Home Up | | الاغتيالات السياسية في تاريخ مصر الحديث وطنى 30/6/2011م ميلاد شرقاوي-ماجستير إرشاد سياحي شهد تاريخ الجماعات البشرية اغتيالات سياسية كثيرة, هذه العمليات راح ضحيتها الكثير من البشر, زعماء وحكام وسياسيون ومعارضون ومفكرون وباحثون وعلماء, رجالا ونساء, وبطبيعة الحال فإن عمليات الاغتيالات السياسية تندرج تحت لواء الصراع السياسي, فهي الوجه الآخر لتعنيف الصراع ونقله إلي مرحلة التصفية الجسدية, فمن يقوم بالاغتيال السياسي لا يعرف الحوار لأن هدفه هو إلغاء الآخر وطمسه والقضاء عليه, بصرف النظر عن النتائج, ولاشك أن حركة الاغتيالات السياسية في مجتمعنا لا تتم اعتباطا, فهي موجهة ضد الحكومة باعتبارها سلطة عامة أي سلطة سياسية موكل إليها المحافظة علي أمن البلاد من الداخل أو الخارج. وإذا كانت مصر الحديثة قد عرفت فنونا وأشكالا من الاغتيالات السياسية في أواخر حكم المماليك لمصر وبالذات في المرحلة التي كانت قبيل الحملة الفرنسية, إلا أنه من أوائل الجرائم في تاريخ مصر الحديث هي مقتل كليبر الجنرال الفرنسي المشهور, وفي عصر محمد علي حدثت جريمة سياسية أخري وهي مذبحة المماليك ..1811 تلك المذبحة التي اغتال فيها محمد علي المماليك بضربة واحدة بعد خديعة القلعة المشهورة وحفل الزفاف المزعوم, وهناك حادثة اغتيال ابن الجبرتي الذي لم يستطع محمد علي الانتقام منه في شخصه, فانتقم منه بتدبير اغتيال ابنه, وقيدت وقتها ضد مجهول, وتوالت الأحداث حتي الوصول إلي عصر إسماعيل وجريمة الاغتيال الشهيرة لإسماعيل المفتش وزير مالية الخديو إسماعيل, ويستمر موكب حركة التاريخ حزينا عقب هزيمة الثورة العرابية ثم يخيم علي مصر ظلام باغتيال مصطفي كامل عام 1908 مسموما بفعل الإنجليز عن عمر لم يناهز الرابعة والثلاثين (تعليق من الموقع : قالت معظم المصادر التاريخية أن مصطفى كامل مات بتأثير مرض السل الرؤوى). ولم تتوقف الاغتيالات السياسية الفردية التي كانت تقع علي جنود الإنجليز, بل وقد تشكل المجلس الأعلي للاغتيالات مكونا من أحمد ماهر, ومحمود فهمي النقراشي وغيرهما, وهذا المجلس هو الذي قرر اغتيال جميع رؤساء الوزارات والوزراء الذين تولوا الحكم في ظل الحماية البريطانية في وقت الثورة, هذا إلي جانب بعض محاولات الاغتيال التي لم تتم ومنها التآمر علي اغتيال الخديو عباس حلمي الثاني ومحمد سعيد باشا ناظر النظار خلال ركوبهما القطار وكان معهما اللورد كتشنر ولكن المحاولة فشلت ولم تنجح, وهناك محاولة لاغتيال السلطان حسين كامل في يوليو 1915 وهي لم تنجح أيضا وحكم علي الجاني بالإعدام شنقا, أيضا محاولة اغتيال سعد زغلول 1934 ولكنه نجا من المحاولة رغم أن رصاصتين قد أصابتاه حيث أحاطت الجماهير بسعد وتم القبض علي الجاني, أيضا محاولة اغتيال يوسف وهبة باشا رئيس وزراء مصر في أوائل 1920 والذي قام الخديو بتعيينه بهدف ضرب الوحدة الوطنية والتي تجلت بشكل واضح في ثورة 1919, وسأذكر هنا بعض هذه الاغتيالات التي حدثت في تاريخنا الحديث ومنها: اغتيال بطرس غالي باشا: هو رئيس النظار ووزير الخارجية, تم اغتياله في فبراير 1910 عند خروجه من وزارة الخارجية وحكم علي المتهم بالإعدام في يونيو 1910 وظهر أن المتهم كان عضوا في جمعية التضامن الأخوي التي كان الغرض منها أصلا دينيا ثم انقلبت إجرامية, حيث ادعي الورداني أن ما دفعه لاغتيال غالي هو الخيانة نتيجة توقيعه اتفاقية السودان في يناير 1899 ورئاسته المحكمة المخصوصة في حادثة دنشواي, وسعيه إلي مشروع مد امتياز قناة السويس, وحدثت وقتها حرب أهلية نظرا لأن المقتول مسيحي والقاتل مسلم هو إبراهيم الورداني. اغتيال السيرلي ستاك: هو سردار الجيش المصري وحاكم عموم السودان, وقامت مجموعة مكونة من تسعة شباب بقتله بشارع قصر العيني, في نوفمبر 1924, وهذه الجريمة تعد من أخطر الجرائم التي وقعت في مصر في القرن العشرين, فالسردار كان من كبار الرجال العسكريين, حدثت هذه الجريمة عقب انقطاع المفاوضات بين سعد زغلول ومستر رمزي ماكدونالد زعيم حزب العمال, وأعلن سعد زغلول فشل المفاوضات بسبب الروح الاستعمارية التي كان يتمسك بها البريطانيون, وفوجئ بعدها المصريون والإنجليز والعالم كله بذلك الحادث المروع, وكان من نتائج هذا الحادث أن أجبر سعد زغلول علي الاستقالة وجاءت وزارة أحمد زيوار باشا لتخلي السودان وتنفذ شروطا إنجلترا, كما نفذ حكم الإعدام في كل المتهمين ما عدا واحد حكم عليه بالأشغال المؤبدة وذلك في غضون ثلاثة أشهر من بداية المحاكمة, وأدت الحادثة إلي ازدياد نفوذ القصر والبريطانيين في مصر علي حساب الديموقراطية وفكرة الاستقلال الوطني. اغتيال اللورد موين: هي جريمة سياسية بالمعني الكامل, حيث قام اثنان من بيروت, عضوان في عصابة شتيرن الصهيونية الإرهابية في نوفمبر 1944 بقيادة إسحق شامير (الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء إسرائيل) باغتيال اللورد والتر موين وزير الدولة البريطاني بالشرق الأوسط المقيم في حي الزمالك بالقاهرة, بهدف إحداث صدي في الشرق الأوسط بالوقيعة بين مصر وبريطانيا لإجبار بريطانيا علي التسليم بالمطالب الصهيونية, وتم الحكم عليهما بالإعدام شنقا, وذلك في غضون ثمانية أيام من بداية المحاكمة, وكان من نتائج هذه الجريمة أن تم فضح الأسلوب الصهيوني. اغتيال أحمد ماهر: هو رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق والقيادي في الحزب السعدي المنشق عن حزب الوفد منذ أكتوبر 1944 بعد الانقلاب الدستوري الذي قام به القصر وأخرج به الوفد من الحكم, تم اغتياله في فبراير 1945 علي يد محمود العيسوي الطالب بالدراسات العليا للقانون وذلك لأن ماهر سعي إلي إسقاط المرشحين الستة من الإخوان المسلمين لعضوية مجلس النواب, وكان هذا تحديا للإخوان لأنه كان يريد تصفيتهم, فقام العيسوي بإطلاق الرصاص علي أحمد ماهر فأودي بحياته, وألقي القبض أيضا علي حسن البنا وأحمد السكري وعبدالحكيم عابدين وبعض الإخوان الذين اعتقلوا بتهمة الاشتراك في الاغتيال ثم أفرج عنهم بعد أن اعترف القاتل بانتمائه للحزب الوطني, ولكن هناك من يؤكد أن محمود العيسوي من الإخوان المسلمين وتستر تحت عباءة الحزب الوطني ليحمي جماعته من الضرر, حكمت عليه المحكمة بالإعدام ونفذ فيه الحكم. | الشيخ حسن البنا: هو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين, اغتيل في فبراير 1949, أثناء مغادرته جمعية الشبان المسلمين, بعدما التقي بعض رفاقه وأصيب معه رفيقه عبدالكريم منصور أثناء ركوبهما سيارة أجرة, وقيل فيما بعد إن الحادثة تمت بمباركة البلاط الملكي, وكان من نتائج الحادث أن أعلن النقراشي باشا (رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت) قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها, تم القبض علي المتهمين باغتياله وتقديمهم أمام محكمة جنايات القاهرة حيث صدرت ضدهم أحكام بالأشغال الشاقة, ولكن صدرت قرارات بالعفو عن كل المتهمين بعد حادثة المنشية في ديسمبر .1954 | محاولة اغتيال جمال عبدالناصر: تعرض لمحاولة اغتيال في أكتوبر 1954 في ميدان المنشية بالإسكندرية, ولكن لم نعرف هل هي كانت محاولة منفردة أم كان الإخوان المسلمون وراءها؟, حيث يحاول الإخوان المسلمون أنفسهم إرجاع تبعة ما حدث إلي تدبير من عبدالناصر للإطاحة بهم كقوة سياسية معارضة له, ولكنهم لم يقدموا وثائق تساند ما يقولون وكل ما قدموه هو مجرد اجتهادات وتفسيرات لا تعتمد في محكمة التاريخ كمستندات. الملك فاروق: توفي 1965 وهو لا يتجاوز الخامسة والأربعين, وهناك شائعات تقول بإن المخابرات المصرية قامت بوضع السم له علي يد أحد رجالها وهو إبراهيم البغدادي, ولكن ليس هناك ما يوحي بذلك, حيث أكد الإيطاليون الذين قاموا بتشريع الجثة أن سبب الوفاة كان نتيجة لهبوط في القلب, ولكن تبقي قضية وضع السم له معلقة إلي حين ظهور وثائق تاريخية حول هذا الموضوع تكشف لنا الحقيقة. | اغتيال أنور السادات: هو رئيس الجمهورية مصر الأسبق, وتم اغتياله علي يد الملازم خالد الإسلامبولي المنتمي إلي جماعة الجهاد, وذلك أثناء العرض العسكري بهدف بدء ثورة إسلامية بنفس نموذج الثورة الإسلامية في إيران, قام الإسلامبولي باغتياله لأنه رأي أن السادات أجري صلحا مع اليهود, واعتقل علماء المسلمين واضطهدهم وأهانهم, كما أن القوانين التي يجري بها حكم البلاد في رأيه لا تتفق مع تعاليم الإسلام وشرائعه, أما عبود الزمر فكان ينتظر مجموعة الجهاد التي كان من المقرر أن تستولي علي أسلحة وزارة الدفاع, وكان من المخطط له أن تصل هذه المجموعة خلال 30 دقيقة من مقتل السادات, ليتجه بها إلي مبني الإذاعة والتليفزيون للاستيلاء عليه ويعلن للعالم قيام ثورة إسلامية في مصر, وكان من المفروض أن يحرك الجهاد أتباعه في جميع مساجد القاهرة والأقاليم بحيث تنادي الأئمة من علي مآذن المساجد بعد سماع البيان رقم واحد لحث المسلمين للخروج في مظاهرات شعبية تهتف الله أكبر وتحرض الناس علي الخروج في الشوارع إيذانا ببدء الثورة الإسلامية الشعبية كما كانوا يزعمون ويخططون, ولكنه فوجئ وهو واقف في الميدان باللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق يقود مصفحة متجها بها إلي مبني الإذاعة والتليفزيون, فأدرك أن محاولتهم قد فشلت وأن الجيش تحرك لحماية مصر, فهرب عبود الزمر وأمر أتباعه بالهروب والاختفاء من تعقب رجال الشرطة لهم. | اغتيال الدكتور رفعت المحجوب: هو رئيس مجلس الشعب الأسبق الذي كان مهتما أن يقدم مشروع قانون الشريعة الإسلامية لمجلس الشعب للموافقة عليه في فرصة قريبة مواتية, إلا أنه اغتيل في أكتوبر 1990 قبيل تقديمه للمجلس, بواسطة بعض الجناة, قيل إن من بينهم صفوت عبدالغني قائد الجناح العسكري لتنظيم الجهاد, الذي حصل علي درجة الدكتوراه 2007, حيث حكم عليه بالسجن 5 سنوات لاتهامه بالتزوير وحيازة أسلحة بدون ترخيص, وظل في سجنه حتي .2005 | الدكتور فرج فودة: تم اغتياله في يونيو 1992 علي يد أفراد من الجماعة الإسلامية, وذلك إثر فتوي من شيوخ جماعة الجهاد علي رأسهم الشيخ عمر عبدالرحمن, وفي شهادة الشيخ محمد الغزالي في أثناء محاكمة القاتل وصف الغزالي فودة بمرتد وجب قتله, ذلك لأنه كان ينادي بأنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين, وكان يقول إن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد وأن يقود إلي دولة دينية, ولهذا ظن الكثيرون أنه ملحد, فهو كان قوة رهيبة مسلمة تهدد جماعات تجار الدين بهذه القوة الساحقة, ولهذا قرروا قتله لأنه مفكر. واستمرارا للاغتيالات السياسية, تم اغتيال ماجد العطيفي 1988 وكان محسوبا علي التيارات الجهادية, أيضا تم اغتيال المتحدث الرسمي للجماعة الإسلامية المصرية علاء محيي الدين 1992 أثناء سيره في أحد شوارع محافظة الجيزة وكان هذا الاغتيال بمثابة الشرارة الأولي لاندلاع قتال دام سنوات طويلة بين الجماعة الإسلامية ونظام مبارك. |
****** المراجع: محمود متولي, مصر وقضايا الاغتيالات السياسية (القاهرة 1985), هشام مبارك, الإرهابيون قادمون (القاهرة 1995). عبدالسلام الواحاتي, من أسرار اغتيال المحجوب إلي تفاصيل المحاكمة والبراءة (القاهرة 1994). السيد يوسف, الإخوان والعنف (القاهرة 1995). |