Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة أربع وستين بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

 

سنة أربع وستين

ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية
وعبد الله بن الزبير

في هذه السنة بويع لمعاوية بن يزيد بالخلافة بالشام، ولعبد الله بن الزبير بالحجاز، ولما هلك يزيد بلغ الخبرعبد الله بن الزبير بمكة قبل أن يعلم الحصين بن نمير ومن معه من عسكر الشام، وكان الحصار قد اشتد من الشاميين على ابن الزبير، فناداهم ابن الزبير وأهل مكة: علام تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟ فلم يصدقوهم.
فلما بلغ الحصين خبر موته بعث إلى ابن الزبير فقال: موعد ما بيننا الليلة الأبطح؛ فالتقيا وتحادثا، فراث فرس الحصين، فجاء حمام الحرم يلتقظ روث الفرس، فكف الحصين فرسه عنهن وقال: أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم. فقال ابن الزبير: تتحرجون من هذا وأنتم تقتلون المسلمين في الحرم؟ فكان فيما قال له الحصين: أنت أحق بهذا الأمر، هلم فلنبايعك ثم اخرج معنا إلى الشام، فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرم. فقال له: أنا لا أهدر الدماء، والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل مهم عشرة منكم. وأخذ الحصين يكلمه سراً، وهو يجهر ويقول: والله لا أفعل. فقال له الحصين: قبح الله من يعدك بعد ذاهباً وآيباً، قد كنت أظن أن لك رأياً، وأنا أكلمك سراً وتكلمني جهراً، وأدعوك إلى الخلافة وأنت لا تريد إلا القتل والهلكة. ثم فارقه ورحل هو وأصحابه نحو المدينة، وندم ابن الزبير على ما صنع، فأرسل إليه: أما المسير إلى الشام فلا أفعله ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم. فقال الحصين: إن لم تقدم بنفسك لا يتم الأمر، فإن هناك ناساً من بني أمية يطلبون هذا الأمر.
وسار الحصين إلى المدينة، فاجترأ أهل المدينة على أهل الشام، فكان لا ينفرد منهم أحد إلا أخذت دابته، فلم يتفرقوا، وخرج معهم بنو أمية من المدينة إلى الشام، ولو خرج معهم ابن الزبير لم يختلف عليه أحد.
فوصل أهل الشام دمشق وقد بويع معاوية بن يزيد، فلم يمكث إلا ثلاثة أشهر حتى هلك، وقيل: بل ملك أربعين يوماً ومات. وعمره إحدى وعشرون سنة وثمانية عشر يوماً.
ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم. ثم دخل منزله وتغيب حتى مات.
وقيل: إنه مات مسموماً، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ثم أصابه الطاعون من يومه فمات أيضاً، وقيل: لم يمت، وكان معاوية أوصى أن يصلي الضحاك بن قيس بالناس حتى يقوم لهم خليفة، وقيل لمعاوية: لو استخلفت؟ فقال: لا أتزود مرارتها وأترك لبني أمية حلاوتها.
ذكر حال ابن زياد بعد موت يزيد
لما مات يزيد وأتى الخبر عبيد الله بن زياد مع مولاه حمران، وكان رسوله إلى معاوية بن أبي سفيان، ثم إلى يزيد بعده، فلما أتاه الخبر أسره إليه وأخبره باختلاف الناس في الشام، فأمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وصعد المنبر فنعى يزيد وثلبه، فقال الأحنف: إنه قد كانت ليزيد في أعناقنا بيعة، ويقال في المثل: أعرض عن ذي فترة، وأعرض عنه عبيد الله، وقال: يا أهل البصرة إن مهاجرنا إليكم ودارنا فيكم ومولدي فيكم، ولقد وليتكم وما يحصى ديوان مقاتلتكم إلا سبعين ألفاً، ولقد أحصى اليوم مائة الف، وما كان يحصي ديوان عمالكم إلا تسعين ألفاً، ولقد أحصى اليوم مائة وأربعين ألفاً، وما تركت لكم قاطبة أخافه عليكم إلا وهو في سجنكم، وإن يزيد قد توفي وقد اختلف الناس بالشام وأنتم اليوم أكثر الناس عدداً وأعرضهم فناءً وأغنى عن الناس وأوسعهم بلاداً، فاختاروا لأنفسكم رجلاً ترضونه لدينكم وجماعتكم، فأنا أول راضٍ من رضيتموه، فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترضونه لدينكم وجماعتكم دجلتم فيما دخل فيه المسلمون، وإن كرهتم ذلك كنتم على أحد يليكم حتى تقضوا حاجتكم، فما بكم إلى أحد من أهل البلدان حاجة ولا يستغني الناس عنكم. فقام خطباء أهل البصرة وقالوا: قد سمعنا مقالتك وما نعلم أحداً أقوى عليها منك، فهلم فلنبايعك. فقال: لا حاجة لي في ذلك. فكرروا عليه فأبى عليهم ثلاثاً، ثم بسط يده فبايعوه ثم انصرفوا ومسحوا أيديهم بالحيطان وقالوا: أيظن ابن مرجانة أننا ننقاد له في الجماعة والفرقة!

فلما بايعوه أرسل إلى أهل الكوفة مع عمرو بن مسمع وسعد بن القرحاء التميمي يعلم أهل الكوفة ما صنع أهل البصرة ويدعوهم إلى البيعة له، فلما وصلا إلى الكوفة، وكان خليفته عليها عمرو بن حريث، جمع الناس وقام الرسولان فخطبا أهل الكوفة وذكرا لهم ذلك، فقام يزيد بن الحارث بن يزيد الشيباني، وهو ابن رويم، فقال: الحمد لله الذي اراحنا من ابن سمية! أنحن نبايعه؟ لا ولا كرامة! وحصبهما أول الناس ثم حصبهما الناس بعده، فشرفت تلك الفعلة يزيد بن رويم في الكوفة ورفعته.
ورجع الرسولان إلى البصرة فأعلماه الحال، فقال أهل البصرة: أيخلعه أهل الكوفة ونوليه نحن! فضعف سلطانه عندهم، فكان يأمر بالأمر فلا يقضى ويرى الرأي فيرد عليه، ويأمر بحبس المخطىء فيحال بين أعوانه وبينه.
ثم جاء إلى البصرة سلمة بن ذؤيب الحنظلي التميمي فوقف في السوق وبيده لواءٌ وقال: أيها الناس هلموا إلي، إني أدعوكم إلى ما لم يدعكم إليه أحد، أدعوكم إلى العائذ بالحرم، يعني عبد الله بن الزبير. فاجتمع إليه ناس وجعلوا يصفقون على يديه يبايعونه. فبلغ الخبر ابن زياد، فجمع الناس فخطبهم وذكر لهم أمره معهم وأنه دعاهم إلى من يرتضونه، فبايعه منهم أهل البصرة وأنهم أبوا غيره، وقال: إني بلغني أنكم مسحتم أكفكم بالحيطان وباب الدار وقلتم ما قلتم، وإني آمر بالأمر فلا ينفذ ويرد علي رأيي ويحال بين أعواني وبين طلبتي، ثم إن هذا سلمة بن ذؤيب يدعو إلى الخلاف عليكم ليفرق جماعتكم ويضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف.
فقال الأحنف والناس: نحن نأتيك بسلمة، فأتوه بسلمة فإذا جمعه قد كثف والفتق قد اتسع، فلما رأوا ذلك قعدوا عن ابن زياد فلم يأتوه. فدعا عبيد الله رؤساء محاربة السلطان وأرادهم ليقاتلوا معه، قالوا: إن أمرنا قوادنا فعلنا. فقال له إخوته: ما من خليفة فتقاتل عنه فإن هزمت رجعت إليه فأمدك، ولعل الحرب تكون عليك وقد اتخذنا بين هؤلاء القوم أموالاً فإن ظفروا بنا أهلكونا وأهلكوها فلم تبق لك بقية.
فلما رأى ذلك أرسل إلى الحارث بن قيس بن صهباء الجهضمي الأزدي فأحضره وقال له: يا حارث إن أبي أوصاني أني احتجت إلى العرب يوماً أن أختاركم. فقال الحارث: إن قومي قد اختبروا أباك فلم يجدوا عنده مكاناً ولا عندك مكافأة، ولا أردك إذا أخترتنا، وما أدري كيف أماني لك، إن أخرجتك نهاراً أخاف أن تقتل وأقتل، ولكني أقيم معك إلى الليل ثم أردفك خلفي لئلا تعرف. فقال عبيد الله. نعم ما رأيت. فأقام عنده فلما كان الليل حمله خلفه.
وكان في بيت المال تسعة عشر ألف ألف، ففرق ابن زياد بعضها في مواليه وادخر الباقي فبقي لآل زياد.
وسار الحارث بعبيد الله بن زياد، فكان يمر به على الناس وهم يتحارسون مخافة الحرورية وعبيد الله يسأله: أين نحن؟ والحارث يخبره، فلما كانوا في بني سليم قال: أين نحن؟ قال: في بني سليم. قال: سلمنا إن شاء الله. فلما أتى بني ناجية قال: أين نحن؟ قال: في بني ناجية. قال: نجونا إن شاء الله. فقال بنو ناجية: من أنت؟ قال: الحارث بن قيس، كان يعرف رجلٌ منهم عبيد الله، فقال: ابن مرجانة! وأرسل سهماً فوقع في عمامته.
ومضى به الحارث فأنزله في دار نفسه في الجهاضم، فقال له ابن زياد: يا حارث إنك أحسنت فاصنع ما أشير به عليك، قد علمت منزلة مسعود بن عمرو في قومه وشرفه وسنه وطاعة قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه فأكون في داره فهي في وسط الأزد، فإنك إن لم تفعل فرق عليك أمر قومك. فأخذه الحارث فدخلا على مسعود، ولم يشعر وهو جالس يصلح خفاً له، فلما رآهما عرفهما فقال للحارث: أعوذ بالله من شرٍ طرقتني به! قال: ما طرقتك إلا بخير، قد علمت أن قومك أنجوا زياداً ووفوا له فصارت مكرمة يفتخرون بها على العرب، وقد بايعتم عبيد الله بيعة الرضى عن مشورة وبيعة أخرى قبل هذه، يعني بيعة الجماعة. قال مسعود: أترى لنا أن نعادي أهل مصرنا في عبيد الله ولم نجد من أبيه مكافأة ولا شكراً فيما صنعنا معه؟ قال الحارث: إنه لا يعاديك أحد على الوفاء على بيعتك حتى تبلغه مأمنه، أفتخرجه من بيتك بعد ما دخله عليك؟

وأمره مسعود فدخل بيت أخيه عبد الغافر بن عمرو، ثم ركب مسعود من ليلته ومعه الحارث وجماعة من قومه فطافوا في الأزد فقالوا: إن ابن زياد فقد وإنا لا نأمن أن تلحظوا به. فأصبحوا في السلاح. وفقد الناس ابن زياد فقالوا: ما هو إلا في الأزد.
وقيل: إن الحارث لم يكلم مسعوداً بل أمر عبيد الله فحمل معه مائة ألف وأتى بها أم بسطام امرأة مسعود، وهي بنت عمرو بن الحارث، ومعه عبيد الله، فاستأذن عليها فأذنت له، فقال لها: قد أتيتك بأمر تسودين به نساء العرب وتتعجلين به الغنى. وأخبرها الخبر، وأمرها أن تدخل ابن زياد البيت وتلبسه ثوباً من ثياب مسعود، ففعلت، ولما جاء مسعود أخبرته أخذ برأسها يضربها، فخرج عبيد الله والحارث عليه وقال له: قد أجارتني وهذا ثوبك علي وطعامك في بطني. وشهد الحارث وتلطفوا به حتى رضي، فلم يزل ابن زياد في بيته حتىقتل مسعود فسار إلى الشام.
ولما فقد ابن زياد بقي أهل البصرة في غير أمير، فاختلفوا فيمن يؤمرون عليهم ثم تراضوا بقيس بن الهيثم السلمي وبالنعمان بن سفيان الراسبي الحرمي ليختارا من يرضيان لهم، وكا رأي قيس في بني أمية، ورأي النعمان في بني هاشم، فقال النعمان: ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من فلان، لرجل من بني أمية، وقيل: بل ذكر له عبد الله بن الأسود الزهري، وكان هوى قيس فيه، وإنما قال النعمان ذلك خديعةً ومكراً بقيس، فقال قيس: قد قلدتك أمري ورضيت من رضيت، ثم خرجا إلى الناس، فقال قيس: قد رضيت من رضي النعمان.
ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة
لما اتفق قيس والنعمان ورضي قيس بمن يؤمره النعمان أشهد عليه النعمان بذلك وأخذ على قيس وعلى الناس العهود بالرضى، ثم أتى عبد الله بن الأسود وأخذ بيده واشترط عليه حتى ظن الناس أنه بايعه، ثم تركه وأخذ بيد عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب بببة واشترط عليه مثل ذلك، ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وحق أهل بيته وقرابته وقال: أيها الناس ما تنقمون من رجل من بني عم نبيكم وأمه هند بنت أبي سفيان قد كان الأمر فيهم، فهو ابن أختكم، ثم أخذ بيده وقال: رضيت لكم به، فنادوه: قد رضينا، وبايعوه وأقبلوا به إلى دار الإمارة حتى نزلها، وذلك أول جمادى الآخرة سنة أربع وستين. وقال الفرزدق في بيعته:
وبايعت أقواماً وفيت بعهدهم ... وببة قد بايعته غير نادم
ذكر هرب ابن زياد إلى الشام
ثم إن الأزد وربيعة جددوا الحلف الذي كان بينهم وبين الجماعة، وأنفق ابن زياد مالاً كثيراً فيهم حتى تم الحلف وكتبوا بذلك بينهم كتابين، فكان أحدهما عند مسعود بن عمرو. فلما سمع الأحنف أن الأزد طلبت إلى ربيعة ذلك، قال: لا يزالون لهم أتباعاً إذا أتوهم. فلما تحالفوا اتفقوا على أن يردوا ابن زياد إلى دار الإمارة، فساروا، ورئيسهم مسعود بن عمرو، وقالوا لابن زياد: سر معنا، فلم يفعل وأرسل معه مواليه على الخيل وقال لهم: لا تتحدثوا بخير ولا بشر إلا أتيتموني به، فجعل مسعود لا يأتي سكة ولا يتجاوز قبيلة إلا أتى بعض أولئك الغلمان ابن زياد بالخبر، وسارت ربيعة، وعليهم مالك بن مسمع، فأخذوا سكة المربد، وجاء مسعود فدخل المسجد فصعد المنبر وعبد الله بن الحارث في دار الإمارة، فقيل له: إن مسعوداً وأهل اليمن وربيعة قد ساروا وسيهيج بين الناس شرٌّ فلو أصلحت بينهم أو ركبت في بني تميم عليهم. فقال: أبعدهم الله، لا والله لا أفسدن نفسي في إصلاحهم! وجعل رجل من أصحاب مسعود يقول:
لأنكحن ببه ... جاريةً في قبه
تمشط رأس لعبه
هذا قول الأزد، وأما قول مضر فيقولون: إن أمه كانت ترقصه وتقول هذا.

وصعد مسعود المنبر وسار مالك بن مسمع نحو دور بني تميم حتى دخل سكة بني العدوية فحرق دورهم لما في نفسه لاستعراض ابن خازم ربيعة بهراة. وجاء بنو تميم إلى الأحنف فقالوا: يا أبا بحر، إن ربيعة والأزد قد تحالفوا وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوها. فقال: لستم بأحق بالمسجد منهم. فقالوا: قد دخلوا الدار. فقال: لستم بأحق بالدار منهم. فأتته امرأة بمجمر وقالت له: مالك وللرياسة، إنما أنت امرأة تتجمر! فقال: است المرأة أحق بالمجمر، فما سمع منه كلمة أسوأ منها، ثم أتوه فقالوا: إن امرأة منا قد سلبت خلخالها، وقد قتلوا الصباغ الذي على طريقك وقتلوا المقعد الذي على باب المسجد، وقد دخل مالك بن مسمع سكة بني العدوية فحرق. فقال الأحنف: أقيموا البينة على هذا، ففي دون هذا ما يحل قتالهم. فشهدوا عنده على ذلك. فقال الأحنف: أجاء عباد بن الحصين؟ قالوا: لا، وهو عباد بن الحصين بن يزيد بن عمرو بن أوس من بني عمرو بن تميم، ثم قال: أجاء عباد؟ قالوا: لا. قال: أهاهنا عبس بن طلق بن ربيعة الصريمي من بني سعد بن زيد مناة بن تميم؟ قالوا: نعم، فدعاه فانتزع معجراً في رأسه فعقده في رمح ثم دفعه إليه وقال: سر، فلما ولى قال: اللهم لا تخزها اليوم فإنك لم تخزها فيما مضى، وصاح الناس: هاجت زيرا! وهي أم الأحنف كنوا بها عنه.
فسار عبس إلى المسجد، فلما سار عبس جاء عباد فقال: ما صنع الناس؟ فقيل: سار بهم عبس. فقال: لا أسير تحت لواء عبس، وعاد إلى بيته ومعه ستون فارساً. فلما وصل عبس إلى المسجد قاتل الأزد على أبوابه ومسعود على المنبر يحضض الناس، فقاتل غطفان بن أنيف التميمي وهو يقول:
يال تميمٍ إنها مذكوره ... إن فات مسعودٌ بها مشهوره
فاستمسكوا بجانب المقصوره
أي لا يهرب فيفوت. وأتوا مسعوداً وهو على المنبر فاستنزلوه فقتلوه، وذلك أول شوال سنة أربع وستين، وانهزم أصحابه، وهرب أشيم بن شقيق بن ثور فطعنه أحدهم فنجا بها، فقال الفرزدق:
لو أن أشيم لم يسبق أسنتنا ... وأخطأ الباب إذ نيراننا تقد
إذاً لصاحب مسعوداً وصاحبه ... وقد تهافتت الأعفاج والكبد
ولما صعد مسعود المنبر أتي ابن زياد فقيل له ذلك، فتهيأ ليجيء إلى دار الإمارة، فأتوه وقالوا له: إنه قتل مسعود، فركب ولحق بالشام.
فأما مالك بن مسمع فأتاه ناس من مضر فحصروه في داره وحرقوا داره.
ولما هرب ابن زياد تبعوه فأعجزهم فنهبوا ما وجدوا له، ففي ذلك يقول واقد بن خليفة التميمي:
يا رب جبار شديد كلبه ... قد صار فينا تاجه وسلبه
منهم عبيد الله يوم نسلبه ... جياده وبزه وننهبه
يوم التقى مقنبنا ومقنبه ... لو لم ينج ابن زيادٍ هربه
وقد قيل في قتل مسعود ومسير ابن زياد غير ما تقدم، وهو أنه لما استجار ابن زياد بمسعود بن عمرو أجاره، ثم سار ابن زياد إلى الشام وأرسل معه مسعود مائة من الأزد حتى قدموا به إلى الشام، فبينما هو يسير ذات ليلة قال: قد ثقل علي ركوب الإبل فوطئوا لي على ذي حافر؛ فجعلوا له قطيفةً على حمار، فركبه ثم سار وسكت طويلاً.
قال مسافر بن شريح اليشكري: فقلت في نفسي: لئن كان نائماً لأنغصن عليه نومه، فدنوت منه فقلت: أنائم أنت؟ قال: لا، كنت أحدث نفسي. قلت: أفلا أحدثك بما كنت تحدث به نفسك؟ قال: هات. قلت: كنت تقول. ليتني كنت لم أقتل حسيناً. قال: وماذا؟ قلت: تقول: ليتني لم أكن قتلت من قتلت. قال: وماذا؟ قلت: تقول: ليتني لم أكن بنيت البيضاء. قال: وماذا؟ قلت: تقول: ليتني لم أكن استعملت الدهاقين. قال: وماذا؟ قلت: تقول: ليتني كنت أسخى مما كنت.

قال: أما قتلي الحسين فإنه أشار إلي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله، وأما البيضاء فإني اشتريتها من عبد الله بن عثمان الثقفي وأرسل إلي يزيد بألف ألف فأنفقتها عليها، فإن بقيت فلأهلي وإن هلكت لم آس عليها، وأما استعمال الدهاقين فإن عبد الرحمن بن أبي بكرة أراد أن يروج فوقع في عند معاوية حتى ذكرا قشور الأرز فبلغا بخراج العراق مائة ألف ألف فخيرني معاوية بين العزل والضمان، فكرهت العزل، فكنت إذا استعملت العربي كسر الخراج، فإن أغرمت عشيرته أو طالبته أوغرت صدورهم، وإن تركته تركت مال الله وأنا أعرف مكانه، فوجدت الدهاقين أبصر بالجباية وأوفى بالأمانة وأهون بالمطالبة منكم مع أني قد جعلتكم أمناء عليهم لئلا يظلموا أحداً. وأما قولك في السخاء فما كان لي مال فأجود به عليكم، ولو شئت لأخذت بعض مالكم فخصصت به بعضكم دون بعض فيقولون ما أسخاه. وأما قولك ليتني لم أكن قتلت من قتلت فما عملت بعد كلمة الإخلاص عملاً هو أقرب إلى الله عندي من قتل من قتلت من الخوارج، ولكني سأخبرك بما حدثت به نفسي، قلت: ليتني كنت قاتلت أهل البصرة فإنهم بايعوني طائعين، ولقد حرصت على ذلك ولكن بني زياد قالوا: إن قاتلتهم فظهروا عليك لم يبقوا منا أحداً، وإن تركتهم تغيب الرجل منا عند أخواله وأصهاره فوقعت بهم، فكنت أقول: ليتني أخرجت أهل السجن فضربت أعناقهم، وأما إذ فاتت هاتان فليتني أقدم الشام ولم يبرموا أمراً.
قال: فقدم الشام ولم يبرموا أمراً، فكأنما كانوا معه صبياناً، وقيل: بل قدم وقد أبرموا فنقض عليهم ما أبرموا.
فلما سار من البصرة استخلف مسعوداً عليها، فقال بنو تميم وقيس: لا نرضى به ولا نولي إلا رجلاً ترضاه جماعتنا. فقال مسعود: قد استخلفني ولا أدع ذلك أبداً.
وخرج حتى انتهى إلى القصر ودخله، واجتمعت تميم إلى الأحنف فقالوا له: إن الأزد قد دخلوا المسجد. قال: إنما هو لهم ولكم. قالوا: قد دخلوا القصر وصعد مسعود المنبر، وكانت خوارج قد خرجوا فنزلوا نهر الأساورة حين خرج عبيد الله إلى الشام، فزعم الناس أن الأحنف بعث إليهم أن هذا الرجل الذي قد دخل القصر هو لنا ولكم عدوٌّ فما يمنعكم عنه! فجاءت عصابة منهم حتى دخلوا المسجد ومسعود على المنبر يبايع من أتاه، فرماه علجٌ يقال له مسلم من أهل فارس، دخل البصرة فأسلم ثم دخل في الخوارج، فأصاب قلبه فقتله، فقال الناس: قتله الخوارج، فخرجت الأزد إلى تلك الخوارج فقتلوا منهم وجرحوا فطردوهم عن البصرة.
ثم قيل للأزد: إن تميماً قتلوا مسعوداً، فأرسلوا يسألون، فإذا ناس من تميم تقول، فاجتمعت الأد عند ذلك فرأسوا عليهم زياد بن عمرو أخا مسعود بن عمرو ومعهم مالك بن مسمع في ربيعة، وجاءت تميم إلى الأحنف يقولون: قد خرج القوم، وهو يتمكث لا يخف للفتنة، فجاءته امرأة بمجمر فقالت: اجلس على هذا، أي إنما أنت امرأة.
فخرج الأحنف في بني تميم ومعهم من بالبصرة من قيس فالتقوا، فقتل بينهم ققتلى كثيرة، فقال لهم بنو تميم: الله الله يا معشر الأزد في دمائنا ودمائكم! بيننا وبينكم القرآن ومن شئتم من أهل الإسلام فإن لكم علينا بينة فاختاروا أفضل رجل فينا فاقتلوه، وإن لم تكن لكم بينة فإنا نحلف بالله ما قتلنا ولا أمرنا ولا نعلم له قائلاً، وإن لم تريدوا ذلك فنحن ندي صاحبكم بمائة ألف درهم. وأتاهم الأحنف واعتذر إليهم مما قيل، وسفر بينهم عمر بن عبيد الله بن معمر وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فطلبوا عشر ديات، فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا عليه.
وأما عبد الله بن الحارث ببة فإنه أقام يصلي بهم حتى قدم عليهم عمر بن عبيد الله بن معمر أميراً من قبل ابن الزبير. وقيل: بل كتب ابن الزبير إلى عمر بعهده على البصرة، فأتاه الكتاب وهو متوجه إلى العمرة، فكتب عمر إلى أخيه عبيد الله يأمره أن يصلي بالناس، فصلى بهم حتى قدم عمر، فبقي عمر أميراً شهراً حتى قدم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي بعزله ووليها الحارث، وهو القباع.
وقيل: اعتزل عبيد الله بن الحارث ببة أهل البصرة بعد قتل مسعود بسبب العصبية وانتشار الخوارج، فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير، فكتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلي بالناس، فصلى بهم أربعين يوماً، وكان عبد الله بن الحارث يقول: ما أحب أن أصلح الناس بفساد نفسي، وكان يتدين.

وفي أيامه سار نافع بن الأزرق إلى الأهواز من البصرة.
وأما أهل الكوفة فإنه لما ردوا رسول ابن زياد، على ما ذكرناه قبل، عزلوا خليفته عليهم، وهو عمرو بن حريث، واجتمع الناس وقالوا: نؤمر علينا رجلاً إلى أن يجتمع الناس على خليفة، فاجتمعوا على عمر بن سعد، فجاءت نساء همدان يبكين الحسين، ورجالهم متقلدوا السيوف، فأطافوا بالمنبر، فقال محمد بن الأشعث: جاء أمرٌ غير ما كنا فيه. وكانت كندة تقوم بأمر عمر بن سعد لأنهم أخواله، فاجتمعوا على عامر بن مسعود بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة الجمحي، فخطب أهل الكوفة فقال: إن لكل قوم أشربة ولذات فاطلبوها في مظانها، وعليكم بما يحل ويحمد، واكسروا شرابكم بالماء، وتواروا عني بهذه الجدران؛ فقال ابن همام:
اشرب شرابك وانعم غير محسود ... واكسره بالماء لا تعص ابن مسعود
إن الأمير له في الخمر مأربةٌ ... فاشرب هنيئاً مريئاً غير مرصود
من ذا يحرم ماء المزن خالطه ... في قعر خابيةٍ ماء العناقيد
إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيها ويعجبني قول ابن مسعود
ولما بايعه أهل الكوفة وكتبوا بذلك إلى ابن الزبير أقره عليها، وكان يلقب دحروجة الجعل، وكان قصيراً، فمكث ثلاثة أشهر من مهلك يزيد بن معاوية، ثم قدم عليهم عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري على الصلاة، وإبراهيم بن محمد بن طلحة على الخراج من عند ابن الزبير، واستعمل محمد بن الأشعث بن قيس على الموصل، فاجتمع لابن الزبير أهل الكوفة والبصرة ومن بالقبلة من العرب وأهل الجزيرة وأهل الشام إلا أهل الأردن في إمارة عمر بن عبيد الله بن معمر.
وكان طاعون الجارف بالبصرة فماتت أمه فما وجد لها من يحملها حتى استأجروا لها أربعة أعلاج فحملوها.
ذكر خلاف أهل الري
في هذه السنة بعد موت يزيد خالف أهل الري، وكان عليهم الفرخان الرازي، فوجه إليهم عامر بن مسعود، وهو أمير الكوفة، محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي، فلقيه أهل الري، فانهزم محمد، فبعث إليهم عامرٌ عتاب بن ورقاء الرياحي التميمي، فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل الفرخان وانهزم المشركون، وكان هذا محمد بن عمير مع علي بصفين على تميم الكوفة، ثم عاش بعد ذلك، فلما ولي الحجاج الكوفة فارقها وسار إلى الشام لكراهته ولاية الحجاج.

This site was last updated 06/30/11