
| | حجج مصر القانونية والموضوعية في مبادرة حوض النيل الأهرام 27/5/2009م السنة 133 العدد 44732 كتبت : عطية عيسوي رفض مصر التوقيع علي اتفاقية الإطار القانوني لمبادرة حوض النيل إلا إذا ضمنت عدم المساس بحقوقها التاريخية وحصتها من المياه يستند إلي أسباب موضوعية وقانونية متعارف عليها دوليا وليس بهدف التميز عن غيرها من دول الحوض العشر أو رغبة منها في عدم التعاون معها للنهوض باقتصاداتها. فالمبادرة من الأساس هي اقتراح مصري تم طرحه عام1997 بهدف الاستفادة بأكبر قدر ممكن من فاقد المياه الذي يقدر بنحو96% من خلال إقامة مشروعات مشتركة وتبادل المعلومات وعدم نقل مياه النهر إلي خارج الحوض أو بيعها وإنشاء هيئة مشتركة لإدارتها مع تأكيد حق كل دولة في الحوض في مياهه وعدم قيام أي منها بالإضرار بحقوق الدول الأخري وعدم المساس بالحقوق التاريخية لها. لكن الوفد المصري وجد في آخر اجتماع لممثلي دول الحوض أن بنود الاتفاق لم تتضمن نصا صريحا بعدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية المكتسبة وأصر قبل أن يتم التوقيع علي إدراج نص صريح في الاتفاقية بذلك وأن تلتزم دول أعالي النيل( دول المنبع) عند إقامة أي مشروع مائي أو كهربائي بإجراءات البنك الدولي أي أن يتم اخطار بقية دول الحوض والحصول علي موافقتها قبل تنفيذه وأن يتم اتخاذ أي قرار بتعديل أي من بنود وملاحق الاتفاقية بالاجماع وضرورة موافقة مصر والسودان( دولتي المصب) إذا تم إقرار مبدأ اتخاذ القرار بالأغلبية. عوامل موضـوعية أما الأسباب الموضوعية التي يستند إليها الموقف المصري فهي أن مصر تعتمد علي مياه نهر النيل بنسبة95% علي الأقل وتقع في حزام الدول الفقيرة مائيا, في حين أن إثيوبيا تعتمد علي مياه النهر بنسبة1% فقط وكينيا بنسبة2% وتنزانيا بنسبة3% وبوروندي بنسبة5% وهي الدول التي تطالب بتعديل الاتفاقيات المنظمة لاستخدام مياه النيل خاصة اتفاقية1929. ويتضح من هذا أن هناك بونا شاسعا بين النسبة التي تحتاج إليها مصروالنسب التي تحتاجها تلك الدول.. حتي السودان لا يزيد اعتمادها علي مياه النهر علي15%. ومن الأسباب أيضا أن مصر ستحتاج وفقا لدراسة حديثة إلي17 مليار متر مكعب إضافة إلي حصتها بحلول عام2017 بعد أن انخفضت حصة المواطن المصري من1893 مترا مكعبا سنويا عام1960 إلي1000 متر مكعب فقط في السنوات الأخيرة ومن المتوقع أن تهبط إلي500 في السنوات القليلة المقبلة وهو ما لا يفي بالمتطلبات الأساسية لحياته. كما أن مصر والسودان لا تحصلان سوي علي أقل من4% سنويا من مياه النيل بمعدل55,5 مليار متر مكعب و18,5 مليار علي التوالي مع أن عدد سكانهما يصل إلي نصف عدد سكان دول الحوض. وتقدر بعض الجهات أن عجز المياه سيرتفع في مصر إلي32 مليار متر مكعب عام2025, وأن نصيب الفرد سينخفض إلي630 مترا عام2020. حجج قانونيـة أما الأسباب القانونية فهي كثيرة وراسخة ومجمع عليها دوليا. فحجة دول المنبع مثل إثيوبيا وكينيا وتنزانيا هي أن اتفاقيات1929 و1902 و1906 تم توقيعها بين مصر وبريطانيا التي كانت تحتل عددا من دول الحوض وبالتالي فهي غير ملزمة لها. فهذه الاتفاقيات تنص علي حظر إقامة أي مشروعات أو سدود علي النيل دون موافقة بقية دول الحوض حتي لا يتم الإضرار بحقوقها. لكن محاولة تنصل تلك الدول من تلك الاتفاقيات غير قانونية لأن الاتفاقيات حكمها حكم الحدود الموروثة عن الاستعمار لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا بموافقة جميع أطرافها حتي لا تنشب نزاعات وحروب مهلكة بين الدول. ففي عام1961 أقر معهد القانون الدولي قواعد عامة لإدارة المياه الدولية تتمثل في استغلال مياه الأنهار المشتركة استغلالا أمثل تستفيد منه جميع دول حوضه مع عدم التسبب في أي ضرر لأي منها باعتبار المياه موردا طبيعيا مشتركا لا يخضع لسيادة منفردة لأي دولة مع ضرورة تسوية النزاعات سلميا والتفاوض والتعاون والتشاور بشأن المشروعات المقترح إقامتها علي النهر وروافده. وشدد المعهد علي إقرار مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة في الموارد المائية وعدم المساس بها. أما اتفاقية فيينا لعام1978 المتعلقة بالتوارث الدولي للمعاهدات والاتفاقيات فقد أكدت أيضا هذا الحق, وتم تطبيقه حديثا عندما أقرته محكمة العدل الدولية عام1997 في نزاع بين المجر وسلوفاكيا. الحل في المياه المهدرة ولاتريد مصر التي تحرص علي علاقات طيبة مع كل دول الحوض أن تختص نفسها بما ينتقص من حقوق الآخرين, بل تقترح دائما من التعاون والمشروعات مايحقق متطلبات الجميع دون أن يؤثر ذلك علي حاجتها من مياه النيل. مصر تريد فقط الحفاظ علي حقوقها التاريخية في المياه والتعاون مع دول الحوض لزيادة نصيبها وأنصبة تلك الدول معا من خلال إقامة مشروعات تقلل من حجم المياه المهدرة في المستنقعات والفوالق الجيلية والتبخر, حيث تسقط علي دول الحوض مياه أمطار تقدر بنحو1670 مليار متر مكعب سنويا لايصل منها الي مصر والسودان سوي84 مليارا. ففي منطقة بحر الغزال بجنوب السودان يضيع212 مليار متر مكعب ولايصل منه الي مجري النيل سوي500 مليون متر أي(3%) بسبب الحشائش والمستنقعات, ويسقط علي إثيوبيا وحدها800 مليار متر مكعب سنويا أي نصف ما يسقط علي دول الحوض العشر ولايصل منها الي مجري النهر سوي60 مليار متر فقط, بحيرة فيكتوريا يبلغ إيرادها السنوي114 مليار متر مكعب لايتم تخزين سوي21 مليارا منها ويضيع هباء93 مليار متر مكعب, كذلك يصل الي بحيرة ألبرت34 مليار متر مكعب سنويا يفقد منها7.6 مليار, بالاضافة الي20 مليار متر تتبخر من بحيرة كيوجا و92% من المياه الساقطة علي حوض نهر كاجيرا في رواندا تضل الطريق. مشروعات ومساعدات مصرية كميات المياه المتاحة لدول الحوض تكفي كل احتياجاتها وتفيض لو تم التعاون لاستثمار ولو جزء من المهدر منها, ولن تكون هناك مجاعة يروح ضحيتها مئات الآلاف كما حدث في إثيوبيا عام1984 لو تم استغلال جزء من الأراضي القابلة للزراعة والتي تقدر بنحو450 ألف كيلو متر مربع لايزرع منها حاليا سوي60% لذلك اقترحت مصر مبادرة حوض النيل. وحتي قبل طرح المبادرة عقدت مصر عددا من الاتفاقيات الثنائية مع دول الحوض وقدمت مساعدات فنية ومالية ووافقت علي انشاء سدود علي مجري وروافد النهر بما لا يؤثر علي حصتها المائية ويحقق مصالح دول الحوض. فحجم مشروعات مصر المائية في دول الحوض يقدر بنحو300 مليون جنيه خاصة في جنوب السودان واثيوبيا وأوغندا وتنزانيا.. ومصر تبحث مع اثيوبيا انشاء مجموعة من السدود تقلل من فاقد المياه بالمستنقعات وتزيد ايراد النهر لمصلحة إثيوبيا والسودان ومصر.. كما قدمت منحة26.6 مليون دولار لتطهير بحر الغزال في السودان وحفر50 بئر مياه جوفية.. تقدمت بمبادرة بالاشتراك مع السودان وإثيوبيا لتنفيذ21 مشروعا لتجميع مياه الأمطار في أحواض للاستفادة بها.. واتفقت مع السودان عام1999 علي تنفيذ عدة مشروعات واستصلاح مساحات واسعة من الأراضي ومشروعات للانتاج الحيواني والتصنيع الزراعي والثروة السمكية.. ومنحت أوغندا14 مليون دولار لشراء معدات لمكافحة ورد النيل في بحيرة كيوجا وسبق ان ساعدت في انشاء سد أوين علي بحيرة فيكتوريا عام1954 لتوليد الكهرباء لأوغنذا, أما في كينيا فقد مولت حفر100 بئر مياه جوفية لتوفير مياه الشرب والزراعة وتعتزم إقامة مركز بحوث مائية في تنزانيا, وعرضت مصر علي دول الحوض الإبقاء علي معاهدة1929 مقابل قيامها بتمويل مشروعات لتحسين استخدام المياه والزراعة فيها, وفي عام1992 وقعت مع إثيوبيا اتفاقا ينظم التعاون في مياه النيل ويقضي بعدم اضرار أي منهما بالأخري, ويبحث استخدام مياهه طبقا لقواعد القانون الدولي. مصر لاترغب في العمل بقول الشاعر العربي القديم عمرو بن كلثوم: ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا وقد يسأل القاريء: هل تستطيع بعض الدول بناء سدود تحجز المياه وتنقص حصة مصر؟ والجواب انه برغم التلويح بذلك من وقت لآخر إلا ان القانون الدولي يمنع ذلك, كما ان شدة انحدار مجري النيل الأزرق مثلا لاتسمح باقامة سدود ضخمة والتكاليف المالية باهظة ولن يمول البنك الدولي مشروعا محل خلاف بين دول الحوض. |