهاء الدين علي بن سليم بن حنا في مفاوضة السلطان في عمارة ذلك من بيت المال فاجتمعا معًا بالسلطان الملك الظاهر بيبرس وسألاه في ذلك فرسم بعمارة الجامع فهدم الجدار البحري من مقدم الجامع وهو الجدار الذي فيه اللوح الأخضر وحط اللوح وأزيلت العمد والقواصر العشر وعمر الجدار المذكور وأعيدت العمد والقواصر كما كانت وزيد في العمد أربعة قرن بها أربعة مما هو تحت اللوح الأخضر والصف الثاني منه وفصل اللوح الأخضر أجزاء وجدد غيره وكتب عليه اسم السلطان الملك الظاهر وجليت العمد كلها وبيض الجامع بأسره وذلك في شهر رجب سنة وستين وستمائة وصلى فيه شهر رمضان بعد فراغه ولم تتعطل الصلاة فيه لأجل العمارة‏.‏
ولما كان في شهور سنة سبع وثمانين وستمائة شكا قاضي القضاة الملك المنصور قلاون سوء حال جامع عمرو بمصر وسوء حال الجامع الأزهر بالقاهرة وأن الأحباس على أسوأ الأحوال وان مجد الدين بن الحباب أخرب هذه الجهة لما كان يتحدث فيها وتقرب بجزيرة الفيل الوقف الصلاحي على مدرسة الشافعية إلى الأمير علم الدين الشجاعي وذكر له بأن في أطيانها زيادة فقاسوا ماتجدد بها من الرمال وجعلوه للوقف وأقطعوا الأطيان القديمة الجارية في الوقف وتقرب أيضًا إليه بأن في الأحباس زيادة من جملتها بالأعمال الغريبة ما مبلغه في السنة ثلاثون ألف درهم أن ذلك لجهة عمارة الجامعين وسأل السلطان في إعادة ذلك وإبطال ما أقطع منه فلم يجب إلى ذلك وأمر الأمير حسام الدين طرنطاي بعمارة الجامع الأزهر والأمير عز الدين الأفرم بعمارة جامع عمر فحضر الأفرم إلى الجامع بمصر ورسم على مباشريه الأحباس وكشف المساجد لغرض كان فيه نفسه وبيض الجامع وجرد نصف العمد التي فيه فصار العامود نصفه الأسفل أبيض وباقيه بحاله ودهن واجهة غرفة الساعات السيليقون وأجرى الماء من البئر التي بزقاق الأقفال إلى فسقية الجامع ورمى ما كان للزيادات من الأتربة وبطر العوام به فيما فعله بالجامع فصاروا يقولون نقل الديماس من البحر إلى الجامع لكونه دهن الغرفة بالسليقون وألبس العواميد للشيخ العريان لكونه جرد نصفها التحتاني فصار أبيض الأسفل أسمر الأعلى كما كان الشيخ العريان فأن نصفه الأسفل كان مستورًا بمئزر أبيض وأعلاه عريان ولم يفعل بالجامع سوى ما ذكر ولما حدثت الزلزلة في سنة اثنتين وسبعمائة تشعث الجامع فاتفق الأمير أن بيبرس الجاشنكير وهو يومئذأستادار الملك الناصر محمد بن قلاون والأمير سلار وهو نائب السلطنة وإليهما تدبير الدولة على عمارة الجامعين بمصر والقاهرة فتولى الأمير ركن الدين بيبرس عمارة الجامع الحاكمي بالقاهرة وتولى الأمير سلار عمارة جامع عمرو بمصر فاعتمد سلار على كاتبه بدر الدين بن الخطاب فهدم الحد البحري من سلم السطح إلى باب الزيادة البحرية والشرقية وأعاده على ما كان عليه وعمل بابين جديدين للزيادة البحرية والغربية وأضاف إلى كل عامود من الصف الأخير المقابل للجدار الذي هدمه عمودًا آخر تقوية له وجرد عمد الجامع كلها وبيض الجام بأسره وزاد في سقف الزيادة الغربية رواقين وبلط سفل ماأسقف منها وخرب بظاهر مصر وبالقرافتين عدة مساجد وأخذ عمدها ليرخم بها صحن الجامع وقلع من رخام الجامع الذي كان تحت الحصر كثيرًا من اللواح الطوال ورص الجميع عند باب الجامع المعروف بباب الشرارين فنقل من هناك إلى حيث شاء ولم يعمل منه في صحن الجامع شيء البتة وكان فيما نقل من ألواح الرخام ما طوله أربعة أذرع في عرض ذراع وسدس ذهب بجميع ذلك‏.‏
ولما ولي علاء الدين بن مروانة نيابة دار العدل قسم جامع مصر والقاهرة فجعل جامع القاهرة مع نبيه الدين بن السعرت وجامع عمرو مع بهاء الدين بن السكري فسقف الزيادة البحرية الشرقية وكانت قد جعلت حاصلًا للحصر وجعل لها دار بزين بين البابين يمنع الجانبين من المار من الجامع إلى باب الزيادة المسلوك منه إلى سوق النحاسين وبلط أرضها ورقع بعض رخام صحن الجامع وبلط المجازات وعمل عضائد أعتاب تحوز الصحن عن مواضع الصلاة‏.‏
ولما كان في شهور سنة ست وتسعين وستمائة اشترى الصاحب تاج الدين دارًا بسوق الأكفانين وهدمها وجعل مكانها سقاية كبيرة ورفعها إلى محاذاة سطح الجامع وجعل لها ممشى يتوصل إليها من سطح الجامع وعمل في أعلاها أربعة بيوت يرتفق بهم في الخلاء ومكانًا برسم أزياء الماء العذب وهدم سقاية الغرفة التي تحت المئذنة المعروفة بالمنظرة وبناها برجًا كبيرًا من الأرض إلى العلو حيث كان أولًا وجعل بأعلى هذا البرج بيتًا مرتفقًا يختص بالغرفة المذكورة كما كان أولًا وبيتًا ثانيًا من خارج الغرفة يرتفق به من هو خارج الغرفة ممن يقرب منها وعمر القاضي صدر الدين أبو عبد الله محمد بن البارنباي سقاية في ركن دار عمرو البحري الغربي من داره الصغرى بعدما كانت قد تهدمت فأعادها كأحسن ما كانت ثم إن الجامع تشعث ومالت قواصره ولم يبق إلا أن يسقط وأهل الدولة بعد موت الملك الظاهر برقوقًا في شغل من اللهو عن عمل ذلك فانتدب الرئيس برهان الدين إبراهيم بن عمر بن علي المحلي رئيس التجار يومئذ بديار مصر لعمارة الجامع بنفسه وذويه وهدم صدر الجامع بأسره فيما بين المحراب الكبير إلى الصحن طولًا وعرضًا وأزال اللوح الأخضر وأعاد البناء كما كان أولًا وجدد لوحًا أخضر بدل الأول ونصبه كما كان وهو موجود الآن وجرد العمد كلها وتتبع جدار الجامع فرم شعثها كله وأصلح من رخام الصحن ما كان قد فسد ومن السقوف ما كان قد وهى وبيض الجامع كله فجاء كما كان وعاد جديدًا بعدما كاد أن يسقط ولاأقام الله عز وجل هذا الرجل مع ما عرف من شحه وكثرة ضنته بالمال حتى عمره‏.‏
فشكر الله سعيه وبيض محياه وكان انتهاء هذا العمل في سنة أربع وثمانمائة ولم يتعطل منه صلاة جمعة ولا جماعة في مدة عمارته‏.‏
قال ابن المتوج إن ذرع الجامع اثنان وأربعون ألف ذراع بذراع البز المصري القديم وهو ذراع الحصر المسمر إلى الآن فمن ذلك مقدمة ثلاثة عشر ألف ذراع وأربعمائة وخمسة وعشرون ذراعًا ومؤخرة مثل ذلك وصحنه سبعة آلاف وخمسمائة ذراع وكل من جانبيه الشرقي والغربي ثلاثة والربي ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمسة وعشرون ذراعًا وذرعه كله بذراع العمل ثمانية وعشرون ألف ذراع وعدد أبوابه ثلاثة عشر بابًا منها في القبلي باب الزيزلخنته الذي يدخل منه الخطيب كان به شجرة زيزلخت عظيمة قطعت في سنة ست وستين وسبعمائة وفي البحري ثلاثة أبواب وفي الشرقي خمسة وفي الغربي أربعة وعدد عمده ثلاثمائة وثمانية وسبعون عمودًا وعدد مآذنه خمس وبه ثلاث زيادات فالبحرية الشرقية كانت لجلوس قاضي القضاة بها في كل أسبوع يومين وكان بهذا الجامع القصص‏.‏
وقال القضاعي‏:‏ روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ لم يقص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم وإنما كان القصص في زمن معاوية رضي الله عنه‏.‏
وذكر عمر بن شيبة قال‏:‏ قيل للحسن متى أحدث القصص قال‏:‏ في خلافة عثمان بن عفان‏.‏
قيل‏:‏ من أول من قص قال‏:‏ تميم الداري‏.‏
وذكر عن ابن شهاب قال‏:‏ أول من قص في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري استأذن عمر أن يذكر الناس فأبى عليه حتى كان آخر ولايته فأذن له أن يذكر في يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر فاستأذن تميم عثمان بن عفان رضي الله عنه فأذن له أن يذكر يومين في الجمعة فكان تميم يفعل ذلك‏.‏
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عليًا رضي الله عنه قنت فدعا على قوم من أهل حربه فبلغ ذلك معاوية فأمر رجلًا يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام قال يزيد‏:‏ وكان ذلك أول القصص‏.‏
وروي عن عبد الله بن مغفل قال‏:‏ أمنا علي رضي الله عنه في المغرب فلما رفع رأسه من الركعة الثالثة ذكر معاوية أولًا وعمر بن العاص ثانيًا وأبا الأعور يعني السلمي ثالثًا وكان أبو موسى الرابع‏.‏
وقال الليث بن سعد‏:‏ هما قصاصان قصص العامة وقصص الخاصة فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم فذلك مكروه ولمن فعله ولمن استمعه وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية ولى رجلًا على القصص فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا للخليفة ولأهل ولايته ولحشمه وجنوده ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة‏.‏
ويقال أن أول من قص بمصر سليمان بن عتر التجيبي في سنة ثمان وثلاثين وجمع له القضاء إلى القصص ثم عزل عن القضاء وأفرد بالقصص وكانت ولايته على القصص والضاء سبعًا وثلاثين سنة منها سنتان قبل القضاء‏.‏
ويقال أنه كان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث مرات وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويسجد في المفصل ويسلم تسليمة واحدة ويقرأ في الركعة الأولى بالبقرة وفي الثانية بقل هو الله أحد ويرفع يديه في القصص إذا دعا‏.‏
وكان عبد الملك بن مروان شكا إلى العلماء ما انتشر عليه من أمور رعيته وتخوفه من كل وجه‏.‏
فأشار عليه أبو حبيب الحمصي القاضي بأن يستنصر عليهم برفع يديه إلى الله تعالى فكان عبد الملك يدعو ويرفع يديه وكتب بذلك إلى القصاص فكانوا يرفعون أيديهم بالغداة والعشي‏.‏
وفي هذا الجامع مصحف أسماء وهو الذي تجاه المحراب الكبير‏.‏
قال القضاعي‏:‏ كان السبب في كتب هذا المصحف أن الحجاج بن يوسف الثقفي كتب مصاحف وبعث بها إلى الأمصار ووجه إلى مصر بمصحف منها فغضب عبد العزيز بن مروان من ذلك وكان الوالي يومئذ من قبل أخيه عبد الملك وقال‏:‏ يبعث إلى جند أنا فيه بمصحف فأمر فكتب له هذا المصحف الذي في المسجد الجامع اليوم فلما فرغ منه قال‏:‏ من وجد فيه حرفًا خطأ فله رأس الثقفي فقرآه تهيجًا ثم جاء إلى عبد العزيز بن مروان فقال له‏:‏ إني قد وجدت في المصحف حرفًا خطأ‏.‏
فقال‏:‏ مصحفي قال نعم‏.‏
فنظر فإذا فيه إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة‏.‏
فإذا هي مكتوبة نجعة قد قدمت الجيم قبل العين فأمر بالمصحف فأصلح ما كان فيه وأبدلت الورقة ثم أمر له بثلاثين دينارًا وبرأس أحمر ولما فرغ من هذا المصحف كان يحمل إلى المسجد الجامع غداة كل جمعة من دار عبد العزيز فيقرأ فيه ثم يقص ثم يرد إلى موضعه‏.‏
فكان أول من قرأ فيه عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني لأنه كان يتولى القصص والقضاء يومئذ وذلك في سنة ست وسبعين ثم تولى بعده القصص أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني وكان قاضيًا بالإسكندرية قبل ذلك ثم توفي عبد العزيز في سنة ست وثمانين فبيع هذا المصحف في ميراثه فاشتراه ابنه أبو بكر بألف دينار ثم توفي أبو بكر فاشترته أسماء ابنة أبي بكر بن عبد العزيز بسبعمائة دينار فأمكنت الناس منه وشهرته فنسب إليها‏.‏
فلما توفيت أسماء اشتراه أخوها الحكم بن عبد العزيز بن مروان من ميراثها بخمسمائة دينار فأشار عليه توبة بن نمر الحضرمي القاضي وهو متولي القصص يومئذ بالمجد الجامع بعد عقبة بن مسلم الهمداني وإليه القضاء‏.‏
وذلك في سنة ثمان عشرة ومائة فجعله في المسجد الجامع وأجرى على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير في كل شهر من غلة الإسطبل فكان توبة أول من قرأ فيه بعد أن أقر في الجامع وتولى القصص بعد توبة أبو إسماعيل خير بن نعيم الحضرمي القاضي في سنة عشرين ومائة وجمع له القضاء والقصص فكان يقرأ في المصحف قائمًا ثم يقص وهو جالس فهو أول من قرأ في المصحف قائمًا ولم تزل الأئمة يقرؤون في المسجد الجامع في هذا المصحف في كل يوم جمعة إلى أن ولي القصص أبو رجب العلاء بن عاصم الخولاني في سنة اثنتين وثمانين ومائة فقرأ فيه يوم الاثنين وكان قد جعل المطلب الخز اعي أمير مصر من قبل المأمون رزق أبي العلاء عشرة دنانير على القصص وهو أول من سلم في الجامع السليمتين بكتاب ورد من المأمون يأمر فيه بذلك وصلى خلفه محمد بن إدريس الشافعي حين قدم إلى مصر فقال‏:‏ هكذا تكون الصلاة ما صليت خلف أحد أتم صلاة من أبي رجب ولا أحسن‏.‏
ولما ولي القصص حسن بن الربيع بن سليمان من قبل عنبسة بن إسحاق أمير مصر من قبل المتوكل في سنة أربعين ومائتين أمر أن تترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة فتركها الناس وأر أن تصلى التراويح خمس تراويح وكانت تصلى قبل ذلك ست تراويح وزاد في قراءة المصحف يومًا فكان يقرأ يوم الاثنين ويوم الخميس ويوم الجمعة‏.‏
ولما ولي حمزة بن أيوب بن إبراهيم الهاشمي القصص بكتاب من المكتفي في سنة اثنتين وتسعين ومائتين صلى في مؤخر المسجد حين نكس وأمر أن يحمل إليه المصحف ليقرأ فيه فقيل له أنه لم يحمل المصحف إلى أحد قبلك فلو قمت وقرأت فيه في مكانه‏.‏
فقال‏:‏ لاأفعل ولكن ائتوني به فإن القرآن علينا أنزل وإلينا أتى‏.‏
فأتي به فقرأ فيه في المؤخر ولم يقرأ في المصحف بعد ذلك في المؤخر إلى أن تولى أبو بكر محمد بن الحسن السوسي الصلاة والقصص في اليوم العشرين من شعبان سنة ثلاث وأربعمائة فنصب المصحف في مؤخر الجامع حيال الفوارة وقرأ فيه أيام نكس الجامع فاستمر الأمر على ذلك إلى الآن‏.‏
ولما تولى القصص أبو بكر محمد بن عبد الله بن مسلم الملطي في سنة إحدى وثلاثمائة عزم على القراءة في المصحف في كل يوم فتكلم علي بن قديد في ذلك ومنع منه وقال‏:‏ أعزم على أن يخلق المصحف ويقطعه أيرى عبد العزيز بن مروان حيًا فيكتب له مثله فرجع إلى القراءة ثلاثة أيام‏.‏
وكان قد حضر إلى مصر رجل من أهل العراق وأحضر مصحفًا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنه الذي كان بين يديه يوم الدار وكان فيه أثر الدم وذكر أنه استخرج من خزائن المقتدر ودفع المصحف إلى عبد الله بن شعيب المعروف بابن بنت وليد القاضي فأخذه أبو بكر الخازن وجعله في الجامع وشهره وجعل عليه خشبًا منقوشًا وكان الإمام يقرأ فيه يومًا وفي مصحف أسماء يومًا ولم يزال على ذلك إلى أن رفع هذا المصحف واقتصر على القراءة في مصحف أسماء وذلك في أيام العزيز بالله لخمس خلون من المحرم سنة ثمان وسبعون وثلاثمائة‏.‏
وقد انكر قوم أن يكون هذا المصحف مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه لأن نقله لم يصح ولم يثبت بحكاية رجل واحد‏.‏
ورأيت أنا هذا المصحف وعلى ظهر مما نسخته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين هذا المصحف الجامع لكتاب الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه حمله المبارك مسعود بن سعد الهيتي لجماعة المسلمين القراء للقرآن التالين له المتقربيبن إلى الله جل ذكره بقراءته والمتعلمين له ليكون محفوظًا أبدًا ما بقي ورقه ولم يذهب اسمه ابتغاء ثواب الله عز وجل ورجاء غفرانه وجعله عدة ليوم فقره وفاقته وحاجته إليه أنا له الله برأفته وجعل ثوابه بينه وبين جماعة من نظر فيه وقد درس ما بعد هذا الكلام من ظهر المصحف والمندرس يشبه أن يكون وتبصر في ورقه وقصد ابداعه فسطاط مصر في المسجد الجامع جامع المسلمين العتيق ليحفظ حفظ مثله مع سائر مصاحف المسلمين فرحم الله من حفظه ومن قرأ فيه ومن عنى به وكان ذك في يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏
قلال ابن المتوج‏:‏ ودليل بطلان ما قاله هذا المعترض ظهور التعصب على عثمان رضي الله عنه من تجيب وخلفائهم أن الناس قد جربوا هذا المصحف وهو الذي على الكرسي الغربي من مصحف أسماء أنه ما فتح قط إلا وحدث حادث في الوجود لتحقيق ما حدث أولًا والله أعلم‏.‏
قال القضاعي‏:‏ ذكر المواضع المعروفة بالبركة من الجامع يستحب الصلاة والدعاء عندها‏.‏
منها البلاطة التي خلف الباب الأول في مجلس ابن عبد الحكيم ومنها البرادع رمي عن رجل من صلحاء المصريين يقال له أبو هارون الخرقي قال‏:‏ رأيت الله عز وجل في منامي فقلت له يا رب أنت تراني وتسمع كلامي قال‏:‏ نعم ثم قال أتريد أن أريك بابًا من أبواب الجنة قلت نعم‏.‏
يا رب فأشار إلى باب أصحاب البرادع أو الباب الأقصى مما يلي رحبة حارث وكان أبو هارون هذا يصلي الظهر والعصر فيما بينهما‏.‏
وقال إن المتوج‏:‏ وعند المحراب الصغير الذي في جدار الجامع الغربي ظاهر المقصورة فيما بين بابي الزيادة الغربية الدعاء عنده مستجاب قال‏:‏ من ذلك باب مقصورة عرفة ومنها عند خرزة البئر التي بالجامع ومنها قبال اللوح الأخضر ومنها زاوية فاطمة ويقال أنها فاطمة ابنة عفان لما وصى والدها أن تترك لله في الجامع فتركة في هذا المكان فعرف بها ومنها سطح الجامع والطواف به سبع مرات يبدأ بالأولى من باب الخزنة الأولى التي يستقبلها الداخل من باب السطح وهو يتلو إلى أن يصل إلى زاوية السطح التي عند المئذنة المعروفة بعرفة يقثف عندها ثم يدعو بما أراد ثم يمر وهو يتلو إلى أن يصل إلى الركن الشرقي عند المئذنة المشهورة بالكبيرة ثم يدعو بما أراد ويمر إلى الركن البحري الشرقي فيقف محاذيًا لغرفة المؤذنين ويدعو ثم وهو يتلو ابتدأ منه‏.‏
يفعل ذلك سبع مرات فإن حاجته تقضى‏.‏
قال القضاعي‏:‏ ولم يكن الناس يصلون بالجامع بمصر صلاة العيد حتى كانت سنة ست ويقال سنة ثمان وثلاثمائة‏.‏
فصلى فيه رجل يعرف بعلي بن أحمد بن عبد الملك الفهمي يعرف بابن أبي شيخة صلاة الفطر ويقال أنه خطب من دفتر نظرًا وحفظ عنه اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مشركون فقال بعض الشعراء‏:‏ وقام في العيد لنا خاطب فحرض الناس على الكفر وتوفي سنة تسع و ثلاثمائة‏.‏
وبالجامع زوايا يدرس فيها الفقه‏:‏ منها زاوية الإمام الشافعي رضي الله عنه يقال أنه درس بها الشافعي فعرفت به وعليها أرض بناحية سندبيس وقفها السلطان الملك العزيز عثمان بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ولم يزل يتولى تدريسها أعيان الفقهاء وجلة العلماء ومنها الزاوية المجدية بصدر الجامع فيما بين المحراب الكبير ومحراب الخمس داخل المقصورة الوسطى بجوار المحراب الكبير رتبها مجد الدين أبو الأشباك الحارث بن مهذب الدين أبي المحاسن مهلب بن حسن بن بركات بن علي بن غياث المهلبي الأزدي البهنسي الشافعي وزير الملك الأشرف موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب بحران وقرر في تدريسها قريبة قاضي القضاة وجيه الدين عبدا الوهاب البهنسي وعمل على هذه الزاوية عدة أوقاف بمصر والقاهرة ويعد تدريسها من المناصب الجليلة وتوفي المجد في صفر سنة ثمان وعشرين ومنها الزاوية الصاحبية حول عرفة رتبها الصاحب تاج الدين محمد بن فخر الدين محمد بن بهاء الدين بن حنا وجعل لها مدرسين أحدهما مالكي والأخر شافعي وجعل عليها وقفًا بظاهر القاهرة بخط البراذغيين‏.‏
ومنها الزاوية الكمالية بالمقصورة المحارب لباب الجامع الذي يدخل إليه من سوق الغزل رتبها كمال الدين المنودي وعليها فندق بمصر موقوف عليها‏.‏
ومنا الزاوية التاجية أمام المحراب الخشب رتبها تاج الدين السطحي وجعل عيها دورًا بمصر موقوفة عليها ومنها الزاوية المعينية في الجانب الشرقي من الجامع رتبها معين الدين الدهر وطي وعليها وقف بمصر‏.‏
ومنها الزاوية العلائية تنسب لعلاء الدين الضرير وهي في صحن الجامع وهي لقراءة ميعاد‏.‏
ومنها الزاوية الزينية رتبها الصاحب زين الدين بقراءة ميعاد أيضًا ذكر ذلك ابن المتوج‏.‏
وأخبرني المقرىء الأديب المؤرخ الضابط شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الحسن الأوحدي رحمه الله قال‏:‏ أخبرني المؤرخ ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات قال‏:‏ أخبرني شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي أنه أدرك بجامع عمرو بن العاص بمصر قبل الوباء الكائن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بضعًا وأربعين حلقة لإقراء العلم لاتكاد تبرح منه‏.‏
قال ابن المأمون‏:‏ حدثني القاضي المكين بن حيدرة وهو من أعيان الشهود بمصر أن من جملة الخدم التي كانت بيد والده مشارقة الجامع العتيق وأن القومة بأجمعهم كانوا يجتمعون قبل ليلة الوقود عنده إلى أن يعملوا ثمانية عشر ألف فتيلة وأن المطلق برسمه خاصة في كل ليلة ترسم وقوده أحد عشر قنطار أو نصف زيتًا طيبًا‏.‏
ز

حفــــــــــر الخليـــــــــــــج

 

الإمبراطور الرومانى أدريان يأمر بحفر الخليج
ذكر المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 122 من 167 )  : " ثم حفره مرّة ثانية أدريان قيصر أحد ملوك الروم ومن الناس من يسميه أندرويانوس ومنهم من يقول هوريانوس قال في تاريخ مدينة رومة وولي الملك أدريان قيصر أحد ملوك الروم وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة وهو الذي درس اليهود مرّة ثانية إذ كانوا راموا النفاق عليه وهو الذي جدّد مدينة يورشالم يني مدينة القدس وأمر بتبديل اسمها وأن تسمى إيليا‏.‏
وقال علماء أهل الكتاب عن أدريان هذا‏:‏ وغزا القدس وأخربه في الثانية من ملكه وكان ملكه في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة من سني الإسكندر وقتل عامة أهل القدس وبنى على باب مدينة القدس منارًا وكتب عليه‏:‏ هذه مدينة إيليا وتُسمى موضع هذا العمود الآن محراب داود‏.‏
ثم سار من القدس إلى باب فحارب ملكها وهزمه وعاد إلى مصر فحفر خليجًا من النيل إلى بحر القلزم وسارت فيه السفن وبقي رسمه عند الفتح الإسلاميّ فحفره عمرو بن العاص وأصاب أهل مصر منه شدائد وألزمهم بعبادة الأصنام ثم عاد إلى بلاده بممالك الروم فابتلي بمرض أعيى الأطباء فخرج يسير في البلاد يبتغي من يداويه فمرّ على بيت المقدس وكان خرابًا ليس فيه غير كنيسة للنصارى فأمر ببناء المدينة وحصنها وأعاد إليها اليهود فأقاموا بها وملّكوا عليهم رجلًا منهم‏.‏
فبلغ ذلك أدريان قيصر فبعث إليهم جيشًا لم يزل يحاصرهم حى مات أكثرهم جوعًا وعطشًا وأخذها عنوة فقتل من اليهود ما لايُحصى كثرة وأخرب المدينة حتى صارت تلالالً عامرة فيها البتة وتبع اليهود يريد أن لايدع منهم على وجه الأرض أحدًا ثم أمر طائفة من اليونايين فتحوّلوا إلى مدينة القدس وسكنوا فيها فكان بين خراب القدس الخراب الثاني على يد طيطوس وبين هذا الخراب ثلاث وخمسون سنة فعمرت القدس باليونان ولم يزل قيصر هذا ملكًا حتى مات فهذا خبر حفر هذا الخليج في المرّة الثانية فلما جاء الإسلام جدّد عمرو بن العاص حفره‏.‏

المقريزى يذكر : خليج القاهرة‏ الذى أعاد حفره عمرو بن العاص لتذهب خيرات مصر للعربية:‏ 

ذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الأول   15 / 167  فقال : "  خليج القاهرة  هذا الخليج بظاهر القاهرة من جانبها الغربي فيما بينها وبين المقس عرف في أول الإسلام‏:‏ بخليج أمير المؤمنين وتسميه العامّة اليوم‏:‏ بخليج الحاكمي وبخليج اللؤلؤة وهو خليج قديم أوّل من حفره طوطيس بن ماليا أحد ملوك مصر الذين سكنوا مدينة منف وهو الذي قدم إبراهيم الخليل صلوات الله عليه في أيامه إلى مصر وأخذ منه امرأته سارة وأخدمها هاجر أم إسماعيل صلوات اللّه عليهما فلما أخرجها إبراهيم هي وابنها إسماعيل إلى مكة بعثت إلى طوطيس تعرّفه أنها بمكان جدب وتستغيثه فأمر بحفر هذا الخليج وبعث إليها فيه بالسفن تحمل الحنطة وغيرها إلى جدة فأحيا بلد الحجاز ثم إن أندرومانوس الذي يعرف‏:‏ بإيليا أحد ملوك الروم بعد الإسكندر بن فيلبس المقدوني جدد حفر هذا الخليج وسارت فيه السفن وذلك قبل الهجرة النبوية بنيف وأربعمائة سنة‏.‏
ثم إن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه جدد حفره لما فتح مصر وأقام في حفره ستة أشهر وجرت فيه السفن بحمل الميرة إلى الحجاز فسمي‏:‏ خليج أمير المؤمنين يعني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فإنه هو الذي أشار بحفره ولم تزل تجري فيه السفن من فسطاط مصر إلى مدينة القلزم التي كانت على حافة البحر الشرقي حيث الموضع الذي يعرف اليوم على البحر‏:‏ بالسويس وكان يصب ماء النيل في البحر من عند مدينة القلزم إلى أن أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بطمه في سنة خمسين ومائة فطم وبقي منه ما هو موجود الآن ." أنتهى

ومما يذكر أن العرب المسلمين خربوا مصر ووجهوا ثروتها لتمويل حروبهم إلى نفذت ثروتها وخرب أقتصادها فإنهار التمدد الأسلامى وغزوه , وقد ذكر المقريزى قلة من حكام العرب المسلمين الذين قاموا بعدة مشاريع للحفاظ على البنية الأساسية لمورد دخلهم منها من جزية وخراج ومكوس وغيره وقد يلاحظ القارئ أن هؤلاء الحكام المسلمين سواء أكانوا عرباً أو مسلمين من اجناس أخرى أرادوا ان يحتفظوا بمصر ليحكموها بانفسهم لهم ولأولادهم من بعدهم 

ذكر المؤرخ المقريزى المسلم فى كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثالث  116 / 167 : "  برّ الخليج الغربي قد تقدّم أنَّ هذا الخليج حُفِرَ قبل الإسلام بدهر وأن عمرو بن العاص رضي الله عنه جدّد حفره في عام الرمادة بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى صبّ ماء النيل في بحر القلزم وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها حتى عبرت منه إلى البحر الملح وأنه ما برح على ذلك إلى سنة خمسين ومائة فطُمّ ولم يبق منه إلا ما هو موجود الآن إلاّ أنَّ فم هذا الخليج الذي يصبّ فيه الماء من بحر النيل لم يكن عند حفره هذا الفم الموجود الآن ولست أدري أين كان فمه عند ابتداء حفره في الجاهلية فإن مصر فُتحت وماء النيل عند الموضع الذي فيه الآن جامع عمرو بن العاص بمصر وجميع من عند سوق المعاريج الذي هو الآن بمصر إلى تجاه الكبش من غربيه "

ذكر المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 122 من 167 )  : " هذا الخليج بظاهر مدينة فسطاط مصر ويمرّ من عربيّ القاهرة وهو خليج قديم احتفره بعض قدماء ملوك مصر ..... ثم تمادت الدهور والأعوام فجدّد حفره ثانيًا بعض من ملك مصر من ملوك الروم بعد الإسكندر فلما جاء الله سبحانه بالإسلام وله الحمد والمنة وفتحت أرض مصر في عام الرمادة وكان يصب في بحر القلزم فتسير فيه السفن إلى البحر الملح وتمرّ في البحر إلى الحجاز واليمن والهند ولم يزل على ذلك إلى أن قام محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب بالمدينة النبوية والخيفة حينئذٍ بالعراق أبو جعفر عبد الله بن محمد المنصور فكتب إلى عامله على مصر يأمره بطمّ خليج القلزم حتى لا تُحمل الميرة من مصر إلى المدينة فطمّه وانقطع من حينئذٍ اتصاله ببحر القلزم وصار على ما هو عليه الآن وكان هذا الخليج أولًا يُعرف بخليج مصر فلما أنشأ جوهر القائد القاهرة بجانب هذا الخليج من شرقيه صار يُعرف بخليج القاهرة وكان يُقال له أيضًا خليج أمير المؤمنين يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه الذي أشار بتجديد حفره والآن تسميه العامة بالخليج الحاكميّ وتزعم أن الحاكم بأمر الله أبا عليّ منصورًا احتفره وليس هذا بصحيح‏.‏

ذكر المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 123 من 167 )  : " وقال ابن قديد‏:‏ أمر أبو جعفر المنصور بسدّ الخليج حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة ليقطع عنه الطعام فسُدّ إلى الآن‏.‏
وذكر البلادري أن أبا جعفر المنصور لما ورد عليه قيام محمد بن عبد الله قال‏:‏ يُكتب الساعة وقال ابن الطوير وقد ذكر ركوب الخليفة لفتح الخليج وهذا الخليج هو الذي حفره عمرو بن العاص لما ولي على مصر في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بحر فسطاط مصر الحلو وألحقه بالقلزم بشاطيء البحر الملح فكانت مسافته خمسة أيام لتقرب معونة الحجاز من ديار مصر في أيام النيل فالمراكب النيلية تفرّغ ما تحمله من ديار مصر بالقلزم فإذا فرغت حملت ما في القلزم مما وصل من الحجاز وغيره إلى مصرن وكان مسلكًا للتجار وغيرهم في وقته المعلوم وكان أوّل هذا الخليج من مصر يشق الطريق الشارع المسلوك منه اليوم إلى القاهرة حافًا بالقريوص الذي عليه البستان المعروف بابن كيسان مادًا وآثاره اليوم مادة باقية إلى الحوض المعروف بسيف الدين حسين صار ابن رزيك والبستان المعروف بالمشتهى وفيه آثار المنظرة التي كانت معدّة لجلوس الخليفة لفتح الخليج من هذا الطريق ولم تكن الآدر المبنية على الخليج ولا شيء منها هناك وما برح هذا الخليج منتزهًا لأهل القاهرة يعبرون فيه بالمراكب للنزهة إلى أن حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج المعروف الآن بالخليج الناصريّ‏
 


مجاعة العربية سبب  حفر عمرو بن العاص الخليج
ذكر المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 122 من 167 )  : " قال ابن عبد الحكم ذكر حفر خليج أمير المؤمنين رضي الله عنه‏:‏ حدّثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال‏:‏ إنّ الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة الرمادة فكتب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو بمصر من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاصي سلام‏.‏
أما بعد‏:‏ فلعمري يا عمرو ما تبلي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي فيا غوثاه ثم يا غوثاه يردّد ذلك‏.‏
فكتب إليه عمرو‏:‏ من عبد الملك عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين أما بعد‏:‏ فيا لبيك ثم يا لبيك قد بعثتُ إليك بعير أوّلها عندك وآخرها عندي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏
فبعث إليه بعير عظمة فكان أوّلها بالمدينة وآخرها بمصر يتبع بعضها بعضًا‏.‏
فلما قدمت على عمر رضي الله عنه وسَع بها على الناس ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرًا بما عليه من الطعام وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام وسعد بن أبي وقاص يُقسِّمونها على الناس فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيرًا بما عليه من الطعام ليأكلوا الطعام ويأتدموا بلحمه ويحتذوا بجلده وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام فيما أرادوا من لحاف أو غيره‏.‏
فوسّع الله بذلك على الناس فلما رأى ذلك عمر ري الله عنه حمد الله وكتب إلى عمرو بن العاص أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر معه فقدموا عليه‏.‏
فقال عمرك يا عمرو بن العاص إن الله قد فتح على المسلمين مصر وهي كثيرة الخير والطعام وقد ألقى في روعي لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوّة لهم ولجميع المسلمين أنْ أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة فإن حمله الطهر يبعد ولا نبلغ به ما نريد فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم فانطلق عمرو فأخبر من كان معه من أهل مصر فثقل ذلك عليهم وقالوا‏:‏ نتخوف أن يجخل من هذا ضرر على مصر فنرى أ تُعظِّمَ ذلك على أمير المؤمنين وتقول له‏:‏ إنّ هذا أمر لا يعتدل ولا يكون ولا نجد إليه سبيلًا‏.‏
فرجع عمرو بذلك إلى عمر فضحك عمر رضي الله عنه حين رآه وقال‏:‏ والذي نفسي بيده لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم وقالوا يدخل من هذا ضرر على أهل مصر فنرى أن تُعظِّم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له إنّ هذا أمر لايعتدل ولا يكون ولا نجد إليه سبيلًا‏.‏
فعجب عمرو من قول عمر قال‏:‏ صدقت والله يا أمير المؤمنين لقد كان الأمر على ما ذكرت‏.‏
فقال له عمر رضي الله عنه‏:‏ انطلق بعزيمة مني حتى تجدّ في ذلك فانصرف عمرو ومع لذلك من الفعلة ما بلغ منه ما أراد ثم احتفر الخليج في حاشية الفسطاط الذي يقال له خليج أمير المؤمنين فساقه من النيل إلى القلزم فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن فحمل فيه ما أراد من الطعام حتى حمل فيه بعد مر بن عبد العزيز ثم ضيعه الولاة بعد ذلك فترك وغلب عليه الرمل فانقطع فصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية بطحاء القلزم‏.‏
قال‏:‏ ويقال إنّ عمر رضي الله عنه قال لعمرو حين قدم عليه‏:‏ يا عمرو إنّ العرب قد تشاءمت بي وكادت أن تغلب علي رحلي وقد عرفت الذي أصابها وليس جند من الأجناد أرجى عندي أن يغيث الله بهم أهل الحجاز من جندك فإن استطعت أن تحتال لهم حيلة حتى يغيثهم الله تعالى‏.‏
فقال عمرو‏:‏ ما شئت يا أمير المؤمنين قد عرفت أنه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل الإسلام فلما فتحنا مصر انقطع ذلك الخليج واستدّ وتركه التجار فإن شئت أن نحفره فننشيء فيه سفنًا يُحمل فيها الطعام إلى الحجاز فعلته‏.‏
فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ نعم فافعل‏.‏
فلما خرج عمر من عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر ذلك لرؤساء أهل أرضه من قبط مصر فقالوا له‏:‏ ماذا جئت به أصلح الله الأمير تريد أن تُخرج طعام أرضك وخصبها إلى الحجاز وتخرب هذه فإن استطعت فاستقل من ذلك‏.‏
فلما ودّع عمر رضي الله عنه قال‏:‏ يا عمرو انظر إلى ذلك الخليج ولا تنسين حفره‏.‏
فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه قد انسدذ وتدخل فيه نفقات عظيمة‏.‏
فقال له‏:‏ أمّا والذي نفسي بيده إني لأظنك حين خرجت من عندي حدّثت بذلك أهل أرضك فعظموه عليك وكرهوا ذلك أعزم عليك إلاّ ما حفرته وجعلت فيه سفنًا‏.‏
فقال عمرو‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه متى ما يجد أهل الحجاز طعام مصر وصبها مع صحة الحجاز لا يخفوا إلى الجهاد‏.‏
قال‏:‏ فإني سأجعل من ذلك أمرًا لا يُحمل في هذا البحر إلاّ رزق أهل المدينة وأهل مكة‏.‏
فحفره عمرو وعالجه وجعل فيه السفن‏.‏
قال‏:‏ ويقال أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص‏:‏ إلى العاصي ابن العاصي فإنك لعمري لا تبالي إذا سمنت أنت ومن معك أن أعجف أنا ومن مع فيا غوثاه ويا غوثاه‏.‏
فكتب إليه عمرو‏:‏ أما بعد فيا لبيك ثم يا لبيك أتتك عير أوّلها عندك وآخرها عندي مع أني أرجوا أن أجد السبيل إلى أن أحمل إليك في البحر ثم إن عمرًا ندم على كتابه في الحمل إلى المدينة في البحر‏.‏
وقال‏:‏ إن أمكنت عمر من هذا خرّب مصر ونقلها إلى المدينة‏.‏
فكتب إليه‏:‏ إني نظرت في أمر البحر فإذا هو عسر ولا يلتأم ولا يُستطاع‏.‏
فكتب إليه عمر رضي الله عنه‏:‏ إلى العاصي ابن العاصي قد بلغني كتابك تعتلّ في الذي كنت كتبت إليّ به من أمر البحر وأيم الله لتفعلنّ أو لأفعلن بأذنك ولأبعثن من يفعل ذلك‏.‏
فعرف عمرو أنه الجدّ من عمر رضي الله عنه ففعل‏.‏
فبعث إليه عمر رضي الله عنه أن لا ندع بمصر شيئًا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلها إلاّ بعثت إليها منه‏.‏
قال‏:‏ ويقال إن الذي دل عمرو بن العاص على الخليج رجل من القبط فقال لعمرو‏:‏ أرأيت إن دللتك على مكان تجري فيه السفن حتى تنتهي إلى مكة والمدينة أتضع عني الجزية وعن أهل بيتي فقال‏:‏ نعم‏.‏
فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
فكتب إليه أن افعل فلما قدمت السفن خرج عمر رضي الله عنه حاجًا أو معتمرًا فقال للناس‏:‏ سيروا بنا ننظر إلى السفن التي سيرها الله تعالى إلينا من أرض فرعون حتى أتتنا‏.‏
فأتى الجار وقال‏:‏ اغتسلوا من مار البحر فإنه مبارك فلما قدمت السفن الجار وفيها الطعام صك عمر رضي الله عنه للناس بذلك الطعام صكوكًا فتبايع التجار الصحوك بينهم قبل أن يقبضوها فلقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه العلاء بن الأسود رضي الله عنه فقال‏:‏ كم ربح حكيم بن حزام فقال‏:‏ ابتاع من صكوك الجار بمائة ألف درهم وربح عليها مائة ألف فلقيه عمر رضي الله عنه فقال له‏:‏ يا حكيم كم ربحت فأخبره بمثل خبر العلاء‏.‏
قال عمر رضي الله عنه‏:‏ فبعته قبل أن تقبضه قال نعم‏.‏
قال عمر رضي الله عنه‏:‏ فإنّ هذا بيع لا يصح فاردده‏.‏
فقال حكيم‏:‏ ما علمت أن هذا بيع لا يصح وما أقدر على ردّه‏.‏
فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ لا بدّ‏.‏
فقال حكيم‏:‏ والله ما أقدر على ذلك وقد تفرّق وذهب ولكن رأس مالي وربحي صدقة‏.‏
وقال القضاعيّ في ذكر الخليج‏:‏ أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص عام الرمادة بحفر الخليج الذي بحاشية الفسطاط الذي يقال له خليج أمير المؤمنين فساقه من النيل إلى القلزم فلم يأت عليه الحول حتى جرت فيه السفن وحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة فنفع الله تعالى بذلك أهل الحرمين فسُميَ خليج أمير المؤمنين‏.‏
وذكر الكنديّ في كتاب الجند العربيّ أن عمرًا حفره في سنة ثلاث وعشرين وفرغ منه في ستة أشهر وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع ثم بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة في ولايته على مصر‏.‏
قال‏:‏ ولم يزل يُحمل فيه الطعام حتى حمل فيه عمر بن عبد لعزيز ثم أضاعته الولاة بعد ذلك فتُرك وغلب عليه الرمل فانقطع وصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية بطحاء القلزم‏.‏
****************************************

ذكر المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 123 من 167 )  : " قال ابن عبد الظاهر‏:‏ وكان يخرج من البحر للمقسيّ الماء في البرابخ فوسَّعه الملك الكامل وهو خليج الذكر‏.‏
ويقال أن خليج الذكر حفره كافور الأخشيدي فلما زال البستان المقسيّ في أيام الخليفة الظاهر بن الحاكم وجعله بركة قدّام المنظرة المعروفة باللؤلؤة صار يدخل الماء إليها من هذا الخليج وكان يُفتح هذا الخليج قبل الخليج الكبير ولم يزل حتى أمر الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة أربع وعشرين وسبعمائة بحفره فحفر وأوصل بالخليج الكبير وشرع الأمراء والجند في حفره من أخريات جمادى الآخرة فلما فُتح كادت القاهرة أن تغرق فسدّت القنطرة التي عليه فهدمها الماء ومن حينئذٍ عزم السلطان على حفر الخليج الناصري وأنا أدركت آثاره وفيه ينبت القصب المسمى بالفارسيّ‏.‏
وأخبرني الشيخ المعمر حسام الدين حسين بن عمر الشهرزوريّ أنه يعرف خليج الذكر هذا وفيه الماء وسبح فيه غير مرّة وأراني آثاره وكان الماء يدخل إليه من تحت قنطرة الدكة الآتي ذكرها في القناطر إن شاء الله تعالى وعلى خليجفم الخور الآن قنطرة وعلى خليج الذكر قنطرة يأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى عند ذكر القناطر وإنما قيل له خليج الذكر لأن بعض أمراء الملك الظاهر ركن الدين بيبرس كان يعرف بشمس الدين الذكر الكركيّ كان له فيه أثر من حفره فعرف به وكان للناس عند هذا الخليج مجتمع يكثر فيه لهوهم ولعبهم‏.‏
حمام الفار أول حمام يبنيه العرب بمصر

قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 59 من 167 ) : " وقال ابن عبد الحكم‏:‏ منهم من اختط بالبلد فذكرنا خطته ومنهم من لم يذكر له خطة قال‏:‏ فاختط عمرو بن العاص داره التي عند باب المسجد بينهما الطريق وداره الأخرى اللاصقة إلى جنبها وفيها دفن عبد الله بن عمرو فيما زعم بعض مشايخ البلد لحدث كان يومئذ في البلد والحمام الذي يقال له حمام الفار وإنما قيل له‏:‏ حمام الفار لأن حمامات الروم كانت ديماسات كبارًا فلما بني هذا الحمام ورأوا صغره قالوا‏:‏ من يدخل هذا هذا حمام الفار‏.‏

=========================

ذكر فسطاط مصر
قال الجوهري‏:‏ الفسطاط بيت من شعر قال‏:‏ ومنه فسطاط مدينة مصر اعلم‏:‏ أن فسطاط مصر اختط في الإسلام بعدما فتحت أرض مصر وصارت دار إسلام وقد كانت بيد الروم والقبط وهم نصارى ملكانية ويعقوبية وميانية وحين اختط المسلمون الفسطاط انتقل كرسي المملكة من مدينة الإسكندرية بعدما كانت منزل الملك ودار الإمارة زيادة على تسعمائة سنة وصار من حينئذ الفسطاط دار إمارة ينزل به أمراء مصر فلم يزل على ذلك حتى بنى العسكر بظاهر الفسطاط فنزل فيه أمراء مصر وسكنوه وربما سكن بعضهم الفسطاط فلما أنشأ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون فصار أمراء مصر من بعد ذلك ينزلون بالعسكر خارج الفسطاط وما زالوا على ذلك حتى قدمت عساكر الإمام المعز لدين الله أبي تميم معد الفاطمي مع كاتبه جوهر القائد فبنى القاهرة وصارت خلافة واستمر سكنى الرعية بالفسطاط وبلغ من وفور العمارة وكثرة الخلائق ما أربى على عامة مدن المعمور حاشا بغداد ومازال على ذلك حتى تغلب الفرنج على سواحل البلاد الشامية ونزل مخري ملكالفرنج بجموعه الكثيرة على بركة الحبش يريد الاستيلاء على مملكة مصر وأخذ الفسطاط والقاهرة فعجز الوزير شاور ابن مجير السعدي عن حفظ البلدين معًا فأمر الناس بإخلاء مدينة الفسطاط واللحاق بالقاهرة للامتناع من الفرنج وكانت القاهرة إذ ذاك من الحصانة والامتناع بحيث لا ترام فارتحل الناس من الفسطاط وساروا بأسرهم إلى القاهرة وأمر شاور فألقى العبيد النار في الفسطاط فلم تزل به بضعًا وخمسين يومًا حتى احترقت أكثر مساكنه فلما رحل مري عن القاهرة واستولى شيركوه على الوزارة تراجع الناس إلى الفسطاط ورموا بعض شعثه ولم يزل في نقص وخراب إلى يومنا هذا وقد صار الفسطاط يعرف في زمننا بمدينة مصر والله أعلم‏.‏

ما كان عليه موضع الفسطاط قبل الإسلام إلى أن اختطه المسلمون مدينة اعلم‏:‏ أن موضع الفسطاط الذي يقال له اليوم‏:‏ مدينة مصر كان فضاء ومزارع فيما بين النيل والجبل الشرقي الذي يعرف بالجبل المقطم ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن يعرف اليوم بعضه‏:‏ بقصر الشمع وبالمعلقة ينزل به شحنة الروم المتولي على مصر من قبل القياصر ملوك الروم عند مسيره من مدينة الإسكندرية ويقيم فيه ما شاء ثم يعود إلى دار الإمارة ومنزل الملك من الإسكندرية وكان هذا الحصن مطلًا على النيل وتصل السفن في النيل إلى بابه الغربي الذي كان يعرف بباب الحديد ومنه ركب المقوقس في السفن في النيل من بابه الغربي حين غلبه المسلمون على الحصن المذكور وصار فيه إلى الجزيرة التي تجاه الحصن وهي التي تعرف اليوم‏:‏ بالروضة قبالة مصر وكان مقياس النيل بجانب الحصن‏.‏

وقال ابن المتوج‏:‏ وعمود المقياس موجود في زقاق مسجد ابن النعمان قلت‏:‏ وهو باق إلى يومنا هذا اعني سنة عشرين وثمانمائة وكان هذا الحصن لا يزال مشحونًا بالمقاتلة وسيرد في هذا الكتاب خبره إن شاء الله تعالى وكان بجوار هذا الحصن من بحريه وهي الجهة الشمالية أشجار وكروم صار موضعها الجامع العتيق وفيما بين الحصن والجبل عدة كنائس وديارات للنصارى في الموضع الذي يعرف اليوم براشدة وبجانب الحصن فيما بين الكروم التي كانت بجانبه وبين الجرف الذي يعرف اليوم‏:‏ بجبل يشكر حيث جامع ابن طولون والكبش عدة كنائس وديارات للنصارى في الموضع الذي كان يعرف في أوائل الإسلام بالحمراء وعرف الآن بخط قناطر السباع والسبع سقايات وبقي بالحمراء عدة من الديارات إلى أن هدمت في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون على ما ذكر في هذا الكتاب عند ذكر كنائس النصارى فلما افتتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية الفتح الأول نزل بجوار هذا الحصن واختط الجامع المعروف بالجامع العتيق وبجامع عمرو بن العاص واختطت قبائل العرب من حوله فصارت مدينة عرفت بالفسطاط ونزل الناس بها فانحسر بعد الفتح بأعوام ماء النيل عن أرض تجاه الحصن والجامع العتيق فصار المسلمون يوقفون هناك دوابهم ثم اختطوا فيه المساكن شيئًا بعد شيء وصار ساحل البلد حيث الموضع الذي يقال له اليوم في مصر‏:‏ المعاريج مارًا إلى الكوم الذي على يسرة الداخل من باب مصر بحد الكبارة وفي موضع هذا الكوم كانت الدور المطلة على النيل ويمر الساحل من باب مصر المذكور إلى حيث بستان ابن كيسان الذي يعرف اليوم‏:‏ ببستان الطواشي في أول مراغة مصر وجميع الأماكن التي تعرف اليوم‏:‏ مراغة مصر وبالجرف إلى الخليج عرضًا ومن حيث قنطرة السد إلى سوق المعاريج طولًا كان غامرًا بماء النيل إلى أن انحسر عنه ماء النيل بعد سنة ستمائة من سني الهجرة فصار رملة ثم اختط فيه الأمراء مما يلي النيل آدرًا عندما عمر الملك الصالح نجم الدين أيوب قلعة الروضة واختط بعضه شونًا إلى أن أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون جامعه المعروف بالجامع الجديد الناصري ظاهر مصر فعمر ما حوله وقد كان عند فتح مصر سائر المواضع التي من منشأة المهراني إلى بركة الحبش طولًا ومن ساحل النيل بموردة الحلفاء وتجاه الجامع الجديد إلى سوق المعاريج وما على سمته إلى تجاه المشهد الذي يقال له‏:‏ مشهد الراس وتسميه العامة اليوم‏:‏ مشهد زين العابدين كلها بحرًا لا يحول بين الحصن والجامع وما على سمتهما إلى الحمراء الدنيا التي منها اليوم‏:‏ خط قناطر السباع وبين جزيرة مصر التي تعرف اليوم‏:‏ بالروضة شيء سوى ماء النيل وجميع ما في هذه المواضع من الأبنية انكشف عنه النيل قليلًا قليلًا واختط على ما يتبين لك في هذا الكتاب‏.‏
قصر الشمع ذكر الحصن الذي يعرف بقصر الشمع اعلم‏:‏ أن هذا القصر أحدث بعد خراب مصر على يد بخت نصر وقد اختلف في الوقت الذي بني فيه ومن أنشأه من الملوك فذكر الواقدي‏:‏ أن الذي بناه اسمه‏:‏ الريان بن الوليد بن أرسلاوس كان هذا القصر يوقد عليه الشمع في رأس كل شهر وذلك أنه إذا حلت الشمس في برج من البروج أوقد في تلك الليلة الشمع في رأس كل شهر وذلك أنه إذا حلت الشمس في برج من البروج أوقد في تلك الليلة الشمع على رأس ذلك القصر فيعلم الناس بوقود الشمع أن الشمس انتقلت من البرج الذي كانت فيه إلى برج آخر غيره ولمي يزل القصر على حاله إلى أن خربت مصر زمن بخت نصر بن نيروز الكلداني فأقام خرابًا خمسمائة سنة ولم يبق منه إلا أثره فقط فلما غلب الروم على مصر وملكوها من أيدي اليونانيين ولي مصر من قبلهم رجل يقال له‏:‏ أرجاليس بن مقراطيس فبنى القصر على ما وجد من أساسه‏.‏
وقال ابن سعيد‏:‏ وصارت مصر والشام بعد بخت نصر في مملكة الفرس فوليهامنهم‏:‏ كشرجوش الفارسي باني قصر الشمع وبعده طخارست الطويل الولاية وتوالت بعده نواب الفرس إلى ظهور الإسكندر وقال غيره‏:‏ إن الذي بناه طخشاشت أحد ملوك الفرس عندما سار لمحاربة أهل مصر فلما غلب قسطو ملك مصر الذي يعرف بفرعون سابان وفر منه إلى مقدونية غلب على ملك مصر واستولى عليها وبنى للفرس قصرًا وجعل فيه بيت نار على شاطئ النيل الشرقي وعرف بقصر الشمع لأنه كان له باب يقال له‏:‏ باب الشمع وجعل في القصر بيت نار وهو باق‏.‏
وقال ابن عبد الحكيم عن الليث بن سعد‏:‏ وكانت الفرس قد أسست بناء الحصن الذي يقال له‏:‏ باب اليون وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم فلما انكشفت جموع فارس عن الروم وأخرجتهم الروم من الشام أتمت بناء ذلك الحصن وأقامت به فلم تزل مصر في ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين قال‏:‏ وكان أبو الأسود نصر بن عبد الجبار يقولها بالميم يعني باب اليوم ويقال‏:‏ إنما سمي كذا لأنهم كانوا يقولون‏:‏ من يقاتل اليوم‏.‏

*******************************************************

This site was last updated 08/30/10