Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 عبدالناصر يطلب من قطب تفسيراً إسلامياً للميثاق.. فيقدم له ميثاقاً غيره! 

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
قطب والتفسير الإسلامى للميثاق
عربة مليئة بالأسلحة للإخوان
محاكمة الإخوان قبل وبعد الثورة
Untitled 3108
Untitled 3109
Untitled 3110
Untitled 3111
Untitled 3112
Untitled 3113
Untitled 3114
Untitled 3115

Hit Counter

 

عبد الناصر و الجماعة : من الوفاق إلى الشقاق .. «عبدالناصر» يطلب من «قطب» تفسيراً إسلامياً للميثاق.. فيقدم له ميثاقاً غيره! (الحلقة الأخيرة)
المصرى اليوم ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٠  اعترافات: المستشار الدمرداش العقالى - سجَّلها بقلمه: سليمان الحكيم
قبل أن تقرأ..
ظلت العلاقة بين عبدالناصر والإخوان المسلمين تمثل واحداً من أكثر الألغاز إثارة فى تاريخ مصر المعاصر.. ولقد طغت الخصومة - بل العداء - بين الفريقين، حتى أصبحت هى الأغلب على وصف العلاقة بينهما.. رغم ما يُجمع عليه المؤرخون من وجود علاقة ارتباط لعبدالناصر بجماعة الإخوان فى مرحلة مبكرة من تاريخه السياسى.. ولكن أحداً منهم لم يقف طويلاً عند تلك المرحلة فى تاريخ العلاقة بين الطرفين ليكشف لنا أسرارها ويحل ألغازها ليساعدنا على الإجابة عن العديد من الأسئلة المهمة والخطيرة، مما ينعكس بآثاره على المرحلة الحالية فى تاريخنا السياسى.
من هنا كانت محاولتى بحثاً عمن يستطيع الكشف عن أسرار تلك العلاقة بين عبدالناصر والإخوان، حتى عثرت عليه.. إنه المستشار الدمرداش العقالى، الذى كان أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى فى تنظيم الإخوان المسلمين.. وزعيم الطلبة الإخوان بالجامعة، فى الوقت الذى كان قد تبلور فيه نشاط الإخوان كحركة سياسية حتى كاد أن ينحصر فى مجال الشباب والطلبة، حتى أصبحت -أو كادت أن تصبح- حركة الإخوان المسلمين «حركة طلابية»..
وهو - العقالى - فوق ذلك، يمت بصلة القرابة للزعيم الإخوانى الأشهر - سيد قطب - صاحب أكبر تأثير فكرى وتنظيمى فى جماعة الإخوان، ربما أكبر من مؤسسها حسن البنا نفسه. وقد كان سيد قطب خال زوجة العقالى، كما كانا - العقالى وقطب - صديقين فى مرحلة الطفولة والشباب وذلك لانتمائهما إلى بلدة واحدة هى أسيوط.. هذا فضلاً عن أن العقالى كان قد انخرط فى صفوف الإخوان قبل أن ينضم إليها سيد قطب نفسه.
لهذا كله كان المستشار العقالى فى الموقع الذى يسمح له ليس فقط برؤية الأحداث عن قرب، بل المشاركة فيها بفاعلية وتأثير.
ولعل اعترافاته التى أدلى بها لى فى هذا التحقيق تلقى ببعض الضوء الذى نحتاجه للتأريخ لتلك الفترة الحساسة من حياتنا السياسية. وأرى أنه ينبغى علينا أن نأخذ ما يقوله الرجل فى هذه الاعترافات بما هو جدير به من اهتمام وتفكير، خاصة أنه يفجر الكثير من المفاجآت التى تقلب - بل ربما تعدل - الكثير من الأمور التى ظللنا نتعامل معها كمسلّمات تاريخية.
كان على جمال عبدالناصر أن يدفع دائماً فاتورة ولائه القديم للإخوان المسلمين، وكان الإخوان المسلمون أنفسهم ولا أحد غيرهم- هم أكثر الناس استغلالاً لضعف عبدالناصر أمام كل ما يمت إلى الإسلام بصلة.
فراحوا يطالبونه بدفع «الفواتير » أولاً بأول حتى إذا لم يجد معه ما يدفعه لهم.. كان الشجار والتشاحن ثم الصدام والاقتتال!
فبعد إصداره «الميثاق» راح الماركسيون يقدمون له الشروح والتفسيرات التى تناسب هواهم وميولهم، فخاف عبدالناصر من اتهام الإخوان له «بالتمركس» وهو اتهام- لو صح- يضعه فى خانة الكفار والمرتدين.. ولم يجد أمامه من ينقذه من هذا المأزق الذى وجد نفسه فيه، غير صديقه القديم سيد قطب، فأفرج عنه واستقبله فى بيته ليصارحه بحقيقة الأزمة، وطلب منه أن يكتب عن الإسلام والتفسير الإسلامى للميثاق.. واضعاً حداً لهذا المد الماركسى الذى وجد الساحة أمامه خالية فاستشرى.
ولكن سيد قطب الذى كان نرجسياً معتداً بنفسه، رأى أن يكتب «ميثاقه» هو بدلاً من أن يتحدث عن ميثاق عبدالناصر، وعن إسلامه هو بدلاً من إسلام الثورة وميثاقها.. فوضع «معالم فى الطريق» الذى أصبح ميثاق الإرهاب والتطرف بدلاً من ميثاق عبدالناصر الذى كان «معالم على الطريق» عنوان أحد فصوله.
وهكذا لم يشأ سيد قطب أن يضع نفسه فى مواجهة عبدالناصر، بل وضع نفسه فى مواجهة المجتمع كله، بعد أن رأى هذا المجتمع بكله وكليله مع عبدالناصر.. فلم يجد أمامه من وسيلة ينتقم بها من هذا المجتمع الذى رآه يسير وراء عبدالناصر غير اتهامه بالجاهلية ورميه بالكفر.. داعياً أتباعه إلى تجنب هذا المجتمع ومخاصمته والهجرة منه.. هجرة عقلية وروحية وجسدية، والخروج عليه ومقاتلته قتال المسلمين لمجتمع كافر جاهلى!
كل ذلك كتبه «سيد قطب» فى عهد عبدالناصر الذى راح يغمض عينيه ويصم أذنيه، ويكف يديه عن تلك الكتابات التحريضية خوفاً من اتهامه بالديكتاتورية والإرهاب والشيوعية!
الإرهاب والديمقراطية
وفى نهاية الأمر أفرزت كتابات سيد قطب ودعوته تنظيماً إرهابياً أخذ يخطط لنسف وتدمير المجتمع المصرى، فوجد عبدالناصر نفسه مطالباً بالتدخل حاسماً.. بعد أن أيقن أن الخوف من اتهامه بالإرهاب والتظاهر بالديمقراطية، قد جعل خصومه أكثر إرهاباً لتقويض المجتمع الذى نذر نفسه لتغييره إلى الأفضل.
ويروى المستشار الدمرداش العقالى لنا تفاصيل ما حدث بين عبدالناصر وخصومه.. بزعامة سيد قطب، فيقول:
بعد أن أفرج عبدالناصر عن سيد قطب، بدأ التحرك والكتابة والقول بحرية يضمنها له عبدالناصر شخصياً، فبدأ فى التجول بقرى مصر ومدنها ليقابل كل من يعرفه ومن لا يعرفه من أعضاء الإخوان المسلمين القدامى، وجاء إلى أسيوط وقابلته هناك فى شتاء ١٩٦٤، ليتحدث مع الناس حول ضرورة إعادة تجميع الإخوان المسلمين، فسألته عن الهدف من وراء ذلك، خاصة أنك كما قلت له تنعم بحرية لم تنعم بها فى أى عهد سابق، فتكتب ما تشاء، وتنشر كما تشاء، وتتحدث وتتصل مع من تريد فيما تريد.. فلماذا إعادة تجميع الإخوان؟ ومن الذى يضمن لك مثل هذا القدر من الحرية الذى تنعم به الآن أنت وجميع الإخوان؟
الاعتقال
وأذكر أننى اشتبكت معه فى معركة كلامية وقف فيها معى كثير من الذين كانوا يحضرون اللقاء، وأنهى سيد قطب معركته معى قائلاً: خير لى أن أسمعك تعارضنى الآن، من أن توافقنى مسايراً ثم تتراجع فى منتصف الطريق.
اعتزلت سيد قطب وجماعته بعد رفضى الانضمام إليهم عند مفاتحتى فى الأمر، حتى فوجئت بالإعلان عن تنظيم مسلح يتزعمه سيد قطب عام ١٩٦٥، لقلب نظام الحكم، وقد تم اعتقالى مع من اعتقل من أعضاء الإخوان القدامى، وبقيت أسبوعاً فى الحبس رهن الاستجواب والتحقيق وبعد الإفراج عنى بعدما ثبتت لجهات التحقيق براءتى، توافرت لى معلومات دقيقة عن التنظيم الجديد الذى نجح سيد قطب فى تشكيله بعد الإفراج عنه، وتركه ليعمل بحرية فى ظل حماية عبدالناصر شخصياً.
وبينما كان عبدالناصر فى زيارة لموسكو وصلته معلومات من رئيس جهاز المخابرات بأن الإخوان المسلمين بدأوا فى التحرك والخروج من أوكارهم فى وثبة جديدة على الثورة.
الصدام مع الإخوان
وهكذا اكتشف عبدالناصر أن المواجهة مع الإخوان باتت مسألة حقيقية.
طلب عبدالناصر من شمس بدران- وكان معه فى موسكو- أن يتصل بمخابرات الجيش ويأمرها بالبحث عن حقيقة الأمر.. فقد فشلت المباحث العامة ومباحث أمن الدولة فى الوصول إلى «أى شىء غير عادى» فى حركة الإخوان على الساحة فى الأيام الأخيرة، كما قال له وزير الداخلية قبل سفره إلى موسكو.
ولم تكد تمر ساعات على ذلك حتى تمكنت المخابرات الحربية فعلاً من اكتشاف معسكر للتدريب بمنطقة رأس البر، وعدد كبير من الخلايا فى تنظيم إخوانى مسلح بزعامة سيد قطب. كان يخطط لنسف عدد من الجسور والكبارى والمنشآت فى مصر. وتولت أجهزة المخابرات الحربية أمر القبض والتحقيق فى هذا التنظيم، وقد أعلن عبدالناصر- وكان لا يزال فى موسكو- قرار حل الإخوان المسلمين، و«إعادة اعتقال من سبق اعتقاله» من الإخوان المسلمين، وكان ذلك فى نادى الطلبة المصريين الدارسين بموسكو.
قطب يرفض العفو
والذى حدث أن عبدالناصر أرسل إلى سيد قطب من يخبره فى السجن بأن عبدالسلام عارف قد توسط له لدى عبدالناصر، بشرط أن يخرج من السجن ليسافر إلى بغداد.
ذهب هذا الرسول من قبل عبدالناصر إلى سيد قطب، بعد الاتفاق معه على ألا يسمح لسيد قطب بأن يفهم أنه موفد إليه بأمر عبدالناصر حتى لا يركب رأسه.. وكان عبدالناصر يفهم جيداً نفسية سيد قطب وتركيبته النرجسية.. ورغم ذلك، رفض قطب أن يلتمس العفو من عبدالناصر كتابة، بعد أن علم أن «عارف» يتوسط له، وقد فهم قطب من تلك الوساطة أنه مشمول بحماية عبدالسلام عارف، ولابد أن عبدالناصر لا يستطيع أن ينفذ فيه حكم الإعدام حرصاً منه على العلاقة الوطيدة التى تربطه بعارف.
وكان تقدير سيد قطب للأمر فى ذلك الوقت أن كتابة الالتماس إلى عبدالناصر سوف تنزل من قدره، وتحط من شأنه فى نظر أتباعه ومريديه.. وبذلك سوف يخسر كثيراً إذا ما أقدم على كتابة الالتماس بالعفو عنه لعبدالناصر، بينما لن يخسر شيئاً إن لم يكتبه، لأنه بتدخل عبدالسلام عارف قد ضمن البقاء على حياته، فليحيا إذن حراً كريماً دون كبوة الالتماس لعبدالناصر التى تحط من كرامته، وتشعره بالضعف أمام خصمه اللدود!
وحين سمع عبدالناصر بأن قطب رفض كتابة الالتماس بتخفيف الحكم عنه، اعتبر ذلك محاولة للى الذراع فقرر تنفيذ الحكم فيه.. ونفذ الحكم فعلاً بإعدام سيد قطب الذى راح ضحية نرجسيته وحساباته الخاطئة!
عبدالناصر مسلماً
وباعدام سيد قطب انتهت آخر وأخطر الحلقات فى الصراع المرير بين عبدالناصر والإخوان، وهو صراع على السلطة وليس على الدين، فلم يكن عبدالناصر قد فعل ما يبرر للإخوان صراعهم معه، بل لعل انتماء عبدالناصر للإخوان عقائدياً قد انعكس فى الكثير من القرارات التى اتخذها. واعتقد أن العمل الإسلامى بكل أبعاده فى مصر تلقى فى عصر عبدالناصر دعماً لم يتلقه منذ دخول الإسلام مصر. ولكن مع عداوته مع الإخوان استطاعوا حجب وتشويه آثار هذا العمل الإسلامى الناصرى، وهذا من قدرات الجماعة التكتيكية والحركية، بينما عجزت الناصرية أن تجلى هذه الآثار وتبرزها.
ولابد أن يصاب المرء بالحيرة والدهشة أمام الموقف العدائى الذى اتخذه الإخوان المسلمون من عبدالناصر وعهده.. فهو الموقف الذى ليس له ما يبرره، خاصة أن الرجل قد فعل كل ما كان فى وسع أى حاكم مسلم أن يفعله.. ولو كان حسن البنا نفسه - وهو زعيم الجماعة ومؤسسها - فى مكان عبدالناصر.. لما استطاع أن يفعل أكثر مما فعله عبدالناصر خدمة للإسلام والمسلمين؟
فلماذا إذن كان العداء والعدوان؟ ولماذا كان الخلاف والاقتتال؟ ولماذا حاولوا قتله غيلة، ثم حين فشلوا.. راحوا يحاولون قتله معنوياً بتشويه صورته والتشكيك فى إسلامه؟
يقول الإخوان - أو بعضهم - ممن شعر بحرج الموقف باغتيال رجل مسلم حقق للإسلام أكبر وأعظم إنجازاته فى العصر الحديث، إن محاولة الاغتيال التى جرت فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى صيف ١٩٥٤ ما هى إلا تمثيلية قام عبدالناصر بإخراجها لإيجاد المبرر المناسب الذى يسمح له بالتخلص من الإخوان شنقاً أو اعتقالاً.. ونحن نسأل هنا: ألم يكن انفجار مدبر تقوم به أجهزة عبدالناصر فى إحدى الحافلات العامة أو دور السينما كفيلاً بإيجاد مثل ذلك المبرر الذى كان عبدالناصر يبحث عنه لإعدام بعض الإخوان أو سجنهم؟
ثم ماذا يقول هؤلاء وقد شهد الكثيرون - ومنهم الباقورى، نائب حسن البنا نفسه - بأن عبدالناصر كان الوحيد فى مجلس قيادة الثورة الذى رفض التصديق على الحكم الذى أصدرته محكمة الثورة بإعدام عدد من قيادات الإخوان، وطالب زملاءه بتخفيف تلك الأحكام إلى السجن والاعتقال، حتى إن زميله جمال سالم، رئيس محكمة الثورة التى أصدرت تلك الأحكام، هدد بقتله برصاص مسدسه حين سمعه يطالب بتخفيفها.
ثم هل اتهام الإخوان باغتيال عبدالناصر، كان موجهاً إلى جماعة من الأبرياء لا تؤمن بالقتل والاغتيال كوسيلة لتصفية الخلافات؟
ثم ألم يكن هناك تنظيم إخوانى مسلح، هو «التنظيم السرى»، ولماذا كان سرياً حتى على قيادات الإخوان أنفسهم، إذا كان الهدف من إنشائه مشروعاً وأخلاقياً؟ إن الدمرداش العقالى، وهو أحد أبرز أعضاء ذلك التنظيم السرى أو «الجهاز الخاص»، يعترف بوجود هذا الجهاز، بل يعترف بكل العمليات التى نسبوا إليه القيام بها.
السرية للجميع
ويقول العقالى: إذا أردنا أن نعيد قراءة الحقبة التاريخية التى تبدأ بعام ١٩٤٥ وحتى قيام الثورة عام ١٩٥٢، لكى نحكم على مجمل نشاط الجهاز الخاص بقيادة عبدالرحمن السندى، كان علينا أن نأخذ بعين الحذر والتدقيق تلك الحوادث التى نسب إلى الجهاز الخاص أو «الجهاز السرى» القيام بها فى تلك الحقبة، لدى قراءة ملف الجهاز الخاص فى الفترة السابقة على ثورة يوليو علينا أن نكون حذرين فى إسناد تلك الحوادث إلى ذلك الجهاز لأن كثيراً منها ارتكبته أيد أخرى حيث كانت الساحة المصرية - قبل الثورة - مليئة بالحركات السرية المسلحة، التى ينتمى كل منها إلى أيديولوجية مختلفة،
وذلك بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين بالإضافة إلى الظروف المصرية المحلية التى تتمثل فى الاحتلال الأجنبى والفساد المستشرى فى جنبات الحكم وأجهزته مع التمايز الطبقى الواضح فى المجتمع، ولا شك أن تلك الظروف ـ محلية وعربية ودولية ـ كانت مناخاً مناسباً لظهور الكثير من الحركات السرية المسلحة التى ترى الحل للمشكلات المصرية فى العنف والقوة بديلاً عن الديمقراطية الغائبة فى مجتمع يتميز بالفوارق الطبقية الرهيبة.
ولم تكن تلك الحركات السرية كلها إسلامية، وأضرب لذلك مثلاً بحادثتين شهيرتين، يصل التعميم إلى إسنادهما إلى الجهاز الخاص للإخوان المسلمين، رغم وجود أدلة قطعية على عدم صلة ذلك الجهاز بوقوعهما، الأول هو حادث مقتل الدكتور أحمد ماهر، رئيس الوزراء المصرى المعروف، والثانى حادث مقتل سليم زكى حكمدار القاهرة ـ أو مدير أمن القاهرة ـ وهما الحادثان اللذان ينسب البعض وقوعهما إلى الجهاز الخاص للإخوان المسلمين.
الحزب الوطنى القديم
أما الحادث الأول وهو اغتيال الدكتور أحمد ماهر، فقد قام به فرد معلوم للجميع وهو محمود العيسوى، الذى كان منتمياً كما هو ثابت فى ملف القضية، إلى الحزب الوطنى القديم، الذى أسسه مصطفى كامل، وكانت هناك أرضية مشتركة يقف عليها ذلك الحزب مع جماعة الإخوان وهى الأرضية الإسلامية، فكلاهما كان يطرح الأمور من زاوية إسلامية واضحة، وربما لهذا السبب يقع بعض المؤرخين فى الخطأ حين ينسبون اغتيال أحمد ماهر إلى الإخوان.. وهم فى الواقع أبرياء من ذلك العمل، الذى قام به عضو منظم فى الحزب الوطنى الذى لا يوجد له أى ارتباط حركى أو تنظيمى بجماعة الإخوان وإن كان هناك ارتباط فكرى وأيديولوجى واضح بينهما، ومحمود العيسوى الذى كان متهماً باغتيال الدكتور ماهر، لم يقل أحد بعد وقوع الحادث أو أثناء المحاكمة التى جرت له إنه ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، فقد كان معلوماً للجميع أنه من الحزب الوطنى القديم، ولذلك تطوع للدفاع عنه أحد أبرز أقطاب الحزب وهو الدكتور على بدوى، عميد كلية الحقوق فى ذلك الوقت.
الماركسيون
أما سليم زكى حكمدار القاهرة فقد اغتيل فى كلية الطب جامعة فؤاد «قصر العينى» على إثر مظاهرة طلابية كبيرة، الثابت أن الذين قاموا بها هم الطلاب الماركسيون الذين يتزعمهم الطالب فؤاد محيى الدين الذى أصبح رئيساً لوزراء مصر بعد ذلك، وكان سليم زكى قد ذهب إلى قصر العينى على رأس قوة عسكرية من رجال البوليس لفض تلك المظاهرة الطلابية الماركسية فألقيت عليه قنبلة من فوق أحد المبانى أصابته مباشرة فلقى مصرعه، ولم يقر أحد من الذين حققوا فى تلك القضية تحقيقاً قضائياً أو تاريخياً أن الإخوان كانوا ضالعين فيها. وحين كنت عضواً بمجلس الشعب عن أسيوط، وكان ممدوح سليم زكى، ابن المرحوم سليم زكى، محافظاً لأسيوط، دار بينى وبينه حوار حول الحادث، وأكد لى ممدوح زكى أن الإخوان أبرياء من دم والده، وأن الطلاب الماركسيين هم الذين اغتالوه.
أما لماذا اغتيل الدكتور أحمد ماهر، فقد كان رئيساً لوزراء مصر أثناء نشوب الحرب العالمية الثانية ووصول معاركها إلى نقطة الذروة، ولهذا استصدر أحمد ماهر قراراً من مجلس النواب بانضمام مصر إلى معسكر الحلفاء ضد معسكر المحور، مما أثار غضب الشباب المصرى فى ذلك الوقت، وكانوا متعاطفين مع المحور ضد الحلفاء. على أمل أن تنتصر قوات المحور بقيادة ألمانيا على قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا، الأمر الذى سيضعف قواتها المحتلة فى مصر، فتنسحب من الأراضى المصرية ويتحقق الجلاء، وهو أسمى الأهداف وأغلاها، ولم يكن من المعقول أو المقبول فى نظر أولئك الشباب أن تنضم مصر لتقاتل مع القوات البريطانية وتناصرها وهى التى لاتزال تحتل الأراضى المصرية،
ولهذا اعتبر محمود العيسوى وغيره من الشباب فى أحزاب مصرية كثيرة غير الحزب الوطنى أو الإخوان المسلمين، أن القرار الذى استصدره أحمد ماهر من مجلس النواب بالانضمام إلى صفوف بريطانيا يشكل خيانة عظمى جزاؤها القتل. لهذا السبب الوطنى وحده، ودون أى خلفية إسلامية أو مبررات دينية، أقدم محمود العيسوى على اغتيال أحمد ماهر الذى استصدر ذلك القرار «الخائن» فى نظر الشباب إسلاميين وغير إسلاميين.
كذلك فإن سليم زكى لم يقتل لشخصه، بل قتل كرجل بوليس وجد نفسه فى مواجهة مع طلاب ثائرين، ولو كان أى شخص آخر فى موقعه فى تلك الموقعة لقتل كما قتل سليم زكى. وكانت تلك الفترة من عام ١٩٤٦ تتسم بالثورة والعنف فى الأوساط الطلابية والعمالية.
بداية العنف
أما الحوادث التى قام بها الجهاز الخاص للإخوان المسلمين فقد بدأت بعد القرار الذى اتخذته الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وقد أثار ذلك القرار الغضب فى نفوس الناس - إسلاميين وغير إسلاميين - ولكن أعضاء الجهاز الخاص للإخوان انفردوا فى التعبير عن غضبهم بالعنف، حين قرروا ضرب بعض المصالح والمشروعات التى يتملكها اليهود فى مصر، مثل شركة الإعلانات الشرقية «جريدة الجمهورية الآن».
اغتيال الخازندار
أما حادث اغتيال الخازندار، رئيس محكمة الجنايات، فقد وقع لأسباب مغايرة للأسباب السابقة. وترجع الأسباب الحقيقية لاغتيال الخازندار ليس فقط للأحكام المشددة التى وقعها على بعض أعضاء الجهاز السرى للإخوان الذين تمكنوا من وضع القنابل فى نادى الضباط الإنجليز، بمعسكر مصطفى باشا فى الإسكندرية، بل لأن تلك الأحكام المشددة التى أصدرها ذلك القاضى اقترنت بأحكام أخرى اعتبرها الإخوان مخففة جداً على أحد الجناة فى قضية مشهورة جداً فى ذلك الوقت وهى قضية «السفاح قناوى».
كان السفاح قناوى متهماً فى عدد من حوادث اختطاف الأطفال وقتلهم بعد الاعتداء عليهم، وقد تكررت تلك الحوادث فى الإسكندرية حتى تم اكتشاف مرتكبها وهو السفاح «قناوى» الذى اعترف بارتكاب تلك الحوادث جميعها. وثبتت عليه التهمة فى محاكمة شدت إليها أنظار المصريين جميعهم..
وكان الناس ينتظرون إعدام ذلك السفاح «قناوى» لبشاعة الجرائم التى ارتكبها، ولكن القاضى الخازندار لم يحكم عليه بأكثر من سبع سنوات فقط، بينما حكم - وفى نفس الجلسة - على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين وضعوا القنابل فى نادى الضباط الإنجليز، وهى قنابل لم تنفجر، بالأشغال الشاقة المؤبدة أى ٢٥ سنة.

This site was last updated 10/27/10