Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

 القديس الشهيد يوحنا المعمدان

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up

 

استشهاد القديس يوحنا المعمدان فى قلعة مكاور
Mukawir - Machaerus
في كل عام تحتفل كنيستنا القبطية بعيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان في (2 توت) بيد الملك هيرودس أنتيباس الذى عاش حياة جنون الشهوة فكان يعيش مع هيروديا زوجة أخيه فيلبس وكانت لها إبنة منه إسمها سالومى ، طلب هيرودس من سالومي أن ترقص أمامه أمامه  بعد أن وعدها بأى شئ تطلبه حتى ولو كان نصف مملكته . وعندما إنتهت من رقصتها الشهيرة ذهبت إلىى أمها هيروديا التى طلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق لأن يوحنا قال لهيرودس لا يحل لك أن تأخذ هيروديا زوجة أخيك وأمر هيرودس بقطع رأس يوحنا المعمدان إما فى أحد أبراج قلعة مكاور (أقيمت فوق قمة جبل بالأردن الآن) التى بناها أبيه هيرودس الكبير أو في أحد السجون أسفلها . هذا وقد بدأ المسيحيون يقيمون ذكرى المعمدان في هذه القلعة فى العصر المسيحى وبنوا كنيسة هناك وبدأ العيد ينتشر فى القرن 5 و6 وعرف بإسم عيد قطع رأس يوحنا المعمدان ثم إنتشر العيد شرقا وغرباً منذ القرن السادس والسابع عشر .. لم يذكر الإنجيل مكان استشهاد يوحنا المعمدان إلا أن المؤرخ  اليهودى يوسيفوس يذكر أن قلعة المكاور هو الموضع الذي فيه قطع رأس يوحنا المعمدان حول عام 30 ميلادي أي في السنة التي بدأ المسيح بشارته في الأراضى المقدسة والأردن ، والتي لم يبق منها إلا ّ بعض ٌ من آثارها مثل بقايا القصر ، والبيوت ، والكنائس ، والأبراج ، والأقواس ، والأقنية ، والأعمدة ، والساحات ، والحجارة الضخمة ، والفسيفساء، والحمامات  . كلمة مكاور  " Machaerus " (ميخاروس ) مشتقة من كلمة يونانية μάχαιρα ومعناها سيف ولذا يطلق العرب على القلعة التى تتربع على قمة الجبل اسم "قلعة المشنقة" وأول من فكر فى بناء هذه القلعة هو الملك الحشموني إسكندر ينيوس القلعة في عام 90 ق.م.(يوسيفوس، الحرب اليهودية، 7،6،2) كما تشيرالكتابات التي وجدت على قطعة من فسيفساء إلى أن بناءالقلعة يعود إلى عام 90 قبل الميلا على يد القائد الحشموني المكابي " الإسكندر جانيوس " لتكون مركزا ً للمقاومة وصد غزوات الأنباط ، وأصبحت فيما بعد مركزا للمقاومة اليهودية عام 66 ق. م. فاستولى عليها الرومان بقيادة غابيوس قائد الإمبراطور بومبيوس ودمروها سنة 64 ق. م. (الحرب اليهودية، 1،8،5).ثم جاء هيرودس الكبير  ( 25 ــ 13 ق. م ) وأعاد بناءها وأحاطها بسور وأبراج عالية وجعلها نقطة مراقبة لتحركات الأنباط في البتراء، والحفاظ على المياه المعدنية وحماية أراضيه في شرق الأردن.بنى هيرودس الكبير هذه القلعة لتكون أقوى التحصينات، خاصة لقربها من صحراء الجزيرة وما زالت آثار القلعة وقصر هيرودس . لذا بنى القلعة على قمة الجبل وأحاطها بسور يبلغ طوله 100 متر وعرضه 60 متراً وحصنه بأبراج الزاوية الثلاثة، يبلغ علو كل برج نحو 27م. وفي وسط القلعة بنى قصراً وحفر في القلعة آبار كثيرة لجمع مياه الأمطار. (يوسيفوس الحروب اليهودية 7.6.1)واتخذ منها قلعة ً للمراقبة ومكانا ً للراحة والإستجمام ، فهي قريبة ٌ من المياه الحارة في منطقة " الـزّاره " وقريبة من المياه العذبة .

. وبعد ذلك آلت القلعة إلى إبنه " هيرودوس أنتينياس " الذي تسلم مقاليد الحكم ، ثم دخلتها الجيوش الرومانية بقيادة "لوسيوس باسوس " في عام 71 ــ 72 ميلادية ، فحارب من لجأ إليها من اليهود الهاربين من فلسطين ، وقتل وسبا منهم الكثير .  

بعد موت هيرودس الكبير تولّى الحكم ابنه هيرودس انتيباس أمير الربع الذى حكم من 4 ق.م. 39 م. وفيالفترة بين 34-36م سجن فيها يوحنا المعمدان ثم قتله. (يوسيفوس، التاريخ اليهودية القديم 18،5،2). ويوضح التقليد المسيحي أن هيرودس أعدم يوحنا المعمدان بقطع رأسه (متى 14/ 3-12، مرقس 6/ 17-29، لوقا 3/19-20) وبعد نفي هيرودس انتيباس سنة 39م تولى هيرودس أغريباس الأول حكم القلعة حتى وفاته سنة 44م. ومن ثمة انتقلت تحت سيطرة الرومان مباشرة وعلى اثر ثورة اليهود الأولى عام 66م لجأ اليهود إلى قلعة مكاور واحتلوها. فجاءت الجيوش الرومانية بقيادة لوسيليوس باسُّوس وحاصر القلعة سنة 72م ودمروها ولم يبق منها إلا الأساسات، وقتل الرومان ألفا وسبعمائة رجل منهم وسبوا النساء والأطفال (يوسيفوس، "الحروب اليهودية" وفى سنة 595 ومنذ القرن السادس وبحسب الآثار المكتشفة استوطن رهبان مسيحيون قرية مكاور وبنوا كنائسهم البيزنطية الموجودة آثارها إلى اليوم فأصبحت مكاور محجاً للمسيحيين حتى القرن التاسع الميلادي من الحكم الإسلامى حين هدم المسلمون معظم كنائس ألأراضى المقدسة وخيم الصمت علي المكان مدة تزيد عن عشرة قرون إلى حين اكتشافها عام 1964 على يد بعثة الآباء الفرنسيسكان من القدس وقد أدرج الكرسي الرسولي موقع مكاور على جدول محطات الحج اليوبيلي في سنة ألفين.
تطل قلعة مكاور على البحر الميت من الجهة الشرقية وتقع على بعد 27 كيلومتراً في الجنوب الغربي من مادبا. ترتفع القلعة حوالي 1،100 متر فوق مستوى سطح البحر الميت وتحيطها التلال والوديان العميقة من كل جانب الوديان مما يزيد من تحصينها. فهناك وادي يمتد من الغرب نحو 12 كم باتجاه البحر الميت؛ ووادي نحو الشرق يرتفع نحو 46م  وقد شهد يسوع له بقوله " لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ انبيا؟ نعم اقول لكم وافضل من نبي. 10 فان هذا هو الذي كتب عنه: ها انا ارسل امام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. ِالحق اقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء اعظم من يوحنا المعمدان  " (متى 11: 9-11). ويقول صاحب المزامير: "رتبت سراجا لمسيحي" (مز 131: 17). والربّ يُشيرُ إلى من هو هذا السراج، فقال أن يوحنّا المعمدان: "كان هو السراج الموقد المنير" (يوحنا 5/ 35). كان يوحنّا خاتمةَ أنبياء العهد القديم، "لان جميع الانبياء والناموس الى يوحنا تنباوا." (متّى11: 13) ولكنه تميز عنهم جميعا يأنه الذى افتَتَحَ العهد المسيحانيّ -  وفي عام 2000 م ، وبعد زيارة البابا للأردن ، قرر الفاتيكان إختيار " مكاور " مكانا ً معتمدا ً للحج المسيحي .

************************** 

 ألقاب  يوحنا المعمدان

 منها : ـــ نبي : خاتمة أنبياء العهد القديم ـــ المنادي بالتوبة  ـــ السابق  (مرقس 6:1) (يو3: 28-30) ـــ الصابغ ( المعمـّد ) (متى:22:20) ـــ الغيور  ـــ الشاهد  ـــ المشهود -  الشهيد - ملاك الصحراء: هذه التسمية أو اللقب هو نتيجة نبؤة أتت في سفر ملاخي في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبًا كلمة ملاخي هي كلمة عبرية تعني "ملاكي" أو "رسولي". وهي تعني هنا ملاك الرّب المرسل من قبله والذي يُعلن خلاصه -  نسيب عمانوئيل (بي سينجينيس إن إيمانوئيل Picuggenhc `nEmmanouhl): وترجع صلة النسب هذه إلى أن القديسة حَنَّة والدة مريم العذراء تُعدّ ابنة خالة القديسة إليصابات أم يوحنا المعمدان. -  صديق العريس (يوحنا 3: 29) -   نبي العهدين: «أفضَلَ مِنْ نَبيٍّ» (متى 11: 9) يوحنا ظهر كنبي بعد غياب الأنبياء خمسة قرون كاملة، ليقول عنه القديس لوقا: «كانتْ كلِمَةُ اللهِ علَى يوحَنا بنِ زَكَريّا في البَرّيَّةِ» (لوقا 3: 2).-  إيليا الجديد: حيث انتهج المنهج ذاته من جهة الشجاعة في مواجهة الشر، وحياة البرّية، وحياة البتولية،  يتقدّم أمام المسيح بروح إيليا (لوقا 1: 17)، بل أن الرب نفسه صرّح قائلاً لليهود: «وإنْ أرَدتُمْ أنْ تقبَلوا، فهذا هو إيليّا المُزمِعُ أنْ يأتيَ» (متى 11: 14). -  الكاهن ابن الكاهن: فأبوه هو زكريا وكان كاهنًا وجاءته البشارة بينما يكهن في قرعته ويقدم البخور في الهيكل، وكذلك أمه أليصابات من بنات هرون الكاهن (لوقا 1: 5). وعندما يبخّر الكاهن باتجاه أيقونته يقول: "السلام ليوحنا بن زكريا، السلام للكاهن ابن الكاهن".-  النذير: إنه نذير من البطن،  «لأنَّهُ يكونُ عظيمًا أمامَ الرَّبِّ، وخمرًا ومُسكِرًا لا يَشرَبُ، ومِنْ بَطنِ أُمِّهِ يَمتَلِئُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ» (لوقا 1: 15). وكان النذر مستويات: إمّا جزء من الحياة يمارس بعدها النذير حياته بشكل طبيعي، أو نذر كامل كل حياته. ومن بين شروط النذير الكامل عدم الزواج وترك الشعر والامتناع عن الخمر والتكريس لله كل حياته، وفي العهد القديم كان يحل عليه الروح القدس من أجل مهمة ما.

***********
المعالم الأثرية:
في عام 1807 زار الموقع المستكشف أولريش جاسبر سيتسن. وقد بدأ السيد جيري جري أعمال التنقيب الأثري في عام 1968 من قبل مكاريوس جيري فردامن، وتابعت الحفريات المدرسة اللاهوتية المعمدانية الجنوبية، في وقت لاحق مدير المعهد كوب Cobb للآثار في جامعة ولاية ميسيسيبي.
وفي عام 1973، تمكّن الباحث الألماني، أغسطس ستروبل بتحديد السور المحيط بالقلعة الذي حاصره الرومان (ZDPV 90: 128-184.).
في السنوات بين 1978-1981، تابع الآباء الفرنسيسكان من معهد الكتاب المقدس الفرنسيسكاني في القدس خاصة كوربو فيرجيليو، (LA 28: 217-238) ستانيسلا لوفريدا (LA 31: 257-286) وميشيل وبيشيريللو(LA 30: 403-414).

واهم المعالم الأثرية التي عثر عليها هي:
- أنقاض القصر الهيرودسي، بما في ذلك الغرف، ساحة كبيرة، وحمام تفصيلا، مع أجزاء من فسيفساء أرضية لا تزال قائمة.
- بقايا السور والأبراج في أسفل المنحدر الشرقي من التل، وهو ما يمثل ربما "المدينة السفلى".
- القناة التي تجلب المياه إلى آبار القلعة.
وقطع فخار تعود إلى عصر أواخر الهلنستية والعصر الروماني، مما يؤكد الفترتين الرئيسية من الاحتلال، وهما الحشمونية (90 - 57 قبل الميلاد) والهيرودسية (30 ق.م. - 72م).
**************

استشهاد يوحنا
ختم يوحنا المعمدان شهادته للرب بخاتم الاستشهاد. إذ نهج في إعداد الطريق للمسيح، نهج الحق. وكان اسمه صار مشهوراً (مرقس 6: 14) حتى أن هيرودس انتيباس، رئيس الربع، القيِّم على الجليل وألبيريا، وهو ابن هيرودس الكبير. (حكم 4 ق.م و39 ب.م.) كان يهاب يوحنا عالماً أنه رجل بار وقديس وكان يحميه ويسرّه الإصغاء إليه (مرقس 6: 20).
ولكن كان يوحنا يوبّخ هيرودس لجميع الشرور التي كان يفعلها (لوقا 3: 19). حتى أنه أنَّبه على تزوّجه من امرأة أخيه "وكانَ يقولُ لَه: "إِنَّها لا تَحِلُّ لَكَ". (متى 14: 4)، كما تنص الشريعة التي كانت تحرم مثل هذه الزواج (لاويين 18: 16، 20: 21). امسك هيرودس يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه، إذ كان قد تزوج بها (مرقس 6: 17) بعد تطليقه لامرأته بنت الحارث الملك، ملك الأنباط.
فبعد فترة وجيزة من سجنه أمر بقطع رأس يوحنا في سجن (متى 14: 10) وفاء لقسمه لسالومة، ابنة هيروديا، بسبب رقصتها أمامه: "لأعطينك كل ما تطلبين ولو نصف مملكتي". فيما أضحت ابنة هيروديا متورّطة من خلال الرقص في جريمة من أبشع الجرائم التي تحدّث عنها التاريخ، أطلق هيرودوس، بتأثير الخمرة والخلاعة والمجد الباطل، قَسَماً جعله، خلافاً لقناعته، قاتلاً لأعظم مواليد النساء. مات يوحنا شهيد دعوته بعد ما يقرب السنتين على بداية تعليمه العلني وقبل سنة من موت من بشّر به يسوع المسيح. مات يوحنا شهيداً للحق" (يوحنا 5: 33).
ورغم أنّ مُضطهِده هيرودس لم يطلب منه أن ينكر المسيح، بل أن يسكت عن الحقيقة ويكتم الحقَّ، لكنّه فضّل الموت من اجل الحق، لذلك فهو مات من أجل المسيح. الم يقل المسيح: "أنا الحقّ" (يو14: 6). وبما أنّه أراق دمه من أجل الحقّ، فمن أجل المسيح قد مات. لقد فضّل أن يحتقر أمر الطاغية على أن يحتقر أمر الله. وبهذا كان قد أعطى الشهادة الكاملة لحمل الله، يسوع المسيح. فتحقق في يوحنا ما قال في المسيح: "لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر" (يو3: 30). يوحنّا هو إنسان، والمسيح هو الله: على الإنسان أن يتواضع، حتى يتمجّد الله.
ولما "بَلَغَ الخَبَرُ تَلاميذُه، فجاؤوا فَحمَلوا جُثمانَه ووضَعوه في قَبْر" (مرقس 6: 29). ويقول تقليد قديم بأنّ مكان دفنه هو سبسطية في السامرة وتوجد رفاته في كنيسة القديس سلفستر في روما، في حين يوجد رأسه في مسجد بين أمية في دمشق. وهو أول جامع يدخله أحد باباوات روما عندما زاره البابا يوحنا بولس عام 2001 م. إذ أن الإمبراطور الروماني تيودور الأول (379-395) حوّل المعبد الروماني إلى كنيسة باسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان الموجود ضريحه داخل الجامع والمعروف أيضاً بالاسم النبي "يحيى".
لم يحيَ يوحنّا من أجل نفسه كما ولم يمت من أجل نفسه وبرهن على أنه حقاً أعظم الأنبياء لأنه قال الحق وسفك دمه في سبيل هذا الحق. كان يوحنّا المعمدان شهيد الحقّ كما يقول البابا الطوباوي يوحنّا بولس الثاني (Tertio Millenio adveniente, 37).
*******
شهادة يوحنا المعمدان:

تولي الأناجيل الأربعة أهمية كبيرة لشهادة يوحنا المعمدان ليسوع المسيح. باسمه شهد يوحنا لاسم يسوع، بولادته شهد لولادته، وبعيشه شهد لعيشه، وبكرازته شهد لكرازته، وبمعموديته شهد لمعموديته، وبآلامِه شهد لآلامِه".
شهد يوحنا باسمه. فمنذ أن كان يوحنا في أحشاء والدته اليصابات، حلَّ عليه الروح القدس وقدّسَه. فشهد يوحنا باسمه ليسوع المعروف بالحنان والشفقة. فأطلق والده زكريا الكاهن ووالدته اسم "يوحنا" على ابنهما كما طلب إليهما الرب (لوقا 1: 13). ويوحنا معناه "الله تحنن". الله الحنّان على الإنسان: هو يريده أن يحيا، ويريد خلاصه. الله الحنّان على شعبه: هو يريد أن يجعل منه بركة لكلّ أمم الأرض. الله الحنّان على البشريّة: هو يقود مسيرتها نحو الأرض التي يسودها السلام والعدل. كلّ ذلك مدوّن في هذا الاسم: يوحنّا! والحنان قيمة من قيم الأبوّة والأمومة.
وأما ميلاده فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسر تجسد ابن الله. فالحبل العجائبي به قد أعلنه الملاك لمريم، دليل "37فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله " (لوقا 1، 37). في الواقع، يوحنا المعمدان هذا الذي يسمى السابق، هو الذي سبق الرب بميلاده قبل الرب بالجسد بستة أشهر. ويذكر التقليد المسيحي عين كارم على أنها موطن زكريا وأليصابات أبوي يوحنا المعمدان حيث ولد يوحنا في عين كارم. ويقوم اليوم فيها مزار "ميلاد القديس يوحنا المعمدان".
وبعيشه شهد يوحنا أسلوب عيش يسوع. كان لباس يوحنا من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد. وأما طعامه فكان جرادا وعسلا بريا (متى 3: 4). فمن خلال ارتداء ثوب من وبر الإبل، كان مثالاً للتفاني. ومن خلال أكل الجراد، كان يَرتَفِعُ بروحه إلى السماء. ومن خلال تناول العسل، كان يتلفَّظ بكلمات أكثر حلاوة من العسل على مثال يسوع كلمة الله. وأعطى يوحنّا شهادة التلميذ الأمين الزاهد بكلّ أمجاد هذه الدنيا الفانية وبالسلطة. لقد دعا تلاميذه إلى تركه والالتحاق بالمسيح. لم يصنع لنفسه اتباعاً، بل أعدّ تلاميذه ليكونوا أتباعاً للمسيح فقط. وبناء على هذا الكلام، طلب يوحنّا إلى تلاميذه أن يتبعوا يسوع فتبعوه (يوحنّا 1: 37). والجدير بالذكر أن يوحنا الحبيب كان احد تلاميذه وكان يتردد عليه (يوحنا 1: 35-41) أصبح تلميذا ليسوع (يوحنا 36،1) و"كانَ أيضاً أَندرَاوُس أَخو سِمْعانَ بُطُرس أَحَدَ اللَّذَينِ. سَمِعا كَلامَ يوحَنَّا فَتبِعا يسوع (يوحنا 1: 40). أوضح القديس غريغوريوس الكبير أن المعمدان "يبشر بإيمان قويم وأعمال صالحة... لكي تظهر قوة النعمة، ويتألق نور الحقيقة، وتصبح الدروب نحو الله قويمة، وتولد في الروح أفكاراً مستقيمة بعد الإصغاء إلى الكلمة المرشدة إلى الخير" (Hom. in Evangelia, XX, 3, CCL 141, 155).
شهد يوحنا بكرازته. ففي أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية (لوقا 3: 2)، فخرج إلى صحراء اليهودية يكرز (متى 3: 1) بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا (مرقس 1: 4) مشدداً على التوبة كأساس للدخول في ملكوت السموات: "توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات" (متى 3: 2). لذا كان يقول للجموع التي كانت تأتي إليه لتعتمد عن يده: "َإثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم" (متى 3: 8). فكان يوحنّا الشاهد الأساسيّ على مجيء المسيح، وهذا ما قاله عنه القدّيس يوحنا الإنجيلي في فاتحة إنجيله: "هَذَا (المعمدان) جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ" (1: 7-9). وأوضح يوحنا مكانته من يسوع بقوله للجماهير: "أنا الصوت الذي يصرخ في البريّة" (يو1: 22-23). الصوت هو يوحنّا، في حين أن الربّ هو الكلمة: "في البدء كان الكلمة" (يو1: 1). يوحنّا هو الصوت لفترة من الزمن؛ المسيح هو الكلمة في البدء، إنّه الكلمة الأبدي. وأضاف يوحنا قائلا: "أَنا أُعَمِّدُكم بِالماء، ولكِن يأتي مَن هُو أَقوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهلاً لأن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار" (لوقا 3: 16). ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه (يوحنا 1: 26 ). وهو نفسه يقول: “مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحاً مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذاً فَرَحِي هَذَا قَدْ كَمَلَ” (يوحنّا 3: 29) العريس هو المسيح والعروس هي الكنيسة ويوحنّا يفرح بالعروسين لكي ينال هو أيضاً إكليل المجد. وبحسب شهادات كثيرين "أن يوحنا لم يفعل آية واحدة. ولكن كل ما قاله يوحنا عن يسوع كان حقا" (يوحنا 10: 41).
أما بمعموديته شهد أيضاً لمعمودية يسوع كما أكّد بولس الرسول "أن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع" (أعمال 19: 4). فكان يقوم بتعميد أو تغطيس الذين يطلبون التوبة ومغفرة خطاياهم في "عبر الأردن" (يوحنا 1: 28)، لذلك أطلق عليه اسم "المعمدان" أي "المعمّد" (راجع متى 3، 1-6). وقد اعتمد يسوع على يده. وأثناء الاعتماد سمع يوحنا صوت الآب يدعو يسوع "ابنه الحبيب" (متى 3، 13-17). يشهد يوحنّا أنّ الله الذي أرسله (يوحنّا 1: 6) ليعمّد في الأردنّ، هو قال له إنّ الذي سينزل عليه الروح القدس هو المسيح، فرأى وآمن. هذه الشهادة للمسيح اكتملت بعد معموديّته من يوحنّا، حيث شهد يوحنّا قائلاً: "الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ» (يوحنّا 1: 32-34).
وأكد لوقا الإنجيلي أن يسوع: "اعتمد من يوحنا في الأردن" (لو 1/9). وعلى ضوء ما حدث عند معمودية يسوع في نهر الأردن، شهد يوحنا المعمدان أنّ يسوع المسيح هو ابن الله المتجسّد، حامل خطايا العالم فادياً، والمعمِّد بالروح القدس من أجل الولادة لحياة جديدة. ولهذا قال: "أنا رأيت وشهدت". وقال فيه: "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29).
وبتقديم يوحنا المعمدان الرب يسوع المسيح على أنه حمل الله جمع الرب يسوع كل: وظائف ذبيحة الحمل المشار إليها في العهد القديم بارتفاعه على الصليب وسفك دمه الأقدس كفارة للبشرية. وهكذا أصبح الرب يسوع فصحنا الجديد الذي ذبح لأجلنا (1 كو 5/7). والرب يسوع اتخذ الحمل رمزاً للوداعة والبساطة التي يجب أن يتحلى بها المؤمن فقال: ها إني أرسلكم كحملان بين ذئاب (لو 10/3). وفي سفر الرؤيا يرمز الحمل المذبوح في عرش السماء (رؤ 5/6)، إلى الرب يسوع المسيح المستحق أن يأخذ الكرامة والمجد والسلطة، وأن تخضع له كل خليقة مما في السماء وعلى الأرض إلى أبد الآبدين. فلا عجب أن يموت يوحنا شهيد الحق، شهيدا للمسيح. فاستشهاده هو شهادته الأخيرة ليسوع الذي هو الطريق والحق والحياة.
*****
 

 

 قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

القديس الشهيد يوحنا المعمدان (السابق - الصابغ)

القديس الشهيد يوحنا المعمدان اللغة الإنجليزية: John the Baptist - الأمهرية: መጥምቁ ዮሐንስ (ماتمكو يوهانس) - ، (يوحنا السابق): .

هو مُهيئ طريق المسيح، وابن زكريا الشيخ وزوجته أليصابات (لو 1: 5 - 25 و57 - 85).

وكلاهما من نسل هارون ومن عشيرة كهنوتية. ويستدل من (لوقا 1: 26) أن ولادته كانت قبل ولادة المسيح بستة أشهر. وقد عينت الكنيسة يوم ميلاده في 24 حزيران (يونيو)، أي عندما يأخذ النهار في النقصان، وعيد ميلاد المسيح في 25 كانون الأول، أي عندما يأخذ النهار في الزيادة استنادًا على قوله: "ينبغي أن ذلك يزيد "واني أنا أنقص" (يو 3: 30). وكان أبواه يسكنان اليهودية، ولربما يوطة، يطا الحاضرة بقرب حبرون، مدينة الكهنة. أو عين كارم وكانا محرومين من بركة النسل. وكانت صلاتهما الحارة إلى الله أن ينعم عليهما بولد. وفي ذات يوم كان زكريا يقوم بخدمة البخور في الهيكل ظهر له الملاك جبرائيل وسكن روعه وأعلمه لأن الله قد استجاب صلاته وصلاة زوجته، وبدت الاستجابة مستحيلة في أعينهما واعين البشر بالنسبة إلى سنهما. وأعطاه الملاك الاسم الذي يجب أن يسمى الصبي به متى ولد، وأعلن له أن ابنه سيكون سبب فرح وابتهاج، ليس لوالديه فحسب، بل أيضًا لكثيرين غيرهما، وأنه سيكون عظيمًا، ليس في أعين الناس فقط، بل أمام الله. وأن مصدر عظمته الشخصية هو امتلاؤه من الروح القدس، ومصدر عظمته الوظيفية في أنه سيكون مهيئًا طريق الرب، وزاد الملاك ما هو أعظم من ذلك أي أن يوحنا يكون المبشر بظهور المسيح الموعود. فيتقدم أمامه متممًا النبوة التي كان يتوق إليها كل يهودي بأن إيليا يأتي قدام المسيح، ويهيء للرب شعبًا مستعدًا (مل 4: 5 و6 ومت 11: 14 و17: 1 - 13).
أما زكريا فلم يصدق هذه البشارة لأن الموانع الطبيعية كانت أبعد من أن يتصورها العقل. ولم يكن معذورًا لأنه كان يعلم جيدًا ببشائر نظيرها، لاسيما بشارة الملاك للشيَخين إبراهيم وسارة. ولهذا ضرب بالصمم والخرس إلى أن تمت البشارة.
ولد يوحنا سنة 5 ق.م. وتقول التقاليد أنه ولد في قرية عين كارم المتصلة بأورشليم من الجنوب (لو 1: 39). ولسنا نعلم إلا القليل عن حداثته. ونراه في رجولته ناسكًا زاهدًا، ساعيًا لإخضاع نفسه والسيطرة عليها بالصوم والتذلل، حاذيًا حذو إيليا النبي في ارتداء عباءة من وبر الإبل، شادًا على حقويه منطقة من جلد، ومغتذيًا بطعام المستجدي من جراد وعسل بري، مبكتًا الناس على خطاياهم، وداعيًا إياهم للتوبة، لأن المسيح قادم. ولا شك أن والده الشيخ قد روى له رسالة الملاك التي تلقاها عن مولده وقوله عنه "يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته" (لو 1: 17).
والتقارب بين ما نادى به إيليا وما نادى به يوحنا والتشابه في مظهرهما الخارجي ولبسهما ومعيشتهما واضح للعيان من مقارنة قصة حياتهما.
ولم يظن يوحنا عن نفسه انه شيء وقال انه: "صوت صارخ في البرية" (يو 1: 13). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وكرس حياته للإصلاح الديني والاجتماعي. وبدا كرازته في سنة 26 ب. م. وعلى الأرجح في السنة السبتية مما مكن الشعب الذي كان منقطعًا عن العمل من الذهاب إليه إلى غور الأردن. وقد شهد في كرازته أن يسوع هو المسيح (يو 1: 15)، وأنه حمل الله (يو 1: 29 و36). وكان يعمد التائبين بعد أن يعترفوا بخطاياهم في نهر الأردن. (لو 3: 2 - 14). وكانت المعمودية اليهودية تقوم:
(1) بالغسولات والتطهيرات الشعبية (لا 11: 40 و13: 55 - 58 و14: 8 و15: 27 وار 33: 8 2: 22 وحز 36: 25 الخ وزك 13: 1 قابل مر 1: 44 ولو 2: 22 ويو 1: 25). فأضفى يوحنا عليهما معنى أدبيًا (مت 3: 2 و6) وعمق معناها الروحي.
(2) بإدخال المهتدين إلى الدين اليهودي. فأصر يوحنا على ضرورة تعميد الجميع بصرف النظر عن جنسهم وطبقتهم (مت 3: 9). إذ على الجميع أن يتوبوا ليهربوا من الغضب الآتي (مت 3: 7 ولو 3: 7). لان معمودية المسيا الآتي ستحمل معها دينونة (مت 3: 12 ولو 3: 17، وقد طلب يسوع أن يعمده يوحنا، لا لأنه كان مُحتاجًا إلى التوبة، بل ليقدم بذلك الدليل على اندماجه في الجنس البشري وصيرورته أخًا للجميع.
وكانت المدة التي عمل فيها يوحنا قصيرة ولكن نجاحه بين الشعب كان باهرًا. وحوالي نهاية سنة 27 أو مطلع سنة 28 ب.م. أمر هيرودس انتيباس رئيس الربع بزجه في السجن لأنه وبخه على فجوره (لو 3: 19 و20).
وكانت هيروديا زوجة هيرودس قد خانت عهد زوجها الاول وحبكت حبائل دسيسة ضده مع أخيه هيرودس. وقد سمعت بذلك زوجة هيرودس الفتاة العربية فهربت إلى بيت أبيها الحارث وأخلت مكانها في القصر لهيروديا الخائنة التي حنقت على يوحنا وكبتت غيظها وَتَحيَّنت الفرصة للإيقاع به لأنه قال لهيرودس بأنه لا يحق له أن يتزوجها. وفي السجن اضطرب يوحنا ونفذ صبره بسبب بطء المسيح في عمله. ولربما أحس بأن المسيح نسيه وإلا لماذا لا يسعفه في الظلم الذي لحق به كما يسعف الآخرين. وطغت على أعصابه عوامل الوحشة والوحدة والقيود لأنه كان يترقب حدوث أحداث جسام وأراد أن يرى قبل موته تحقيق أحلام حياته. وبعث تلميذين ليستعلم من يسوع أن كان هو المسيح وأشار يسوع إلى معجزاته وتبشيره (لو 7: 18 - 23).
وكانت قلعة مخيروس المطلة على مياه البحر الميت والتي زج يوحنا في إحدى خباياها كافية لكسر قلب الرجل الجريء الذي نادى بقوله الحق في وجه الفريسيين والكهنة وأعطى للزنى اسمه الحقيقي، ولو أن الزاني كان ملكًا عظيمًا. وبعد ثلاثة أشهر يحل عيد هيردوس وإذا بهيروديا ترسل ابنتها الجميلة سالومة لتؤانس ضيوف الملك وسط المجون والخلاعة ورنين الكؤوس. واذ بهيرودس الثمل ينتشي برقصها المثير فيقسم أمام ضيوفه بأن يعطيها ما تطلب فتطلب، حسب رغبة أمها، رأس يوحنا على طبق. وبعد لحظات يهوي الجلاد بسيفه على عنق الرجل العظيم. ولم يترك جثمانه دون كرامة، لأن تلاميذه جاؤوا حالًا ورفعوه ودفنوه.
يقول جيروم أنهم حملوه إلى سبسيطيا عاصمة السامرة ودفنوه هناك بجانب ضريح اليشع وعوبديا. أما تلاميذه فتذكروا شهادة معلمهم عن حمل الله وتبعوا المسيح (مت 14: 3 - 12 ومر 6: 16-29 ولو 3: 19 و20). ويقول يوسيفوس، أن الهزيمة النكراء التي لحقت الحارث بهيرودس بعد ذلك التاريخ كانت جزاء وفاقا ودينونة إلهية نزلت به بسبب شره (تاريخ يوسيفوس (18 و5 و2).
وحسب يوحنا أن المسيح شهد فيه أعظم شهادة إذ قال: "لم يقم بين المولدين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (مت 11: 11).
وفي افسس وجد بولس أناسًا قد تعمدوا بمعمودية يوحنا (اع 19: 3). وظن بعضهم أنه كان للاسينيين في قمران بالبرية تأثير على يوحنا المعمدان.

**************************

المراجع

(1) موقع الأنبا تكلا

This site was last updated 10/30/16