Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

بطرس غالى قتل لأنه قبطى

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
بطرس غالى قتل لأنه قبطى
اغتيـال بطرس غالي  سياسى  طائفى
اغ

Hit Counter

 

  «المصرى اليوم» تفتح ملف اغتيال بطرس باشا غالى بعد ١٠٠ عام على رحيله (٣ - ٣) .. رصاصات «الوردانى» تهدد الوحدة الوطنية.. وإجماع على أن الجريمة «سياسية»
٧/ ٤/ ٢٠١٠
[ بطرس باشا غالى ]
يعد حادث اغتيال بطرس باشا غالى فى ٢٠ فبراير ١٩١٠ الأول من نوعه فى مصر، منذ أكثر من قرن عندما قتل سليمان الحلبى كليبر، وأولى حوادث القتل السياسى، التى وقعت فى مختلف عهود الحركة الوطنية الحديثة، ولا جدال فى الصبغة السياسية للحادثة، لأن الأسباب التى دعت الوردانى إلى القتل هى أسباب سياسية، ولو لم يكن بطرس غالى قبطيًا لوقعت الجريمة، مهما كانت ديانة المعتدى عليه.
فى الحلقة الثالثة والأخيرة نرصد تسبب الحادث فى تصدع العلاقة بين مسلمى مصر ومسيحييها، وظهور أولى بوادر الفتنة تحت رعاية الاحتلال، ورغم نجاح جهود الجماعة الوطنية المصرية فى احتوائها مبكراً، بقيت النار تحت الرماد.
شغلت قضية الوردانى الرأى العام المصرى طوال هذه الفترة، وكان هناك من يعطف عليه ويرى ضرورة الإفراج عنه وعدم محاكمته. نجد سعد زغلول يؤكد أن أدلة المحكمة قاصرة فى حكمها بالإعدام على الوردانى، وإن كان يقول: «ولا أنتقد هذا الحكم فى ذاته ولكن الطريقة التى انتهت به. ولقد كان السير جورست متخوفًا من المسألة ويخشى ألا يحكم بالإعدام فيها، وأظهر لى هذه الخشية خصوصًا بعد الحكم التمهيدى».
وبذل الحزب الوطنى وغيره محاولات كثيرة للعفو عن الوردانى، واهتم الأوروبيون خاصة بالإسكندرية للعفو عن الوردانى، وكتبوا عريضة وقع عليها ١٥٠٠ شخص، ولكن «جورست» سعى لدى القناصل لوقف هذه الحركة، وأوعز بسرقة العريضة التى بلغ الموقعون عليها ثلاثة آلاف.
واستمرت الجماهير تدافع عن الوردانى واعتبروه بطلاً وطنيًا إلا أن السلطات البريطانية تمكنت من تثبيت أقدامها، فقد نشر القانونان الخاصان بالصحافة والاتفاقات الجنائية. وعلى إثر نشرهما خطب وزير الخارجية السير إدوارد جراى فى مجلس العموم البريطانى، مهددًا مصر بحماية الأقليات فيها، وتغيير المعاهدات العتيقة الخاصة بها وزادت الصحافة الاستعمارية من تحريضاتها.
رأى البعض فى الوردانى بطلاً وطنيًا، وأنشد الأستاذ على الغاياتى فى ديوانه «وطنيتى» «٢» قصيدته، التى جاء فيها:
ماذا جرى فى ساحة الديوان؟
فدوى نذير الموت فى الأركان
ماذا دهى شيخ الوزارة فارتمى؟
فوق الثرى يشكو الردى ويعانى
ما لى أراه مضرجاً بدمائه
وأرى الرغام بموضع النيشان
وافاه إبراهيم مجترئًا على
ما كان من بأس ومن سلطان
ورماه عن كثب بست عجلت
خطوات عزرائيل بالأكفان
وجاء فى ختام القصيدة:
سألوه فى التحقيق عن أسباب ما
نكروه من قتل ومن عدوان
فأجابهم أما القتيل فإنه فيما أرى من خائنى الأوطان
فى مصر والسودان آثار روت
عنه خيانة مصر والسودان
وقد بلغ من عمق الحادث وترسبه فى وجدان الأمة أن ظل صداه يتردد حتى تناقله الشعب فى طول البلاد وعرضها، وظل يتحدث عن بطولة الوردانى الأسطورية، وكيف أنه راح يطلق الرصاص على بطرس غالى، وهو يقول له: هذه من أجل السودان، وهذه من أجل دنشواى، إلا أنه قال ذلك بالفعل فى التحقيق وليس ساعة إطلاق النار التى لا تحتمل مثل هذا القول.
ولكن وقوع الجناية على رئيس وزراء قبطى وهذه حقًا مصادفة سيئة، جعل فريقًا من الأقباط يتصور أن القتل كان لأسباب دينية، فلقد كان الحزب الوطنى يرى أن الرجل قد خان وطنه وآذاه.
ولكن الصحف القبطية، ومعها كثير من القبط، كانوا يرون أن هذه الجريمة، التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ مصر الحديث، لم ترتكب إلا بدافع من التعصب الدينى، وأن بطرس غالى لم يقتل إلا لأنه قبطى. واتهموا الحزب الوطنى بأنه هو الذى هيج الرأى العام عليه بكتاباته واحتجاجاته على معاهدة ١٨٩٩ ودنشواى وقانون المطبوعات وقانون النفى الإدارى، واعتبروا أن تحريض صحف الحزب المستمر قد ساهم على الأقل فى تهيئة أسباب الاغتيال.
وعند ذاك انحرف بعض أفراد حركة القبط انحرافًا خطيرًا، فزادوا على الكتابة فى الصحف القبطية الشكوى إلى الصحافة الإنجليزية، والنقل عنها فى صحفهم، وسافر بعض رجالهم إلى إنجلترا، شاكين مستنجدين. ودعوا إلى إيجاد فرق من الاحتلال تجوب المدن لحماية الأقباط، وإغلاق الصحف التى تحرض على كراهية الأقباط.
وأعلن الأقباط اللجوء لدولة قوية تكون عضدًا لهم فى المستقبل، ودعوة لأن يحكم الإنجليز مصر مباشرة؛ لأن الخديو عباس فى نظرهم كان يساند الحركة الوطنية، ودعوا إلى إلغاء الجيش المصرى وزيادة قوات الاحتلال.
ورددت الصحف البريطانية، كما ردد الكولونيل «روزفلت» هذه التهمة، واستغلال هذا الحادث فى تفجير الخلافات الطائفية. كما أنها من القضايا السياسية التى حاولت إنجلترا استغلالها والتنديد بها، وإثارة الفتنة الطائفية فى مصر من خلالها.
المؤتمر القبطى والمؤتمر المصرى:
استغلت الصحافة القبطية الحوادث البسيطة التى كانت تحدث من الجماهير المتعاطفة مع الوردانى، وسيلة لإثارة جماهير الأقباط، وأخذت جريدة «المقطم» الموالية للإنجليز تنشر الروايات المختلفة والمهيجة لمشاعر المسيحيين المصريين، وراح «فانوس» يدعو للاحتلال ولحكم كيتشنر وبأنه لا سلامة للأقباط إلا مع الاحتلال، وعندما قدم المفتى فتواه فى قضية الوردانى، استخدمتها الصحافة الاستعمارية وسيلة للطعن فى الإسلام وإثارة الأقباط. وقالت «الجازيت» تعليقًا على الفتوى:
«إن الشريعة الإسلامية لا تحسب حياة الوزير المسيحى الأول شيئًا مذكورًا فى جنب أحقر المسلمين».
ونهجت الصحافة الاستعمارية الأخرى على غرار الجازيت، فقد مسخت المستند الأصلى الذى ساق فيه المفتى أسباب الرفض، لتوهم الناس أنه بمقتضى الشريعة الإسلامية لا يمكن الحكم على مسلم قتل مسيحيًا بالموت. وبعد أن شاعت فى أوروبا تلك الصورة الممسوخة وعملت عملها فى إثارة الحفيظة الدينية فى إنجلترا أرغم «جراى» على إظهار المستند الأصلى، فظهر أنه مستند عادى اتبعت فيه أوضاع اصطلاحية.
ومن هذا الجو المشحون بالكراهية الدينية والإثارة العنصرية، كان لابد وأن يؤدى إلى مواجهة أكبر وأخطر انقسام، وفعلاً تحول المؤتمر الأصلى للأقباط الذى كان مزمعاً عقده فى ١٩١٠ لبحث مشاكل الطائفة إلى مؤتمر عنصرى، وتبعه مؤتمر آخر سمى المؤتمر المصرى، وقد تما بتحريض المستعمرين.
نشطت الدعوة لعقد المؤتمر القبطى فى أسيوط بعد أن فشلت مساعى العقلاء من الفريقين، مثل إسماعيل أباظة، وواصف غالى فى الحد من عنف الثائرين وكبح جماحهم. وترددت الحكومة المصرية فى التصريح به خشية الفتنة واضطراب الأمن، وطالبت بعقده فى العاصمة حتى يمكن تلافى ما قد ينجم عنه.
وحاول البعض ممن يصطادون فى الماء العكر أن يستغل اجتماع المؤتمر القبطى الذى تقرر عقده فى سنة ١٩١١ فى تقوية النزعة الطائفية. كان من المقرر أن يعقد المؤتمر لبحث مشاكل الأقباط وخاصة تأييد سلطة المجلس الملى بحيث يكون له الإشراف على حسابات الطائفة فى الأوقاف، واشترك فى المؤتمر بعض العناصر الوطنية أمثال مرقس حنا، ومرقس فهمى والكاتب توفيق حبيب.
وعلى كل، قررت الحكومة المصرية عقد المؤتمر القبطى بناء على موافقة الحكومة البريطانية، فتم انعقاده فى يوم الأحد ٥ مارس سنة ١٩١١، بدعوة من مطران أسيوط وبرئاسة بشرى حنا بك، واستمرت جلساته إلى يوم الأربعاء ٨ مارس.
وانحصرت مطالبه فى:
١- طلب العطلة يوم الأحد بجانب الجمعة.
٢- أن تكون قاعدة التوظف هى الكفاءة وحدها دون نظر إلى نسبة الأقباط العددية فى السكان.
٣- وضع نظام لمجالس المديريات يكفل للأقباط تمتعهم بالتعليم حتى لا يقتصر التعليم على الدين الإسلامى وحده فى المدارس الأولية.
٤- وضع نظام يكفل تمثيل كل عنصر مصرى فى المجالس النيابية.
٥- جعل الخزينة العمومية مصدراً للإنفاق على جميع المرافق المصرية.
وأخذت بعض الصحف الاستعمارية تدعو المجتمعين إلى أن يحذوا حذو المسلمين فى الهند، الذين اتحدوا وشكلوا الحزب الإسلامى الهندى، وحتى تحدث الحكومة البريطانية نوعاً من التوازن بين المسلمين والأقباط.
وفى المقابل تولى مصطفى رياض باشا الدعوة إلى مؤتمر مصرى ينظر فى شؤون المصريين جميعًا– أقباطاً ومسلمين– وسماه المؤتمر المصرى، ولم يسمه المؤتمر الإسلامى، تأكيدًا لوحدة الأمة، وتجاهلاً للأساس الطائفى الذى قام عليه المؤتمر القبطى.
وتم انعقاد المؤتمر برئاسة مصطفى رياض فى يوم السبت ٢٩ أبريل عام ١٩١١، وظل منعقدًا إلى يوم الأربعاء ٤ مايو عام ١٩١١. وقد رجا الرئيس المجتمعين فى مفتتح المؤتمر أن يحكموا روح العدل وتأييد الروابط الوطنية فى مداولاتهم، وأن يكون التسامح، الذى عرف عن الإسلام، رائدهم فيما يقولون. وتلاه لطفى السيد بتلاوة تقرير اللجنة التحضيرية، فأكد أن المؤتمر يبحث فى المصلحة العامة، وينظر فى التوفيق بين العناصر المؤلفة للوحدة المصرية التى كاد يتصدع بناؤها من جراء المؤتمر القبطى.
وتوالى الخطباء فى هذا المؤتمر الثانى واعترفوا جميعًا بأن:
١- الأمة المصرية كلها من عنصر واحد.
٢- نواب الأقباط فى المجالس التشريعية قليلون.
٣- نظام التوظيف فى الحكومة مختل فاسد.
٤- الحقوق والمرافق فى مصر يجب أن تكون على الشيوع بين جميع المصريين على السواء لا امتياز لواحد منهم على أحد بكونه مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا.
٥- الإنجليز هم الذين بدأوا سياسة التفرقة.
وبانتهاء المؤتمر الأخير، انتهت الضجة كلها وعادت الأمة إلى صفائها السابق رغم ما حاوله الإنجليز من إشعال نار الفتنة، ومن أهم نتائج المؤتمر شعور السير «ألدون جورست» أن سياسته هى المقصودة بهذا الهجوم القبطى، فكتب تقريراً إلى حكومته يتنصل من ذلك، مدعياً أنه لم يسمع قبل ذلك عن هذه الشكوى، ولكن ذلك لم يكن يعنى فى الواقع غير الفشل الذريع للسياسة البريطانية فى مصر، التى أرادت أن تستفيد من الانقسام الذى يحدثه المؤتمر لتصفية الحركة الوطنية، فلم يكن بد من تغييرها وتغيير من يمثلها، فعُين اللورد «كيتشنر» معتمدًا بريطانيًا جديدًا.
واعتبر الأقباط هذا التعيين انتصارًا لهم، خاصة وقد بدأ «كيتشنر» عهده الجديد بإلغاء قانون المطبوعات، ولكن ليس معنى ذلك أن حال مصر قد تحسنت فى هذا العهد الجديد بل ظلت سيئة.
وأخيرًا عرف المصريون أن خيرهم فى إخراج اليد الأجنبية التى تسعى دائمًا إلى النيل من وحدتهم وعلى الرغم من هذا الظلام الذى أحاط بمصر والمصريين فى هذه الفترة، لم يكن دعاة الشقاق من القبط يمثلون أغلبية فيهم، ولا استطاعوا أن ينجحوا فى جذب الكثيرين إليهم، ولا كانوا يقصدون دعوة انفصالية. كذلك كان الشأن بالنسبة لذات الدعاة من المسلمين، إذ غلبت كفة العقلاء من الفريقين وأخذوا يهاجمون أى تماد فى الشقاق ويحذرون منه سواء كانوا من الحزب الوطنى أو حزب الأمة أو العاملين فى الحياة العامة من ساسة أو كتاب أو أدباء.
ونذكر هنا رسالة من واصف غالى إلى إسماعيل صبرى «من شعراء الطبقة الأولى فى العصر الحديث (١٨٥٤-١٩٢٣)»، يرجوه التوسط فى الصلح بين الطائفتين بعد قتل أبيه (بطرس غالى):
سعادة سيدى المفضال إسماعيل باشا صبرى
«قيل إن الشعراء أنبياء، إذ هم ساسة الأفكار وقادة الشعوب، فعسى أن يتبعك شعب مصر فتسلك به مسلك الحق والشرف. والآن يجب على كل عضو من أعضاء العائلة المصرية أن يعمل لما فيه التوفيق بين جميع العناصر، وقد رفعت صوتى الضعيف منادياً بالاتحاد والوئام. على أنى لست ذلك الرجل الذى فى استطاعته أن يحرك عواطف الأمة.
فهل لك يا سيدى أن تبذر بذور السكينة والوفاق، لتثبت شجرة المحبة والصفاء، فتثمر ثمار العز والمجد للبلاد. لعمرى إن صوتك هو المسموع المجاب، فنظمك سحر يجمع القلوب المتنافرة. وها نحن على مقربة من تاريخ ذكرى وفاة صديقك الحميم (٢١ فبراير). فهل تتفضل بنظم قصيدة تضمنها ما كنت ذكرته لى فى كتابك الكريم (مثل الأقباط والمسلمين فى مصر- وهما العنصران المكونان للأمة- كمثل العينين فى الوجه، يؤلم اليمنى ما يؤلم اليسرى).
وتكللها بالدعوة إلى أن يكون جدث الفقيد العظيم الحافظ كعبة يقصدها الوطنيون، ووصلة الارتباط المتين بين الأقباط والمسلمين. وإنى أشكرك من أجل ذلك باسم والدى، بل بصفتى ابناً حنوناً على وطنه وأمته، وتفضل بقبول احترام أخيك لك ود أبيه».
ويلبى إسماعيل صبرى الدعوة، فيكتب قصيدة يتحدث فيها عن مصاب المسلمين والقبط فى بطرس غالى، قائلاً:
معشر القبط يا بنى مصر فى السراء قد كنتم وفى الضراء
قد فقدنا منا ومنكم كبيراً كان بالأمس زينة الكبراء
فأقمنا عليه فى كل ناد مأتمًا داويًا بصوت البكاء
ومزجنا دموعنا بدموع بذلتها عيونكم فى سخاء
ورأينا فتك الرزيئة بالعقل وفعل المصاب بالعقلاء
بارك الله فيكم أنتم الناس وفاء إن عد أهل الوفاء
ثم يطلب إلى المسيحيين أن يصموا آذانهم عن دعاة الشقاق الذين يبذرون بذور الجفاء، فيقول:
لا تطيعوا منا ومنكم أناساً بذروا بيننا بذور الجفاء
لا تولوا وجوهكم شطر من عكر ما فى قلوبنا من صفاء
إن دين المسيح يأمر بالعرف وينهى عن خطة الجهلاء
لا يكن بعضنا لبعض عدواً لعن الله مستجيبى العداء
كما ينبغى أن نشيد بجهود الكثير من أبناء هذه الأمة من الأقباط الذين استطاعوا أن يضعوا الحادث فى حجمه الحقيقى وأن يتصدوا بحكمتهم البالغة وبصيرتهم النافذة إلى بعض هذه القلة التى أرادت أن تصطاد فى الماء العكر وتحاول إشعال الفتنة الدينية. ونفى فكرة وجود خلفية دينية أو طائفية وراء عملية الاغتيال أمثال «نصيف
المنقبادى»، و«مرقس حنا»، و«مرقس فهمى».
كتب مرقس فهمى المحامى يقول:
«إذا قتل الوردانى تعصبًا وحده أو شركاؤه، فليس ذلك دليلاً على أن كل المسلمين أرادوا هذا القتل بسببه.. التضامن هو روح الوطنية وروح كل اجتماع، فلا وطن بدونه، ولا مسلم بدونه، ولا أقباط بدونه».
كما ألقى خطبة فى اجتماع عقده القبط بحديقة الأزبكية، ينفى فيها عن المسلمين تهمة التعصب، مسفهًا أقوال الذين يتهمون طائفة من الأمة بالاشتراك فى اغتيال بطرس غالى جملة، ويحصر عمل الوردانى فى شخصه، مؤكدًا أن الجريمة التى راح ضحيتها رئيس الحكومة عمل يأسف له كل مصرى مسلمًا كان أو قبطيًا.
وقال مرقس حنا:
«إن التعصب إذا كان موجودًا فلا قضاء عليه إلا بالدستور، ودعا الأقباط إلى كتابة العرائض من أجل الدستور».
وكتب الأستاذ نصيف جندى المنقبادى المحامى إلى جريدة «الإكلير» فى باريس خطابًا يقول فيه:
«اسمح لى بصفتى مصريًا أن أقرر بعض نقط تتعلق بمقتل بطرس غالى باشا رئيس الوزارة المصرية، ليس من اختصاصى تقدير عمل إبراهيم الوردانى، ولكنى أريد من صميم فؤادى أن أبعد التهم التى أشاعها الإنجليز فى العالم ضد هذا الشاب، ليقللوا من النتيجة السياسية لعمله، فقد اتهموه بأنه فتى مختل الشعور، قليل الذكاء وأنه أطاع داعى التعصب بقتله بطرس باشا غالى المسيحى، الذى يقولون إنه كان حراً ووطنياً».
«أنا أعرف الوردانى شخصيًا فهو فتى شديد الذكاء كثير المعارف، ملأت صدره الوطنية الحرة وليس شخصًا متعصبًا.. وأنا بصفتى قبطيًا - أعنى مصريًا مسيحيًا– أصرح بأن حركتنا هى حركة وطنية مجردة ترمى إلى الترقى والحرية.. وما تهمة التعصب الإسلامى إلا من إشاعات الإنجليز التى يشيعونها ليبرروا المظالم التى يرتكبونها فى مصر».
من ناحية أخرى، فقد أثبت التحقيق وأثبتت المحاكمة، أن الاعتداء سياسى بحت، وأن أسبابه ودوافعه سياسية لا دخل للدين فيها بأى شكل من الأشكال، إن جريمة اغتيال بطرس باشا غالى غير تعصبية أو طائفية.
وقد افتتح السير ألدون جورست المعتمد البريطانى فى مصر تقريره عن الحالة العمومية لسنة ١٩١٠ بقوله:
«حدث فى الأيام الأخيرة من المدة التى تنطوى تحت هذا التقرير جريمة من الجرائم العظيمة عديمة الجدوى التى تشوه محاسن عصرنا من حين إلى حين والتى لم تكن معروفة فى مصر من قبل لحسن الحظ. أما الباعث على ارتكاب الجريمة فسياسى، ولم يكن للقاتل ثأر شخصى على القتيل ولا كان مدفوعًا بعامل التعصب الدينى».
ودل على هذه الحقيقة تكرار حوادث الاعتداء السياسى بعد هذه الحادثة، دون أن يكون لديانة المعتدى عليهم أثر ما فى توجيهها، ولا فى الباعث عليها. ولقد كانت هذه الحادثة وما صاحبها من اتهام الجانى بالتعصب الدينى، بداية تنكر فريق كبير من الأقباط للحركة الوطنية، حتى اضطر قادتهم الأحرار، وفى مقدمتهم الأستاذ ويصا واصف، والأستاذ مرقس حنا، إلى التردد وقتاً عن متابعة الحركة، مراعاة للفريق الساخط من الأقباط فلم يشترك الأستاذ ويصا واصف مثلاً، وقد كان من كبار أعضاء اللجنة الإدارية للحزب الوطنى، فى المؤتمر الوطنى، الذى اجتمع ببروكسل فى شهر سبتمبر ١٩١٠، وخسرت الحركة الوطنية وقتها مساهمته فيها.
ومن الحقائق التى تؤكد غياب البعد الطائفى فيما حدث:
١- اختيار بطرس باشا من قبل الخديو الذى كان يمثل فكرة الجامعة الإسلامية، ولما حاول جورست أن يلفت نظره إلى أن دين بطرس غالى ليس هو دين الأغلبية، ازداد الخديو إصرارًا على تعيينه رئيسا للحكومة.
٢- لقد استقبل الحزب الوطنى وزارة بطرس غالى استقبالاً حسنًا، كما أن محمد فريد قد كتب فى معرض الترحيب بالحكومة أن الأمة على استعداد لنسيان الماضى وفتح صفحة جديدة، فإذا كان بطرس غالى قد فقد بعد ذلك الوطنيين فلا جدال أن ذلك يرجع إلى سياسته وليس إلى ديانته.
٣- وأخيرًا فقد كان واصف باشا غالى وزير خارجية مصر فى وزارات الوفد منذ أيام سعد زغلول، وكان الحديث يدور دائماً عن وطنيته وكفاءته وأدبه. ونجده يغادر باريس على عجل لمجرد سماعه أن سعد باشا زغلول قد ضمه للوفد وليشارك فى الثورة، وعندما سأله الإنجليز مذهولين: «كيف تنضم لقتلة أبيك؟ فقال: «أفضل أن انضم لمن قتلوا أبى على أن انضم لمن قتلوا وطنى».
ويغادر مكرم عبيد، دون أن يدعوه أحد، منصب سكرتير المستشار الإنجليزى لوزارة العدل لينضم للثورة. ليس هذا فحسب، بل إنه عندما يختلف سعد مع عدلى يكن حول «مشروع ملنر»، ينفض السبعة المسلمون من حول سعد ولا يبقى معه متمسكًا بالحق الوطنى غير واصف غالى وسينوت حنا بك.
وعندما ينذر سعد بضرورة إيقاف نشاطه أو النفى ٧ ديسمبر ١٩٢١، لا يرفض الإنذار غير مصطفى النحاس وويصا واصف وسينوت حنا وواصف غالى ومكرم عبيد. وهذا ما سجله التاريخ، وليس واصف غالى فى نهاية الأمر إلا ابن بطرس غالى، فالمسألة ليست ديناً بل سياسة.
أعد الملف : د.خالد عزب : المشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة
صفاء خليفة : باحثة - مشروع ذاكرة مصر المعاصرة

 

 

 

 

This site was last updated 04/08/10