أسقف نواكشوط يتحدث لـ"الأخبار الموريتانية" عن أنشطة الكنيسة وموقفها من التنصير
جورتال "الأخبار" 21/11/2010م

اعتبر مارتين هابي، رئيس الأسقفية الكاثوليكية في موريتانيا، أن العمل الخيري يظل أبرز جهود كنيسته كاشفا النقاب عن عدد من الأنشطة والمشاريع تديرها في البلاد.وقال هابي الذي يحظى بعلاقات واسعة في موريتانيا مع مسؤولين وبعض رجال الدين إن منظمة "كاريتاس" التابعة للفاتيكان حاضرة في موريتانيا في مجالات مختلفة من بينها السجن مشيرا إلى أن فلسفتهم تتمثل في مساعدة الإنسان "لا من خلال إعطائه بل من خلال تحريك قدراته وقواه. فإذا أعطينا من يتسول مثلا فإننا لا نحمي كرامته، وهذه المقاربة تجدونها في كل أعمالنا في الصحة والتكوين والتعليم".
وأشار هابي في مقابلة شاملة مع "الأخبار" تنشرها في إطار ملف "المسيحية والتنصير في موريتانيا" إنه ورافقة يحاولون "العمل بهدوء وهذا أسلوب ظللنا نتبعه مرارا" متسائلا "هل رأيتم يوما في البلاد سيارات كتب عليها "كاريتاس"؟ لن تجدوا ذلك، بل حتى حين يطلب بعض الممولين إقامة لافتات على بعض المشروعات التي نقيمها كالآبار ونحوها. نحن في الواقع لا نحفر آبارا ولكن نساعد الناس في حفر آبارهم هم، ولذا لا نريد مثل هذه اللافتات. نحن إذن نعمل بسرية" حسب قوله.
ونفى تأثر خطط الكنيسة بأعمال العنف التي استهدفت الغربيين في موريتانيا قائلا إن الأنشطة تتواصل كما هو مرسوم رغم "خيبة أمل" السفراء الغربيين من ذلك.
الأخبار: نشكركم على الفرصة للحديث معكم حول أنشطة الكنيسة ووضع المسيحيين في موريتانيا
أرحب بكم وأنوه إلى أن الكنيسة مؤسسة في غاية المرونة وبالتالي لا تتصوروا أننا شركة وأنني فيها بمثابة الرئيس المدير العام. إن أهم أنشطتنا هو العمل الخيري لصالح المحرومين حيث نبذل في هذه السياق جهودا متواضعة من خلال بعض الراهبات هنا في نواكشوط أو المناطق الداخلية. ثم إن منظمتنا كاريتاس حاضرة في السجن والعمل الاجتماعي. كما أن لدينا جهودا من أجل تحقيق إنجازات لصالح البلاد. لدينا حضور في بوغي، وهناك مشروع قيد الاكتمال في مكطع لحجار. يتعلق الأمر إذن بمشروعات للتنمية المندمجة تبدأ بمحو الأمية على أن يتطور لاحقا –حسب الحاجات التي ستظهر- إلى مجال الزراعة أو التنمية أو ترقية المرأة... إلخ. ليس من الصعب الحصول على متخصصين، أما ما هو صعب بالمقابل فهو العثور على أناس يعلمون كيفية إثارة اهتمام الناس والجلوس إليهم والاستماع إلى رغباتهم ومعرفة ما بوسعك تقديمه لهم وكيف يمكنك المساعدة. هذا هو أسلوبنا في العمل. وإذن هذا يدخل بصعوبة في إطار أسئلتكم.
الأخبار: هلا حدثتمونا عن تاريخ الكنيسة في موريتانيا؟
هي حديثة نسبيا. في الفترة الاستعمارية كان هناك رجال دين مع العسكريين الذين كانوا في البلاد ولم يكونوا دوما في إقامة مستمرة. وأول قسيس أقام البلاد استقر في مدينة روصو وكان مسؤولا عن البلد بشكل عام وليس عن الأجانب وحدهم بالضرورة. وقد كان مقدمه سنة 1958. إذن ليس وجودا قديما. أما أول أسقف تم تعيينه في موريتانيا فكان سنة 1965 وقد ارتأى أن يتم بناء الكنيسة في نواكشوط وهو ما اكتمل سنة 1968، وكما تلاحظون ليس هذا قديما.
الأخبار: ما العلاقة بين كنيسة نواكشوط وبقية الكنائس داخل البلاد؟
حسنا، نسمي هذا في الاصطلاح الكنسي "أسقفية" ويجب أن يكون على رأسها أسقف يقوم في نفس الوقت بمهمتي الإنعاش الروحي والتنسيق. وفي موريتانيا توجد أسقفية واحدة مقرها نواكشوط، ولدينا فروع في البلاد حيث توجد كنيسة في نواذيبو إذ إن وجود الأجانب يتركز في المدينتين. لكن لدينا أيضا وجودا في ازويرات بدأ مع قدوم الكثير من الفرنسيين لدى بدء استغلال مناجم الحديد، وفي إطار مخطط إقامة المدينة المنجمية تم بناء مسجد وكنيسة. ويوجد هناك قس يبلغ من العمر 78 عاما وأعتقد أنه سيتم تغييره. لدينا أيضا قس في أطار مع مجموعة من الراهبات ولديهم جهد اجتماعي من ضمنه مكتبة كما أن إحدى الراهبات طبيبة وأخرى ممرضة وينشطن في مجال مراكز التغذية وهناك راهبة تعمل في مجال الترقية النسوية. كلها إذن إنجازات متواضعة.
في نواذيبو يوجد قس منذ خمسين عاما. وفي هذه المدينة توجد وضعية إلى حدما خاصة منذ سنوات مع ظهور مشكلة المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء الذين يصلون هناك والذي نحاول مساعدتهم دون تمييز من خلال برامج للتكوين، لكن سكان نواذيبو يعلمون اليوم أن الموريتانيين يستفيدون من هذه التكوينات أكثر من المهاجرين.
الأخبار: هل تحاولون ثنيهم عن قرار الهجرة السرية؟
مطلقا. لكننا نساعدهم على التفكير ونوفر لهم بدائل. ليس الأمر مشروعا سياسيا على الإطلاق...
الأخبار: مشروع خيري إذن؟
نعم. بالنسبة لنا نحن المسيحيين فإن الأهم هو ما في الإنجيل في سفر "التكوين" من أن الله "خلق الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى". إذن فكل كائن بشري لا يتوفر على كرامته لا يمكنه النهوض بأن يكون صورة لله على أرضه. إذن نحن نحاول مساعدته واستثارته لا من خلال إعطائه بل من خلال تحريك قدراته وقواه. فإذا أعطينا من يتسول مثلا فإننا لا نحمي كرامته، وهذه المقاربة تجدونها في كل أعمالنا في الصحة والتكوين والتعليم. حتى مشروع التكوين في دار النعيم الذي حدثتكم عنه بدأ مع أطفال الشوارع والمراهقين في سجن القصر، فلأنهم ليس لديهم تكوين سيعودون إلى السجن ثم الشارع وهكذا دواليك. اليوم هناك أكثر من 200 مراهق ومراهقة أغلبهم كانوا في السجن أو الشارع، ولم يتلقوا تعليما أو درسوا سنة أو اثنتين قبل أن يتسربوا. نحن نبدأ تكوينهم تكوينا عاما قبل أن نعطيهم تكوينا مهنيا في أفق دمجهم كما نعمل مع الشركات من أجل تدريبهم ومن يثبت قدرته يحصل على عمل ومن لا... يعود بالطبع إلى الشارع.
بالنسبة للجنوب لدينا حضور في كيهيدي حيث لدينا مكتبة وبعض الراهبات يعملن في مجال الصحة والترقية النسوية. هناك أيضا مجموعة من الراهبات في بلدة "تيفوندي سيفا" قبالة "ماتام" يعملن في مشروع هناك لـ"كاريتاس" يتضمن روضة للأطفال وبعض الجوانب الاجتماعية المتواضعة.
وقد كسبت كنيستنا الكاثوليكية وكاريتاس ثقة كبيرة لدى السلطات الأمنية والحكومية ولذلك فإن بعثات الكنيسة ومؤسسة كاريتاس تجد الترحيب والأبواب مفتوحة في كل الأماكن في البلاد.
الأخبار: من بين المناطق التي لكم فيها حضور داخل موريتانيا ما هي المنطقة التي تقومون فيها بنشاط أكثر؟
كيف يقاس النشاط؟ كما قلت لكم فنحن لسنا شركة ولا نسعى لتحقيق رقم أعمال معين ولا نسعى إلى الانتشار بين أكبر عدد ممكن من الناس.
الأخبار: نرجو أن تتحملوا قلة اطلاعنا على كثير من الأمور، فنحن أكثر تعودا على التعامل مع الشركات!
(يضحك) لا بأس. لكن لهذا السبب استقبلتكم وأوضحت لكم من البداية أنه ليس بوسعي الإجابة على أسئلتكم كما هي لأننا لا ننطلق من ذات المقاربة.
الأخبار: ما هي علاقاتكم في الكنيسة الكاثوليكية بأتباع بقية المذاهب المسيحية في موريتانيا وخاصة من البروتستانت؟
من الناحية العملية لا توجد بيننا اتصالات. بصفتي أسقفا هنا منذ خمسة عاما حاولت التواصل معهم من أجل الوصول إلى مستوى من التشاور، لكن لم يثمر هذا. والمشكلة هي أنه في الكنيسة الكاثوليكية توجد تراتبية وتنظيم أما في الكنائس البروتستانية فهناك قدر كبير من الخضوع لدرجة لا ندري معها إلى من نتحدث.
الأخبار: هناك جالية مسيحية في موريتانيا من الأفارقة جنوب الصحراء وليسوا جميعا من الكاثوليك ويقوم بعضهم أحيانا بأداء شعائرهم في كنائس غير مرخصة. ما معلوماتكم بشأن وضعية هؤلاء وهل تبذلون جهودا لصالحهم؟
وضعهم ليس سهلا، والقضية ليست على مستوى الدين فحسب بل هي أيضا تبع للبلدان التي جاؤوا منها وما إن كانت منظمة جيدا أم لا. فعلى سبيل المثال، البنينيون ممن يولدون هنا يمكنهم الحصول على أوراق هوية. بالنسبة للسنغاليين أيضا ليس الأمر صعبا...
الأخبار: نحن نقصد من حيث وضعهم الديني، هل ترون أنهم يتعرضون لقمع؟
لا أرى في الأمر قمعا. يتعلق الأمر بخلاف في التصور. فحين يؤدون شعائرهم في أماكن عبادة غير رسمية تأتي الشرطة لإغلاقها بحجة أنها غير مرخصة والحال أنهم حين يطلبون ترخيصا لا يحصلون عليه.
الأخبار: كيف تصفون وضعهم إذن؟
وضعهم صعب لأنه كما قلت وضعيتهم مختلفة عنا. نحن جهة منظمة على خلافهم هم.
الأخبار: بصفتكم ممثلا للكنيسة الكاثوليكية كيف تصفون وضع المسيحيين في موريتانيا من حيث الحرية الدينية؟ هل تعتبرونه مريحا؟
نعم. كما قلت توجد حرية العبادة. فنحن لا نجد أي مضايقة و صعوبة في ممارسة عباداتنا وخلال الأعياد المسيحية فإننا نوجه رسالة إلى الحاكم الذي لا يتردد في إرسال وحدات أمنية لتأمين الكنيسة خلال اجتماعات الأعياد.
ولكني أيضا آمل أن توجد حرية الضمير، أي أن يكون بوسع موريتاني أن يقول: ليس فقط لأني ولدت مسلما وآبائي وأجدادي كانوا كذلك... بل وجدت شيئا آخر وأريد أن أكون كاثوليكيا أو بروتستانتيا أو بوذيا. قد يقال إن الإسلام هو اللحام الذي يوحد الموريتانيين جميعا. أنا أعتقد أن هذا الوضع لا تمكن المحافظة عليه بالإكراه.
الأخبار: هل تطالبون السلطات الموريتاني بأن تتيح حرية تغيير الدين؟
أجل. ولكن كما أقول دوما، ما دام الوضع القانوني على ما هو عليه فلن نغير شيئا في أسلوب عملنا. لا تتوقعوا أن نوزع إعلانات ونقوم بحملات. كلا، نحن نأمل فقط أن نتمكن من استقبال أولئك الذين يطرقون أبوابنا. وهذا جزء من الحق الإنساني.
الأخبار: وأنتم تطالبون به السلطات الموريتانية؟
نعم.
الأخبار: هناك معلومات تتحدث عن جهود لنشر المسيحية في موريتانيا. نحن نعرف موقفكم الرسمي من هذا لكن ما هي معلوماتكم بهذا الشأن؟
ليست لدي معلومات بهذا الشأن. أعرف أنه قبل 15 أو 12 عاما كان هنا رجال دين يجرون بعض الاتصالات وكنت على علم بها. لكن بعد ذلك تغير الوضع. ليس لدي معلومات. أسمع بعض الشائعات وأقرأ ما تكتبه الصحافة لكن ليس لي معلومات أخرى.
أنا أسقف الكنيسة الكاثوليكية في موريتانيا منذ 15 سنة واحتراما للتشريع الموريتاني المتعلق بالتبشير فإن كنيستنا تأخذه بعين الاعتبار ولا تقوم بأي عمل تبشيري.
واحترامنا هذا للتشريع الموريتاني المتعلق بالتبشير ساعدنا في تفادي المشاكل مع المجتمع ومع الدولة وحتى أعمالنا الخيرية في السجون لم تتعرض لأي مشاكل. بيد أن ثمة كنائس تبشيرية أخرى موجودة في موريتانيا ولا علاقة لنا بها وتعمل تحت غطاء العمل الخيري سبيلا إلى نشر تبشيرها لكننا نختلف مع هذه الكنائس على جميع المستويات وخاصة طريقة العمل والعلاقات.
وهنالك بابا كبير هو "بنديكت الثاني" قال إنه يعارض أن تكون الأعمال الخيرية والمساعدات المادية سبيلا إلى الضغط على الضمير البشري في إشارة إلى إرغام الناس على اعتناق ملا يقتنعون به.
ونؤكد أننا لسنا في موريتانيا من أجل التبشير رغم أن أعدادا من المواطنين الموريتانيين تدق أبوابنا من حين لآخر معلنين أن لديهم نوايا في اعتناق المسيحية لكننا نرد عليهم أن ذلك غير ممكن لأن موريتانيا دولة مسلمة ببيضها وسودها وأن التشريع لا يقبل ذلك. وإذا تغير التشريع الموريتاني المتعلق بمنع التبشير فلن تغير من منهجنا غير أننا سنقبل بشكل سري دخول أولئك الأفراد في المسيحية.
نحيطكم علما بأن عدة مسيحيين من جنسيات مختلفة اعتنقوا الإسلام بشكل جماعي في بلدية معط ملان وهذا لم يستدع منا المعارضة والضجر ولم نستدع الإعلام لإشعارهم بذلك بل التزمنا الصمت.
الأخبار: حصلت بعض الأحداث في موريتانيا واستهدف فيها رعايا غربيون، كيف أثر هذا على عملكم الاجتماعي؟
نحن نحاول العمل بهدوء وهذا أسلوب ظللنا نتبعه مرارا. هل رأيتم يوما في البلاد سيارات كتب عليها "كاريتاس"؟ لن تجدوا ذلك، بل حتى حين يطلب بعض الممولين إقامة لافتات على بعض المشروعات التي نقيمها كالآبار ونحوها. نحن في الواقع لا نحفر آبارا ولكن نساعد الناس في حفر آبارهم هم، ولذا لا نريد مثل هذه اللافتات. نحن إذن نعمل بسرية.
الأخبار: ولكن أنشطتكم تتواصل كما هو مرسوم؟
أجل مع، على الرغم من أننا بذلك نخيب ظن السفارات الغربية!
الأخبار: أنتم إذن لا تتقيدون بالنصائح الأمنية للسفارات؟
أوه... لو تقيدنا بها لكانت لدي مدرعات أمام بيتي ولاتبعت إجراءات مشددة. أنا لا أزال أمشي راجلا ولا ألاحظ أي شيء غير عادي... يجب الحذر فعلا ولكن هذا يصدق على كل البلدان. هناك طرد متفجر أرسل من اليونان إلى مقر المستشارية في ألمانيا ووصل إلى مكتب المستشارة وفي هولندا تم تفكيك طرد أيضا، لكن يجب أن نحافظ على هدوئنا.
الأخبار: ما هي علاقتكم بهيئة "وورد فيجن"؟
نحن منفصلون ولقد حاولنا منذ البداية الوصول إلى قدر من التشاور لكن واجهت الأمر صعوبات. هي هيئة دولية حاليا، لكن أصلها أمريكي. وهي هيأة ممركزة خلافا لكاريتاس التي تعتبر اتحادا. ففي الجمعية العامة لكاريتاس في "روما" لدى كاريتاس موريتانيا صوت ولدى كاريتاس الولايات المتحدة ولدى كاريتاس ألمانيا صوت ولدى كاريتاس باكستان صوت فهي إذن اتحاد، هذا في وقت تعتبر فيه "وورد فيجن" ممركزة وهنا بالضبط يمكن أن نتحدث عن "رئيس مدير عام"(يضحك) فهي منظمة كما لو كانت شركة، وفرعها هنا للتنفيذ. أما نحن فمحكومون بقانون الجمعيات الموريتاني. لدينا مجلس إدارتنا ولدينا جمعيتنا العامة.
الأخبار: وهل أنتم من يرأس "كاريتاس موريتانيا"؟
كلا، بل أنا عضو استحقاقي في مجلس إدارتها.
الأخبار: هناك إحصائيات تظهر من حين لآخر على الإنترنت وتتحدث عن أن نسبة المسيحيين في موريتانيا باتت تناهز 1%. ما معلوماتكم بهذا الخصوص؟
ربما. لا أعلم أي شيء عن ذلك. بالنسبة لي فحين يسألونني عن عدد الكاثوليك في موريتانيا أجيب بأن هناك من يأتي اليوم ويذهب غدا، هناك من يمثلون الجيل الثالث وهناك من يأتون لفترة 15 يوما وهناك من يأتون لسنة، وهناك من يقضون حياتهم كلها. إضافة إلى هذا، يوجد من يحضرون التجمعات ومن لا يحضرونها، وهناك من هم متدينون ومن هم غير ذلك. إذن لا أعلم أين سيبحث الناس عن هذه الإحصاءات. عادة ما أقول إن الموريتانيين مسلمون مائة في المائة ومنذ قرون عديدة.
الأخبار: وكيف تفسرون ظهور مثل هذه الإحصاءات؟
لا أدري. من الحقيقي أن هناك حضورا مسيحيا في البلاد، لكن من يقومون بالإحصاءات قد لا يفرقون بين المواطنين وبين الأجانب.
الأخبار: إذن من هنا في رأيكم تأتي هذه الإحصاءات؟
أعتقد ذلك. وهذا سؤال يطرح باستمرار. منذ فترة قصيرة حضرت حفل استقبال وطرحت علي سيدة فرنسية نفس السؤال وأجبتها نفس الإجابة وقد قالت لي: معك حق. وقد أضفت: أفترض أن أغلب الأوروبيين المقيمين هنا تم تعميدهم ذات مرة فهم إذن مسيحيون، ولكن ليسوا هم من أرى في الكنيسة، فكيف لي أن أعرف والحال أنه ليس منقوشا على وجوههم أنهم مسيحيون (يضحك)
الأخبار: كيف تتعايش مختلف العناصر داخل المجموعة المسيحية في موريتانيا؟
نحن نحرص على أن يشعر الجميع بالارتياح من راهبات ومؤمنين، من غربيين وأفارقة، ولا توجد تراتبية بينهم.
الأخبار: وكم عدد من يرتادون الكنيسة؟
الأمر يختلف فعادة يرتادها للصلاة ما بين 300 إلى 400 أسبوعيا، أما في أعياد الميلاد فيزداد العدد كثيرا حيث يناهز السبعمائة لدرجة أننا نضطر لإقامة الاحتفال خارج الكنيسة نظرا لضيقها.
الأخبار: هناك معلومة شائعة مفادها أن كنيسة نواكشوط هي الوحيدة في العالم التي لا يرتفع فوقها الصليب، فهل هذا دقيق؟
خلافا لبقية الكنائس في بلدان أخرى والتي بنيت قبل الاستقلال، فقد شيدت كنيسة نواكشوط بعد حيث دشنت عام 1968 وقد ارتأى أسقفها آنذلك أن يعطيها شكل خيمة كما تلاحظون إذا دققتم، ويوجد صليب ولكنه يؤدي إلى الداخل من أجل تجنب الإثارة.
الأخبار: لكن ما هي رمزية هذا؟
نحن لا نريد الضجيج. هناك مثل فرنسي يقول إن الضوضاء لا تؤدي إلى الخير والخير لا يؤدي إلى الضوضاء.
الأخبار: هل تقيمون علاقات مع علماء دين موريتانيين؟
نعم مع بعضهم ولكن لن نعطيكم أسماء.
الأخبار: ما الذي يمكن أن تصرحوا لنا به من معلومات حول علاقتكم بهم؟
هم أشخاص على قدر كبير من الأهمية، وخاصة ضمن الطرق وقد التقيتهم ورزتهم في بيوتهم، لكن بالطبع لن أصرح لكم بأسماء.
الأخبار وما ذا تناقشون في لقاءاتكم؟
مجرد تبادل الثقة. نعبر عن الاحترام المتبادل فنحن جميعا باحثون عن الله.
الأخبار: ذكرتم سابقا أن بعض الموريتانيين يطرقون أبوابكم، فهل من هؤلاء رجال دين؟
كلا، أبدا، أبدا، أبدا...
لقد قلت في البداية أن هذا ليس ما يشغلني. آمل أن تثقوا بي، لا أهتم لهذا (تغيير الدين). لقد وصلت إلى مالي سنة 1973 في عز حماسي. كان بلدا تقريبا مسلما مائة في المائة كما هو الحال هنا. وقد كنت كشاب غربي أحمل مثلا معينة وحين عايشت الشيوخ والناس البسطاء من رجال ونساء أدركت أنهم يتنفسون حضور الله.
ولم يكن بوسعي إلا أن أتعلم منهم. وهنا أود أن أحكي لكم نكتة صغيرة. كنت أقضي بعض المساءات مع صديق لي بمباري من مالي وكان يقوم بالترجمة بيني وبين أفراد عائلته. وفي إحدى المرات بعد أن تناولنا الطعام وبينما كان يرافقني إلى الباب قال لي: أنت شاب طيب ولكن يؤسفني أن أعلم أنك سترمى في نار جهنم. قلت له: يجب أن نعود ونجلس مرة أخرى على الحصير لنتحدث. وقلت له: أنا بالفعل غير مسلم، ولكن قرأت القرآن من أوله إلى آخره أكثر من مرة. وأعلم أن كل سوره باستثناء واحدة تبدأ بـ"بسم الله الرحمن". وفي كتابنا المقدس نطلق على الله "إله المحبه". فإذا كان رحمانا وكان إلها للمحبه فإنه لن يحرق تسعة أعشار الإنسانية بالنار لأنهم لم يتبعوا الدين الحق وإلا لما استحق تلك الأسماء.
الأخبار: ما علاقتكم بالمسيحيين في بلدان المنطقة الأخرى؟
بوصفي أسقفا لنواكشوط فكنيستنا عضو في مؤتمر أسقفي. هناك مستويات عديدة فيوجد المؤتمر شبه الإقليمي الذي يضم موريتانيا والسنغال والرأس الأخضر وغينيا بيساو ينعقد مرتين كل عام. ثم هناك المؤتمر الأسقفي الإقليمي لأساقفة البلدان الناطقة بالفرنسية والبلدان الناطقة بالإنغليزية ويلتئم كل ثلاث سنوات.
الأخبار: هل سبق أن نظمت مثل هذه المؤتمرات هنا في موريتانيا؟
نعم. حصل هذا مرة فقط عام 2005 بمناسبة الذكرى الأربعين لوجود أسقفية نواكشوط حيث دعوت بقية الأساقفة واجتمعنا هنا في موريتانيا.
الأخبار: أثناء تحقيقنا هذا عثرنا على ترجمات للإنجيل إلى اللهجة الحسانية، فهل كنيستكم هي من يقوم بهذه الترجمات؟
كلا، لعلهم البروتستانت هم من يقومون بذلك. فيما يخصنا فيوم يكون هناك طلب كبير على الإنجيل بالحسانية من قبل أشخاص يرغبون في اعتناق المسيحية ويكون القانون الموريتاني يسمح بذلك فسوف نتعب في البحث عن مترجمين، أما قبل ذلك فلمن سأترجم؟ لمن؟ هذا شبيه بما قرأته على الإنترنت نقلا عن صحيفة مغربية من أن الفاتيكان سيعين أسقفا عربيا في نواكشوط. ولكن لمن؟ في كنيستنا لا يوجد أي شخص يفهم العربية. قد يوجد لبنانيون ولكنهم مرتاحون للفرنسية ولا يوجد سبب لأن نتحدث لهم بالعربية. لا أقول إن هذا الوضع سيستمر 5 سنين أو خمسين سنة أو مائة سنة لأني لا أعلم. ولكن في الوقت الحالي لا يوجد سبب لترجمة الإنجيل، كما أن قصة تعيين أسقف عربي عارية عن الصحة.
الأخبار: تتهم جهات رسمية في موريتانيا بعض المسيحيين البروتستانت بممارسة التبشير بالديانة المسيحية. ما هو تعليقكم على هذا؟
هذه حركة أمريكية تحديدا ونسمي مثل هذه الجماعات "طوائف" وهي في الواقع تثير العديد من المتاعب، رغم أن هناك كنائس بروتستانية كبيرة أحترمها كاللوثريين على سبيل المثال. وخلافا لذلك، هناك أناس يعتقدون أنهم في مهمة مقدسة لتخليص الناس، انطلاقا من تصور مغاير لصورة الله يختلف عما شرحته آنفا من أنه إذا كان "الرحمان" و"إله المحبة" فليس من اهتمامنا التصرف بهذه الطريقة لتغيير دين الناس. ونتيجة لذلك أعتبر هذا تبشيرا عدوانيا للغاية، وأكثر من ذلك يحركه المال في الغالب.
الأخبار: هل حصل أن دخل بعض المسيحيين في موريتانيا في الإسلام؟
نعم، كثيرا ما حصل.
الأخبار: وما موقفكم من ذلك؟
لا أشعر بأي قلق إزاءه.
الأخبار: شكرا لكم.
أشكركم.