Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

الوقائع المشتركة بين مؤرخى القبط والمؤرخين العرب

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
خريطة بداية غزو مصر
الوقائع المشتركة بين الأقباط والعرب
معركة الفرما
سقوط حصن بابليون
محادثات المقوقس رفضها هرقل
أرمانوسة تقاوم فى بلبيس
سقوط حصن ام دينين
بن العاص يغزو الأسكندرية
الطبرى والسبايا الأقباط
الغزو الإسلامى وعزل الأقباط
Untitled 5448
Untitled 5449
Untitled 5450

فيما يلى ما أورده كتاب صدر في القاهرة عام 1999م، بعنوان‏:‏ هوامش الفتح العربي لمصر، حكايات الدخول كتبته الباحثة سناء المصري - طبعة إشعاع للنشر

************************************************************************************************************************

الوقائع المشتركة بين مؤرخى القبط والمؤرخين العرب

إزاء وقائع يوحنا النقيوسى وساويروس بن المقفع  الصارخة ، وتفاصيلها الحادة عن الفتح / الغزو العربى لمصر ، يتجاهلها العام من الباحثين وينحيانها جانباً بدعوى أنهما قبطيان متحاملان على العرب ، وبالتالى لا يصح الأخذ بشهادتهما ... فظلا لقرون طويلة يكنان وادى الصمت المطبق - مع كل الأصوات المنفية - جزاء لهما على مختلفهما للنشيد العام ... حتى جاء بعض الباحثين المحدثين - وإستدعوهما وإستشهدوا بهما لكن بعد تقطيعهما على طبق الموضوعية المعد بإحكام وقوة بما يوافق ذات السياق الثابت لصيغة التسامح المطلق الغير قابل للشك .

وأمام هذا الإصرار العام على التجاهل ، أو تقطيع الصوت القبطى ، والتعامل معه كما لو كان مجرد كورس موقعة من الخليفة فقط ، حيث وضعه الفتح / الغزو العربى - سنخضع - نحن أيضاً - لذات قوانين السيادة وننحى الصوت القبطى جانباً ، ونعود إلى التعامل مع البطل العربى ( التاريخ العربى ) مرة أخرى ... سنتركه يسترسل فى ذكر بطولات عن القهر الجيران والعام على ممالكهم ... ولكن ما بال تلك المقاطع الصغير القلقة تقطع السياق العام وتشير إلى نفس وقائع النقيوسى وساويروس ... ؟!!

ما بال الطبرى والعارضة والسيوطى والمقريزى يذكرون - أحياناً - ما يتفق مع الصوتين القبطيين ؟؟؟

الغزاة المسلمين يرسلون الآلاف من الأقباط عبيدا للمدينة

صحيح إنها إشارات عارضة .. ولكن إختلاف الموقع هو الذى يؤدى إلى تحديد الرئيسى منها والثانوى - لدى كل الطرفين .. ونحن لا نستطيع الحديث عن التسامح العربى بضمير هادئ والطبرى يذكرنا بأن الجيش العربى الفاتح / الغزى قد أسر أعداداً كبيرة من المصريين ، أو أن صفوف العبيد من القبط إمتدت من مصر إلى المدينة ، فينقل عن رجل من أهل مصر - أو بمعنى أصح عن عربى سكن أرض مصر - وكان فى جند عمرو بن العاص أثناء الفتح / الغزو أنه قال لما فتحنا "باب إليون" (بابليون أى مصر القديمة ألان) تدنينا قرى الريف فيما بيننا وبين ألأسكندرية قرية فقرية ، حتى إنتهينا بلهيب - وهى مدينة الزناطرة بالبحيرة ، ومحلها اليوم فزارة بمركز المحمودية - قرية من قرى مصر - يقال لها الريش وقد بلغت سبايانا المدينة ومكة واليمن ) [الطبرى : تاريخ الطبرى - الجزء الرابع ص 105]

وتنقل هذه الرواية الصفوف الطويلة من العبيد والجوارى الذين إنتزعهم الجيش العربى افسلامى من قراهم وبعث بهم فى ذلة وإنكسار إلى مدن الجزيرة العربية بعد فقدان حريتهم ووطنهم مصر.

الغزو ألإسلامى والعبودية الجماعية للقبط

والبلاذرى أيضا فى كتاب فتوح البلدان يذكر ذات الواقعة بقوله :    

 ( وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس ، فوقع سباؤهم بالمدينة (1) ) [البلاذرى - فتوح البلدان - القسم ألأول ص 253]  فما بالنا نستنكر غشارة النقيوسى إلى أن العرب : نهبوا الكثير من الأسلاب واسروا النساء والأطفال وتقاسمهم فيما بينهم ، ولا نستنكر إشارات الطبرى والبلاذرى وأبن عبد الحكم إلى السبى المصرى الموفد إلى المدينة فى ظل القهر الحربى ... ؟

وإشارة البلاذرى وأبن عبد الحكم إلى أن عمر بن عبد الحطاب رد هؤلاء المصريين (حينما صيرهم وجماعة القبط أهل ذمة) أو أنه طلب إيقاف وقود السبى الجديد ، بينما تغاضى عن ما تفرق فى أيدى العرب لأنه لا يستطيع لهم رداً ، هل كانت هذه الإشارة تعنى تسامح إبن الخطاب مع القبط ودفاعه عن حريتهم ... ؟ !! أم كانت تعنى انه ينظر بعين الحاكم العملى الذى يريد ترسيخ نوع آخر من العبودية الجماعية ، هى عبودية العمل وآداء الجزية ومختلف أنواع الضرائب (مجرد فرض الأموال على ألأقباط وجبايتها) التى تعود على بيت المال بفائدة أكبر ، وهو نفسه القائل : ( لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلى من فئ يقسم ثم كأنه لم يكن ) [ تاريخ الطبرى  - ص 105] 

إشارة أخرى نجدها لدى إبن عبد الحكم تتفق وإشارات النقيوسى إلى طبيعة الحرب فى موقعة نقيوس التى إجتاحها عمرو بن العاص ، وإن كان يختلف معه فى توقيت المعركة حيث يذكرها إبن عبد الحكم مع الفتح الثانى لمدينة الإسكندرية ، ويرجع إبن عبد الحكم أسباب الإجتياح القاسى للمدينة : ( أن عمراً لما توجه إلى نقيوس لقتال الروم عدل "وردان" - أحد موالى عمرو (2) - لقضاء حاجته عند الصبح فإختطفه أهل الخربة ففقده عمرو وسأل عنه وقفا أثره فوجده فى بعض دورهم فأمر بإربها وإخراجهم منها ) [   ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها]

ويستطرد ابن عبد الحكم فى الرواية واصفاً أهل الخربة : " كانوا كلهم رهباناً ... ومع ذلك قتلهم عمرو بن العاص جميعاً وخرب المدينة خرابا لم تشهد مثله من قبل حتى سميت بعد ذلك وحتى الآن بالخربة .

والخلاف الناشب بين الخليفة عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص حول وضع ألقباط ، خصوصاً حينما سمح إبن العاص لهم بالبقاء فى وظائف جباية الخراج وحساب الجزية وجمع المال وغيرها من الأوضاع التى لم توافق سياسة الخليفة فكتب إلى واليه يلومه قائلاً : ( كيف تعزهم وقد أذلهم الله ؟ )  كان عمر يريد إستمرار عمل القبط فى مصر فى الزراعة والحرف و (ويؤدون  الجزية عن يد وهم صاغرون) مما يعود بالخير الكثير على بيت مال المسلمين ، دون أن يتقلدوا أى وظائف إدارية  .
ــ والمؤرخ الطبرى يشير إلى معاناة المصريين وفى عمل من اشد اعمال السخرة الجماعية بدأ الأقباط المصريين فى شق قناة امير المؤمنين من النيل حتى البحر الاحمر لتحمل المؤن والخيرات الى عاصمة الخلافة فى المدينة ، فكانت تشغيل هذا العدد الضخم – مائة وعشرون الف – يسبب انكسار خراج مصر وخرابها ،فأرسل اليه عمرو لتاجيل حفر القناة ، ولكن ابن الخطاب كتب اليه يقول ( اعمل فيه وعجل ، اخرب الله مصر فى عمران المدينة وصلاحها ) ...... !! [الطبرى الجزء الرابع ص 100 ] ويؤكد السيوطى فى كتاب "حسن المحاضرة" الى واقعة تسخير عمرو بن العاص للمصريين فى حفر القنوات واقامة الجسور ( الف عمرو قوة من المصريين عددها مائة وعشرون الف عامل مهمتها الاولى العمل فى حفر القنوات واقامة الجسور والقناطر ) [ السيوطى : حسن المحاضرة الجزء الرابع ص 63 ]

وانتزاع مائة وعشرين الف قبطي من الارض لتسخيرهم في تلك الاعمال القاسية تحت وقع سنابك خيول الفرسان العرب ورماحهم , هو ذات ما اشار اليه النقيوسي بقوله : ( كان – عمرو- يسخرهم ليحملوا طعام أفراسهم , وارتكب آثاماً كثيرة لا تحصي ) .[ المؤرخ يوحنا النقيوسى]
وقوله : ( يضطرون المسيحيين ان يحملوا العلف للحيوان , ويطرونهم لحمل اللبن والعسل والفاكهة والكرات , وبأعمال أخري كثيرة . وهذا كلة كان مضافاً الي الطعام . هؤلاء كانوا يفعلون ذلك خوفاً دون توقف , ونهر أندريانس الذي انطمر منذ زمن طويل – هو نفسة قناة أمير المؤمنين – جعلهم يحفرونة ليجري به الماء من بابليون بمصر حتي البحر الاحمر وحملوا المصريين نيراً ظاثقل من نير فرعون ) .  [ المؤرخ يوحنا النقيوسى]

وموقع النقيوسى كقبطى يتحدث عما أصاب شعبه  يدفعه على إصدار أحكام أخلاقية ، وإظهار سخطه على العرب وقائدهم كما فى قوله : " إرتكب آثاماً كثيرة لا تحصى" أو : " حمل المصريين قيداً أثقل من قيد فرعون "

 ومن شدة وطأة الجزية وفرض خراج و اموال أخرى على الفلاحين الأقباط كانوا يهجرون القرى ، ويلتحق بعضهم بالأديرة المعفاة من الجزية من سنى الفتح / الغزو  ألولى .. حتى لاحظ الولاة النهميين إلى جمع أموال الأقباط فلجأوا إلى فرض الجزية على الرهبان ورجال الكنيسة والإشتداد فى ذلك ، فإنفجرت ثورة القبط الكبرى عام سبع ومائة  أثناء ولاية "الحر بن يوسف"   تلك الفترة التى يكتب عنها ساويروس بن المقفع بالتفصيل ويذكر أن الوالى أوقع بثوار الحوف الشرقى وأخذ أموالهم ووسم أيدى الرهبان بحلقة حديد فيها اسم الراهب وديره وتاريخه ، وكتب إلى العمال بأن كل من وجد من النصارى وليس معه منشور يأخذ منه عشرة دنانير ، ويفيض ساويروس فى ذكر تلك المسلخة العامة ، من قطع ألطراف وضرب ألعناق ، وهدم الكنائس وكسر الصلبان .

ويرصد المقريزى فى كتابه " المواعظ والإعتبار بوصف الخطط والآثار" سلسلة ثورات الأقباط وكنائسهم عام 107 هـ والمقريزى هو أكثر المؤرخين المسلمين إهتماماً بوضع القبط وطريقة حياتهم وتاريخهم  وذكر ثوراتهم ، ويرجع بعض الباحثين ذلك إلى إطلاع المقريزى على مخطوطة ساويروس بن المقفع وتأثره ببعض ما جاء فيها .

وقد افرد المقريزى فى كتابه بابا لكنائس مصر ودورها ، وبابا آخرا تحت عنوان (ذكر إنتفاض القبط وما كان من الأحداث فى ذلك) (3) فيذكر أمر زيادة الجزية والخراج على القبط بما لا يستطيعون إحتماله وثوراتهم ضد بعض الولاة وإسراع الولاة والخلفاء إلى قمع هذه الثورات بكل وسائل العنف الممكنة ، فيذكر انه لما (قدم حنظلة بن صفوان اميراً على مصر فى ولايته الثانية ، فتشدد على النصارى وزاد فى الخراج وحصى الناس والبهائم وجعل على كل نصرانى وسماً (وشم) صورة أسد وتتبعهم فمن وجده بغير وسم /  وشم قطع يده ...

ثم فى سنة  إحدى وعشرين ومائة إنتفض القبط بالصعيد وحاربوا العمال فحوربوا وقتل كثير منهم ثم خرج يحنس بسمنود وحارب وقتل فى الحرب وقتل معه قبط كثيرين ) [ المقريزى :   المواعظ والإعتبار بوصف الخطط والآثار الجزء الثانى ص 492]
ولقد زادت ثورات القبط فى آواخر عهد الخلافة الأموية ، ولكما تقدم الزمن كانت تفصيلات الإضطهاد والتعذيب تتضح أكثر فأكثر لدى المقريزى الذى فطن إلى أن الحكام العرب المسلمين كانوا يتمادون فى فرض الجزية والخراج ونهب ألأموال ، ليس على الشعب القبطى فقط كما كان يفعل بعض ألأوائل من دهة السياسيين ، بل كانوا يفرضونها على الكنيسة ورجالها ورهبانها ، على شكل أتاوات متزايدة ، بل كانوا يقبضون عليهم ويعذبونهم ، كما حدث فى زمن مروان بن محمد آخر الخلفاء ألأمويين حينما قبض على بطريرك الأسكندرية ووضع رجليه  فى الحديد (ونتف شعر لحيته) مما جعل موقف الكنيسة يختلف فى تلك الفترات عنه فى أيام المحاباه السابقة .

رويداً رويداً  وبمرور الأيام وتوطيد دعائم الحكم العربى كانت الحلقة تضيق حول وضع ألقباط المصريين  ، ولم يعد التقسيم الأول بين كونهم أهل ذمة يدفعون الجزية والخراج ، ويعيشون فى أماكنهم بعيداً عن العرب وجيوشهم بل تعرضوا لضيق حلقة العزلة من حولهم رويدا رويداً ، وأخذ ضعف الكنيسة يتضح أكثر فأكثر ... ودفع هذا الحصار الكنائس والرهبان إلى المزيد من الجمود والإنغلاق والدخول فى ظلامية القرون الوسطى ... ويروى أنه بمجرد إعلان "حفص بن الوليد" (127 - 128 هـ ) إعفاء كل من يسلم من الجزية ، بادر حوالى أربعة وعشرين ألفاً من ألأقباط وإعتنقوا الإسلام تخلصاً من قيود الجزية وشتى أنواع الضرائب والذل الذى يفرضه المسلمون على المسيحيين وسائر الآتاوات الأخرى 
  

********************

المراجع

(1) نص الحديث بالكامل من البلدان وفتوحها وأحكامها للبلاذري » كتاب فتوح البلدان البلاذري » فتوح مصر والمغرب ( وحدثني وحدثني عَمْرو الناقد ، عن عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري ، عَنِ الليث ، عن يزيد بْن أَبِي حبيب ، أن المقوقس صالح عَمْرو بْن العاص عَلَى أن يسير منَ الروم من أراد ، ويقر من أراد الإقامة منَ الروم عَلَى أمر سماه ، وأن يفرض عَلَى القبط دينارين ، فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه ، وبعث الجيوش فأغلقوا باب الإسكندرية ، وآذنوا عمرا بالحرب ، فخرج إليه المقوقس , فقال : أسألك ثلاثا : أن لا تبذل للروم مثل الَّذِي بذلت لي ، فإنهم قَدِ استغشوني ، وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم ، وإن مت فمر بدفني في كنيسة بالإسكندرية ذكرها ، فقال عَمْرو : هَذِهِ أهون علي ، وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس ، فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عُمَر بْن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة ، وكان لهم عهد لم ينقضوه ، وكتب عَمْرو بفتح الإسكندرية إِلَى عُمَر أما بعد : فإن اللَّه فتح علينا الإسكندرية عنوة قسرا بغير عهد ولا عقد ، وهي كلها صلح في قول يزيد بْن أَبِي حبيب . )

(2) وردان مولى عمرو بن العاص
تابعي من الطبقة الثانية . كان روميّاً مُسلما ، و شهد فتح مصر و اختط بالفسطاط دارا له ، و كان صاحب راية عمرو بن العاص بفتح مصر و خادمه ومولاه ، وعاش إلى أن أستشهد بالبرلس سنة54هـ و دفن بها
ذكره ابن سعد بكتاب الطبقات الكبرى في الطبقة الثانية من تابعي أهل مصر ، فقال : ((وردان مولى عمرو بن العاص ويكنى أبا عبيد الله وقد روي عنه أيضا وبه سميت السوق التي بمصر سوق وردان))
و قصة خربة وردان مشهورة . قال ابن عبد الحكم في فتوح مصر : ((ذكر خراب خربة وردان . قال : وكان عمرو حين توجه إلى الاسكندرية خرّب القرية التي تعرف اليوم بخربة وردان ، قال عبد الرحمن : واختلف علينا في السبب الذي خربت له ، فحدثنا سعيد بن عفير : أن عَمرا لما توجه الى نقيوس لقتال الروم ، عَدِل وردان لقضاء حاجته عند الصبح قريبا من خربة وردان فاختطفه أهل الخربة فغيبوه ففقده عمرو وسأل عنه وقفا أثره فوجدوه في بعض دورهم فأمر بإخرابها وإخراجهم منها . حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، قال : كان أهل الخربة رهبانا كلهم فغدروا بقوم من ساقة عمرو فقتلوهم بعد أن بلغ عمرو الكريون فأقام عمرو ووجه إليهم وردان فقتلهم وخربها فهي خراب إلى اليوم . حدثنا أبي عبد الله بن عبد الحكم ، قال : كان أهل الخربة أهل توثب وخبث فأرسل عمرو بن العاص إلى أرضهم فأخذ له منها جراب فيه تراب من ترابها ثم دعاهم فكلمهم فلم يجيبوه إلى شيء فأمر بإخراجهم ثم أمر بالتراب ففرش تحت مصلاه ثم قعد عليه ثم دعاهم فكلمهم فأجابوه إلى ما أحب ثم أمر بالتراب فرفع ثم دعاهم فلم يجيبوه إلى شيء حتى فعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك قال : هذه بلدة لا تصلح إلا أن توطأ فأمر بإخرابها ، والله أعلم)) .و قرية أو خربة وردان هذه الظاهر أنها قرب الإسكندرية
وأما عن الخطة التي اختطها وردان بالفسطاط ، فقد قال ابن عبد الحكم في فتوح مصر : ((من اختط حول المسجد الجامع مع عمرو ...فذكر منهم : فاختط وردان مولى عمرو القصر الذي يعرف بقصر عمر بن مروان وإنما نسب إلى عمر بن مروان أن "أنتناس" صاحب الجند وخراج مسلمة سأل معاوية أن يجعل له منزلا قرب الديوان فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد يأمره أن يشتري له منزل وردان ويخط لوردان حيث شاء ففعل فأخذ "أنتناس" المنزل وبعث مسلمة مع وردان السمط مولى مسلمة وأمره أن يقطعه غلوة نشابه فخرج معه حتى وقفا على موضع مناخ الإبل وكان ذلك فناء يتوسع فيه المسلمون فيما بينهم وبين البحر فقال السمط لوردان لنعلمن اليوم فضل غلام فارس على الروم وكان السمط فارسيا ووردان روميا فمغط السمط في قوسه ونزع له بنشابه فاختطها وردان فلما مات أنتناس أقطعت عمر بن مروان ويكنى وردان بأبي عبيد ويقال أن قصر عمر بن مروان من خطة الأزد فابتاع ذلك عبد العزيز بن مروان فوهبه لأخيه عمربن مروان وذلك أن ذلك الزقاق من قصر عمر بن مروان إلى الأصطبل والإصطبل من خطة الأزد))
قلت : كما يوجد حاليا قرية تسمى على أسمه و هي قرية وردان التابعة لمحافظة 6أكتوبر و كانت في السابق تابعة لمحافظة الجيزة

(3) نزول العرب الحوف الشرقي (الشرقيه بمصر)

ذكر انتقاض القبط وما كان من الأحداث في ذلك
خَرج الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ كيف أنتم إذا لم تجبوا دينارًا ولا درهمًا قالوا‏:‏ وكيف نرى ذلك كائنًا يا أبا هريرة قال‏:‏ إي والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق والمصدوق قالوا‏:‏ عم ذلك قال‏:‏ تنتهك ذمّته وذمّة رسوله فيشدّ اللّه عز وجل قلوب أهل الذمّة فيمنعون ما في أيديهم‏.‏
قال أبو عمرو محمد بن يوسف الكنديّ في كتاب أمراء مصر وأمرة الحرّ بن يوسف أمير مصر كتب عبد اللّه بن الحبحاب صاحب خراجها إلى هشام بن عبد الملك بأنّ أرض مصر تحتمل الزيادة فزاد على كل دينار قيراطًا فانتقصت كورة تنو ونمي وقربيط وطرابية وعامة الحوف الشرقيّ فبعث إليهم الحر بأهل الديوان فحاربوهم فقتل منهم بشر كثير وذلك أول انتقاض القبط بمصر وكان انتقاضهم في سنة سبع ومائة ورابط الحرّ بن يوسف بدمياط ثلاثة أشهر ثم انتقض أهل الصعيد وحارب القبط عمالهم في سنة إحدى وعشرين ومائة فبعث إليهم حنظلة بن صفوان أمير مصر أهل الديوان فقتلوا من القبط ناسًا كثيرًا وظفر بهم وخرج بَخْنَسْ رجل من القبط في سمنود فبعث إليه عبد الملك بن مروان‏:‏ موسى بن نصير أمير مصر فقتل بخنس في كثير من أصحابه وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائة وخالفت القبط برشيد‏.‏
فبعث إليهم مروان بن محمد الجعديّ لما دخل مصر فارًا من بني العباس بعثمان بن أبي قسعة فهزمهم وخرج القبط على يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة أمير مصر بناحية سخا ونابذوا العمال وأخرجوهم وذلك في سنة خمسين ومائة وصاروا إلى شبرا سنباط وانضم إليهم أهل اليشرود والأريسية والنجوم فأتى الخبر يزيد بن حاتم فعقد لنصر بن حبيب المهلبيّ على أهل الديوان ووجوه مصر فخرجوا إليهم فبتهم القبط وقتلوا من المسلمين‏.‏
فألقى المسلمون النار في عسكر القبط وانصرف المسلمون إلى مصر منهزمين‏.‏
وفي ولاية موسى بن عليّ بن رباح على مصر خرج القبط ببلهيب في سنة ست وخمسين ومائة فخرج إليهم عسكر فهزمهم ثم انتقضوا مع من انتقض في سنة ست عشرة ومائتين فأوقع بهم الإفشين في ناحية اليشرود حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد الله المأمون فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والأطفال‏.‏
فبيعوا وسبى أكثرهم‏.‏
ومن حينئذِ أذل الله القبط في جميع أرض مصر وخذل شوكتهم فلم يقدر أحد منهم على الخروج ولا القيام على السلطان وغلب المسلمون على القرى فعاد القبط من بعد ذلك إلى كيد الإسلام وأهله بإعمال الحيلة واستعمال المكر وتمكنوا من النكاية بوضع أيديهم في كتاب الخراج وكان للمسلمين فيهم وقائع يأتي خبرها في موضعه من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى‏.‏
ذكر نزول العرب بريف مصر واتخاذهم الزرع معاشًا وما كان في نزولهم من الأحداث قال الكندي‏:‏ وفي ولاية الوليد بن رفاعة الفهميّ على مصر نقلت قيس إلى مصر في سنة تسع ومائة ولم يكن بها أحد منهم قبل ذلك إلا ما كان من فهم وعدوان فوفد ابن الحبحاب على هشام بن عبد الملك فسأله أن ينقل إلى مصر منهم أبياتًا فأذن له هشام في لحاق ثلاثة آلاف منهم وتحويل ديوانهم إلى مصر على أن لا ينزلهم بالفسطاط فعرض لهم ابن الحبحاب وقدم بهم فأنزلهم الحوف الشرقيّ وفرّقهم فيه‏.‏
ويقال‏:‏ إن عبيد الله بن الحبحاب لما ولاه هشام بن عبد الملك مصر قال‏:‏ ما أرى لقيس فيها حظًا إلا لناس من جديلة وهم فهم وعدوان‏.‏
فكتب إلى هشام‏:‏ إنّ أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه قد شرّف هذا الحيّ من قيس ونعشهم ورفع من ذكرهم وإني قدمت مصر ولم أر لهم حظًا إلا أبياتًا من فهم وفيها كُوَر ليس فيها أحد وليس يضر بأهلها نزولهم معهم ولا يكسر ذلك فكتب إليه هشام‏:‏ أنت وذاك فبعث إلى البادية فقدم عليه مائة أهل بيت من بني نضر ومائة أهل بيت من بني سليم فأنزلهم بلبيس وأمرهم بالزرع ونظر إلى الصدقة من العشور فصرفها إليهم فاشتروا إبلًا فكانوا يحملون الطعام إلى القلزم وكان الرجل يصيب في الشهر العشرة دنانير وأكثر ثم أمرهم باشتراء الخيول فجعل الرجل يشتري المهر فلا يمكث إلا شهرًا حتى يركب وليس عليهم مؤونة في علف إبلهم ولا خيلهم لجودة مرعاهم‏.‏
فلما بلغ ذلك عامة قومهم تحملوا إليهم فوصل إليهم خمسمائة أهل بيت من البادية فكانوا على مثل ذلك فأقاموا سنة فأتاهم نحو من خمسمائة أهل بيت فصار ببلبيس‏:‏ ألف وخمسمائة أهل بيت من قيس حتى إذا كان زمن مروان بن محمد وولى الحوثرة بن سهيل الباهلي مصر‏.‏
مالت إليه قيس فمات مروان وبها ثلاث آلاف أهل بيت ثم توالدوا وقدم عليهم من البادية من قدم‏.‏
وفي سنة ثمان وسبعين ومائة كشف إسحاق بن سليمان بن عليّ بن عبد اللّه بن عباس أمير مصر أمر الخراج وزاد على المزارعين زيادة أجحفت بهم فخرج عليهم أهل الحوف وعسكروا فبعث إليهم الجيوش وحاربهم فقتل من الجيش جماعة فكتب إلى أمير المؤمنين‏:‏ هارون الرشيد يخبره بذلك فعقد لهرثمة بن أعين في جيش عظيم وبعث به إلى مصر فنزل الحوف وتلقاه أهله بالطاعة وأذعنوا بأداء الخراج فقبل هرثمة منهم واستخرج خراجه كله ثم إن أهل الحوف خرجوا على الليث بن الفضل البيودي أمير مصر وذلك أنه بعث بمساح يمسحون عليهم أراضي زرعهم فانتقصوا من القصبة أصابع فتظلم الناس إلى الليث فلم يسمع منهم فعسكروا وساروا إلى الفسطاط فخرج إليهم الليث في أربعة آلاف من جند مصر في شعبان سنة ست وثمانين ومائة فالتقى معهم في رمضان فانهزم عنه الجند في ثاني عشره وبقي في نحو المائتين فحمل بمن معه على أهل الحوف فهزمهم حتى بلغ بهم غيفة وكان التقاؤهم على أرض جب عميرة وبعث الليث إلى الفسطاط بثمانين رأسًا من رؤوس القيسية ورجع إلى الفسطاط وعاد أهل الحوف إلى منازلهم ومنعوا الخراج‏.‏
فخرج ليث إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد في محرم سنة سبع وثمانين ومائة وسأله أن يبعث معه بالجيوش فإنه لا يقدر على استخراج الخراج من أهل الحوف إلا بجيش يبعث معه وكان محفوظ بن سليم بباب الرشيد فرفع محفوظ إلى الرضيد يضمن له خراج مصر عن آخره بلا سوط ولا عصا فولاه الخراج وصرف ليث بن الفضل عن صلاة مصر وخراجها وفي ولاية الحسين بن جميل امتنع أهل الحوف من أداء الخراج فبعث أمير المؤمنين هارون الرشيد يحيى بن معاذ في أمرهم فنزل بلبيس في شوال سنة إحدى وتسعين ومائة وصرف الحسين بن جميل عن وولى مالك بن دلهم وفرغ يحيى بن معاذ من أمر الحوف وقدم الفسطاط في جمادى الآخرة فورد عليه كتاب الرشيد يأمره بالخروج إليه فكتب إلى أهل الحوف‏:‏ أن اقدموا حتى أوصي بكم مالك بن دلهم وأدخل بينكم وبينه في أمر خراجكم فدخل كل رئيس منهم من اليمانية والقيسية وقد أعدّ لهم القيود فأمر بالأبواب فأخذت ثم دعا بالحديد فقيدهم وتوجه بهم للنصف من رجب منها‏.‏
وفي أمارة عيسى بن يزيد الجلوديّ على مصر ظلم صالح بن شيرزاد عامل الخراج الناس وزاد عليهم في خراجهم فانتقض أهل أسفل الأرض وعسكروا فبعث عيسى بابنه محمد في جيش لقتالهم فنزل بلبيس وحاربهم فنجا من المعركة بنفسه ولم ينج أحد من أصحابه وذلك في صفر سنة أربع عشرة ومائتين فعزل عيسى عن مصر‏.‏
وولى عمير بن الوليد التميميّ فاستعدّ لحرب أهل الحوف وسار في جيوشه في ربيع الآخر فزحفوا عليه واقتتلوا فقتل من أهل الحوف جمع وانهزموا فتبعهم عمير في طائفة من أصحابه فعطف عليه كمين لأهل الحوف فقتلوه لست عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر‏.‏
فولى عيسى الجلولي ثانيًا وسار إليهم فلقيهم بمنية مطر فكانت بينهم وقعة آلت إلى أن انهزم منهم إلى الفسطاط وأحرق ما ثقل عليه من رحله وخندق على الفسطاط وذلك في رجب وقدم أبو إسحاق بن الرشيد من العراق فنزل الحوف وأرسل إلى أهله فامتنعوا من طاعته فقاتلهم في شعبان ودخل وقد ظفر بعدة من وجوههم إلى الفسطاط في شوال ثم عاد إلى العراق في المحرّم سنة خمس عشرة ومائتين بجمع من الأسارى‏.‏
فلما كان في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين انتقض أسفل الأرض بأسره عرب البلاد وقبطها وأخرجوا العمال وخلعوا الطاعة لسوء سيرة عمال السلطان فيهم فكانت بينهم وبين عساكر الفسطاط حروب امتدّت إلى أن قدم الخليفة عبد اللّه أمير المؤمنين المأمون إلى مصر لعشر خلون من المحرّم سنة سبع عشرة ومائتين فسخط على عيسى بن منصور الرافقي وكان على أمارة مصر وأمر بحل لوائه وأخذه بلباس البياض عقوبة له‏.‏
وقال‏:‏ لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطرب البلد‏.‏
ثم عقد المأمون على جيش بعث به إلى الصعيد وارتحل هو إلى سخا وبعث بالأفشين إلى القبط وقد خلعوا الطاعة فأوقع بهم في ناحية البشرود وحصرهم حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين فحكم فيهم المأمون بقتل الرجال وبيع النساء والأطفال فسبى أكثرهم وتتبع المأمون كل من يومي إليه بخلاف فقتل ناسًا كثيرًا ورجع إلى الفسطاط في صفر ومضى إلى حلوان وعاد فارتحل لثمان عشرة خلت من صفر وكان مقامه بالفسطاط وسخا وحلوان تسعة وأربعين يومًا‏.‏

This site was last updated 09/23/11