Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

مجمع ارمينيّم

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up

 

الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
**********************************************************************************************
الكتاب الرابع: الفصل السادس عشر
(الامبراطور يقترح عقد مجمع فى نيقوميديا بسبب هرطقة اتيوس وبدع انطاكية ولكن بسبب زلزال حدث، انعقد المجمع أولا فى نيقية ثم فيما بعد فى ارمينيّم وسلوقية)

(4/16/1) هكذا كانت الاحداث التى شاعت فى سيرميوم. فلقد بدا فى هذه الفترة كما لو كان خوفا من عدم مسرة الامبراطور أن اتحدت الكنائس الغربية والشرقية فى الاعتراف بنفس العقيدة. وعزم الامبراطور على عقد مجمع فى نيقية لفحص البدع التى دخلت انطاكية وهرطقة اتيوس. ولما كان باسيليوس وحزبه كارهين لأن يُعقَد المجمع فى هذه المدينة لأن المسائل العقيدية سبق أن سُوِّيَت هناك، لذلك تقرر عقده فى نيقوميدية فى بيثينية. وصدرت المراسيم بذلك وتم استدعاء معظم الاساقفة الفطناء والبلغاء من كل أمة ليتوجهوا إلى هناك فى اليوم المحدد لكى ما يكون جميع كهنة الدولة مشتركين فى المجمع وحاضرين مناقشاته.
(4/16/2) وما أن شرع عدد كبير من هؤلاء الاساقفة فى السفر حتى حلت كارثة على نيقوميديا، وهز الله المدينة كلها من أساساتها. وانتشر خبر دمار المدينة كلها فى كل مكان وذاع. فأحجم الاساقفة عن السفر، لأنه كالعادة فى مثل هذه الحالات تنتشر الاشاعات فى المناطق البعيدة بأكثر مما حدث بالفعل. فقد أُذِيع أن نيقية وبرينثوس Perinthus والمدن المجاورة وحتى القنسطنطينية قد شملتها نفس الكارثة للغاية. لأن أعداء الدين انتهزوا فرصة وقوع الكنيسة الكبرى ليصُوِّروا للإمبراطور أن حشدا من الاساقفة والرجال والنساء والأطفال كانوا قد لجأوا إلى الكنيسة على أمل أن يجدوا فيها أمانا فهلكوا جميعا.
(4/16/3) وهذا الخبر لم يكن صحيحا. فقد وقع الزلزال فى الساعة الثانية من النهار([340]) وفى هذه الساعة لا يوجد اجتماع فى الكنيسة([341]). أما الاساقفة الذين ماتوا فكانوا فقط سكروبيوسCecropius اسقف نيقوميديا، واسقف من البوسفور. وكانا خارج الكنيسة عندما وقعت الحادثة المُهلِكة. فقد ارتجت المدينة فى لحظة حتى أن الناس لم يكن فى استطاعتهم، حتى لو أرادوا، البحث عن مكان آمن يهربون إليه عند بداية الشعور بالخطر. فهُم إما هلكوا وإما حُفِظوا فى ذات الموقع الذى كانوا قائمين فيه.
(4/16/4) وقد قيل أن هذه المصيبة، كان قد تنبأ بها ارساكيوس Arsacius. وهذا كان جنديا فارسيا كان يهتم بتمريض احقاء الامبراطور. ولكن فى خلال عهد ليسينيوس Licinius صار معترفا مشهورا وترك الجيش. وذهب إلى قلعة نيقوميديا، وتبنى حياة فيلسوف رهبانى داخل جدرانها. وهنا ظهرت له رؤيا من السماء وأُمِر أن يترك المدينة فى الحال لكى ينجو من المصيبة العتيدة أن تقع. فركض بأقصى نشاط إلى الكنيسة، ورجا الاكليروس أن يرفعوا توسلات إلى الله لكيما يصرف غضبه. ولكنه وجدهم أبعد ما يكون عن تصديقه، وأنهم ينظرون إليه بسخف، وأنهم غير متوقعين للمتاعب. فعاد إلى برجه وانطرح على الأرض فى صلاة. وفى هذه اللحظة وقع الزلزال وهلك الكثيرون، والذين نجوا هربوا إلى الريف والصحراء.
وكما يحدث فى مدينة كبيرة ومزدهرة كانت هناك حرائق فى المواقد وفى أدوات الاطفاء فى كل بيت، وفى غلايات الحمامات، وفى مراجل كل مَن يستخدِم النار فى حرفته. وعندما سقطت المشغولات فى الخراب تأجج اللهب بموادها، وبالطبع كان هناك خشب جاف وعليه زيت، فساعد هذا على تأجج النيران، وإلتهمت كل المواد المتاحة، ويمكن القول، جعلت المدينة كلها كتلة واحدة من النيران، وكان من المستحيل الوصول إلى المنازل. والذين نجوا من الزلزال اندفعوا إلى القلعة، ووجدوا ارساكيوس ميتا فى البرج الذى لم يهتز، وهو منطرح على الأرض بنفس الوضع الذى بدأ به الصلاة. وقيل أنه تضرع إلى الله أن يسمح بموته لأنه فضَّل الموت عن معاينة خراب المدينة التى عرِف فيها المسيح أولا، ومارس فيها الفلسفة الرهبانية.
(4/16/5) وإذ تكلمتُ عن هذا الرجل الصالح من الجيد أن أذكر أن الله قد منحه سلطة إخراج الشياطين وتطهير الممسوسين منهم. فقد حدث أن رجلا كان عليه شيطان كان يجرى ذات يوم فى السوق عاريا وهو ممسك بسيف فى يده. وهرب الناس منه واضطربت المدينة كلها فخرج ارساكيوس لمقابلته ودعا بإسم المسيح، فخرج الشيطان بهذا الاسم واسترد الرجل صحته. وبالإضافة إلى عاليه أجرى أرساكيوس أعمالا أخرى كثيرة تجاوز قدرة ومهارة الانسان. فقد كان هناك وحش أو نوع آخر من الزحافات يختفى فى نُقرة على جانب الطريق وكان يُهلِك المارة بأنفاسه فذهب ارساكيوس إلى المكان وهو منهمك فى الصلاة. فخرج الثعبان من ذاته من الحفرة وسحق رأسه بالأرض وقتل ذاته.
كل هذه التفاصيل حصلتُ عليها من أشخاص قد سمعوها من أولئك الذين رأوا ارساكيوس.
(4/16/6) ولما تَعوَّق الاساقفة عن السفر بسبب المصيبة التى حلت بنقيوميدية، انتظر البعض تعليمات أكثر من الامبراطور، وصرَّح آخرون بآرائهم فى الإيمان فى خطابات كتبوها بشأن هذه الأمر. وتحيَّر الامبراطور فيما يختاره، فكتب إلى باسيليوس يستشيره فيما إذا كان يجب أن ينعقد المجمع أم لا.
(4/16/7) فحاول باسيليوس، على ما يظهر فى رده، أن يمدح تقواه وأن يعزّيه فى خراب نيقوميدية بأمثلة من الأسفار المقدسة، وحثه على الاسراع بعقد المجمع من أجل الدين، وألاَّ يُهمِل غيرته هذه على الدين، وألاَّ يصرف الكهنة الذين اجتمعوا معا لهذا الغرض، والذين انطلقوا بالفعل وهم الآن فى طريقهم، إلى أن تتم بعض العمليات. واقترح أيضا أن يُعقَد المجمع فى نيقية بدلا من نيقوميدية لكى ما يتم تسوية النقاط المتنازع عليها بصفة نهائية فى نفس الموقع الذى دُعِيوا إليه أولا.
(4/16/8) واعتقد باسيليوس فى كتابته هذه أن الامبراطور سيُسَّر بهذا الاقتراح إذ أنه هو نفسه كان قد اقترح عقد المجمع فى نيقية. وعندما استلم الامبراطور هذه الرسالة من باسيليوس أمر بإجتماع الاساقفة فى بداية الصيف فى نيقية، فيما عدا مَن يعانون من سقم جسدى. وشملت هذه الرسائل الكهنة والشمامسة ليقدِّموا آرائهم ويتشاوروا معا فى النقاط المتنازع عليها، ويَصِلوا إلى قرار فى كل المسائل المثارة. وحدد أن تختار الكنائس الغربية عشرة مندوبين وكثيرين من الشرق ليسنوا الشرائع التى يجب اصدارها ويقرروا ما إذا كانت متفقة مع الأسفار المقدسة أم لا، وأيضا لكي ما يمارسوا الإشرف على أعمال المجمع.
(4/16/9) وبعد مشاورات أكثر أمر الامبراطور أن يبقى الاساقفة حيث هم أو فى كنائسهم إلى أن يتقرر أين سيُعقَد المجمع، وإلى أن يتلقوا اخطارا ليتوجهوا إلى أين. ثم كتب إلى باسيليوس ليحرر رسائل إلى الاساقفة الشرقيين ليستفسر منهم أين ينصحون بعقد المجمع، لكى ما يُعلِن عنه فى بداية الربيع، لأن الامبراطور كان يرى عدم عقد المجمع فى نيقية بسبب الزلزال الذى حدث فى المنطقة.
فكتب باسيليوس إلى الاساقفة فى كل منطقة حاثا إياهم على المداولة معا، وأن يقرروا بسرعة المكان الذى يرونه لعقد المجمع. وأرفق برسالته نسخة من خطاب الامبراطور.
(4/16/10) وكما هى العادة فى الحالات المماثلة، اختلف الاساقفة فى الرأى، وتوجه باسيليوس إلى الامبراطور الذى كان آنذاك فى سيرميوم، ووجد اساقفة عديدين فى هذه المدينة كانوا قد توجهوا إليها فى شؤون خاصة بهم، وكان من بينهم مارك اسقف أرثوسا Arethusa، وجورج الذى كان قد عُيِّن لرئاسة كنيسة الأسكندرية([342]).
وعندما تقرر أخيرا أن يُعقَد المجمع فى سلوقية Seleucia، مدينة فى ايسوريا Isauria، مِن قِبل فالنس وأنصاره، لأن فالنس كان متغربا آنذاك فى سيرميوم، وكانوا مشايعين لهرطقة آنوم Anom، حثوا الاساقفة الذين كانوا فى البلاط العسكرى على الاشتراك فى صيغة إيمان كانوا قد أعدّوها وليس فيها أى ذكر لمصطلح "جوهر" substance.
(4/16/11) ولكن بينما كانت الترتيبات تتم بحماس لإنعقاد المجمع، فكَّر اودكسيوس وأكاكيوس واورساكيوسUrsacius وفالنس مع أنصارهم، أنه بينما يلتصق اساقفة كثيرون بالإيمان النيقاوى، وآخرون يفضلون الصيغة التى وضعوها عند تدشين كنيسة انطاكية، إلاَّ أن الطرفيَن قد أبقيا على استخدام مصطلح جوهر substance، وحافظا على أن الإبن مثل الآب من جميع النواحى. وكانوا مُدركين أنه إن اجتمع الطرفان فى مكان واحد فإنهم سيدينون تعاليم اتيوس Aëtius بإعتبارها مضادة لمراسيم الايمان الموقرة. لذا اشاعوا أن اساقفة الغرب مجتمعين فى ارمينيمAriminum وأن اساقفة الشرق فى سلوقية، مدينة فى ايسوريا.
(4/16/12) ولما كان من السهل اقناع عدد قليل عن عدد كبير من الافراد، فقد رأوا أنه من الممكن أن يقنعوا الطرفين متى تداولوا معهما على انفراد، أو على أية حال كسب أحد الطرفين لرأيهم، وبالتالى لا تلقى هرطقتهم إدانة جماعية. وقد انجزوا ذلك بواسطة يوسيبيوس الخصى الذى كان مشرفا على المقر الامبراطورى، وكان على صداقة مع اودكسيوس، وكان مشايعا لنفس التعاليم، وكان كثيرون ممن كانوا فى سلطة ينشدون وساطة يوسيبيوس هذا.

الكتاب الرابع: الفصل السابع عشر
(اجراءات مجمع ارمينيّم)

(4/17/1) وأُقنِع الامبراطور بأنه من غير المرغوب فيه للعامة عقد المجمع فى نفس المكان للجميع بسبب النفقات وغياب المزايا للاساقفة، وطول مسافة السفر. لذلك كَتَب للأساقفة الذين فى ارمينيّم([343])، وكذلك بالمثل للذين فى سلوقية، ووجههم إلى البدء فى فحص النقاط المتنازع عليها بشأن الايمان، ثم يلتفتوا إلى شكاوى كيرلس اسقف اورشليم والاساقفة الآخرين الذين احتجوا على عدم عدالة مراسيم الخلع والنفى الصادرة ضدهم، وأن يفحصوا الاحكام العديدة الصادرة ضد الاساقفة الآخرين. وكان هناك فى الواقع اتهامات عديدة معلقة ضد اساقفة مختلفين. فقد أُتُهِم جورج من المصريين بالظلم والنهب. وأخيرا أمر الامبراطور بإرسال عشرة مندوبين من كل مجمع لإطلاعه على الاجراءات التى اتخذوها.
(4/17/2) وبناء على هذا المرسوم اجتمع الاساقفة فى المدن المعينة وبدأ مجمع ارمينيّم اجراءاته أولا، وكان يضم اربعمائة عضوا. فهؤلاء الذين كانوا يكِنون أقصى عداوة لأثناسيوس رأوا أنه ليس هناك شىء أكثر يُتخَذ ضده. وعندما بدأوا فى مناقشة المسائل العقيدية، وقف فالنس واورساكيوس وجرمانيوس واوكسنتيوس Auxentius وكايوس Caius ودموفيلوس Demophilus فى وسط المجمع، وطلبوا أن تُلغَى سائر الصيغ الخاصة بالإيمان التى صيغت سابقا، وأن تُقبَل فقط تلك التى وُضِعَت قبل وقت قصير باللغة اللاتينية فى مجمع سيريميم.
(4/17/3) وفى هذه الصيغة عُلِّم أن الإبن بحسب الكتاب المقدس مثل الآب، ولكنها لم تذكر أى شىء عن طبيعة substance الله. وصرَّحوا أن هذه الصيغة قد صدَّق عليها الامبراطور([344])، ومن ثم من المحتم على المجمع تبنيها([345]) بدلا من استشارة الآراء الفردية لأعضاء المجمع التى تثير بالتالى المنازعات والانقسامات([346])، وأنه يجب إقرار مصطلحات تتجنب النزاع ويكون لها برهان دقيق. وأضافوا أنه من الأفضل أن نزوّد أولئك الذين يجهلون فنون الخطابة بالمفهوم الصحيح عن الله بدلا من إدخال بدع فى المصطلحات تثير النزاع.
(4/17/4) وبهذه الأمثلة، قصدوا استبعاد مصطلح "مساوى فى الجوهر" consubstantial لأنه، كما قالوا، لم يرِد فى الكتاب المقدس وأنه غامض لدى الجمهور. وأرادوا بدلا من هذا المصطلح أن يحلوا محله تعبير الإبن "مثل" الآب فى كل شىء، وهو مستمد من الكتاب المقدس.
(4/17/5) وبعدما قرأوا صيغتهم المشتملة على الأمثلة عاليه، قال لهم اساقفة كثيرون أنه لا ينبغى وضع أية صيغة ايمان جديدة فما تم سنَّه سابقا كافيا لجميع الأغراض، وأنهم قد اجتمعوا معا للتعبير عن منع كل الابتداعات. وحث هؤلاء الاساقفة أولئك الذين قدَّموا هذه الصيغة وقرأوها أن يصرحوا جهرا بإدانتهم للتعليم الأريوسى كعِلة لكل المتاعب التى طوحت بالكنائس فى كل إقليم. فإحتج اورساكيوس وفالنس وجرمانيوس واوكسنتيوس وديموفيلس وكايوس ضد هذا المطلب.
(4/17/6) فأمر المجمع بقراءة آراء الهرطقات الأخرى، لكى ما تدان كل الصيغ التى تشايع الهرطقات المضادة لنيقية، ويتم التصديق على ما يتفق مع العقائد النيقاوية، حتى لا يكون هناك أى مجال للنزاع ولا تكون هناك ضرورة فى المستقبل لعقد أى مجمع، وأن يتم اتخاذ قرار قاطع. وأشاروا إلى أنه من السخف تأليف صيغ كثيرة كما لو كانوا مبتدئين فى الإلمام بالإيمان ويرغبون فى معرفة التقليد القديم للكنيسة الذى به تدير الكنائس ذاتها، والتى شهد اسلافها بالاعتراف الجيد ونالوا اكليل الشهادة.
(4/17/7) تلك كانت الحجج التى قدَّمها الاساقفة ليبرهنوا على وجوب عدم تقديم أية ابتداعات. ولما رفض فالنس واورساكيوس واحزابهما الاقتناع بهذه الحجج، وأصرَّوا على تبنى صيغتهم، خُلِعوا، وتقرر رفض صيغتهم.
(4/17/8) وقد لوحظ أن هذه الصيغة تصرِّح فى بدايتها أنها قد وُضِعت فى سيرميوم وفى حضور قنستانتيوس الأوغسطس الخالد، ولكن فى زمن قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس Hypatius اُستُخِف بها.
(4/17/9) وقد لاحظ اثناسيوس نفس الملاحظة فى رسالة وجهها إلى أحد اصدقائه وقال: "لقد كان سخيفا أن يُنعَت قنستانتيوس بالامبراطور الخالد، وأن يُنزَع من الابن الاعتراف بأنه ابن الله الخالد". وكذلك استسخف التاريخ المقترن بالصيغة، كما لو كانت الادانة تسرى على الايمان قبل الدهور. وأيضا على الذين قد آمنوا قبل هذه الفترة.
وبعد أن شاعت هذه الاحداث فى ارمينيّم تضايق فالنس واورساكيوس معا مع أنصارهم لخلعهم فتوجهوا بأقصى سرعة إلى الامبراطور.

الكتاب الرابع: الفصل الثامن عشر
(رسالة مجمع ارمينيّم إلى الامبراطور قنستانتيوس)

واختار المجمع وفدا من عشرين اسقفا، وأرسلهم إلى الامبراطور بالخطاب الآتى، الذى ترجمته من اللاتينية إلى اليونانية، كما يلى:
"إننا نؤمن أنه بأمر الله وبترتيب تقواكم قد أتينا من كل مدن الغرب لنجتمع فى ارمينيّم بغرض اعلان ايمان الكنيسة الجامعة والكشف عن أولئك الذين ابتدعوا هرطقات مضادة له. وبعد تمحيص مسهب خلصنا إلى أنه من الأفضل الاحتفاظ [بصيغة] الايمان المسلَّم لنا من القِدم والتى كرز بها الأنبياء والانجيليون ورسل ربنا يسوع المسيح الذى هو حارس امبراطوريتك، وحامى قوتك، وذلك بالتمسك بها وحراستها الى المنتهى، وأنه من السخف بالإضافة إلى أنه غير شرعى إدخال أى تغيير فى العقائد السليمة والتى نطق بها بالصواب الاساقفة فى نيقية فى زمن والدك الامبراطور قنسطنطين الشهير، الذى انتشر تعليمه وفكره بين مسامع وتفكير الجميع بوصفه المقاوِم والقاضى على هرطقة آريوس. فبواسطته لم يتم القضاء على هذا الانحراف عن الايمان فقط، بل وعلى كل الانواع الأخرى.
هناك خطر كبير فى إضافة أو استبعاد أى شىء من هذه العقائد ولو كان زهيدا فى أىٍ منها بدون إعطاء الفرصة للمقاوِمين لأن يفعلوا ما يشاءون. وبعد التأكد من الشك فى مشايعة أورساكيوس وفالنس للتعليم الاريوسى، قُطِعا من الشركة معنا على رجاء أن يعودا إن هما اعترفا بزللهما وحصلا على المغفرة، كما تشهد بذلك كتاباتهما التى نالا بها العفو عن التهم. وكانت مناسبة صدور مرسوم العفو هو مجمع ميلان عندما كان كهنة الكنيسة الرومانية أيضا حاضرون.
ولمَّا كنا نعرف أن صيغة ايمان نيقية قد سُنَّت بأقصى دقة وعناية فى حضور قنسطنطين طيب الذكر، والتى حافظ عليها طوال حياته، وفى عماده، وعندما رحل الى التمتع بسلام السماء، رأينا أنه من السخف محاولة أى تبديل فيها، وأن نُغفل هذا الكم الغفير من المعترفين القديسين، والشهداء، والكتَّاب والمؤلفين لهذه العقيدة، الذين وهبوا أقصى فكر لها، وداوموا على مرسوم الكنيسة الجامعة القديم. وقد نقل الله معرفة ايمانهم الى الزمن الذى تعيش فيه، بالمسيح يسوع ربنا، الذى به تحكم وتملك العالم. وأيضا هؤلاء الرجال البؤساء الجديرين باللوم حسب اسلوب تفكيرنا قد أظهروا ذواتهم كأبطال فى الكفر بإندفاع غير شرعى، وحاولوا أن يقلبوا نظام الحق بأكمله. لأنه بحسب أوامركم انعقد المجمع وعرض هؤلاء الرجال خداعهم وحاولوا بمكر إدخال الابتداع والقلق، ووجدوا بعض الرفقاء الذين أسرعوا بمعاملات شائنة مثل جرمانيوس واوكسنتيوس وكايوس الذين سببوا نزاعا وشقاقا. إن تعليم هؤلاء الرجال، على الرغم من أنه متماثل، إلا أنه يجاوز كل رتب التجاديف. وعندما ادركوا بعد كل شىء أنهم ليسوا من نفس الهرطقة وأنهم ليسوا متماثلين فى عناصر آرائهم الشريرة عادوا الى شعارنا لكى ما يظهر كأنه مستند آخر. لقد كان الوقت فى الحقيقة مقصر لكنه كان كافيا لدحض آرائهم. ولكى لا تهتز شؤون الكنيسة ويتم تحجيم الانزعاج والشغب الناجم عنهم هنا وهناك، بدا [لنا] أنه من الآمان المحافظة على تعاريف الايمان القديمة والراسخة ورفض الدجالين السابق ذكرهم من الشركة معنا.
ولهذا السبب ارسلنا وفدنا إلى معاليكم وزودناهم بالخطابات التى تعلن احكام المجمع. وقد أمرنا هؤلاء المندوبين بالحفاظ على الحقائق التى تم تعريفها بصواب من قِبل المؤسسين وأن يُعلِموا معاليكم بزيف ادعاء فالنس واورساكيوس بأن بضعة تغييرات قليلة فى الحقائق القويمة ستؤدى إلى سلامة الكنيسة. لأنه كيف سيحدث السلام من أولئك الذين يهدمون السلام ؟. إنهم يريدون بالأحرى إدخال النزاع والاضطراب فى المدن الأخرى وفى كنيسة روما. لذلك نرجو من معاليكم أن تهتموا بمندوبينا، وأن تشملوهم برعايتكم ولا تسمحوا للموتى([347]) بأى حط لهم بواسطة تغيير مبتدع.
ونرجوك أن تسمح لنا بالإبقاء على التعاريف والمراسيم التى استلمناها من أسلافنا، والتى نتمسك بها بعقول حاضرة وبفطنة وبالروح القدس. لأن هذه الابتداعات لا تقود فقط المؤمنين إلى الكفر بل أيضا تضلل غير المؤمنين القليلى الخبرة. كذلك نرجو أن تأمر بتزويد الاساقفة الغائبين عن كنائسهم الآن، والذين يئن بعضهم بأسقام الشيخوخة وبعضهم الآخر بالفقر بوسائل العودة إلى أوطانهم حتى لا تُحرَم الكنائس من خدمتهم مدة أول.
ومرة أخرى، نلتمس منك ألا يُستبعَد أى شىء من القرارات السابقة أو يضاف عليها، وليبق كل شىء بلا تغيير كما حُفِظ من والدكم التقى إلى اليوم، حتى لا نتعب فى المستقبل ونصير غرباء فى ايبارشياتنا.
ولكن ليمكث الاساقفة والشعب فى سلام، ليكونوا قادرين على تكريس أنفسهم للصلاة والتضرع من أجل خلاصك الشخصى، ومن أجل الامبراطورية والسلام الذى ينعم به الله عليك بغزارة بلا انقطاع. وسيريك مندوبينا اسماء وتوقيعات الاساقفة، وسيقدِّم بعضهم لمعاليكم تعليما من الأسفار المقدسة".

الكتاب الرابع: الفصل التاسع عشر
(بشأن مندوبى المجمع، وخطاب الإمبراطور. موافقة فالنس واورساكيوس بعد ذلك على الخطاب. نفى رئيس الاساقفة. مجمع نيقية وسبب عقده فى ارمينيّم)

(4/19/1) لقد نسخنا خطاب مجمع ارمينيّم. ولقد توقع فالنس واورساكيوس وانصارهما وصول مبعوثى المجمع إلى الإمبراطور. فأروا الإمبراطور المستند الذى قد قرآه وافتريا على المجمع.
(4/19/2) وكان الإمبراطور غير مسرور برفض هذه الصيغة بإعتبارها قد حُررَّت فى سيرميوم فى حضوره، ولذلك عامل فالنس واورساكيوس بإكرام بينما أظهر من ناحية أخرى ازدراءً كبيرا نحو المبعوثين بل وأجَّل مقابلتهم.
(4/19/3) ومع ذلك، كتب أخيرا خطابا إلى المجمع وأخبرهم أن الحملة التى يُعّدها ضد البرابرة قد حالت دون الالتقاء بمبعوثيهم([348])، ولذلك أمرهم بالبقاء فى ادريانوبل إلى حين عودته، حتى متى انتهت الشؤون العامة يكون ذهنه متحررا لسماع واختبار أمثلة المندوبين. وقال أنه من الصواب لمناقشة الموضوعات الإلهية ألاَّ يكون الذهن منشغلا بأمور أخرى. وهكذا كانت فحوى خطابه.
(4/19/4) فرد الاساقفة بأنهم لن يقدروا أن يحيدوا عن القرار الذى اتخذوه حسبما اعلنوا ذلك كتابة سابقا، وأنهم قد أمروا مبعوثيهم بأن يوضحوا ذلك، ورجوه أن يشملهم بإهتمامه وأن يلتقى بهم ويقرأ خطابهم. وقالوا له أنه سيكون محزنا له أن تُحرَم كنائس عديدة من اساقفتها، وأنه إذا كان مقبولا لديه يلزم أن يرجعوا إلى كنائسهم قبل الشتاء.
(4/19/5) وبعد كتابة هذا الخطاب المملوء بالتضرعات والتوسلات، انتظر الاساقفة الرد لبعض الوقت. وإذ لم يحظوا بإجابة عادوا بعد ذلك إلى مدنهم.
(4/19/6) إن ما سجلته عاليه يبرهن على أن الاساقفة الذين اجتمعوا فى ارمينيّم قد صدَّقوا على المراسيم التى صدرت قديما فى نيقية.
ولنر الآن كيف وافقوا فى آخر مرة على الصيغة المؤلَّفة من فالنس واورساكيوس وانصارهم.
(4/19/7) لقد وردت لى روايات عديدة عن هذه الاعمال. فالبعض قال أن الإمبراطور قد استاء جدا من رحيل الاساقفة من ارمينيّم بدون إذنه، فسمح لفالنس وحزبه أن يرأسوا كنائس الغرب حسب إرادتهم وأن يفرضوا صيغتهم، وأن يطردوا مَن يرفض التوقيع عليها من الكنائس، وأن يرسموا آخرين بدلا منهم. وقالوا أن فالنس انتهز هذه السلطة وفرض على بعض الاساقفة التوقيع على الصيغة، وأنه طرد كثيرين رفضوا التوقيع من كنائسهم وأولهم ليبريوس اسقف روما.
(4/19/8) وأكثر من ذلك، بعدما تصرف فالنس على هذا النحو فى ايطاليا سلك نفس المسلك فى الكنائس الشرقية. فكان المُضطِّهدون التابعون له يطوفون فى ارجاء تيراقيا، وتوقفوا كما قيل فى نيقية، مدينة بتلك المقاطعة، وعقدوا هناك مجمعا وقرأوا صيغة ارمينيّم التى ترجموها إلى اللغة اليونانية. وصَورُوها على أنها قد تم التصديق عليها من قِبل مجمع عام. وحصلوا على تبنيهم [لها] فى نيقية، وأظهروها بمكر على أنها صيغة ايمان نيقية لكى يخدعون بواسطة تماثل الاسم البسطاء، ويتسببون فى إلحاق الخطأ بالصيغة القديمة لمجمع نيقية.
هذه هى الرواية التى قُدِّمت من بعض الأطراف.
(4/19/9) ويقول آخرون: أن الأساقفة الذين اجتمعوا فى ارمينيّم كانوا قد تعبوا من طول مكوثهم فى هذه المدينة حيث لم يُكرِّمهم الإمبراطور بأى ردِ على خطابهم، ولا هو أَذِن لهم بالعودة إلى كراسيهم، وفى هذه الظروف صَوَّر لهم الذين يشايعون الرأى الهرطوقى أنه ليس من الصواب أن يكون هناك انقسام بين كهنة العالم كله من أجل كلمة واحدة [!!]، وأن المطلب الوحيد هو التسليم بأن الإبن هو "مثل" الآب لكى ما ينتهى كل نزاع لأن أساقفة الشرق لن يرتاحوا إلاَّ متى رُفضت كلمة "جوهر"substance . وبهذه التصُورات، قيل أن، أعضاء المجمع اقتنعوا أخيرا بالموافقة على صيغة اورساكيوس بعد أن ضُغِط عليهم بإحتيال.
(4/19/10) وإذ أدرك اورساكيوس وانصاره أن المبعوثين المُرسلين من المجمع إلى الإمبراطور قد يعلنون للإمبراطور ما استقر عليه الاساقفة الغربيون أولا، ويُظهرون السبب الحقيقى لرفض مصطلح "مساوى فى الجوهر"، أبقوا على هؤلاء المبعوثين فى نيقية بتراقيا خلال الشتاء، تحت زعم أنه لا يمكن الحصول على نقل عام، وأن الطرق فى حالة رديئة جدا للسفر، وحثوهم عندئذ، كما قيل، على ترجمة الصيغة التى قبلوها من اللاتينية إلى اليونانية، وأن يرسلوها إلى اساقفة الشرق. وبهذه الوسيلة، توقعوا أن تُعطِى الصيغة المنتجة انطباعا بما يُريدون بدون حدوث شك، لأنه ليس هناك مَن سيشهد بأن أعضاء مجمع ارمينيّم لم يرفضوا طواعية مصطلح (جوهر) خلافا للاساقفة الشرقيين الذين كانوا يرفضون هذا المصطلح.
(4/19/11) ولكن هذه رواية باطلة لأن سائر اعضاء المجمع فيما عدا قلة قد حافظوا بشدة على أن الإبن مثل الآب فى الجوهر، وأن الخلاف الوحيد الذى وُجِد لديهم هو أن البعض يقول أن الإبن هو من "نفس" الجوهرsubstance مع الآب، بينما أكدَّ آخرون أنه هو "مثل" الآب فى الجوهر. والبعض يقرر ذلك بشكل ما، وآخرون بشكل آخر

 

 

This site was last updated 11/20/17