المصدر : جريدة الأهرام 21/3/2009م السنة 133 العدد 44665 [ تحقيــــق الســــبت - دمــوع زبيـدة!]
بقلم : عـزت السـعدني
زبيدة التي ألف عنها الشاعر علي الجارم كتابا قبل نحو نصف قرن وقال عنها: إنها غادة رشيد المحسبة المنسبة ذات الحسن والطالع عيونها فجر وشعرها ليل وجيدها نيل ولسانها سكر وريحها عنبر..
صورة تخيلية لزبيدة نشرتها جريدة الأهرام ------------>
وقد أن عثرت, علي وثيقتين من أخطر وثائق الحملة الفرنسية علي مصر:
وثيقة زواجها من جنرال مينو ساري عسكر القطر المصري من بعد نابليون وكليبر.. ووثيقة إسلامة التي أصبح اسمه بعدها عبدالله مينو..
وللعلم وللتاريخ فإن الذي عثر عليهما: وثيقة الإسلام+ وثيقة الزواج هو الصديق العزيز المستشار ممدوح عطية وزير العدل الأسبق بين وثائق سجل الوقائع والحجج الشرعية القديمة في مصلحة الشهر العقاري في دمنهور.. حيث ظلتا179 عاما محفوظتين داخل دولاب أو خبرنق باللغة الفارسية في دفترخانة محكمة رشيد, وخصني وحدي بهما.
وقد استأذنت من الصديق محمد شعراوي محافظ البحيرة وإن كان يجلس الآن إلي يميني في تحفة مصر التاريخية أوبرا دمنهور.
بيت زبيدة الذي عاشت فيه وتزوجت هذا الجنرال الفرنسي الأصلع.. البيت هو بيت أبيها محمد البواب ومازال قائما حتي اليوم.. بعد أن رممه وجدده رفيق طريقنا ودربنا د. زاهي حواس
في الطريق قال رفيق الطريق: انت ذاهب للبحث عن زبيدة.. أما أنا فذاهب لأبحث عن الأوفيسيه بيشوي!
أسأله: ومن هو هذا الأوفيسيه!
قال: أوفيسيه يا عزيزي يعني ضابط بالفرنسية..
ندخل رشيد.. عند نقطة منه دخلت حملة فريزر الإنجليزية رشيد في عام1807. قبل212 سنة بالضبط.. منه دلف الجنود الانجليز إلي أزقة ضيقة تقودنا إلي دار زبيدة..ندخل مجمع مبان عمرها من عمر الزمن كلها من الطراز العثماني.. عمرها لا يقل عن مائتي عام ويزيد.. توقف السائق قائلا: هذا هو بيت محمد البواب..ونحن نصعد25 درجة من درجات سلم بيت زبيدة يقول رفيق الطريق: عمر هذا البيت بالسنوات الهجرية245 سنة وقد أقامه جد محمد البواب والد زبيدة كسبيل للمارة في البداية ثم بني فوقه هذا البيت علي الطراز العثماني.
صعدنا خمسة وعشرين درجة سلم حجري.. صالة استقبال يطلقون عليها اسم المندرة ويجلس الجنرال فوق أريكة عالية إلي جواره جلس الشيخ محمد البواب, ومن حولهم وأمامهم تناثر العسكر مع نفر من أهل الدار.
حجرة زبيدة نفسها ولكن بعد209 عاما..وكانت أجمل بنات رشيد وقد وصفها الشاعر علي الجارم بقوله: إنها غادة لم يخلق الله لا قبلها ولا بعدها في جمالها ودلالها وحسن لحظها وطيب ريحها وليل شعرها ولحظ عيونها ورائع قدها وممشوق عودها.. إنها عود المسك والريحان وورود الجناين معا!
الطخطابوش وهو اسم حجرة الجلوس علي أيامها..
دولاب زبيدة مازال فى حجرتها فى رشيد -------->
* التاريخ: قبل209 سنوات ميلادية وبالتحديد يوم17 رمضان من عام1213 بالتاريخ الهجري.
* الوقت: بعد طلوع الشمس بأربع ساعات ونصف الساعة.
اسم الجنرال جاك مينو.. من حوله جلس ووقف قوم كثيرون نذكر منهم السيد أحمد البدوي نقيب الأشراف: مولانا العلامة السيد أحمد الخضري المفتي الشافعي ومولانا الشيخ محمد صديق النايب المفتي الحنبلي ومولانا السيد محمد عز النايب المفتي المالكي.. وإلي اليمين جلس الأمير محمد بدوي جوريجي سردار مستحفظات وإلي جواره أحمد افندي جاويش مستحفظات وفي الصف الثاني جلس الحاج محمد محيي الدين والحاج بدوي الشناوي علي وجاويش كتخدا.. ويكتمل العدد بخلاف الجنرال مينو أربعة عشر من الشخصيات المصرية المسلمة والحاكمة ورجال الدين ومن خلف الجنرال مينو وقف بسلاحهم ستة من الجنود الفرنسيين وأمامه جلس علي دكة منخفضة مترجم اسمه روفائيل يترجم للجنرال ما يقوله الفقهاء والمشايخ.. ويترجم لهم ما يقوله الجنرال.
ويقف الجنرال جاك مينو لينطق بالشهادتين من خلف المفتي الشافعي بلسان ينطق العربية لأول مرة.. ( وطبعاً لم يفهم الجنرال مينو ما هو الإسلام ما دام هناك مترجم وكان كل هدفة هو كتابة عقد النكاح فى الإسلام وإتمامه على زبيدة )
وبدأ مصطفي أفندي في كتابة نصوص وثيقة إشهار إسلامة وبخط عربي يشبه مخطوطات المصاحف القديمة:
ما قولكم دام فضلكم في رجل أحب الإسلام وأهله ورغب فيهما تاركا لدين النصرانية ناطقا بكلمتي الشهادتين مصدقا علي الوجه الأكمل.. ثم أراد أن يتزوج بامرأة مسلمة علي كتاب الله العظيم وسنة نبيه التزوج بها والعقد عليها بشروطه الشرعية والجواب بأدناه والحمد لله حيث كان الحال والشرح في السؤال فيجوز للرجل المسلم المذكور خطبة, المرأة المسلمة والعقد عليها بشروطه الشرعية والله أعلم..
ويقف الجنرال ذو الوجه الأحمر مبتسما هذه المرة يحيي الجميع بايماءة من رأسه ومتقدم الجميع إلي باب الزوج ومن خلفه عسكر الفرنساوية.. وهو يقول بلسان لم ينطق العربية من قبل: نشكركم.. السلام عليكم...
ويجيء يوم السبت21 محرم سنة1215 هجرية أو14 يونيو في عام1800 ميلادية ليقلب حياة زبيدة ومينو رأسا علي عقب!
فقد وثب سليمان الحلبي بخنجره إلي صدر الجنرال كليبر فصرعه في الحال ليقفز غريمه الجنرال مينو إلي كرسي السلطة في مصر.
وتركت زبيدة بيت أبيها في رشيد لأول مرة وركبت إحدي السفن الفرنسية نازلة إلي الجنوب في طريقها إلي القاهرة بعد18 شهرا من زواجها من مينو.. وكانت حاملا في شهرها الثالث!
يوم الجمعة16 شعبان1215 هجرية أو2 يناير من عام1801 يقول الجبرتي تلقي مشايخ الديار رسالة فورية من وكيل الديوان يقول فيها: إن ساري عسكر ولد له مولود جديد.
وبالفعل كانت زبيدة وبعد نحو سنتين أول ثمرة من ثمرات هذا الزواج مولودا ذكرا أمر والده مينو أن يحمل اسم سليمان قاتل غريمه كليبر!
...............
................
أما أول دراسة عن زواج مينو وزبيدة فقد قام بها العالم المصري علي بك بهجت وعضو المجمع العلمي المصري وهو امتداد للمجمع العلمي الذي أنشأته الحملة الفرنسية وكان ذلك في عام1898 ويقول علي بهجت: لقد تتبعت أخبار مينو وأسرته وأطلعت علي مذكرات قواد فرنسا وانجلترا وأؤكد الآتي:
(1) عندما قرر مينو سفر زوجته إلي فرنسا طلب من الانجليز تصريحا لها وإن كان الترك في بادئ الأمر قد رفضوا أن تترك مدام مينو مصر.
(2) لما قام مينو في تورينو ثم في البندقية في إيطاليا أقامت معه زبيدة ويبدو أنها بعد موت زوجها في عام1810 قد انتقلت إلي مارسيليا في فرنسا.
(3) ولقد انجبت زبيدة من مينو ولدين كما قال الجبرتي إنه ولد في يناير1801 واسماه سليمان مراد جاك مينو ولعل هذا الابن قد توفي بعد موت أبيه في إيطاليا أو فرنسا, وإن كان يبدو أن لمينو ابنا آخر غيره من زبيدة نفسها لا أحد يعرف عنه شيئا!
* قال الجبرتي: إن زبيدة لم تغادر أرض مصر وبقيت مع ابنها سليمان.
* قال المؤرخون الفرنسيون.. إن زبيدة ماتت في فرنسا ولم تعد إلي مصر.
* وقال الدكتور أحمد حسين الصاوي أستاذ الصحافة في الجامعة الأمريكية: إن زبيدة سافرت إلي فرنسا مع ابنها سليمان مراد وهناك أهمل مينو أمرها. ومات طفلها ثم عادت إلي مصر بعد أن عانت كثيرا من المتاعب!
** قال لنا د. زاهي حواس: هذه ملحوظة للتاريخ:
(1) يقول الجبرتي في كتابه: إن زبيدة عندما تزوجت مينو كانت قد طلقت من رجل رشيدي اسمه سليم أغا.
(2) ويقول الشاعر المؤرخ علي الجارم في كتابه غادة رشيد الذي يدرس في المدارس الإعدادية في مصر: إن زبيدة كانت في الثامنة عشرة وكانت أجمل فتيات رشيد.. وكان الجنرال مينو هو أول زوج لها.